ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأربعاء 02/11/2011


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

النظام السوري يغري الغرب بالتدخل

رأي الجزيرة

الجزيرة السعودية

التاريخ: 01 نوفمبر 2011

 مع كل ما تشهده المنطقة من تغيرات، وتطور في الفكر السياسي، وحتى السلوك السلطوي، إلا أن هناك بعض الأنظمة لا تزال أسيرة الفكر التقليدي الذي انتهجته عقوداً طويلة، معتمدة أسلوب الترهيب والإرهاب، ليس لمواطنيها فحسب، بل حتى للدول والأنظمة التي تحاول أن تصلح حالها.

إنه أسلوب مطابق لسلوك (البلطجية) - إن صح التعبير - مع ترفعنا لاستعمال هذا المصطلح، إلا أن سلوك تلك الأنظمة الشاذ يجعل المرء مضطر لاستعمال هذا المصطلح، الذي يتوافق معنى ولفظاً وتدنياً مع ممارسة هذه الأنظمة، التي تصر على البقاء خارج دوائر التطوير والتغير اللذين يهبان على المنطقة.

ماذا نفهم ويفهم العالم من التهديد بتحويل المنطقة إلى (أفغانستانات) إذا ما تدخل المجتمع الدولي لوقف المجازر اليومية التي يتعرض لها الشعب السوري؟

هل يقف العالم يتفرج على النظام السوري الذي حول جيشه إلى جلادين يمارسون القتل اليومي بحق شعب أعزل؟!

العرب يمنحون النظام مهلة أسبوعين للانخراط في حوار مع فئات الشعب الثائر، ووقف القتل، وإعادة الجيش لثكناته؛ فيرد النظام بقتل المزيد من المواطنين رافعاً من وتيرة القتل التي شهدت أيام المهلة أكبر عدد لها.. ماذا يعني هذا؟

إنه إفشال للتحرك العربي، وهو ما يضع باقي الحلفاء (الروس والصينيون) في وضع محرج، ومحرج جداً، ويحيِّد المعارضين لإصدار قرار في مجلس الأمن الدولي يُفعِّل التدخل الدولي لوقف ذبح الشعب السوري؛ فالهند وجنوب إفريقيا والبرازيل، وحتى روسيا والصين، لن تقف طويلاً ضد رغبة الشعب السوري في توفير الحماية الدولية لهم، خاصة إذا ما أيدت جامعة الدول العربية ذلك، وبهذا يكون النظام السوري وحده من يتحمل مسؤولية استدعاء القوة الدولية للتدخل في الشأن السوري، وعندها لا أحد يفرق بين نوعية وجنسية تلك القوة، سواء كانت غربية أو عربية أو حتى تركية.

=================

الأزمة السورية ...و"المهلة العربية"

تاريخ النشر: الثلاثاء 01 نوفمبر 2011

د. احمد يوسف احمد

الاتحاد

بين كل المسميات التي أطلقها المحتجون في سياق الربيع العربي على أيام الُجمع التي احتشدوا فيها ضد نظم الحكم القائمة لإجبارها على الرحيل أو على الأقل الاستجابة لمطالبهم لم أتأثر بتسمية كما تأثرت بتسمية "جمعة المهلة العربية" في سوريا، ذلك لأنها تعكس فهماً دقيقاً لمعضلة الجامعة العربية في التعامل مع "الربيع العربي". وبين كل الذين سقطوا في تلك الجمع لم أتوقف كما توقفت عند تسمية "شهداء المهلة العربية" لأنها تكشف بجلاء عن غياب أية فاعلية للجامعة العربية في هذا الصدد.

ثمة تحركات احتجاجية لم تضع الجامعة في مأزق، ذلك لأنها حققت هدفها الرئيس في أيام معدودات، كما كان الحال في تونس ومصر، لكن الزمن طال ولو نسبيّاً بالحركات الثورية في كل من ليبيا واليمن وسوريا، وهنا وُضعت الجامعة وفاعليتها على المحك فلم تنجز شيئاً حتى الآن اللهم إلا إنجازاً جزئيّاً في الحالة الليبية. وفي تفسير هذا الوضع يمكننا أن نتذكر أن الجامعة أولاً منظمة بين الحكومات وليست فوقها. وبعبارة أخرى فإنه ليس بمقدورها أن تفرض شيئاً على أي من هذه الحكومات، لكن اللافت للنظر أنه بينما كان للجامعة موقفها الحاسم في الحالة الليبية بتعليق مشاركة ليبيا في اجتماعات الجامعة وسائر منظماتها ومطالبة مجلس الأمن بالتدخل لحماية الليبيين فإنها لم تفعل شيئاً يذكر حتى الآن في الحالتين السورية واليمنية.

وقد يقال إن مبادئ الجامعة تنص على عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأعضاء، ولكن هذا يتعارض ولو جزئيّاً مع موقف الجامعة من الثورة الليبية، كما أنه من الصعوبة بمكان أن تجد الجامعة نفسها "متفرجاً" على أنهار من الدماء تسيل في أكثر من بلد عربي من دون أن تحرك ساكناً، وهنا تتفاقم المعضلة، وخاصة أن الشعوب العربية لا تعي بالضرورة كل تلك القيود على حركة الجامعة في هذه المواقف، ومن ثم فإن توقعاتها لدور الجامعة تكون عالية. ويضاف إلى ما سبق التباين الواضح في مواقف الجامعة مما جرى في ليبيا وما يجري في كل من سوريا واليمن، فبينما اتخذت خطوات محددة -بغض النظر عن تقييمها- في ليبيا ظلت تميل إلى معالجة الوضع في سوريا معالجة دبلوماسية، وتكاد لا تهتم بما يجري في اليمن، وذلك على رغم التشابه بين الحالات الثلاث.

ويضاف إلى ما سبق أن ثمة تعقيدات خاصة ربما تكون محيطة بالوضع في سوريا، فهي دولة لها دور عربي مهم، ولنظامها حتى الآن أنصاره بين الدول العربية، أو على الأقل غير المتحمسين لاتخاذ موقف إزاءه، والمطالبة بتدخل دولي في سوريا فضلاً عن أنها ستكرر أخطاء هذا التدخل في الحالة الليبية سوف تطول إن وضعت موضع التنفيذ جيشاً يفترض أنه ركن رئيس في حماية أمن الدولة السورية، ناهيك عن دوره الأساس في أية مواجهة عسكرية محتملة مع إسرائيل، وأخيراً فإن هذه المطالبة لم تكن بين أولويات المحتجين في سوريا ربما إدراكاً منهم للاعتبارات السابقة، وإن لوحظ مؤخراً أن ثمة مطالبات بتدخل دولي "إنساني" بدأ عدد من الدوائر السورية المعنية بما يجري يرفعها ولو على استحياء.

في ظل هذه الخلفية العامة يمكن أن نفهم دور الجامعة تجاه ما يجري في سوريا حتى الآن. في البدء كانت مبادرة الأمين العام بزيارة سوريا، ولم يكن أحد يعلم في حينه ما الذي يحمله في جعبته تحديداً، وإن أمكن القول لاحقاً بأنها كانت مجرد حوار استكشافي كانت له عقباته وتداعياته. أما العقبات فنعلم جميعاً أن دمشق طلبت تأجيل الزيارة احتجاجاً على استقبال الأمين العام معارضين سوريين، وعندما تمت الزيارة والتقى الأمين العام بالأسد خرج بعد الاجتماع بتصريحات رآها البعض متفائلة عن نوايا الأسد الإصلاحية، وهي نوايا اعتبرها الثوار والمحتجون غير ذات صدقية على الإطلاق، وكان من اللافت أن الموقف لم يتغير من قبل النظام في سوريا قيد أنملة بعد المبادرة، واستمر سقوط القتلى.

في مرحلة لاحقة رأى مجلس الجامعة تشكيل لجنة وزارية لزيارة سوريا والتقاء رئيسها ومواصلة الحوار مع النظام السوري، ولوحظ التوازن في تشكيل اللجنة التي يرأسها رئيس وزراء قطر ووزير خارجيتها حيث ضمت عدداً من الدول العربية تتراوح مواقفها بين مؤيد للنظام السوري ومعارض له، بالإضافة إلى الأمين العام للجامعة، وكالعادة حدثت تحفظات سورية عقب إتمام اللجنة زيارتها ولقائها بالرئيس السوري، وتصريح رئيسها بما يفيد أن الحوار كان طيباً، وإن لم يحل كافة المشاكل، وأن اللجنة ستعاود زيارة دمشق في الثلاثين من شهر أكتوبر، وكان مجلس الجامعة قد أعطى مهلة للحوار مع النظام السوري مدتها خمسة عشر يوماً. وقد كُتب هذا المقال عشية موعد الزيارة الثانية للجنة، ومع ذلك فإن الافتراض الذي يطرحه لن يتأثر كثيراً بوقائع هذه الزيارة.

يقوم هذا الافتراض على أساس أن دور الجامعة لن ينجح في سوريا لاعتبارات داخلية وعربية وإقليمية ودولية. أما الاعتبارات الداخلية فتشير إلى أن تدخل الجامعة أتى متأخراً للغاية بعد أن سالت أنهار من الدماء في سوريا عبر الشهور الطويلة التي مرت على الانتفاضة السورية، ولم تعد الحلول الوسط تنفع بعد هذا، وبعد أن تبلور تحدٍّ واضح لشرعية النظام لا يواجهه إلا الانتصار في الحرب على هذه الانتفاضة. وبعبارة أخرى فإن تطورات الوضع في سوريا تقترب أكثر فأكثر من نموذج المباريات ذات الحصيلة الصفرية، وهي مباريات لابد وأن يكسبها بالكامل أحد المتبارين على حساب الآخر تماماً، ويعزز هذا النموذج أن ثمة ثقة واضحة لدى النظام السوري وأنصاره أن الموقف الراهن لابد وأن ينتهي بانتصاره، وخاصة أن تصوره لما يجري يقوم على أنه مؤامرة خارجية على سوريا، وبالمقابل هناك صمود من الثائرين والمحتجين وزيادة تدريجية في أعداد العناصر المنشقة من الجيش السوري من المؤكد أنها ترفع من معنوياتهم.

أما على المستوى الخارجي فثمة اعتبارات عربية وإقليمية وعالمية، فعلى الصعيد العربي سبقت الإِشارة إلى أن النظام السوري ما زال له أصدقاؤه بين النظم العربية، ومن ثم يبدو اتخاذ موقف موحد ضده في الجامعة صعباً على عكس الحال في الثورة الليبية، وعلى الصعيد الإقليمي ثمة توازن واضح بين دور النظام الإيراني المساند من دون تحفظ للنظام السوري وبين الدور التركي الذي وصل اعتراضه على النظام السوري إلى أعلى سقف ممكن، ناهيك عما بدأ يتردد عن سماح تركي للمقاتلين المعارضين لهذا النظام بالعمل عبر الحدود التركية- السورية بالإضافة إلى تزويدهم بالسلاح. أما على الصعيد العالمي فقد بات مؤكداً أن روسيا والصين تشكلان حائط صد قويّاً ضد أية عقوبات يمكن أن يفرضها مجلس الأمن على سوريا.

يبدو الأفق الاستراتيجي لدور الجامعة العربية في سوريا مسدوداً إذن طالما وصل الاستقطاب الداخلي في سوريا إلى الحد الذي سبقت الإشارة إليه، وسادت توازنات عربية وإقليمية وعالمية بخصوص ما يجري في سوريا، ولم يبق أمام الجامعة سوى أن تبحث عن نهج بديل يزيد فاعلية دورها ولا يتسبب في حدوث انقسام داخلها هي في غنى عنه بكل تأكيد، وهذه قصة أخرى.

=================

عودة للشرق الأوسط الجديد!

تاريخ النشر: الثلاثاء 01 نوفمبر 2011

د. طيب تيزيني

الاتحاد

نحن نعرف ما راح يحدث في العالم العربي منذ سبعة أشهر، ونعرف أيضاً، كيف كانت سحب القنوط والتشاؤم تهيمن في هذا العالم على نحو كاد أن يسدّ الآفاق أمام أي تغيير. فلقد بدا الأمر كأن خراباً وحُطاماً حلاّ في الوطن منذ "سايكس-بيكو"، ومن ثم منذ تقسيم فلسطين، أو منذ حرب العدوان الثلاثي على مصر، أو منذ حرب أكتوبر "التحريرية"، أو منذ سقوط بغداد على يد التحالف الدولي، وغيره. والحق، إن شيئاً من هذا القبيل قد حدث وتابع حدوثه حتى مرحلتنا المعيشة، التي أخذت الانتفاضات الشبابية العربية تخترقها منذ نصف عام ونيف. ونحن نعلم أن الوضع قبل هذه الأخيرة ظهر كأنه مقدمة لموت سريري للنظام العربي. فما وضعنا يدنا عليه تحت مصطلح "قانون الاستبداد الرباعي: استئثار بالسلطة وبالثروة وبالإعلام وبالمرجعية الوطنية العامة"، تحول إلى ظاهرة عامة في ذلك النظام، عموماً وإجمالاً. ولحق بذلك الاضطرابُ الهائل، الذي راح يعم الحياة السياسية والثقافية والقيمية...إلخ، ليُنتج حالة حاسمة وعامة موحِّدة في جلّ الحقول المهيمنة في العالم العربي قادت إلى الفساد والإفساد. وهذا ما فتح أبواب التفكك والتصدع.

وعلى طريقة التراكم التاريخي، راح ذلك كله يُحدث تخمُّراً مفتوحاً في ثلاثية الوعي والإرادة والفعل لدى فئة تعيش في قلب الحدث، هي الشباب المحروم من العمل والكرامة والحرية. فلقد جسّد هؤلاء -في الآن نفسه- محور تلاقٍ في منحدراتهم الطبقية، من الطبقة الوسطى المهمّشة والقاع المُفقر والمُذلّ والمقْصي خصوصاً من طرف أول، وامتلكوا -بحكم تكوّنهم العلمي والثقافي العام- وعياً نقدياً عاماً عمل على إنتاج رؤية وطنية ومهنية وفئوية عامة، أسهمت في إدراجهم في نسيج المجتمع العمومي، بما يشتمل عليه من مشكلات مشتعلة ومعلّقة، ليس من الموقع الميداني المهني فحسب، بل كذلك من الهم الوطني السياسي والاقتصادي العام.

جاء ذلك بصيغة انفجار شبابي، ليُفصح شيئاً فشيئاً عن هوية وطنية تتمثل في شعارات الحرية والعدالة والكرامة. لذلك وفي ضوء هذا، من السذاجة المعرفية البحثية ومن الاستهانة بالدلالات التاريخية لذلك الانفجار أن يُحسب على "مؤامرة خارجية وصهيونية بامتياز"، بحيث نرى فيه ثأراً لمشروع "الشرق الأوسط الجديد أو الأكثر جدة"، الذي طُرح عربياً قبل عقد ونصف العقد تقريباً، وكان ذلك قد روفق بترجمة كتاب "بيريس" إلى العربية وهو "الشرق الأوسط الجديد" ومع متابعة الأحداث، لاحظنا أن سياسيين وكتّاباً أطلقوا على انتفاضات الشباب العربي "مؤامرة خارجية أميركية"، ولقد لفت النظر أن "نصر الله" هو أحد أولئك، الذين عرّفوا تلك الانتفاضات بهذا المصطلح، فوقعوا في خطأ معرفي تاريخي وآخر سياسي. فهو وهم لا يعرفون تاريخ سوريا أولاً، ولم يتمكنوا من البحث والتحليل السوسيولوجيين السياسيين فيما يحدث فيها (وكذلك فيما حدث ويحدث في مصر وتونس وليبيا واليمن) ثانياً.

ما يحدث في سوريا وما حدث ويحدث في البلدان العربية المعنية، إنما هو، الآن، الشرط الحاسم -ضمن شروط أخرى- في نهوض شعوب الوطن العربي، وفي تفكيك نُظم الفساد والإفساد والاستبداد.

=================

ومنهم من مات على كرسي الحكم ومنهم من خُلع أو قُتل ومنهم من ينتظر!

المستقبل - الثلاثاء 1 تشرين الثاني 2011

ميشال شماس دمشق

بداية أتقدم من الشعب الليبي بالتهنئة الحارة على إنجاز هذا الانتصار العظيم على نظام الطاغية المجنون معمر القذافي وأعوانه والذين ذهبوا إلى المكان الذي يستحقونه في مزبلة التاريخ.

تُرى هل كُتبَ على مجتمعاتنا العربية أن يبقى الحاكم فيها حتى يموت على كُرسي الحكم، أو يتم خلعه بانقلاب نادراً ما يكون أبيض، أو يتم قتله.. وما بدلوا عن ذلك تبديلا، وتاريخ بلادنا العربية القديم منه والحديث أثبت ومازال يثبت أنه ما من حاكم عربي خرج عن تلك الحالات الثلاث، إلا في حالة الرئيس السوداني السابق محمد سوار الذهب الذي التزم بوعده وسلّم السلطة للمدنيين في السودان .

لا أخفي كيف كان شعوري لدى سماعي نبأ سقوط القذافي مجنون العرب وطاغيتهم، شعور امتزج بالفرح تارة وبالحزن والأسف تارة أخرى، شعرتُ بالفرح والرضا لسقوط هذا الطاغية، الذي تجبّر وتكبّر على شعبه، ولأنني أكره القتل والدماء شعرت بالحزن والأسف لحظة رؤيتي القذافي مضرجاً بدمائه وهو يتلوى من الألم بين أيدي ثوار ليبيا..

حزني وأسفي لم يكن على سقوط القذافي قطعاً، فهذا السقوط كان الشعب الليبي يتمناه كما كنّا نحن نتمنى هذا السقوط، إذ لا يمكن لشخص عاقل أن يتأسف على سقوط طاغية مثل القذافي ظل جاثماً على صدر الشعب الليبي اثنين وأربعين عاماً، وإن حزني وأسفي لم يكن أيضاً على حال القذافي وابنه المعتصم وهما في قبضة الثوار أحياء لا حول ولا قوة لهما.. بل لقتلهما وإعدامهما بعيداً عن حكم القانون، مما فوت على الليبيين وعلينا وعلى العالم فرصة وتقديم الطاغية القذافي للمحاكمة هو وأولاده وأعوانه ليحاكموا على جرائمهم في محاكمة علنية عادلة.

أن موت القذافي بهذه الطريقة يقودنا إلى الحديث عن مدى أهمية قيام دولة المؤسسات وحكم القانون، هذا المبدأ الذي يعتبر مدخلاً أساسياً ولا غنى عنه لإعادة بناء ليبيا الجديدة، والأمر نفسه ينطبق على بقية البلدان العربية التي تعاني من ضعف الثقافة القانونية والحقوقية في ما يتعلق بحكم القانون، إذ غالباً ما تتم مقاربة الشأن العام بعيداً عن ذلك، الأمر الذي يطبع الممارسات الحكومية وسلوكيات الحكام بالطابع الفردي والتسلطي على حساب أولوية المؤسسات التي يحكمها القانون ..

إن إرساء حكم القانون سيؤدي بالضرورة إلى تعزيز حكم المؤسسات، حيث لا مجال للحاكم أن يتسلط ويتفرد في قراراته، بل يكون مجرد ممثل لإدارة الشؤون العامة في البلاد، ويمكن استبداله وتغييره بممثل أخر بشكل سلمي وفقاً لانتخابات دورية على أساس مبدأ تداول السلطة الذي يشكل جوهر الحياة السياسية السليمة في عصرنا الراهن. وبهذا المعنى فإن حكم القانون يعزّز من قيام حكم عادل، والعكس صحيح أيضاً فكلما غاب حكم القانون انتشر الظلم والتسلط والاستعباد، إن هذه العلاقة الوطيدة بين حكم القانون وقيام حكم عادل سيؤدي إلى انطلاق العملية التنموية بشكل متوازن وسليم في المجتمع.

ذهب نظام القذافي إلى مزبلة التاريخ دون رجعة، والأمل معقود اليوم على أن يتمكن الشعب الليبي من إعادة بناء ليبيا الحرة، ليبيا الجديدة على أساس نظام مدني ديمقراطي تعددي يقوم على مبدأ حكم القانون والمؤسسات يحترم حرية الإنسان ويصون كرامته ويحفظ حقوقه.. وبهذا فقط يستطيع الشعب الليبي سد الطرق أمام ظهور طاغية جديد.

محامٍ

=================

مبادرة أم فرار؟

سليمان تقي الدين

السفير

1-11-2011

لا يوجد نظام عربي إقليمي له شرعيته لنتحدث عن مبادرة عربية. منذ ثلاثة عقود والأزمات تتوالى على كل الجبهات من دون أن تتوفر إرادة عربية مشتركة لمواجهتها. العرب استدعوا تدويل قضاياهم وشرّعوا النزاعات على التدخلات الخارجية. المحافظون توغّلوا بربط مصائرهم بالمحور الغربي، والراديكاليون احتموا بالمعسكر الشرقي في ظل الحرب الباردة. النظام الدولي الأعرج القائم لم يعد قادراً على إيجاد توازن فعلي أو مظلة لما يُعرف بسياسة «الممانعة». أياً كان حجم الفشل العسكري الأميركي وتداعيات أزمات الغرب الاقتصادية، لا توجد قوى دولية أو إقليمية قادرة على تشكيل جبهة لصد هذا الانتشار الأميركي الغربي في غياب المشروع الآخر. الاعتراض الروسي الصيني، والمقاومة الإيرانية، جزء من خارطة مصالح ونفوذ لا يرتفعان إلى مستوى المواجهة الرادعة. تستنزف هذه الدول أميركا أمنياً واقتصادياً وتضغط لحماية مصالحها في الأمن والاقتصاد، لكن التسويات والمقايضات حصلت في أكثر من موقع، في العراق والسودان وليبيا وفي جورجيا والشيشان وكوريا وغيرها.

لا يريد الروس والصينيون استباحة أميركا للشرق الأوسط، ولكنهم لا يشتركون في الرؤية ولا في الأهداف البعيدة مع الأنظمة السياسية العربية. تقف دول الخليج العربي الأكثر تماسكاً واستقراراً ومصر التي تبدأ في رحلة استعادة دورها العربي، الموقف ذاته الذي يدفع به الغرب.

المطلب الغربي هو تجديد النظام السياسي العربي وإزاحة القوى التي ما زالت تلعب على التناقضات الدولية وتستخدم قضايا المنطقة المشروعة لإدامة العنف والتوترات، ولو أن ذلك استجابة للعنف الشامل الذي مارسه الغرب على المنطقة وما يزال. بديهي أن يضغط الغرب على نقاط الضعف الرئيسية التي تظهر فشل هذه الأنظمة في التصالح مع شعوبها والقطيعة المتنامية بينها وبين طموحات وتطلعات هذه الشعوب. وليس غريباً أن يستثمر الغرب على ظاهرة الإسلام السياسي وأن يجعل منه نسخة معدّلة عن الإطار الحاكم في الخليج العربي، أو أن يشجع على استلهام النموذج التركي. فهذا الإسلام السياسي تحوّل إلى نقيض تاريخي للمشروع العربي الذي حوّلته النخب المسيطرة إلى طربوش إيديولوجي لدول تمّ إقصاء شعوبها عن المشاركة في الحياة السياسية وألغيت حرياتها وصودرت حقوقها.

تتصرّف دول «المبادرة العربية» من باب «رفع العتب» على أنها حاولت ولم تفلح في استدراك الأزمة السورية وتداعياتها الخطيرة أقله على أمن واستقرار ووحدة الشعب السوري. تخرج عن أطراف المبادرة تصريحات مستفزة ولو أنها لا تقاس بحجم دورة العنف المتمادية على الأرض وحجم الانقسام الذي طاول الشارع السوري ما ينذر بالأسوأ بين سلبيتين: وهم الحل الأمني ووهم التغيير بواسطة دعم الخارج. أما أن المبادرة العربية المتأخرة لن تلقى قبولاً فلأنها حملت من الأساس شبهة الطرف العربي المنخرط في دعم الفريق الراغب في تقويض النظام بأية وسيلة كانت حتى باستدعاء التدخل الخارجي. لكن النظام في كل حال يحجب الوجه الداخلي من الأزمة ويضع معركته في دائرة الصراع الدولي والإقليمي. قد تعطي هذه المواجهة بعض الشرعية لكنها تضع سوريا كلها بنظامها وشعبها في «محور» الخطر الشديد على كيانها ووحدتها. فهل هذا جبر أم خيار!؟

=================

زلزال سوريا

ساطع نور الدين

السفير

1-11-2011

لأنه يستحيل التنبؤ بالزلازل لا يمكن التهديد بها.

كلام الرئيس السوري بشار الاسد الى الصحيفة البريطانية والمحطة التلفزيونية الروسية هو بحد ذاته زلزال. لم يكن بالإمكان التنبؤ به، كما لم يعد بالإمكان اعتباره تهديداً.. حتى في لبنان، الحلقة الاضعف من السلسلة المحيطة بسوريا، والخاصرة التي طالما كان ارتخاؤها عاراً قومياً لم تنجح المقاومات اللبنانية المتعاقبة في إزالته برغم أنها قدمت الغالي والنفيس من اجل ان تكسب احترام الامة وتقديرها.

ما يهم في كلام الاسد انه يحكي عن سوريا غير موجودة الا بالأحلام. لعلها كانت موجودة بالفعل في فترة السبعينيات، لكنها سرعان ما اختفت، وحلت محلها دولة تستفيد من جنون جوارها وتستثمر ذاك الجنون الفلسطيني واللبناني والعراقي والأردني وأحياناً التركي، وأخيراً الايراني. كانت بمثابة قاعة ترانزيت لجميع الذين كانوا يودون تصدير ثوراتهم الى الخارج، ثم اكتشفوا ان حركة التجارة العالمية لم تعد تخضع للمعايير الثورية.

الأوراق التي جمعتها سوريا طوال العقود الاربعة الماضية، تسقط الآن واحدة تلو الأخرى. لم يعد بإمكان دمشق أن تعتمد على اي من حلفائها الاقوياء الذين كانوا، وما زال بعضهم مستعداً لافتدائها بنفسه. لكل منهم ازمته الخاصة، التي تشغله لعقود، وتمنعه من ان يضحّي. لبعضهم طموحه الخاص في أن يستعيد دوراً سابقاً في الجغرافيا السورية التي كانت مسيّجة بإحكام، فصارت حدودها مفتوحة على التهريب في الاتجاه المعاكس لما كان سائداً منذ مطلع السبعينيات وحتى اليوم.

سوريا صدع مهم في الشرق الاوسط: التوصيف دقيق، لكنه غير مقصود على الأرجح. هي تقع في منطقة زلازل مدمرة. لكن الهزة الارضية التي تضربها هذه الايام ليست وليدة الطبيعة، او الجغرافيا – السياسية. ثمة نهاية لا بد منها لحقبة من الحكم قامت على ادعاء الحكمة والحنكة في مواجهة جوار معتوه، يسترد اليوم تدريجياً طريقه من دون الحاجة الى المرور في دمشق. ثمة عالم متغير تسامح مع فكرة تدمير وعزل بلدان أهم بما لا يقاس من سوريا. لم يكن النفط حامياً ولا كان التعدد الطائفي رادعاً.. ولا كانت إسرائيل حافظاً للعهد.

سوريا صدع مهم في الشرق الاوسط، هي بذاتها، من دون النظر خارج حدودها الطبيعية. مصدره أوجاع الداخل أكثر من آلام المحيط. هذا ما يمكن ان يقرأ بصعوبة بين سطور كلام الاسد نفسه، ومن عبارته المدوية عن الصراع المستمر منذ الخمسينيات وحتى اليوم مع الاخوان المسلمين. لكنه ينسحب فوراً الى التحذير من التدخل الخارجي، الذي يعترف الاسد ايضاً بأنه لم يبدأ بعد، وسيكون حسب تقديره على الطريقة الليبية. وهو ما زال في مرحلة تهريب المال والسلاح.

لكن ذروة السوء في التحليل هي في القول إن افغانستان جديدة ستولد من رحم التدخل الغربي، الذي لا يزال في مرحلته الافتراضية، ولا يزال يمكن تفاديه.. ولا يزال حتى الآن على الأقل يصعب العثور على نماذج سورية تستوحي الامثلة الموجودة في كابول وقندهار، والتي لا يمكن ان تخطر في بالها فكرة التقسيم.

=================

بعد تحذير الأسد وتهديد نصرالله وقلق بان .. هل يعود لبنان ساحة لحروب الآخرين؟!

اميل خوري

النهار

1-11-2011

هل يمكن القول إن لهيب النار في سوريا بدأ يقترب من لبنان والمنطقة بعدما حذّر الرئيس بشار الاسد في حديثه الى صحيفة "الصنداي تلغراف" البريطانية من "زلزال يحرق المنطقة كلها في حال حصول تدخل غربي ضد بلاده"، ورد رئيس اللجنة الوزارية العربية المكلفة متابعة الملف السوري رئيس الوزراء القطري الشيخ حمد بن جاسم محذرا دمشق من "عاصفة كبيرة" وطالبها باتخاذ خطوات حاسمة لوقف العنف والتوقف عن "اللف والدوران"؟ حديث الرئيس الاسد هذا ورد في لقاءات سابقة بينه وبين مسؤولين عرب واجانب وفي تقارير ديبلوماسية بعد دعوته الى التنحي والقول إنه فقد شرعيته.

تقول اوساط سياسية مراقبة ان الرئيس السوري بات يخشى ان يفتح الانتهاء من ملف ليبيا والاستعداد لخروج الجيش الاميركي من العراق الباب امام المجتمع الدولي للتركيز على بلاده والسعي الى تعديل مواقف روسيا الاتحادية والصين بتقديم اغراءات شتى لهما.

والواقع أنه كلما شعر الرئيس الاسد بأن خطر سقوط نظامه قد اقترب فإنه لا يتردد في اشعال المنطقة سواء ببلقنتها او بتحويلها افغانستان اخرى حتى لو ادى ذلك الى تفكيك الدول فيها وتقسيمها دويلات. فقد سبق له ان قال لمسؤول تركي ان اول صاروخ يسقط فوق دمشق فإنه بعد ساعات من سقوطه سيكون قد اشعل المنطقة والحرائق قرب حقول النفط واغلق المضائق والممرات المائية، وان حصول اي عمل جنوني ضد بلاده يجعل مئات الصواريخ تسقط على الجولان وعلى تل ابيب، وسيطلب من "حزب الله" فتح قوة نيرانية على اسرائيل لا تتوقعها كل اجهزة الاستخبارات، وستتولى ايران ضرب بوارج اميركية راسية في مياه الخليج، وسيتحول الشيعة في العالم العربي فدائيين انتحاريين صوب كل هدف يرونه، وان سياسة "عليّ وعلى اعدائي" هي السياسة التي سينتهجها عندما تسحب منه كل الاوراق ويتفلت من كل الضوابط بحيث تصبح المرحلة المقبلة مفتوحة على كل الاحتمالات.

والسؤال المطروح ويهم لبنان على الاخص هو: هل يقوم "حزب الله" بعمل أمني لإحكام السيطرة في الداخل وفتح جبهة الجنوب مع اسرائيل على ايقاع ساعة سقوط النظام السوري بحيث يستطيع عندئذ ان يفاوض من موقع قوة على موضوع المحكمة الدولية وعلى شروط السلام مع اسرائيل؟

وما يجعل الحزب يقوم بذلك هو قول امينه العام السيد حسن نصرالله في احتفال حزبي: "هناك من يريد ان يدفع سوريا الى التقسيم خدمة لمشروع الشرق الاوسط الجديد الذي مزقناه في لبنان مع سوريا وايران وكل الاشقاء في حرب تموز 2006، واني بكل صراحة اقول: الاخلاص للقدس، الاخلاص لفلسطين، الاخلاص للبنان. حتى هؤلاء الذين من اللبنانيين يساعدون على توتير الاوضاع في سوريا ويرسلون الاسلحة ويحرضون، لن يبقوا لبنان بمنأى (...)".

وهكذا يبدو الانقسام اللبناني عميقا حول الاحداث في سوريا، ويزيده انقساما الاختراق العسكري السوري للحدود المشتركة وعمليات الخطف التي تتم داخل الاراضي اللبنانية، فإذا لم يعالج ذلك بحكمة فإن هذا الانقسام قد يتحول فتنة خصوصا عندما يقترب النظام السوري من السقوط وينفذ الرئيس الاسد تهديداته باشعال لبنان والمنطقة بعد تحويل بعض المناطق الحدودية جبهة اشتباكات مشتعلة. فإذا لم يتم التوصل الى ضبط الحدود بتعاون لبناني – سوري صادق، فإن الشرر الذي يتطاير عبر الحدود المشتركة ينذر بدنو موعد اقتراب الحريق السوري من لبنان وقد لا يكون احد في العالم مهتما باطفائه.

واللافت في آخر تقرير للامين العام للامم المتحدة بان كي – مون دعوته الحكومة اللبنانية الى تنفيذ القرارات المتخذة في الماضي من الحوار الوطني مثل تفكيك القواعد العسكرية الفلسطينية خارج المخيمات وهي تنتشر في اكثرها على الحدود بين لبنان وسوريا فتقوض السيادة اللبنانية وتتحدى قدرة الدولة على ادارة حدودها البرية. وطالب سوريا بالمساعدة على ذلك، واكد ان الازمة العميقة في سوريا زادت اعاقة التقدم في اتجاه ترسيم الحدود من اجل الحيلولة دون الانتقال غير المشروع للاسلحة، وعبّر التقرير عن قلقه العميق من اثر التطورات في سوريا على الوضع السياسي والامني في لبنان (...).

هل ينفذ الرئيس الاسد تحذيراته ونصرالله تهديداته ويكون قلق الامين العام للامم المتحدة في محله، أم ان الجامعة العربية قد تنجح في التوصل الى حل عادل ومتوازن لأحداث سوريا قبل ان يتولاه مجلس الامن الدولي فيكون حلا مرا؟

وهل يورّط "حزب الله" لبنان في احداث سوريا كونه حليفا لها ولايران ويعيد لبنان ساحة مفتوحة لحروب الآخرين، ام انه يمتلك مقدارا من الحكمة والعقلانية يجعله لا يذهب الى المغامرات المكلفة، فيكون خياره منع الفتنة وتحصين الداخل؟

=================

علمانية (الأسد) و"قوميته العربية"

د. خالد الحروب - كامبردج

الدستور

1-11-2011

في مقابلة نشرتها الاحد الماضي صحيفة صندي تلغراف مع الرئيس السوري بشار الاسد هناك سلسلة مدهشة من الادعاءات وتشويه الحقائق تتحدى بكل صلافة كل ما صار معروفا لأي متابع للشأن السوري. هناك محاولات رسمية مستمية للتفوق على غوبلز مدير الدعاية النازية أيام هتلر الذي دخل تاريخ البروباغاندا السياسية في قدرته الهائلة على تحوير الحقائق وطمسها ونشر الاكاذيب بكونها حقائق اصيلة. كان غوبلز يتفاخر بإمكانياته في تحويل الابيض إلى اسود وبالعكس. اليوم ينتهج الخطاب السوري الرسمي نفس النهج الغوبلزي وإن كان الزمان والمكان وعالم اليوم لم يعد يسمح لأي تفاهات رسمية مهما بلغت في التذاكي أن تنسخ ذلك النهج وتنجح فيه. حقائق اليوم مصورة على الكاميرا والقتل اليومي لا يتم الإعلام عنه بتقارير مكتوبة, بل مسجل صوت وصورة ولا يمكن إنكاره.

بعد اكثر من ثمانية شهور وقتل اكثر من ثلاثة آلاف سوري وتدمير مدن وقرى وتهجير عشرات الالاف إلى خارج سوريا لا يعترف الخطاب الغوبلزي المسطح حتى بوجود اي ازمة. كل ما في الامر ان هناك إرهابيين خرجوا من تحت الارض فجأة وصاروا يقتلون الناس. لا نعرف بطبيعة الحال ما هو هدف هؤلاء الارهابيين, ولماذا يقتلون الناس في حمص وحماة ودرعا وجسر الشغور وغيرها من مدن الانتفاضة المجيدة, ولا يخرجون للقتل السهل والميسور في المسيرات الكبيرة المؤيدة التي يحشدها النظام بالقوة والإرهاب في دمشق ومدن اخرى. يهدد (الاسد) في المقابلة المذكورة بأن المنطقة سوف تحترق إن سقط نظامه, وان على الغرب ان يتوقع قيام افغانستان اخرى. نظام البعث في سوريا لا يتخلف في شيء عن نظام القذافي المقبور: كلاهما اقرب إلى حكم المافيات والعصابات المستعدة لحرق كل شيء وكل ما حولها من اجل الإبقاء على سيطرة "العراب" وحكمه. ليحترق الشعب, والوطن, والمدن, والناس, والجوار, حتى يبقى الزعيم في سدة الحكم.

نظاما الحكم في ليبيا وسوريا لهثا وراء الغرب بكل السبل من اجل البقاء في الحكم, وقدما كل وعود الطاعة والتعهد بالسلوك الحسن. سيف الاسلام القذافي سارع وتيرة فتح الخطوط والاتصالات مع إسرائيل خلال الثورة مقدما الوعد تلو الآخر بأن توقع ليبيا (شريطة بقائها اقطاعية له ولعائلته) معاهدات سلام مع الدولة العبرية. قبل الثورة كان يجوب عواصم الغرب لتأهيل نفسه ونظام ابيه؛ باحثا عن شهادات حسن السلوك, ومتعهدا بخدمة تلك المصالح. أعوان الاسد كانوا يقومون بالممارسة ذاتها في السنوات السابقة, مؤكدين عملا وقولا على الحفاظ على الاستقرار مع إسرائيل وضمان استمرار هدوء جبهة الجولان. لم تكن هناك اي تهديدات بحرق المنطقة بسبب استمرار الاحتلال الاسرائيلي اكثر من اربعة عقود. وعندما اندلعت الثورة السورية وتوتر النظام اراد تنبيه الغرب بالفم المليان إلى دوره فصرح رامي مخلوف احد اركانه لصحيفة نيويورك تايمز بأن على الغرب ان يتذكر بأن استقرار إسرائيل مرتبط باستقرار سوريا!

لكن يكتشف الخطاب السوري الرسمي أن كل ما سبق فقد تأثيره ولم يعد يُشترى, والآن يتبنى توجها جديدا على لسان رئيسه كما ورد في المقابلة مع الصحيفة البريطانية. يقول الاسد ان الانتفاضة في سوريا "هي صراع بين الاسلمة والقومية العربية (العلمانية)". يعود الاسد ليجرب خطابا جُرب من قبل انظمة عديدة سقطت وهو التخويف من الإسلاميين والاسلمة, وان على الغرب ان يدعم نظامه لأنه يقوم بمهمة "تاريخية" في مواجهة التطرف الاسلامي. هذا ما كان يردده حسني مبارك وزين العابدين بن علي, وما تبناه القذافي واولاده قبل سقوطهم جميعا. لم يعد هذا الخطاب يجدي نفعا إذ ابدى الغرب براغماتية ومناورة تخطت غباء الانظمة وسياساتها البليدة وراح يتحالف مع هؤلاء الاسلاميين ويعترف بهم, من التقرب إليهم في مصر, إلى مساندتهم في ليبيا, إلى تهنئتهم بالفوز في تونس.

لكن أسوأ ما في اللجوء إلى خطاب التخويف من الاسلمة هو إظهار (الاسد) نفسه منافحا عن القومية العربية والعلمانية. وهو بهذا الخطاب يوجه ضربة قاصمة إلى الاثنتين. فالضرر الذي يحدثه خطاب الاسد وزعمه الانتساب إلى القومية العربية وإلى العلمانية مهول وضخم, وكلاهما بريء منه. نظام الاسد وبعثه ابعد ما يكون عن القومية العربية وعن العلمانية, بل حتى عن اي توصيف ينتمي إلى النظم السياسية المعروفة بما فيها السلطوية والدكتاتورية, فهو نظام العائلة والشريحة الضيقة والنفعية المستعدة لتسعير الاختلافات الطائفية والإثنية والجهوية وتعريض الوطن لكل انواع الانقسام في سبيل البقاء في الحكم.

العلمانية التي يزعم الاسد بأنه يدافع عنها مقابل الاسلمة ترفضه وتلفظه وترفض حكمه الدكتاتوري؛ لأنها لا تقوم إلا على مبادىء الحرية والمساواة والديموقراطية التامة. اي نظام يخلو من هذه المبادىء, وهي مبادىء غريبة تماما على نظام البعث السوري, لا يمكن ان يتصف بالعلمانية ولا ان يقترب منها. نظام البعث السوري يقوم على دستور يقول ان البلاد تحكم من قبل حزب البعث, وهذا يعني ان اي فرد لا ينتمي إلى حزب البعث ينحدر إلى درجة ثانية او ثالثة من المواطنة بحكم الدستور. نظام البعث السوري قسم البلد وشعبه إلى ابعاد طائفية واستعدى بعضها ضد البعض الآخر محتميا بذلك العداء, ومشعلا حقدا طائفيا في سوريا لم تشهده من قبل. نظام البعث السوري اعلن عداءه المستحكم لكل شيء له علاقة بالحرية والكرامة الانسانية والمساواة, واستبدل ذلك بالخوف والرعب والقبضة الامنية. اصبحت سوريا تحت حكم البعث سجنا كبيرا سمته الاساسية سيطرة اجهزة الامن والمخابرات والشبيحة على كل انفاس الشعب. تحول البلد ومقدراته وثرواته إلى مرتع نهب لعائلة الرئيس ومن حوله يتملكون ما يشاؤون, ويبيعون ما يشاؤون, ويتحكمون في ما يشاؤون من دون رقيب او حسيب.

أي علمانية او قومية عربية يدافع عنها النظام في وجه الاسلمة تسمح باسترذال الدستور مهما كان تافها وتغيير نصوصه في ربع ساعة وتخفيض سن تسلم الرئاسة حتى يُتاح للرئيس الحالي ان يرث الحكم من ابيه وكأن سوريا التاريخ والغنى والعطاء لم تنجب احدا قادرا على الحكم إلا طبيب اسنان شابا لم تكن له اي علاقة بالسياسة؟ إن كانت هذه هي القومية العربية وهذه هي العلمانية التي يريدها (الاسد) لسوريا فإن ملايينا من السوريين والعرب من ورائهم سيقولون أهلا بالأسلمة!

=================

زلزال الشرق الأوسط وحرائقه!

طارق مصاروة

الرأي الاردنية

1-11-2011

.. مسكين هذا الشرق الأوسط الذي ينتظر الزلازل والحرائق، وآخرها تهديد الرئيس الأسد، وتهديد العقيد القذافي، وقبلهما طغاة في أكثر من بلد عربي وصل إليهم التغيير في نظامهم السياسي!!.

والحقيقة أن لا زلازل ولا حرائق، فهذه المنطقة من العالم مرَّ عليها هولاكو وجنكيز خان والغزو الصليبي، وامبراطوريات الاستعمار الأوروبي، ولم تتدمر ولم تحترق؛ وخرجت شعوبها من الكوارث نقية كالرماد، نظيفة كالبدايات!!.

الرئيس الأسد استقبل موفدي الجامعة العربية، واستمع إلى طلباتهم بوقف العنف واللجوء إلى الحوار مع قوى الاحتجاج الشعبي، ثم يقبل في الدوحة ما هو أقرب إلى الانذار.. ولكن الجميع يعرف أن الرجل يتظاهر ويناور مع أن الغطرسة هي من طبيعة النظام، وهو لا يقبل سماع النقد، أو سماع أي كلمة يمكن أن تحمل إشارة للنقد، وكان عنده إلى جانب قوات معينة في الجيش وعنده الأمن، وعنده مئات الإرهابيين الذين يقتلون دون أن يسألوا عن السبب!!.. ولو احصينا مصارع الرجال الذين قالوا لا للنظام لخرجنا بحصيلة تفوق عن عشرات الآلاف من الناس الراقدين في قبور لا يعرف أحد مكانها، وآلاف المشردين!!.

ولو وقفنا عند عذابات اللبنانيين من قسوة احتلال عسكري سوري وهيمنة مطلقة على حياتهم طيلة سنوات، لامكن فهم القناعة الداخلية بقصة الزلازل والحرائق في الشرق الأوسط.

ونقول ونحن أقرب إلى فهم أربعين عاماً من جيرة النظام السوري، إن الزلازل والحرائق لا تحدث الآن لأن قوى أجنبية تمارس ضغوطها على النظام في دمشق، وإنما لأن الناس كسروا حاجز الرعب وخرجوا إلى الشارع في درعا وحماة وحمص وإدلب، فالغطرسة والاستعلاء هي التي تصوّر للديكتاتورية أن العالم كله يقف على رجل واحدة خشية الغضب الذي يحمله الطاغية على شعبه الذي خرج على الطوق!!.

=================

ليس خوفاً من الزلزال..

جهاد المومني

الرأي الاردنية

1-11-2011

يسكت الغرب على الاسد ليس لخوفه من الزلزال الذي هدد بوقوعه اذا تعرضت سوريا لتدخل عسكري مباشر من حلف الناتو على غرار ما حدث في ليبيا، وانما لخوفه على نظام الاسد نفسه الحليف المستتر منذ ثلاثة عقود على الأقل, وربما خوفا ممن سيأتي بعده في ظل صورة ضبابية غير مفهومة عن المعارضة السورية وما تمثله في الداخل والخارج، فالثابت حتى الآن ان الثورات العربية لا تبدأ اسلامية ولكنها تنتصر كذلك، ليبيا وتونس نموذجان مقلقان بالنسبة للغرب عندما يكون من الصعب الاجابة عن سؤال المستقبل وقدرة الاسلام المعتدل والعصري على الصمود امام المد المتطرف، ومدى قدرته على استيعاب التأثير الغربي في انظمته الجديدة بعد الثورات؟

في سوريا غموض يلف ثورة الداخل وهدفها المعلن اسقاط النظام البعثي وحكم عائلة الاسد،وقد يبدو الهدف بحد ذاته مغريا لكثيرين من غير السوريين، بل ولدول وانظمة سياسية عربية وغربية فيطغى الشغف بتحقيق الهدف على ما بعده، اي النظام الذي سيحكم سوريا بعد الاسد، وكلما وصل المؤيدون الداعمون للثورة السورية الى هذه النقطة شعروا بالقلق من محصول هذه الثورة وما قد تنتهي اليه بالرغم من تشكل مجلس انتقالي، ليس قبل التأكد من الطرف الاقوى وما اذا كان هناك طرف قوي بالفعل قادر على حسم الثورة لمصلحة نظام جديد معتدل ينهي عصر الديكاتورية ولكن بنفس الوقت لا يكرس كراهية جديدة لا للغرب ولا للشرق.

يذكر الرئيس بشار الاسد الغرب بافغانستان اخرى اذا ما انهار النظام في دمشق،وهذا التذكير يرقى الى مستوى التهديد بما سبق لزعماء عرب ان هددوا به، بعبع الاسلام المتطرف وطالبان والقاعدة وجميعها نماذج مرعبة بالنسبة للغرب وللشرق ايضا،فلماذا المجازفة بنظام بديل اذا كان النظام القائم يستوفي الشروط الغربية اساسا،نظام لا يهدد المصالح الغربية ولا أمن اسرائيل ويسعى الى علاقات مع منظومة الدول التي تتهم بمعاداة المصالح العربية القومية ويسعى لتحسين صورته بشتى الطرق للولايات المتحدة الاميركية بما يشمل تقديم تنازلات كبيرة على صعيد المبادئ والثوابت..!

مشكلة النظام السوري انه اقنع الغرب بالحاجة اليه، لكنه لم يقدم الكثير لاقناع الشعب السوري بضرورته، فالتغييرات التي حدثت في سوريا بشار الاسد كبيرة ليس لأنها ديمقراطية وجذرية، وانما لانها ثورية جدا وعميقة مقارنة مع الحال في سوريا حافظ الاسد، وعليه فقط حلت مشكلة النظام السوري مع الغرب-الا في بعض جوانبها التفصيلية-، لكنها لم تحل مع الشعب السوري.

ربما يتعرض النظام السياسي في سوريا لمؤامرة،لكنها (مؤامرة) داخلية لا غربية ولا صهيونية, والمؤامرة هنا ضد النظام السياسي لا الدولة السورية،ويجتهد البعض بالقول ان المؤامرة لا تستهدف كل النظام وانما التيار الذي مزج بين البعثية والطائفية العلوية على قاعدة امنية اقصائية لبقية الشعب السوري،فالبعث كمنطلق قومي فكري ربما لا يزال محترما عند الكثيرين في سوريا, لكن هؤلاء المخلصين للفكر البعثي ينفون اساسا أن يكون النظام الحاكم في سوريا بعثيا، مثلما رأى آخرون من قبلهم أن النظام في العراق لم يكن بعثيا ايضا.

=================

في خصوصية الثورة السورية..'إشكاليّة المثقف ودخوله السلطة السياسية'

خلود الزغير

2011-10-31

القدس العربي

يبدو أن العبارة التوصيفية الأكثر واقعية، لحد ما، التي خرجت من فم النظام حتى الآن هي: 'سورية ليست تونس وليست مصر ولا ليبيا ولا اليمن..' وإن قصد النظام بكلمة (سورية) شخص الرئيس الذي لا يتنحى ولا يسقط.

كثيرةٌ هي ملامح التباين ويبدو أجلّها في ثلاث صور: أوّلها صورة النظام الذي تفوّق ليس فقط على الأنظمة العربية الساقطة والمتنحية، بل على معظم الأنظمة الديكتاتورية البائدة في تاريخ العالم. بتجاوز العتبة المعقولة للقمع والتعذيب والترهيب، عبر سياسة ترسيخ السلطة الأمنية والسلطة الأيديولوجية في جميع بنى التنشئة العامة للأفراد في المجتمع، من الأسرة مروراً بالمدرسة والجامعة والعمل إلى نوادي الترفيه. نظام لا يرى شعبه حتى كعبيد بل لا يراهم أصلاً. وضع جيشه 'الوطني' بحالة حرب مع الشعب، بعد أن أخضع هذا الجيش لسلطة الأيديولوجية أربعين عاماً، فأصبح جزءاً منه يقاتل ليحمي أوهام النظام وكأنه مغيّب عن الواقع وخاضع للإعلام العبوي، وجزءاً آخر يواجه الموت حين يتلمس الحقيقة الأخرى. لذلك لا نستطيع مقارنته حتى بالقذافي الذي اشترى مرتزقة من الخارج لقتل شعبه بينما الأسد لديه فائض يصدره لليبيا واليمن. نظام كل العالم يكرهه ولكن بنفس الوقت يتواطأ معه ويخشى زواله، من أقرب الأصدقاء والأشقاء والحلفاء إلى أشد الأعداء والطامعين.

ثاني صورة لهذا التباين عن ربيع الثورات العربية هي صورة شعب بصمود أسطوري متفرد، يواجه الدبابة والمدفع والتعذيب الوحشي حتى الموت منذ مايقارب التسعة أشهر وينزل للشارع بإصرار أكبر ليطالب بالحرية والكرامة، رغم تخلي العالم عنه بمن فيه أخوته السوريين وقتلهم له. شعبٌ يقدم صورة جديدة للتضحية في سبيل الحرية على شاشات التلفزة: أناسٌ يشيعون شهداءهم كل يوم بالعشرات، ثم يعودون للساحات ليحتفلوا بهم ويقيموا لهم أعراساً وطنية، شبابٌ يقابل تُهم التخوين والتآمر والعمالة بالنكتة والسخرية والأغنية.

الصورة الثالثة المفارقة هي صورة المعارضة التي قدمت ملمحاً واضح الإختلاف عما رأيناه من تشكيلات وحركات معارضة للأنظمة العربية الساقطة والمتنحية. حيث أنّ التنوع، الغنى، التشابك والإختلاف الذي ظهر في المؤتمرات العديدة التي تميّزت بها الثورة السورية ثم توحدها، غير المكتمل تماماً، في المجلس الوطني السوري يترك أسئلة عديدة لدى العرب والغرب عن كثافة البنية السياسية للمجتمع السوري.

التميّز الآخر للمعارضة السورية بعد تكتلها والذي لم تعرفه المعارضات العربية أو المجالس التي قادت الثورة في الدول العربية الثائرة على أنظمتها الديكتاتورية تتعلق بقيادة مرحلة التغيير أو الثورة.

ففي الوقت الذي اختارت المعارضة والشعب في الدول العربية الثائرة قادة للمراحل أو المجالس الإنتقالية من النخب العسكرية أو السياسية أو الدينية. نجد أن المؤتمرات المتعددة للمعارضة السورية والشعب على اختلاف شرائحه يدفع بإتجاه اختيار مجلس وطني برئاسة مثقف ومفكر أكاديمي يحمل فكرا علمانيا ليس بالمعنى الإلحادي للكلمة ولكن بالمعنى التسامحي ' tol'rance' أي تقبل الآخر أيّاً كان فكره وعقيدته واحترامه، وهو أساس مجتمع المواطنة والمساواة والعدالة الاجتماعية والحرية الفكرية.

لذلك أسئلة مشروعة نطرحها على أنفسنا كسوريين: هل نحن محظوظون بوجود مثقف ومفكر من هذا النوع برئاسة المجلس في هذه المرحلة الحرجة بدلاً من وجود رجل السياسة أو رجل الدين أو العسكري؟ خاصة في مجتمع غني سياسياً واجتماعياً ومعتقديّاً كسورية.

وإلى أي درجة يبقى المثقف، بجزئه الثقافي-الإنساني الحر والنقدي، هو هو بعد دخوله المؤسسة السياسية ومناوراتها وصفقاتها وتنازلاتها ودبلوماسيتها المطلوبة؟

نعرف أن أي تشكيل سياسي يتكون من مجموعة قواعد ومعايير تتمحور حول هدف، هذا الهدف يلبي حاجات المنتسبين إليه، هؤلاء الذين تجمعهم مصالح وأغراض مشتركة. إنّ أي تشكيل أو مؤسسة سياسية تمارس نوع من المراقبة والتقييد على أعضائها حفاظاً على مصلحة وسلامة المؤسسة وديمومتها. كذلك نجاح أي هيكليلة سياسية يتوقف على شبكة العلاقات الناجحة فيها وبالتالي على قدرة أفرادها على المجاملة والحياد والدبلوماسية والزيف. كما أن علاقات البنى السياسية والتشبيك السياسي بين التكتلات السياسية أو الدول أو الشخصيات هو تفاوض مصلحي بالدرجة الأولى. وهذه حقيقة عالم السياسة وألف بائها دون تجميل.

بينما تتشكل عوالم المثقف الحر في أجواء مختلفة، حيث يمارس نقده الموضوعي غير المنحاز ودوره المعرفي الثقافي متحرّراً من قيد الأيديولوجيات أو الأطر الهوياتية الضيّقة بنزعة إنسانية. متصالحاً مع رفضه للمساومة مخلصاً لحريته وموقفه أولاً وقبل كل المؤسسات.

لن نذهب بعيداً برومانسيتنا، نحن السوريون، لنطمح ببناء جمهورية أفلاطون في الجمهورية السورية القادمة وبأن يكون حُكّامنا هم نخبة الفلاسفة، لكن أحداً لا يستطيع الإلتفاف على السؤال التاريخي حول سلطة المثقف وسلطة السياسي في المجتمع وأتذكر هنا المقاربة المدهشة التي يجريها الروائي الفيلسوف (ميلان كونديرا) بين شخصية السياسي متمثلة بنابيلون وشخصية الفنان/المثقف متمثلة بيتهوفن حين يطرح فكرة الخلود الذي يخلّفه كلّ من السياسي والمثقف وراءه، ليبدو من مقارنته أن التاريخ يمجد ويمنح خلوداً أعظم للسياسي من المثقف/الفنان، مما يجعل السلطة السياسية ونجوميتها محطّ إغراءٍ قد لا يقاوم أحياناً. بنفس الرواية يجري كونديرا لقاءاً وحواراً متخيّلاً بين غوته وهمنغواي في العالم الآخر يبدي فيه غوته ندماً على خياره نمط حياته بالإنحياز للثقافة والحياة العاقلة والإبتعاد عن مغامرة الحياة والسياسة التي خاضها همنغواي وشَهَرته أكثر بكثير من إنتاجه الثقافي.

لطالما كانت إشكالية المثقف والسلطة سؤالاً فلسفيّاً واجتماعيّاً وسياسيّاً، حيث اعتدنا الجدل في علاقة المثقف بالسلطة السياسية كوجودين مختلفين. من حيث دوره كناقد ومعارض وموجّه لإنحرافات السياسي، وكمدافع عن المصلحة المعرفية والثقافية والأخلاقية-الإنسانية في مقابل المصلحة السياسية والحزبية والأيديولوجية. كما تمّ الخوض في إشكالية سلطة المثقف نفسه في الحقل الثقافي، تلك السلطة التي سبق وطرحها (بيير بورديو). أي كيف يحتكر بعض المثقفين عبر رأسمالهم الرمزي/الثقافي الحقل الثقافي ويمارسون سلطتهم فيه كرأسماليين ثقافيين. لكننا هنا ننظر في إشكالية المثقف حين يصبح داخل السلطة السياسية عينها.

فالمثقف الذي يُعرّف عبر خطابه الثقافي/الفكري، بحيث يكون هو خطابه وخطابه هو، ترى ماذا سيطرأ على هذا الخطاب بعد خروج المثقف من الحقل الثقافي وانخراطه بالحقل السياسي؟ سؤال يجعل المهتمين بدراسة وتحليل الخطابات يصغون بكل ترقب اليوم لهذا الخطاب ليتحسسوا مستوى ارتفاع أو انخفاض نبضه، ما احتفظ به من فردانيته وما طغى عليه من جمعية المؤسسة السياسية وأهم من كل هذا مدى استمرار شعاع الروح النقدية الكاشفة أو ميله نحو ضبابية المراوغة السياسية ولغتها الدبلوماسية الناعمة منها والخشنة حرصاً على المصالح، أيضاً كم احتفظ هذا الخطاب بخصوصية المفكر وحسّهِ وما طغى عليه من مادية السياسة وواقعيتها.

يعتقد البعض أن دخول المثقف ضمن تشكيل سياسي ما سيُخفض سقف الحرية الخاص للمثقف ليأتلف مع الرأي الجمعي للتشكيل السياسي، وأن أي انحرف لهذا التشكيل السياسي بقراره عن قناعة المثقف الخاصة ستضطره للدفاع عنه لمصلحة وحدة وديمومة المؤسسة السياسية لا انتقاده.

بينما يراهن آخرون على الحيّز الثقافي-الإنساني في المثقف بأنه المعادل الأخلاقي للكفّة السياسة في أي تشكيل سياسي بمطامعها ومصالحها مهما كانت نسبتها. وقد عرف التاريخ العربي الحديث بعض الأمثلة القليلة لهكذا حالات يبدو أبرزها (خيرالدين التونسي) المصلح السياسي والاجتماعي الذي تسلم مناصب سياسية عليا في تونس وتركيا عمل من خلالها على إحداث تغييرات فعلية في المجتمع والدولة واستقال من هذه المناصب في المرات الثلاث بسبب حريته في تفكيره واستقامته التي جعلت الأعداء حوله كُثر.

ربما يكون الشعب السوري والمعارضة السورية بخطوتها هذه سبّاقة في ظاهرة إتاحة المجال للمثقف أن يصل لمكان صنع القرار السياسي ويقود مرحلة الثورة بالعالم العربي بعد انطلاق ربيعه، وهذا أمر مهم، خاصة حين يكون هذا المثقف من أول المنظرين العرب للديمقراطية وحقوق الإنسان والدعوة للثقة بالشعب حين كان معظم المثقفين ينظرون له كرعاع. وقد يعطي هذا بعض الأمل بوجه حضاري لسورية المستقبل. وربما تكون هذه الخطوة ردة فعل على أكثر من أربعين عاماً من حكم العسكر الذين احتلوا الحقل الثقافي والسياسي بشعارات البعث المفرغة من مضمونها وثقافة الولاء للقائد الخالد. وقد يكون وجود المثقف الآن صمام أمان للتنوع السياسي، الاجتماعي والثقافي المتخوف من بديل عسكري آخر أو بديل سياسي طامع ذو أيديولوجية ترضي طرف وتثير خوف أطراف، أو بديل ديني لاإمكانية لتثبيت سلطته في بلد متنوع دينياً إلاّ بالإستبداد. هنا يكون خيار المثقف العلماني، بالمعنى الذي أشرنا إليه، يأتي كحل لواقع موجود. بنفس الوقت نستطيع النظر للموضوع من جانب أنه خيار وليس حلا، خيار لشعب يقوم بثورة شاملة على نظام مجوّف ومتآكل لذلك فإن الثورة هنا ليست فقط سياسية واقتصاديّة بل اجتماعية وثقافية وأخلاقية، وهو ما أثبتته مسيرة وشعارات الثورة السورية طوال الأشهر السابقة. بحيث لا يكون غريباً على ثورة الحرية والكرامة أن تدعو مفكراً كي يدعمها. وكي يشارك مع باقي النخب في إعادة بناء المؤسسات السياسة والثقافية والتعليمية والأخلاقية- الإنسانية البائسة في سورية اليوم.

لكن كل هذا لا يمنع بقاء الإشكالية الأساسية للمثقف ودخوله السلطة السياسية، من حيث خياره بين البقاء في معارضة السلطة و المعارضة وتوجيههما بالنقد الحر والبنّاء لكن من خارج أي تكوين سياسي رغبةً بعدم التقيد بجدران أي تكتّل قد يضطره بلحظةٍ ما للدفاع عن أخطاء أعضائه أو الترويج له أو تحمل نتائج فشله بإنقاذ البلد.

وبين الإنخراط الجريء بصناعة القرار السياسي للدولة القادمة فعلياً من خلال الوجود بمركز القرار وأرض الحدث والوقوف على تفاصيله من الداخل لتوجيهه قدر المستطاع ونقده وجهاً لوجه، أو الموافقة عليه ربما، معتبراً هذا واجبا وطنيا مرحليا.

=================

مناضل من 'وعر' حمص

الياس خوري

2011-10-31

القدس العربي

 تسنى لي ان اشاهد فيلما قصيرا مدهشا صنعته مخرجة سورية شابة بعنوان 'وعر'. اسم المخرجة لا اعرفه، لأن هذه الفنانة المناضلة آثرت ان لا توقع عملها، كي تبقى قادرة على المساهمة في ملحمة الانتفاضة السورية الكبرى. رأيت الفيلم في منزل احد الأصدقاء، وعشت لحظات من الانبهار امام سحر الناس وهم يصنعون التاريخ وسط الدم والموت.

الوعر هو اسم احد احياء حمص، المدينة التي صارت اليوم عاصمة الثورة السورية، والفيلم يقدم مشاهد من لحظات الفرح الشعبي بالثورة وبقدرتها على تحرير الفرد والمجتمع، وهي تنشبك بلحظات القمع الدموي، الذي ينشر الموت والدمار، في سورية.

صحيح ان بطل الفيلم هو المدينة، بأحيائها التي اتخذت اسماؤها دلالات تمزج البطولة بالشجاعة، والحلم بالارادة: الخالدية، بابا عمرو، باب السباع، الوعر، باب الدريب، ساحة الساعة الجديدة، ساحة الساعة القديمة... لكن من قلب هذه الأحياء يبرز فتى في اوائل العشرينات من العمر، يطير كفراشة محمولا على الأكتاف ويتقوس كسهم قبل ان ينطلق في الأفق. يحمله صوته الى الأعلى ويرفع يده معطيا اشارة البداية كقائد اوركسترا، وحين يمضي ترافقه هتافات المتظاهرين: 'الله يحميك'.

اسمه عبدالباسط الساروت، حارس مرمى فريق الكرامة لكرة القدم، وحارس مرمى منتخب سورية للشباب، تحمل ملامحه البدوية عطشا لا يرتوي الى الحرية، كما يحمل صوته انتشاء بالهتاف والأغنية. يؤلف الأغاني والهتافات، محولا التجمع الليلي في احياء حمص، التي يخترق الرصاص هواءها، الى عيد شعبي، والهتاف الى ما يشبه الابتهال لوطن ذبيح، ولارادة شعب قررت ان لا تنحني.

'ارحل صرخة الشجعان/ صرخة حضر مع عربان/ صرخة لكل الأديان/ صرخة سورية وترابها/ يرحل هو وكلابَه/ والدمار يللي جابَه'.

عربات ال ب.ت.ار. العسكرية المصفحة تحتل الشوارع الخالية، وجه رجل مغطى بالظلال يروي عن مجازر حمص الثلاث التي حصلت في 17 ايار/مايو، اصوات طلقات رشاشات الدبابات تخترق المكان، حكايات عن الجريح الذي يدخل الى المشفى مصابا في يده، فيُسلم بعد ايام الى ذويه جثة هامدة.

خراب يستند الى خراب، امن وشبيحة لا يتوقفون عن القتل، والدم يغطي المدينة. لكن هذا المشهد المخيف يتبدد امام سيل المظاهرات الشعبية. كيف استطاع السوريات والسوريون ان يصنعوا هذه الأعجوبة المستمرة منذ سبعة اشهر، يملأون الشوارع في تحدٍ واعٍ للرصاص؟ من اين تأتي الحنجرة بالشجاعة كي تواجه السلاح، وكيف تحولت الصدور الى متاريس للحرية؟

بطل هذا الفيلم هو الصوت في مواجهة البندقية. قال عبد الباسط الساروت 'سلاحنا صوتنا'، وروى كيف وضع النظام جائزة قدرها مليونا ليرة سورية لمن يساعد على القاء القبض عليه بصفته سلفيا! قال كلمة سلفي وابتسم مستهزءا، ثم ارتفع صوته بالشدو: 'سكابا يا دموع العين سكابا/ على شهدا سورية وشبابها'.

ينهض بطل هذا الفيلم من الحناجر، فيصير الصوت الانساني قادرا على مواجهة طلقات الرصاص، والانتصار عليها. شيء يشبه العرس، وطقوس تمزج الموت بالخصب، وحكاية يصنعها ابطالها وهم يموتون من اجل الحياة.

يبدو عبدالباسط الساروت وكأنه نبت في المكان، حارس المرمى يصير ابنا لحالة شعبية اسمها الثورة، واصوات الشباب في حلقة الانشاد الليلية تقدم صورة لمستقبل هو نقيض فكرة ابدية النظام التي روجت لها آلة الدعاية الرسمية.

شاهدنا في الفيلم صورة وحيدة للرئيس السوري بشّار الأسد وهو يقف في مشهد صنعت خلفيته صورة والده، وتحت الصورة كتبت العبارة التالية: 'الأسد او لا أحد'. يبدو ان هذا الشعار الجديد هو استكمال لشعار قديم وضع تحت صور حافظ الأسد: 'قائدنا الى الأبد والى ما بعد الأبد'. صورة بشّار في حمص تضيف معنى جديدا للشعار القديم، الهدف من عبارة 'لا احد' إخافة الناس، الأبد او لا احد، وفي هذا تصل عظامية الديكتاتورية الى ذروتها، فالفراغ الذي صنعه الاستبداد حول نفسه، يريد اليوم ان يبتلع الوطن.

فكرة اللا احد يواجهها السوريات والسوريون اليوم بفكرة كل الناس، كل الناس يملأون الشوارع، ويتحدون الفراغ الذي يفرضه الرصاص ويمحون صورة اللا أحد بشعارات الحرية: 'هبت من درعا ثورة/ بتنادي بالحرية'.

الحرية هي نقيض اللا أحد، والديمقراطية هي نقيض ابد الاستبداد. هذا ما ترويه لنا مخرجة سورية شابة، صورت فيلمها تحت الرصاص، مقدمة نموذجا لمعنى الفن في زمن الثورة.

حارس المرمى الذي تحوّل الى منشد حمص، ليس سوى احد الظواهر التي صنعتها الانتفاضة الشعبية الكبرى في سورية، وهي ظواهر تعلن دخول الناس الى الفضاء العام، وقدرة المخيلة الشعبية على صناعة الحياة وسط الموت، وولادة جيل من الشباب سبق له ان صبغ السبع بحرات في دمشق باللون الأحمر، محولا الماء الى دم يتدفق كما تتدفق دماء الشهداء.

عندما قتل الشبيحة ابراهيم القاشوش وقطعوا حنجرته، اعتقدوا انهم باخراس صوت الشاعر والمنشد السوري يخرسون صوت الثورة، فنبت لهم الف منشد ومنشد، وصارت اهازيج شبان الأحياء تحتل السماء.

حين انتهى عرض فيلم 'وعر'، وجدت نفسي اردد بشكل عفوي مع شباب حمص هتافهم: 'عبد الباسط/ الله يحميك'.

=================

سورية: العناد يقود للتهلكة

عبد الباري عطوان

2011-10-31

القدس العربي

لا نعرف حتى الآن ماهية الرد الرسمي السوري على الخطة التي وضعتها الجامعة العربية وقدمتها الى السيد وليد المعلم وزير الخارجية السوري، اثناء مشاركته في اجتماع اللجنة العربية لمتابعة الملف السوري التي عقدت اجتماعها في الدوحة يوم امس الأول، ولكننا نأمل ان يكون الرد بالايجاب لقطع الطريق على الذين يريدون 'تدويل' الأزمة السورية وايجاد الذرائع للتدخل العسكري الاجنبي.

فالبنود الواردة في هذه الخطة ليست على درجة كبيرة من الخطورة بحيث يتعذر تطبيقها، او الخوف منها، خاصة البندين المتعلق احداهما بسحب الدبابات من المدن والشوارع وعودتها الى ثكناتها، والثاني الذي يدعو الى فتح حوار مع ممثلي المعارضة السورية.

بات واضحاً وبعد ثمانية أشهر ان المعارضة السلمية غير قادرة على اطاحة النظام، بينما بات من المستحيل ان يستمر هذا النظام في الحكم في ظل الحلول الامنية وقتل مواطنيه، او انهاء الانتفاضة، ولذلك قد تشكل مبادرة الجامعة العربية، ورغم التحفظات العديدة على اسلوبها والنوايا المبيتة خلفها،مخرجا من هذا الطريق المسدود.

الدول العربية التي دعمت الانتفاضة الشعبية السورية المشروعة منذ البداية، سياسياً واعلامياً،اعتقادا انها ستطيح بالنظام في اسابيع معدودة ،على غرار ما حدث في مصر وتونس، باتت هي الاخرى في مأزق كبير تبحث جاهدة عن مخرج منه ينقذ ماء وجهها، خاصة بعد تردد حلف الناتو في التدخل عسكرياً، مثلما حدث في ليبيا بسبب الكلفة المالية والبشرية العالية، مضافاً الى ذلك ان النتائج ربما تأتي معاكسة تماماً مثلما حدث ويحدث للتدخل الامريكي الغربي في افغانستان والعراق،وهي تريد الآن من يقدم لها السلم للنزول عن شجرتها.

العنف في سورية يجب ان يتوقف فوراً سواء كان من قبل النظام وقواته، او من قبل الجماعات المسلحة المنشق بعضها عن الجيش، وان كانت المقارنة بين الجهتين في غير مكانها، والدفاع عن النفس أمر مشروع، لان ضحايا هذا العنف هم ابناء سورية، واستمراره يعني حرباً اهلية طائفية طاحنة قد تؤدي الى تدمير هذا البلد صاحب الإرث الحضاري المشرّف.

' ' '

ندرك جيداً ان النظام السوري يتحفظ كثيراً على مسألة الحوار مع ممثلي المعارضة السورية، والذين يقيمون في الخارج على وجه الخصوص، لان هؤلاء، او بعضهم، طالب بالتدخل الاجنبي وفرض مناطق حظر جوي لحماية المحتجين المدنيين. وهذا التحفظ عائد الى الكرامة الشخصية اولاً، وعدم الرغبة في الرضوخ لإملاءات عربية او خارجية ثانياً، ولعدم ايمانه بثقافة الحوار ثالثاً، ولكن عندما يكون مستقبل البلاد مهدداً، وهناك مؤامرة خارجية تستهدفها، مثلما ظل النظام يردد لأشهر، فإن مصلحة سورية تتطلب التنازل والانحناء امام العاصفة.

يجب ان يتعود النظام الذي يقول انه يريد الاصلاح الديمقراطي على ثقافة الحوار والتعاطي مع الآخر المختلف، حتى لو كان مرتبطاً بجهات خارجية مثلما يؤكد، فهؤلاء سوريون في نهاية المطاف، ولا يمكن تجاهلهم والتغاضي عن مطالبهم، او اسقاط صفة المواطنة عنهم، فما كان يصلح قبل خمسين او ستين عاماً لم يعد يصلح اليوم، والزمن تغير ويتغير بسرعة،ولا يستطيع النظام ان يخلق معارضة وفق مقاساته وهو الذي يؤكد انه يعمل من اجل الاصلاح.

نتفق مع الرئيس السوري في تحذيراته بأن اي تدخل غربي في الأزمة السورية سيؤدي الى زلزال يحرق المنطقة بأسرها، لان سورية ليست ليبيا، وهي مدعومة من ايران وحزب الله وحركة المقاومة الاسلامية 'حماس'، وفوق هذا وذاك روسيا والصين، ولكن اول ضحايا هذا الحريق سيكون الشعب السوري، بل وسورية نفسها، وهذا ما لا نريده او نتمناه كعرب ومسلمين لسورية، او اي دولة عربية اخرى. فخيار شمشون خطير وغير مقبول، وليس حلاً على اي حال.

النظام السوري ما زال يتمتع بتأييد بعض القطاعات الشعبية، وخاصة في دمشق وحلب اللتين تمثلان نصف الشعب السوري تقريبا، واذا كان النظام قادرا على انزال الملايين في شوارع المدينتين، فلماذا يخاف او يخشى الحوار مع مجموعة من المعارضين يختلفون فيما بينهم في بعض الاحيان، اكثر مما يختلفون مع النظام نفسه؟

' ' '

الرئيس بشار الاسد اعترف في حديثه لصحيفة 'الصنداي تلغراف' البريطانية بارتكاب قوات الامن التي تصدت للمظاهرات السلمية اخطاء كبيرة، ونتمنى عليه ان يدرك ان نفس الذين اصدروا الأوامر لهذه القوات بإطلاق النار على هؤلاء المتظاهرين السلميين المطالبين بالاصلاح هم الذين يشيرون عليه الآن بالتشدد ورفض المبادرة العربية، او اي مبادرة اخرى بوقف العنف ضد ابناء وطنه.

السلطات السورية التي تنفي صفة العناد وتدعي المرونة تبني كل سياساتها حتى الآن على العناد.

وهذا في تقديرنا تصرف غير سياسي ربما يؤدي الى نتائج غير محمودة، خاصة في وقت الملمات والأزمات التي تحصل الآن ونتابع فصولها قتلا وتدميرا في المشهد السوري على مدى ثمانية اشهر.

المرونة مطلوبة وعندما تقدم هذه السلطات تنازلا فإنها تتنازل للشعب السوري الذي اعترفت ببعض المظالم التي يعاني منها، ولا يعيب صاحب القرار السوري ان يتنازل لشعبه او حتى لبعض القوى التي يعتقد انها تتآمر عليه، اذا كان هذا التنازل يجنب البلاد الانهيار والدمار.

لقد احسنت السلطات السورية صنعا عندما ارسلت السيد وليد المعلم شيخ الدبلوماسية السورية الى الدوحة للمشاركة في اجتماع اللجنة العربية، فسورية التي جربت الحلول الامنية والتي نرى نتائجها الخاطئة حاليا، عليها ان تجرب الحلول الدبلوماسية.

نعرف جيدا ان السلطات السورية تتحسس من الحوار مع المعارضة ،والمجلس الوطني على وجه الخصوص في القاهرة، ولكن عليها ان تتذكر ان قاهرة اليوم ليست قاهرة حسني مبارك، وهي قاهرة وطنية نعتقد، بل نكاد نجزم، بأنها تريد الخير والاستقرار لسورية وشعبها.

الدعم الصيني والروسي مهم لا شك في ذلك، ولكن على الرئيس السوري ان يتذكر ان هؤلاء خذلوا الرئيس العراقي صدام حسين، مثلما خذلوا العقيد معمر القذافي وتركوهما الى المصير الدموي المؤلم الذي واجهاه، وشاهدناه عبر شاشات التلفزة. ما يحمي الرئيس الاسد وسورية هو الحكمة والعقل والتصالح مع شعبه وأمته، اما العناد ورفض المبادرات على سوئها فقد يعطي نتائج عكسية تماماً.

رئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين قال ان على الرئيس بشار ان يمارس الاصلاح او يرحل، والصين قالت بالأمس ان موقفها المساند لسورية ليس بنهايات مفتوحة.

=================

سورية: دراسة أمنيّة

الثلاثاء, 01 نوفمبر 2011

حسّان القالش *

الحياة

نجح نظام البعث في سورية، عبر حكمه المديد، في خلق رجل أمن يعشّش في رأس كل سوري. رجل الأمن هذا، في وجهيه الحقيقي والسيكيولوجي، لا يقتصر دوره على مصادرة الأفكار التي لا تتناسب مع النظام، ومنع الإنسان السوري من محاولة التفكير في السياسة والعمل فيها، ومراقبة حركة التجارة والتجّار، وزرع العيون والأزلام في مؤسسات الدولة الرسمية. بل إن شرّه يصل أيضاً إلى العشاق والمراهقين، فيتلصّص عليهم، ويعطي موافقته وبركته للراغب في «عقد النكاح» ودخول عالم الزوجيّة منهم. رجل الأمن هذا اختصر البلاد بالشخصية الأمنية لدولة البعث. وقد كان كافياً، بالنسبة الى سلطة البعث، أن يُزرع رجل الأمن السيكولوجي في عقول السوريين، جماعات وأفراداً. فقد مثّل طيلة العقود الحديديّة الماضية، السلاح النفسي الذي استخدمه النظام للتحكم بالمجتمع. فهيمنت ثقافة الخوف وتمأسَست، وسادت أخلاق الوشاية، وانسحقت المبادرات والطموحات، وذابت الأفكار والتطلّعات في عوالم السريّة والريبة والشكّ. هكذا صار الانسان لا يأمن جانب جاره أو زميله في العمل أو حتى أخيه. هكذا انحكم المجتمع بنسخة من الممارسات الستالينيّة، التي قضت على حيويّته، ومنعته من أن يصير مجتمعاً كبيراً يجمع السوريين على اختلاف ثقافاتهم.

هكذا امتنع السوري من أن يرتقي إلى مواطن في بلاده، مكتمل الحقوق والواجبات. ذاك أن المواطن الصالح، في مفهوم دولة البعث، هو من أكمل شروط الطاعة، وأسلم نفسه وروحه ومستقبله لرجل الأمن وللعقلية الأمنيّة للنظام. ويقاس صلاح هذا المواطن أو فساده عبر طرق أمنيّة متعدّدة، لعل أشهرها «الدراسة الأمنيّة». ذاك أن كلّ من توظّف في مؤسسات الدولة، أو كانت له فيها حاجة مهمّة، طُلبت في حقه دراسة أمنية، غالباً ما تتمّ بزيارة إلى منزل المواطن ذاته. بيد أن من ينشط في الشأن العام هو عرضة لأكثر من دراسة أمنيّة. حيث كلما جاء أحد على ذكر هذا الكاتب أو الصحافي أو الناشط، صدرت الأوامر بدراسته.

والحال أن من يتعرض لهذه الدراسة الأمنيّة في شكل مباشر، يعرف حقّ المعرفة أنها ليست كافية على الاطلاق لفهم شخصيته وتحديد توجهاته السياسية والثقافية، حيث إن أجهزة الأمن السورية تحوز من الأدوات ومن القوّة ما يغنيها عن هذا الاحتكاك المباشر بالشخص المطلوب دراسته. وما هذا الاحتكاك إلا نوع من الترهيب المباشر، وكأنه يقول: حذارِ، أنت قيد الدراسة والملاحظة، أنت محاصر، هنا، تحت أنظارنا، ولن تفلت منّا.

والواقع، أن ما يريده السوريون اليوم، ويعملون على إنجازه، هو خلق حياة جديدة، يكونون فيها أحراراً في خصوصياتهم، ويكون فيها معنى لتلك الخصوصيات. حياة جديدة لا يعامَلون فيها كأتباع أو أرقام وأوراق في ملفّات الأمن ودوائره... ما يريده السوريون، وينتفضون من أجله، هو أن يفلتوا من هذه الحياة الأمنية، من قذاراتها ومهاناتها، وأن يعدموا ويطردوا رجل الأمن الذي سكن طويلاً في رؤوسهم وأرواحهم.

* صحافي وكاتب سوري

=================

الاهتمام بسوريّة

الثلاثاء, 01 نوفمبر 2011

حازم صاغيّة

الحياة

يجمع بين الأنظمة العربيّة التي سقطت وتتساقط، أي التونسيّ والمصريّ والليبيّ واليمنيّ والسوريّ، جامع اللاشرعيّة. فهي كلّها أنظمة جمهوريّة استنفدت أغراضها ثمّ خانت جمهوريّتها في أسّ النزعة الجمهوريّة، أي في استدخالها التوريث على نحو أو آخر.

هكذا باتت الأنظمة المذكورة غير جمهوريّة من دون أن تغدو ملكيّة أو أن تتظلّل بالشرعيّات التي تتظلّل بها الملكيّات. وكان ما يفاقم مأزق الخيانة لجمهوريّتها أنّها في معظمها ولدت من مناهضة الملكيّة ومنها استمدّت شرعيّتها الأولى: يصحّ هذا خصوصاً في مصر التي أسّست، في 1952، عمليّة القطع مع أسرة محمّد علي، تلتها اليمن حيث صفّي حكم أسرة حميد الدين من خلال حرب أهليّة تحوّلت حرباً أهليّة عربيّة، ثمّ كانت ليبيا التي أنهت عهد إدريس السنوسيّ الاستقلاليّ. أمّا تونس فكان مؤسّسها الحبيب بورقيبة نموذجاً للبطل الجمهوريّ الحديث، فيما عرفت سوريّة الخمسينات، حيث نما حزب البعث وتصلّب عوده، بعض أشرس السجالات العربيّة وأوضحها بين النزعتين الملكيّة والجمهوريّة.

إلاّ أنّ أمراً آخر سرّع في افتضاح الخيانة الجمهوريّة، ألا وهو العجز عن تقديم الرشوة الاجتماعيّة بسبب ضيق اليد وضعف الموارد. والواقع أنّ الإفقار كان الوعد الاقتصاديّ الوحيد لكتل متعاظمة من السكّان. ولئن كانت ليبيا القذّافيّة ذات الثروة النفطيّة استثناء في هذا الباب، فإنّ سياسة التبديد غير الاعتياديّ التي اتّبعها القذّافي حالت دون اعتماد العلاج هذا.

لكنّ التشارك في هذه العناصر لا يحول دون الاختلاف الذي يجعل من سوريّة البلد الأهمّ في حسابات الدول وفي مصالحها. فإذا كانت مصر أهمّ البلدان العربيّة من حيث المبدأ، إلاّ أنّ العقود المباركيّة الثلاثة عطّلت هذه الأهميّة وعملت على إيهان الدور المصريّ. وبدوره غدا البُعد الاستراتيجيّ لليمن جزءاً من بُعد «الحرب على الإرهاب»، وغدت حكومة صنعاء لا تفعل إلاّ التوسّط المراوغ والانتهازيّ بين طرفي الحرب هذه. ولئن بقي كلّ دور تونسيّ محصوراً بحدود تونس لا يتعدّاها، فإنّ «الجماهيريّة العظمى» باتت، بعد تسليمها الاستباقيّ لأسلحة الدمار التي امتلكتها، مجرّد جعجعة من دون طحين.

أمّا سوريّة فلم يفعل نظامها غير تفعيل أدواره الخارجيّة إلى الحدّ الأقصى، وبيع تلك الأدوار في مزاد متواصل، مستفيداً من الموقع الجغرافيّ المؤثّر في لبنان والعراق والموضوع الفلسطينيّ، كما في الأردن وجنوب تركيا. وكان لتحالف دمشق مع طهران أن قلب جميع المعادلات موفّراً للسلوك الإيرانيّ غطاء عربيّاً غير مسبوق وغير مسبوق تنافره مع سائر الحساسيّات العربيّة.

في هذه المعاني جميعاً كان النظام السوريّ أكثر نظرائه افتقاراً إلى داخلٍ وأكثرهم امتلاكاً لخارجٍ تجسّده «أوراق» ومصالح ومقايضات متبادلة. وهذا ما يفسّر اتّساع درجة الاهتمام بما يجري في سوريّة، وفي الوقت نفسه مدى التردّد الذي تصطبغ به المواقف العمليّة حيال ما يجري فيها. ذاك أنّ الخارجيّة المستفحلة في العقيدة الحاكمة في دمشق كوّنت لنفسها مساحات داخليّة في معظم البلدان المجاورة لها والمتأثّرة، على نحو أو آخر، بها. فليس من المبالغة، بالتالي، اعتبار الصراع المتجدّد على ذاك البلد صراعاً داخليّاً في معظم تلك البلدان، وهذا ما يعنيه الرئيس السوريّ حين يتحدّث عن الزلازل والبراكين أو يهدّد بعظائم الأمور، ممّا يُرجّح أن نعيش طويلاً معه ونعاني وطأته الثقيلة.

=================

المنطقة العربية في لحظة تاريخية فريدة

الثلاثاء, 01 نوفمبر 2011

ماجد كيالي *

الحياة

كل شيء سينتظر في هذه المنطقة. القضايا والملفات والتحرّكات والاتفاقات، إذ ثمة ما يستوجب الانتظار حقاً بالنظر إلى التفاعلات والتطورات السياسية الجارية في عديد من البلدان العربية.

ففي الأشهر الستة الماضية تمّت الإطاحة بثلاثة أنظمة عربية (في تونس ومصر وليبيا)، وثمة ثلاثة بلدان مركزية ومقرّرة في شؤون الشرق الأوسط والمشرق العربي هي مصر والعراق وسورية تبدو عرضة لاهتزازات سياسية كبيرة وعميقة لا بد سيكون لها أثرها على شكل النظام العربي وعلى تفاعلات الصراع العربي - الإسرائيلي.

وفي الآونة الأخيرة تم الإعلان فجأة عن صفقة بين حركة «حماس» وإسرائيل، تمت بوساطة مصرية، وتتعلّق بالإفراج عن الجندي غلعاد شاليت في مقابل أكثر من ألف أسير فلسطيني في السجون الإسرائيلية، في خطوة لافتة ربما يكون لها ما بعدها بما يخصّ رفع الحصار عن قطاع غزة، وربما بما يخصّ مكانة «حماس» وشرعيتها في النظام السياسي الفلسطيني. أيضاً، ففي الأسابيع المقبلة سيتم الإعلان عن إنهاء التواجد العسكري الأميركي في العراق، وهو وضع ربما يفتح على تطورات جديدة، لا يمكن التكهّن حالياً في شأنها، أو بكيفية انعكاساتها على توازنات القوى السياسية في هذا البلد والمداخلات الإقليمية فيه.

فوق كل ذلك فإن المنطقة برمّتها تتغيّر، ليس فقط بفعل سقوط بعض الأنظمة، وإنما بفعل عوامل أخرى أهمها على الإطلاق ظهور الشعب على مسرح التاريخ وفي ملعب السياسة للمرة الأولى في تاريخ هذه المنطقة، بعد أن ظلّ لحقبة طويلة مغيّباً أو على الهامش، وتحوله أيضاً إلى فاعل رئيس في تقرير مستقبل المنطقة، وذلك بفعل الثورات العربية.

ويأتي ضمن هذه التغيرات التحوّل الحثيث نحو الديموقراطية، والإصلاح السياسي لجهاز الدولة، وهذان ليسا مجرد تفصيل عرضي أو ثانوي بالنسبة إلى بلدان المنطقة التي عانت ولعقود مديدة من غياب الدولة، بحكم تغوّل السلطة، ومن غياب المجتمعات بواقع إبقائها عند حدود الانتماءات ما قبل الوطنية، بالحؤول دون تحولها إلى شعوب وحرمانها من المشاركة السياسية.

وعطفاً على هذا الواقع الناشئ فقد بات اليوم ثمة فاعل جديد، حيّ وناهض، ويتمثل بالشعب الذي ينافح في سبيل حريته وحقوقه وكرامته وفي سبيل السيادة على موارده إزاء الفاعلين الدوليين والإقليميين الآخرين، وهو فاعل لم يكن بالانتظار ولم يكن يحسب له أي حساب في معادلات موازين القوى المتعلقة بالصراع على هذه المنطقة.

وفي الحقيقة فإن التحوّل نحو الديموقراطية يعني أن النظام السياسي العربي القديم انتهى زمنه أو أوشك على الانتهاء، وأن ما كان مقبولاً من قبل الأنظمة، في تعاملاتها مع القوى الخارجية، لم يعد يتناسب مع الواقع السياسي الجديد، وهو ما يجب أخذه في الاعتبار.

أيضاً، وضمن هذا التحوّل نحو الديموقراطية ثمة وافد آخر وجديد على الحياة السياسية العربية، والمقصود هنا نظم الحكم، ويتمثل بالإسلام السياسي، وهذا ما بيّنته تجربة انتخابات «المجلس التأسيسي» في تونس، إذ فازت حركة النهضة (الإسلامية) بغالبية الأصوات، بالقياس إلى الأحزاب الأخرى، وبمكانة الحزب الأول، ولكن من دون أن تحقق الغالبية المطلقة التي تمكنها من الاستئثار بالحكم، ما يضع حداً للمبالغات الزائدة في شأن شعبية الإسلام السياسي، وما يعني أن التيارات العلمانية تتمتع هي الأخرى بنفوذ وازن.

وتأسيساً على ذلك ثمة من يعتقد بإمكان سحب هذه النتيجة التونسية على الانتخابات المقبلة في مصر أو في ليبيا، وإمكان تمثّل وتقبّل تيارات الإسلام السياسي في البلدان العربية للديموقراطية، والتعددية، ودولة القانون والمواطنين، لأنه بناء على كل ذلك يمكن تحديد إمكان الاستقرار أو الاضطراب في أنظمة الحكم في البلدان العربية في المستقبل القريب.

طبعاً، وفي هذه الإطارات، لا يمكن إغفال مكانة العوامل الخارجية في كل ما يجري، لكن بالنسبة إلى الفاعلين الإقليميين، يمكن ملاحظة أن ثمة انكفاء في الدور الإسرائيلي، وهو ما جرت ترجمته في تمرير صفقة الأسرى (وإطلاق شاليت) بعد طول تعنت وتمنّع من قبل إسرائيل (طوال خمسة أعوام)، بدعوى عدم إعطاء جوائز ل «الإرهاب»، وعدم الاعتراف بشرعية «حماس».

وفي غضون ذلك، أي في ظلّ تلك التغيّرات المحمولة على رياح الثورات الشعبية العربية وفي ظلّ الانكفاء الإسرائيلي، ثمة اليوم قوتان إقليميتان فاعلتان تتبادلان الأدوار في التصارع على النفوذ في منطقة المشرق العربي (إلى جانب إسرائيل)، هما تركيا وإيران. وفيما يمكن ملاحظة أن الثورات الشعبية العربية أضعفت نفوذ إيران، الذي كانت اكتسبته بصورة رئيسة من الانخراط في بعض مجالات الصراع ضد إسرائيل، فإن هذه الثورات قوّت من نفوذ تركيا التي بدت أكثر تعاطفاً مع مطالب الشعوب إن في موقفها المناهض لإسرائيل، أو في تعاطفها مع مناخات التغيير السياسي في العالم العربي، كما في تقديمها لنموذج إسلامي حداثي أو علماني ناجح، بديل عن النموذج الإسلامي الذي حاولته إيران.

على ذلك كله فإن المفاوضات وعملية التسوية، والمصالحة بين «فتح» و «حماس»، والتقرير بمآل منظمة التحرير وكذا السلطة في الضفة وغزة، كلها ستنتظر، إذ ليس من مصلحة إسرائيل تحريك هذه الملفات في ظل التغيرات العاصفة في المنطقة، وفي ظل عدم اليقين في شأن الترتيبات المستقبلية فيها.

وليس الفلسطينيون والإسرائيليون هم الذين سيبقون وحدهم في حالة انتظار وإنما المنطقة كلها ستبقى رهينة هذه الحالة، أيضاً، بخاصة من لبنان إلى البحرين مروراً بالأردن والعراق، وحتى أن مؤتمر القمة العربي سينتظر أيضاً.

وبالطبع فإن الانتظار لا يعني البتّة السكون، ولا اتخاذ موقف مراقب من الأحداث، إذ من البديهي أن كل طرف من الأطراف، الإقليمية والدولية، سيحاول التدخّل بالطريقة الأكثر مناسبة له للتأثير في مجرى الأحداث، في محاولة منه لتعظيم مكانته أو تأثيره فيها، لكنه يعني بأن هذه القوى تدرك بأن الأمور خرجت من نطاق سيطرتها، وأن لا يقين في شأن ماهية التطورات الآتية.

معنى ذلك أن المنطقة العربية تمرّ اليوم بلحظة من عدم اليقين، وهي ناشئة عن تخلخل مكانة الأنظمة، وفواتها من الناحية التاريخية، كما أنها ناشئة عن لحظة ضعف في السيطرة الأميركية (والغربية) على العالم. وبالأخصّ فإن هذه اللحظة ناشئة عن ظهور الشعب على مسرح الأحداث وإمساكه بمصيره، وهذه لا تشبه أية لحظة تاريخية سابقة، لا لحظة تقاسم تركة «الرجل المريض» التي جاءت عقب الحرب العالمية الأولى، وكان من إفرازاتها اتفاقية «سايكس بيكو» ووعد بلفور، ولا لحظة انتهاء حقبة الاستعمار الأوروبي، بعد الحرب العالمية الثانية، التي نتج منها قيام إسرائيل، وقيام الأنظمة العربية التي سادت طوال العقود الستة الماضية.

هذه لحظة فارقة ونادرة في التاريخ السياسي في المنطقة العربية، وفي تاريخ تطوّر المجتمعات العربية، ليس لها ما قبلها، ولكن سيكون لها ما بعدها.

* كاتب فلسطيني

=================

«أفغانستانات» لا تخيف أحداً!

الثلاثاء, 01 نوفمبر 2011

الياس حرفوش

الحياة

فَعَلها من قبل زين العابدين بن علي وحسني مبارك ومعمر القذافي. ولا يزال رئيس اليمن يكرر كل يوم أن خروجه من الحكم سوف يلحق الكوارث بالمصالح الغربية وسيفكّك اليمن. ولعلنا نذكر ذلك التهديد الذي اطلقه سيف الإسلام القذافي للغرب، عبر التلفزيون الحكومي، بعد أيام على قيام الثورة الليبية، من المخاطر التي سيشكلها انتصار الثورة في ليبيا على الغرب، ومن مخاطر قيام «أفغانستان جديدة» في الشمال الأفريقي، تهدد امن السواحل الأوروبية بكاملها ... انتبهوا أيها الأوروبيون لما تقومون به ولما انتم مقدمون عليه!

لذلك ليس جديداً تهديد الرئيس بشار الأسد ب «عشرات الأفغانستانات» في المنطقة إذا سقط نظامه، ولا تهديده بأن أي تدخل غربي في بلاده سوف يحرق الشرق الأوسط برمته. غير أن الواضح من خلال ردود فعل الأطراف الغربية ومواقفها من هذه التهديدات أن هذه الدول اختارت الوقوف إلى جانب الشعوب، على حساب الأنظمة التي تواجه الثورات، والتي باتت القناعة الغربية أنها ما عادت تستطيع حماية نفسها، فكيف بحماية المصالح الغربية؟!

وبالنظر إلى النتيجة المأسوية التي انتهى إليها قادة سابقون في المنطقة، رغم تهديداتهم التي لم تُخف أحداً من الذين كان مطلوباً أن يخافوا، لا في الداخل ولا في الخارج، فإن التهديد الأخير يبدو أشبه بتكرار مشاهدة الفصل الأخير من مسرحية، باتت خاتمتها معروفة سلفاً قبل إنزال الستار.

رغم ذلك، لهذا التهديد معانيه التي من المهم التوقف عندها لمن يراقب التطورات التي تنتظر المشهد السوري:

فهو تهديد موجّه إلى الخارج، إلى الغرب (عبر صحيفة بريطانية) وإلى روسيا (الصديقة!) التي يحاول النظام السوري أن يستخدم ورقة الاستقواء بمصالحها (كما بمصالح الصين) في وجه مصالح شعبه. ومعروف بالطبع أن موقف كل من موسكو وبكين من الأزمة السورية لا علاقة له بمصلحة سورية ولا بالحرص على مستقبلها، بل هو يدخل في باب الابتزاز السياسي للغرب.

وإذا كان من معنى للحديث إلى الخارج، فهو أن هذا الحديث يؤكد مدى الاستخفاف الذي بلغه النظام حيال مطالب شعبه. ذلك أن الرئيس الذي تحدث إلى السوريين (في حديث إلى التلفزيون السوري) مرة واحدة منذ بداية الأزمة قبل اكثر من سبعة اشهر، لا يتردد في فعل ذلك عبر وسائل إعلام غربية، كانت آخرها صحيفة «الصانداي تلغراف» البريطانية، حيث اكتشف السوريون أن رئيسهم يعيش في منزل متواضع، وعنده جيران، ويأخذ أولاده إلى المدرسة، ولذلك فهو رئيس شعبي!

بناء على هذه «الشعبية»، كيف للسوريين أن يطالبوا بما حصلت عليه شعوب مصر وتونس وليبيا؟ هنا يكرر الأسد ما قاله في أحاديث سابقة من «أن سورية ليست ليبيا أو مصر» و»أي مشكلة في سورية سوف تحرق المنطقة برمتها». أما عن المعارضة السورية التي تنتظر جامعة الدول العربية رده على عرض الحوار معها، فيكرر الرئيس السوري ما قاله القذافي من قبل: «من انتم»؟ وإن بطريقة اكثر «تهذيباً»: «لا أحب إضاعة وقتي في الحديث عن هؤلاء. فأنا لا اعرفهم، ومن الأفضل أن نحقق في ما إذا كانوا يمثلون السوريين فعلاً».

في خلفية مواقف الرئيس الأسد حيال أزمة بلاده أن الأزمة في سورية هي أزمة مفتعلة من الخارج، الذي يقوم بتمويلها عبر أموال تأتي عبر الحدود كل يوم، كما قال. انه بذلك يقطع الطريق على حديث الإصلاح الموعود، وهو ما يؤكد مجدداً أن من المستبعد أن يقوم النظام بتلبية مطالب ترفعها جهات معارضة تخدم هذا المشروع الأجنبي الذي يعتبره الرئيس مشروعاً مشبوهاً!

=================

سورية والصراع القومي الإسلامي

ياسر أبو هلالة

الغد الاردنية

1-11-2011

توصيف الرئيس السوري بشار الأسد للصراع في سورية بأنه قومي إسلامي مثير للاهتمام، ويحتاج إلى إعادة تعريف للمتصارعين. فليس النظام قوميا، وليس معارضوه إسلاميين، إلا إذا صدقنا الشعارات القومية للنظام. فالمعارضة لا تصنف نفسها أيديولوجيا، وهي تضم أطيافا واسعة، بمن فيهم القوميون.

هذا التصنيف يخدم النظام، باعتبار أن ثمة صراعا على السلطة بين تيارين. والواقع أن الصراع أبسط من ذلك بكثير؛ هو صراع من أجل الحصول على أبسط الحقوق الإنسانية في الحياة والحرية والكرامة. ولا يوجد موقف معاد للقومية العربية من الجماهير المنتفضة. الموقف معاد لنظام يستخدم القومية ستارا لعوراته في الاستبداد والفساد والطائفية.

لا يمكن أن نفهم قومية النظام وهو يعتمد بشكل أساسي على إيران دولة وحزب الله تنظيما. وأضيف إليهما حكومة حزب الدعوة بزعامة المالكي. وهذا الاعتماد ليس في السند الإعلامي، بل يتعداه إلى التمويل والأمن. واليوم نشهد تعاونا بين حزب الدعوة الإسلامي الحاكم في العراق، وحزب البعث الحاكم في سورية ضد البعثيين المعارضين في العراق.

في مؤشر على عمق التعاون بين حكومة المالكي والنظام السوري، نشرت الصحافة الأميركية عن تسرب أجهزة رقابة الإنترنت التي زودت بها شركات أميركية حكومة المالكي إلى الحكومة السورية. وتلك الأجهزة محظور تصديرها للسوريين، وصدرت للعراق لملاحقة نشطاء "القاعدة".

للأسف، تقدمت الحسابات المذهبية الطائفية على المبادئ القومية. والقول بأن النظام يقاتل الإخوان منذ عقود ليس صحيحا أيضا، فهو يستضيف حماس، فرعهم الفلسطيني، والثورة السورية انفجرت بعيدا عن علم الإخوان وتخطيطهم، وهذا ما يعلمه النظام جيدا، وانخرط فيها الإخوان مثل كل القوى السياسية، بما فيها القومية.

يحسن بالنظام أن يرى المعركة كما هي؛ معركة شعوب تتوق للحياة وللحرية والكرامة، وهي تدفع أغلى الأثمان ليس من أجل أن يحكم الإخوان المسلمون بدلا من البعث، بل من أجل هدف أسمى من ذلك. وقد عرف السوريون في تاريخهم الحكم الديمقراطي، وتعايشوا مواطنين على اختلافاتهم المذهبية والقومية. وهم قادرون اليوم على استعادة اللحظة الديمقراطية.

تكبير الصراع بين إسلاميين وقوميين نوع من التضليل والخداع. التبسيط هنا أفضل، كيف يمكن أن يعيش أطفال سورية مستقبلا أفضل مما عاشه حمزة الخطيب وطل الملوحي؟ أطفال سورية تعني كل أطفال سورية بمن فيهم أبناء الشبيحة، لأن من يمارس هذه الوحشية والسادية على الناس في الشارع سيمارسها في بيته. ببساطة، الصراع ليس سياسيا، إنه صراع على الحياة

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ