ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الخميس 01/12/2011


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

حبل الكذب قصير

د. رحيّل غرايبة

2011-11-30

العرب اليوم

حبل الكذب قصير, وأحياناً يكون قصيراً جداً, لا يستمر بضع ساعات, في ظل تطور العلم وتكنولوجيا الاتصال, ولسهولة التوثيق وجودة أدوات كشف الحقيقة, وآلات فحص الروايات والحبكات..

قد تصل درجة الإتقان في الرواية المكذوبة الى ذلك الحد الذي ينطلي على السذج والبسطاء, لكن مهما وصلت درجة الإتقان في الحبل الكاذب, سوف تبقى هناك نقاط ضعف, ومواضع خلل, ومشاهد متناقضة تفضح المستور وتكشف الغطاء عن الأكذوبة العارية في الرواية المصنوعة.

لم يمض وقت قصير على المؤتمر الصحافي الذي عقده وزير الخارجية السوري (وليد المعلم) وهو يتكلم برزانة وهدوء وتصنع الثقة الزائدة ليعرض شريطاً يضم مشاهد قتل مروعة لجماعات إرهابية, في جسر الشغور وفي مناطق درعا, زعم " (المعلم ), أنها ضد جنود في الجيش السوري, تجاهلتها القنوات الفضائية المشهورة بالتحريض وعرض المشاهد المجتزأة حسب رأيه, ولكن تجاهل قاعدة (حبل الكذب قصير) عند المعلم وأنصاره أوقعهم بالمصيدة.

أصبح المعلم في وضع لا يحسد عليه, عندما تم بيان تلك اللقطات بعد وقت قصير أنها وقعت قبل سنوات في لبنان, وان صورة الضحية كانت لعامل مصري تم قتله اثر حادث مؤسف في إحدى المناطق اللبنانية على خلفية شجار عائلي, وخرج الأشخاص الذين ظهرت صورتهم بوضوح في فيلم المعلم, ليعلنوا الحقيقة ويكشفوا الطابق, ويجب توجيه سؤال كبير آخر للنظام السوري وأنصار رواية القتل من طرف ثالث, لماذا لم ولا تتعرض مظاهرات التأييد للرئيس السوري وهي كثيرة العدد للاعتداء من هذا الطرف المزعوم, ولم يسجل حتى الآن وقوع قتيل واحد في مظاهرات التأييد والمناصرة للرئيس مع أنها صيد ثمين!!

المسار السوري مسار مقلق ومرعب, وتطور المشهد الدموي على الساحة السورية ينذر بولايات خطيرة على مستقبل الشعب السوري ومستقبل الدولة السورية, وعلى مستقبل المنطقة والإقليم بشكل عام, مما يستوجب طريقة للمعالجة مختلفة تماماً عما قررّه النظام من المضي قدما في استخدام العنف والقتل والاعتقال والتخويف والإرهاب, لان الشعب السوري كسر حاجز الخوف, وقطع نصف الطريق نحو نزع الشرعية عن النظام القائم, وان حجم القتل وكمية الدماء المهدورة من الشعب السوري المسالم, جعلت بقاء النظام أمراً مستحيلاً وضرباً من ضروب الخيال.

ان استمرار النظام بالخيار الدموي, يدفع سورية نحو التدخل الدولي دفعاً, ويدفع مجلس الأمن للتدخل قسرا وهذا أمر مرفوض بكل تأكيد عند الغالبية الساحقة من العرب والمسلمين, ولكن بعد مضي ما يقارب ثمانية أشهر أو أكثر على تفرد النظام وإصراره على المعالجة بهذا الأسلوب الوحشي, غير المجدي وغير المثمر, الذي لا ينمّ عن حسن اعتبار لما حدث ويحدث في الدول العربية الأخرى, فانه يدفع الأطراف الإقليمية جميعها إلى البحث عن حلول للمشكلة المتفاقمة, ويفتح المجال أمام القوى الدولية للتدخل.

ما ينبغي التوافق عليه, أن سورية الدولة والشعب أهم من النظام واهم من الحزب كما ينبغي التوافق على ضرورة تلبية مطالب الشعب السوري المشروعة بالحرية والكرامة والإرادة والديمقراطية, واسترداد السلطة ووضع حد للتفرد بالسلطة والمقدرات من قبل الحزب الأوحد لمدة تزيد على نصف قرن من الزمان.

الحل: أن يسارع النظام الى اتخاذ قرار سريع وحاسم بوقف حمام الدم, والكف عن القتل والاعتقال والملاحقة, وسحب قوات الجيش كلها من المدن, وإطلاق سراح المعتقلين جميعاً, واستدعاء الجامعة العربية من اجل التنازل الطوعي السلمي عن السلطة لجهة يتم التوافق عليها من شخصيات سوريّة محترمة من المعارضة وغير المعارضة, لتشكل حكومة إنقاذ وطني. من اجل الحفاظ على سورية دولة وشعباً وأرضاً ومقدرات, والتهيئة لانتخابات عامة نزيهة لمجلس تأسيسي يضع دستوراً جديداً للبلاد ويهيء لبناء دولة سورية الديمقراطية المدنية الحديثة التي تتسع لكل السوريين بلا استثناء.

وبغير ذلك فان النظام يدفع بالبلاد والعباد الى مستقبل مجهول واحتمالات التدويل المرفوضة اذا أصر على تجاهل مطالب الشعب السوري الثائر, واستمر في الخيار الدموي.0

=================

المخاض العسير

د. علي الطراح

تاريخ النشر: الأربعاء 30 نوفمبر 2011

الاتحاد

علينا ألا نشعر بالانزعاج مما يحدث في بلاد الربيع العربي، فالفوضى التي تعيشها هذه البلاد ظاهرة طبيعية؛ فالتحولات كبيرة، وهي أكبر مما تستوعبه الأطر القائمة. وبكل تأكيد فإن لدينا قوى كبيرة ومتماسكة لا تريد النجاح لهذا الربيع، وهي قوى تراهن على الفوضى لتثبيت مواقعها. فمصر دولة محورية والتحول فيها تهديد لمحاور أخرى صعدت خلال انشغال مصر بهمومها الداخلية. وليبيا تدخل نفق النزاعات التقليدية، وهي مرحلة قد لا تكون شراً كلها. والأهم أن الرهان على ركود المياه هو رهان خاسر، فهناك متغيرات عالمية، منها توحد ثقافي يدفع القوى الشبابية للإصرار على مطالبها، فهم الغالبية في مجتمعاتنا، لذلك علينا أن نتوقع مزيداً من المواجهات والعثرات في بلاد الربيع العربي، وألا ننزعج مما يحدث لأننا نؤمن بضرورة التغير الإنساني واستحقاقه.

واليوم ثمة مطالب عادلة تتجسد في الكرامة الإنسانية الغائبة في معظم مجتمعاتنا العربية، فهي المحرك لما يحدث. فالمطالب تتجه نحو صياغة وثيقة تنظم الحكم، وتحدد المسؤوليات والواجبات، وتحد من الانفراد بالسلطة، وتقلل من الفساد، وتعزز الكرامة الإنسانية... فالدساتير الممنوحة لم يعد لها مكان، وهي تؤجل الصراع ولا تحله، لذلك لا مفر من مواجهة الواقع والتعامل معه بعقلانية. وبكل تأكيد فهذه فترة مخاض عسير، حيث تم عزل مجتمعاتنا عن التفاعل العالمي لعقود طويلة، واليوم نواجه بمطالب قد يقف الكثيرون ضدها، حيث تتحكم بعض القيم المنفرة من التغيير والتجديد وتدعو للصبر على مرارة الظلم في ظل أجواء توفر لنا حماية نفسية مزيفة بينما نشعر بالقلق المربك وبحدة الصراع الداخلي بين الرغبة في الدفع بالجديد وبين الإمساك بواقع الاستبداد.

قال الجابري في أحد كتبه "إن الديمقراطية في الوطن العربي، هي اليوم أكثر من أي وقت مضى ضرورة، لا من أجل التقدم وحسب، بل من أجل الحفاظ على الوجود العربي ذاته". بمعنى أن وجودنا مهدد بغياب الديمقراطية، ومطالب شبابنا مشروعة وتحقيقها يفرضه الواقع العالمي الجديد. فالربيع العربي ليس ظاهرة عربية فحسب إلا بقدر ما هو انكسار عالمي أصاب طموحات الشباب، وهؤلاء يتعاضدون بمطالبهم وإن اختلفت مشاربهم الثقافية، لكنهم يشعرون بالتهميش، وهم اليوم ينتفضون لحقوقهم ويحلمون بمجتمعات إنسانية تحفظ كرامتهم.

نحن اليوم لا نواجه سلطة الحكم بقدر ما نواجه سلطة الثقافة العربية المستبدة، وهي ثقافة ضاربه بجذورها، والمواجهة لن تكون هينة. ورغم غيوم اليأس التي تملأ سماءنا، فإن قوة التغيير تندفع ولن توقفها قوة الاستبداد. فما نلاحظه من تحالفات بين الحكم والقوى "الوطنية" التقليدية هو نتاج لثقافة الاستبداد، وهذه القوى ما هي إلا نتاج لبيئة تخاف التغيير كما تخافه السلطة. علينا أن ندرك بأن الديمقراطية لا تتحقق بين ليلة وضحاها، وهي ليست صيغة جاهزة نستوردها بقدر ما هي تحولات تدريجية تتطلب العمل الدؤوب نحو تغيير ثقافة مستبدة هيمنت على مجتمعاتنا لعقود من الزمن. ولعل ما نشاهده اليوم من صراع في المشهد المصري بين القوى الشابة والتقليدية قد يبني مستقبلاً جديداً تتحقق فيه كرامة الإنسان.

=================

الحل العربي والتدويل

رأي البيان

التاريخ: 30 نوفمبر 2011

البيان

يخطئ من يعتقد أن جامعة الدول العربية هي المسؤولة عن فشل التوقيع على البروتوكول الذي يتضمن خريطة طريق للخروج من الأزمة السورية. أو أن العرب يشنون حربا اقتصادية ضد دمشق وأن دوافع خارجية تحركهم.

والحقيقة هي أن العرب لا يكنون لسوريا إلا مشاعر أخوية، وتمنيات صادقة بأن تتجاوز محنتها وتخرج منها بأقل قدر من الخسائر الممكنة. وكلنا يدرك أن تدخل الجامعة أتى ليقطع الطريق على تدويل الأزمة السورية، التي دخلت إلى أروقة الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي.

ولو أمعنا النظر في المبادرة العربية فسنجد أنها تقدم حلاً مرضياً لجميع الأطراف، قد يكون المخرج الوحيد السليم من الأزمة، في ظل الظروف والمعطيات الدولية المتوافرة، فالمبادرة تركز على الحل العربي، ولا تلزم السلطات السورية بأي التزامات مسبقة مثل التنحي عن الحكم، أو أي جدول زمني، بل ما تطرحه هو تهيئة الأجواء لبدء حوار بين السلطة والمعارضة، دون الدخول في حيثيات ومآلات هذا الحوار. أما الخطوات التي تسبق هذا الحوار، والتي رأى فيها بعضهم انتقاصاً من السيادة السورية، فهي خطوات مجربة في أكثر من بلد، ولعل سوريا نفسها ساهمت في مثل هذه الخطوات في السابق، عندما ألمت ببعض الأقطار العربية مصائب.

لا ينتقص من سيادة بلد حضور مراقبين مستقلين، فالبلد الواثق من نفسه ومن معلوماته التي يطرحها عبر وسائل الاعلام، لا يضيره تواجد مراقبين، مهمتهم رصد الانتهاكات أياً كان مصدرها.

ولا ينتقص من سيادة بلد أن يسمح لوسائل الاعلام بحرية الحركة والعمل، فوسائل الاعلام موجودة في جميع أصقاع الأرض، والعاملون فيها يغطون الأحداث في أكثر مناطق العالم اشتعالاً، بل على العكس تحرض الأنظمة والدول على استقطاب أكبر عدد من وسائل الاعلام لأنها تساهم في توضيح الصورة على حقيقتها، مهما كان بين العاملين في هذه الوسائل مندسون

أو منحازون أو مفبركون.

الجامعة لا تضمر لسوريا أية نية سيئة، والدليل على ذلك أنها تركت الباب مفتوحاً للحل، وفي الوقت الذي ترتأيه السلطات السورية مناسباً للتوقيع على البروتوكول.

=================

تهافت حديث المؤامرة في الإعلام السوري

الدكتور عبدالله تركماني

المستقبل

30-11-2011

في عصر المعلوماتية والفضائيات المفتوحة على حقائق الصور المعبّرة يبدو واضحاً، منذ بداية اندلاع الثورة الشعبية المطالبة بالحرية والكرامة والمواطنة في 15 مارس/آذار الماضي، أنّ إصرار السلطة السورية على استبعاد وسائل الإعلام العربية والدولية من الحضور، وكذلك منع منظمات حقوق الإنسان الإقليمية والدولية من رصد الانتهاكات في المدن السورية، وإصرارها على شروط تعجيزية إزاء خريطة الطريق العربية التي تقوم على إرسال 500 مراقب عربي لمعاينة الحالة السورية، وعلى أن تكون الراوي الوحيد والمعتمَد على ما يُرتكب من فظائع الشبّيحة وقوات الأمن، تعني أنها ترتكب من الآثام الكبيرة والجرائم المروعة مما لا تريد له أن يصل إلى العرب والعالم الخارجي فيُفتضح أمرها وتتأكد جرائمها، وتفتقد شرعيتها، وتدنو ساعة رحيلها.

إذ فور اندلاع الحراك الشعبي بادرت الماكينة الإعلامية باعتماد نظرية المؤامرة، وهي نظرية لا تغيب عن الأدبيات السياسية السورية الرسمية إلا لتطل كلما لاحت بوادر أزمة ما (من شروطها على خريطة الطريق العربية أن تدرس الملف الأمني لكل المراقبين ال 500)، كما أنها تنفق الكثير من وقتها وأموالها وكوادرها لتضليل الناس والتشويش على الإعلام الحر: تبتدع شهود عيان مزورين، وتنتج مواد مصورة ملفقة، وتضع واجهات مراكز دراسات استراتيجية لتسويق نظريتها في وسائل الإعلام العربية والأجنبية.

لقد خسرت السلطة الأمنية معركتها الإعلامية، إذ أنها لدلالة رمزية بالغة الأهمية أنه لأول مرة في تاريخ سوريا المعاصر يستطيع إعلام الثورة الشعبية أن يفضح الإعلام الرسمي ويهزمه بأدوات بسيطة، ولكنها عصرية وذكية وماهرة وذات مصداقية عالية. فقد امتلك الثوار الشباب الأداة التي تمكّنهم من نقل صورتهم وصوتهم على نحو لم تعد فيه هذه الصور داعمة لخطاب أيديولوجي ما، بل باتت هي الخطاب في حد ذاته. وهكذا فالعالم اليوم يعرف حقيقة ودموية وفظائع ما تقوم به السلطة وأمنها وشبّيحتها ضد الشعب السوري الموحد والمسالم، ولذلك لم يعد في إمكان العديد من دول العالم تجاهل ردود فعل شعوبها.

كما أنّ الشريط الذي قامت بتنفيذه الصحافية البريطانية (الإيرانية الأصل) راميتا نافائي، وصوّره وأخرجه وائل دبوس، يتوغل في مشهد الحراك الشعبي في سورية، وهو شهادة تفسّر المعادلة العبقرية التي تترسخ كل يوم: شجاعة الشعب السوري ليس لها مثيل معاصر، ولن يقوى أي استبداد على كسرها. ويمكن أن نضيف إلى هذا الشريط ما ذكره تقرير صدر مؤخراً في دمشق عن "المركز السوري لحرية الإعلام والتعبير" عن الانتهاكات التي تعرض لها الإعلاميون في سورية منذ ثمانية أشهر، إذ قال التقرير: إنّ الساحة الإعلامية في سورية شهدت منذ منتصف شهر مارس/آذار 2011 "ما يُشبه الإعلان الرسمي للحرب على الإعلام"، حين أعلنت المستشارة بثينة شعبان، في مؤتمرها الصحفي بتاريخ 24 مارس/آذار، " إنّ التلفزيون السوري هو الوحيد الذي ينقل الحقيقة، وليس أي شخص آخر".

وقد أشار التقرير إلى أنّ العدد الإجمالي لحالات الانتهاك بلغ 109 حالة وقعت بحق الإعلاميين والمدوّنين والمثقفين الذين تعرّضوا للمضايقات، على إثر نشاطهم في تغطية الأحداث الجارية في سورية، أبرزها تمثّل بالاعتقال التعسفي (29) والاختفاء القسري (76)، إضافة إلى (4) حالات تعرض أصحابها لنوع مختلف من المضايقات. كما رصد التقرير 6 حالات لمثقفين ونشطاء حقوقيين تعرّضوا للتوقيف والاعتقال على خلفية تصريحاتهم إلى وسائل الإعلام العربية والدولية حول مشاهداتهم وآرائهم لما يجري في سورية من بينهم الكاتب والناشط الحقوقي محمد نجاتي طيارة الذي تم اعتقاله على حاجز أمني بتاريخ 12 مايو/أيار الماضي ولا يزال معتقلاً إلى الآن. ومن جهة أخرى فإنّ مجموع الإعلاميين والمراسلين الأجانب الذين تعرّضوا لمضايقات من قبل سلطات الأمن السورية بلغ (10) حالات، جميعها انتهت بمغادرتهم الأراضي السورية.

إنّ الإعلام الرسمي السوري يستمد أسلوبه وتوصيفاته الجاهزة ولغته الخشبية وتعابيره الجوفاء المكررة، التي حفظها الناس ويتوقعونها في كل مرة يظهر مقدم النشرات الإخبارية على شاشة التلفزيون السوري، من فكر النظام نفسه وبنيته الأمنية ونظرته الوصائية لمطالب شعبه وإنكاره لوجود معارضة مستقلة، واستعداده الدائم لنسبة أي تحرك يطالب بالتغيير الديمقراطي إلى نظرية الاستهداف الخارجي. بل أنه يجند الموالين من كل صوب، بما فيهم لبنانيين من أصحاب معلقات (المقاومة والممانعة!)، وممن اشتهروا بفن الردح بالمؤامرة الإمبريالية التي تدخل من بوابة مطالب الشعب السوري بالحرية والكرامة والمواطنة.

إنّ الثورة السورية تتصاعد، خاصة بعد الإعلان عن تشكيل المجلس الوطني السوري، وهي تشطب كل يوم أساطير شاعت عن المؤامرة الخارجية، وعن الجهات الداخلية التي كادت تبدو كأنها ميليشيات علنية مسلحة، أو خلايا سرية نائمة استفاقت فجأة لحظة اندلاع الحراك الشعبي. ويبحث نشطاؤها عن أفضل السبل لتفكيك "مملكة الخوف" وإعادة بناء جمهورية المواطنة، والانتقال بسورية إلى دولة مدنية ديمقراطية لكل أبنائها.

=================

مبادرة سعودية للأزمة السورية ؟!

راجح الخوري

النهار

30-11-2011

الإعلان عن حضور وليد المعلم اجتماع اللجنة التنفيذية ل"منظمة العمل الاسلامي" الذي يعقد اليوم في جدة، اثار كثيراً من التكهنات، لأنه يأتي عشية العقوبات التي اتخذتها الجامعة العربية ضد النظام السوري ومنها فرض حظر على سفر المسؤولين السوريين الى الدول العربية .

لكن هذا قد لا يستدعي الاستغراب، اولاً لأن العقوبات التي قررتها الجامعة لا تلزم "منظمة العمل الاسلامي" التي تضم 57 دولة، وهي عملياً التي تستقبل المعلم، وثانياً لأن من المؤكد ان مشاركة وزير الخارجية السوري في الاجتماع مسألة مقررة قبل اتخاذ الجامعة العربية قرار العقوبات المذكورة.

في أي حال ربما يشكل وجود المعلم في المملكة مناسبة ملائمة جداً لكي تطلب دمشق مباشرة من الرياض ما حاولت ان تطلبه بالواسطة تصريحاً ولكن بألسن لبنانية، او تلميحاً بلسان المعلم نفسه. فمن المعروف ان الرئيس نبيه بري فاجأ الكثيرين بمناشدته خادم الحرمين الشريفين القيام بمبادرة حيال الأزمة السورية، عندما كانت دول مجلس التعاون الخليجي مكبة على مبادرتها حيال اليمن. وعندما تبعه في مناشدة مماثلة العماد ميشال عون، على رغم انه لا يكف عن التجني والافتئات على المملكة، فهم الناس ان وراء هذه المناشدات ايحاءات دمشقية، اولاً لأن بري وعون لم يكونا ليقدما على هذا الطلب لولا إيعاز النظام السوري او موافقته، وثانياً لأن المعلم اوحى في مؤتمره الصحافي ما قبل الاخير، ان دمشق تتمنى تحركاً سعودياً لحل الازمة المتفاقمة !

الآن بعدما نجحت "المبادرة الخليجية" التي رعاها الملك عبد الله شخصياً وبمثابرة وتصميم كبيرين، ووفرت حلاً سلمياً لانتقال السلطة حال دون انزلاق اليمن الى حرب اهلية مدمرة، وكذلك بعدما بلغت سيول الدماء زبى سوريا التي تراوح على ابواب الحرب الاهلية، وبعد الموقف الازدرائي الذي اتخذته دمشق من مبادرة الجامعة العربية، معتبرة ان الجامعة اعلنت حرباً اقتصادية عليها، هل يمكن ان يستجيب خادم الحرمين الشريفين أي مناشدة مباشرة للقيام بمبادرة حيال الازمة السورية، ودائماً من منطلق حرصه المعروف على حقن دماء الأخوة العرب ومنع قيام الفتنة بين ابناء البلد الواحد وإن كان هذا "البلد" لم يوفره سابقاً؟

من الصعب الاجابة عن هذا السؤال ، اذ ليس من المعروف ما اذا كان المعلم سيطلب صراحة مبادرة من الملك عبد الله، ولا من المعروف ما اذا كان الملك سيستجيب، بعد كل ما وصلت اليه الاوضاع السورية التي تشبه حمام دم مفتوحاً على مداه.

لكن أي استجابة يمكن تخيلها وسط هذا الوضع الملتهب ربما تقوم على شرطين:

الاول هو قبول مسبق ومعلن وملزم من الرئيس بشار الاسد بالتخلي عن السلطة يسبق حلاً سلمياً لتغيير النظام وهذا أمر صعب، وثانياً إشراك الجامعة العربية ومجلس التعاون الخليجي في الحل وهذا أمر سهل.

=================

الشعب السوري فقط من يوقف الدم النازف

عبير حيدر

2011-11-29

القدس العربي

لم تمر سورية في تاريخها الحديث والمعاصر في مرحلة خطرة وحرجة كما يحصل الآن، هذه المرة الشعب السوري هو الفاعل في تلك الأحداث حتى هذه اللحظة، من يقرر حاضرها، وهو من يتوجب عليه أن يقرر مستقبل سورية الآتي.

مضت ثمانية شهور على الثورة السورية التي فاجأت النظام وهزت أركانه، فلم يجد بديلاً عن آلة القمع والقتل لإسكاتها. لم يتوقع أحد أن ينتفض الشعب السوري بعد سنين طويلة من القمع والقهر ونهب لقمة العيش. حتى أن السوريين أنفسهم لم يتوقعوا كل هذا الزخم والقدرة على الاستمرار، رغم كل آلة البطش والقتل التي يواجهونها يومياً. هذه الانتفاضة التي حطمت جدران سنوات من الصمت والخوف لدى السوريين، لم تترك أي خطوة أمام أحد للعودة إلى الوراء. وفي مواجهة هذه الانتفاضة، لم يجد النظام حتى هذه اللحظة إلا الحل الأمني المتمثل في ملاحقة المتظاهرين وقتلهم وسجنهم، على أمل بث الخوف ثانية في قلوب السوريين، وإجبارهم على ابتلاع السكين والصمت من جديد.

عجز النظام حتى هذه اللحظة عن قراءة التحولات التي حصلت في البلدان العربية -تونس ومصر واليمن- وما حصل في ليبيا أخيراً،التي جرها تعنت نظام القذافي ووحشيته في قمع الثوار إلى التدخل العسكري الأجنبي. وهذا ما لايرغب فيه احدٌ في سورية، بالرغم من تعنت النظام وتجاهل وجود أزمة داخلية، وإرجاع سبب ما يحصل في الداخل السوري إلى مؤامرة خارجية.

والآن مع تجاهل المبادرة العربية والالتفاف حولها من قبل النظام، وإصرار الجامعة العربية على عزل سورية بحجة إضعاف النظام. ستكون الخطوة القادمة تدويل الأزمة السورية، التي تبدأ بطلب حماية المدنيين وهذا ما يسعى إليه المجلس الوطني، وتعارضه هيئة التنسيق الوطنية وبعض المعارضين المستقلين (المعارضة في الداخل). وأمام تسارع هذه الأحداث، وتفاقم الوضع الإنساني في الداخل السوري في المناطق الثائرة، فإن دماء السوريين لا تتوقف عن النزيف ويستمر حصار النظام، وتجهد المعارضة في سعيها للاعتراف بها من قبل المجتمع الدولي، وتأمين السبل للإطاحة بنظام يستقوي بجيشه ضد شعبه الثائر.

الحل العربي، على ما أرى، هو تمهيد لتدخل دولي سيحصل عاجلاً أم آجلاً. وهي مسؤولية يتحملها النظام نفسه. لكن ماذا سيفيد توزيع الاتهامات وتحميل المسؤوليات إذا ماحصل المحظور. ومن سيدفع ثمن هذا التدخل .. النظام زائل .. الشعب باق .. سورية هي الباقية.

أمام هذه المخاوف، يبقى السؤال الكبير، كيف يمكن للشعب السوري أن يحافظ على ثورته وعلى طابعها السلمي في الوقت نفسه، في وجه كل هذا القمع، دون السماح لأي تدخل خارجي. ظهرت بعض اللافتات هنا وهناك يحملها بعض الثوار، تطالب بتدخل الناتو لحماية المدنيين.يمكن تفهم صرخات الألم لمن ينزف دمه يومياً، مع هذا يدرك الشعب السوري عواقب هذا التدخل مهما كان نوعه، وعليه فإن رفضه يجب أن يكون مبدأً أساسياً من مبادئ التغيير السلمي الديمقراطي في سورية، وإلا لفقدت الثورة معناها، تحديداً دور الشعب فيها وقدرته على التغيير.

لابد أن يكون هناك موقفٌ واضحٌ للمجلس الوطني، طالما أنَّه يعتبر نفسه ممثلاً عن الشعب السوري، كما يقول، ومن المعارضة السورية في كل مكان من مسألة التدخل الخارجي.

الشارع السوري المنتفض مازال يسبق معارضته ونخبه السياسية جميعها، بقدرته على الصبر والتحمل والشجاعة التي فاقت كل تصور. لكن إكراما لكل هذه الدماء، المطلوب أن يكون هناك رفضٌ تامٌ للتدخل الخارجي الذي قد يبدأ بحماية المدنيين وينتهي بتدخلٍ عسكريٍ (طالما أن العقوبات الاقتصادية والعزل السياسي لم تضعف النظام لحد الآن على ما يبدو)، لاتكفي التصريحات برفض التدخل الخارجي، مادامت الوقائع تشير إلى غير ذلك.

هل تريدون أخذ السوريين بعد كل هذه الدماء من نظام مستبد إلى نظام يقدم فاتورة الاستعانة بالخارج مزيداً الدم السوري؟ ليس الشعب السوري من يتحمل مسؤولية أي تدخل خارجي قد يحصل، لكن السؤال إذا ما حصل هذا التدخل، ليس 'من المسؤول؟'، وإنما 'من سيدفع فاتورة هذا التدخل؟'. فسورية بشعبها ومنشآتها وتاريخها وموقعها القومي هي التي ستكون هدفاً لهذا التدخل. أسوأ ما يقوم به النظام هو جر البلد إلى التدخل الخارجي، وأعظم ما تقوم به المعارضة هو حماية البلد من هذا التدخل ومنعه.

والمعضلة الأخرى التي تواجه السوريين وظهرت بعض بوادر لها في حمص كما سمعنا، هي جر البلاد إلى حرب أهلية. هذا ما لايمكن أن يحصل في سورية، ولم يحصل يوماً في تاريخها.

إلى من يهدد بحرب طائفية أقول: ليس هناك انقسام طائفي حول الثورة في البلد، المنخرطون في الثورة ينتمون إلى كل الطوائف والأعراق، وهو حال الذين يدعمون النظام أيضاً. فأنا شخصياً أعرف كثيراً من العائلات، ينتمي بعض أفرادها إلى صفوف الثورة، وبعضٌ من هذه العائلات يصطف مع النظام، إيماناً بالنظام أو خوفاً منه، أو هلعاً من المستقبل غير الواضح.

الخوف في سورية ما زال حياً وموجوداً، وهذا أمر يمكن تفهمه بعد سنوات من القمع والاستبداد والقهر. ولكن الشعب السوري بعد شهور من الثورة، بدأ يتلمس طريقه الواضحة لنفض غبار الخوف عن روحه. والمخرج الوحيد أمام المعارضة يكمن في أن تكثف طاقاتها وتركز خطابها للداخل السوري بهدف توسيع رقعة الاحتجاج لتشمل كافة المترددين والذين لا يزالون أسيري الخوف والولاء التقليدي للنظام.

لقد أوضحت مجريات الأحداث أن الجامعات التي صمتت لشهور، مقارنة بقطاعات المجتمع الأخرى، شهدت حراكاً مسانداً للثورة، وجامعة القلمون والجامعة العربية-الأوروبية خير دليلٍ على ذلك. لن يتمكن النظام من الاستمرار بآله قمعه والقتل والاعتقال.

كل بيوت السوريين أصيبت بقتلٍ أو اعتقالٍ أو تشريدٍ ودفعت ثمناً بطريقة أو بأخرى.لم يبق الكثير من الوقت لنفكر بما يجب علينا القيام به. إن حماية المدنيين أمانة في أعناق الشعب السوري أولاً. وحتى أولئك الموالين للنظام عليهم أن يطالبوا، بوقف آلة القتل. على أمهات الجنود السوريين جميعاً أن يخرجن ويطالبن بعودة أبنائهن إلى البيوت و الثكنات لوقف الدم. على المثقفين الخائفين الخانعين والمطبلين للنظام أن يخرجوا أيضاً ليطالبوا بوقف سفك الدماء. وعلى الفنانين السوريين أن يتخلوا عن صمتهم ويصرخوا بأعلى الصوت لإعادة الجيش إلى ثكناته وإخراج المعتقلين من زنازين التعذيب، بدلاً من أن يجلسوا في المقاهي ويستمتعوا بتدخين الأركيلة ولعب الورق وطق الحنك، وهنالك على بعد كيلومترات بسيطة في ريف دمشق، شعب محاصر وشباب يقتلون وهم يوزعون الورود على الجنود.

كل فئات المجتمع السوري مطالبة بالخروج لوقف الدماء حماية لسورية. لن يتمكن الجيش من مجابهة شعب بأكمله، لن يتمكن الجنود من توجيه البندقية إلى صدور أمهاتهم وأخواتهم. ولا فائدة من الاستجداء بالخارج، لا بروسيا ولا بجامعة الدول العربية ولا بأمريكا. ليفهم السوريون جميعا بأن الحل لا بد وأن يكون سورية. لا فائدة من المسيرات المليونية التي تطالب بالرئيس مدى الحياة، وتضعه في مقام الآلهة. ليخرج السوريون من عقلية الأبد، الزمن تغير ولا عودة فيه إلى الوراء. سورية أمانة في أعناقنا جميعاً، ولا يجوز مساومة الشعب السوري على دمه ولقمة عيشه وكرامته. يجب الاعتراف بالأزمة، ليس من النظام لأنه مازال يراوغ؛ الاعتراف مطلوب من الشعب السوري الذي يرى أن معظم مدنه محاصرة، وأن الدم نازف يومياً، ويبرر صمته وخوفه الدفين بالمؤامرة الخارجية.

السوريون فقط،، كل السوريين، عليهم قبل أي طرف آخر، وقف هذا الدم. وعلى مسيرات تأييد النظام على الأقل أن تنادي بوقف الدماء. لنجد جميعا حلاً يحمي البلد من الخارج ويضمن حقنا جميعا،بوصفنا سوريين، في بلد ديمقراطي حر مدني. أدرك أن هذا الكلام قد لا يعجب لا المعارضة ولا النظام، لكن أرجو أن يجد أذناً صاغية لدى ضمير كل سوري حر، من الطرفين. لن يحمي سورية غير دمنا أيها السوريون ولن نحيا الديمقراطية، إذا لم نتحرر من الخوف والتعصب وإلغاء الآخر. ثقتي بك عظيمة يا شعبي مهما بلغت التضحيات.

=================

الأسديّة من دون الأسد

الاربعاء, 30 نوفمبر 2011

مرح البقاعي *

الحياة

أهلاً بكم في مملكة الرعب: سورية - البلد الأوحد في العالم الذي يحكمه رجل من مدفنه: حافظ الأسد!

ليست هذه بمقدمة قصةٍ خرافية من قصص الرعب المشوّق تُروى للأطفال، ولا هي فانتازيا درامية على طريقة سلسلة 'الجوارح' و 'البواسل' التي أقعدت شعوباً عربية قاطبة، لساعاتٍ طويلة، خلف شاشات التلفزيون؛ بل هي حقيقة دامغة أكّدتها عشر سنوات قضاها الأسد - الابن الوريث - في حكم سورية، لم يفلح خلالها إلا في مهنة تدوير الكؤوس بين أطراف شبكة التحالفات الإقليمية التي نسج خيوطها المتشعّبة الأسد - الأب، والتي كان رأس الأفعى منها الحلف السوري - الإيراني، إحدى أبرز المقدّمات الجيوسياسية لمشروع إيران الإقليمي المترامي الأطراف.

فبواسطة هذا الحلف العقائدي المبطّن، تمكّن المشروع الإيراني، ومنذ الثمانينات من القرن الماضي، من مدّ نفوذه الإقليمي المتفاقم بالتوازي مع تقلّب الظروف السياسية في المنطقة، في سلسلة من الجغرافيا المتّصلة ابتداء من غرب إيران، مروراً بالعراق، واهتداء بسورية التي يسّرت هذه الاستطالات السرطانية موصلة المشروعَ إلى بعده التاريخي العقائدي في جبل عامل في لبنان وبعده الحيوي الساخن في منافذ غزّة.

لقد شكّلت إيرانُ لحافظ الأسد رأسَ الحربة التي توجّهت إلى صدر توأمه البعثي اللدود صدام حسين، لا سيما بعد فشل المحاولة الانقلابية التي قادها بعثيو سورية على الرئيس العراقي في 1979؛ ووجد الأسد الأب في التقارب الإيراني عمقاً استراتيجياً لحكمه في إمكانه أن يعزّز من علاقاته العربية جنوباً مع دول الخليج المتخوفة من خروج العراق منتصراً من الحرب التي شنّها في 1980 على إيران، وكذا غرباً باتجاه تعزيز مواقعه السياسية النافذة في لبنان «الشقيق» حيث الهوى الشيعي الإيراني والنوستالجيا العقائدية التي تعود إلى العام 1501 حين أعلن الشاه اسماعيل الصفوي مذهب الشيعة الإثني عشرية مذهباً رسمياً للدولة الصفوية واستقطب علماءه وأئمته من جبل عامل من أجل تكريس المذهب الشيعي ونشره.

أما حافظ الأسد فكان متحكماً بمفاصل هذا الحلف، ولعب دور المايسترو الناظم لحراكه السياسي من خلال تقديمه الدعم العسكري واللوجستي لإيران من السلاح والخبراء، وكذا دعمه في 1982 تأسيس حزب الله - «البروكسي العسكري الإيراني» - في لبنان، فكان سيد اللعبة بلا منازع. وهذا خلافاً لحال الحلف في عهد ابنه بشار حيث تحوّلت سورية من دور الفاعل المؤثِّر إلى المفعولِ به التابع، من خلال التغلغل العسكري والمخابراتي للحرس الثوري، وتوسع النشاطات التبشيرية في سورية واندلاع حركة تشيّع واسعة في صفوف الطبقات الفقيرة، وكذا التدخّل الإيراني المباشر في السياسات السورية، لا سيما إثرَ اغتيال رفيق الحريري وطرد القوات السورية من لبنان. وقد تحولت سورية حلقة تدور في الفلك الإيراني الإقليمي الذي تُوّج ملكوته بحكومة عراقية طائفية بامتياز خلفت سقوط صدام حسين عام 2003، وهذه المرة بإرادةٍ أميركية!

هكذا كانت العقائديّة «الأسديّة»، التي أسّس لها حافظ الأسد، الحليف والظهير لدولة الملالي الإيرانية منذ اندلاع الثورة الخمينية في 1979، وكانت سورية تحت وطأتها الدولةَ العربية الوحيدة التي وقفت إلى جانبها في حربها مع العراق التي انتهت عام 1988، وذلك تناقضاً مع شعاراتها المعلنة في الوحدة والقومية العربية، وكذا لعبت دور الممر الآمن لعبور الأسلحة لحزب الله في لبنان من أجل تعزيز نفوذها وتأصيل دورها المحوري في نزاع القوى الإقليمية والدولية التي مسرحها الأرض اللبنانية، إلى أن وصلت ترسانة حزب الله على الحدود المتاخمة لإسرائيل إلى 40 ألف صاروخٍ وقذيفةٍ مدفعية.

تجلّت اليد المخابراتية الطولى لإيران بأبشع صورها في مشاركة قوات الحرس الثوري إلى جانب عصابات الأمن السورية المدعوة «الشبّيحة» بالقمع العنفي المفرط والمتّصل للمتظاهرين السوريين العزّل منذ اندلاع الثورة السورية الماجدة في منتصف آذار (مارس) الفائت. وزوّدت كتائب الباسيج عصابات النظام الأسدي الأمنية بالعتاد والأدوات والخبرات المخابراتية والعسكرية لقمع هذه الانتفاضة الشعبية التي إذا ما أودت بالنظام السوري فستكون قد أخرجت إيران من العمق المناطقي والسياسي والمذهبي الذي يهيّئ لها التربة الخصبة لتمديد مشروعها التوسعي الذي يقترب من أهداف السياسات الاسرائيلية في ما يخص النزاع العربي - الاسرائيلي على الأماكن المقدّسة لدى المسلمين من المذهب السنّي.

إن انهيار المنظومة الأسدية في سورية سيؤجّج، على مستوى الداخل الإيراني، وبصورة مباشرة، حراك الحركة الخضراء، وسيدفع بها مجدداً إلى الشارع لاستعادة ما فقدته من حراك ثوري طامح إلى الإطاحة بولاية الفقيه واستعادة مظاهر الحياة المدنية، كما سيعيد إيران، إقليمياً، إلى حدود نفوذها الأولى ما قبل الحرب العراقية - الإيرانية، وسيقطع ذراعاً مستطيلة لدولة الملالي وصلت إلى البؤر الساخنة في غزّة حيث دعمها غير المشروط لحركة حماس يسير موازياً لدعمها حزب الله - ودائماً من طريق المعبر السوري المؤتمن على المشروع الإيراني - في تموضع جغرافي نافذ سيشكّل خط الدفاع الإيراني الأول في مواجهات مستقبلية محتملة مع اسرائيل والولايات المتحدة.

وإذا كانت نظرية الحزام الأخضر التي صاغها مستشار الأمن الوطني للرئيس السابق جيمي كارتر، زبيغنيو بريجنسكي، والتي مفادها أن نشوء أنظمة إسلامية في منطقة الشرق الأوسط، مدعومة أميركياً، سيكون بإمكانها أن تشكل بدائل حقيقية للنظم الاستبدادية، إذا كانت سارية المفعول حين اندلاع الثورة الخمينية، فإنها فقدت صلاحيتها اليوم إثر تساقط المستبدّين على يد الشعوب العربية في ربيعها الثوري. وهكذا لم يتبق لإيران، في ميزانها الاستراتيجي مع الولايات المتحدة، إلا التخلّي عن الأسد الابن قرباناً للجغرافيا وللمنظومة الأسديّة التي هي دينامو تلك الجغرافيا، وعمقها الدفاعي الذي أعدّ له حزب الله في لبنان ما شاء له الفقيه الإيراني من عِدّة حمايةً للأسديّة الحليفة في سورية، أو في أسوأ الأحوال، الانقلاب على الحكم في لبنان والانقضاض على السلطة لتأمين البديل الحيوي في حال سقط الأسد وأسديّته في آن.

=================

هل يدخل الجيش التركي سورية؟

الاربعاء, 30 نوفمبر 2011

فكرت بلا *

الحياة

الكلام في الغرب والشرق يوحي بأن الجيش التركي بات على وشك دخول الاراضي السورية أو يؤكد أنه دخلها فعلياً، كما يزعم بعض المنشورات. وثمة صحف كتبت أن اسرائيل تعد لضرب ايران وان الجيش التركي سيجتاح سورية لحظة بدء الهجوم الاسرائيلي.

ويبدو ان دولاً ترغب في أن تبادر الى هذه الخطوة أنقرة الضالعة في الترويج لهذا التوجه. فأردوغان قال إن المسألة السورية هي مسألة داخلية تركية.

وأجج الكلام هذا حماسة العقيد رياض الاسعد، قائد «الجيش السوري الحر»، الذي أعلن أنه يقود من تركيا حركة منشقين. وإثر هذا الإعلان، وقع هجوم على مقر الاستخبارات الجوية في سورية.

وليست المرة الاولى التي يدور الكلام فيها على احتمال اجتياح الجيش التركي سورية. ففي 1998، يوم كان سليمان ديميريل رئيساً للجمهورية التركية، وجهت أنقرة تهديداً قوياً الى دمشق، ولوحت باجتياح سورية إذا لم تطرد عبدالله اوجلان، زعيم «حزب العمال الكردستاني».

يومها انعقدت ثمار التهديد ولكن في تلك المرحلة امتلكت أنقرة الحق في مثل هذه الخطوة. لكن جعبتها اليوم خالية مما يسوغ التهديد بمثل هذا الاجتياح. وعلى رغم ذلك، يدعوها الغرب وجماعة «الاخوان المسلمين» الى المبادرة الى هذه الخطوة، في وقت تقف سورية على شفا حرب أهلية طائفية ومذهبية. والتدخل العسكري التركي الأحادي في سورية يورط أنقرة بدوامة كبيرة، وقد يؤجج نيران الحرب الاهلية، ويجد الجيش التركي نفسه في مواجهة النظامين السوري والإيراني. ومثل هذه المواجهة يحمل أخطاراً كبيرة. وحدها اسرائيل ستنظر بعين الرضا الى المواجهة، وتقطف ثمارها.

حريّ بتركيا ان تقصر دورها في الازمة السورية على شؤون حقوق الانسان، والتضامن مع الجيران. وحري بتركيا التزام قرارات الشرعية الدولية. فالقوى الدولية التي تقف على حدود سورية وتشجعنا على ارسال جيشنا الى دمشق، قد تنقلب على تركيا بعد أن تذلل خلافاتها مع ايران، ويصير الدور علينا.

 * معلّق ومحلل ، عن «مللييت» التركية، 20/11/2011، اعداد يوسف الشريف

=================

وداع بعثي للعروبة!

ميشيل كيلو

الشرق الاوسط

30-11-2011

لفترة غير قصيرة، اعتبر العقل البعثي العروبة مفهوما يحمل معنى وحيدا هو بالتحديد والحصر ذاك الذي أعطاه لها ميشيل عفلق، مؤسس حزب البعث، الذي عمل خمسين عاما في السياسة لم يكتب خلالها أكثر من ألف صفحة ليس بينها أي بحث نظري أو عملي عن مرتكز رؤيته الرئيسي: العروبة والأمة.

بعد انقلاب الثامن من مارس (آذار) عام 1963 بقليل، حكم قادة الحزب بالإعدام على مؤسسه، وربطت السلطة الجديدة العروبة بسياساتها السلطوية غير الحزبية، خصوصا بعد عام 1970، وتخلق نظام استبدادي من طراز شمولي تبنى تعريفا واحدا لها يقتصر على خدمته وتعزيز طابعه الشمولي/ القمعي. لا عجب أن ترتبت على ذلك نتائج وضعت العروبة والفكرة الوحدوية النابعة منها في مواجهة الديمقراطية وما ارتكزت عليه في تاريخ العالم الحديث من مواطنة وحرية ومدنية وحقوق إنسان، الأمر الذي سلب العروبة قدراتها التغييرية والإنسانية، وحولها عن وظيفتها الموعودة، وحال بينها وبين تحقيق قيم الحرية والعدالة في سوريا، ووضع السلطة في مواجهة حثيثة وشرسة مع حملتها، الذين فقدوا أهليتهم كمواطنين وانقلبوا إلى خونة وأعداء للأمة، بينما قوضت السلطة ما ترتب على وجود الجماعة السورية من تكوينات وتشكيلات مجتمعية، وطنية كانت أم أموية (نسبة إلى أمة)، وأحلت محلها تشكيلات ما قبل مجتمعية/ ما قبل وطنية، كانت العروبة آيديولوجيتها الوظيفية، لذلك حملت دوما طابعا فئويا مجافيا لما كان يفترض أنه طابعها الحقيقي: المفتوح، الذي كان يعد بتجاوز هذه التشكيلات، التي عبرت عن نفسها من خلال النظام الأمني وأجهزته السرية، بعد أن سادت ومادت ونجحت في قلب العروبة سلاحا آيديولوجيا، نفر أغلبية الشعب من الفكرة العربية وما فيها من نزوع وحدوي، وقد كان إلى الأمس القريب يحظى بتأييد واسع، لكن عروبة البعث نجحت في نزع وتقليص تأييد قطاعات واسعة من المواطنين له خلال السنوات الخمسين الماضية من حكمه.

وككل آيديولوجيا فاشلة، غدت العروبة وظيفية، إن خدمت النظام وساعدته على قمع الشعب معنويا وروحيا، كانت خيرا وبركة، وإلا أنزل «شعبه» إلى الشارع لإدانتها وصب اللعنات عليها وعلى العرب، أفرادا وشعوبا وأمة، فالعروبة السلطوية المعادية لمواطني سوريا، لم تكن تستطيع أن تحب إخوتهم من المواطنين العرب، ولعله لا داعي للتذكير بما ألصقته بهؤلاء من عيوب خلال سنوات كثيرة ماضية، وما ألحقته بهم من أضرار فادحة في لبنان وفلسطين والعراق والأردن وليبيا والخليج، وقبل هذا وذاك في سوريا ذاتها، حيث نشأ وترسخ، رغم النظام، الوعي بدور البعث المعادي للعروبة، وكرهه المواطن العادي بسبب ما حمله من عداء لهوية الحركة القومية كحركة أسست ودعمت في أوروبا الحديثة الحرية وحقوق الإنسان والوحدة الأموية.

كشف النظام خلال الأيام الأخيرة عن حقيقة فهمه للعروبة وموقفه من العرب، حين أنزل آلاف الأتباع إلى الشوارع كي يشتموا أمتهم وينزعوا عنها أي ملمح حديث أو إنساني، ويرددوا ما يقوله أعداؤها الصهاينة عنها، وينسبوا جميع المنتمين إليها من حضريين وريفيين إلى البداوة والتخلف والصحراء والرمل، ويعلنوا خروج النظام السوري من العروبة - كأنه كان فيها سابقا - وتبنيه أفكارا واتجاهات كان يشتمها البارحة وينظر بغضب إلى حملتها باعتبارها قطرية ذميمة واستشراقية ساقطة. واليوم، يرد النظام الاعتبار لفكرة سخيفة كثيرا ما لاحق واضطهد أتباعها، تقول بتفرد السوريين الحضاري وتفوقهم على العرب، الذين تحولوا من أمة كان البعث يفاخر بأهليتها التاريخية والحضارية إلى بدو يعيشون على الغدر واللؤم والخيانة، يريدون الانتقام من سوريا - وليس من النظام! – وردها إلى حيث يوجدون هم: في عالم التخلف والعداء للحضارة والتقدم، والكذب والفساد!

أنتج النظام السوري انطلاقا من آيديولوجية سماها في ما بعد قومية/ اشتراكية، كانت خليطا من رؤية ما قبل أموية للعرب واشتراكية ما قبل مدنية فرضتها على واقع كانت قد زعمت خلال وقت طويل أنها لا تناسبه. بعد انهيار السوفيات واشتراكيتهم، وقف النظام على ساق آيديولوجية واحدة هي قوميته المعادية للحرية والإنسان، وها هو يفصح اليوم عن حقيقتها كعروبة ضد قومية، يوجهها ضد العرب لأنهم لم يؤيدوا قيامه بسحق جزء رئيسي منهم هو شعب سوريا، بعد أن أجبرتهم وحشية القمع على الامتناع عن تأييده وبعثت الخوف في نفوسهم، فطالبوه بوقف حربه ضد شعبه، كي لا يجدوا أنفسهم مجبرين على معاقبته.

وكان غياب مؤسس النظام، الرئيس الراحل حافظ الأسد، قد آذن بغروب شمس آيديولوجية البعث، وتلاشي قدراتها التعبوية والتضليلية بانقلاب «الوحدة والحرية والاشتراكية» إلى نقيضها، وتحقيقها عكس ما كانت قد تعهدت بتحقيقه طوال قرابة ثلث قرن، مما حول وعد الوحدة إلى سلطوية عمياء تعيش على العنف، والحرية إلى قمع مطلق لا يوفر بشرا أو حجرا، والاشتراكية إلى نهب مفتوح جرد قطاعات شعبية واسعة من ملكيتها وسلب الإنسان حقه في أن يعيش من قوة عمله.

بدل أن يسعى نظام بشار الأسد إلى إجراء إصلاح شامل ينتج من خلاله بعض الشرعية لنظامه ويتخطى حقبة التحول التي أعقبت وفاة والده، لجأ إلى وسائل زادت من إفلاس النظام الآيديولوجي وانكشاف عجزه، هي: استخدام الكذب على أوسع نطاق من أجل الالتفاف على مطلب الإصلاح، الذي كان قد غدا شعبيا وملحا، ووضع مصير البلد بين أيدي أجهزة الأمن، التي انفردت تماما بحكم سوريا بعد المؤتمر القطري الخامس عام 2005، وانتهاج سياسة إفقار استهدفت إرهاق المجتمع وتفتيته. يفسر هذا حجم غضب الشعب السوري على رئيس نظامه وإصراره على المطالبة برحيله، وانغماس المواطن البسيط في أنشطة يومية توجهها معادلة بسيطة: التحرر من النظام القائم أو الموت. والغريب أن النظام كان قد خطط منذ وقت طويل لضمان وجوده من خلال جعل هلاك الشعب مسألة وقت، بعد أن فقد قدرته على الفعل المفيد وانقلب إلى نظام يرسي شرعيته على قدراته الردعية، التي لا بد أن تتمكن من كبت الشعب ومنعه حتى من مجرد التفكير بنفض نيره عن كاهله، وإرغامه على الركون إلى سلبية فيها موته السياسي والفيزيائي: هدف كل ما فعله النظام قبل الانتفاضة الشعبية بوسائل السياسة، وبعدها بأدوات الحرب.

تخلى النظام عن العروبة كي يتبنى مفهوما لا يرقى إلى أي صعيد مفاهيمي. لذلك، كانت مظاهرات أتباعه تعبيرا عن الانحطاط الذي بلغه، ونجح في نقله إليهم، وتجسد في خطاب لم يتضمن أي شيء آخر غير المفاخرة بشتائم كتلك التي يتقنها المنتمون إلى العالم السفلي، الذين ينخرط قسم كبير منهم في منظمات شبيحة تدافع عن النظام بعنف قاتل لا يحتاج إلى أي غطاء آيديولوجي أو تجميلي: وبالمنطق الأخير الذي انتهى إليه: بقاؤه في السلطة أو إبادة الشعب!

ليست هذه النتيجة مباغتة، ألم يبدأ النظام عروبته بإقصاء الأكراد عن الحياة العامة، ثم بإخراج قطاعات متزايدة من السوريين منها، وصولا إلى إرسائها على قاعدة ما قبل مجتمعية/ ما قبل وطنية، تمييزية وجزئية، لم تبق فيه مكانا لغير مزق سلطوية استأثرت بكل شيء، ووضعت يدها على المعرفة ووسائل الاتصال والإعلام والخدمات العامة، بعد أن حشرت الشعب في منظمات فئوية تجعل مراقبته لحظية والتحكم فيه آنيا، وتصيبه بشلل دائم يمنعه من المطالبة بأي تغيير؟

أليس وضع سوريا الراهن نتاج هذه السيرورة، التي جعلت حياة النظام من موت الشعب، وحياة الشعب رهنا بالخلاص من النظام؟!

=================

«سيناريوهات» تغيير النظام

الاربعاء, 30 نوفمبر 2011

عبدالرحمن الخطيب

الحياة

بعد مرور أكثر من ثمانية أشهر على بداية الثورة السورية، وبعد أن ناهز عدد الشهداء خمسة آلاف شهيد، وعدد المعتقلين 100 ألف معتقل، لا يلوح في الأفق القريب حسم جذري لتغيير النظام بتلك الطريقة السلمية التي اتبعها المتظاهرون؛ والأسباب عدة، منها: بطش النظام بالمعارضين والمتظاهرين، مستوحياً طريقة القمع التي اتبعها النظام الإيراني قبله؛ واستفراده بكل مدينة وقرية على حدة، بحصارها وقطع أسباب الحياة عنها، وقتل واعتقال شبابها و«شيابها»؛ وتردد الغالبية الصامتة في التضامن مع المتظاهرين، إما بسبب تصديقها الوعود الكاذبة التي يدعيها النظام بأنه ينوي الإصلاح، أو الخوف من بطشه؛ والقرارات الخجولة التي أصدرتها جامعة الدول العربية ضد النظام؛ وتردد الدول الغربية بسبب الضغط الإسرائيلي عليها، خشية تغيير هذا النظام؛ وتعذر انشقاق قوة عسكرية كبيرة يعتمد عليها في الوقوف إلى جانب المتظاهرين؛ والدفع المادي والمعنوي والجرعة الكبيرة التي حصل عليها النظام السوري من روسيا وإيران والعراق وحزب الله، إضافة إلى عدم توافر البديل الذي ينبغي أن يتسلم السلطة في حال سقوط النظام، إذ لا يزال البديل غامضاً بسبب انقسام المعارضة، الذي برز أخيراً بسبب تشبث المجلس الوطني السوري في إغلاق الباب في انضمام الكثير من الشخصيات التي لها باع طويل في التاريخ النضالي إليه، بعد إقصائهم وتهميشهم عمداً، وهذا قد يكون من الأسباب الرئيسة التي تجعل المجتمع الدولي، المستعجل رحيل الأسد، ينتظر استواء طبخة المعارضة على نار هادئة.

وهذا كله يطرح سيناريوهات عدة للتغيير:

الأول: يتمثل في تكرار الأسلوب الذي اتبعه المجتمع الدولي مع القذافي في تسليح شريحة كبيرة من المدنيين، لمواجهة الجيش والأمن وشبيحة النظام. هذا السيناريو يرجحه بعض من المحللين السياسيين، على رغم الكلفة الباهظة في الأرواح البريئة، لأن مثل هذا النظام الديكتاتوري لن يتنازل بسهولة عن السلطة، خصوصاً أن ذلك يعني تغيير المعادلة السياسية بالكامل، منها سيطرة الغالبية السنية على السلطة.

لذا يعتقد بعض الضباط العلويين أن اللجوء إلى استخدام الإبادة الجماعية، سوف تخمد الثورة المناوئة للنظام. فانتصار الثورة يعني لهم مسألة حياة أو موت؛ لأن تنحي بشار الأسد يعني لهؤلاء أنهم لن ينالوا الحصانة التي ربما سينالها، ولن تستقبلهم أي دولة عربية أو غربية، وبالتالي بقاؤهم في سورية سوف يعرضهم للمحاكمة، وهو ما يجعلهم يدافعون عن النظام حتى الرمق الأخير، ولكن هذا السيناريو سوف يؤدي إلى حرب أهلية لا يعلم مداها إلا الله.

الثاني: ويتمثل في تمكن مجموعة من بعض الضباط الكبار من قادة الفرق والألوية في الجيش ممن لم تصلهم المنافع والميزات التي حصل عليها أقرانهم، من الانقلاب على بشار الأسد وإسقاط نظامه، بعد أن يدركوا أنه أصبح عبئاً عليهم، وذلك لضمان بقاء سيطرتهم على الحكم.

هذا السيناريو أصبح هدفاً يرمي إليه الكثير من قادة دول العالم، تجنباً لإراقة المزيد من الدماء البريئة.

ولكن الحقيقة أن القيادات العليا في التشكيلات الميدانية، أي قادة الفرق، والألوية، والكتائب ينتمي معظمهم إلى الطائفة العلوية.

فقد اعتمد النظام السوري في تركيبة قيادات التشكيلات العسكرية والأمنية، منذ عام 1974، إستراتيجية طائفية لتثبيت حكمه، تقوم على مبدأ إذا كان قائد التشكيل علوياً، فإن رئيس أركانه غالباً ما يكون سنياً، بينما يكون ضابط الأمن درزياً أو إسماعيلياً، والعكس بالعكس.

الثالث: يتمثل في قيام بشار الأسد بانقلاب على أخيه ماهر، كما فعل أبوه حافظ مع عمه رفعت في الثمانينات، حين رأى حافظ الأسد أن رفعت تمادى في سلطته وتجاوزه شخصياً، فأرسله إلى موسكو مع بعض الضباط في مهمة رسمية، ثم أصدر أمراً بمنعه من دخول سورية.

هذا السيناريو يستدعي أن يقوم بشار الأسد، في ما بعد، بمزيد من التنازلات، وسيحاول عرض الكثير من خطوات التغيير السياسي على السوريين، والتعهد بإجراء إصلاحات حقيقية ملموسة. ولكن هذا السيناريو غير مضمون النتائج على المدى البعيد أيضاً؛ لأن بشار الأسد أدرك أن هناك فئة كبيرة من الشعب نالها من الأذى منه ومن جلاوزته الكثير، بحيث لا يمكنها مسامحته.

كما أنه لن يتمكن من التخلي عن سياسته الخارجية مباشرة، وما كان يزعمه بأنه حامي القومية العربية، وزعيم المقاومة والصمود والممانعة الأول.

الرابع: ازدياد الضغوط الدولية على النظام، بعد إصدار قرارات عدة حازمة من الجامعة العربية والأمم المتحدة، مثل القبول بدخول مراقبين دوليين ومن الجامعة العربية إلى سورية، وفتح ممرات إنسانية؛ وفي حال لم يستجب النظام إليها سوف يلجأ المجتمع الدولي إلى الفصل السابع من قرارات الأمم المتحدة. هذا السيناريو يعترض عليه بعض السوريين، ولكنهم في الحقيقة يدركون في قرارة أنفسهم أن تغيير مثل هذا النظام الديكتاتوري القمعي فيه شبه استحالة من دون تدخل قوى عسكرية أجنبية قوية، كما أن هذا السيناريو لن تكون نتيجته مؤكدة على المدى البعيد، خشية المجتمع الدولي من نار حرب إقليمية يمتد لهيبها إلى إيران، ولبنان، ومنطقة الشرق الأوسط برمتها.

الخامس: فرض حظر جوي، ومناطق عازلة على الحدود بين تركيا وسورية في الشمال، وبين الأردن وسورية في الجنوب، لحماية الجيش الحر المنشق، ودعمه بأحدث الآلات الحربية المتقدمة، ومن ثم يقوم هذا الجيش الحر بالتقدم شيئاً فشيئاً في الأراضي السورية إلى أن يقتحم العاصمة دمشق. هذا السيناريو هو المرشح الأقرب لتغيير النظام.

السادس: سيناريو طُرح الأسبوع الماضي في الإعلام، مفاده قيام الدول الخليجية بمباركة غربية بالتوسط بطرح مبادرة شبيهة بالمبادرة اليمنية التي تنازل فيها «صالح» عن الحكم، تنتقل فيها السلطة سلمياً إلى بعض الشخصيات المعارضة المقبولة لدى غالبية الشعب السوري، مقابل إعطاء بشار الأسد ضمانات بعدم الملاحقة القانونية في ما بعد، وهذا السيناريو يميل إليه الكثيرون، لتجنب قيام حرب إقليمية تلوح في الأفق، وتبعث رسائل تطمين لشرائح كبيرة في المجتمع السوري يهولها سيناريو أن تعيش بلادهم نموذجاً عراقياً.

نخلص من ذلك كله إلى أن الأمر يبقى في نهاية المطاف أن سورية لن تعود إلى الوراء أبداً حتى يتم إسقاط النظام.

* باحث في الشؤون الإسلامية.

=================

المعارضة السوريّة... في الحاجة إلى الوضوح

الوسط البحرينية

 فاروق حجي مصطفى

30-11-2011

توضيح الموقف من مسألة التغيير. ترى، أيّ نوعٍ من التغيير مطلوب لسورية؟ مع الأخذ في الاعتبار الوضع الجيوبوليتكي لسورية. هل تريد المعارضة تغيير النظام الأمني أم إسقاط النظام ككل؟

عن المرحلة الانتقاليّة، وكيفية حسمها. هل ستشاركُ السلطة بهذه المرحلة؟ وبشكل أوضح هل سيقودُ الرئيس المرحلة الانتقالية؟ وخصوصاً أنّ المعارضة الخارجيّة تريدُ إسقاط النظام ككل فيما لم تحسم المعارضة الداخليّة إلى حد هذا المطلب وذلك لأنها في الداخل وتعرفُ أكثر من غيرها عواقب هذا المطلب. والسؤال: ألا يمكنُ للمعارضة الوصول إلى حلول وسط، وهل مشكلة سورية مشكلة أشخاص أم مشكلة سياسيّة؟

مسألة التدخُّل الخارجي، ترى أي نوع من التدخل الخارجي مطلوب؟ ألا تحتاجُ المعارضة إلى توضيحٍ أكثر؟ ولماذا هذه الضبابيّة من مسألة التدخل الخارجي؟ وخصوصاً أنَّ القاعدة الشعبية لا تحبّذ تدخُّل ال «ناتو». فيما يتحدّثُ الرأي العامّ عن فشل المبادرة العربيّة وإلى أيّ مدى سيؤثر قرار تجميد عضويّة سورية في الجامعة العربيّة، والنقاط التي ذكرناها أعلاه محل اختلاف في سجال المعارضة السوريّة.

والحق أنّ المعارضة يتعقّد وضعُها بشكل أكثرَ عمقاً، وقد يتعرّضُ لانزلاق خطيرِ، وينذرُ بتدهورِ المسألة السوريّة الأمنيّة والسياسيّة نحو مخاطر لا تُحمَدُ عُقباها في ضوءِ غيابِ آفاقٍ للحلّ لدى السلطة، ولعلّ المعارضة تتحمّلُ جزءاً كبيراً من المسئوليّة في هذا المجال، إذ تعجزُ عن الاتفاق على رؤية معقولة وواضحة!

ولا يخفى على أحدٍ أنّ مردّ بقاء حال المعارضة إلى هذا المستوى من الشرخ يعود إلى التباين في قراءات الحالة السوريّة بين المعارضتين (الداخل والخارج). وللأسف لم يقفْ هذا الشرخ في حدود تباين في الرؤى بل وصلَ الأمر إلى حدود كيلِ التُّهَم بعضها بعضاً. المعارضة الخارجيّة تتّهمُ الداخليّة بأنّها في جيب النظام، فيما تتّهم الداخليّة بأنّ المعارضة الخارجيّة تعملُ دون أخذ وضع البلاد الداخلي في الاعتبار، وتقولُ إنّها لا تُعيرُ الاهتمام كثيراً بسقوط عدد القتلى والجرحى، وكذلك الاستنفار الأمني الذي صار خياراً لابد منه لدى السلطات، هذا فضلاً عن الفشل في إقناع الشريحة الصامتة والميّالة إلى النظام أكثر من المعارضة.

ولا نستغربُ أنّه من الاستحالة بمكان إقناع الصامتين بأنّ النظام كذا وكذا، مع أنّ هذه الشريحة لها دورها وأهميتها شئنا أم أبينا، فهي بمثابة بيضة القبّان في المعادلة السوريّة، ولعلّ كل ما ذُكِر ينعكسُ سلباً على المدن الكبرى وانخراطِها في الحالة الثوريّة التي ما انفك يعيشها السوريون منذ أكثر من ثمانية أشهر. ويبدو أنّ فاعليّة هذه المدن وتباطؤها في تفاعلها مع الثورة لا تتمّ عبر تصريح ثوري من هنا ورسالة من هناك، إنّما عبر إعطاء ضمانات لمالكي مفاتيح المدن وشاغليها.

والحال أنّ فشلَ المبادرة (ربما) يأتي في المرتبة الثانية مقارنة مع ما يجري داخل المعارضة السوريّة من مهاترات، والغريبُ أنّها تتهرب من استحقاقها. فقبل كلِّ شيءٍ؛ المعارضة أمام استحقاق تاريخي ولعلّ وحدتها ووضوح برنامجها وأفقها هي من ضرورات المسألة، ففي توحيد خطاب المعارضة ستضطرُّ الشريحة الصامتة إلى أن تحسم موقفها أمّا تكون مع النظام أو مع المعارضة.

والعودة إلى مسألة انخراط المدن الكبرى للثورة، ولعلّ هذه المدن ولا سيما الكبرى منها وإنْ كانت لها أهميّة معنويّة كبيرة لدى الثورة بشكل عام إلا أنّ التاريخ يذكّرُنا دائماً: كم من ثورات نجحتْ من هوامش المدن وليس من مركزها. ثمّ ألا يقولُ ياسين حاج صالح إنّ الثورة السوريّة هي «صراع بين مجتمع العمل ومجتمع الامتيازات والسلطة»، فإذا كان كلام حاج صالح صحيحاً فمعنى ذلك أنّ مشاركةَ مراكز المدن الكبرى ليس لها من معنى كبير لأنّ الرهان على سكان مراكز المدن في القيام بالثورات في مناطقنا هو رهان خاسر من الأساس، ولعلّ السبب بالدرجة الأولى يعود إلى أنّ غالبية السكان تكون من مجتمع الأثرياء والامتيازات، وتالياً هو جزءٌ من النظام العام أو السلطة.

هذا من الناحيّة التحليليّة، أما من الناحيّة التاريخيّة؛ فإنه دائماً كانتْ ثمّة حساسيّة بين المدن السوريّة والغيرة بينها كانت تصل إلى حدّ العصبيّة، فمن يدري، ربما تأخُّر دمشق عن مركب الثورة لسببٍ يتعلَّق بطبيعة مجتمعها وكذلك حساسيتها تجاه مدينة ما؟

والحقّ لو تصفَّح أحدُنا في صفحات التاريخ قد يلاحظ أنه ولمرات عدة تأخّرتِ المدن الكبرى عن مواكبة العصيانات أو الثورات، ولعل التاريخ يذكرُ أنّ دمشق كانت عصيّة على التغيير في أكثر من مرة، وربما لهذا السبب التجأ أكرم الحوراني إلى القيام بعصيان في حماة في القرن الماضي وليس في دمشق. هذا الأمر قد ينطبق على حلب أيضاً ولو بنسب متفاوتة. قد يصحُّ القول إنّه من الخطأ من يظن أن مدينتي حلب ودمشق ستجلبان للثورة السوريّة «رأس الزير سالم»، فدمشق «تأكُل ولا تُؤكل»، أو «تضم لا أن تُضم» بحسب تعبير صقر أبو فخر، فهي بهذا المعنى لا تُساق وراء أي مدينة من المدن السوريّة، ومن يدري ربما تكون عصيّة على التغيير من الخارج والداخل، لكن لا خوفَ عليها، إنّ «أهليها الأصليين يقدمون الولاء لمن يمسك السلطة» حسب تعبير نبيل الشويري، وهو من مؤسسي حزب البعث، في حواره مع صقر أبو فخر.

أما بخصوص حلب فهي تغيّرت كثيراً بعدما أُفرغَت من محتواها نتيجة الاتفاق الذي حصل بين الفرنسيين والأتراك في عشرينات القرن الماضي، والذي نتج عن سلخِ لواء أسكندرون من سورية، الذي كان بمثابة نافذة حلب للعالم الأوسع.

معروف عن حلب أنها دائماً من يوَدّ منها الولاء والتأييد يُراعي شعور أهلها ومصالح أبنائها، وعندما أرادَ الملك فيصل كسب ودّها وولائها وسحبها لوائه من تركيا، جاء إلى حلب وبشّر أبناءها بعلمنَة سورية، إذ قال: «الدين لله والوطن للجميع». يُقال إنّ الملك أراد من وراء هذا الخطاب كسب ودّ رُبْع سكان حلب من المسيحيين، وراعى شعور الأقليّات العرقيّة.

والسؤال الذي يطرح نفسه، تُرى، ماذا قدّمَتِ المعارضة لهذه المدن (دمشق وحلب) غير مطالبتهما بالانضمام إلى الثورة؟ في الحقيقة أنّ حلب ودمشق وتبعاً لطبائع مجتمعاتهما تحتاجان إلى اهتمام خاص من خلال توجيهِ رسائل خاصة لأبنائهما، ولا يمكن اختزال مآلات مجتمعات حلب ودمشق في المآل العام للسوريين.

قصارى القول؛ إنّ المعارضة لم تَقُمْ بتوضيحِ هدف الثورة السوريّة، وفيما إذا كانت الثورة تسعى إلى تحقيق إسلامية الدولة أم علمانيتها، لأنّ توضيح هذا الهدف له أهميّة كبيرة، كون علمانيّة الدولة تهمُّ الأقليّات الدينيّة منها والعرقيّة

==========================

الكرد ولحظة التغيير السوريّة

نعيد نشر هذا المقال رغم أنه منشور مسبقا ... تحفظاتنا على المعلومات الواردة فيه كثيرة ومنها أنه ينسب إلى الأستاذ زهير سالم كلاما يقول إنه قاله على قناة المستقلة ولم يحدث ذلك.. ولا ندري لماذا يضع بعض الأخوة الكرد قضيتهم في وجوهها العادلة في مواجهة إرادة الشعب السوري.. وإخوانهم في المعارضة .. مع التحية الطيبة للأخ كاتب المقال.. مركز الشرق العربي

الكرد ولحظة التغيير السوريّة

فاروق حجّي مصطفى

الآداب عدد ١٠-١٢ /٢٠١١

تمهيد

الكرد من المكوّنات الأساسيّة للنسيج المجتمعيّ والتاريخيّ السوريّ. فقد شاركوا تاريخيّاً في بناء دولة سوريا، وتراوحتْ مشاركتهم بين صناعة القرار إذ تبوّؤوا مناصب عليا (من رئاسة الجمهوريّة إلى رئاسة الحكومة وقيادة الثورات)، والعمل في موقع المقاومة مع الجماهير. وبعد شعورهم بتهميشهم من قِبل السلطات والأحزاب، ولا سيّما الحزب الشيوعيّ والأحزاب القوميّة العربيّة في أواسط الخمسينيّات، شكّلوا حزبًا خاصّاً بهم، هو الحزب الديمقراطيّ الكرديّ.(1) ولهم الآن عددٌ لا بأس به من الأحزاب، جاء نتيجةً للانشقاقات الحزبيّة، بعضُها قدرتُه محدودة، وبعضُها الآخر يملك إمكانيّاتٍ شعبيّة معقولة. وقد أسّس بعض هذه الأحزاب مع قوى عربيّة معارضة "إعلان دمشق للتغيير الديمقراطيّ" إثر الحراك النخبويّ في مرحلة ربيع دمشق.

قاوم الكرد سياسة سلطة الوحدة في العام 1958 بين مصر وسوريا، فرفضوا حلّ حزبهم الوحيد على الرغم من أنّ غالبيّة الأحزاب الأخرى في سوريا، بما فيها حزبُ البعث، حلّت نفسها. ومنذ أواسط الثمانينيّات عاشت هذه الأحزاب ضمن إطار سياسة "غضّ النظر" من طرف السلطة السوريّة. وبلغ قمعُ السلطة لهم ذروته بعد العام 2004، أيْ بعد الانتفاضة الكرديّة في سوريا (أحداث القامشلي).

اليوم، تتفق غالبيّة هذه الأحزاب (ولها نشرات ومجلات ومواقع إلكترونيّة) بعضها مع بعض، ومع المثقفين الكرد المستقلّين، على ضرورة حماية حركة الاحتجاجات وإنجازاتها. ولها في هذا الشأن مبادرة للخروج من الأزمة الوطنيّة التي نعيشها. كما أنها تستعدّ لعقد مؤتمر وطنيّ يمثّل مرجعيّة الكرد السياسيّة. (2)

الكرد وحالة الاستقطاب

عندما بدأتْ حركةُ الاحتجاجات في سوريا راهن كثيرون على أنّ الكرد سيشكّلون وقودًا لأيّ نشاط معارض، وظنّت المعارضة السوريّة أنّ الاحتجاجات ستقوى في المناطق الكرديّة. أما السلطة فراهنتْ على صمت الكرد، وعلى أنّ استمرار هذا الصمت سيؤثّر سلبًا في مصداقيّة الاحتجاجات لأنّه سيصنّفها ضمن إطار "الصراع الطائفيّ" (وفق تصوير البعض للاحتجاجات البحرينيّة)، على عكس الاحتجاجات ذات الطابع الوطنيّ العارم. ولعلّ سبب نظرة الكثيرين إلى أنّ الكرد سيصبحون وقود الاحتجاجات لا يعود إلى أنّ الكرد "بسطاء ويمكن استغلال بساطتهم وحماستهم" بل لأنّ ثمّة مشكلة قائمة منذ أمدِ بعيد، اسمها "القضيّة الكرديّة في سوريا." وهذا يعني أنّ حلّ المسألة الكرديّة من المسائل المهمّة في المشهد الوطنيّ السوريّ.

ثمّة من يرى أنّ المعارضة الوطنيّة الديمقراطيّة لم تفعلْ شيئًا استثنائيّاً كي ينخرط الكردُ بفاعليّة أكبر في الاحتجاجات. وعلى الرغم من أنّ هؤلاء حرصوا على عدم إثارة النعرات، وسعوْا إلى الحفاظ على الوحدة الوطنية وعلى العلاقة العربيّة الكرديّة، فإنّ تلك المعارضة لم تستثمرْ ذلك لبناء علاقةٍ جديدةٍ بين مكوّنات المجتمع السوريّ مبنيّةٍ على التعايش المشترك عبر تقدير كل طرف هواجس الآخر وحقوقه.

لقد فسحت الحركة الاحتجاجيّة المجالَ أمام الكرد ليكونوا صنّاعَ سوريا جديدةٍ، وذلك من خلال ثقافةٍ تبنّت شعار "واحد واحد الشعب السوري واحد." ورأوْا أنّ حماية الانتفاضة جزءٌ من المسؤوليّة الوطنيّة، تقع على عاتقهم حمايتُها كما تقع على عاتقهم حمايةُ حقوقهم الكرديّة.

ومن هشاشة الوعي السياسيّ، وقِصر الرؤى، أنّ نعتقد أنّ الكرد سوف يكونون خارج إطار التغيير، أو يكونون من دعاة التدخّل الخارجيّ في الشأن السوريّ الداخليّ. ويعود ذلك إلى أسباب كثيرة أهمّها:

أولاً: علاقة الكرد بالسياسة من جهة اليسار تاريخيّاً. فهذا يجعلهم غير واثقين بجدوى الحديث عن التدخّل الخارجيّ لصالحهم لأنه لو حدث فلن يكون عاملاً مساعدًا على بناء دولة الشراكة بقدر ما سيعمل ضمن إطار المصالح. ولعلّ عدم ذهاب الكرد إلى مؤتمر أنطاليا دليلٌ على رفضهم خدمة أيّ أجندات خارجيّة.

ثانيا: علاقة الكرد بالتاريخ السوريّ حتى الآن أكّدت هذه الوطنيّة التي بدأها كثيرون، أمثال يوسف العظمة وإبراهيم هنانو، ولم تنته حتى اليوم لأنّ أساساتها الاجتماعيّة الاقتصاديّة كانت تتعزّز باستمرار (اختلاط، زواج، صداقات، علاقات تجاريّة صناعيّة وتفاعلات ثقافيّة وحضاريّة بين ألوان الطيف السوريّ).

يمكن الحديث عن إشكاليتين بقيتا معلّقتين في المشهد السوريّ والكرديّ:

الأولى، أنّ الكرد حاولوا تاريخيّاً، وبطرق عدّة، طرح مشكلاتهم، وأهمّها الحقوقيّة، عبر مختلف الأقنية، لكنْ قوبل ذلك بنوع من الحذر واللامبالاة، ولم يجدوا آذانًا صاغية لصيحاتهم من قبل الجميع (الدولة، المعارضة، المثقفون).

والثانية، أنّ النخبة الفاعلة (من مثقفين وسلطة) لم تستطع حتى اللحظة أن تتحرّر من تهمة "رغبة انفصال الكرد عن سورية." بل المفارقة أنّ الكرد أنفسهم لم يستطيعوا التخلّص من هذه التهمة حتى اليوم، على الرغم من كلّ تضحياتهم. هذه الفكرة فعلتْ فعلها في ما جرى، وتجري اليوم محاولةٌ لتطويقها عبر تصريحاتٍ تتحدّث عن اللحمة الوطنيّة وتركيبة النسيج السوريّ، وإنْ بصيغٍ غامضة تتّهم أيدي خارجيّة وعملاء داخليين. ولكنْ، في الحصيلة، يقرّ الجميع بأنّ الخوف من الانفصال كان وهمًا لم يعد مفيدًا نشرُه.

اليوم يعتبر الكرد أنّ قضاياهم لفتت الانتباه، ويروْن ذلك مدخلاً للحوار العربيّ الكردي الذي يراهنون عليه للوصول إلى مطالبهم المشروعة. ولذلك عمدت الشخصيّات والفعّاليّات والوجهاء والأحزاب الكرديّة، بالتناغم مع الفعّاليّات الوطنيّة، إلى إطلاق بيانات وعبارات تساعد على التغيير. ولقد آن الآوان لتفّهم الحالة الكرديّة من دون مواقف مسبّقة تطفو على السطح كلما أراد الكردُ المطالبة بحقوقهم، ومن دون رميهم بتهمة "الانفصال" أو تهمة "الإضرار باللحمة الوطنيّة" أو غيرهما.

ويمكن الاستنتاج أنّ الكرد، فورَ وجودهم حركةً سياسيّةً، كانوا من أنصار التعاون وبناء علاقاتٍ جديّةٍ مع العرب. ولعلّ نقاشاتهم مع الوسط النخبويّ العربيّ كانت همّاً أساسًا من هموم السياسيّ الكرديّ، آخذين بعين الاعتبار أنّ الوضع الكردي يصلّح داخليّاً، وأنّ الشأن الكرديّ شأنٌ ديمقراطيّ (بمعناه الحيويّ والفعّال) لا مسألة قوميّة جافّة وخشنة. لذلك أعتقد أنْ لا كرديّ يرضى أن يكون معزولاً ومرفوضًا في النسيج السياسيّ السوريّ. ولقد أثبت تاريخُهم السياسيّ:

1- أنهم حريصون، ربّما أكثر من غيرهم، على الوحدة الوطنيّة، ومقتنعون بأنّ حلّ القضايا العالقة يتمّ بالحوار بين كل الأطياف السوريّة وفعّالياتها السياسيّة والمجتمعيّة المعنيّة جدّيّاً بعملية التغيير.

2- وأنهم يعرفون أنّهم يشكّلون مع غيرهم نسيجَ المجتمع السوريّ بألوانه الجميلة، وأنّ هذا النسيج يحتاج اليوم إلى الأخذ في الاعتبار، وبشكل واسع وموضوعيّ، مسألة الديمقراطيّة من كلّ جهاتها. وبهذا يصبح تناول الاحتجاجات شأنًا سوريّاً خاصّاً مرتبطًا بالمسألة الديمقراطيّة، ويؤدّي تأجيله إلى جعل كلّ الحلول منقوصة.

3- وأنهم أصحاب مصلحة حقيقيّة في الاتجاه نحو تغيير جذري سياسيّ اقتصاديّ - اجتماعيّ ديمقراطيّ - في سورية، بحيث يجري بناءُ الدولة الحديثة التي تؤسّس لمجتمع مدنيّ تتراجع فيه كلّ العصبيّات القوميّة والقبليّة والعشائريّة ويمتلك المواطن قيمة سامية تدرك أنّ الوطن "وطن حقوق لا وطن حدود".

سورَنًة القضيّة الكرديّة

يمكن القول إنّ الكرد بدوْا في حاجة إلى الخلاص من ثقافة محمد طلب هلال (مهندسِ فكرة العنصريّة في بداية الستينات)، ومن الوضع السائد، وسياسةِ الإقصاء. ولأجل ذلك نراهم يصرّون على وطنيّتهم، وعلى التفاعل السياسيّ الوطنيّ. وقاموا بخطوة عمليّة كبيرة حين حاولوا وقف انتفاضة أبنائهم عام 2004، التي ما إن اندلعتْ شرارتُها الأولى في ملعب كرة القدم في القامشلي، وأخذتْ طابعًا احتجاجيّاً مصبوغًا بالعنف الدمويّ بسبب سوء إدارة السلطات للأزمة وتفضيلها للحلّ الأمنيّ على حساب الحلول الأخرى، حتى امتدّت إلى كلّ المناطق التي يقطنها الكرد: من ديريك (أقصى شمال شرق البلاد) إلى حيّ زورافا (بدمشق) مرورًا بعين العرب وحلب وعفرين. ولعلّ محاولة النخبة الكرديّة وقفَ الانتفاضة آنذاك تعود إلى الحرص على ألا يُتّهَم الأكراد بأنّهم انفصاليون ويريدون تمزيق وطنهم الذي يُعتبَرون أحد المكوّنات الأساسيّة لتأسيسه. وللتذكير فقط، فقد جاءت أولُ طلقة في صدر الاستعمار الفرنسيّ من الكرديّ محو إيبو شاشو، وأول شهيد سقط برصاص الاستعمار كان يوسف العظمة في معركة ميسلون، وأول ما نطق به الاستعمارُ معلنًا مجيئه كان موجّهًا إلى الكرد وذلك حين ضرب غورو بقدمه ضريحَ صلاح الدين الأيّوبي عند مدخل سوق الحميديّة في دمشق قائلاً: "ها قد عدنا ثانيةً يا صلاح الدين." طبعًا، هذه ليست منّة لأحد، ولا فضلاً من أحد على أحد؛ فنحن سوريون أولاً وآخرًا.

وبسبب المصلحة الوطنيّة، مضغ الكردُ لائمة المعارضة التي وُجّهتْ إليهم بعد الاعتقالات التي حدثتْ في صفوف قيادة "الإعلان." فقد اتُّهم الكرد بأنهم قصّروا تجاه رفاقهم من "الإعلان" في السجون، في حين رأى الكرد أنّهم إذا فعلوا أيّ شيء فسيزعم النظامُ أمام الرأي العامّ السوري أنّ الكرد يستغلّون القضيّة الديمقراطيّة و"يكرّدون" المسألة الوطنيّة السوريّة!

المعارضة السوريّة والكرد

لكنْ في المقابل، ماذا فعلت المعارضة؟ مع اتساع دائرة الاحتجاجات، دخل اليوم على خطّ المعارضة العاملُ الإقليميّ، ولا سيمّا بعد أن عقدتْ سلسلةَ مؤتمرات في تركيا. وصار "الإخوان المسلمون" السوريّون يعتمدون إلى درجة كبيرة على أن يسهم "حزبُ العدالة والتنمية" الحاكم في أنقرة في عودتهم إلى الملعب السياسيّ السوريّ، لما لتركيا من دور مهمّ في في سوريا. وهذا الأمر أزعج الكرد لأنهم لا يحبّذون العلاقة العميقة مع تركيا، ولا يريدون وصايتها خلال المرحلة المقبلة، بل هم لا يثقون بها، إذ يتساءلون مثلاً كيف ينتهك الأتراكُ حقوقَ الإنسان في كردستان تركيا ويدافعون في الوقت نفسه عن حقوق الإنسان في سوريا؟

أما المعارضة السوريّة العلمانيّة فليست أحسن حالاً من "الإخوان": فهي أيضًا تعمل ضمن إطار إيديولوجيّ تقليديّ لا يستجيب للتطورات بسهولة، وهي أحيانًا تعجز عن المواكبة بسبب المواقف المسبّقة، وجزء منها متشبّثٌ بالفكر الشموليّ اليساريّ الذي كان طاغيًا على كلّ الإيديولوجيّات في المشرق. لقد تجاوز الطرفان، الإسلاميّ والعلمانيّ، الكردَ. لكنّ هؤلاء أقرب إلى العلمانيين. ولا نستغرب أنّ القوميين العروبيين قد يكونون أكثر انسجامًا مع الحالة الكرديّة من الإخوان المسلمين وهنا لا أقصد المناخ الدينيّ إذ قد يكون للأقليات مكانٌ في هذا المناخ، لكنّ العيب الوحيد فيه أنه لم ينتج حالة المعارضة الإسلاميّة الديمقراطيّة السوريّة الحقّة، ولا يمكن الاستناد إلى الوثيقة التي حرّرها "الإخوان" في أواسط هذا العقد والتي تتحدث عن بناء دولة ديمقراطيّة مدنيّة.

بقي القول إنّ التجربة المصرية قد تدفعنا إلى عدم الوثوق بشكل مفرط بالإسلام السياسيّ، خصوصًا لأنّه تَلْزمهم في بعض الأحيان صفةُ الانتهازيّة. وإن ننس لا ننس في هذا الصدد ما قاله الناطقُ الرسميّ ل "الاخوان" السوريّة، زهير سالم، على قناة "المستقلّة،" من أنّ سوريا بلد مسلم ويجب أن يكون الإسلام هو المصدرُ الأساسُ للدستور. هذا فضلاً عن أنّنا رأينا مؤخّرًا كيف كان بعضُ الإسلاميين يستعجلون في إنجاز أطر أو مؤسسة بديلة ليس للنظام فحسب بل لكلّ السوريين أيضًا. والسؤال المهمّ هو: هل ستسهم المعارضة في تأسيس فضاءٍ للتعايش المشترك بين المكوّنات السوريّة من خلال خلق الأرضيّة المناسبة لقبول الآخر وبناء دولة الشراكة؟!

(1) تأسس أول حزب اسمه الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا في صيف عام 1957.

(2) الكرد في سوريا يقطنون المناطق التالية: عفرين "جيا كرمانج"، عين العرب "كوباني"، القامشلي، رأس العين "ساري كانيه"، عامودا، ديريك... بالإضافة إلى وجودهم الكثيف في بعض المدن الكبرى، مثل دمشق وحلب والرقّة والحسكة وغيرها. ويقدّر عددهم بين مليونين وثلاثة ملايين نسمة، حسب توقّعات الأحزاب الكرديّة التي هي اثنا عشر تنظيمًا سياسيّاً غير مرخّص.

*كاتب سوري كردي.

========================

التحدي الأعظم الذي يواجه التيار الإسلامي في تونس والمغرب

خالص جلبي

إيلاف

28/11/2011

يوسف عليه السلام طلب المنصب مقابل إنقاذ شعب مصر من مجاعة قادمة لسبع سنين عددا، ولو أن المجاعة والقحط لم يضرب مصر لكان مصير يوسف الإعدام.

كانت مراهنة يوسف كبيرة ولكنه كان صديقا فنجاه الله ثلاث مرات: من الجب وحسد الأخوة. من جب المرأة الشهوانية وأحابيل الطبقة المخملية من نساء القصر. وأخيرا من التنبؤ المسبق بعاصفة قادمة في الأفق تهلك الزرع والضرع ويجب الاحتياط لها. فنجا ثلاث مرات كما قال الرب لولا أن رأى برهان ربه كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين.

والحركة الإسلامية في المغرب وتونس تتبوأ مقعد يوسف حاليا فإن فشلت فمصيرها الإعدام فالجماهير تصبر على الكذابين ولكن ليس لكل الوقت، وما رأينا من انفجار الأوضاع في غابة العروبة يشبه قصة المزرعة لأورويل تماما فقد انتفضت الغنمة والدجاجة والحصان في وجه الخنازير وذراريهم من الفاسدين النهابين.

انتصرت الحركة الإسلامية في تونس والمغرب بالانتخابات فلا تفرح بالمناصب والحقائب الوزارية بل تلبس أوفر هول العمال وتمسك المكنسة مثل أي عامل والبدء بتنظيف المجتمع بعد إحصائه ودراسته لكنسه من الفساد والبدء ببناء دولة عصرية جديدة للخروج من زمان دول المماليك فالوقت ليس للجلوس في الكراسي بل بنسفها والنزول إلى الشارع للعمل مع الكادحين.

ينقل عن نابليون أن أخطر تحدي يواجه المنتصر هي لحظة الانتصار فيدور رأسه ويتزحلق فيقع فلا ينهض.

أذكر هذا لأن أمام الحركة الإسلامية في العالم العربي اختبار صعب يسقط فيه أعظم اللاعبين ألا وهي السياسة والقيادة، في بلاد كسيحة منذ أيام كافور الإخشيدي.

في نوفمبر من عام 2011م انتصرت حركة النهضة في تونس، والعدالة والتنمية في المغرب، وهما تياران إسلاميان، في انتخابات وصفت بالنزيهة والشفافة، وبذلك قفز الإسلاميون إلى سدة يوسف الذي اعتلى عرش العزيز، ووضع يده على خزائن الأرض فكان الحفيظ العليم.

ولكن هل حركة النهضة في مقام يوسف؟ أم العدالة والتنمية تتبوأ مكانة الصديق؟

أذكر جيدا من السيرة حين فاجأ الوحي نبي الأمة بدأ يرجف ويرعش حتى نزلت سورة تنصح بلف الدثار (يا أيها المدثر قم فأنذر) فالأمر ليس بردا بل تحديا بالحركة، فقال نبي الرحمة ص لخديجة الكبرى زوجته:

لقد ولى عهد النوم.

وهو ماينتظر شباب الحركة الإسلامية في الشمال الأفريقي بعد أن قالت لهم الأمة سلمناكم القيادة.

ولهم الويل إن فشلوا!

أمام التيار الإسلامي في العالم العربي مهمة دونها الجبال الراسيات، ولا أظن أنه سينجح فيها لأسباب في الحركة، وأسباب في الشلل الاجتماعي. مع ذلك فالزمن كفيل بأن يكذب مزاعمي، وأرجو أن أكون مخطئاً.

مزاعمي هذه أحاول توظيف العلوم الطبية والتاريخية لها.

لقد حاولت ألمانيا الغربية أن تحيي الشرقية التي كانت في قبضة الستازي (المخابرات الشيوعية STASI) فاشترتها مرتين؛ الأولى صفقة مع جورباتشوف أن لا يتدخل الجيش الأحمر حين انتفض الناس في خريف 1989م، والثانية حين أرادت بناءها فأنفقت 1300 مليار يورو بدون فائدة، والسبب هو الكساح والشلل الطويل.

نحن نعرف هذه الظاهرة جيدا في عالم الطب والبيولوجيا فكل عضو لا يستخدم يضمر، وكل مفصل لا يتحرك يتكلس، وهكذا.

حين يبقى الإنسان في العناية المشددة أمدا طويلا ثم يستيقظ من سبات نبدأ بعملية التأهيل لمفاصل متيبسة وعضلات ضامرة وعظام مترققة وهي مهمة طويلة مزعجة مؤلمة وأحيانا لا تنجح، وإذا نجحت مشى صاحبها بتعثر وتطوح وترجرج فلا يعود سويا كما كان. نموذج هذا في المعارضة السورية ولماذا هي مزع ومزق!

وهذا هو حال الشعوب التي تقع في قبضة الأنظمة الشمولية لفترة طويلة. ومن المفروض أن تموت فلا تنهض؛ فالحياة والموت مفردات من نفس النبع، ولكن روح الله في الإنسان هي التي تدفعه للثورة فيتقدم للموت وهو مؤشر عجيب على جنون الإنسان فعلا وجدليته المحيرة كيف يستقبل الشباب الموت كما رأينا في حمص في سوريا.

الناس في سوريا يسمون الحماصنة جدبان! أي خفيفو العقل! فعلا إنهم مجانين بهذا المعنى. حمق بهذا المعنى. لأنهم يولِّدون المعنى والحياة!

مشكلة الحرية والديموقراطية والسلام والعدل والتنمية أنها أكبر من الكلمات، فكيف سيتعلم الجاهل؟ ويأكل الفقير المعتر؟ أم كيف ستنتشل المرأة نفسها من طبقة الدونية وتتحول إلى كائن غير مهان؟ كيف سيتم التخلص من جيوش المخابرات والعسس والجاندرما؟ والقضاء على ديناصورات الفساد؟ كيف سيمشي البلد في طريق الازدهار؟ كيف سيرتفع دخل المواطن وينعم بنظام صحي معقول؟ كيف سيتم تأمين السكن لملايين من المشردين والحرية لمدن العبيد؟

إنها مهمة دونها الجبال الراسيات؟

صدق القرآن حين قال أن الأمانة عرضت على الجبال والسموات فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان فتورط إنه كان ظلوما جهولا؟

نحن أمام جدلية غير قابلة للحل فإذا كان الإنسان ظلوما جهولا فلماذا يتورط فيحمل أمانة عجزت عن حملها السموات والأرض والجبال وأشفقن منها فحملها الإنسان؟

هناك انتخابات في العالم العربي، ويظن الناس أنهم وصلوا إلى شاطيء الحرية بسلام، وأنهم دخلوا عصر التنوير، ولكن من دخل عصر التنوير من باب السياسة دخله من الباب الخلفي، وحينما كان الفيلسوف (إيمانويل كانط) يكتب رسالته حول التنوير (Die Aufklaerung) لم تكن هناك انتخابات في ألمانيا.

اتصلت بصديق لي كان مغموسا في الانتخابات إلى قراريط أذنيه قلت له هل انضممت إلى جوقة السياسيين؟ هز رأسه بأسف وقال سياسيون بلا سياسة صدقت.

الانتخابات لا تعني الديموقراطية، ولكن وعي الجمهور، ولن يستطيع ديكتاتور أن يركب رقبة شعب واعي.

استفدنا من مالك بن نبي حين نقل خرافات الصوفية إلى صناديق الاقتراع فقال إن الفرق الصوفية القديمة تحولت إلى أحزاب سياسية، وأصبحت بطاقات الانتخابات حروز وتمائم.

كما أن الديموقراطية مفهوم رجراج ولكنها الموضة الدارجة اليوم، ونفس ديموقراطية أثينا ضحت بأعظم عقل بشري فأرسلت سقراط إلى الإعدام.

وما أريد أن أقوله أن رصيد الانتخابات هو الوعي أكثر من صناديق الانتخابات، وأن التمثيل الفعلي لإرادة الأمة يعتمد على آليات تخضع للوعي والمراقبة، فلا يعول مطلقا على الطيبة عند الإنسان.

وأي إنسان ملك القوة تحول إلى طاغية، وأي سيارة ليس فيها فرامل مصيرها إلى الكارثة، وأي مجتمع يمسكه صداديم وقذاذيف صغار وكبار فمصيره إلى الهلاك؛ ما لم تنفجر ثورة فتحرر!

ولكن قول هذا سهل؛ فالعراق خلص من صدام فنبت من رماده صداديم كثر، والقذافي لم يكن ليخلص منه الليبيون بدون الناتو؛ فهذه حقيقة صادمة فاجعة مؤلمة، ولكنه هذا هو دأب الحقائق أنها موجعة ولكن لا يقولها أحد؛ فوجب على الكاتب أن يقول قولا لا يوقظ نائما ولا يزعج مستيقظا.

الانتخابات الحديثة هي نسخة مزورة عن ديمقراطيات الغرب، والديمقراطيات الغربية ليست تماما تنبع من تراثنا، بل هي غريبة علينا مثل السيارة والطيارة والكمبيوتر!

 فهل من نموذج خاص بثقافتنا يولد فيه الإنسان محررا من علاقات القوة والمال؟

نحن نحكم بالمخزن والمخابرات والقوة والعسكر والمسدس والسيف منذ أيام الانقلاب الأموي، ولا نعرف الشورى ولو بالشمم والرائحة من مسافة سنة ضوئية، وتاريخنا هو خلاصة من قنص السلطة الدموي والمحافظة عليه بالدم، شاهد هذا مناظر الدم في سوريا واليمن.

بالمقابل في الغرب من يسود ويتبوأ هو من يملك المال فيحرك الآلة الدعائية لحسابها فيصل إلى الكونجرس الأمريكي من رأيناهم يصفقون مثل القرود للصهيوني نتنياهو، وهو ما يذكر بمجلس قرود البابون في سوريا (عفوا مجلس الشعب).

في الكونجرس قرود الأورانج أوتان وفي سوريا قرود البابون بنسخة من قرود ممسوخين.

آلية الديموقراطية الغربية تقوم ليس على نموذج (إكراه وقوة) المخابرات في جمهوريات الخوف والبطالة التي تسوق الناس بالسوط عبيدا خائفين.

في أمريكا والغرب من يسوق الناس قوة المال من خلف جدار فيمشي الناس عميا مسحورين. مع أننا نعلم أن السحر خيال كما فعل سحرة موسى في الحنش وأفاعي الصل (خيل إليه من سحرهم أنها تسعى ).

السحر ليس حقيقة ولكننا ما نرى في عالم السياسة هو الحقيقة التي تمشي على وجه الأرض في عالم الجملوكيات والكونجرس الأمريكي.

 الوهم لا يعني الحقيقة، ولكن هذا وهم؛ فهناك العديد من الأوهام يتغذى عليها الناس بقوة هي أشد من الحقيقة؛ لأن الأثر والمفعول لما يعتقد الناس بعيدا عن الحق والحقيقة.

في (الحديث) أن الإنسان الذي يقدم نفسه للولاية لا يمنح هذه الولاية، وهي آليات الديموقراطيات الحديثة، فجاء في الحديث "والله إنا لا نولي هذا الأمر أحدا سأله".

وفي الحديث أيضاً إنكم ستحرصون على الإمارة وستكون ندامة يوم القيامة، ومنذ زمن بعيد ذهب المثل العربي "يا حبذا الإمارة ولو على الحجارة".

وذكر (أبو حامد الغزالي) في كتابه (إحياء علوم الدين) أن آخر ما يخرج من قلوب الصالحين هو حب الرئاسة، وعلل ذلك بأنها متعة الألوهية.

 والتوحيد أصله سياسي وليس لاهوتيا، وإلا لكانت بعثة الأنبياء والرسل في التاريخ سهلة.

ولا إله إلا الله تعني نسخ ألوهية البشر السياسية. ومشكلة العالم العربي الحالية هي الوثنية السياسية لو كانوا يعلمون.

والغرب حل هذه المشكلة العويصة فلم يعد الحاكم إلهاً، وكان من قبل كذلك. والملك هنري الثامن تزوج ستة زوجات طارت رؤوس ثلاثة منهن بالمقصلة على الشبهة وكان يردد أنا الملك مفوض من الله، وهو الذي أنشأ الكنيسة الأنجليكانية فأصبح بابا في لندن.

 وحيثما دخلت الحدود العربية طالعتك أوثان ثلاثية بما يذكر بعقيدة التثليث عند الكنيسة، وهذا يخبر عن أهمية الأمر الذي ألح عليه القرآن في نسخ عبودية البشر، وأنه ما أرسل من رسول إلى قومه إلا بهذه الكلمة يا قومي اعبدوا ا لله مالكم من إله غيره أفلا تتقون.

 والسياسيون الكذابون اليوم هم مثل سحرة موسى يلقون حبالهم وعصيهم لجمهور أمي يستقي ثقافته من محطات فضائية تنشر التضليل أكثر من الثقافة، بعد أن ودع الجمهور الكتاب وتحول إلى ثقافة المشافهة، ولم تكن المشافهة يوماً ثقافة.

وحينما تدعي أمريكا أن مهمتها زرع الديموقراطية فيجب أن نفكر في الموضوع ألف مرة، وحسب (سيمور هيرش) في حديثه عن حروب أمريكا المستقبلية قال أن أمريكا تعتمد أصدقاء ديكتاتورين في المنطقة العربية، وذكر بلداناً ثورية عربية دأبت على شتم أمريكا ظاهرياً والتعاون معها سرياً.

وحينما نسمع حوار اثنين من السياسيين العرب عن الديموقراطية والانتخابات فيجب إتباع نصيحة الفيلسوف (شوبنهاور) أن نراقب حوارهم مثل أي مسرحية هزلية يؤدي دورها أحمقان.

======================

ماذا يجري في القاهرة بين المعارضتين السوريتين؟

بقلم منذر خدام

النهار

تجري في القاهرة، وبمبادرة من الجامعة العربية، محادثات بين المعارضتين السوريتين، المجلس الوطني وهيئة التنسيق، للاعداد لمؤتمر وطني في القاهرة يوحّد المعارضة السورية. لكن فيما الشق السياسي من المحادثات يتقدم، الشق التنظيمي معطّل لرفض وفد المجلس الوطني البحث فيه.

تفيد مصادر عليمة من القاهرة بأنه على عكس ما تروّج وسائل إعلام المجلس الوطني بأنه يحضّر(أي المجلس) بالتعاون مع الجامعة العربية لعقد مؤتمر للمعارضة السورية وذلك تنفيذا لقرار جامعة الدول العربية القاضي بدعوة المعارضة السورية للاجتماع في القاهرة، فإن الحقيقة هي أن الأمين العام لجامعة الدول العربية السيد نبيل العربي كان طلب من المجلس الوطني وهيئة التنسيق الوطنية تشكيل لجنة تحضيرية مشتركة للإعداد لعقد مؤتمر وطني سوري في القاهرة، يشارك فيها عدد متساو من الأعضاء من كلا الطرفين على أن تنجز عملها في أقرب وقت ممكن.

الهدف الرئيس من عقد هذا المؤتمر هو العمل على توحيد المعارضة السورية، إضافة إلى إعداد وإقرار وثيقتين سياسيتين: إحداهما تتعلق برؤية المعارضة السورية لمتطلبات المرحلة الانتقالية، والثانية تتعلق بإعلان مبادئ دستورية لسوريا الديموقراطية المنشودة. وقد أفادت المصادر عينها، وهي قريبة من أوساط المجلس الوطني، بأن اللجنة المشتركة التي تعمل على الورقة السياسية تتقدم في عملها ولم تظهر حتى الآن خلافات جوهرية تعوّق ما عزمت على إنجازه. وقد أكد ذلك أيضا بعض المقربين من أوساط وفد هيئة التنسيق في القاهرة، وهذا يدعو للتفاؤل حقاً، بأن يكون للمعارضة السورية أخيراً وجهة نظر واحدة تجاه ما يجري في سوريا، وتعبر عن طموح الشعب السوري.

من جهة أخرى، أفادت المصادر عينها بأن العمل على الشق التنظيمي المتعلق بتوحيد المعارضة السورية تنفيذا لمطالب جامعة الدول العربية والعديد من الأطراف الدولية الأخرى لم يبدأ بعد بسبب رفض وفد المجلس الوطني البحث فيه. وعندما سئلت هذه المصادر عن السبب في رفض وفد المجلس الوطني البحث في توحيد المعارضة، وهل يمكن اعتبار ذلك نوعا من التكتيك للضغط على وفد هيئة التنسيق للقبول برؤية المجلس السياسية؟ أجابت هذه المصادر بأن رفض وفد المجلس الوطني هو رفض مبدئي، ويأتي تنفيذا لقرار اتخذته الأمانة العامة للمجلس، الذي يعتبر نفسه الممثل الشرعي الوحيد لها. وعندما طالبه وفد هيئة التنسيق بتشكيل لجنة عليا لتنسيق السياسات والمواقف تضم جميع أطياف المعارضة، خصوصا ان هناك العديد منها لا ينتمي للمجلس أو للهيئة كان الجواب أيضا بالرفض.

وأكثر من ذلك أفادت هذه المصادر بأن في المجلس الوطني من يرفض رفضا باتا انضمام الهيئة للمجلس حتى ولو جاء بلا قيد أو شرط، وسربت بعض الأسماء القيادية المهمة فيه التي تقول بذلك، نتحفظ عن ذكرها. والحجة المعلنة التي يسوّقها هؤلاء هي أن هيئة التنسيق تقبل الحوار مع النظام، بل يصفها المغالون منهم بأنها الوجه الآخر للنظام، وهذا ما نفته وتنفيه الهيئة باستمرار.

وبعيدا عن هذه الحجج الواهية التي يتذرع بها قادة المجلس الوطني للتهرب من استحقاق توحيد المعارضة، فإنهم لا يخفون عن بعض أوساطهم ما هو غير معلن، لكنه متداول، وهو حقيقي يفيد بأن وجود هيئة التنسيق في قوام المجلس الوطني سوف يخلق نوعا من التوازن داخل المجلس يحول دون اللجوء إلى التدخل العسكري الخارجي كخيار محتمل. هذا من جهة، ومن جهة ثانية سوف يحد من قدرة تركيا وأطراف دولية أخرى (فرنسا على سبيل المثال) على التأثير على مواقف وسياسات المجلس الوطني السوري.

وإذا وضع هذا الكلام في سياق ما صرح به برهان غليون ونشر في فيديو مصور على شبكة التواصل الاجتماعي، من أنه محاصر ولا يستطيع أن يقر شيئا من سياسات المجلس الوطني، وخصوصا ما يتعلق بتوحيد المعارضة، بوجود أشخاص معينين (ذكر أسماءهم...) ينتمون إلى إعلان دمشق والإخوان المسلمين، وقوله بأن من " يملك التمويل يتحكم بسياسات ومواقف المجلس الوطني..." تصير الصورة واضحة جداً.

هذا يعني أن القوى الفاعلة في المجلس الوطني، والقوى الداعمة والممولة له، لا تريد وحدة المعارضة السورية بما يحدّ من خياراتها السياسية، وهذا يتناقض مع ما أعلنه السيد برهان غليون وأعضاء قياديون آخرون في الأمانة العامة للمجلس بأن أبواب المجلس مفتوحة لجميع المعارضين السوريين في تعبير واضح عن ازدواجية المواقف.

من المؤسف بعد كل ذلك أن تُحمَّل هيئة التنسيق مسؤولية عدم توحيد المعارضة، وأن تُشن عليها حملة ظالمة وتقوِّلها مالا تقوله، ولا تؤمن به، خصوصا عندما يأتي ذلك من قوى الحراك الشعبي في الشارع. فمن خلال متابعتي لقضايا توحيد المعارضة السورية بل مشاركتي في بعض المساعي على هذا الطريق أعلم بأن الهيئة لم تكن عقبة أبداً.

فمنذ اتفاق الدوحة وهو الاتفاق الجدي الوحيد والمهم الذي توصلت إليه أطراف المعارضة الرئيسة: إعلان دمشق وهيئة التنسيق الوطنية والتيارات الدينية بمن فيها الإخوان المسلمون، أعلنت الهيئة موافقتها عليه بعد عودة وفدها مباشرة من الدوحة، لكن الآخرين سرعان ما انسحبوا منه، وقد حمَّل برهان غليون في حينه الإخوان المسلمين سبب فشل اتفاق الدوحة. ورغم ذلك ظلت قيادة الهيئة تطالب بصورة شبه يومية قوى إعلان دمشق بتوقيع اتفاق الدوحة، فكانت المماطلة هي الرد الوحيد ليتبين لاحقا أنهم مع الإخوان المسلمين وبعض القوى المعارضة الأخرى يتباحثون لتشكيل المجلس الوطني السوري الذي أعلن من اسطنبول من وراء ظهر الهيئة.

ومع أن دعوة قيل أنها وُجِّهت لقيادة الهيئة للمشاركة في المجلس، إلا أنها كانت دعوة للانضمام فقط في تجاهل واضح لدورها وما تمثله من قوى سياسية معارضة في الداخل والخارج. ومع أن الهيئة كانت رحبت بإنشاء المجلس في بيان أصدرته بهذا الشأن، قالت فيه بأن الإعلان عن تشكيل المجلس الوطني السوري يمثل خطوة في الاتجاه الصحيح باعتباره إطارا يضم بعض أطراف المعارضة السورية في الخارج والداخل، وسوف تعمل (أي الهيئة) في المستقبل معه ومع غيره من فصائل المعارضة السورية على إنشاء إطار جامع للمعارضة السورية يتبنى مطالب الشارع السوري ويعمل عليها في المجال السياسي، وأكثر من ذلك فقد اتخذ مكتبها التنفيذي قرارا بعدم القيام بأي فعل من شأنه أن يضر بالمجلس الوطني السوري، لكونه "حلما تعلق به الشارع"، مع ذلك، بل رغم كل ذلك، قوبلت هيئة التنسيق بحملة شرسة ظالمة لتشويه سمعتها، وتقويلها مالا تقوله، ولا تؤمن به، ووصل الأمر إلى حد الاعتداء على أعضاء وفدها في القاهرة الذين كانوا على موعد مع السيد نبيل العربي الأمين العام لجامعة الدول العربية.

بطبيعة الحال هناك فصائل وتشكيلات معارضة أخرى إضافة إلى العديد من الشخصيات الوطنية المستقلة غير منضمة إلى المجلس الوطني أو إلى هيئة التنسيق لا يجوز تجاهلها أو التقليل من دورها. من المهم في هذه المرحلة بالذات أن ترتفع جميع الأصوات المعارضة الشريفة، وخصوصا قوى الحراك في الشارع للمطالبة بتوحيد المعارضة بكل أطيافها وبصورة خاصة لتوحيد المجلس الوطني السوري وهيئة التنسيق الوطنية. إن لغة التخوين، ومنطق الإقصاء، لا تليق بثورة الشعب السوري، ولا تحترم شهداءه، ولا تقدم الصورة الصحيحة عنه، وهي تشوه الحلم الديموقراطي الذي ينشده وقد صار قاب قوسين أو أدنى من التحقق.

وإذا كان التاريخ يعلِّمنا انه في القضايا الكبرى لا يصح في النهاية إلا الصحيح، رغم ذلك فقد تكون الأثمان التي قد يتسبب بها أولئك الباحثون عن موقع فيها، وليس عن دور، باهظة جداً. يبدو لي أن مثل هؤلاء ليس قليل عديدهم في سوريا اليوم.

معارض سوري (حركة معاً)

====================

نحن أقوى مما تتخيلون

بقلم صالح الحموي

مداد القلم 30/11/2011

نحن اليوم أحرار ولكن أسرى ولسنا عبيداً

من أين تأتي قوتنا؟ سأقول لكم:

كل واحد منا لديه أسباب ولدينا سبب مشترك

المشترك: من ذاق طعم الحرية يصعب عليه تجرع مذلة العبودية لغير الله.. طعم الحرية لا يُنسى يا ناس

إذا استطعت أنت أن تصف طعم العسل ورائحة الورد وملمس الحرير ولون الشمس أستطيع أن أصف لك طعم الحرية

إنها شيء يذاق ولا يحكى عنه

نحن اليوم أحرار ولكن أسرى ولسنا عبيداً

 

وأما الأسباب الأخرى:

1- صديقي شهيد نظر إلي لحظة استشهاده وقال لي: خليك على العهد ولا تخلي دمي يروح رخيص

2- أخي المعتقل أرسل لي رسالة مع بعض المفرج عنهم وقال لي: هل ستتركوني أسيرا وتتراجعون

3- ابن حارتي اليتيم: نظر إلى ابني وهو يمشي قربي وأنا أمسك بيده فنظر إلى يديه وقال: لم يعد هناك من يمسك بيدي.

4- صديق آخر خرج من السجن الساعة التاسعة وكان موعد المظاهرة الساعة التاسعة والنصف بعد العشاء لم يذهب إلى البيت بل أخذ تاكسي كي يصل على موعد المظاهرة ويشارك فيها

5- صديقي أبو محمود كان يسقط النظام داخل السجن فقالوا له: إذا سكت لا نعذبك اليوم.

6- الشاب الذي كنت أضغط على جرحه وأتت أمه تبكي فقال لها: وقت بتطيب رجلي والله لأطلع وأطلع وأطلع

7- القذافي الظالم مات وانتهى وكل ظالم كذلك.حسني مبارك وبن علي وهتلر وموسوليني وأبو جهل وفرعون ومثلهم كثير.

8-

9-

100-

1000-

وأخيرا وهو أولا وأخيرا: إن الله ينصر المظلوم ويقصم الظالم

 

وأنت يا بشار من أين تأتي بقوتك؟

أنت ومن معك

ماذا تتوقعون منا أيها المجرمون؟

أيها التتار النازيون الفاشيون المغول أو باختصار: أيها البعثيون

جمعتم مساوئ من قبلكم وإجرامهم وزدتم عليهم ما لم يفعله أحد من قبلكم:

أن تقتلوا الطبيب الذي عالج المصاب الذي أطلقتم عليه النار ظلما وعدوانا.

ماذا تتوقعون منا أيها المجرمون؟

... تتوقعون إذا زدتم إجرامكم أن نتوقف؟ أو نتراجع؟ أو حتى نخفف من مظاهراتنا؟

انتهت مفردات قاموس القبائح لم يعد لدينا ما نصفكم به لذلك عندما سنقول بعثيون فقصدنا جميع مفردات الإجرام

ماذا تتوقعون منا أيها المجرمون؟

تتوقعون أن نقول لكم كفوا عن إجرامكم مقابل أن نقدم أدنى تنازل.؟ ولا بأحلامكم سترون ذلك.

تخيفوننا بماذا؟ بجنة عرضها السماوات والأرض؟ إن الذي تخيفوننا منه نتمناه.

ارتقى منا أكثر من عشرة آلاف شهيد. وعذبتم منا أكثر من خمسين ألفاً واغتصبتم عشرات الحرائر وسفكتم دم ثلاثمائة طفل وخربتم بيوتا على رؤوس أصحابها وأجريتم نهرا من الدماء لا يوقفه إلا إسقاطكم وحسابكم وستعضون على أناملكم حسرة في سجن قانون الأحرار.

إذا أردتم الاتفاق على شيء فنحن على استعداد. ولدينا اتفاقية نعرضها عليكم. هل ترتضون أن يعود الزمان إلى بداية الثورة.؟

لنفترض أننا الآن في آذار وقد رأينا المستقبل بأكمله ويجتمع الثوار في مكان واحد بعد رؤية كم سيسقط من شهيد. اسألونا الآن وقولوا لنا: هكذا سيحصل معكم لو بدأتم الثورة فإياكم أن تفعلوا.

جوابنا:

يوم الجمعة القادمة سنريكم ما لم تكونوا تتوقعونه وسيكون اسم الجمعة القادمة جمعة الكرامة وهي أول جمعة في ثورتنا.

وهو ما سيكون في آخر ثورتنا: الكرامة. فلنبدأ الهتاف من جديد وأمامنا تسعة أشهر أخرى. فانتظروا إنا معكم منتظرون.

يجب أن يعلم إخوتنا في الخارج أن صراخنا: نريد حماية دولية أو ظهور بعض الاستغاثات على الأقنية. فإنه لا يعكس حالة خور وضعف أبدا

صالح الحموي : خادم نعال الثوار

=========================

من القيم إلى العمل: المبادئ الأربعة للقيادة القائمة على القيم

هاري كرامر

الاقتصادية 15/11/2011

يريد الناس القيادة الأصيلة الأخلاقية أكثر من أي وقت مضى. ترتكز القيادة القائمة على القيم على أربعة مبادئ أساسية. يضع القادة الحقيقيون هذه المبادئ صوب أعينهم عندما يقومون بتحديد أهدافهم ويسعون إليها. هذه المبادئ الأربعة هي:

1 ــ التأمل الذاتي: إن القادة الذين يمارسون التأمل الذاتي يعرفون أولوياتهم وقيمهم وحدودهم الأخلاقية. يجعل التفكير المتأني من القائد متخذ قرار ناجح يزن كل الاعتبارات والعواقب التي تنطوي عليها قراراته.

2 ــ التوازن والمنظور: إن العالم ليس أسود وأبيض فقط. ينبغي على القادة أن يدركوا هذه الحقيقة الأساسية وأن يعملوا وفقا لها. ولكن هذا يتطلب التوازن والمنظور. هذا يعني أنه على القادة أن يرحبوا بمختلف وجهات النظر، بما فيها تلك التي يختلفون معها. والقائد المتوازن يكون لديه عقل متفتح ورغبة في الاستماع للآخرين ويسعى إلى مساعدة الآخرين على التعبير عن كل أفكارهم بدلا من مجرد تأكيدهم على أفكاره هو.

3 ــ الثقة الحقيقية بالنفس: الحقيقية أي المستندة إلى الواقع وليست الثقة المبنية على الأوهام أو الأكاذيب والمغالطات. الثقة الحقيقية بالنفس ليست فقط الثبات الداخلي وإنما هي الثبات المبني على أساس معرفة المرء لقدرته الحقيقية في جميع المجالات المهمة في حياته.

4 ــ التواضع الحقيقي: يعتمد التواضع الحقيقي على معرفة الذات وألا ينسى المرء كيف كانت بداياته، وأن يتذكر دائما أن المواهب توجد في البشر من مختلف المستويات. إن النجاح ينشأ من تركيز المرء على أداء مهامه على أفضل وجه ممكن.

إن القادة الذين يستخدمون هذه المبادئ الأربعة في حياتهم المعملية والشخصية يصيرون قدوة لموظفيهم. عندما تحول الشركات قيمها إلى دليل إرشادي فإنها لا تتجاوز حدودها؛ أما الشركات التي تتجاوز الحدود القانونية فإنها تنتهي دائما إلى الوقوع في ورطة ما. والشركات التي تحترم القيم حقا فتهتم بأداء ما هو صحيح. تتطلب قيادة هذه الشركات إدارة متفوقة وتتضمن أربع عمليات إدارية تعمل جنبا إلى جنب، وهي:

1 ــ العملية الاستراتيجية: بدلا من وضع خطة استراتيجية محددة بزمن معين، يكون العمل على أساس مستمر مع التركيز على وضع الشركة الحالي وما تسعى للوصول إليه.

2 ــ العملية البشرية: تكوين وقيادة فريق جيد يمكنه تحقيق الأهداف.

3 ــ العملية التشغيلية: التأكد من أن عمليات التشغيل اليومية في الشركة تدعم الأهداف بعيدة المدى.

4 ــ عملية القياس: لتحقيق النجاح، ينبغي قياس ما يحرزه الموظفون من تقدم.

ETITLE: FROM VALUES TO ACTION: THE FOUR PRINCIPLES OF VALUES-BASED LEADERSHIP

AUTHOR: HARRY M. KRAEMER

PUBLISHER: JOSSEY-BASS

ISBN-10: 0470881259

APRIL 2011

224 PAGES

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ