ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
الجمعة, 25 نوفمبر 2011 فاروق حجي مصطفى * الحياة من المعروف ان وظيفة الثورة لا تقتصر على
تغيير الأنظمة، إنّما تساهم في تغيير
الأنماط الفكريّة والمعيشيّة، وقد
تتدخل الثورات في أدق تفاصيل الحياة.
قد تكون تغييرات الأنظمة السياسية
جزءاً من وظيفتها الأساسية إلا انها
تحدث انقلاباً كبيراً في البنيان
المجتمعي والفكري، وتطاول حتى إحداث
تغيير في بنيّة التنظميّات الحزبيّة
والمدنيّة. في سورية، مثلاً، الثورة فعلت فعلها
عندما ساهمت في احداث فرز واسع داخل
التنظميات الحزبيّة، وحتى في شكل
علاقة التنظميات بعضها بالبعض. حدثت
انشقاقات عدة وان لم يعلن عنها بعد،
إلا أنّ بروز التيارات والأجنحة من بين
القيادات والأحزاب ظاهر للعيان، وقد
تصبح هذه التباينات أوضح في وقت قريب
جداًً. لكن ما لم تفعله الثورة في سورية
هو أنها عجزت عن التأثير في أمزجة بعض
الرموز المعارضة، بحيث يبدو أن عناد
بعض القيادات أقوى من عناد الثورة،
وهذا ليس تجنياً على أحد انّما واقع
نعيشه. فمثلاً، منذ انطلاق الثورة (ونحن
في الشهر التاسع منها) ما زال الحديث
يدور عن كيفية انضمام «اعلان دمشق» الى
«هيئة التنسيق الوطني للتغيير
الديموقراطي»، ولماذا لم ينضم «الاعلان»
بالأصل إلى إعداد المشروع السياسي
للهيئة؟ والحقيقة انه ليست هناك اسباب
فكرية أو سياسيّة حتى تكون عقبة امام
ايجاد خطاب موحد، إنّما السبب هو
الحساسية التي تحكم العلاقة بين بعض
الشخصيات من الرموز في «الهيئة»،
وكذلك في «اعلان دمشق». وهذه الحساسيّة
فعلت فعلها في احداث الوحدة في الخطاب
والتنظيم بين التيارات المعارضة
الداخليّة. يقول احد النشطاء السياسيين وهو من
المعتقلين السابقين أيضاً: «إنني
ساهمت في اعادة العلاقة الحسنة بين
فلان وفلان وفلان وحاولت جاهداً أن
نخرج بصيغة تفاهمية واضحة لتقودنا هذه
الصيغة إلى الوحدة بين «الاعلان» و «الهيئة»،
لكن سرعان ما بدأ الخلاف من جديد... حتى
اننا ما زلنا جالسين على الطاولة». ولا نستغرب الا يكون الخلاف المذكور
خلافاً إنما عدم تطابق في الامزجة بين
بعض الشخصيات. وهذه الأمزجة تثير
الخلاف ليتراءى للجميع (في ما بعد) أنه
خلاف (سياسي) جوهري. والسؤال الذي يطرح
نفسه: هل في استطاعة المؤتمر الذي من
المزمع عقده في القاهرة تحت رعاية
الجامعة العربيّة وبحضور كل المكونات
المعارضة السورية لأم الجروح وإعادة
روح الوحدة بين الاقطاب المعارضة؟ هذا
التساؤل برسم المؤتمر الذي كان من
المفترض عقده منذ فترة طويلة، استجابة
للواقع السوري والثورة والشعب، قبل
الاستجابة للجامعة العربية؟ * كاتب سوري كردي ============= هل يمكن تفادي الحرب
الأهلية في سورية؟ الجمعة, 25 نوفمبر 2011 باتريك سيل * الحياة تسير سورية في اتجاه حرب أهلية مذهبية
دامية. فعمليات الاعتقال المتبادلة
والتعذيب وقطع الرؤوس وتشريد السكان
التي تحصل بين الطائفتين السنية
والعلوية في مدينة حمص التي توصف
أحياناً بأنها «عاصمة الثورة»، ترسل
إشارات مخيفة حول ما قد يكون في انتظار
سائر المدن السورية. ويجب أن تحتل عملية تفادي الانحدار نحو
الهاوية أولوية فورية لدى الزعماء
العرب والأسرة الدولية. ولا يزال المثال العراقي المجاور شاخصاً
على مرأى الجميع. لقد دمّر الاجتياح
الأميركي البريطاني بلداً عربياً
أساسياً. كما تمّ القضاء على مؤسسات
البلد وبنيته التحتية فيما أُطلق عنان
الشرور الطائفية، ما أدى إلى اندلاع
حرب أهلية. لقد قُتل مئات الآلاف من
الأشخاص فيما نزح الملايين من منازلهم
أو أجبروا على الهرب إلى الخارج. وتمّ
تقطيع أوصال البلد فيما أرسى الأكراد
دويلتهم الخاصة شبه المستقلة. ويبدو أنّ سورية بحاجة إلى تدخّل مجموعة
اتصال نافذة وحيادية من أجل وقف القتال
من الجانبين. وينبغي أن يتمّ وقفه
لفترة حتى تهدأ النفوس وتتوقف
التظاهرات والتظاهرات المضادة وحتى
يتمّ إنشاء مناخ ملائم لإجراء حوار
حقيقي وللاتفاق على إصلاحات فعلية
ولتطبيقها. والهدف من ذلك يجب أن يكون
تحقيق انتقال سلمي للسلطة إلى نمط حكم
مختلف مع تقديم ضمانات فاعلة لكافة
الأطراف. ويبدو أنّ الدول العربية والقوى الغربية
غير جديرة بالاضطلاع بهذه المهمة.
فالدول الغربية لا تحظى بالثقة لا
سيّما أنّ عدداً كبيراً منها أصبح
طرفاً في النزاع. وتشوّهت سمعة
الولايات المتحدة بشكل خاص جرّاء
دعمها الأعمى لإسرائيل. وبدلاً من فرض
السلام، ساهم إخفاق واشنطن الكبير في
حلّ النزاع العربي-الإسرائيلي ونزاعها
على مدى 32 سنة مع إيران في تحضير
الأرضية لاندلاع حروب مستقبلية. من هو قادر بالتالي على إنشاء مجموعة
اتصال أساسية لوقف القتال في سورية؟ قد
أختار البرازيل وروسيا والهند والصين
لأنّ هذه البلدان تحظى بنفوذ اقتصادي
وسياسي ولها مصالح كبيرة في المنطقة.
كما تقيم البرازيل مثلاً روابط وثيقة
مع سورية ولبنان وفلسطين ولدى ملايين
من البرازيليين أجداد هاجروا من هذه
البلدان. ويعدّ حكم النظام السوري الحالي بين
الأكثر امتداداً في الشرق الأوسط، إذ
حكم على مدى نصف قرن منذ أن تسلّم حزب
البعث السلطة عام 1963. وحكمت عائلة
الأسد، الأب والابن منذ عام 1970. إلا أنّ
الأزمة الحالية تشكل خطراً على النظام
لأنه يواجه لأول مرة مجموعة من
التحديات الداخلية والخارجية. وتجلى آخر تحدّ داخلي كبير بين عامي 1977 و1982
حين هدّدت انتفاضة قام بها «الإخوان
المسلمون» بإطاحة النظام. وتمّ سحقها
في مدينة حماه، ما أدى إلى مقتل 10 آلاف
شخص علماً بأنّ هذا القمع الوحشي لا
يزال حيّاً في ذاكرة العديد من الأشخاص
لغاية اليوم، فيما يحلم الإسلاميون
بالثأر. وكانت التحديات الخارجية لسورية أكثر
تواتراً ومنها اجتياح إسرائيل للبنان
عام 1982 بهدف التخلّص من النفوذ السوري
ومن نفوذ منظمة التحرير الفلسطينية
وجرّ لبنان إلى مدار إسرائيل، إلى جانب
أزمة عام 1998 حين واجهت سورية إمكان
اندلاع حرب على الجبهتين مع تركيا
وإسرائيل ولم يتمّ حلّها إلا حين قامت
سورية بطرد زعيم حزب العمّال
الكردستاني عبد الله أوجلان. ومن ثمّ
برز التحدي الأكبر وهو اجتياح العراق
عام 2003 الذي أعدّ له المحافظون الجدد
الموالون لإسرائيل في أميركا وأداروه.
ولو نجح هذا الاجتياح لكانت سورية
الهدف التالي. حين اغتيل رئيس الوزراء اللبناني الأسبق
رفيق الحريري عام 2005 أُجبرت القوات
السورية على الخروج من لبنان وهدّد
الرئيس الأميركي جورج بوش الابن
والرئيس الفرنسي جاك شيراك بالإطاحة
بالنظام السوري. وعام 2006، هاجمت
إسرائيل لبنان من أجل تدمير حليف سورية
«حزب الله» ومن ثمّ شنّت هجوماً على
قطاع غزة في نهاية عام 2008 وبداية عام 2009
لتدمير حليف آخر لسورية هو حركة «حماس». لقد تكوّنت عقلية النظام السوري وعقلية
الرئيس بشار الأسد نفسه جرّاء هذه
الأزمات المتكررة التي هدّدت بقاءه
وبقاء نظامه. وكانت مسؤولة في شكل كبير
عن طبيعة النظام الحالية الاستبدادية
والدفاعية والوحشية والمهملة
للإصلاحات السياسية والحريصة جداً على
السيطرة على مواطنيها وعلى وسائل
الإعلام والجامعات والاقتصاد وعلى كلّ
وجه من وجوه المجتمع. وأدى الخطر المستمر الذي فرضته إسرائيل
وحليفها الأميركي إلى إنشاء محور
طهران-دمشق-«حزب الله» وهو حلف دفاعي
برز ليقف عائقاً أساسياً في وجه
الهيمنة الإسرائيلية-الأميركية. ولا
عجب في أنّ إسرائيل والولايات المتحدة
ترغبان في تدمير هذا المحور. تتعرّض
سورية اليوم لضغوط كبيرة إلا أنّ إيران
واجهت بدورها على مدى سنوات تشويه
سمعتها وتعرّضت للتخويف وللعقوبات.
أما إسرائيل العازمة على حماية
احتكارها النووي، فحاولت دفع أميركا
إلى شنّ حرب ضد إيران وإلا فإلى فرض
مزيد من العقوبات، فيما يتمّ
الاستمرار في معاملة «حزب الله»،
العضو الثالث في المحور على أنه منظمة
إرهابية لأنه نجح في إخراج إسرائيل من
لبنان بعد احتلال دام 18 عاماً. لقد عمد النظام السوري إلى تفسير
الانتفاضة الحالية على أنها مؤامرة
أخرى. وبعد أن فوجئ بما حصل، تبلورت ردة
فعله الفورية قمعاً وحشياً فاستخدم
الرصاص الحي منذ البداية في مدينة درعا
في منتصف شهر آذار (مارس). ولا شكّ في
أنّ الرئيس بشّار تخيّل أنّ موقفه
الوطني سيعطيه حصانة ضد الانتفاضات
الشعبية. لكن، بعد أن واجه الأزمة
المتفاقمة، بدت قيادته ضعيفة. وجاءت
خطاباته ووعوده بالإصلاحات متأخرة
وغير مقنعة. أما إخفاقه في انتهاز
المبادرة عن طريق تقديم اقتراحات
جذرية فقد أظهر مدى افتقاره إلى الخيال
السياسي. وأدت عمليات القتل إلى تقويض
شرعيته. من هم الثوّار وما الذي يريدونه؟ إنهم
أشخاص فقراء من الريف عانوا من الحرمان
ومن إهمال الحكومة لهم وأشخاص فقراء
يعيشون في المدن ورجال أعمال عاديون
سُحقوا على يد الرأسماليين الفاسدين
والمقرّبين من مركز السلطة ومجموعة من
الشبان العاطلين من العمل. وعلى غرار
عدد كبير من البلدان العربية، تعاني
سورية من انفجار سكاني. وعام 1965 (حين
وضعتُ كتابي الأول حول سورية)، كان عدد
سكان سورية أربعة ملايين نسمة أما
اليوم فيبلغ عددهم 24 مليوناً. ومع بلوغ
معدل الإنجاب 3.26 في المئة، قد يصل عدد
السكان إلى 46 مليون نسمة في غضون عشرين
سنة. وتعدّ هذه الأرقام كارثية. فلا
يمكن معها أن يحافظ النمو الاقتصادي
على وتيرته. يرغب الثوار في الحصول على فرص عمل وعلى
حاكمية رشيدة وعلى توزيع عادل لموارد
البلد ووضع حدّ للفساد والاعتقالات
الاعتباطية وعنف الشرطة. كما يرغبون في
أن يتم التعامل معهم باحترام. فهم لا
يملكون خبرة في الديموقراطية ولا
يعرفون الكثير عما تعني. فحوالى 40 في
المئة من السكان هم دون سن ال 14 و3 في
المئة هم فوق ال 65 ويملكون ذاكرة ضعيفة
عن الحكم الذي سبق حكم البعث وحكم
الأسد الذي لم يكن على أي حال من
الأحوال ديموقراطياً. وعلى رغم أنّه تمّ عزل النظام وفرض عقوبات
عليه وإدانته على المستوى الدولي إلا
أنه لا يزال يملك نقاط قوة عدّة. وطالما
أنّ الجيش وقوات الأمن موالية له، يصعب
على المعارضة الإطاحة به. وكلما
استخدمت المعارضة السلاح، كلما برّر
النظام قمعه لها. في هذا الوقت، يبدو
أنّ الغرب لا ينوي التدخّل عسكرياً في
سورية التي ستحميها روسيا والصين من
أيّ قرار قد يصدره مجلس الأمن ليسمح
باستخدام القوة ضدها. وتبقى المعارضة
منقسمة فيما لا يزال النظام يحظى بدعم
شريحة واسعة من الطبقتين المتوسطة
والعليا في المدن الكبيرة ومن
الأقليات مثل العلويين والمسيحيين
والدروز وعدد كبير من الموظفين
المدنيين ومن الأكثرية الصامتة
الخائفة من أن تلقى المصير القاتل نفسه
الذي عانى منه العراق. وفيما ترتفع حصيلة الضحايا، أصبح الميل
إلى الثأر أكثر قوة والانقسام المذهبي
أكثر عمقاً. كما تلوح الحرب الأهلية في
الأفق إلى جانب الحاجة الملحة إلى
اتخاذ إجراءات من أجل تفاديها. * كاتب بريطاني مختص في شؤون
الشرق الأوسط ============= أخفقت الشعبوية في سورية
وعاشت في لبنان الجمعة, 25 نوفمبر 2011 نسيم ضاهر * الحياة نظير حقبة الستينات، ما زال لبنان مرصداً
لتتبّع مصائر الأفكار التي أفرزتها
المنظومة الشعبوية بتلاوينها كافة في
بعديها المحلّي والإقليمي. وحيث
اضمحلّت صيغة الناصرية إثر غياب جمال
عبد الناصر، واقتلعت الروافد
الصدّامية والقذّافية تبعاً لصعود
النفوذ السوري ورعايته الموالي حصرياً
تحت جناحي دمشق، قاربت شمس المغيب آخر
مواقع الديناصورات، كاشفة عن تخبط
الأتباع وهياج خطاب مأزوم، بات أصحابه
على قاب قوسين من إنعدام السند وإفلاس
المقولات. لقد جمعت الممانعة التي جسدّها نظام
الأسد بامتياز منذ استخراجها من جعبة
ذخائر الصمود، مختلف مشتقات الشمولية
والانقلابية والتفرد بالسلطة، وصولاً
الى المماهاة بين القائد والدولة،
والتمثل بالاسطورة على الصعيد
الإقليمي عبر استحضار كفاءة وشهامة
صلاح الدين. على هذا النحو، أضحى الشعب
السوري كمَّاً معدّاً للولاء الأبدي
والدور المملوك، فيما توارى حزب البعث
عن مسرح الحضور الفاعل، منكفئاً
كمجرّد أداة وتوليفة ادارية ودعائية
صدئة لا يحسب لها حساب قياساً بالأجهزة
الأمنية، على ما بينته شواهد سنة
الاضطراب العميق الراهنة. في المقابل،
قلَّما اعتنى الرئيس الراحل حافظ
الأسد، كما وريثه الإبن، وكلاهما رأس
هرم القيادة القومية العابرة للحدود،
بتأهيل فرع الحزب في لبنان وتدعيم
موقعه على الخريطة السياسية، مؤثرين
توسيع رقعة الحلفاء الى حد تشجيع
واستحداث عناوين حركية جهوية تقوم
بالخدمة وتؤدي طقوس الاستتباع. غير أن اللافت في الأساس، إنما برز في
استثمار معطى التنوع القائم في لبنان،
بإدخال مجاميع وفية شبكة المصالح
والمغانم، واعتمادها لحراسة مقولة
الشعب الواحد في دولتين. فلا غرو إن
سجِّل حراك صاخب لمربّع الصمود هذا،
عقب إندلاع الانتفاضة السورية، من
موقع السلطة والأداء التعبوي، بغية
الإشادة بأفضليات الإبقاء على ماهية
السلطة في دمشق، وإنكار حجم التحولات
الجارية، بل التشديد على خطورة البديل
في مطلق الحال. لمن دواعي المنطق السياسي تجاوب أطراف
لبنانية مع الحملة السورية الرسمية
على المعارضة، من باب الوفاء وسداد
الدين المعنوي. بيد أن انعدام اليقظة
لديها أخذ بقيادتها الى رهان خاسر في
المجمل لن يعود إلاَّ بالضرر على لبنان.
مردُّ التحجر له أسبابه العضوية في
المقام الأول، علاوة على عقاقير
الوصاية المديدة، ليس أقلُّها النمط
الشعبوي في مقاربة الحدث وقياس موارد
السياسة ومرتكزات الحكم. فمن مروِّج
لحلاوة العيش والسمر في دمشق المطوقة
بالدم والعزلة، الى قائل بالقصف
الصاروخي المدّمر المقبل، تبعاً
لنبوءة الزلزال على لسان الأسد، ثمة
انجراف خطير لا يعبأ بدروس التاريخ،
ولا يقيم للحقائق الأساسية وزناً في
صوغ المواقف والعبث الاستراتيجي
الضارب بموازين القوى عند الامتحان.
وإذ انتفى العجب من أقوال أولئك الذين
عاهدوا أجهزة القمع الدمشقية على
الثبات بعد أن ذاقوا طعم هراوتها
وانتقلوا من الخصام الى المودة
والتهليل، بانت مفاعيل الشعبوية
ومؤثراتها لدى الطامحين الى الصدارة،
مخافة فوات الأوان وضياع الفرصة، وقد
اجتمع لديهم من حصيلة الماضي القريب،
سلاحاً ومقاعد نيابية، كما فجوراً
وسطوة، ما أفسدت عليه انتفاضة شعبية
غير مسبوقة، وطوقته ظروف ناشئة قلبت
معايير الثقة بفعل عدم الاتزان. بين ملف ايران النووي مولِّد العقوبات،
وقعود سورية على هامش المجموعة
الإقليمية والمجتمع الدولي، انخفض
منسوب الأمل بتسوية مشرّفة وإصلاح
تدريجي مقبول. يتعذَر اليوم تحديد
ميقات الإنهيار، سوى ان معالمه بادية
في الافق. لذا، تعيَّن على أنصار
وأخلاط المبنى الأمني الشعبوي
لبنانياً مضاعفة جهود عقيمة لتزيين
مراد باء بالقديم وغادرته المعافاة. وعهد لبنان بهذا الغلو الاستهلاكي قديم
قدم الموجة الانقلابية في الإقليم،
استوى على دفع الأثمان دونما مردود
إيجابي، أنعشته حقبة الوصاية بأخر
مبتكرات استخدام الأوراق، وفاقمه
امتلاك طرف أهلي ترسانة سلاح جاهزة
لخدمة مقاصد صناعتها خارج حدوده،
ومحرّكها رائدة النجاة سالماً على
حساب الوكلاء. وكأنما طلب الشعوب
الحرية والكرامة فعل جرمي وتطاول على
المحرمات، تمزّق غلاف العفّة
السياسية، وانتهت لعبة توزيع الأدوار،
لينتهج أهل المقاومة والممانعة سبيل
الاصطفاف الجمعي وراء القاطرة، لا فرق
بين الهويات واليافطات، ولا اعتبار
للمصلحة الوطنية في نهاية المطاف. استحضرت سلطات دمشق نفراً من لبنانيي
الصف الثاني لتقديم النصح والمشورة
علناً وأشركتهم في مخاطبة التظاهرات «المليونية»
لمؤازرة الرئيس الأسد تحت مسمّى
الإصلاح. كذلك تباحثت عميقاً مع ذوي
الجمهور من الحلفاء، وبقيت المداولات
طي الكتمان. وتحت مظلة الجامعة
العربية، انبرى لبنان الرسمي مخالفاً
شبه الإجماع العربي، مدافعاً وحيداً
عن النظام في دمشق، ومقتبساً من أجندته
وروايته حرفياً لمعاقبة المعارضة ورفض
الاعتراف بالواقع المتفجر على مساحة
المحافظات السورية، بينما اكتفى مندوب
الرئيس اليمني بالتصويت سلباً، عطفاً
على المصيبة المشتركة للنظامين. تشير
كل الدلائل، من خلال مصرّح به عالي
النبرة، ومكبوت بادٍ جرّاء الحيرة
وإصطناع الارتياح، الى افتقاد
المنظومة الشعبوية قوة الدفع، وإيثار
المبررات والمخاوف عوض الاقناع. وعلى
وجه عام، سقط خطابها الغارق في
المصنفات القومية وإدعاء القوامة في
طليعة الزود عن الحياض، فما وجد في
السياسة مقاس الحريات والادارة
الحكيمة للشأن العام، أو حمٍَّلها عبء
الاقتصاد المتعثر والمجتمع المقهور،
مختصراً المهام بالحداء والنزال،
وناسخاً الموعود من سعادة ورفاه. ومن النافل أن جردة الحساب هذه، إذ تعظّم
شأن النفوذ الإقليمي وتجعله رصيداً
قابلاً للصرف في ميدان تلبية الحاجات،
فهي تعد الناس بالمزيد من الصعوبات
وتهيء أرضية النكبات بالحديث المتواصل
عن الهزات الارتدادية وقرقعة السلاح. لقد طويت صفحة الماضي، ولن تعود عقارب
الساعة الى الوراء. فحريّ بدعاة العزّة
الالتفات الى الجاري، والتخلي عن
بطولية مسرحية رأفة بالعباد والأوطان.
وحين تترنح الشعبوية، مقرونة
بالشمولية والاستبداد، في عقر دارها،
يضحي التمثل بأخطائها ولغتها
ومناهجها، ضرباً من الطيش والانحراف
عن جادة الصواب. إن كوابح الأجهزة
الأمنية وأدوات البطش، لم توقف مسار
هذه النزعة الإنحداري في غير مكان. فلا
يعوز لبنان العيش في دوامتها. * كاتب لبناني ============= والغرب لا يمانع في
الحرب الأهلية؟ الجمعة, 25 نوفمبر 2011 وليد شقير الحياة لا بد للمرء من أن يتوقف عند هذا السيل من
التصريحات والمواقف الغربية
الأميركية والأوروبية والإقليمية
والعربية التي تتحدث عن الحرب الأهلية
في سورية. بعضها يصوغ الإشارة إليها
على شكل تحذير وبعضها الآخر على شكل
توقع وبعضها الثالث يتعاطى مع هذا
الاحتمال كأمر واقع. وإذا كانت الوقائع على الأرض، وما يتسرب
من معلومات عن مصادمات تأخذ طابعاً
مذهبياً في بعض أحياء مدينة حمص وما
جرى فيها من فرز سكاني يسهّل هذا
الحديث، فإن سلوك النظام السوري نفسه
لا يفعل غير ذلك أيضاً. والمتابعون
لتعقيدات الوضع السوري الداخلي لا
يفهمون قول الرئيس بشار الأسد إنه
سيقاتل حتى النهاية وحتى الموت، إلا
عدم الاكتراث بأن يؤدي تصلّب النظام في
وجه معارضيه والحلول المقترحة لبدء
عملية انتقالية للسلطة، الى هذه الحرب
وأن القيادة السورية ستتمسك الى ما لا
نهاية بالسلطة. وسبق هذه التصريحات،
تسريبات عن لسان رموز في هذه القيادة
بأنها مهما كانت الضغوط عليها، ومهما
نجحت هذه الضغوط، فستلجأ الى التحصن في
النهاية في مناطق تتميز بنفوذها
الصافي، في مواجهة مناطق أخرى يحتمل أن
ينحسر نفوذها عليها. وإذا صحت هذه التسريبات التي يعود بها
زوار العاصمة السورية، فإنها تعني أن
القيادة السورية تندفع بدورها الى
مرحلة الحرب الأهلية الشاملة. وقد يكون
هذا عن وعي كامل للأمر وليس مجرد
انزلاق نتيجة سوء تقدير للنتائج
والتداعيات الناجمة عن الإصرار على «سحق»
الانتفاضة الشعبية. لكن المقلق أكثر بعد التوقعات والتحذيرات
الغربية من الحرب الأهلية هو أن تكون
أقرب الى «التمنيات» الضمنية، عند دول
القرار. لماذا قد تتحول الحرب الأهلية خياراً
لهذه الدول الغربية مثلما هي خيار
يندفع إليه النظام؟ تقترن التحذيرات والتوقعات الغربية مع
مواقف من عواصم القرار تستبعد التدخل
الخارجي الذي ترفض المعارضة أن يتخذ
شكل التورط العسكري المباشر. وهذا سبب
الانطباع بأن الدول الغربية تتفق مع
قول أركان النظام إن سورية ليست ليبيا
وتتصرف فعلياً مع الأزمة السورية في
شكل مختلف عن تصرفها إزاء ليبيا. وهو ما
يقود الى الاستنتاج بأن الإحجام عن
التدخل الخارجي هو «تنصل» من فعل أي
شيء يحول دون الحرب الأهلية. ثمة قناعة دفينة في دوائر القرار في الغرب
تستند الى توجهين: الأول أن أحداث
الربيع العربي التي امتدت الى سورية
تفرض تعاملاً إيجابياً من هذا الغرب مع
أحداثه، والثاني أن الولايات المتحدة
وحلفاءها بما فيهم إسرائيل باتوا أكثر
ميلاً الى أن مواجهة النفوذ الإيراني
في «القوس» الممتد من طهران الى بغداد
ودمشق وجنوب لبنان، في ظل صعوبة خوض
الحرب ضد إيران لوقف برنامجها النووي،
يحتاج الى تفكيك حلقات هذا القوس عبر
تغذية «الغرغرينا» في الحلقة الوسطى
أو النواة التي تربط حلقات هذا القوس
أي سورية، لإضعاف التمدد الإيراني
الإقليمي. ولأن هذا الأمر ليس خافياً
على القيادة الإيرانية، فهي سرّعت من
برنامجها النووي، قبل النجاح المحتمل
لهذا التوجه الغربي، فسرّع الغرب
اتهامها بالسعي لامتلاك سلاح نووي
للتعجيل بمزيد من العقوبات ضدها. أليست «الغرغرينا» هي الحرب الأهلية،
التي يتأثر بها الإقليم كله، لا سيما
لبنان والعراق، فتكون بديلاً من
التدخل الخارجي في سورية ومن الحرب على
إيران، في وقت تتجه واشنطن الى أولويات
أخرى، تفرضها سلسلة إخفاقاتها في
المنطقة وأوضاعها الاقتصادية،
بالتركيز على مصالحها الاستراتيجية في
آسيا ومنطقة المحيط الهادئ؟ شكّلت المبادرة العربية حيال الأزمة
السورية محاولة جادة لتجنب سيناريو
الحرب الأهلية، إذ سعى النظام العربي
الى آليات أخرى لمواجهة أوراق قوس
النفوذ الإيراني عبر ليونة تقفل باب
استخدام طهران لها: توقيع اتفاقية
المبادرة الخليجية في اليمن، تقرير
لجنة التحقيق في البحرين الذي وعدت
السلطة بناء عليه بإجراءات وإصلاحات،
والتعجيل في القاهرة بالمصالحة
الفلسطينية. هي خطوات تتيح التفرغ
لمحاولة إنجاح صيغة عملية سياسية في
سورية بعيداً من ضغوط إيران من جهة،
وبعيداً من شبح الحرب الأهلية التي لا
يبدو أن الدول الغربية تمانع في حصولها. ============= جامعة الدول العربية ..
والقرار الصائب ؟! محمد البشيت عكاظ 25-11-2011 أحسنت جامعة الدول العربية التصويب أخيرا
باتخاذ القرار الصائب حيال المشكلة
السورية المؤرقة مع النظام السوري
المراوغ لكسب الوقت في تطبيق بنود
اتفاق جامعة الدول العربية معه، في سحب
آلته العسكرية المدمرة التي دكت المدن
والقرى والأرياف السورية، فأزهقت من
جراء العنف الآلاف من الأرواح
البشرية، في محاولة مستميتة لإخماد
جذوة الثورة السورية السلمية الناشدة
للحرية والكرامة.. فرغم مناشدة الدول
العربية وفي مقدمتها المملكة العربية
السعودية، للنظام السوري، بإيقاف
القتل والتنكيل والدماء، والتحول
لإصلاحات خادمة للوطن والشعب السوري.
حفاظا على موقع سورية المهم بلدا
وشعبا، إلا أن النظام السوري ظل يمارس
غيه المدمر متذرعا بأعذار كاذبة لم
تنطل على العالم بأسره، وهو ما تم فضحه
من خلال وسائل الاتصال الاجتماعي. عدا
ما نقلته الفضائيات صوتا وصورة، في
الوقت الذي يخترع الإعلام السوري
المؤدلج روايات بها الكثير من
المغالطة وزائف القول، على مشهد
العالم كله وهو يرى كيف يتم نحر البشر
كالخراف، فيما يقوم به جيش النظام،
الذي لم يتورع من مخافة الله، من نحر
البشر، والمسلمون على جبل عرفة،
فالطغاة لم يفرقوا بين نحر حلال ونحر
حرام. جامعة الدول العربية. وإن أتى قرارها
متأخرا بتجميد عضوية سورية بكل فروعها
وأنشطتها في الجامعة، وسحب السفراء
العرب من سورية، بعد ثمانية أشهر
دامية، فقد احتفى بالقرار الشعب
السوري، وأخلت الجامعة العربية
مسؤولية الملامة عنها أمام الأمة
العربية والإسلامية التي آلمها مشاهدة
{المجازر} التي ذهب حيالها الآلاف من
الشعب السوري، قتلا واعتقالا وتعذيبا. ولكن! هل ينصاع النظام السوري لمطالب
الجامعة العربية؟ لا أعتقد ذلك، حتى
بعد تجميد عضويته، فنهجه العنف
والتسويف. وهاهي تنتهي مهلة الثلاثة
أيام الأخيرة المعطاة له، بالسماح،
للمراقبين الذين تعتزم الجامعة
العربية إيفادهم من كافة التخصصات
لمراقبة الحدث وإعداد تقرير سريع
للجامعة العربية، بشرط المحافظة على
أرواح المراقبين وتسهيل مهمة تحركهم،
ولم نكذب خبرا حينما أتى رد النظام
السوري بتعديل ثمانية عشر بندا على
مهمة المراقبين
من ضمنها عدم زيارة السجون
والمستشفيات والتحدث للناس. وتجاهل
النظام مطالبة الجامعة العربية
بالاعتذار عن بذاءة سفيرها ومندوبها
في الجامعة العربية، حينما خرج عن
لياقته الدبلوماسية وكال الشتم
والسباب لأعضاء الجامعة وقت صدور {القرار المدين للنظام السوري}. ولكن هذا
ليس بمستغرب من بوق النظام السوري، فقد
فعلها عزت
الدوري بوق
نظام صدام حسين في حادثة مماثلة منذ
سنوات في أحد اجتماعات الجامعة
العربية آنذاك. فالتاريخ يعيد نفسه!!.
بدورنا ننتظر ماذا سيسفر عنه القرار
النهائي للجامعة
العربية لعل
أن يكون في مستوى الآمال والتوقعات، ضد
النظام السوري!!. ============= محنة الأيديولوجيا:
المثقف السوري المتعالي..والهوة بين
الشارع والنخب أنور بدر 2011-11-24 القدس العربي سأعود إلى سنوات السجن الأولى التي مضى
عليها ربع قرن ونيف من الزمن، حين كان
السجن مساحة لكل أطياف الوطن
وتلويناته الجغرافية والإثنية
والدينية، بل وما هو أكثر من ذلك
أيضاً، فقمع النظام القومي لحزب البعث
الحاكم يتسع أيضا للوجود العربي
المجاور تحديدا والذي يتماهى مع تعبير
المنطقة باللغة السياسية، حيث اكتشفنا
في هذه المساحة التباس الهوية السورية
إن لم يكن غيابها لصالح ما يمكن أن نطلق
عليه مصطلح الجهويات وفق تعبير أخوتنا
المغاربة. ففي هذه المساحة ينحاز أبناء حوران وجنوب
سورية إلى أي سجين قادم من الأردن، بغض
النظر عن انتمائه الحزبي أو
الأيديولوجي، وتبدو هذه الصورة أشد
حضورا فيما يتعلق بالعلاقة بين
العراقيين وأبناء المناطق الشرقية،
حيث اللهجة واللباس والعادات
والتقاليد وحتى الفلكلور الغنائي، ولن
أجانب الصواب إن تحدثت عن العلاقة التي
تجمع أي لبناني بأبناء الساحل السوري
ابتداء بعلاقتهم مع صوت فيروز
وامتدادا إلى التبولة والكثير من
المظاهر الثقافية والفلكلورية أيضا،
ومن باب المعاملة بالمثل نقول بأن أي
سجين من حلب وريفها تحديدا كان يبدي
استعداده لاستقبال أي سجين وافد من
تركيا وحتى استضافته بما تيسر من
مأكولات المطبخ الحلبي الذي ينتسب
لجده العثماني، انتسابا تعززه غزارة
المفردات التركية الأصل في اللهجة
الحلبية الدارجة أو العامية، وتبقى
العاصمة دمشق ووسط سورية الذي تمثله
عموما محافظتا حمص وحماة دون أي
امتدادات إقليمية. هذه الحقيقة الجهوية كانت من القوة بحيث
نجحت كثيرا في تخطي المعتقدات الدينية
والخلفيات المذهبية، ونجحت أكثر في
تخطي الانتماءات الحزبية والسياسية،
لنكتشف ضبابية الشعارات القومية لحزب
البعث الحاكم الذي أهمل أهم وظائف
الدولة الحديثة في تأكيد هويتها
المجتمعية، خاصة وأن تقسيمات سايكس
بيكو التي صنعت الحدود السياسية لدول
المنطقة بدايات القرن المنصرم لم تكن
معنية أصلاً بالبحث عن تلك الهوية أو
تأكيدها. أهملت دولة البعث الهوية السورية
باعتبارها تعبيرا عن الوجود المجتمعي
الحديث لكتلة بشرية ضمن حدود ودولة ذات
سيادة وعلم ونشيد وطني، كما أهملت كل
التفاصيل الصغيرة لتلك المكونات
المجتمعية وتلويناتها المذهبية
والإثنية لصالح أيديولوجيا قومية
تتجاوز حدود الأرض/ الوطن، وتتجاوز
حدود الشعب/ السكان، كما تتجاوز حدود
الدولة/ السيادة. وبالتالي غاب مفهوم
العقد الاجتماعي بين الدولة/ السيادة
أو السلطة وبين الشعب/ السكان، ذلك
العقد الذي ينتج المواطن ومفهوم
المواطنة. هذه الأيديولوجيا أنتجت نوعا من المثقفين
السوريين الذين توزعوا بين ولاءات
طوباوية خارج حدود الزمان والمكان،
وبين ولاءات حزبية وسياسية لا تكترث
أيضا بشرطي الزمان والمكان. بغض النظر
عن مسمياتهم الحزبية وولاءاتهم ما بين
السلطة والمعارضة، فالأيديولوجيا
القومية لحزب البعث الحاكم خرج من
رحمها أكثر من بعث وأكثر من مسمى حزبي،
ولهذا نجد أن الكثير من الأحزاب
المعارضة حاليا للسلطة السياسية لا
تستطيع أن تتقبل فكرة الدولة السورية
بدون إضافة العربية إلى تلك التسمية،
رغم اضطرارها للتحالف مع أكثر من حزب
كردي أو آشوري في خضم الأزمة الراهنة.
وبذات المستوى يمنع قانون الأحزاب
الجديد في سورية تشكيل أي حزب سياسي
على أساس العرق أو الدين، فيما يحتفظ
لنفسه بامتياز التعبير عن القومية
العربية. مع أن هذا الامتياز يصطدم بغياب التطابق
بين حدود الأيديولوجيا القومية وحدود
الدولة السياسية، مما يحيل تلك
الأيديولوجيا إلى طوباوية تتمسك بشعار
الوحدة العربية أكثر مما تعيش
تناقضاتها المجتمعية الصغيرة
والكبيرة، وبشكل خاص بعدما فشلت كل
المحاولات التوحيدية في تاريخنا
المعاصر، فكانت أيديولوجيا الممانعة
حاملا تعويضيا لحزب خرج عن ثوابته
القومية وهو يدخل دهاليز التحالفات
السياسية مع إيران في وجه العراق وفي
وجه النطاقات العربية الأخرى، تلك
الممانعة التي لم تستطع الوصول إلى
حدود الفعل السياسي، غير أن أحد ميزات
الأيديولوجيا أي أيديولوجيا، تكمن في
قدرتها على البقاء والنمو داخل الرحم
الأيديولوجي النظري لها. وهنا تظهر
محنة المثقف الأيديولوجي الذي يعيش
أقوى لحظات النوستالجيا إلى ذلك الرحم
الأيديولوجي الذي عصفت به تيارات
الثورة وانتفاضات الشعوب، فتفارق معها
ومع تاريخه الثوري والشعبوي أيضا،
وإلا كيف نستطيع تفسير مواقف الكثير من
المثقفين الفلسطينيين ومثقفي الأردن
ولبنان وبعض فناني مصر الذين تأخذهم
العزة في عبد الناصر كما حصل مع نوري
الشريف أو يسرى؟ أليست هي الطوباوية التي أنتجت شكلاً
جديدا من المثقف المتعاليٍٍٍ على شعبه
وأزمات هذا الشعب؟ مثقف يرفض كل
تعبيرات الشارع الذي خرج للتعبير عن
ذاته، بحجة أن تلك التعبيرات التي
يسمعها لا تعبر عن الشارع ؟ أليست أزمة
هذا المثقف المتعالي أنه لا يسمع في
الشارع أصداء أيديولوجيته المنتهكة في
الشوارع العربية ولا يجد فيما يراه
ظلاً لأوهامه، فلا يخجل من إعلان وقوفه
إلى جانب الاستبداد وضد الشعب؟ أليس
هذا المثقف أحد تعبيرات أزمة المعارضة
السورية والتي تجلت بالهوة السحيقة
بين الشارع والنخب؟ شارع يدفع من دمه
ضريبة التغيير، ونخب تتداعى وتماحك في
أولوية الدجاجة أم البيضة وطبيعة
المرحلة القادمة؟ في أصداء هؤلاء المثقفين سنهمل من انحاز
إلى السلطة المستبدة لأنه خيار واضح،
وسنتوقف مع أولئك الذين يعلنون
انتماءهم للمعارضة، وأول ما يحضرني
الآن تلك النزعة التي تؤكد على نزع
القدسية عن الشارع، مع أن المشكلة لا
تكمن في قدسية ذلك الشارع، بقدر ما
تكمن في الرغبة القوية عند هؤلاء
المثقفين للتعبير عن شارع يفترضون أنه
لا يعرف مصلحته الحقيقية، ومن أجدر من
هؤلاء المثقفين في حقول المعرفة،
وبشكل خاص معرفة مصالح الناس أو
الشارع؟! وفئة ثانية تنحاز لمطالب الشارع العادلة
لكنها تخشى حينا وتخاف أحيانا من
اقتراف أي فعل قد يؤدي لجديد لم تختبره
بعد في معامل التحليل التي سكنت
منظومتها القيمية، تخشى من الفوضى،
وتخشى من التطرف، وتخشى من الغرب،
وتخشى من الإسلام السياسي، وتخشى من
التهام الأقليات، كما تخشى من نهب
الثروة القومية، وكذلك من اندثار
الوحدة الوطنية، وكأن الأنظمة العربية
الحاكمة هي التي تشكل سدا منيعا ضد
الفوضى والتطرف والغرب والإسلام
السياسي وضياع حقوق الأقليات أو نهب
الثروة القومية، وهي أيضا السد الوحيد
لتعزيز الوحدة الوطنية!!! الفئة الثالثة الأكثر تذاكيا بين صفوف
المثقفين المتعالين على حراك الشارع
الثوري هي تلك الفئة التي تعلن أنها مع
إسقاط السلطة الاستبدادية، لكن علينا
أن نفرق بين سلطة الحكومة المستبدة
وبين سيادة الدولة وبين مفهوم الوطن،
فئة تنطلق من ذات الأرضية التي ينطلق
منها الشارع وتعبيراته الثورية، لكنها
وبكل أسف تنتهي بالاصطفاف في الخندق
الآخر والمضاد لمطالب الثورة
والتغيير، وبالتالي هي شاءت أم أبت
فإنها تعمل على تأبيد السلطة
الاستبدادية لو استطاعت إلى ذلك
سبيلاً، لأن هذه السلطة لن تتنازل عن
صفتها الاستبدادية التي هي سبب
ديمومتها بل وجودها أصلاً. في النهاية نكتشف أن علينا أن نغادر حقل
الأيديولوجيا وإشكاليات المثقف
المتعالي، خاصة عندما يكون الخيار
متعالقا بمستقبل الوطن وثورة الشعب،
ففي اللحظة الثورية لا مجال لأنصاف
الحلول، ولا مجال للخشية والتردد، بل
النصر حليف الاتجاهات الأكثر جذرية
دائما ============= عبد الباري عطوان 2011-11-24 القدس العربي الأزمة السورية ذاهبة الى
الامم المتحدة حتما، فمن الواضح ان
وزراء الخارجية العرب الذين اختتموا
اجتماعهم امس عاقدون العزم على فرض
عقوبات اقتصادية، وتبني الاقتراح
الفرنسي بفرض ممرات آمنة لحماية
المدنيين. ومن الواضح ايضا ان السلطات
السورية ما زالت تبحث عن وسائل لتعطيل
وصول مراقبين وصحافيين عرب حسب
بروتوكول الجامعة الاخير للتأكد من
حماية المدنيين. آلان جوبيه وزير الخارجية الفرنسي صاحب
مشروع هذه الممرات قال انه يريد دعم
الدول العربية، قبل ان يذهب الى قمة
الاتحاد الاوروبي مطلع الشهر المقبل
لمناقشة هذه المسألة، ولا نستغرب ان
يكون قد حصل عليها فعلا. النظام السوري يتعرض الى مسلسل من
الاهانات من جهات عديدة، فرئيس
الوزراء التركي رجب طيب اردوغان يتهم
بشار الاسد بالجبن، ويعايره بان عليه
توجيه بنادق جيشه الى هضبة الجولان
وليس الى ابناء شعبه، بينما تطالبه
الولايات المتحدة الامريكية على لسان
رئيسها بالرحيل، اما الجامعة العربية،
فتمهله 24 ساعة لتوقيع البروتوكول
المتعلق بالمراقبين، بعد ان جمدت
عضوية سورية الدولة المؤسسة في
الجامعة. لا نعرف كيف ستواجه السلطات السورية هذه
الاهانات والضغوط الاقتصادية
المرافقة لها، ولا نعرف ايضا كم ستصمد
في مواجهتها، ولكن ما نعرفه ان الخناق
يضيق عليها، وان الحلول الامنية التي
اصرت على استخدامها منذ بداية
الاحتجاجات الشعبية المشروعة
المطالبة بالتغيير الديمقراطي بدأت
تعطي نتائج عكسية، فإلقاء نظرة على اعداد القتلى في
الاسابيع الاخيرة نجد انهم لم يعودوا
مدنيين بالكامل، مثلما كان عليه الحال
في بداية الانتفاضة، وانما هناك
عسكريون من بينهم، سواء كانوا من
منتسبي الجيش وقوات الامن السورية، او
الجماعات العسكرية والامنية المنشقة. بالأمس سقط ثلاثون قتيلا بينهم تسعة قضوا
برصاص الامن (اي من المدنيين)، فيما قتل
11 عنصرا امنيا وعسكريا خلال اشتباكات
مع منشقين، سقط من بينهم اثنان في
محافظة حمص، كذلك قتل سبعة طيارين
عسكريين في هجوم شنه مسلحون على حافلة
تقلهم من مدينة تدمر، وتبنى الجيش
السوري الحر الذي يضم آلاف الجنود
المنشقين الهجوم في بيان جرى نشره على
الانترنت، اكد مقتل الطيارين السبعة
وثلاثة عسكريين مرافقين لهم. والاهم من ذلك ان العقيد رياض الاسعد الذي
تبنى الهجوم على حافلة الطيارين
السوريين ، اعلن تأييده لفرض حظر جوي
على سورية وضرب اهداف استراتيجية
للنظام السوري، مؤكدا في الوقت نفسه
رفضه دخول قوات اجنبية الى البلاد عن
طريق البر، وهذا يعني الاستعانة
بالنموذج الليبي حرفيا، اي ان يقوم حلف
الناتو بتوفير الحماية، وربما القصف
الجوي لمثل هذه الاهداف الاستراتيجية (مواقع
الجيش السوري ودفاعاته الجوية
والارضية). ' ' ' اقوال العقيد الاسعد هذه تتعارض مع
تصريحات الدكتور برهان غليون رئيس
المجلس الوطني السوري، التي حث فيها
الجيش السوري الحر على حماية المدنيين
فقط وعدم مهاجمة القوات العسكرية
التابعة للنظام. اذا لم تكن هذه الاشتباكات المسلحة بين
الجيش السوري والمنشقين عنه هي بداية
اندلاع شرارة الحرب الاهلية، وانتقال
الانتفاضة من الطابع السلمي الكامل
الى 'العسكرة' او احد جوانبها، فإنها
يمكن ان توصف بأنها بداية تمرد مسلح،
والممرات الآمنة التي يريد وزير
الخارجية الفرنسي فرضها، بالتنسيق او
بغطاء من جامعة الدول العربية، تريد
تشجيع المزيد من الانشقاقات في الجيش،
وربما في اركان مؤسسات النظام
السوري،المدنية والأمنية ايضا. وفي ظل هذه التطورات يصعب علينا ان نفهم
معارضة النظام السوري، او بالاحرى
تردده، في السماح لمراقبين عرب
بالاطلاع على ما يجري فعلا على الارض،
فالنظام ظل يتحدث، ومنذ بداية انطلاق
الاحتجاجات،عن ان هناك عصابات مسلحة
هي التي تهاجم الجيش وقوات الأمن،
والمرصد السوري لحقوق الانسان، أكد في
بيانات عديدة سقوط قتلى من رجال الجيش
برصاص مسلحين، والمنطق يقول بأن وجود
مراقبين عرب تحت علم الجامعة العربية،
وبحضور عدسات محطات التلفزة العربية
والاجنبية، قد يضيف تأكيداً آخر على
هذه الحقائق ويسلط الأضواء عليها. لا نعتقد ان هناك شيئاً يمكن ان يخفيه
النظام السوري عن اعين المراقبين،
فالفضائيات لم تترك حجراً دون ان تقلبه
بحثاً عن طفل أو صبي شهيد برصاص قوات
الأمن، وأعمال القتل الدموية البشعة
التي لم تتوقف قوات الأمن عن ممارستها
باتت معروفة للجميع، ولذلك فإن وجود
المراقبين قد يكشف ما يروج النظام بان
الفضائيات تغطي عليه، وهو وجود جماعات
مسلحة ومنشقة عن الجيش تستخدم الأسلحة
لمقاومة النظام وقواته تحت عنوان
حماية المدنيين، أو ضرب أهدافه
الاستراتيجية مثلما قال العقيد الأسعد. ربما يجادل البعض بأن النظام السوري يريد
كسب الوقت، أو المزيد منه، من خلال
المماطلة في قبول شروط وانذارات
وتهديدات وإهانات وزراء الخارجية
العرب، ولكن السؤال هو كم من الوقت
سيكسب شهراً أم ثلاثة أم أكثر قليلاً؟ ' ' ' نشعر بالألم الشديد ونحن نرى الأوضاع في
سورية تنجرف الى هذا المنزلق الدموي
الخطير، ونشعر بالألم أكثر عندما نرى
طيارين من المفترض ان يستشهدوا دفاعاً
عن الارض السورية ومن ثم العربية
يقتلون بالطريقة التي شاهدناها، فجميع
هؤلاء الضحايا هم في الجانبين ابناء
سورية، وهذا ما يدمي القلب اكثر. لا نتردد لحظة في القول ان الادارة
الدموية للأزمة في سورية من قبل
السلطات السورية تتحمل المسؤولية
الأكبر عما حدث وسيحدث، ولكن من الواضح
ان التدخل الخارجي الذي يرحب به البعض،
ربما يؤدي الى احتراق المنطقة بأسرها،
وإغراقها في حرب أهلية، أو عسكرية، أو
الاثنتين معاً، لا تبقي ولا تذر. البعض يتحدث عن الحرب، والممرات الآمنة،
والتدخل الخارجي ومناطق الحظر الجوي،
والنظام متمسك بالحلول الامنية ومصرّ
عليها، ولا أحد مطلقاً يتحدث عن حلول
سياسية أو مخارج سلمية. حماية المدنيين مهمة انسانية مقدسة، وقد
أحسنت جامعة الدول العربية عندما
وضعتها على قمة أولوياتها، ولكن من
حقنا ان نسأل هذه الجامعة، وبعد ان
تنتهي من مهمة حماية المدنيين في سورية
من بطش النظام ورصاص قواته الامنية
وشبيحته، عما اذا كانت ستحمي مواطنين
عربا آخرين، في أماكن عربية اخرى من
المجازر نفسها، ونحن هنا، وحتى لا نتهم
بأننا نحشر فلسطين في كل شيء، لا نريد
ان نقول في قطاع غزة، في حال حدوث عدوان
اسرائيلي، وهل سيفرض ساركوزي وجوبيه (فرنسا)
وكاميرون (بريطانيا) مناطق حظر جوي في
الضفة والقطاع؟! ============= سوسن الابطح الشرق الاوسط 25-11-2011 النظام السوري يكذب ويزيف الحقائق، وما
كان لأحد أن يتوقع غير ذلك. لكن المحزن
أن المعارضة السورية هي أيضا تكذب.
الجانبان يتواطآن على شعبهما وعلى
الصحافة، التي باتت ضحية لألاعيب
سرعان ما يتبين الهدف منها. ما يسميه
النظام عصابات مسلحة لم يكن محض خيال.
تبين أن السلاح موجود، لا بل ومتوفر
بكثرة، على ما يبدو في سوريا، ليس فقط
بين أيدي ثوار الساحل وإدلب وريف دمشق،
ولكن أيضا بأيدي عرب القبائل، من
موالين ومعارضين. أحد اللبنانيين
العارفين بقضايا السلاح، يسخر ويقول «بعد
كل ما تم تهريبه، لم يعد في لبنان من
سلاح، صار الاعتماد على ما يبيعه
مقربون من حزب الله ليستفيدوا من غلاء
الأسعار». ما كان ليضير المعارضة لو قالت إن الثوار
المسالمين حين يقتلون بالرصاص
والقذائف، وتعتقل نساؤهم ويعتدى على
أطفالهم من حقهم الدفاع عن أنفسهم بكل
ما أتيح لهم من وسائل، لتحافظ على
مصداقيتها. وما كان ليصيب المعارضة في
مقتل أن تعترف بأن مناطق عديدة، بالكاد
يتمكن أبناؤها من التظاهر لدقائق
معدودات لأن سطوة النظام ما تزال تبطش
بقوة، والأمن يمسك برقاب الناس. من
يتابع الأخبار بدقة يلاحظ أن الأرياف
تشتعل لا سيما في إدلب وحماه ودمشق
لتوفر السلاح فيها، فيما حمص القريبة
جدا من حدود لبنان ساحة معارك حقيقية
بين القوى النظامية والثوار، لأنها
الأقدر على الوصول إلى السلاح، عبر
الحدود السورية - اللبنانية. أما المدن
الداخلية فما يزال يرهبها النظام ويكم
أفواه المعارضين فيها، على عكس ما
يشاع، وكأن سوريا كلها قادرة على
التظاهر في الشوارع. قول المعارضة أن
الجيش الحر هو الذي يقوم بكل الأعمال
المسلحة ليس صحيحا على الإطلاق، كما أن
الطابع الإسلامي الواضح لكثير من
المعارضين سيظهر جليا في وقت قريب جدا،
مهما حاول البعض نكرانه، أو اعتباره
مجرد حيثية ثانوية. ما هو مطلوب من المعارضة، أن تكون أكثر
شفافية من النظام، خاصة أن ما تحاول
التستر عليه ليس سبة في حقها، بقدر ما
يمكن للكذب أن يسيء إليها، ويربك
المتعاطفين معها، والراغبين في نصرتها. أن يكون الغاضبون على النظام مشتتين
متفرقين، بعد أربعين سنة من الموت
السريري للحياة الديمقراطية في
بلادهم، فهذا متوقع ومفهوم، أما
استعمال أدوات النظام نفسها، من قبل من
ينتظر منهم بناء مستقبل حر ومختلف
لبلادهم، فهو أمر لا يبشر بكبير خير. أنجع للمعارضين أن يغيروا استراتيجيتهم،
فالنظام يتفكك من الداخل، ويكاد يقضي
على نفسه بنفسه. هذا قد لا يكون غدا،
لكنه آت بعد أن تغيرت سوريا التي كنا
نعرفها. ثمة جنود من الجيش السوري
غاضبون ولم يعلنوا انشقاقهم بسبب
خوفهم على عائلاتهم، لكنهم يعملون
مجانا أو لقاء حفنة من الدولارات، على
تأمين اختراق الحدود جيئة وإيابا
لمعارضين، كما أنهم يساعدونهم على
دخول المدن المحاصرة، ويقومون بمهمات
أخرى لا تقل خطورة. هذا يعني أن الجيش
مخترق من الداخل. ثمة من بين شبيحة
النظام من يلعب على الحبلين أيضا ويسدد
خدمات للمعارضين حين يصبح المال هو
الأساس، مع تهالك المداميك الأساسية
للدولة. وكلما شعر البعثيون الذين
سلحهم النظام أن الكفة ترجح ضدهم
سيعيدون النظر في خياراتهم. لا يكذب
الموالون لبشار الأسد في لبنان حين
يتحدثون عن قدرة الدولة السورية على
تجاوز الأزمة، لأنهم يأخذون بعين
الاعتبار المناطق القليلة الخارجة عن
طوع الجيش والقوى الأمنية، ولا
ينتبهون إلى حالة الغليان الكامدة
فيما تبقى من محافظات، تفور بواطنها
كالبراكين. ربما أن شبيحة النظام لن يتمكنوا من
الصمود لفترات طويلة أمام شبيحة
المعارضة، الذين يقوى عودهم، وباتوا
يستولون على الغاز والمازوت والمواد
الأولية الأخرى التي يبيعونها
لحلفائهم ويحرمون منها الأهالي
المتقاعسين عن التظاهر، في بعض
المناطق، لدفعهم إلى التمرد. ما تشهده سوريا في الوقت الراهن هو فوضى
كبيرة وجامحة، باتت تصيب كل فئات
الشعب، فمن لا يعتقله النظام أو يقتله،
يفضل أن يلجأ إلى البيت قبل المغيب
خشية أن يداهمه مسلح ينتمي لهذه الفئة
أو تلك، هذا حتى في مدن ما تزال مصنفة
غير ثورية. من يفلت من المسلحين، تنغصه
الكهرباء المقطوعة أو يقرصه البرد بعد
أن بدأ الغاز كما المازوت يشحان بقوة.
غلاء المواد الغذائية كما الرعب الذي
يسيطر على الناس، يجعل الحياة كل يوم
أكثر صعوبة من الذي سبقه في سوريا،
ويضع النظام في موقع صعب، ويحث المزيد
من الصامتين على كسر صومهم عن الكلام. سوريا تغرق في الوحل، بينما ما يزال
البديل غامضا. وهذا ربما من الأسباب
الرئيسية التي تجعل المجتمع الدولي
المستعجل رحيل الأسد ينتظر استواء
طبخة المعارضة على نار هادئة. لذلك فإن
مسؤولية هؤلاء كبيرة ولا يجوز أن
يظهروا للعالم وكأنهم الوجه الآخر
لعملة قديمة ولى زمنها. ========================= جواد البشيتي 2011-11-24 العرب اليوم وجاء الشتاء بعد الخريف والصيف, فإذا ب¯
"الربيع العربي" يُسْتأنَف
ويتجدد, لا بل يستمر وينمو ويَعْظُم,
وفي مصر وسورية واليمن على وجه الخصوص;
فالثورة الناقصة, غير المكتملة,
المتوقفة في منتصف الطريق, أو على بعد
شبر, أو أشبار, من هدفها النهائي, إنما
هي ثورة حكمت على نفسها بالموت, وارتضت
أن تموت أسوأ ميتة. والشتاء في سورية, والذي هو "ربيعها
الشتوي", ليس كمثله شتاء; ولسوف يكتب
التاريخ أن هذا الشتاء السوري زلزل
الأرض, وجعلت ريحه أسيادها كعصف مأكول. وفي هذا الشتاء سنرى بشار, الذي لن يتنحى
عن الحكم, ولن يُسمح له بالتنحي عنه إذا
ما أراد, يلعب آخر وأهم أوراقه, في لعبة
"ورق يكشف ورقا". وإني لأرى الأهوال وأنا أقرأ "فنجان
بشار" في هذا الشتاء السوري; فهذا
الحاكم الشاب, الذي طالما "اتُّهِم"
بأنه مُحِبٌّ ل¯ "الإصلاح",
منتويه لا منتوٍ عنه, سنراه عما قريب
"أمير حرب", يقود سورية إلى "حرب
أهلية" قذرة بحسب معايير "الربيع
العربي", أو يقود فيها "الطرف
الآخر" في هذه "الحرب الأهلية"
القذرة, التي سعى إليها, وهيأ لها وأعد,
متوقعا, أي متوهما, أن يصل من طريقها
إلى ضالته المنشودة, والتي هي "النار
الإبراهيمية", فتنزل عليه نار
الثورة بردا وسلاما; لكن العواقب ستذهب
بما توقع, وسيكتشف بعد فوت الأوان أنه
لم يختر (إذا ما كان الأمر اختيارا) إلا
السير في أقصر الطرق إلى جهنم. "حماة الديار" سنراهم "يتقدمون"
إلى الخلف, تُفْرَغ منهم "جبهات
القتال" في الجولان وعلى الحدود مع
العدو الإسرائيلي, لتمتلئ بهم جبهات
الحرب الأهلية القذرة, ف¯ "الأمن
القومي" يُضحَّى به في سبيل درء
المخاطر عن أمن الحاكم والحكم
الدكتاتوري العائلي الفئوي الذي تضيق
فئويته مع اتساع القاعدة الشعبية
للثورة السورية. حرب البقاء, أو حرب الإبقاء على بشار,
ستُخاض ب¯ "جيش جديد", قوامه "الفرقة
الرابعة", وأشباهها, ومقاتلون من ذوي
الدوافع الطائفية الدينية الكريهة,
يتدفقون من منابعهم في لبنان والعراق
وإيران; فنظام حكم بشار سيتوفر على
تصوير ثورة شعبه عليه على أنها حرب
يخوضها السنَّة في سورية, وفي محيطها,
ضد العلويين والشيعة; فهذا هو ديدن كل
نظام حكم عربي دكتاتوري, مغتصِب للسلطة
اغتصابا, عندما تُحْدِق به المخاطر,
ويصبح قاب قوسين أو أدنى من السقوط,
وكأن بقاء الوطن من بقائه, وموت الوطن
في موته! لا تتوهموا أن حربا ما, يخوضها, أو يشارك
"حزب الله" وإيران في خوضها, ضد
إسرائيل ستكون هي خياره, أو "الورقة"
التي يلعبها, لعله يربح; فهذا أمر لا
محل له في تفكيره, ويخشى إذا ما أقدم
عليه أن تكون العاقبة النيل من قوته في
هذا الصراع المصيري الذي يخوضه ضد شعبه. سيقود سورية إلى "حرب أهلية" قذرة,
وسيقود هذه الحرب, وهو مُرْتَدٍ الرداء
نفسه, أي رداء رئيس الجمهورية السورية
الذي يذود عن الوطن والشعب والدولة,
ويصارع بكل ما أوتي من قوة ضد "المؤامرات"
و"الفتن" التي تتعرض لها البلاد;
فكلما بشع الوجه اشتدت الحاجة إلى
الأجمل من الأقنعة! وهذا "الحريق النيروني" قد يمتد إلى
لبنان والعراق, وإلى غيرهما من دول
المحيط الإقليمي; فالحاكم الذي يتوهم
أن في مقدوره فعل كل ما يريد بالحراب,
وبالحراب وحدها, هو نفسه الذي يجد نفسه,
في آخر المطاف, جالسا على الحراب نفسها. ولن يطول الزمن ببشار حتى يرى الليرة (السورية)
في الحضيض من قيمتها, والاقتصاد يتهاوى,
وأزمة الوقود تتفاقم, والعزلة العربية
والدولية لنظام حكمه تتسع وتزداد, و"الحواضن
الأمنية" تكثر وتتكاثر, فيشهد الجيش
مزيدا من الانشقاق, وتخرج دمشق وحلب (وغيرهما)
عن صمتهما; فالنهاية ستكون مرعبة; لكن
لا رعب بلا نهاية!0 ================= مناشدة السعودية من أجل
النظام السوري عبد الوهاب بدرخان النهار 24-11-2011 كان مفاجئا الى حد ما ان يطلق رئيس المجلس
النيابي نبيه بري مناشدة للعاهل
السعودي كي يقدم على مبادرة في الشأن
السوري، إذ يعتقد أنه لا تزال له حظوة
في الرياض أو أن كلمته مسموعة فيها،
لكن الجميع فهم انه يتمنى مبادرة تكون
في مصلحة النظام، علما بأن الملك
عبدالله بن عبد العزيز أعلن قبل أربعة
شهور موقفا هو نفسه الذي تحاول الجامعة
العربية حاليا تفعيله، إذ طالب بوقف
آلة القتل. لكن المستغرب أن تصدر
مناشدة مماثلة من جانب العماد ميشال
عون، وللسعودية تحديدا، وهو الذي
طالما تفاخر بالعداء لها. لا يمكن
الاعتقاد أنه توارد أفكار عفوي بين
الرجلين، بل ان هناك من وضعهما على
الخط ولم يكن موفقا باختيار عون حتى لو
استند الى زعامته المسيحية، أما بري
فلا يزال يعتبر نفسه فارس ال"سين –
سين" بلا منازع، رغم ان هذا كان ولم
يعد، لأنه شارك حليفيه في قتل ال"سين
– سين". السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا لم يأت
الايحاء السوري بمناشدة الملك عبدالله
الى رئيس الحكومة، فنجيب ميقاتي كان
ليتمنى تبنيها على سبيل التخلص من
الاحراج العربي – والدولي – الذي حصده
من التصويت اللبناني ضد القرار العربي.
وهو قرار اتخذ بتشاور خاص بين وزير
الخارجية السعودي الامير سعود الفيصل
وأعضاء اللجنة الوزارية العربية.
وحاول الوزير السوري وليد المعلم، في
مؤتمره الصحافي يوم الاحد، النأي
بنفسه عن مناشدتي بري وعون، لكنه عاد
فأضاف ما يشي بأنه يتمنى تحركا سعوديا.
لكن المشكلة لا تزال هي نفسها، كما
كانت منذ مبادرة الملك عبدالله خلال
قمة الكويت في 2009 والمحادثات التي
تلتها، ثم منذ مبادرته بالزيارة
الثنائية مع الرئيس السوري لبيروت في
تموز 2010. المشكلة أن بشار الاسد يستخدم
هذه المبادرات ليبرهن ان ما يعتقده هو
الصواب، وإلا لما كان الملك هو من جاء
اليه في المرتين، وأن الافضل للسعودية
أن تلبي محاولاته لاستقطابها الى خطه. لو كان الامر يتعلق بوساطة مطلوبة بين
بلدين عربيين لربما تجاوبت السعودية
وسعت، رغم ان تجريب المجرب ليس حكيما،
أما التحرك من أجل نظام يبحث عمن يدعمه
في قتل شعبه فهذا يعني ببساطة مشاركته
في القتل والغلو في العنف، تماما كما
يفعل تصويت لبنان في الجامعة العربية،
أو روسيا والصين في مجلس الامن. ثم ان
من يعتمد الى هذا الحد على دعم ايران،
للصمود داخل سوريا، أو للهيمنة على
لبنان ودولته واستقراره، لا يحتاج الى
مبادرة، لا من السعودية ولا من سواها،
فهو اختار مساره ومصيره خارج الاطار
العربي. أكثر من ذلك، باسم من وماذا
صدرت مناشدتا بري وعون؟ باسم انجازات 7
أيار، أم باسم الوعيد بتكرار 7 أيار في
حال انهيار النظام السوري، أم باسم
الاغتيالات التي لا يراد للمحكمة
الدولية ان تكشف حقيقتها؟ كان الاحرى
بمن يدعو الى نجدة هذا النظام أن يكون
تجرأ ولو مرة واحدة على أن يناشد الاسد
وشبيحته ان يكفوا عن الاجرام في حق
الشعب السوري، كي يعاد تأهيلهم ليصبح
الحديث معهم ممكنا من دون أن يكون شبهة. ================= علي حماده النهار 24-11-2011 مرة جديدة يعود مجلس وزراء الخارجية
العرب ليجتمع اليوم للبحث في الازمة
السورية بعد فشل المبادرة العربية
التي قدمت للنظام في سوريا، وقد قابلها
بسلسلة تعديلات طالب بها بهدف افراغها
من مضمونها، وهذا ما حدا باللجنة
الوزارية العربية والامانة العامة
للجامعة على ان ترفض التعديلات، مع
الاصرار على التزام السوري حرفية
المبادرة. وعند هذه المحطة توقف قطار
الحل العربي. وبات من الضروري الانتقال
الى مرحلة جديدة في التعامل العربي مع
نظام بشار الاسد الذي قرر بحسب ما بدأ
يصرح به في الاعلام الخارجي (الصانداي
تايمس اللندنية) مواصلة المعركة
بالعنف... حتى الموت! ومن المفارقات التاريخية ان يأتي اجتماع
مجلس الجامعة اليوم، وهو مفصلي غداة
توقيع المبادرة الخليجية بين الرئيس
اليمني علي عبد الله صالح (آخر اصدقاء
بشار الاسد مع ميشال سليمان ونجيب
ميقاتي) والمعارضة لحل الازمة اليمنية.
وفي نهاية الامر يخرج صالح من البلاد
في رحلة علاجية، ويخرج معها من السلطة
خلال تسعين يوما. المطلوب الآن من وزراء الخارجية العرب
اصدار بيان يندد بالنظام في سوريا،
وتأكيد تعليق عضوية سوريا في الجامعة،
والتوصية بسحب السفراء العرب من دمشق،
وتعجيل الخطى في دعم توحيد المعارضة
عبر اشتراط توحيدها باقصى سرعة
للاعتراف بها ممثلا وحيدا للشعب
السوري. والاهم الآن اقرار سلسلة من
العقوبات الاقتصادية جرى التوافق على
حزمة اولى منها بين دول مجلس التعاون
الخليجي. ولا بد من اتخاذ قرار بنقل الملف الى
المجتمع الدولي استنادا الى شبه اجماع
عربي. ويكون ذلك بالتحضير العاجل لطرح
مشروع قرار عربي – اميركي – اوروبي
قوي في مجلس الامن ضد النظام في سوريا.
ومن المعلوم ان طرح مشروع قرار عربي –
غربي مشترك يمثل ضغطا كبيرا على الموقف
الروسي – الصيني – الهندي والبرازيلي
في مجلس الامن. من هنا ضرورة تشكيل وفد
على مستوى وزراء الخارجية العرب
يرافقهم الامين العام للجامعة العربية
مهمته زيارة عواصم "الرفض"
الدولية، بدءا من موسكو حيث مفتاح "الممانعة"
الدولية. ولا بد من توجيه رسالة قوية
لموسكو مفادها انها بدفاعها عن النظام
في سوريا انما تضع نفسها في مواجهة
مباشرة وصريحة مع الاسرة العربية
بأسرها، وبالتالي لا بد من مراجعة
موقفها. يجب ان يفهم بشار الاسد ان الاسرة العربية
قبل المجتمع الدولي، تطالبه بالرحيل
لأنه لا يستطيع قتل شعبه والبقاء في
السلطة من غير ان يرف له جفن. والحال ان
بشار كرئيس فعلي لسوريا انتهى. فلقد
سقطت شرعيته في الداخل وعربيا ودوليا
وما بقي معه سوى ايران وروسيا وكوريا
الشمالية، فضلا عن ذلك فإنه بعد قتله
آلاف السوريين ما تمكن من اخماد الثورة.
في سوريا اصبح النظام رجلا مريضا، وموته
لا ينتظر سوى اتفاق خصومه على التركة.
هذا ربما ما ينبغي لنجيب ميقاتي ان
يدركه فيعجّل في القفز من سفينة بشار
الغارقة. ================= صالح القلاب الرأي الاردنية 24-11-2011 بدل الإفراط في البكاء ونثر جمر
الاتهامات في كل اتجاه فقد كان على
النظام السوري أن يغلق نوافذ بلاده وأن
يحصنها قبل أن تهب كل هذه العواصف
العاتية على هذه المنطقة وكان عليه أن
يرى كل هذا الذي يجري في سوريا وفي
الشرق العربي كله في وقت مبكر جداً
وعلى غرار ما فعله الملك حسين ,رحمه
الله, الذي أدرك أن هناك استحقاقات قد
أصبحت لازمة وضرورية فاتخذ قرار
الإصلاح والعودة إلى المسار
الديموقراطي في العام 1989. ما كان على الرئيس بشار الأسد أن يطرب
لأهازيج التزلف وأن يستمتع بمهرجانات
هز الأرداف وأن يغطي عينيه بيديه حتى
لا يرى ما يعانيه شعبه وحتى لا يرى
أيضاً التحديات التي تنتظر بلده
والمنطقة كلها وما كان عليه أيضاً أن
يضع سبابتيه في أذنيه ويرفض الاستماع
إلى النصائح التي كان يزجيها إليه
الحريصون على سوريا وعلى شعب سوريا
وليس على نظامه بأن عليه أن يرى أن وراء
الأكمة ما وراءها وأن يبادر إلى
التغيير قبل أن يجري تغييره هو ونظامه
بالقوة. إن أهم القادة هم الذين يرون ما بخبئه
المستقبل قبل سنوات وعقود ,والحديث
النبوي الشريف يقول :»الرائد لا يكذب
أهله», وحقيقة أن الرئيس بشار الأسد قد
أثبت أنه ليس من صنف هؤلاء القادة
عندما بقي ينام على حرير كذبة «الممانعة
والمقاومة» التي هي اختراع إيراني
بالأساس بقي حزب الله ومعه قادة بعض
الفصائل الفلسطينية ,والمفترض أن الكل
يذكر مهرجان مخيم اليرموك الشهير,
يعزفون ألحانها على طريقة وزير إعلام
أدولف هيتلر جوزيف فريدريك غوبلز وبقي
يتكئ على أرائك أنه الرقم الصعب إلى أن
فاجأته الأحداث التي انطلقت من درعا
بعد ما ارتكبت أجهزته الأمنية من
الحماقات ما حول حادثة كان بالإمكان
تطويقها إلى كل هذه الثورة العارمة
التي تجتاح البلاد من دير الزور
والبوكمال في الشرق وحتى اللاذقية في
الغرب. إنه أمر طبيعي أن يغري كل هذا الذي يجري في
سوريا الدول التي لها مصالح وأطماع في
هذه المنطقة الحيوية والإستراتيجية
وإنه أمر طبيعي أن تمد المعارضة
السورية يدها إلى هذه الدول عندما
يبادر نظام الرئيس بشار الأسد فور
انفجار هذه الأحداث المتأججة في
الخامس عشر من آذار (مارس) الماضي إلى
استخدام العنف المفرط بكل أشكاله ضد
شعبه وعندما يبقى يتحايل على كل
الصادقين ,عرباً وغير عرب, الذين نصحوه
ألاّ يتبع الأساليب التي اتبعها ويبقى
يسعى لشراء الوقت للقضاء على هذه
الانتفاضة بالقوة العسكرية. كان على هذا الشاب ,الذي كانت فاجأته
مسؤولية قيادة بلد ينام فوق ألغام
كثيرة مدمرة كما فاجأته هذه الأحداث
التي مع أنها أصبحت ثورة حقيقية إلاَّ
أنه لا يزال يصر على عدم الاعتراف بها,
أن يدرك منذ لحظة انتقاله إلى قصر
الرئاسة في المهاجرين أن نمط الحكم
الذي ورثه عن والده هو ومعه نظام كيم
جونغ إيل في كوريا الشمالية آخر
الأنماط الستالينية الديكتاتورية في
العالم وأن عليه أن يهرول هرولة للتعلق
بقاطرة الألفية الثالثة ويبدأ بتجفيف
مستنقع غدا آسناً ورائحته تزكم الأنوف. والمؤسف أنه لم يفعل هذا وأنه لم يلتقط
إشارات المستجدات التي باتت تزحف على
سوريا والشرق الأوسط وأنه بقي يرخي
أذنيه لسماع أنغام التزلف التي يعزفها
الانتهازيون من الداخل والخارج وبقي
يعيش أوهام الهلال الفارسي كما بقي
مقتنعاً بإمكانية تعميم الحالة
اللبنانية على كل دول ما يعتبر الهلال
الخصيب ومن بينها العراق الذي كان عليه
أن يفهم درسه جيداً منذ مغامرة غزو
الكويت بدون أوهام وبنظرة واقعية
بعيدة عن الترويج البائس وتبخير
المبخرين. ومرة أخرى إنه أمر طبيعي أن تستدرج هذه
الحالة التي غدت تعيشها سوريا ,والتي
كان بالإمكان تفاديها منذ اللحظة
الأولى بالتعاطي مع حادثة أطفال درعا
بغير ذلك الأسلوب الاستخباراتي
الاستعلائي والإجرامي, كل ضباع الأرض
وكل الدول الطامعة التي لها مصالح في
هذه المنطقة والآن وقد حصل ما حصل وقد
سبق السيف العذل فإنه على من أوصل
الشعب السوري العظيم إلى الاستنجاد
بالخارج ليحمي أطفاله من كل هذا البطش
الأرعن أن يدفع الثمن وهو سيدفع الثمن
بالتأكيد ولن ينفعه نعيق المستمرين
بعزف مقطوعة «الممانعة والمقاومة»
الكاذبة أساساً وغير الصحيحة... ف»يداهُ
أوْكتا وفوهُ نفخ»!! ================= د. فهد الفانك الرأي الاردنية 24-11-2011 القرار القوي الذي اتخذته الجامعة
العربية يفتح الباب على مصراعيه
للتدخل الدولي في سوريا، وهو يشكل
اعترافاً بأن تغيير نظام الحكم في
سوريا أو أي نظام شمولي في أي بلد عربي
لا يكون بالوسائل الديمقراطية والحراك
الشعبي، بل بالانقلاب العسكري أو
التدخل الخارجي بالقوة، وما حدث في
العراق وليبيا ليس بعيداً عن الأذهان. الجامعة العربية لا تتوقع انقلاباً
عسكرياً في سوريا كما حدث بشكل ضمني في
تونس ومصر، ومن هنا جاء النص على
إمكانية اللجوء إلى المؤسسات الدولية (بما
فيها الأمم المتحدة)، والمقصود طبعاً
أن يأخذ مجلس الأمن قراراً بالتدخل
بحجة حماية المدنيين، أي لمبررات
إنسانية، استناداً إلى الغطاء العربي
الذي سبق تقديم مثله في حالة ليبيا. تغيير نظام شمولي بغير القوة غير ممكن،
فلم يكن بالإمكان تغيير نظام صدام
مثلاً بدون احتلال عسكري أميركي، وما
كان بالإمكان تغيير نظام القذافي بدون
تدخل حلف الأطلسي، الذي لم يغلق
الأجواء فقط بل حطم كتائب القذافي وشطب
جميع قواعدها وأسلحتها. سوريا لا تختلف كثيراً، والتدخل الخارجي
بالقوة وارد، خاصة وأنها محاطة بدول
إما جاهزة للتعاون مع التدخل الخارجي
والمشاركة فيه، أو غير مستعدة أو قادرة
على مقاومته، والنتيجة لن تكون تغيير
نظام الأسد وحسب، بل تحطيم الجيش
السوري كما تم قبله تحطيم الجيش
العراقي ولنفس السبب، وهو أمن إسرائيل
لتصبح قوة عظمى وحيدة في المنطقة،
تكتمل وحدانيتها بضرب القوة العسكرية
الإيرانية. المطالبة بتغيير النظام السوري مع رفض
التدخل الخارجي يعني عملياً تثبيت
النظام الذي يعتبر بقاءه أهم من تحطيم
الدولة السورية وإحداث زلزال وحريق في
المنطقة بأسرها. التدخل الخارجي قد يحقق إسقاط النظام،
ولكن هذا الهدف لا يمكن الوصول إليه
إلا بتدمير الدولة السورية وتصفية
جيشها الذي كان في يوم من الأيام يسعى
لتحقيق ندية مع إسرائيل. الحل الذي كان متاحاً لصدام، وما زال
متاحاً لبشار هو التنحي عن السلطة
اختيارياً لحساب هيئة رئاسة يجري
اختيارها بالتوافق مما يسحب البساط من
تحت أقدام المتربصين للعدوان. بشار قال: مستعدون للموت من أجل سوريا،
فهل ينقذ سوريا بما هو أقل من الموت وهو
نقل السلطة؟ ================= الحظر الجوي في طريقه
الى سورية رأي القدس 2011-11-23 القدس العربي لا نعتقد ان
الرئيس السوري بشار الاسد سيستمع الى
نصيحة السيد رجب طيب اردوغان رئيس
وزراء تركيا الذي طالبه بالتنحي 'من
اجل خلاص شعبك وبلادك والمنطقة'
ومخاطبته بأن 'القتال ضد شعبك ليس
بطولة'، لانه، اي الرئيس السوري عاقد
العزم على المضي قدما في الحلول
الامنية والعسكرية حتى النهاية، ومهما
كان الثمن حسبما جاء في حديث ادلى به
الى صحيفة بريطانية قبل بضعة ايام،
لانه يشعر، بل يؤمن، بان هناك 'مؤامرة'
عربية غربية للاطاحة بحكمه. وسط هذه الاجواء يعقد وزراء الخارجية
العرب اجتماعا اليوم في القاهرة من اجل
بحث الاوضاع في سورية، ومدى التزام
السلطات السورية بالمهلة التي حددها
اجتماع سابق وتقضي بوقف كل اشكال العنف
واطلاق المعتقلين، والسماح بدخول
حوالي 500 مراقب عربي ودولي لمتابعة
تنفيذ هذه المطالب والتأكيد على
التجاوب الكامل معها. السلطات السورية لم تلتزم بمثل هذه
المطالب، واجهزتها الاعلامية تشن حملة
شرسة ضد الجامعة العربية وتتهمها
بالتآمر على سورية تنفيذا لمخططات
امريكية، ولهذا فان وزراء الخارجية
العرب باتوا امام موقف حرج، خاصة بعد
ان هددوا بفرض عقوبات اقتصادية على
سورية في حال عدم التزامها بتنفيذ
الشروط العربية. الخطوات التي يمكن ان يتخذها وزراء
الخارجية العرب يمكن التعرف عليها من
خلال متابعة الموقف الفرنسي على وجه
الخصوص، لان فرنسا باتت هي المؤشر، او
البوصلة التي يمكن ان تدلنا على
السيناريوهات المعدة لسورية، مثلما
كانت تدلنا على السيناريوهات المعدة
لليبيا قبل ذلك. آلان جوبيه وزير الخارجية الفرنسي كشف
يوم امس، واثناء اجتماعه مع الدكتور
برهان غليون رئيس المجلس الوطني
السوري ان بلاده تؤيد اقامة 'ممر
انساني' محتمل في سورية، وتعتبر (اي
حكومته) المجلس الوطني السوري شريكا
شرعيا تود ان تعمل معه لانه 'المحاور
الشرعي الذي سنواصل العمل معه، وان
الاعتراف الرسمي به الذي نعمل للوصول
اليه بالتنسيق مع الجامعة العربية
وجميع حلفائنا سيحصل في وقت لاحق'. المستر جوبيه لم يشرح مفهومه للممر
الانساني الذي طرحه فجأة امس، ولكن ما
يمكن فهمه انه مجرد تسمية اخرى 'لمناطق
الحظر الجوي' او 'الملاذ الآمن' لحماية
المدنيين من قمع النظام، على غرار ما
حدث في ليبيا، خاصة ان وزير الخارجية
الفرنسي قال انه سيطرح هذا الاقتراح
على جدول اعمال المجلس الاوروبي،
اثناء اجتماعه المقبل في الثاني من شهر
كانون الاول (ديسمبر) المقبل. اجتماع وزراء الخارجية العرب قد يمهد
الطريق، ويقدم بالتالي الغطاء 'الشرعي
العربي' لهذا الاقتراح الفرنسي،
بالاعتراف بالمجلس الوطني السوري اولا
على غرار ما فعل بالمجلس الانتقالي
الليبي، والدعوة الى اقامة مناطق
امنية عازلة، لان النظام السوري لم
ينفذ المبادرة العربية التي طرحت كطوق
نجاة اخير له. الدكتور غليون عكس بعضاً من هذه النوايا
العربية المنتظرة، عندما دعا امس،
وبعد اجتماعه مع وزير الخارجية
الفرنسي الى 'تنسيق دولي افضل لمواجهة
نظام يمارس سياسة الهروب الى الامام'،
وقد يفسر البعض هذا الطرح على انه دعوة
غير مباشرة لتدخل دولي في الشأن السوري. الاوضاع في سورية تتجه نحو التصعيد
العسكري، بعد ان تراجعت الى ما دون
الصفر الجهود الرامية الى ايجاد مخارج
سلمية عبر الجامعة العربية على وجه
التحديد، لكن السؤال الذي يطرح نفسه
بقوة هو عن الوجهة التي سيؤدي اليها
هذا التصعيد. سورية وصلت الى نقطة اللاعودة، مثلما قال
السيد عبدالله غول رئيس تركيا، وهذا
كلام صحيح، ولكن ما يبعث على الخوف
والقلق في الوقت نفسه هو ما قاله ايضاً
اكمالاً لهذا التصريح بان 'المنطقة
كلها يمكن ان تنجر من جراء الازمة
السورية الى الاضطرابات واراقة الدماء'. لا نعرف ما اذا كان النظام السوري يدرك
هذه الحقيقة، وما اذا كان وزراء
الخارجية العرب يملكون الخطط لمواجهة
مثل هذا السيناريو المرعب، بحيث
يجنبون المنطقة خسائر بشرية ومادية
هائلة؟ لا نعتقد ان وزراء الخارجية العرب يملكون
بلورة سحرية تدلهم على قراءة
المستقبل، ولا نرى ان النظام السوري
يريد ان يتراجع عن خياراته الامنية
والعسكرية في التعاطي مع مطالب مشروعة
لشعبه في التغيير الديمقراطي، ولذلك
فان المنطقة العربية تتجه حتما ليس فقط
الى كارثة وانما الى مجموعة من الكوارث
في الأشهر وربما السنوات المقبلة. ================= سمر يزبك 2011-11-23 القدس العربي عندما استقرت
سلالة إيميساني قرب نهرالعاصي، جنوب
مملكة أفاميا، لم تكن تعرف أنها ستصنع
مدينة تتحول إلى حكاية تنجب الرجال
والذهب، وتتوسط البحار والصحارى
والجبال، ثم تغيب في قصص العرافات
وتعويذاتهن. الذهب نفسه الذي سينقذ امرأة تعيش في
أطراف المدينة بعد آلاف السنين. ولم
يكن أحد ليدرك، حتى أنا المؤلف الدائر
في الزمن وأمسك عقدة الحكاية، أن هذه
السلالة ستؤسس مدينة دمرتها الزلازل
في أزمان تأتي، ستنقلب على حركة التراب
والماء، المدينة التي سميت لاحقاً
بحمص، نسبة الى سلالة ملكية نثرت غبار
كبريائها في مياه النهر، ومنذ ذلك
الحين تحولت إلى مدينة سحرية، تسكنها
جنيات الغبار الذي حمى أهلها، حين ستمر
آلاف مؤلفة، وتغرق فجأة في العتمة ذات
نهار، ويقرر أهالي المدينة أن يكونوا
بشراً على سوية تناصف آلهة ترتكب بعض
الحماقات. ربما لذلك عندما اخترقت القذيفة بيتاً في
المدينة يقع في الباب الثامن عند الجهة
الغربية، ويسمى في الزمن الحاضر 'بابا
عمرو'، كان النثار الملكي يطوف في
فضائها ينشد تعاويذ العرافات، وهو
السبب نفسه الذي جعل من الأم التي سمعت
صوت القذيفة يخترق بيت الجيران لا
تتحرك من مكانها، وتضم طفليها إلى
حضنها وتحدق في باب البيت الكبير بفزع،
ثم تنتظر أن تواجه مروراً فولاذياً
لنار قذيفة جديدة. كان البيت الهانئ يقع في المنطقة الحديثة
من الحي المقسوم إلى منطقة شعبية
ومنطقة حديثة، والمسافة التي تفصله عن
البيوت الأخرى تتساوى من حيث التوزيع
بين مئات البيوت. توقفت الأصوات من الخارج بعد الإنفجار
الكبير، ومسحت الأم بأطراف أصابعها
على رأس الولد المصاب، كانت تنظر في
جرحه الملتهب. منذ ثلاثة أيام تجلس
بانتظار الزوج، الذي خرج ولم يعد. قبل
يومين حاولت مغادرة البيت، ولكنها ما
إن مدت ٍرأسها من باب البناء الكبير
حتى تطايرت طلقات الرصاص في الهواء.
الحي محاصر بالدبابات، والقناصة
يتوزعون في كل زاوية، فعادت أدراجها،
ولم تفكر بالخروج ثانية. ألقت بنفسها
على الأريكة. الثلاجة فارغة من الطعام،
والإبن الأكبر ينوء بأنات غريبة. لم
يكن مصاباً، لكنه كان منهكاً من الجوع.
تقبّل جبينه وتبكي. تنظر في عينيه،
وتهمس: ما تخاف حبيبي.. ما تخاف.. بابا
راجع.. راجع أكيد. كانت تدرك في أعماقها أن عدم عودة زوجها
يعني احتمالين؛ إما أن يكون قُتل برصاص
قناص، أو اعتقل من قبل رجال الأمن
الذين يتوزعون في كل عشرة أمتار بين
شوارع الحي. تتمنى في لحظات أن يكون
قُتل، فالصور المريعة للجثت التي عثر
عليها أهالي الحي مرميةً في الطرقات،
وعليها آثار تعذيب وحشي، تجعلها تفكر
أن الموت رحمة، وأن الإختفاء في أحد
أقبية فروع الأمن أكثر هولاً من الموت.
زوجها خرج للتظاهر مع الرجال الذين
يخرجون في الليل للهتاف ضد الرئيس، وفي
النهار يضمدون جراحهم، ويدفنون
موتاهم، ثم يستأنفون التظاهر، ولم يكن
يثنيهم عن هذا سوى الموت. الموت يجعل
أحدهم يغيب، لكن الجموع تستمر. كانت تفكر بجيرانها إن كانوا سيتساقطون
واحداً واحداً، وهل سيختفي الحي بما
فيه عن وجه الأرض، ويتحول إلى أرض خراب.
تفكر بذلك، ويقرصها بطنها من الجوع مع
ملامح ضباب بدأ يتجمع، وغباش يمنعها من
الرؤية أحياناً. ربما هو أثر الجوع. بقي
نصف رغيف يابس وقطعة بندورة مهترئة،
ستقوم بطبخ العدس، الزيت انتهى أيضاً،
لكن غلي العدس بالماء ربما يسد رمق
طفليها. البارحة انقطعت المياه عن
الحي، واذا استمر الانقطاع يوماً آخر،
فلن يكون لديها في البيت نقطة ماء. فكرت
بالألم الذي يعانيه من يموت جوعاً، كيف
يكون، ربما يشبه نعاساً ثقيلاً. أرخت
رأسها إلى طرف الأريكة، واستسلمت
لعذوبة دوار لفّ رأسها. أصوات اطلاق رصاص أفزعتها من جديد. قامت
وأزاحت الستائر. كان البيت المواجه
لبيتها مثقوباً بحفرة كبيرة من أثر
القذيفة التي سقطت عليه، وتستطيع أن
ترى من خلال الحفرة في الجدار غرفة نوم
الجيران، وأطرافاً بشرية لجثة مدماة.
الغرفة التي كانت عالماً سرياً
لجارتها وزوجها. الجارة اختفت منذ
ثلاثة أيام هي وزوجها، ربما تركوا
الحي، ولكن كيف خرجوا؟ ومن ذلك القتيل؟ تدخل غرفة نومها، وتأتي بغطاء صوفي،
تلقيه على ابنها المصاب، تنظر في جلده
الذي بدأ يميل الى الأزرق. لا بد أن
تخرج، ستموت جوعاً مع طفليها، وجرح
ابنها في رأسه وقدمه بحاجة لمعالجة
سريعة. منذ يومين مرت في الشارع الخلفي، تمسك بيد
الإبن الصغير. كان الحي محاصراً، ولكن
بإمكانها الحركة لأن اطلاق الرصاص كان
عشوائياً ومتقطعاً، ذهبت لتسأل عن
زوجها، وبينما كانت تنعطف من احدى
زوايا الشارع الخلفي، سمعت أصواتاً
غريبة، قرقعة حادة تقترب، مجموعة من
الدبابات تتجه إلى مدخل الحي وتستقر
هناك. ركضت، لكن أصوات النارعلت في
المكان، فانبطحت أرضاً. كان الشارع شبه
فارغ، ومجموعة من النساء اجتمعن أمام
بعض المحلات. المحلات التجارية في
الغالب مغلقة، لكن بعضها فتح أبوابه
لساعات، سوف يغلقونها نهائياً بعد
دقائق، عندما يشتد اطلاق الرصاص.
الأمهات صرخن وتجمعن في زاوية ضيقة،
وانحشرت الأم وولدها معهن، لم تنتبه
إلى الرصاصة التي مرت بالقرب من ساق
طفلها، ولم تلحظ الجرح العميق الذي فج
رأسه نتيجة ارتطامه بإسفلت الطريق،
وهي تحاول حمايته ورميه على الأرض
والإنبطاح فوقه. انتبهت فقط عندما
تسربت منه آنة خافتة، شهقت بصوت عال،
كانت الدماء تشكل بقعة حمراء حول ركبته.
النساء ركضن، لكن الرجال الذين يحملون
رشاشات ويطلقون النار في الهواء ركضوا
وراءهن، وانتزعوا مجموعة من الأطفال،
وتعالى الصراخ. كان زعيقاً كارتطام
خناجر حادة تطير في الهواء. إحدى
الأمهات أمسكت الرشاش ووضعته في
صدرها، وحدقت في عيني العسكري بتحدٍ،
انتزعت طفلها ثم ركضت به. أم أخرى ذهبت
مع الرجل الملثم والمسلح وجلست أسفل
الدبابة التي احتجزوا فوقها طفلها،
لقد أخذوا الأطفال كرهائن. صرخت امرأة
شابة: الله يهدكن، فأطلق مسلح الرصاص
بين قدميها، وارتمت أرضاً وهي ترتجف،
وزحفت حتى وصلت إلى الزاوية التي تجتمع
فيها النسوة. كانت الأم تنظر الى جرح
طفلها، عندما اشتد اطلاق الرصاص، تفكر
فقط في زاوية مناسبة للهروب، بينما
أصوات الرصاص تتعالى، والجنود ورجال
الأمن والمرتزقة يتفرقون في المكان.
الأطفال فوق ظهور الدبابات يبكون
ويصرخون من جهة، والأمهات في الجهة
الأخرى يصرخن ويبكين. كان مشهداً من الجحيم، ولولا نثار الغبار
الذي غلف المدينة من آلاف السنين،
لانقلبت على وجهها وصارت جذوع الأشجار
الهرمة وطبقات التراب الطينية تزين
طرقاتها. لكن النثار كان ينتشر بكثافة،
ويتنشقه أهل المدينة، الذين حافظوا
على أقدامهم ثابتة في الأرض، ولم
يسبحوا في الفضاء كما يفترض لأرواحهم
التي تفيض في كل لحظة. الموتى والأحياء
يمشون جنباً إلى جنب في المساحة الضيقة
التي تجمع الدبابات والأمهات
والأطفال، وكانت الأم تراقب ما يحدث،
وتضم ابنها إلى صدرها. فكرت أن ما فعلته
بطفلها كان مجازفة كبيرة، لم تكن تجرؤ
على البكاء الآن. ابنها في حضنها وليس
رهينة فوق ظهر دبابة، هذه سعادة كفيلة
بحبس دموعها. أمسكته بقوة، ثم انبطحت
على الأرض وقلبته فوق ظهرها، وبدأت
تزحف على ركبتيها للخروج من التجمع
الذي كان يزيد، زحفت بقوة وشعرت
بسكاكين تمزق كوعيها، لكنها استمرت
بالزحف. ما كان يؤلمها أن ابنها لم يكن
يصدر أي صوت. كانت عيناه مفتوحتين
بذهول، رأسه يتحرك بعدة اتجاهات تصدر
منها أصوات الرصاص. أحياناً يغمض عينيه
ويفرك جفنيه بأصابعه الصغيرة، لكن
الأم، وما إن وضعته على ظهرها، وبدأت
الزحف، حتى اطلق عينيه للدموع. تجاوزت
الجموع ودخلت في زقاق فارغ، بعض
الأهالي يتسربون من زقاقات أخرى.
انقلبت على ظهرها وهي تحرك ابنها مع
حركتها، فصارت وجها لوجه أمامه، وفجأة
لمحت عينيه، كان يبكي، بصمت. عندها فقط
بدأت البكاء بصوت عال، وضمته، ثم نهضت
وركضت به، لم تعرف كم لزمها من الوقت
لتصل البيت. كانت تفكر بالأطفال الذين
يجلسون على ظهور الدبابات، وتريد
الوصول الى البيت لتمنع ابنها الكبير
من الخروج. ربما يكون قد خرج للبحث عنها.
تركض، ثم تركض وابنها بين يديها يزداد
ثقلاً، عندما وصلت البيت وفتحت الباب
رأت ابنها الثاني ينظر من النافذة
فزعاً. ارتمت على الأرض مع ابنها
الجريح، وركض الثاني إليها، ورمى
بنفسه فوقهما. أرادت أن تضحك وتبكي،
بدا أنها ستلعب مع أولادها وستتشقلب
كقطة بينهما. لكن الواقع أنها اطلقت
ضحكة عالية جداً وهي تتلمسهما بلهفة. كان هذا قبل ثلاثة أيام، وكلما حاولت
الخروج من البيت، يبدأ الرصاص ينهال
عليها من كل الجهات. بيتها يتألف من
أربع غرف، قامت بنبش محتوياته كلها،
وهي تفكر بطريقة للخروج. لم تكن تفكر
بالذهاب إلى المشفى، فأهل المدينة
الذين يحملون جرحى المظاهرات
المتساقطين برصاص الأمن يذهبون بهم
إلى مشافي قاموا بإحداثها في بيوتهم،
لأن أي جريح يدخل المشفى هو مشروع ميت،
رجال الأمن والشبيحة يخطفون الجرحى
ويقتلونهم. الرصاصة التي مرت فوق جسد ابنها لم
تخترقه، بل أحدثت جرحاً فيه، والأخطر
كان جرح رأسه. والفتات الباقي من
الطعام سينتهي اليوم، والحي ما يزال
محاصراً، لكنها كانت تأمل الخروج منه
لأنه قريب من المدخل الرئيسي للمدينة.
كان رجال الأمن يعاقبون هذا الحي الذي
خرجت منه أكبر التظاهرات، حاصروه
بالدبابات وحلقت طائرات الهليكوبتر
فوق سمائه، والأم الآن تنتظر رحمة
إلهية تنقذها وابنيها من الموت جوعاً. عادت أصوات اطلاق النار بشكل أعنف، صارت
أقرب إلى أذنها. كانت الستائر مسدلة.
الستائر ذات اللون ألأبيض المطرز
بخيوط ذهبية، تذكر أنها قامت بشرائها
من السوق الشعبي مع زوجها. تذكر الآن
الكثير من التفاصيل، وهي تمسك بأطراف
أصابعها طرف الستارة، تزيحها وتحاول
استراق النظر إلى الشارع. لكن أصوات
الرصاص تقترب. تعود إلى الأريكة، وتضم
طفليها. أصوات صياح رجال علت. أغمضت
عينيها، تعرف هذه الأصوات، تنصت
ثانية، دقيقة صمت، وأصوات أقدام
بالقرب من الباب الخارجي، أصوات وصراخ
من جديد. إنهم يقتربون، تعرف أصواتهم، أهل الحي
جميعاً يعرفون أصواتهم. لم تستطع أن
تحرك قدميها، تحولت إلى تمثال من حجر،
لكنها كانت تستطيع سماع ضربات قلبها
عالياً. ابنها الكبير كان معلقاً في
الفراغ، ما يزال ذاهلاً، ينظر بدهشة،
لا ينطق. حاولت حثه على النطق مراراً،
لكنها فشلت. الإبن الصغير يغيب عن
الوعي. كان كل ما حولها مظلماً لذلك
فكرت في لحظة، أن إغماض عينيها، أو
فتحهما سيكون له نفس النتيجة. (لا أخفي عنكم، وأنا أكتب هذه القصة
الحقيقية التي حصلت في اليوم الخامس من
شهر تشرين الثاني سنة 2011 في مدينة حمص،
عن امرأة استطاعت الخروج من حصار حي 'باب
عمرو' مع طفليها، أني رأيت ذلك الظلام
الذي شعرت به الأم. الآن أنا أرى ظلام
عينيها، ليس ظلاماً أسود، إنه ظلام
غائم بلون ندف القطن الأغبر، مستسلمة
للموت، وهي تسمع قرقعة أصوات الأسلحة
وأقدام الجنود، ورجال الأمن يقتربون
من باب بيتها. فاتني أن أقول الشبيحة
أيضاً، أنا أرى الظلام بشكل واضح، رغم
أن عينيَّ مفتوحتان على أقصى ما يمكن
لهما، لكن أمامي الظلام. أقوم
بمقاطعتكم يا سادة لأثبت لكم مرة بعد
أخرى أن الواقع ليس دائما أقل من
الخيال، وعذرا على التكرار، لكنها
نظريتي التي أحاول برهانها، وأنا أصنع
كتاب الأمهات. ثم أني أسف على مقاطعتي
لكم، سأعود إلى حكاية الأم). كان كل ما حولها غائماً بندف من القطن
الأغبر المندفع من باب البيت، ضمت
ولديها حتى سمعت طرطقة أضلاعها، وهي
تحدق في تفاصيل الغرفة. الغطاء الذهبي
الشبيه بستائر النوافذ، النبتة
الخضراء المعرشة حول النافذة، والتي
بدأت الإصفرار، نبتة 'قلب عبد الوهاب'
المحببة إليها، الآن فقط انتبهت إلى
ذبولها، تحركت قليلاً، وحدقت في
أوراقها المتساقطة على الأرض، كيف
نسيت وجودها؟ تتساءل، تنسى الأصوات
الخارجية، وهي تحدق في أثاث بيتها الذي
بدا وكأن زمناً طويلاً مرَّ على وجوده.
تتطلع وكأنها تكتشف البيت لأول مرة،
تنظرعبر شق الستارة النصفي وتكتشف أن
الخارج يبدو رمادياً، وتلمح من الشق
الصغير ظلالاً خضراء تميل للإصفرار
تتمايل. إنها الشجرة الكبيرة أمام
البناء، تغمض عينيها من جديد، وتهز
رأسها وكأنها تنفض بللاً، لقد نسيت نوع
الشجرة، هل كانت شجرة كينا؟ وهي غارقة في تفاصيلها، سمعت طرقاً
عنيفاً على الباب، تراجعت إلى الخلف،
ونزعت رأسي ولديها من حضنها، وقامت
بهدوء. سمعت فجأة خشخشة ناعمة، وانتبهت
أن في معصميها أساور ذهب، نظرت في
الأساور المبرومة، وكأنها تكتشفها
للمرة الأولى. وحينها خطرت لها الفكرة،
تلك الفكرة التي ستكون كفيلة بإنقاذها
في لحظة ما، لحظة لم تكن لتخطر على بال.
نعم لقد اكتشفت الحل الكفيل بإنقاذها
وولديها: خشخشة الأساور حول معصمها! وقفت بثبات، الطرق يزداد عنفاً، وسمعت
السباب والشتائم. .أثناء وقوفها كانت
الأرض تميد تحت قدميها. استمرت بالتقدم.
فتحت الباب بهدوء، ونظرت بلا مبالاة،
وقف أمامها أربعة رجال يرتدون ثياباً
مدنية، وعلى خصورهم ومن أكتافهم وبين
أيديهم الأسلحة، لم تترك لهم مجالاً
للتحدث، كانت بالكاد تنطق، والجوع
يقرص بطنها: عندي صفقة مربحة إلي
وإلكن؟ خرجت الجملة من شفتيها، وكأن
امرأة آخرى تتكلم، ثم تهاوت على الأرض. بعد أقل من ساعتين كانت المرأة مع طفليها
خارج حدود حي 'بابا عمرو' المحاصر. كانت تحمل طفلها الصغير، وتجر الثاني
جراً. عثر عليها الأهالي في الحي
المجاور. ابنها الكبير ذو السنوات الست
كان جامداً، عيناه مفتوحتان، وشفتاه
مشققتان، والصغير ذو السنوات الثلاث،
غائب عن الوعي. ثم بدأت الكلام عندما
تناولت امرأة منها الصغير الجريح،
ودخلت به إلى بيتها. تدفق الكلام منها
بسرعة وتلعثم، ولم تتوقف حتى وقعت
مغشياً عليها. قالت: 'من يومين ما أكلنا، جوزي طلع من البيت وما
رجع، قصفوا بيت الجيران، أنا شفت
القذيفة بعيني، وشفت زلمة ميت جوا
البيت، الأولاد أكلو فتات الخبز. جوزي طلع وما رجع.. جوزي طلع وما رجع.. وما بعرف وينو، البناية كلها فاضية، شفت
اتنين ماتوا قدامي، شفتون من الشباك،
أنا شفتهون، هيك متل مو شايفتكون.. والله العظيم، الشبيحة أو المخابرات.. ما
بعرف.. ما كانوا لابسين عسكري.. إجوا
عالبيت، عطيتهون صيغتي كلها، أخدوا
الصيغة كلها حتى قبلوا يطلعوني، صيغتي
كلها.. الدهب كلوا من يوم خطبتي.. دهب
بخمسمية ألف ليرة سوري، أخدوها لقبلوا
يهربوني.. والله العظيم شوفوا ابني.. جرحوا التهب، شوفوه ياناس..
شوفوه ياناس بدو مشفى عالسريع.. ابني
شوفوه'. عندما سقطت الأم على الأرض، سقطتُ معها،
أنا المؤلف الذي انتهيت الآن من حكاية
الأم الثالثة، ولم أحصل على صورة لها،
لكني سأغلق ملف 'كتاب الأمهات' وأحاول
رسم صورة لها، لأضعها جانب صورة أم
زينب. صورة قبل محاصرة الحي، واعذروني،
لأني لن أستطيع هذه الليلة أن أتحدث
لكم عن الواقع المتوحش والخيال الآمن.
فالحكاية الرابعة التي تنتظرونها سآتي
بها من نفس الحي، 'بابا عمرو' في مدينة
حمص. وقد فاتني أن أقول لكم أن النثار
الذي جاءت به سلالة إيميساني لم يأت
بمفعوله، كما هو مقدر له من العرافات
المرافقات للعائلة المالكة في بدء
تأسيس المدينة التي تستعد لزلزال جديد.
لا أستطيع حتى التكهن بزمنه، فأنا
مشغول بما تعنيه فكرة الحديث عن الألم،
وهل تحررني منه الكتابة عنه! أجدها
فكرة سخيفة جداً، فالكتابة عن طلقة
رصاصة تجعلها تستقر عميقاً في قلب
الكاتب. أما أنت أيها القارئ، فأترك الرصاصة لك،
رصاصة معلقة في الفراغ، في منطقة
متوسطة، بين فوهة حديدية وبين.. صدرك. ================= النظام السوري يلوذ
بالحرب الأهلية الخميس, 24 نوفمبر 2011 عبدالوهاب بدرخان * الحياة أصبح واضحاً أن دمشق، بصفتها «قلب
العروبة» بالمفهوم التقليدي البائس،
تريد أن تبرهن أن العرب الساعين إلى
التعاطي مع أزمتها هم مجرد هواة عندما
يتعلق الأمر بالمماحكة والديماغوجية.
فالرسائل الحقيقية التي تريد دمشق
إيصالها إلى «من يهمه الأمر» يتولاها
الرئيس بشار الأسد شخصياً. وحين أطلق
اتهامه للجامعة العربية، عبر «الصنداي
تايمز»، ب «التدخل» في شؤون بلاده،
كانت الجامعة قد فرغت من درس تعديلات
طلبت دمشق إدخالها على «بروتوكول
المراقبين» وانتهت إلى رفضها. لا تدويل ولا تعريب بل حل داخلي. هذا هو
القرار السوري، وهو الحل المفقود منذ
اندلاع الانتفاضة الشعبية. أما الحديث
عن «مراقبين» فكان مفيداً فقط لتمرير
ما يكفي من الوقت لقتل بضع عشرات
إضافية من المواطنين، كي يفهم من لم
يفهم بعد أن هذا هو الموقف النهائي
للنظام، وما على الذين يريدون التحادث
معه إلا أن يتمثلوا بروسيا والصين
وإيران و... لبنان واليمن، فيباركوا
صموده وصلابته ولا يبالون بإراقة
الدماء. لو لم يكن هناك منشقّون عن الجيش السوري
لسعى النظام إلى إيجادهم بل إلى خلقهم،
فهم الآن ذريعته للإيحاء بأن «حرباً
أهلية» على وشك أن تشتعل، بعدما انتظر
وتأكد أن حرباً خارجية، أي إقليمية، لا
تبدو متاحة لإخراجه من عثرته الداخلية.
وهو يستخدمها في كل الاتجاهات لمخاطبة
أطراف «المؤامرة»، فمن جهة يقول إن
واشنطن تريد هذه الحرب وتمدّ أطرافها ب
«أحدث الأسلحة»، ومن جهة أخرى يأخذ
التحذيرات الأميركية من حرب أهلية على
أنها شهادة من العدو بأن رؤيته للأحداث
كانت صائبة. ماذا عن الدعوات التي
أطلقتها واشنطن، وسواها، إلى النظام «كي
يقود الإصلاحات»، وماذا عن الفرص التي
فتحت أمامه كي يعالج الأزمة داخلياً
واختار أن يفوّتها جميعاً، ثم إذا كان
يرفض أي تدخل خارجي فما هي السبل
البديلة التي يملكها؟ واقعياً ليس
لديه سوى تحليله الأول الذي قدّمه
الرئيس أمام مجلس الشعب في ذلك الخطاب
الفاشل. فبالنسبة إليه كان ولا يزال
هناك خياران: إما أن تتوقف «المؤامرة»
وإما أن تتوقف الانتفاضة. وإلا فإن
العنف سيستمر... لوقفهما معاً. فهذا
نظام يجب ألا يُزعزع أو يمسّ، ويجب أن
يُقبل كما هو، بعنفه ودمويته. وهذا شعب
اعتاد على الخروج للتظاهر كلما
استدعته الأجهزة ليعبر عن تأييده
للنظام، وطالما أنه خرج عن صمته فقد
وجب إسكاته. بعد الصدمة التي أحدثها «تعليق العضوية»
في الجامعة، وواجهتها دمشق بالتظاهرات
الموالية وباستباحة السفارات وكأنها
هي التي باتت تدعو السفراء إلى
المغادرة استباقاً لاستكمال عزلها
ونبذها، دخل النظام في مزاج «انتصاري»
آخر، مشابه لما استشعره اثر سقوط
التدويل في مجلس الأمن. إذ اعتبر أن
التعريب هو في حقيقته امتداد للتدويل
أو وسيلة للعودة إليه، وما دام العرب
قرروا الذهاب إلى حدّ وضعه خارج
الجامعة، فهذا لا يعني سوى إقفال
التعريب والتدويل معاً. وفي أي حال كان
النظام استعدّ لمثل هذه اللحظة منذ
زمن، إذ مضت عليه أعوام طويلة وهو
يمارس وجوداً شكلياً داخل الجامعة، ثم
أن سياسته الخارجية الموصولة بسياسة
إيران قطعت أشواطاً مهمة في الابتعاد
عن الفلك العربي وصار معنياً
بالاستراتيجية التي يرسمها وينفذها مع
إيران، أو بما ترسمه إيران وبالدور
الذي تحدده له. ففي بعض الأحيان كان
عليه، كما فعل في العراق، أن يغض النظر
عن «النفوذ» الذي يدّعيه أو الذي يملكه
فعلاً، أو أن يرضى حتى بتقاسم غير
متكافئ للأدوار، كما في لبنان، حيث كان
له الدور الأول. ناهيك عن خسارة جزئية
متوقعة لورقة فلسطينية - من خلال حركة «حماس»
- من دون أن تخسرها إيران، أقلّه حتى
الآن... إذاً، فقد أدركت الأزمة النظام
وهو منسلخ تماماً عن الأجندة العربية،
وبالتالي فليس لديه ما يخسره منها
خصوصاً إذا غدت، كما يراها، «مطيّة
للمؤامرة». في الأعوام الأخيرة لم يعد
هناك ما يربط سورية بالعرب سوى إقبال
أعداد معتبرة من السياح إليها، فضلاً
عن استثمارات عربية مهمة تدفقت على
البلد في محاولة غير مجدية، كما اتضح،
لاستمالة النظام والحدّ من ارتمائه
كلياً في أحضان إيران. ثمة مرحلة جديدة تبدأ في الأزمة السورية،
ولعل النظام استعد لها بإضافة سلاح آخر
إلى ترسانته، أنه الحرب الأهلية.
فالتحذير منها والتظاهر بالسعي إلى
منعها، وفي الوقت نفسه بذل ما أمكن
لجعلها حقيقة معاشة، تبدو عناصر
الوصفة الأخيرة لردع أي تفكير في تدخل
خارجي. هناك عمليات حصلت أخيراً ونسبت
إلى المنشقّين، الذين أكدوها ثم
نفوها، وتبين أن طرفاً ثالثاً نفذها.
وهذا الطرف ليس غريباً أو مندسّاً بل
انه على الأرجح صنيعة النظام. ويتوقع
المعارضون ازدياد العمليات المشتبه
بها، بالإضافة إلى اغتيالات لا تركز
على فئة أو طائفة معينة بل ترمي إلى
التخلّص من أشخاص بعينهم وإلى خلط
الأوراق وحقن المجتمع بالمخاوف
والشكوك لإدخاله نهائياً في منطق
النزاع الأهلي، بمختلف أبعاده
الطائفية والمذهبية. فقد يكون الوقت
حان كي تعيد الأجهزة السورية إحياء
الخبرات التي استخدمتها في تأجيج
الحرب الأهلية في لبنان، لكن هذه المرة
على الأرض السورية. انه السيناريو
الجهنمي، سيناريو ستبدو معه جرائم
الشهور الماضية مجرد تسخين لما سيكون.
بل سيناريو يستند فيه النظام إلى «مشروعية»
وهمية لإحكام إغلاق البلد ووضع كل
ترسانته النارية في غمار حرب أهلية
يزكي أوارها فيما هو يرفع شعار صدّها
ومقاومتها، وتحت هذا الشعار يفتك كما
يشاء، بل يفعل كل ما يتخيّله مناسباً
حتى لو كان «دويلة آمنة» لا يتصوّر
لنفسه مستقبلاً من دونها. في حال لبنان كانت سورية اتخذت لنفسها عام
1976 مهمة تحت غطاء مزدوج، عربي ودولي، ل
«إنهاء الحرب الأهلية ومنع مشاريع
التقسيم». أما في حال سورية فليس هناك
أي تصور عمّن يمكن أن يتولّى مهمة كهذه.
لذا تصاعد أخيراً الحديث عن «منطقة
عازلة» أو «ملاذ
آمن»، ما يتطلب بالضرورة حظراً جوياً،
أي قراراً من مجلس الأمن وتدخلاً
دولياً ما، لا تزال ملامحه غامضة حتى
عند تركيا. كان المسعى العربي، وربما
لا يزال، إطاراً يؤمّن دوراً للنظام
السوري أولاً للانخراط في عملية «حماية
المدنيين»، ثانياً لإدخال الأزمة في
مسار «حوار وطني»، وثالثاً - وهو الأهم
- لتأمين فرصة تاريخية للنظام كي يساهم
في وضع حدّ للانزلاق إلى الحرب الأهلية
بدل أن يبدو مندفعاً إلى استدعائها.
لكن سلبية النظام حيال وقف العنف أو
الشروع في الحوار لم تبقِ للأطراف
المهتمة سوى الرهان على المعارضة
ومساعدتها على تنظيم صفوفها وتوسيع
تمثيلها وتوحيد أهدافها وبرنامجها
السياسي تمهيداً للاعتراف بها بديلاً
من النظام الذي تؤكد استعداداته
العسكرية خصوصاً في المناطق الشمالية
الشرقية أنه لم يعد، على المديين
المتوسط والبعيد، معنياً بكل الشعب بل
بفئة منه، ولا بكل الأرض بل برقعة
ساحلية محددة منها. ================= الخميس, 24 نوفمبر 2011 حسان حيدر الحياة أرقام الضحايا في سورية التي توردها
مصادر متعددة تشير الى 50 الف معتقل
ومفقود، وأكثر من ثلاثة آلاف قتيل من
المدنيين والمنشقين عن الجيش. وبين
هؤلاء كثيرون سقطوا ليس فقط برصاص قوات
الامن والجيش، بل أيضاً بيد «الشبيحة»
وتحت التعذيب. اما السؤال الذي وجهته دمشق الى الجامعة
العربية حول معنى تعبير «الشبيحة»
ومصدره، الوارد في صيغة بروتوكول حول
بعثة المراقبين رفضت دمشق توقيعه،
فيجد جوابه في ادانة الجمعية العامة
للامم المتحدة انتهاك حقوق الانسان في
سورية، وكذلك في كلمات المفكر
والعلامة السوري الراحل عبد الرحمن
الكواكبي، الذي كتب قبل اكثر من مئة
عام توصيفاً دقيقاً للحاكم العثماني
ورجاله آنذاك، ينطبق تماماً على الوضع
السوري الحاضر، مع تعديل في الأسماء
والأماكن. يقول الكواكبي في كتابه «طبائع الاستبداد
ومصارع الاستعباد»، إن «الحكومة
المستبدة تكون طبعاً مستبدة في كل
فروعها، من المستبد الاعظم الى
الشرطي، الى الفرّاش، الى كنّاس
الشوارع، ولا يكون كل صنف الا من أسفل
أهل طبقته أخلاقاً، لأن الأسافل لا
يهمهم طبعاً الكرامة وحسن السمعة،
إنما غاية مسعاهم ان يبرهنوا لمخدومهم
بأنهم على شاكلته، وأنصارٌ لدولته (...)
وبهذا يأمنهم المستبد ويأمنونه
فيشاركهم ويشاركونه». ويضيف: «وهذه الفئة المستخدمة (وهي من
تُعرف اليوم بالشبيحة)، يَكثُر عددُها
ويقل وفق شدة الاستبداد وخفته، فكلما
كان المستبد حريصاً على العسف، احتاج
الى زيادة جيش الممجِّدين العاملين له
المحافظين عليه، واحتاج الى مزيد من
الدقة في اتخاذهم من أسافل المجرمين
الذين لا أثر عندهم لدين او ذمة». ولو نظرنا الى «شبيحة» نظام الأسد،
لوجدنا انهم من صنع اجهزة الاستخبارات
المتعددة التي ابتدعها لحماية نفسه من
شعبه، وجنّدهم من بين قبضايات الأحياء
والحارات ومطلوبي الحق العام، وأن
معظمهم لا يخضع لقانون ولا لمساءلة، بل
تغض السلطات الطرف عن تجاوزاته لكي
يردّ لها الدَّين عندما تحتاجه. وهناك
قسم آخر من نزلاء السجون المحكومين
بتهم القتل والسلب والسرقة والتهريب،
الذين أُفرج عنهم بشرط تنفيذ ما يُطلب
منهم وإظهار «حسن ولائهم» للضابط الذي
«توسط» لإطلاقهم. وسواء تعلق الأمر بجهاز او بأشخاص، فإن
للاستبداد على الارجح صلة بطبائع حزب «البعث»
وأنصاره، كما لدى معتنقي أيِّ فكر بني
على اساس سيادة العرق او القومية او
النسب، فلا يجيدون غير تقسيم الناس بين
«وطنيين» و «خونة» وإخضاعهم لميزان «معنا
او ضدنا»، وهو ما برع به «البعث»
السوري ولم يشذ عنه الفرع العراقي. حتى في شعاره السياسي الرئيسي، قدّم «البعث»
مفهوم الوحدة على الحرية، أي دعا إلى
إتمامها بين «الأقطار» ولو قسراً، من
دون ترك الحرية لشعوبها لتقرر ما تريد،
وهو ما حاول الفرع السوري تطبيقه في
لبنان، عبر قضم متدرج لسيادته
ومؤسساته ودوره. أحد اعتراضات نظام دمشق على عمل
المراقبين المقترحين كان رفضها السماح
لهم بزيارة السجون والمستشفيات. لكن لو
قُدّر لأي لجنة عربية او دولية لحقوق
الانسان ان تدخل يوماً السجون السورية
لعثرت بالتأكيد على آلاف المواطنين
السوريين والعرب الذين اختفى أثر
بعضهم منذ عشرات السنين وزُجّ بهم في
زنزانات مظلمة بلا محاكمات، ولا تُعرف
أسماؤهم، حتى سجانوهم لا يعرفونها،
ولا يهمهم ذلك، بل يكتفون بتنفيذ
الأوامر بإبقائهم على حافة الحياة، لا
يسأل عنهم أحد ولا يسمح لأحد بذلك، ولا
يغادرون سجنهم إلا إلى المقابر. ================= الأردن وسوريا..
المواجهة العسكرية مستبعدة لكن
العمليات الإزعاجية واردة!! صالح القلاب الشرق الاوسط 24-11-2011 لم يتوقع الأردن إطلاقا أن يبادر نظام
بشار الأسد إلى الرد على تصريحات الملك
عبد الله الثاني إلى هيئة الإذاعة
البريطانية ال«B
B C»، بالتصعيد على نحو ما جرى،
وأن يُرسل مجموعات من «الأوباش» و«الزعران»
لاحتلال السفارة الأردنية في دمشق،
وإنزال علم الأردن من فوقها وإحراقه في
احتفال همجي تخللته شتائم بذيئة
ومخجلة، ورفع علم حزب الله مكانه. ولم يتوقع الأردن، الذي بقي رسميا يتعامل
مع أحداث سوريا وتطوراتها المتلاحقة
بحذر شديد، والذي حرصا على هذا البلد
العربي المجاور والمتداخل معه جغرافيا
وديموغرافيا، نصح بشار الأسد منذ
البدايات، وقبل أن تصل الأمور إلى ما
وصلت إليه، بأن يتجنب العنف في التعامل
مع شعبه، أن توعز المخابرات السورية ل«أزلامها»
في لبنان بأن يشنوا حملة إعلامية عبر
فضائيات «الممانعة»!! وصحفها على
المملكة الأردنية الهاشمية، وأن يهدد
حزب الله الأردنيين بأن لديه خلايا
نائمة في بلادهم، وأن هذه الخلايا سوف
تستيقظ في اللحظة المناسبة. كان الأردن يتوقع أن يتفهم بشار الأسد أن
العاهل الأردني قد أدلى بالتصريحات
التي أدلى بها لهيئة الإذاعة
البريطانية ال«B
B C»، لأنه أدرك أبعاد ما يجري،
ولأنه لديه معلومات مؤكدة بأن الأخطار
التي تهدد سوريا هي حقيقية وفعلية، وأن
التدويل قادم لا محالة، وأنه قد يصل
إلى استخدام القوة العسكرية، إن لم
يستجب الرئيس السوري لرغبة شعبه
ويتنحى عن مواقع المسؤولية بعدما
يتأكد من أن النظام الذي سيخلف نظامه
سيستجيب لكل هذه الدعوات الإصلاحية
ويأخذ البلاد إلى مرحلة استقرار غير
المرحلة الحالية. وحقيقة أن الأردنيين حتى قبل أن يرد
النظام السوري على تصريحات العاهل
الأردني هذه الآنفة الذكر بالمبادرة
إلى إرسال «شبيحته»، حيث هناك معلومات
تشير إلى أن بعضهم من مقاتلي حزب الله
اللبناني، قد شعروا أن ما قاله بشار
الأسد وكرره مرارا بأنه سيزلزل
المنطقة وسيشعلها بالحرائق إذا تعرض
نظامه لأي أخطار فعلية، كان موجها
إليهم وإلى بلادهم، وأن المقصود بهذه
التهديدات ليس إسرائيل، التي قال رامي
مخلوف إن أمنها من أمن سوريا، وبالطبع
ليس تركيا التي تعتبر دولة عظمى
بالنسبة لدول الشرق الأوسط، وإنما
الأردن بالدرجة الأولى ولبنان في
الدرجة الثانية، وبعض دول الخليج
العربية التي يعتبرها مجالا حيويا
لعمليات فيلق القدس الإيراني الأمنية. والسؤال الذي من المفترض أنه تبادر إلى
أذهان كل من سمع هذه التهديدات، وبخاصة
الأشقاء العرب، هو: على ماذا يعتمد
بشار الأسد ليطلق كل هذه التهديدات
التي أطلقها ضد الأردن.. هل على صواريخه
المكدسة في مستودعاتها ولم يلجأ إلى
استخدامها حتى عندما دمر الإسرائيليون
منشآت سوريا النووية، وحتى عندما خرقت
الطائرات الإسرائيلية حاجز الصوت فوق
قصره في القرداحة، أم على حزب الله، أم
على الصواريخ الإيرانية، أم على فرع
حزبه في الأردن، أم على بعض الفصائل
الفلسطينية التي يقيم قادتها في دمشق،
والتي أنشئت أساسا لتكون بنادق وكواتم
صوت للإيجار وبقيت المخابرات السورية
تحتفظ بها لهذه الغاية ومن أجل هذه
المهمة..؟!. وهنا فإنه لا بد من الإشارة إلى أن القوات
السورية قد دخلت الأراضي الأردنية
ثلاث مرات على مدى كل هذا التاريخ
الطويل؛ المرة الأولى في عام 1956 حيث
كان الهدف الذي لم يتم ولم يتحقق
الالتحاق بالمعركة القومية خلال
العدوان الثلاثي على مصر وقناة
السويس، والمرة الثانية، وكان يومها
حافظ الأسد هو وزير الدفاع، خلال أحداث
سبتمبر (أيلول) عام 1970، والثالثة خلال
حرب يونيو (حزيران) عام 1967، وكان السبب
هو ضرورة تعزيز الجبهة الأردنية خوفا
من أن يقوم الجيش الإسرائيلي بحركة
التفافية ليصل إلى السويداء وجبل
العرب ويستكمل تطويق دمشق من الجهة
الشرقية، أما بالنسبة للأردن، فإن
قواته لم تدخل الأراضي السورية إلا مرة
واحدة كانت خلال حرب أكتوبر (تشرين
الأول) عام 1973 حيث أرسل الملك حسين،
رحمه الله، أهم ألوية الجيش العربي (الأردني)
إلى خطوط القتال على جبهة الجولان
ليحمي ميسرة الجيش السوري وليدافع عن
العاصمة السورية التي كانت تستهدفها
القوات الإسرائيلية الغازية. إنه غير متوقع على الإطلاق أن تصل الأمور،
ومهما حصل، إلى حد الصدام العسكري بين
بلدين شقيقين متجاورين، إذ إن ما هو
مؤكد أن الجيش السوري الذي أصبح
مستنزفا بعد أن دفع لمطاردة أبناء شعبه
في كل المدن والقرى السورية على مدى
الثمانية شهور الماضية، لن يقبل بأن
يدخل حربا مع دولة مجاورة شقيقة، ومن
دون أي سبب وأي مبرر، ثم، وهذه حقيقة
تعرفها الدوائر العسكرية في كل الدول
المعنية، إن الجيش العربي (الأردني)
يحتل المرتبة التاسعة عشرة من بين جيوش
العالم، فهو جيش محترف، معنوياته
عالية، ومعظم قواته محمولة، ومن هنا
فإن الإشارة إلى هذه الحقائق التي
يعرفها الأشقاء السوريون أيضا يجب ألا
تفهم على أن المقصود هو عرض العضلات أو
التحرش العسكري، فسوريا هي الشقيقة
الأقرب، وجيشها هو جيش عربي لا نتمنى
أن يدفعه نظامه إلى أي امتحان مع أي جيش
شقيق. لكن وفي حين أن أي مواجهة عسكرية مستبعدة،
حتى وإن أرادها بعض أصحاب الرؤوس
الحامية من المسؤولين في نظام الرئيس
بشار، فإن ما هو غير مستبعد أن يلجأ هذا
النظام إلى دفع بعض الفصائل
الفلسطينية، التي هي بنادق للإيجار
أصلا والتي لا علاقة لها بالعمل الوطني
الفلسطيني، وحركة المقاومة
الفلسطينية (حماس) ليس من بينها
بالتأكيد، وأيضا دفع حزب الله إلى
القيام ببعض العمليات الإرباكية
والإزعاجية في الأردن إذا تطورت
الأمور في سوريا لتصل إلى ما هو متوقع،
وإذا استجاب الأردنيون لأي قرار عربي
جماعي مُساند لأي جهد دولي لإنقاذ
الشعب السوري مما يتعرض له من مذابح
يومية، وبخاصة لجهة إنشاء مناطق محمية
جوا وأرضا لاستيعاب الفارين السوريين
على الحدود الأردنية - السورية، وعلى
الحدود السورية - التركية. إن هذا هو مجرد افتراض، ولكنه افتراض من
الممكن أن يتحول إلى حقيقة إذا اتخذت
الأمور في سوريا منحى التدويل وبقي
النظام يركب رأسه على هذا النحو وإذا
تطورت الأوضاع وأصبح لا بد من إنشاء
مثل هذه المناطق المحمية، وحقيقة فإنه
غير مستبعد أن يلجأ بشار الأسد إلى كل
ما هو غير معقول وغير متوقع إذا أحس
بأنه لم يعد أمامه إلا الانتحار، و«علي
وعلى أعدائي»، ومن بين هذا الغير معقول
وغير متوقع هو دفع فصائل بنادق للإيجار
التي هي فلسطينية بالاسم ومن قبيل
التمويه فقط، ودفع حزب الله أيضا إلى
استهداف الأردن ببعض العمليات
الإرباكية والتشويشية. إنه غير متوقع أن يقبل فرع حزب البعث
السوري في الأردن بمثل هذه المهمة وهو
ليس لديه القدرة أساسا للقيام بمهمات
كهذه حتى وإن توفرت لبعض أعضائه مثل
هذه الرغبة، وهذا ينطبق على الأحزاب
الأخرى التي تقول إنها قومية ويسارية
والتي تبدي تعاطفا معلنا مع نظام بشار
الأسد، والتي كلها من دون استثناء مجرد
تشكيلات متواضعة عُدة وعددا، لكن ما هو
متوقع فعلا هو ما تمت الإشارة إليه
آنفا، وهو دفع بعض الفصائل الفلسطينية
المقيمة في دمشق، وليس من بينها حركة
حماس، ودفع حزب الله إلى القيام ببعض
العمليات الإرهابية الإزعاجية، خاصة
أن هناك معلومات عن محاولات لاختراق
الحدود الأردنية من الجهة السورية
ببعض المتسللين من هذه التنظيمات
المشار إليها وببعض المتفجرات
والأسلحة الفردية المزودة بكواتم
صوتية. ===================== أهل الحل والعقد ...
وانتخاب المجالس التأسيسية الحياة - السبت, 19 نوفمبر 2011 محمد زاهد جول * عرفت كتب الأحكام السلطانية مصطلح أهل
الحل والعقد بوصفهم الجهة التي تباشر
مبايعة الخليفة الجديد بعد موت
الخليفة السابق أو قتله أو عزله، وتحت
مفهوم أهل الحل والعقد تم تشكيل نظرية
الإمامة في الفكر السياسي لأهل السنة
والجماعة، التي تقوم على مبدأ
الاختيار مقابل مبدأ الوصية، الوصية
التي تقول بها النظرية الشيعية
السياسية، والتي تجعل الإمامة حقاً
إلهياً لا علاقة لدور الناس فيه، وخلال
ثلاثة عشر قرناً من الحكم السلطاني في
التاريخ الإسلامي لم توضع الخطط
النظرية ولا العملية لكيفية اختيار
أهل الحل والعقد أنفسهم، حتى يكون مبدأ
الاختيار للخليفة عائداً إلى جماهير
المسلمين فعلاً، أي أن مبدأ الاختيار
لم يطبق عملياً، وبقي مبدأ الاختيار
نظرية فقهية سياسية مقابل نظرية أخرى
تقول بالوصية فقط، إلا أن يكون أهل
الحل والعقد في نظر البعض من الوجهاء
أو القضاة أو الفقهاء أو العلماء أو
كبار القواد والعسكر الذين كانوا
مقربين من الخليفة السابق، والتابعين
لديوانه وبلاطه ومنحه وأعطياته،
وبالأخص إذا كان المبايع الجديد هو ولي
العهد للخليفة السابق، سواء كان ابناً
أو أخاً، وربما كان بعضهم من وجهاء
المدن أو زعماء العشائر والقبائل أو
كبار التجار والدهاقين أو أشباههم،
بما يملكون من مكانة اجتماعية من دون
أن يكونوا مختارين من الناس أنفسهم،
ولذا لم يكن دور أهل الحل والعقد
يتجاوز دور المبايعة لمن يرث منصب
الخلافة أو السلطنة أو الإمارة، فقد
كان مبدأ الوراثة الأسرية هو المعمول
به فعلاً في التطبيق الفعلي لاختيار
الإمام الجديد. ولم تذكر كتب التاريخ ولا كتب الأحكام
السلطانية أنه كان يوجد مؤسسة ثابتة
ومعروفة تجمع أهل الحل والعقد في مكان
واحد مثل مقار المجالس النيابية أو
مجالس الشعب أو البرلمانات في العصر
الحديث، ولا أنه كان لأهل الحل والعقد
دور في إدارة شؤون الخلافة أو السلطنة،
لا في موافقة ولي الأمر ولا في مخالفته
أو الاعتراض عليه، فقد كانت السلطة
فردية ومطلقة في كل مراحل الحكم في
التاريخ الإسلامي باستثناء حالات
نادرة، لم يكن فيها دور أهل الحل
والعقد قوياً، وإنما كان الخليفة نفسه
يميل إلى الشورى والتشاور بسبب ورعه أو
تقواه أو عدله، أي أن الأمر كان يعود
للحاكم في أن يلزم نفسه بالشورى، وليس
لأهل الحل والعقد سلطة عليه فهو ولي
الأمر الذي يسمع ويطاع، ولذلك لم يبرز
في التاريخ السياسي الإسلامي دور كبير
لمفهوم الشورى الملزمة للخليفة، لأنه
لم يكن هناك من يستطيع أن يلزم ولي
الأمر بأي رأي، سواء وافقه أو خالفه،
وعدم وجود الجهة التي تلزم الحاكم برأي
مخالف لرأيه، سيجعل الشورى اختيارية
وغير ملزمة، فإن أراد الحاكم أن يستشير
فله الحق في ذلك من دون أن يلزمه بها
أحد، وهذا عائد إلى زهده وتقواه، وليس
لإلزام قانوني في البيعة، وإن نصت من
الناحية القولية والعملية على العمل
بكتاب الله وسنة رسوله، فإذا أراد
الحاكم بعد المشاورة أن لا يأخذ بالرأي
المشار به عليه فهذا حقه، طالما أن
الشورى غير ملزمة في نظر جمهور فقهاء
الأحكام السلطانية. ولذا فإن المجالس النيابية في العصر
الحديث والتي تمثل سلطة مستقلة عن
السلطة التنفيذية والسلطة القضائية،
يمكن أن تكون أفضل تطبيق لمبدأ الشورى
في الشريعة الإسلامية، وكذلك الأعضاء
المنتخبون بالاقتراع المباشر في
صناديق الانتخاب يمكن أن يكونوا أفضل
تطبيق لمبدأ أهل الحل والعقد في
النظرية السياسية الإسلامية
التراثية، وبسبب هذه الوجاهة المقبولة
من قبل المسلمين التواقين لتطبيق
الشورى في الحكم، سارعت العديد من
الدول الإسلامية إلى الأخذ بمبدأ فصل
السلطات، فصل السلطة التشريعية
البرلمانية عن السلطة التنفيذية،
وكلاهما عن السلطة القضائية، حتى لا
تستبد السلطة التنفيذية بالبرلمان ولا
بالقضاء، وسنوا القوانين التي تفصل
السلطات وجعلوا الدستور العام للدولة،
ودعوا إلى اختيار أعضاء المجلس
النيابي من الشعب عن طريق الانتخابات
المباشرة، ليكون له دور السلطة
التشريعية والرقابية وإقرار الدستور
وتعديلاته والقوانين التفسيرية
الملحقة به. وبالنظر إلى مكانة الشورى في الإسلام
نفسه لم تقف نظرية الفقه السياسي
التراثية عائقاً أمام الشعوب
الإسلامية في انتخاب هذه المجالس
النيابية في العصر الحديث، سواء كانت
ذات مرجعية فقهية سنية أو شيعية، لأن
كلا المدرستين كانتا تفتقر في
مراجعهما السلطانية إلى المؤسسات
السياسية التي تفسر عملياً مبدأ
الشورى ومبدأ الاختيار في الإمامة،
ولقد وجدت بعض الدول الإسلامية أنها
ومن خلال مبدأ فصل السلطات إنما تطبق
مبدأ الشورى بالمفهوم القرآني الأصلي،
وكثرت الاجتهادات السياسية الحديثة في
التقريب بين الشورى الإسلامية
والديموقراطية السياسية، على أساس
أنهما وإن لم يتفقا على كل شيء فإنهما
لا يتعارضان في كل شيء أيضاً، وقد شهد
العالم الإسلامي محاولات تطبيقية عدة
لهذا التقارب من أبرزها التجربة
الباكستانية والماليزية والتركية
والإيرانية واللبنانية، ولكن من دون
أن تكون إحداها هي التجربة النهائية،
ودول الربيع العربي اليوم هي أمام خوض
تجارب في هذا الاتجاه. إن الفرصة التاريخية التي توافرت للعرب
وللمسلمين بعد ثورات الربيع العربي
المعاصر تفتح المجال أمامهم لتطبيق
مبدأ الشورى سواء استعملوا كلمة
الديموقراطية أو رفضوه بوصفه أجنبياً،
وهي تفتح المجال أمامهم لتطبيق مبدأ
الاختيار، سواء استعملوا مصطلح أهل
الحل والعقد أو رفضوه بوصفه تراثياً،
المهم أن يدركوا الفرصة التاريخية وما
قدمته لهم فعلاً هو تقدم كبير، لا بد أن
يستفيدوا منه، وأن لا يكرروا أخطاء
الماضي بالتنظير لمبدأ الاختيار من
دون تطبيق، ولا أن يكرروا دعاوى الماضي
بأن الإمامة لا تنعقد إلا بمبايعة أهل
الحل والعقد، من دون أن يكون لهم دور
حقيقي في البيعة إلا المصافحة
والمباركة والأعطيات، وأن لا يكرروا
أخطاء القرن الماضي في انتخاب مجالس
نيابية ومجالس شعب وبرلمانات شكلية من
دون أن يكون لها سند حقيقي عند الناس،
ولم ينتخبها الناس فعلاً، وإنما
أفرزتها أجهزة النظام الأمنية
بالتزوير والخداع وشراء الذمم
والأصوات، إن الفرصة التاريخية
المعاصرة تعطي للعرب والمسلمين ولأول
مرة منذ ثلاثة عشر قرناً فرصة تاريخية
كبيرة لأن يطبقوا مبدأ الشورى فعلياً،
وأن ينفذوا مبدأ الاختيار عملياً، وأن
ينتخبوا أهل الحل والعقد الحقيقيين،
وبالأخص في المرحلة التي يجرى فيها
اختيار أعضاء المجالس التأسيسية، التي
تصوغ الدستور وتسن القوانين وتضع
التشريعات الدستورية، فهذه
الانتخابات تمثل مرحلة تأسيسية لمرحلة
قادمة، ينبغي أن تمنح الناس فرصتهم لأن
يتساووا مع شعوب العالم الحر بل
يتفوقون عليه، في الحرية والعدالة
الاجتماعية والمشاركة السياسية،
وتبادل السلطة سلمياً وبصدقية وكفاءة،
سواء كانت انتخابات سلطة تشريعية
تأسيسية أو برلمانية أو رئاسية، وأن لا
يترددوا في المشاركة الفاعلة
والصادقة، طالما أن قطار الحرية عندهم
قد انطلق، وأن المطلوب أن يستقل قطار
الحرية أحرار غير الذين عرفتهم البلاد
في عهود الظلم والاستبداد. * كاتب تركي ------------------------ المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |