ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الثلاثاء 25/10/2011


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

«الإنسان أولا».. شرط التحرير والممانعة!

د.عبدالله القفاري

الرياض

24-10-2011

 المقاومة العظيمة هي مقاومة العدوان على الانسان - أياً كان هذا الانسان - واستعادة حضوره الانساني في معركة التحرير والبناء. أما مقاومة تفصل على مقاس مصالح الطائفة - أياً كانت هذه الطائفة - وتحالفات الانظمة فهي تفقد مشروعيتها وتفتت قوتها وتمكّن لأعدائها.لا أعتقد أن ثمة حالة فرز حادة وصادمة مرت بالطيف السياسي في المنطقة العربية والتي يعبر عنها مثقفون وناشطون وحزبيون ومناضلون سابقون.... كما حدث منذ أن اشتعلت الانتفاضة الشعبية في سورية .. وكلما تفاقمت الاحداث وتطورت التداعيات الداخلية والاقليمية والدولية تجاه هذا الوضع.. اتضحت مواقع الفرز أكثر.

هذا الحديث لا يعني أولئك الذين يوظفون مهاراتهم في تزوير المشهد - من واقع المشاركة الفعلية في غنائم وعطايا الاستبداد - وحشد الارباك وتغييب الرؤية الانسانية دفاعا عن نظام يواجه شعبه بالرصاص والراجمات والقذائف والشبيحة والمرتزقة وكل أدوات الادماء والتعذيب والقتل.. إنه يتوجه إلى اولئك الذين لا نشك انهم بلا توظيف يعمل ضمن دوائر الاستبداد او خطاب دعم النظام في مواجهة الشعب المقتول والمدمى والجريح... إنهم اولئك الذين مازالوا متوقفين عند حدود صراع وكأنه لا ملامح له سوى هجمة استعمارية جديدة تريد ان تأخذ المنطقة رهينة عقود، لتعيد رسم ملامح منطقة خالية من الممانعة والمقاومة لإسرائيل ولتضع مصالحها في قبضة نظام جديد يأتي على رافعة الديمقراطية المزيفة وتحت غطاء حلف الاطلسي وتحت عين الغرب المتربص بثورات العرب!!.

الخطاب يتوجه إلى اولئك الذين يحملون من مشاعر العروبة عناوينها الكبرى، ومن قضية العرب المركزية ممانعة ومقاومة للكيان الاسرائيلي هدفا رئيسيا، ومن منظومة كلما اقتربت من حق الانسان بالحرية والكرامة تراجعت أشواطا تحت إيحاءات المشاريع الاستعمارية الجديدة ونوايا الناتو وأبعاد المؤامرة على قلب العروبة النابض بالاسى والخوف!!.

يستعيد كثير من هؤلاء المسألة العراقية، وكأنها النموذج الذي لا حيدة عنه ولا مجال لتجاوزه.

ورغم التنديد بالاحتلال الامريكي للعراق ورفضه من منطق انه محاولة لرسم ملامح فوقية لنظام غير مستجيب، فالبيئة التي استولى فيها الاحتلال على رأس النظام لم تكن تحمل سوى مطامح الطوائف وصراعات الاضداد في مجال حساباته لا ترقى لبناء وطن. إنها حسابات طوائف ومكتسبات عشائر من كل نوع ونحلة وقومية مكّن لها هذا الاحتلال.

إلا أن الحالة العراقية التي يستشهدون بها لا تخدم مذهبهم في مطلب الحرية والتغيير... فلم يكن للحالة العراقية أن تصل الى ما وصلت اليه لولا أن نظاما قمعيا وطأ جباه العراقيين لعقود .. وساق مليون عراقي لحتفه في مواجهة غير محسوبة مع ايران، وابتلع الكويت في ليلة ليلاء، وقدم العراق مرتهنا، ليس في عام 2003 عندما سقطت بغداد تحت جنازير دبابات المارينز، إنما منذ صيف عام 1990... ليسقط أخيرا ثمرة يانعة في قبضة مليشيات الطوائف.

إن ما حدث في العراق لم يكن سوى من صنع نظام قمعي استئثاري جعل النظام الزعيم المهيب وأبناءه وأزلامه وأصنامه كل شيء في العراق. لقد كانت جريرة النظام هي من اسقط العراق وقدمه لقمة سائغة في فم الاحتلال وفم مليشيات الطوائف.

ولا ضمانة أيضا أن تأخذ التطورات الوضع السوري في حال سقوطه - بعد هذه الممارسات القمعية الدموية التي لا مثيل لها - الى حالة مقلقة بسبب تداعيات البيئة الداخلية التي تحمل ايضا إمكانية إثارة نزعات الطوائف والاقليات وهي تتقاسم إرث نظام لم يخلف سوى المعتقلات والخراب الكبير.

السؤال الذي يجب أن يطرح - مع الاعتراف بهذه المخاوف - هل يرى أولئك انبلاج فجر جديد من براثن نظم عرفتها المنطقة طيلة عقود، لم تقدم فيها سوى البؤس والاحباط والاسى والفقر والقهر .. هل ثمة مستقبل لنظام من هذا النوع .. وماذا يعني الوطن حينها هل يرونه وطنا أم كابوسا؟

اننا امام حالة مستعصية لنظام لا يريد ان يقدم ما يمكن أن يوثق به لاستعادة وطن من براثن الاحتلال الداخلي المقيم .. هناك احتلال أعظم وأفدح وأقسى حتى من الاستعمار الذي خبرته الشعوب العربية وقاومته واجبرته على الرحيل.. إنه نظام وضع شعبه بين خيارات قاتلة.. خياره أن تقبل أن يجهز عليك أو تجهز على نفسك بالصمت والموت البطيء.

ما هو السياق الذي يمكن ان تنتظم فيه رؤية انسانية اخلاقية تحمل قبل أي شيء آخر ملامح الانسان لا بقايا بواعث الايديولوجيا، وليست رهينة وعي مخضب بخطب شعارات لم يتجاوزها منذ الستينيات...

هل نملك الشجاعة لنقول "الإنسان أولا". فبعض المخاوف أكثر فداحة من الحقائق ذاتها. وكثير من المخاوف تجلب التوقف المريع حد الموت البطيء. وربما من حسن الحظ أن مخاوف اولئك أو مواقفهم لن تغير واقع الحال اليوم، ولا بكاؤهم على لبن عروبة النظام المسكوب سيُسكت شفاها تتلمظ عطشا للحرية.

أما تلك الذريعة التي بدأت تفقد فعلا مشروعيتها في زمن أصبحت فيه ممانعة قهر الداخل واستبداده وظلمه هي مصدر الحراك وعلته.. فهي مسألة الممانعة. فمن يقوى على ممانعة اسرائيل؟ ألم تُستخدم القضية الفلسطينية عقودا لتقوية كيان النظام وإغلاق فم الحريات وصناعة المزيد من اسوار العزلة عن رياح التغيير؟!

ماهي المشروعية التي يُبنى عليها خطاب ممانعة لا يتجاوز بناء تحالفات آنية لا هدف لها سوى بقاء النظام وهيمنته وحمايته.؟ وحتى لو كان ثمة ممانعة على النحو الذي يبرع البعض في ترويجه فهي جزء من تحالفات تعمل لصالح النظام لا صالح مشروع استعادة أرض محتلة او مواجهة تبعات قضم فلسطين قطعة قطعة. إنها ممانعة التحالفات التكتيكية، حيث قابلية الهدم والقضم والنقض. أما مقاومة حزب الله فمهما كانت تضحيات الحزب والمقاومة في لبنان في مواجهة الكيان الاسرائيلي فقد ظهرت أنها مقاومة ضمن اجندة وتحالفات يتضاءل فيها موقع الإنسان العربي المقموع.. الذي يطالب اليوم بتحريره أولا.

ماذا يمكن ان نقول عن مستقبل مقاومة تقدم مصالحها على مبادئ كبرى لايمكن تجاوزها في أي فعل مقاوم؟

من يريد تحرير الارض عليه ان يحرر الانسان أولا من عبودية النظم وقمع الاجهزة وقهر عصابات النظام... من يريد ان يبحث عن مشروعية تشكل فيها المقاومة جسدَ ونبض الشارع عليه ان يكون رهانه على الشارع الذي خرج مطالبا بحقوق لايمكن تجاوزها، أما ترويج وجهة نظر النظام في ممانعة الشعب، والتغاضي عن كل تلك الانتهاكات وربما المشاركة في دعمها... فهذا لن ينطوي عليه سوى هز أركان تلك المقاومة... بل ربما حتى مقاومتها.

المقاومة العظيمة هي مقاومة العدوان على الانسان أيا كان هذا الانسان، واستعادة حضوره الانساني في معركة التحرير والبناء. أما مقاومة تفصل على مقاس مصالح الطائفة - أيا كانت هذه الطائفة - وتحالفات الانظمة فهي تفقد مشروعيتها وتفتت قوتها وتمكّن لأعدائها.

إن الذين يعتقدون ان هذه الشعوب التي ثارت لكرامتها وحقها بالحياة، ستنتج انظمة تهادن الكيان الاسرائيلي او تقبل بوجوده واهمون. إن اسرائيل لا تخشى اليوم اكثر من ثورات الحرية على مستقبلها. إنها تعيش حالة اضطراب غير مسبوقة وهي تعيد قراءة مشهد لا يعطيها فرصة لالتقاط أنفاسها..

كما أن من المبالغة اذا لم يكن من الوهم، أن يُعتقد ان هذا الغرب - الذي يعبر عنه موقف دولي بطيء الاستجابة - يفضل تغييرا لا يضمن نتائجه لواقع يدرك حسابات ومقتضيات بقائه. إلا انه عندما تصل الأوضاع الى مرحلة حرجة، فهو لن يتردد في البحث عن موقع قدم في تحولات فاجأته ولم تُصنع على عينه.

الشعب العربي يحمل إرثا تاريخيا وثقافيا مقاوما وما ان يستعيد وطنه من قبضة جلاديه سيعرف حتما كيف يصنع فعلا مقاوما يتجاوز دعايات نظم الفساد والاستبداد. المقهور والأسير لايمكن ان ينتجا فعلا مقاوما حقيقيا، إنهما رهينة سيدهما الذي اعتمد على وسائل الاخضاع والسيطرة حتى قضى على قواهما وقدرتهما على التفكير والتعبير وقدرتهما على التفاعل مع قضايا أمتهما ووطنهما، وقدرتهما على بناء منظومة تستجيب لوعي آخر يتجاوز وعي نظم التوقف والاملاق الكبير.

=================

معنى الثورة: النهر ضد المستنقع

د.خالد الحروب

تاريخ النشر: الإثنين 24 أكتوبر 2011

الاتحاد

الثورة، وبالتعريف، مُكلفة وهي أقرب إلى المغامرة والمقامرة منها إلى أي شيء محسوب بدقة. والميل الإنساني التاريخي نحو التغيير والتخلص من الأمر الواقع الفاسد يفضل الإصلاح التدريجي إن كان قيد الاستطاعة، على الثورة العارمة. الإصلاح التدريجي يوفر على المجتمعات أكلافاً كبيرة تضطر لدفعها في خضم اندلاع الثورة. ذلك أن الثورة عندما تنفجر مدفوعة بأسباب حقيقية تطال شظاياها كل جوانب حياة المجتمعات، وتزلزل ما استقر من زمن طويل. لكن عندما تنسد كل منافذ الإصلاح التدريجي أو حتى البطيء جداً تجد الشعوب نفسها أمام خيار الثورة بكل أكلافه.

بهذا المعنى تغدو الثورة، وبكونها الحل الأخير، علاجاً بالكي بعد فشل كل أنواع العلاج الأخرى.

الثورة تندفع على الوضع القائم الفاسد المُستبد كما يندفع النهر على المُستنقع. المستنقع هو مستودع التكلس، والجمود، وتتراكم في أعماقه كل أنواع التعفنات وأمراضها. كلما مر وقت أطول على المستنقع من دون أن يطاله جريان الماء يزداد تكلساً وتعفناً (بالقبلية، والطائفية، والفساد، والمحسوبية، وكل ما صار معروفاً). الشكل الخارجي للمستنقع يوحي بالاستقرار والأمان: حدوده واضحة، وأفقه معروف، ولا حركة فيه مجهولة المسار والمصير. المجتمعات التي تعاني من وطأة الاستبداد الطافح تتحول إلى مستنقعات منطوية على نفسها وعلى أغوارها السوداء. الحرية هي الآلية الوحيدة التي تمنع تحول المجتمعات المستقرة إلى مستنقعات، لأنها كالنهر دائم الجريان يدور في جنبات المجتمع طولًا وعرضاً، ينظف عوالق التكلس، ويندلق على كل بقعة تعفن قد تطاله فيطهرها.

وصلنا في المنطقة العربية إلى مفترق طرق عسير: إما التمسك بالمستنقع، واستقراره الخادع وتعفنه العميق، وإما الانحياز للنهر المتدفق الذي سيجرف المستنقع ويقضي على العفن. صعوبة الاختيار على مفترق الطرق تكمن في أن نهر الثورة الجارف سوف يندفع بكل الطاقة المكبوتة لعقود ولا يُعرف بأي اتجاه سوف يسير بعد جرفه المستنقع، وهنا المقامرة الكبرى. وهنا السبب الذي يعطي منطقاً وأفضلية لأطروحة الإصلاح التدريجي إنْ كان حقيقياً وليس تجميلياً ونفاقياً. الإصلاح التدريجي يتفادى المقامرات الكبرى، أو ما يمكن أن ينتج بعد انجراف المستنقع، يمنح الجميع إمكانية الانتقاء والتجريب والتحسين وبطبيعة الحال الإبقاء على أية إنجازات من حقبة المُستنقع مهما كانت متواضعة. إنه لا يبدأ من الصفر، لا يقيم الدمار والانجراف حتى يبدأ المسيرة الجديدة كما يفعل النهر.

في غالب الدول العربية إن لم نقل كلها لم تُطلق النخب الحاكمة مشروعات إصلاح حقيقي تحافظ على ما تم إنجازه، وتطلق بها طاقات مجتمعاتها في مناخ من الحرية والمشاركة السياسية، وتتفادى غضبة النهر واندفاعه. الإصلاح المُطبق كان دوماً تجميلياً وقشرته هشة.

إلى أين ستقودنا الثورات العربية، أليس من الممكن أن تؤدي بالمجتمعات إلى أوضاع أكثر سوءاً من تلك التي ثارت عليها؟ أليس ثمة احتمال أو حتى احتمالات أن يقودنا فوران هذا النهر غير المنضبط إلى اتجاهات مدمرة أو مجهولة، بعيداً عن طموحات الحرية والكرامة والعدالة التي أسست لكل الثورات وكانت منطلقها؟ ألا يتربص أصوليون يتنافسون في التطرف على بعضهم البعض للسيطرة على مجتمعات ما بعد الثورة ويقحمونها في عصور مظلمة؟ ألا يعيد الخارج ترتيب أوراقه إزاء بلدان ما بعد الثورات معززاً سيطرته عليها وعلى المنطقة، ومواصلا هيمنته وربما استغلاله لثرواتها ولكن بطرق جديدة؟ هذه كلها وغيرها كثير جوانب لسؤال أو تخوف مركزي يردده كثيرون إزاء الثورات، إزاء النهر المندفع وإلى المصائر يمكن أن يحمل المجتمعات. وذلك يدفع كثيرين للتجرؤ وإعلان الانحياز إلى الوضع القائم، لأن الحفاظ على ما نعرفه رغم شروره، المستنقع رغم تعفنه، أفضل من المقامرة بالانحياز إلى ما نجهله. بعض من هؤلاء يرددون تلك التخوفات بحسن نية وخوف على المستقبل، وبعض آخر بسوء نية بكونهم من المنتفعين، وحرصاً على من تبقى في سدة الاستبداد ودفاعاً عنه.

التخوفات تلك وربما غيرها كثير مشروعة وليس ثمة ضمانات مسبقة على المستقبل. لكن في المفاضلة بين النهر والمستنقع الآسن يجب أن ننحاز إلى النهر. مستقبل المستنقع المتعفن معروف: المزيد من التعفن، ليس هناك نهاية سوى انتظار النهر القادم والمحتوم. مسألة اندفاع النهر في ومن بطن المستنقع ذاته مسألة وقت: إنها تحوم حول متى سيندفع النهر وليس في ما إن كان سيندفع أم لا. في المقابل، وأمام المستقبل الساكن للمستنقع فإن مستقبل النهر وجرفه للمستنقع مفتوح على كل الاحتمالات. صحيح أن حس المقامرة عال في كل الاحتمالات تلك، لكن لا مناص عن تلك المقامرة. إنها المرحلة التي لا بد لمجتمعاتنا أن تمر فيها حتى تنتقل إلى مرحلة النضج والتسيس والاجتماع الصحي. إذا بقينا نخاف من القيام بهذه النقلة بسبب ضريبتها المحتومة، فإن معنى ذلك بقاؤنا نغوص في مستنقعاتنا للأبد. وإن كان لا بد من ترميز إضافي لجلاء الصورة أكثر فإن ما يعيننا فيها هو التأمل في مثال الطفل الذي يبدأ المشي للتو. كم عثرة وسقطة يواجهها وهو في طريقة لتعلم المشي والانطلاق إلى ما بعدها؟ كم مرة يبكي، وربما كم مرة يُدمى انفه؟ لكن لا بد له من المرور بتلك المرحلة رغم صعوبتها، ذلك أن بقاءه في مرحل الحبو مسألة ضد طبيعة الأشياء.

لذلك فإن الانحياز للثورات العربية، برغم كل ما فيها من اختلالات، ومغامرات، ومخاطرات، هو انحياز لأفق المستقبل على انسداد الحاضر، كما على أحلام العودة للماضي. انحياز للحرية والكرامة، ضد الاستبداد. وهو أيضا، وبوعي كامل، انحياز مقامر في ذات الوقت. إذ ليس هنا أي قدر من السذاجة او التساذج يتغافل عن الصعوبات الهائلة التي تواجه مجتمعات مع بعد الثورات في المنطقة العربية. فإسقاط أنظمة الاستبداد هو الشوط الأسهل، رغم صعوبته وأحيانا دمويته وأكلافه الهائلة، خلال مسيرة بناء مجتمعات ديموقراطية وصحية وفاعلة. الشوط الأكثر صعوبة هو عملية التأسيس والبناء بعد عقود الخراب الطويل. الانحياز هنا يعني الاصطفاف مع التغيير ضد رتابة التكلس وجمود الأوضاع الآسنة. الثورة هي النهر الذي يجرف البرك الراكدة، رغم أن ركوب النهر نفسه مخاطرة ومقامرة أيضاً.

=================

و«دمع لا يُكفكف يا دمشق»!!

يوسف الكويليت

الرياض السعودية

التاريخ: 24 أكتوبر 2011

 الشعب العربي السوري العظيم صاحب البدايات المنفردة بأولوياتها القومية والتحررية، ومن سجل كبرياء العروبة، والوعي المبكر بالحرية بشروطها الحضارية والثقافية والحقوقية..

هذا الشعب بقواه المختلفة يقف ضد أشرس حكم عرفه التاريخ يتمظهر بالعروبة وتحرير فلسطين وشعارات النضال، بينما عمّق الطائفية ضد الأكثرية الوطنية التي لم تعرف الفروق في نسيجها الاجتماعي على مدى العقود التي سبقت حكم هذه العائلة..

أدبياتنا قالت إن العرب لا يُحكمون إلا بدكتاتور عادل، وهذا النموذج لا يوجد إلا في الخيال، فمرحلة ما بعد الاستعمار كانت توجد البرلمانات والمحاكم المستقلة، والأحزاب الوطنية ونقابات العمال، التي قضى عليها أصحاب النياشين والقبعات ممن طبقوا نظام الحكم العسكري المنغلق ثقافياً ووعياً، وقد كانت سورية مضرب مثل في اتجاهها السياسي ونظامها الاجتماعي، حتى إنها ظلت القاعدة الصناعية والتجارية التي تغذي الشارع العربي بسلعها الغذائية والصناعية، وحرية اقتصادها المتطور الذي نافس الدول المتقدمة..

الثورة الراهنة لم تأت بإيحاء من دولة أجنبية رغم إصرار النظام على تأكيد هذه التهمة، فصار الشبيحة ورجال التعذيب في أجهزة الأمن والجيش شهداء، والشعب متآمر يتحرك بضمير غيره، وهي تهمة طالما ردّدتها أنظمة سقطت بنفس الفعل، فالمظالم التي تستخدمها الدكتاتوريات أياً كان نموذجها، هي من أعطى الحافز لأنْ يذهب الشعب إلى التضحيات الكبرى، وينفجر لأخذ إرادة التغيير بنفسه، وهذا ما شرّف الثورة السورية بأن تكون بلا رافد حتى من الجامعة العربية التي حاولت أن تلعب الدور الخاسر بوساطتها غير المقبولة من المعارضة السورية..

من ينتظر الفزعة العربية عليه أن يفتش في آثار أوضاعهم لأكثر من نصف قرن، ومن يتذكر الحصار العسكري لدكتاتور العراق يفهم كيف دفع الشعب الثمن ثم الاحتلال، وسورية بلا غطاء دولي رغم ما تملكه من مبررات حماية المدنيين التي هي في قواميس من يعالجون السياسة، ويقرون العقوبات الدولية اسم بلا مسمى، إلا عندما تكون الأهداف تركض خلف المغانم التي تشكلها الثروات الوطنية، وسورية لم يطالب شعبها بتدخل عسكري وإنما باتخاذ وسائل تضييق على النظام وهي متاحة عربياً ودولياً، ومع أن الصين وروسيا تقفان مع السلطة ضد الشعب السوري، فالتأثير لا يأتي من دعمهما السياسي والمعنوي، وإنما بدعم النظام بالأسلحة وتسويق النفط، وربما ما يجري خلف الكواليس أخطر من ذلك، لكن الشعب العظيم يصر على الانتصار، وهي ليست مسألة أماني، وإنما هي فرضيات عاشتها الدول والأمم، وأقربها ما جرى في الساحة العربية الراهنة..

نغمة أن كلّ من يفضح ممارسات الحكم هو عميل ممنهج لم يعد يصدقها أصحاب أنصاف العقول بانتشار وعي جديد ومختلف تسيّسه رغبة الحرية، وليس اليمين واليسار وغباء الشعارات، والاستقواء بنظم دولية وإقليمية ستبقى عاجزة عن قتل الحرية في روح ونفس شعب ثائر..

من حوّل المدارس والملاعب إلى سجون فهو يحيط نفسه بسجن أكبر، والوعود بالإصلاحات تجردت من قيمتها لأن الدولة تريدها برغبتها ومواصفاتها، وهذا ما رفضه الشارع، والعجز لا يأتي من النوايا بل من صدقها الذي كشف اللعبة وعرّاها، وحتى معارضة الداخل التي ملكت القدرة على الرفض، جاءت من التجربة التي تعيشها لأن الثقة معدومة بالنظام الذي دخل مآزق أخرى أهمها انشقاقات الجيش وبقية الأحرار عن سالبي حرياتهم وكرامتهم..

=================

الدولة المدنية ليست اكتشافاً إنها دستور سوريا الذي نسيناه!

المستقبل - الاثنين 24 تشرين الأول 2011

العدد 4154 - رأي و فكر - صفحة 19

محمد م. الارناؤوط()

في صيف 2001، حين كان لا يزال الحديث عن "ربيع دمشق"، تلقيت دعوة من مركز الدراسات الحضارية في دمشق لإلقاء محاضرة هناك فانتهزت هذه الفرصة لأتحدث عن الذكرى الثمانين لمشروع الدولة العربية الذي سقط في ميسلون 1920، وذلك بمناسبة صدور كتاب كان قد نُشر لي حديثاً في عمان ولم يصل دمشق، ألا وهو "دراسات حول الحكومة/ الدولة العربية في دمشق 1918-1920".

كانت تلك فترة مخاض جديد في المنتديات الجديدة بعد ثلاثة عقود من الحكم الشمولي المغلف بدستور 1973 الذي أعطى صلاحيات رئاسية لم يسبق لها مثيل لحافظ الأسد الذي تولى الحكم بعد انقلاب عسكري على قيادة الحزب في ما سمي "الحركة التصحيحية". وقد اخترت هذه المناسبة لأذكّر السوريين بأي دستور كان لهم في 1920 وأين أصبحنا بعد ثمانين سنة من ذلك الدستور.

وكان الأمير فيصل قد أعلن في بلاغه الأول بعد دخوله دمشق على رأس قوات الثورة العربية في 5/10/1918 عن تشكيل "حكومة دستورية" في البلاد، وحين افتتح "المؤتمر السوري" الذي كان بمثابة برلمان في 7/5/1919 وسّع من مهامه لتشمل "سنّ القانون الأساسي ليكون دستور سوريا المستقبل". وبعد إعلان الاستقلال في 8/3/1920 ألّف "المؤتمر السوري" لجنة لوضع الدستور برئاسة هاشم الأتاسي التي استغرق عملها عدة أسابيع درست فيه دساتير الدول الأوروبية، وقدمت مشروع الدستور السوري الأول للمؤتمر الذي أخذ بمناقشته والمصادقة عليه مادة مادة منذ مطلع تموز 1920.

وقد استثارت المادة الأولى من الدستور التي تتعلق بنظام الحكم مناقشات النواب في البرلمان عدة أيام الى أن أقرت في 12 تموز 1920، حيث تضمنت ما يلي "حكومة المملكة السورية العربية حكومة مدنية نيابية عاصمتها دمشق الشام ودين ملكها الإسلام". ويلاحظ هنا أن هذا النص الدستوري كان الأول من نوعه في البلاد العربية سواء في ما يتعلق بنطام الحكم (حكومة مدنية) أو العلاقة بين الدين والدولة التي اقتصرت على ذكر دين رأس الدولة. ومن البنود التي أثارت نقاشاً حامياً البند(10) الذي انتصر لحق المرأة في الانتخاب والترشيح للمجلس النيابي وأُقرّ في 15 تموز 1920.

وللأسف فإن النواب كانوا يناقشون ويقرّون مواد الدستور واحدة بعد الأخرى مع تهديد الجنرال غورو ومن ثم تقدم القوات الفرنسية الى ضواحي دمشق لتنهي في ميسلون صباح 24 تموز هذا الحلم السوري المبكر بالاستقلال والحكم الدستوري. ومع ذلك فإن المواد التي أقرت حتى ذلك الحين من مشروع الدستور الأول الذي وصل الينا، توضح أن فكرة "الدولة المدنية" لم تكن غريبة عن السوريين في 1920، بل إن المناقشات التي دارت حولها وكانت تنقلها الصحافة يوماً بيوم تدل على أن أجداد السوريين الحاليين الذين يطالبون بالحرية والديموقراطية كانوا قد وضعوا الأسس لأحفادهم، ولكن الحكم الشمولي الذي دام عدة عقود أنسى الناس دستور 1920 وغيره. فقد ولد جيل كامل في سوريا بعد 1970 يمثل ثلث السكان في سوريا لا يعرف شيئا سوى دستور 1973 الذي أعطى صفة دستورية للحكم الشمولي.

ومن عجائب الصدف أن أحد المستمعين لمحاضرتي عن دستور 1920 عرّفني عن نفسه في نهاية المحاضرة واعترف لي أنه كان أحد أفراد المجموعة الضيقة التي جُمعت في مطلع 1972 لتضع للرئيس الجديد حافظ الأسد أقصى ما يمكن من صلاحيات رئاسية لم تجتمع لغيره، وذلك باسم الانتقال من "حكم الدستور المؤقت" الى "حكم الدستور الدائم". فقد أصبح وضع "الدستور الدائم" إنجازاً في حد ذاته، ولم يعدّل إلا في 10 حزيران/ يونيو 2000 ليسمح للابن بوراثة الوالد في أول تحول من نوعه نحو الجمهورية الوراثية في العالم العربي.

المطلوب من السوريين أن يعتزوا بالسبق لتبني نوابهم "الحكومة المدنية" في دستور 1920 وألا يتعاملوا مع "الدولة المدنية" في 2011 باعتبارها تنازلاً من بعضهم لحساب بعضهم الآخر في المعارضة!

=================

الطغاة لا يتعظون ؟!

رجا طلب

rajatalab@hotmail.com

الرأي الاردنية

24-10-2011

لم يكن مقتل القذافي مفاجئا لاحد، فمصيره كان محصورا بين الهرب خارج ليبيا وهو ما رفضه وكان قادرا عليه، او القتال.. والقتال كان يعني اما الموت اوالانتصار، ولكن النصر في حالة كحالته كان بحاجة الى معجزة حقيقية بكل ما في الكلمة من معنى!

إذاً كان هو الموت حليفه ورفيقه سواء اراده بوعي كامل ام بغياب كامل عن الوعي وعن الواقع، لا اريد الدخول في مقارنات بين سلوك الطغاة وكيف مات صدام حسين وكيف مات القذافي، ولكن السؤال المهم الذي يبرز من خضم دراما الطغاة هذه هو: «هل يتعظ الطغاة ام لا ؟».

علينا ان لا نتوهم للحظة واحدة ان اي طاغية من الطغاة الذين مازالوا يقتلون شعوبهم بكل ما اوتوا من قوة وبطش وفقدان لادميتهم يمكن ان يتوقفوا ولو لحظات محدودة عند مشهد سحل القذافي من شعر راسه ووجهه المضرج بالدماء، او وهو يتوسل بالثوار الرحمة به او امام مشهد الفتحة الكبيرة في راسه التى دخلتها الرصاصة التى انهت حياته.. في ظني ان هؤلاء سينظرون للمشهد من زاوية مختلفة تماما لقضية «العظة»، هؤلاء سيقولون لانفسهم ولمن حولهم من افراد اسرهم او اركان انظمتهم، «انظروا هذا هو مصيرنا ان لم نواصل القتال ونواصل القمع» فلا خيار سوى الدم!

كذلك كان مشهد حسني مبارك خلف قضبان السجن، كان يثير فيهم الشعور نفسه والمتمثل بانه هذا مصير «المتعقل» الذي استسلم لقرار غيره، فلسان حالهم يقول « لن ننتظر حتى تأتي هذه اللحظة ولن نسمح بان تاتي، ولذا علينا ان نذهب نحو مزيد من القتل والدماء»، اتعرفون لماذا يختارون هذا الامر؟ لانه هو فقط الوسيلة المتاحة بين ايديهم في تاخير اي من المشاهد التى ُزرعت في ذهن وذاكرة ابناء الشارع العربي، وهي اعتقال واعدام صدام حسين، ومحاكمة مبارك وهروب بن علي تاركا وطنه مقابل النجاه بروحه، ومقتل القذافي وابنه المعتصم وتشتت اسرته.

لن يخرج احد الطغاة غدا ليقول لشعبه انا اريد التنحي، اتعلمون لماذا ؟، لان الطاغية اي طاغية لا يثق الا ببطشه ولا يرى عدالة الا في قوته ولا يرى رحمة الا في ذل ومهانة وهدر كرامة ضحاياه وانهاء ادميتها التى تبعث فيه مزيدا من الغرور والاستكبار والتجبر.. اننا امام ظاهرة حقيقية تستحق الدراسة العلمية وفي ابعادها النفسية والسياسية والاجتماعية تحت العنوان التالي «لماذا لا يتعظ الطغاة» ؟

الم يشاهد معمر القذافي ما جرى لصدام حسين؟ الم يكن يخاف المصير نفسه كما نقل عنه وزير خارجيته السابق عبد الرحمن شلقم ؟ الم يحذر هو نفسه القادة العرب كلهم في مؤتمر القمة العربي في دمشق عام 2008 من مصير صدام حسين حيث اخذ البعض منهم يضحك عليه وعلى تحذيره؟ فماذا فعل وماذا فعلوا؟

لم يفعل شيئا وكذلك من هم على شاكلته، لانهم ببساطة لا يؤمنون بالشعوب ولا بارادتها ولا يعتقدون ان هناك قوة وارادة اخرى سوى قوة الكرسى وفائض بطشه، فهم كانوا ومازالوا تغريهم اللحظة ونشوة القوة، وهو اغراء براق جعلهم يغيبون عن الواقع المحيط بهم، بل جعلهم يفقدون الاحساس الكامل بشيء اسمه المستقبل، فتحولوا بوعي وبدون وعي الى «اصنام»، مجرد اصنام لا يشعرون باى شيء.

مع سقوط القذافي بهذا الشكل التراجيدي، لم يعد هناك فرصة لبقاء الاصنام ولم يعد لدى الشعوب اي مخزون من الخوف، فقد نضب خزان الخوف المتخمر في نفوس المضطهدين واصبح جزءا من الماضي، فكل صنم يسقط يفجر لدينا الامل والارادة بسقوط من بعده وهانحن جميعا ننتظر الصنم القادم؟!

=================

نهاية بشار

عبد الحليم قنديل

2011-10-23

القدس العربي

 لا يصح لأحد أن يتجاهل ألم سورية العظيم، ولا نزيف الدم المتصل السيال في مدنها وقراها، وقد لفتت نظري لافتة مرفوعة في مظاهرة تطالب بإسقاط نظام بشار الأسد، اللافتة حملها شخص عادي من عموم السوريين، وبدت عفويتها ظاهرة في عباراتها، وفي طريقة كتابتها البدائية، وفي تبيان الألم الذي يحسه السوريون الآن، والذي يصل إلى مايشبه اليأس من كل شيء، كان نص اللافتة المؤلمة يقول 'يسقط النظام وتسقط المعارضة، تسقط الأمة العربية والإسلامية، يسقط العالم، يسقط كل شيء.

بدت اللافتة العفوية طافحة باليأس، ناضحة معبرة عن ألم السوريين من تركهم وحدهم، يواجهون بصدورهم العارية آلة قتل جبارة، يسقط منهم الآلاف شهداء، ولا ينتصف لهم أحد، ولا يدعهم أحد يشيعون جنازات أحبائهم، فالجنازات أيضا يطاردها الرصاص، والذي يذهب لتشييع جنازة كأنه يذهب مع الميت إلى الآخرة، كأنه يشيع نفسه، وليس فقط أخيه أو ولده أو قريبه أو صديقه، فلم تعد في سورية حرمة لشيء، لاحق الحياة مكفول، ولا حتى حق الذهاب إلى القبر، والنظام الحاكم مصمم على البقاء بأي ثمن، وحتى لو قتل السوريين جميعا، وأحرق مدن سورية كلها، وجلس يغني على الأطلال المحترقة كما فعل نيرون روما .

كل هذا الدم ينزف، ونظام مصاصي الدماء لايرتوي، ولا ينتهي عطشه إلى المزيد من بحور الدم، فأرقام الشهداء تتزايد، وأرقام الجرحى تتضاعف، بينما لايبالي النظام، ويواصل حربه المجنونة، ويواصل خرافاته عن العصابات الإرهابية المسلحة، وكأن هناك عنوان آخر للإرهاب في سورية غير نظام بشار الأسد، والذي يكرر مذابح الأب، فعلها حافظ الأسد في حماة قبل ثلاثين سنة، ويفعلها ابنه بشار في عشرات المدن والحواضر السورية، فعلها حافظ الأسد في ظلام التعتيم، ويفعلها بشار في زمن الصوت والصورة المنقولة على الهواء مباشرة، لايرحم طفلا ولا إمرأة، ولا ينجو من حفلة الدم شاب ولا شيخ، وإلى حد أصبحت معه عناوين القتل هي سيرة سورية كل يوم، النظام يواصل القتل والدهس، والشعب يواصل صموده وإصراره البطولي، يتحدى اليأس، ولا يخشى الموت، ويكره المذلة، ويصمم على نيل الحرية التي يدفع فيها أغلى ثمن . وربما يرى البعض أن النظام قادر على البقاء، وبدليل ظاهري، وهو أن دمشق وحلب صامتتان، أو هكذا تبدوان، وفيهما ما يقارب نصف سكان سورية، بل ومشت المظاهرات في دمشق وحلب، تؤيد نظام بشار، ثم أن النظام يبدو متماسكا، لم تظهر عليه بعد أعراض تشقق وأمارات زوال، ولأول وهلة يبدو الكلام مقنعا، وإن انطوى على قدر لابأس به من العوار الأخلاقي، واحتقار غضب سوريين في المدن الأخرى، ولمجرد أنهم ليسوا من الدمشقيين أو الحلبيين، ثم أن دليل البقاء هو نفسه علامة الفناء، فتماسك النظام الظاهر له سبب مفهوم، وهو الطبيعة الأمنية والعسكرية الصرفة لنظام بشار، فلا وجود لقوة حزبية أو شعبية، بل لتكوين أمني عار من أي إدعاءات أيديولوجية، ولسيطرة طائفية عائلية محكمة على أجهزة الأمن والاستخبارات والجيش، تستعرض عضلاتها الأقوى في دمشق وحلب بالذات، وهو ما يفسر بعض الهدوء الإجباري الموقوت في المدينتين الكبيرتين، وكلما ابتعدت عن مركز المدينتين، تجد مظاهر الثورة التلقائية مرئية، وعلى طريقة ما يجري في ريف دمشق وأطراف حلب، ولا قيمة حقيقية للمظاهرات التي خرجت مؤيدة في دمشق وحلب، فهي تحركات مصطنعة تماما، وعلى الطريقة التي ألفتها الديكتاتوريات العربية الذاهبة، والذين رفعوا لافتات تأييد لبشار اليوم سوف يخرجون ضده غدا، وسوف يكتشفون كذبة حمايته لطوائف بعينها، فالنظام عائلي محض، ويفقد التأييد بإطراد حتى في أوساط طائفته العلوية الكريمة .

صمت دمشق وحلب إذن مجرد عارض موقوت، وما يبدو من تماسك للنظام مجرد تضامن عائلي، وقد دخل النظام دورة الإنهاك، وتسبب استخدامه لقوات الجيش في كسر هيبته، وفي انشقاقات تتزايد في أطراف الجيش، وفي تحميل الجيش لشبهة صراع الطوائف، والذين انشقوا بالفعل عدد محدود من الذين يريدون فعلها، وربما يؤجلون قراراهم إلى لحظة الحسم، فهم يريدون صيانة كيان الجيش وحفظ وحدته، وينتظرون أن يسقط النظام من الإجهاد، فالشعب السوري مستعد لتقديم أضعاف ما سقط من الشهداء، بينما النظام السوري تتناقص قوته، وتحيطه الفضائح، وتتلطخ يده بالدم، وتتزايد شراسته كذئب جريح، ولا يملك أن يمنع نفسه من مواصلة الجريمة، ويمضي في طريق لارجوع منه، وكلما بدا أنه حقق نصرا بقتل ثائرين عليه، كلما بدا أن تظاهرات الثوار تنحسر، كلما بدا أن النظام ينتصر بدت هزيمته أقرب، فالثورة ليست من فعل محرضين أو معارضين، وحتى تنحسر أو تنتهي بقتل هذا أو اعتقال ذاك، بل تنزح الثورة من فوائض غضب سياسي واجتماعي وإنساني مطمور، تنزح من آبار غضب لاتنضب، وكلما جلت مظاهرة، حلت مظاهرة أكبر، وكلما زاد القمع زادت خبرة المتظاهرين، الثورة هذه المرة حرب عصابات شعبية تلقائية، متجددة وديناميكية، بينما النظام عصا ميكانيكية تنكسر، وليس بوسعه ترميم قوته المتآكلة، ولا مراجعة سلوكه، فلو فكر في تخفيف قبضة القمع، فسوف يسقط في لحظة، وبمظاهرات عارمة في دمشق وحلب بالذات، ولو استمر في القمع، وهو خيار بلا بديل بالنسبة للنظام، ويجعله يمضي في طريق حفر قبره، حتى لو تأجلت مواعيد الجنازة، وتأخرت مراسم الدفن، فسوف يسقط النظام من فرط الإجهاد، ويتحول الصداع في رأسه إلى شقاق فانشقاق، وينتهي إلى قدره الإغريقي المحتوم، قدر أن يحقق النصر تلو النصر كما يتصور، وبالإيغال في دم السوريين، ثم أن تنتهي انتصاراته الملوثة إلى الهزيمة الأكيدة، وعلى الطريقة التي يوحي بها قول كاتب عالمي 'ياله من نصر ...نصر آخر كهذا وننتهي.

نعم، سوف يسقط النظام السوري من الإنهاك، وسوف يحدث الانشقاق في الرأس، وتنتصر ثورة سورية وطن العروبة الأبية، وسوف تسقط مع نهاية النظام أكاذيب وأراجيف وتخوفات، بينها التخوف على مصير وحدة سورية، فالنظام الحالي عامل تفكيك لاعنصر توحيد، ويشعلها حربا طائفية لضمان امتيازات عائلية، ويسيء إلى تاريخ الطائفة العلوية الكريمة، والتي رفضت إغراءات الاستعمار القديم، وفضلت وحدة سورية على الانفصال بدويلة تخصها، أو الصدام الاهلي مع السنة المسلمين، وهم الأغلبية الساحقة في التكوين السوري، وهم العمود الفقري الضامن لوحدة سورية، والضامن لتعايش عروبي جامع مع الشيعة والعلويين والمسيحيين والدروز وحتى الأكراد، ولبناء دولة وطنية ديمقراطية عربية حديثة يستحقها السوريون، ودفعوا من أجلها ضرائب الدم.

' كاتب مصري

=================

فتّحْ عينك.. أنت في كفرنبل!

صبحي حديدي

2011-10-23

القدس العربي

منذ التظاهرات الأبكر في مسيرة الانتفاضة السورية كانت لافتاتهم قد شدّت الانتباه إلى نبرتها اللاذعة، ومضمونها السياسي العميق، وطرافة ما تمزجه من متناقضات ومفارقات، وبراعة جمعها بين الفصحى والعامية؛ فضلاً عن مهارة التقاط جانب خاصّ في تسميات أيام الجُمَع، وإبرازه على نحو ذكي وساخر ومرير وتحريضي في آن. ومن جانبي، كانت برهة انشدادي الأولى إلى هذا الطراز من الانفراد الإبداعي، كما أجيز لنفسي وصفه دون تردّد، هي تلك اللافتة التي تقول: 'فتّحْ عينك/ مافي نقطة: سلمية، سلمية'؛ أي، بالطبع، أنها ليست سلفية، ردّاً على ادعاءات النظام، وعلى الآراء التي تنتهي إلى خلاصة مماثلة، رغم زعمها الاستقلال عن صفّ النظام (مثل الذريعة الأشهر، حول خروج التظاهرات من المساجد).

لافتات أخرى قالت: 'مطلوب في سورية مشايخ ومفتون يعبدون الله دون فرعون'، و'شركة أسد ومخلوف لمكافحة الجراثيم: دبابات، حوامات، مدافع، مدرعات، فرع خاص للشبيحة'، و'من يملك القدرة على رؤية الحقيقة لا يتجه إلى ظلها'، و'لمن يدّعي الخشية على الوطن.. الفراغ أفضل من بشار وزبانيته'، و'متنا ونموت وتبقى سورية'، و'كلّنا أمهات حمزة الخطيب' حين تكون التظاهرة نسائية. وفي التعليق على موقف المجتمع الدولي، قالت لافتة: 'يبدو أننا نطلب الحماية ممن يحتاج لحماية سفرائه أولاً'؛ وفي السخرية من وعيد النظام ضدّ المجتمع الدولي، قالت أخرى: 'بماذا تهددون؟ هل ستصدّرون الشبيحة إلى أنحاء العالم؟'؛ وهنا ما أعلنته لافتة في التعليق على نهاية نظام معمر القذافي: 'نتائج دوري الإجرام: خرج القذافي من الدور نصف النهائي/ وتأهل بشار للدور النهائي'!

ولا تنجو المعارضة السورية من التنبيه، والنقد اللاذع حين يتطلب الأمر، فتقول لافتة: 'إلى المعارضة السورية.. اتحدوا وكونوا على مستوى تضحيات الشارع الثائر'؛ وتقول أخرى، شهيرة وحظيت باهتمام واسع بالنظر إلى ما انطوت عليه من طرافة وانتقاد عميم وخيبة رجاء: 'يسقط النظام والمعارضة.. تسقط الأمة العربية والإسلامية.. يسقط مجلس الأمن.. يسقط العالم.. يسقط كل شيء'! وأخيراً، لا بدّ من الإشارة إلى أنّ اللافتات المكتوبة بالإنكليزية تظلّ في عداد الأذكى والأنضج، والأسلم لغوياً أيضاً، على نطاق التظاهرات السورية جمعاء.

أصحاب هذا الامتياز هم أهالي بلدة كَفْرَنْبِلْ (كما يحلو لهم لفظ الاسم، خلافاً لتسمية أخرى تعتمد 'كَفْر نُبْل'، مصدر نَبُل ينبُل نُبلاً)، التي تقع في محافظة إدلب، غرب معرّة النعمان، ويتميّز أبناؤها (قرابة 30 ألف نسمة) بنسبة عالية في عدد حَمَلة الشهادات الجامعية (65 بالمئة من السكان) وخرّيجي الدراسات العليا (15 بالمئة). كما يفاخر بعضهم بأنّ نسب البلدة يعود إلى إلى نابيلو بن ياكين بن منسا بن ميران بن سام بن نوح، وبالتالي فإنّ تاريخ نشوئها غير بعيد عن تواريخ الحواضر السامية العتيقة التي قامت على سفوح ووديان وهضاب جبل الزاو، أو جبل الزاوية الحالي. كذلك يتحدّث أهلها، ليس أقلّ تفاخراً أيضاً، عن الهجرات التي خرجت من كفرنبل بعد وصول الإسكندر المقدوني إلى المنطقة، فبلغت جبلة على الساحل السوري، وتل كلخ في جبال حمص، والكرد في شمال شرق سورية، والبدو في سهول حماة، وتدمر في بادية الشام؛ إلى جانب تركيا في آسيا الصغرى، وقرطاجة في تونس!

وفي ربيع 1905 ذُهلت الرحالة الإنكليزية جرترود بيل إزاء العدد الكبير من المدن الدارسة والمدافن القديمة في منطقة جبل الزاوية، وعلى تخوم كفرنبل تحديداً، كما سحرتها تلك البرّية الجميلة حيث التلال الخضراء وبساتين الزيتون والعشب الطالع على الصخور التربة الحمراء المكتظة بزهور الياقوتية وشقائق النعمان. صحيح أنها لم تجد ما كانت تبحث عنه (لوح ديونيسيوس النافر)، إلا أنّ بيل غادرت جبل الزواية لا كما جاءت إليه: مفعمة بتاريخ حافل، وغنى بشري، ومشهدية جمالية فائقة أغرتها برقاد ليلة كاملة... داخل قبر! بعد 106 سنوات، سوف يرفع أبناء كفرنبل لافتة، لا تتوجه إلى نظام بشار الأسد بقدر ما تخاطب أحفاد بيل، وبينهم دعاة الرأفة تحديداً: 'إلى جمعيات الرفق بالحيوان/ حاولوا حمايتنا/ لم يعد أحد يكترث لإنسانيتنا'!

وإلى جانب حفنة من الشهداء، كان في طليعتهم أمثال محمد عبد القادر الخطيب، أحمد العكل، عمر محمد سعيد الخطيب، أحمد ابراهيم البيور، عبد الله حمود الداني، أحمد حمد الفريدة، مصطفى سليم حزب الله (لا علاقة، البتة، بين كنية هذا الشهيد والحزب اللبناني الذي يساند النظام مساندة عمياء، غنيّ عن القول)؛ صنعت كفرنبل أمثولات مجيدة لا تُحصى، في التضحية والشجاعة والصبر والثبات والإصرار على انتصار الانتفاضة. ولم تكن عذابات أهلها مشرّفة لبلدتهم، الجميلة الوديعة الهادئة في العادة، فحسب؛ بل صارت قدوة تُحتذى في أرجاء جبل الزاوية، وعلى امتداد سورية بأسرها؛ وكابوساً يقضّ مضجع النظام، ويُلحق الفشل الذريع بكلّ ما ارتكبته الأجهزة الأمنية من ممارسات وحشية في مسعى قهر البلدة.

'فتّحْ عينك.. أنت في كفرنبل!' عبارة ينبغي أن تكون في بال الداخل إلى البلدة، سواء ذاك الذي يأتيها حاجّاً مستبشراً يستلهم الأمل من عتباتها الثائرة الشريفة، أم ذاك الذي يقتحمها شبّيحاً قاتلاً، ميّت الضمير ومرتعد الفرائص.

=================

بشار ومعمر وموقعة «ذات المجاري»

حمد الماجد

الشرق الاوسط

24-10-2011

لن أضع سكيني مع السكاكين التي تكاثرت على جسد قذافي ليبيا بعد سقوطه، فيكفيه الصفعات واللكمات والجرجرة والمرمطة والسباب والشتائم واللعنات التي كالها له الثوار قبل إعدامه ثأرا لأربعين سنة من الذل والإهانة والكبت والاستبداد والنهب والترويع والقهر لشعب عربي حر، الذي يهمنا هنا عدد من الدروس وهي تعني «الجميع»، لكنها تتوجه لبشار سوريا وصالح اليمن بالدرجة الأولى، أهمها أن الشعوب المقهورة المكلومة المظلومة أطول نفسا من النظم الظالمة، فالشعب الليبي قدم نحو خمسين ألف شهيد، وكان مستعدا لتقديم أضعافها ثمنا زهيدا في سبيل تخليص الشعب الليبي من هذا الطاغوت الأخرق، الشعوب لديها دافعية أقوى لأنها تريد أن تفك قيد الظلم والطغيان، وأما الأنظمة فليس لديها سوى دافعية البقاء في السلطة التي تشبه دافعية زعماء العصابات والميليشيات المجرمة.

كان بشار وصالح يراهنان على أنهما سيكسبان لعبة «عض الأصابع» ظنا منهما أن مبارك وبن علي استعجلا في التنحي، وأن المفروض على مبارك الأخذ بالنصيحة الشهيرة «دول شوية عيال» يقصدون بها مظاهرات ميدان التحرير، ولهذا قاوم القذافي وبشار وصالح بشراسة كي يفك شعوبهم أسنانهم في لعبة العض، فجاء السقوط المدوي للقذافي، الذي فتح أسنانه مع شدة عض أسنان شعبه، كوقع الصاعقة على الرئيسين السوري واليمني، لأن انتصار شعب ليبيا يعتبر هذه المرة الأول من نوعه في ثورات الربيع العربي؛ إذ إن الثورتين المصرية والتونسية كانتا سلميتين، فكان الرهان على فشل الثورة المسلحة للشعب الليبي قويا كي يكون أحد حلول قمع الثورتين، إلا أن موقعة «ذات المجاري» أثبتت سقوط هذا الرهان كما سقط القذافي في تلك الموقعة وداخل تلك المجاري.

تخيلوا لو أن نظام القذافي استطاع إخماد ثورة شعبه، بالتأكيد سيكون تأثير الهزيمة كارثيا على الشعبين السوري واليمني؛ إذ إنها ستكون حافزا لتكرارها في هذين البلدين، ولهذا كان الوجوم والترقب والخوف الدفين سيد الموقفين في دمشق وصنعاء عندما وصلتهما أخبار هزيمة القذافي وقتله بهذه الصورة المذلة، وبانتهاء معركة ذات المجاري أوصدت الأبواب أمام النظامين السوري واليمني للتعويل على الحل العسكري، ولا مفر الآن إلا بتقديم إصلاحات حقيقية وجذرية وإلا فمجاري الصرف الصحي أحسن ما يمكن أن تقدمه لهما تجربة القذافي، فربما أفلحت معهما في النفاذ بجلديهما، لقد التقط الشعبان السوري واليمني إشارة مصرع القذافي فارتفعت آمالهما بنهاية آلامهما، والتقطها النظامان فأدركا نهاية آمالهما وبداية آلامهما.

وحتى بقية الدول العربية الوادعة الآمنة يجب أن لا تنظر إلى سقوط القذافي المرعب على أنه لا يعنيها، فالشعوب، أحببنا أم كرهنا، صارت تلهم بعضها بعضا، ولا أدل على ذلك من الصين التي حاولت حجب أخبار الثورات العربية عن شعبها، وهي النائية عن عالمنا العربي دينا ولغة وجغرافية وثقافة، فالشعوب العربية أولى بالتأثر خاصة أن التواصل بينها أمسى بنقرة زر على لوحة المفاتيح، إذن، الجزم بالبعد عن تأثير هذا الحراك على الشعوب العربية نوع من المقامرة عالية الخطورة، الثورات طوفان، وعلى بقية الدول العربية أن تحمي كيانها بإصلاحات جوهرية ومحاربة للفساد والالتفات بصورة جادة لمطالب الشباب.

وأخيرا أود أن أشير إلى أن مسلسل سقوط الأنظمة العربية كان متنوعا؛ في مصر وتونس سقط الرئيس قبل سقوط النظام، وفي ليبيا سقط النظام قبل سقوط الرئيس، وفي سوريا واليمن كل المعطيات تدل على سقوط النظام والرئيس في آن واحد.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ