ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
د. حسن حنفي تاريخ النشر: السبت 03 ديسمبر 2011 الاتحاد تتعدد النماذج الثورية في الربيع العربي.
الأول النموذج التونسي المصري الذي
افتخر العرب به وأدهش العالم كله. وأدى
إلى تغيير صورة العرب في الخارج
باعتبارهم شعوباً مدافعة عن حقوقها في
الحرية والكرامة مهما طال عمر
الاستبداد. ويتميز هذا النموذج بقصر
مدة الثورة، عدة أسابيع، وسلميتها في
الأغلب على رغم سقوط مئات الشهداء،
ورحيل رأس النظام إلى الخارج أو
محاكمته في الداخل، وحياد الجيش
وانضمامه إلى الثورة ربما ليس لثوريته
بل لمصلحته، ورؤيته للمستقبل، وحرصه
على وجوده فيه. وهناك النموذج الليبي، نموذج القتال
بالسلاح بعد أن ثارت بنغازي والمنطقة
الشرقية ضد طاغية طرابلس والمنطقة
الغربية، وتهديد النظام للثوار
بالاستئصال، وبأنهم "جرذان"،
وسيتعقبهم "دار.. دار، زنقة.. زنقة".
فاضطر الثوار إلى حمل السلاح دفاعاً عن
أنفسهم. ونشأ قتال طويل وزحف ثوري من
الشرق إلى الغرب مثل المسيرة الطويلة
في الصين من الغرب إلى الشرق، والحصيلة
آلاف الشهداء ومئات الألوف من الجرحى،
وتدمير المدن، وقتل الأبرياء مما سمح
بالتدخل الأجنبي لحماية المدنيين،
ونهاية رأس النظام مقتولًا في ماسورة
صرف صحي هو وبعض أبنائه وفرار البعض
الآخر حتى تم القبض عليه. وانتصرت
الثورة بتكلفة فادحة، تدمير الكثير من
البنية التحتية لوطن وليس فقط إسقاط
نظام، وضرورة إعادة بنائه وليس فقط
بناء دولة. وهناك النموذج السوري الذي يواجه فيه
النظام الشعب الثائر بالسلاح،
بالمصفحات والدبابات والمجنزرات
والرشاشات، لا فرق بين طفل وشيخ وامرأة.
والثورة ما زالت سلمية. يواجه الثوار
بصدورهم العارية كل مصادر السلاح
والرصاص الحي والتعذيب والقتل
والتقطيع والخطف والاعتقال بلا
محاكمات. وتطول المدة، ثمانية أشهر أو
أكثر، ويستمر نزيف الدم بسقوط الشهداء
بالعشرات كل يوم. وتأخر رد الفعل
العربي. ثم حضر بتشكيل لجان للتحقيق
وبروتوكولات ملحقة، وتهديد بالعقوبات
الاقتصادية ثم بالتدويل. والنظام
السوري لا يأبه بذلك. ويستمر في مواجهة
الثوار العُزل بالسلاح. ويتمسك بميثاق
الجامعة العربية الذي لا يتيح لها
التدخل في شؤون الدول، ولا تصدر
قراراتها إلا بالإجماع. أصبح النظام
يدافع عن نفسه، يا قاتل يا مقتول، خاصة
بعد هروب الرئيس التونسي ومحاكمة
الرئيس المصري وقتل الرئيس الليبي. لم
تعد القضية حواراً مع المعارضة أو
إصلاح النظام بل "الشعب يريد إعدام
الرئيس" أو "الشعب يريد إعدام
السفاح". والذرائع عند النظام
موجودة: خطر التقسيم، التدخل الخارجي،
المؤامرات الخارجية، العصابات
المسلحة، استمرار الممانعة، قلب
العروبة النابض، الاستقواء بإيران وب"حزب
الله" وبأنصار سوريا في لبنان. شعار
الثوار "الموت ولا المذلة". وشعار
النظام "القضاء على الثورة أو الموت
والهرب". وقد بدأ هذا النموذج السوري يؤثر على مصر
واليمن. فلماذا لا يستعمل المجلس
العسكري في مصر القوة ضد الثوار؟ لماذا
لا يطلق عليهم الرصاص الحي، والغاز
المسيل للدموع، بأشد أنواع الغاز
فتكاً؟ لماذا لا تنزل الهراوات على
الرؤوس؟ لماذا لا تجر الجثث في الشوارع
إلى الأرصفة وصناديق القمامة؟ لماذا
لا يُقبض على الثوار بالمئات؟ من سيصمد
أولاً وآخراً هو الذي سينتصر. لقد أخطأ
النظام السابق في 25 يناير أنه استسلم
بعد ثمانية عشر يوماً، برجالاته وإن لم
يسقط بنظمه ومؤسساته. في حين أن النظام
السوري صامد. والآن يعود النظام السابق
إلى الصمود في مواجهة الثورة الثانية
في نوفمبر 2011 لاسترداد الثورة الأولى.
ويستعمل العنف المفرط في مواجهة
الثوار بلا داعٍ ضد عدد قليل من
المعتصمين لا يتجاوز المائتين. ويستمر
في العنف منذ أحداث "ماسبيرو"
وحتى سقوط شهيدين أمام مجلس الوزراء
أمام العربات المصفحة. وما زال الوضع
قائماً على ما هو عليه. تعلم الثوار
أنهم سلموا للمجلس العسكري في يناير
الماضي ثقة فيه "الشعب والجيش إيد
واحدة". ثم خاب ظنهم بعد عشرة أشهر.
فلا شيء يذكر من تحقيق أهداف الثورة.
وفي رأي بعضهم أفصح المجلس العسكري عن
وجهه الفعلي أنه استمرار للنظام
السابق برجالات أخرى. لم تتم محاكمة
رجال الحكم السابق ولا رئيسه إلا في
أجهزة الإعلام. وهم باقون في الداخل،
سجون أو مراكز صحية مثل فنادق الخمس
نجوم. يمولون رجال الحزب المنحل.
ويحيكون المؤامرات. فلا تنقصهم السلطة
في الدولة ولا المال في البنوك. كان من
المنتظر أن تندلع الثورة الثانية من
أجل العدالة الاجتماعية، وحقوق
العمال، وصغار الموظفين، ووضع حد أدنى
وحد أعلى للأجور، ولكنها قامت لإنقاذ
الثورة الأولى، استمراراً في الدفاع
عن الحرية والكرامة. ويستمر المجلس
العسكري في استعمال القوة دفاعاً عن
هيبة الدولة. وهو الذي أصدر الأوامر
بقتل الثوار. ويستمر الثوار في السير
نحو وزارة الداخلية التي أصبحت رمزاً
للقهر والاستبداد، ومصدراً للموت.
يريد لواءاتها الانتقام مما حدث لهم في
يناير الماضي من انتصار الثوار عليهم
وتقديم وزيرهم وبعض مساعديه إلى
المحاكمة، وإدخالهم قفص الاتهام.
والثوار شباب. ربما تنقصهم الحنكة
السياسية، ولكن لا تنقصهم الحمية
الثورية. والمجلس العسكري تنقصه
الخبرة السياسية والحمية الثورية على
حد سواء. والثوار هذه المرة صامدون حتى
تتحقق أهداف الثورة مثل صمود الشعب
السوري. والمجلس العسكري مستمر في
السياسات الأمنية للنظام السابق.
ويريد أن يصمد كما يصمد النظام السوري
انتظاراً لمن يستسلم أولًا ولمن يصمد
آخراً. فهل يعود النموذج السوري ليؤثر في الربيع
العربي سلباً لا إيجاباً، وتحويل
الثورات في مصر إلى ثورة مضادة
والاعتماد على الوسائل الأمنية في
مواجهة الثورة الثانية؟ إن مصر لم تسحب
سفيرها من دمشق حتى الآن. وثوار
التحرير لديهم تجربتهم الماضية فلن
يستسلموا هذه المرة. والمجلس العسكري
له حججه هذه المرة، الاستقرار والأمن،
وضرورة وجود سلطة شرعية، دستور
وبرلمان ورئيس يسلم المجلس العسكري
السلطة له وإلا وقعت البلاد في فوضى
عارمة أكثر مما هي فيه الآن، بقطع
الطرق والسكك الحديدية، وإضراب عمال
الموانئ والمصانع والشركات. وثوار
التحرير لا يمثلون الشعب المصري، آلاف
حتى لو وصلوا مليوناً في مقابل عشرات
الملايين مجموع شعب مصر. بل إن ثوار
التحرير يمثلون رأياً واحداً في
مواجهة جماهير العباسية التي تدعم
المجلس العسكري، وتريد إبقاءه في
السلطة، من موظفي الدولة، ورجال
الشرطة، وأعضاء الحزب المنحل، و"شبيحة"
النظام السابق. مظاهرة العباسية في
مقابل مظاهرة التحرير كما يفعل النظام
السوري وكما كان يفعل النظام الليبي. وإذا كانت عودة النموذج السوري إلى مصر قد
تمت أخيراً فإنه قد عاد إلى اليمن قبل
ذلك باستعمال الجيش اليمني والحرس
الجمهوري ضد الثوار في صنعاء وتعز،
وإطلاق الرصاص الحي على الثوار، ودك
بيوت قادتهم بالمدافع، وإطالة مدة
الثورة، واستمرار سقوط الشهداء كل
يوم، واستمرار رئيس النظام في السلطة
على رغم المبادرات، وتوقيع المصالحة
بين النظام والمعارضة. وامتد إلى
البحرين حيث استعمل النظام أساليب
العنف المفرط ضد المتظاهرين. وانتهى
النموذج المصري لصالح النموذج السوري.
ولم يفلت إلا النموذج التونسي الذي ظل
صامداً ويسير في خطوات الانتقال بخطى
وطيدة حتى الانتخابات الأخيرة ونجاح
حزب "حركة النهضة" ومده اليد إلى
باقي الأحزاب الوطنية والتقدمية
واليسارية لتشكيل حكومة ائتلافية تمثل
جميع الثوار. وقد يؤثر النموذج السوري
على دول أخرى باستعمال النظم العنف
المفرط ضد المتظاهرين سلماً مطالبين
بالإصلاح. ومن ثم ينتهي النموذج السلمي
في التغير الاجتماعي، نموج غاندي. ولا
يبقى إلا نموذج ماركس في الصراع
الطبقي، والعنف المسلح، النموذج
الليبي، والأمل زيادة انشقاقات الجيش
وانضمام ثوار الجيش إلى ثوار الشعب حتى
يصبح هذه المرة الشعب والجيش ثورة
واحدة. ================= الوطن القطرية التاريخ: 03 ديسمبر 2011 من المفارقات
المذهلة أن ينفطر قلب العالم على ما
يتعرض له الشعب السوري الشقيق على أيدي
النظام الحاكم، من دون أن تتأثر غلاظة
قلب النظام، ومن غير أن ينظر كيف أن
يديه صارتا مخضبتين بدماء أبرياء،
لمجرد أنهم ينشدون أن يتحرروا من ربقة
استبداد واستعباد طال أمده، ومن غير أن
يلتفت إلى تحذيرات أطلقها الأشقاء
والغرباء، ومن دون أن يفطن إلى ما سوف
يترتب على انهيال العقوبات العربية
والدولية على بلد يعاني في الأصل من
مشاكل تغل حركة اقتصاده المرهق. ومن ثم
فإن الاستمرار في الجرائم الدموية
التي يرتكبها هو من جنس استخفافه
بالعقوبات، ذلك لأن الشعب السوري
الشقيق هو من سيدفع الثمن في كل
الأحوال. وحينما تحدثنا الإحصاءات، أمس، عن أن «307»
أطفال لقوا حتفهم منذ اندلاع الثورة،
وأن «56» منهم صرعهم النظام برصاصه خلال
نوفمبر الفائت، ففي ذلك مؤشر على فقدان
الرشد أمام هول ثورة الشعب السوري
وطموحه في حياة جديدة يغادر فيها أسوار
الفساد والتغول. كما أن ذلك يعني أن «307» منازل في المدن
السورية، ومعها الآلاف من عائلات
الضحايا الآخرين، لن يغفروا للنظام -
حيا أو مخلوعا - سقطاته وجرائمه، ولن
يمكنهم الإذعان مجددا لضغوط الماضي،
بعد هذا الحراك الثوري الواسع الذي عم
مدن سوريا، وأدى إلى انشقاق في الجيش،
مرادفا لذلك حراك إقليمي ودولي داعم
للمنتفضين، مما يعني أن تصعيدا يحدث،
وأن النظام لم يع بعد دروسا وقعت
أحداثها في المنطقة، ومازالت خواتيمها
طازجة، ومع ذلك يرفض طوق النجاة
العربي، ويصم أذنيه عن صوت العقل،
ويدير ظهره لحقائق صارت ماثلة على
الأرض أمامه، وكأن النظام يستدعي
مزيدا من غضب العالم، وفي هذا مفارقة
أخرى. ================= حسين العودات التاريخ: 03 ديسمبر 2011 البيان ساهم فلاسفة أوروبيون عديدون في إرساء
مفهوم العقد الاجتماعي خلال التاريخ
الحديث، وكان من أهمهم (توماس هوبز
وجون لوك وجان جاك روسو) في القرنين
السابع عشر والثامن عشر، ووضعوا الأسس
العامة لهذا العقد، الذي تحول إلى ما
نسميه اليوم الدستور. وهو ينظم علاقات المجتمع بالسلطة، ويرسم
ملامح القوانين الناظمة لهذه العلاقة،
وأسس التعاقد بين الناس في المجتمع
الواحد، ويحدد القواعد الأساسية
لعلاقاتهم مع الدولة، ويخط معالم
هيكلية الدولة وبنية الحكم والقواعد
التي تقومان عليها، كما ينسق بين
السلطات العامة في الدولة والمجتمع،
ويحدد مهمة كل سلطة. ويفصل بين السلطات، ويضمن حقوق الأفراد
والجماعة، أي باختصار يقرر شكل الدولة
وهيكليتها ومؤسساتها وصلاحيات كل من
هذه المؤسسات وعلاقتها بالمجتمع
وبالأفراد، ويضع الأسس لسن قوانين
مشتركة تتفق عليها الجماعة من جهة،
وتخضع لها من جهة أخرى. باعتبار أن الدستور عقد اجتماعي، يهم
ويهتم ويتعلق بجميع أفراد المجتمع
وشرائحه الاجتماعية والاقتصادية،
وتياراته السياسية وأفراده من مختلف
الآراء والمشارب والمنابت، وباعتباره
يهم ويهتم بالفقير والغني، واليميني
واليساري، وبسكان الريف والمدن،
وبالمتعلمين وغير المتعلمين، فينبغي
أن يكون دور لهؤلاء جميعاً وحق في
المشاركة بإقراره. وهو في النهاية اتفاق رضائي وتوافقي بين
أبناء المجتمع يحفظون فيه التوازنات
بين مصالحهم وحقوقهم جميعاً، لذلك لا
ينبغي أن تقرر الدستور فئة واحدة، بل
لابد أن تشارك في إقراره مختلف فئات
المجتمع وطبقاته وصولاً إلى التوافق
المرجو، وعلى ذلك فإنه من الخطأ
الفادح، والتصرف الذي لا يستقيم،
تكليف لجنة إدارية (بيروقراطية) بإنشاء
الدستور، حتى لو كان جميع أعضائها من
المختصين والأكاديميين. ولهذا درجت المجتمعات المعاصرة على
انتخاب هيئة تأسيسية أو مجلس تأسيسي
منتخب من الشعب، يمثل الشعب كله بكافة
فصائله، مهمته وضع الدستور، وعندما
توضع أسس هذا الدستور وتوجهاته
المختلفة، عندها تكلف لجنة فنية من
المختصين (لصياغته) لاقبل ذلك. فاللجنة إذن لا تضعه وإنما تصيغ ما اتفق
عليه أعضاء الهيئة التأسيسية، كما
تلجأ المجتمعات إلى انتخاب هذه الهيئة
عند أي تطور (مفصلي)، وهذا ما لجأ إليه
المجتمع التونسي بعد تغيير نظامه قبل
أشهر، حيث عمد أولاً إلى انتخاب هيئة
تأسيسية لوضع الدستور. وهو أيضاً ما قرره المجلس العسكري المصري
عند توليه السلطة فور تغيير النظام،
بعد أن وضع مبادئ دستورية مؤقتة تحكم
المرحلة الانتقالية، وأقر تشكيل
الهيئة وشكلها وبنيتها وطريقة
انتخابها، وحدد مهمتها. يندرج الدستور فوق القوانين والتشريعات
الأخرى، مهما كان موضوعها أو مصدرها أو
الذي يقررها، وهو المرجعية الشرعية
لهذه التشريعات التي يعود المشرعون
ورجال الإدارة إليها في كل حين.
ويتناول عادة أسس توجهات المجتمع،
ومصدر التشريع فيه، وصلاحيات السلطات
الرئيسية الثلاث التشريعية
والتنفيذية والقضائية، ومهمات كل
منها، وإيجاد الضمانات لفصلها وعدم
تدخل إحداها بشؤون الأخرى ويضمن عدم
هيمنة أحدها على السلطتين الأخريين،
كما يحدد صلاحيات رئيس البلاد ومهماته
وطرق انتخابه ومدة ولايته وعلاقته
بمؤسسات الدولة المختلفة. وطرق تشكيل المحكمة الدستورية العليا
وصلاحياتها، باعتبارها السلطة العليا
التي تكلف بتفسير القوانين وبيان
شرعيتها ودستوريتها إذا حدث إشكال في
هذا التفسير، وهكذا يشكل الدستور
الأساس الصلب لتنظيم الدولة والسلطة
والمجتمع، بما يضمن حقوق المواطن،
وحقوق الإنسان عامة. كما يضع الأسس أو على الأقل الملامح،
لتحقيق تكافؤ الفرص في المجتمع
الواحد، وتحقيق التوازن بين فئاته،
بما في ذلك حفظ حقوق المرأة، ودورها
الاجتماعي والاقتصادي، ومدى مشاركتها
في شؤون البلاد السياسية والاقتصادية
والاجتماعية. فضلاً عن أنه يحدد من
يتولى إعلان الحرب والسلم وكيف يتحقق
ذلك، بهدف حفظ أمن البلاد واستقرارها،
والدفاع عنها بوجه أي عدوان. يتضمن الدستور عادة مواد تهتم بمعايير
الدولة الحديثة، بما يؤكد هذه
المعايير، كالمواطنة باعتبارها
مرجعية وحيدة وأساس، حيث يتعامل
الدستور مع المواطن الفرد الحر، دون
اعتبار لتوجهاته الثقافية أو الدينية
أو السياسية أو الطائفية أو
الاجتماعية أو غيرها. ولا يعتبر أي من هذه التوجهات مرجعية
للمواطن، فالمواطنون بالنسبة إليه
متساوون بالمطلق، ولهم مرجعية واحدة،
ولهذا فإن المجتمعات المتقدمة تحترم
القانون إلى درجة تقارب التقديس،
باعتباره ينطلق من المبادئ الدستورية
ويحفظ حقوق جميع المواطنين. ويتساوى جميع الناس أمامه، من رئيس
البلاد إلى أي مواطن، ولعل احترام
الدستور ومضمونه، والقانون
ومقتضياته، في هذه البلدان، هي التي
تحفظ أمن المجتمع واستقراره، وتزيل
خوف المواطن من السلطة، ومن الظلم أو
الجور أو الاعتداء على حقوقه. وتهيئ المناخ لاحترام الحرية
والديمقراطية وحقوق الإنسان، وتتيح
للمواطن تفتح مبادراته وإبداعاته،
وللمجتمع تحقيق التنمية والتقدم. لا تحترم الأنظمة الشمولية غالباً أحكام
الدستور، وتتعامل معه وكأنه قانون أو
تشريع يمكنها تغييره أو تعديله أو
الإضافة إليه أو الحذف منه، وتعطي
لنفسها أو للمؤسسة التي تسميها
تشريعية في الدولة حق تعديل هذا
الدستور دون الرجوع إلى الشعب، ولأن
المؤسسة التشريعية في مثل هذه الأنظمة
هي غالباً مؤسسة من المؤسسات أو إدارة
من الإدارات التابعة للسلطة التنفيذية. فيصبح احترام الدستور يشبه الملهاة،
وتعديله أسهل من شرب الماء القراح،
وبذلك يكون الحاكم في النظام الشمولي
أقوى من الدستور والقانون والتشريع،
وكثيراً ما قال مثل هؤلاء الحكام (أنا
الدولة والدولة أنا) أي أن الحاكم نفسه
مصدر السلطات والسيد المطاع الذي له
الحق المطلق بتسيير الدولة على هواه،
وإقرار القانون كما يريد، غير متقيد لا
بدستور ولا بعقد اجتماعي. ================= ميشيل كيلو السفير 3-12-2011 هناك تحولان مهمان يبدلان منذ بعض الوقت
شروط ومسارات الحدث السوري: أولهما
الانقلاب الواضح الذي تشهده البيئة
السياسية العربية حيال النظام في
دمشق، وهو جدي بكل معنى الكلمة ويفضي
إلى مزيد من التدخل الخارجي في
أحداثها، وثانيهما التحول المفزع الذي
يشهده الحراك الشعبي الداخلي، ويجعل
من الضروري والملح إجراء تغيير في نظرة
المعارضة وقوى الحراك إلى أولوياتها. - في المسار الأول: لم يقتصر الأمر على ما
اتخذته جامعة الدول العربية من موقف
ينحاز بكل جلاء إلى الشعب السوري
المظلوم من جهة، ويطالب النظام بتغيير
سياساته حياله من جهة أخرى، عبر وقف
الحل الأمني وسحب الجيش من مدن سوريا
وقراها، والاعتراف بفشل سياسات القوة
في حل أزمة سياسية الطابع والمجريات
والنتائج، تمهيدا للبحث عن تسوية
تاريخية يشارك فيها الشعب، من شروط
نجاحها أن لا يبقي النظام بعدها على ما
كان عليه قبلها. هذه الرسالة الواضحة
النص والمعاني، حاول النظام الالتفاف
عليها عبر تعطيل المبادرة العربية
بأحابيل وحيل مكشوفة قدر ما هي سخيفة.
لذلك تخلت الجامعة عن موقفها التقليدي
المتفهم حياله، الذي تمسكت به خلال
سبعة أشهر، وصعدت قراراتها تجاهه،
بينما كانت تصدر مواقف رسمية عن أعلى
الجهات الحاكمة في بلدان عربية عرفت
بصداقتها للنظام، منها الرئيس
اللبناني الذي أعلن انحيازه
للديموقراطية في البلدان العربية
بوصفها خيارا لا عودة عنه، وملك الأردن
عبد الله الثاني، الذي طالب الرئيس
الأسد بالتنحي عن السلطة، لأن دوره
انتهى، إلى فشل تعبر عنه طرق إدارة
الأزمة السورية بأكثر الأشكال بعدا عن
العقلانية ومجافاة لمصالح الشعب
والدولة، ولأمن النظامين العربي
والإقليمي، مع ما ترتب على ذلك من خروج
الوضع الداخلي السوري عن السيطرة،
وفتح أبواب البلاد أمام تدخلات دولية
وإقليمية متعاظمة الخطورة. هذا
التصريح لملك الأردن، الذي اشتهر
بتحفظه حيال الأوضاع الرسمية العربية،
وكان قد أقام صداقة وطيدة وحارة مع
الرئيس بشار الأسد منذ لحظة توليه
الحكم في سوريا، وأعانه على تخطي متاعب
وعقبات كثيرة، ليس غير دليل قاطع على
مدى التبدل في البيئة السياسية
العربية حيال النظام في دمشق، الذي
عالج أزماته بطريقة جعلت مخاطر الحدث
السوري تتخطى حدود سوريا وتهدد المحيط
العربي والإقليمي برمّته، مما دفع
الملك إلى قطع شعرة معاوية من صديقه،
والقول بصورة علنية: لو كنت مكانه
لتركت السلطة. في هذه الأثناء، كان الأتراك يهددون
بالويل والثبور وعظائم الأمور،
وينتقلون من سلبية التخبط، التي وصمت
موقفهم السابق، إلى اتخاذ إجراءات
عملية قالوا إنها ستكون متنوعة ومؤلمة
منها احتضان وتسليح «الجيش السوري
الحر»، الذي أعلن قائده رفض أي مخرج
سلمي للأزمة، عندما قال إن النظام لن
يسقط إلا بالقوة، وأعلن أنه سيبادر إلى
شن عمليات متلاحقة ضد كل من لم يعلن
انحيازه إلى الشعب من عناصر الأمن
والقوات المسلحة، وكذلك قطع إمدادات
الكهرباء عن سوريا! والتلويح بإقامة
منطقة عازلة أو آمنة على الحدود، سيعني
دخول تركيا على خط الصراع الداخلي
السوري وبداية إضفاء طابع إقليمي عليه
يمهد لطابع دولي يبدو أنه غدا وشيكا،
بعد أن اكتسب طابعا عربيا من خلال
قرارات الجامعة، سيزجان بسوريا في
متاهة لا يعرف أحد متى تخرج منها، يمكن
أن تسبب فوضى عارمة داخلها وخارجها،
وأن تستمر لفترة غير قصيرة. في الوقت
نفسه، تسارعت خطوات دولية تمهد
لإجراءات قد تتخذ في مجلس الأمن يقال
إن من شأنها إيجاد طرق لمعالجة الأزمة
السورية تختلف عن ذلك النمط من التدخل
العسكري المباشر، الذي حسم الأمور في
ليبيا. أخيرا، أعلن بالأمس عن تشكيل
لجنة خاصة بمتابعة الوضع السوري تضم
أميركيين وبريطانيين وفرنسيين
وأتراكا، في خطوة بالغة الأهمية
والخطورة، تضع إدارة الأزمة السورية
في يد بداية تحالف جديد، رأس حربته في
تركيا، وقاعدته في العالم الغربي
الفسيح، سيتسع دون شك في مقبلات
الأيام، ليكون القوة التي ستتولى في
النهاية حسم الأمور. - في الداخل، وقع في الآونة الأخيرة
انزياح حقيقي وخطير في الحراك الشعبي،
ترتب على إمعان النظام في تطبيق حل
أمني مفتوح ومتصاعد لا يراعي أي اعتبار
سياسي أو أخلاقي أو وطني، من نتائجه
اقتناع قطاعات متعاظمة الاتساع من
المواطنين السوريين بضرورة اللجوء إلى
السلاح: إما دفاعا عن النفس أو لضمان
استمرار النضال في سبيل التخلص من
النظام القائم. المشكلة أن هذا
الانزياح يتم أكثر فأكثر بدفع منظم من
السلطة، ومن بعض الأوساط المعارضة
أيضا، ويخرج عن السيطرة السياسية سواء
للمجلس الوطني أو لهيئة التنسيق، وأنه
يسهم بدوره في فتح أبواب البلاد أمام
أنواع مختلفة من التدخل الخارجي، بما
في ذلك العسكري منه، بينما يهدد جديا
بتعميق الانقسامات الاجتماعية
والمذهبية داخل الصف الشعبي السوري،
مع ما يحمله هذا التطور من دفع للأمور
نحو حالة مركبة يتكامل فيها التدخل
العسكري الخارجي مع العنف السلطوي
المكثف والأعمى والاقتتال الداخلي
المتعاظم، بعد أن صار جليا أن حل
السلطة الأمني أوصلنا إلى حيث أريد له
يصل بنا: إغلاق وتقويض سبل وإمكانات أي
حل سياسي متوافق عليه يضع سوريا على
طريق انتقالية تأخذها إلى
الديموقراطية خلال فترة زمنية قصيرة،
متوافق عليها بدورها؛ حل رفضه أول
الأمر النظام، الذي استخدم العنف
لإرغام الشعب على رفضه، من جانبه. إلى الأمس القريب، كان هناك ضرب من سباق
بين إمكانية الحل السياسي وواقع
التدهور الأمني، واليوم تحول السباق
إلى منحى آخر تختلط فيه احتمالات
الانفلات الأمني الشامل، مع الاقتتال
الداخلي المستنزف والمدمر، مع التدخل
الخارجي المتدرج، مع تراجع الحراك
المجتمعي السلمي الواسع والشامل، بما
يعنيه ذلك كله من ظروف جديدة تتسم
بتعقيد يتزايد بلا توقف ليجعل الأحوال
المعقدة أصلا أشد تعقيدا باطّراد،
ويخضع مصير سوريا لإرادات غير سورية،
لم تعرف يوما بصداقتها للشعب السوري،
ستضاف إلى إرادة سلطتها الراهنة التي
فقدت حس الواقع والواجب بصورة مطلقة،
وغدت أسيرة حل عنيف وفاشل قضى على أي
وجود أو دور للعقلانية السياسية، أدى
إلى انهيار مؤسسات السلطة وحزبها
وجبهتها الوطنية، وإلى اختفائها
العملي شبه التام من معظم مناطق سوريا،
وخاصة من أريافها، وإلى تدمير الشأن
العام إلى حد فرض عليها الانزواء جانبا
والاكتفاء بالتفرج على الأحداث وهي
تتفاقم وتتعاظم، والأخطار وهي تتراكم
في كل قرية ومدينة وبيت وشارع، ضمن
ظروف كان يجب أن تدفع بها إلى ممارسة
دور استثنائي يتخطى دورها العادي
والمألوف، لكنها ازدادت عجزا عن
القيام بأي شيء، وانساقت وراء حل أمني
دمرها وقوض مسوغات وجودها ذاتها، كما
يلاحظ كل من يتابع الوضع السوري خلال
الأشهر الثمانية الماضية، وجعلها
عاجزة عن فهم الأزمة وإدراك معانيها،
ووعي ضرورة حلها بما هي أزمة سياسية
وليست مؤامرة خارجية تورط الشعب فيها،
كما تقول قيادة الحل الأمني من أهل
النظام. يحدث هذا، بينما فقد الشعب صبره أكثر
فأكثر، وانتقلت الأزمة إلى مجال لا
يخضع لإرادة الحكام السوريين، ولن
يتعين بخياراتهم، تحولوا فيه إلى طرف
يتخذ موقفا دفاعيا ميؤوسا منه، كما
تؤكد تناقضات وزير الخارجية وليد
المعلم في مؤتمر صحافي له، فهم في
الطريق إلى حال يكونون فيها قشة في مهب
رياح داخلية وإقليمية ودولية، تتسم
بدرجة متعاظمة من العداء ضدهم. تزدحم سماء السياسة السورية باحتمالات
بعضها منظور وبعضها الآخر خفي، بعضها
جديد وبعضها الآخر قديم، بعضها يبرز
بينما يختفي بعضها الآخر، مما يضع
المسألة السورية أمام منعطف أخير
وحاسم، تكتنفه أخطار لم تكن موجودة عند
بدء الحراك، نجمت جميعها عن سياسات
النظام الأمنية، العنيفة والفاشلة،
ولكن التي يتمسك أهله بها إلى اليوم،
ويبدو أنهم سيتمسكون بها في الغد أيضا،
مع أنها ستلقي بسوريا عن عمد إلى
الهاوية، بعد أن وضعتها على حافتها. أمام هذا الواقع، لا يبقى من نجاة غير
كثافة الحضور الشعبي في التظاهرات
السلمية، واستعادة أهداف الحراك
الأولى: المواطنة والحرية والمدنية
والديموقراطية والوحدة الوطنية،
مثلما برز بوضوح وقوة في تظاهرات يوم
الجمعة الماضية (18/11/2011 )، التي كان
الحضور الشعبي فيها كاسحا بحق،
واستعادت أهزوجة مغني الانتفاضة شهيد
حماه وسوريا إبراهيم القاشوش، التي
تؤكد كلماتها بإصرار أن: سوريا بدها
الحرية، وأضيف من عندي: في وقت يبدو أنه
بات قريبا! ================= سميح صعب النهار 3-12-2011 في الاشهر الاخيرة، حاول الغرب ان يميز
بين سوريا وايران، من طريق استهداف
الاولى وتحييد الثانية نسبياً ربما كي
يوحي الى طهران بانها غير معنية بما
يسمى "الربيع العربي" وتالياً
عليها ألا تدافع عن النظام في سوريا او
على الاقل ان تبتعد عنه وتتركه يواجه
المصير الذي واجه الانظمة في تونس ومصر
وليبيا. ويمكن تلمس هذا التوجه من خلال احتفاظ دول
الخليج العربية ولا سيما منها قطر
بعلاقات طبيعية مع ايران، بينما كانت
دول مجلس التعاون سائرة نحو القطيعة مع
دمشق. وهذا الوضع ينسحب على تركيا. أي
ان المناخ الاقليمي والدولي الذي كان
يتكون حول ايران لا يدل اطلاقا على ان
الضغط الذي تتعرض له سوريا يعود الى
أسباب تتصل بالعلاقة الاستراتيجية بين
دمشق وطهران، وإنما الى اسباب سورية
داخلية بحتة. ولكن يبدو ان ايران لم تلتقط الطعم. ووجدت
من منظور استراتيجي ان سوريا هي خط
الدفاع الاخير عنها. لذلك كان التمييز
الايراني الواضح بين ما جرى في تونس
وليبيا ومصر وما يجري في سوريا. واذ تمسكت ايران بالدفاع عن سوريا، زاد
الغرب الضغوط عليها اخيراً الى جانب
تلك التي يمارسها على سوريا. وتصاعدت
في المقابل اللهجة الايرانية حيال
تركيا لاستضافتها راداراً للدرع
الصاروخية التابعة لحلف شمال الاطلسي. لذا يمكن إدراج الموجة الاخيرة من
العقوبات على ايران في خانة الضغط
الموازي على سوريا وليست له علاقة
مباشرة ببرنامجها النووي الذي كان
الذريعة الاساسية للعقوبات السابقة. ومن هنا يمكن الاستنتاج ان ثمة استعجالاً
غربياً واقليمياً لاسقاط النظام في
سوريا، مع جملة تغييرات كبرى في
المنطقة تحظى بمباركة الولايات
المتحدة. فبعد تقدم الاخوان المسلمين
في المرحلة الاولى من الانتخابات
النيابية في مصر، يمكن التكهن بسهولة
ان الاسلاميين هم من سيتولى السلطة
فيها بعدما تولوها في تونس والمغرب وهم
يستعدون لذلك في ليبيا. واميركا مقتنعة
بان "ربيعها العربي" لن يكتمل إلا
باسقاط النظام في سوريا. وهي تعلم ان
بقاء دمشق خارج خريطة الدول الاسلامية
الناشئة، يمكن ان يشكل تعزيزاً للمحور
المقابل، أي محور سوريا - ايران - حزب
الله وربما العراق بعد شهر من الان. في هذا يكمن بعض السر في تكثيف الضغوط
الغربية على سوريا وايران وتعالي لهجة
الانذارات الى حد استفز موسكو، التي
سيكون ارسال بعض قطع اسطولها الحربي
الى موانىء سورية في الايام القريبة،
بمثابة رسالة بالغة الدلالة. ان اعادة رسم الخريطة السياسية للمنطقة
وبناء الانظمة فيها بما يلائم الغرب
وحده، ليس حدثاً محصورة نتائجه
بالاقليم وحده. انها مسألة دولية
بامتياز. ================= جهاد الزين النهار 3-12-2011 الانفجار السوري معطى لا يمكن وصف
انعكاسه على لبنان ب "الداخلي"
فقط دون ان يكون التعبير مقصرا بل
قاصرا. الدليلان الاخيران "انقلاب"
البطريرك الفاتيكاني و"التحام"
التيار الحريري. كل انتفاضات "الربيع العربي" داخلية
التلقي والتأثير في اي بلد عربي مهما
بعدت المسافة. ولقد سبق لي ان كتبت بعد
الثورة المصرية ان الاحداث المتنقلة
بين تونس والمغرب والجزائر وليبيا
ومصر والبحرين واليمن وسوريا تبدو
وكأنها احداث متبادلة التأثير لا بين
دول عربية بل بين "ولايات عربية "
مختلفة المواقع متشابهة الثقافة
السياسية او دعونا نسميها "متشابهة
الهويات المختلفة"!! لكن بالنسبة لنا كلبنانيين فان صلتنا
بالحدث السوري "كوم" وصلتنا
بالاحداث العربية الاخرى "كوم"
آخر حسب التعبير الشائع في العديد من
اللهجات العربية المشرقية لا سيما في
بلاد الشام (والذي نستعمله دون ان نعرف
بالضبط مصدر الكلمة الذي قد يكون خاضعا
لعدة اجتهادات ألسنية). حتى بالنسبة
لمصر، عمتنا الرؤوم، فان الحدث السوري
شيء لا يمكن وصفه في لبنان ب"الداخلي"
فقط دون ان يكون التعبير مقصِّرا بل
قاصرا. يجب التفتيش على مصطلحات سياسية
ك"الحميمية" و"الذاتية" و"البنيوية"(مع
الاعتذار عن الغلاظة الثقافوية)
وغيرها مما لم نعثر عليها بعد - وسنعثر -
في وصف علاقتنا ب"الشام" كأفراد
ومكونات اجتماعية دينية سياسية امنية
اقتصادية. المسألة ليست مسألة عواطف مع انه لا عيب
في العواطف في معرض رصد اكثر الصراعات
السياسية جدية فتصور مثلا ان لا ترشح
المشاعر في الحديث عن عناوين فوّاحة
الخطورة والرومنطيقية معا مثل دمشق او
حلب او الفرات او او او... من كلمات
المؤرخ والمراقب السياسي و الاكاديمي
ورجل الدولة الاكثر رصانة. ولا اقصد
هنا الكلام التعبوي الفارغ والمسموم
الذي يستخدمه "مجرمو الحروب" في
الاعلام وان كان الرصد السياسي لن
يستثنيهم ويجب ان لا يستثنيهم لأنهم في
صدارة مشهد مستمر التشكل. هذا العام بدأ انْكِتابُ تاريخٍ جديد ل
"الجمهورية العربية السورية"،
ومعه تَكشّف مستوى بل مستويات من
التوغل اللبناني في التحولات الجارية
لم يكن معدوماً في السابق وانما ظهر
بفعل هذا الفصل الجديد الهائل في
المنطقة ككل والهائل التداخل بين
المحلي والخارجي الذي تتغير فيه انظمة
سياسية وتتقدم فيه قوى ونخب جديدة عبر
تقاطع ديناميات شعبية واستراتيجيات
اقليمية ودولية . لنأخذ المثال الاول على هذا "التوغل"
اللبناني من بطريرك الموارنة الجديد.
تصوروا درجة "سورية" الجماعات
اللبنانية ان رئيس الطائفة المؤسسة
محليا للكيان اللبناني والمؤسسة معه
لنوع مديد الزمن من "اللبنانية
السياسية" المضادة للكيانية
السورية باسم الخوف من التوسعية
السورية وبلا انقطاع منذ العام 1920 اي
البطريرك الراعي يتخذ موقفا ينتقل فيه
بالكنيسة المارونية ومدعوما من
الفاتيكان الى اولوية جديدة هي اولوية
الدفاع عن مسيحيي المنطقة كمحرك رئيسي
لموقف الكنيسة. لا يجب ان يُفهم هذا
الكلام باستنتاج غبي وكأني أقول ان
الكنيسة المارونية لم يسبق لها ان
انخرطت في الدفاع عن مسيحيي المنطقة
وانما المقصود انها تجعل من هذه المهمة
اولويتها المتقدمة على مهمتها الكبرى
ك"مسؤولة" محلية منذ 1860 ثم بعد 1920
عن الكيانية اللبنانية ... ومتى؟ في وقت
يتعرض فيه النظام السياسي السوري
القائم، الذي شهد اطول حالة اصطدام مع
المارونية السياسية بين كل الانظمة
السورية التي اصطدمت معها هذه
المارونية بشكل "منهجي" منذ تأسيس
الكيان اللبناني "الكبير"، يتعرض
الى مواجهة داخلية تضع مصيره بشكل كامل
على بساط البحث. المثال الثاني البارز هو موقف "تيار
المستقبل" الحريري. اذ ينخرط هذا
الحزب الاول عند الطائفة السنية بل
المهيمن على تمثيلها البرلماني في
الصراع السوري وكأنه حزب سوري.فينتقل
وبدون أقنعة من شعار "لبنان أولا"
الى ممارسة "سوريا أولا" بكل ما
تعنيه الكلمة من معنى. صحيح ان هذه
السياسة لم يكن ممكنا لها ان تتجسد
بدون الدور السعودي الاستراتيجي في
قيادة التحولات العربية ولا سيما في
سوريا حيث المعركة على أشدها لتعويض
العراق الشيعي الايراني بسوريا السنية
بقيادة "الاخوان المسلمين" ودعم
غربي سعودي تركي، الا ان التكوين
الاصلي ل"تيار المستقبل" كتنظيم
سني ممتد للمرة الاولى في تاريخ السنية
السياسية داخل لبنان على مستوى كل
الطائفة يجعله متحمسا لهذا الدور "الطبيعي"
مع كل مخاطره التي يمكن ان تجعل من
طرابلس وريفها العكاري "العاصمة"
الجنوبية للحرب الاهلية السورية على
غرار حمص - حماة وريفهما في الشرق
واللاذقية-بانياس في الشمال. بهذا
المعنى تعود الاحداث الاخيرة لتُظهر
السنة اللبنانيين ك"سوريين مجهَضين"
منذ تركتهم تحولات نخبتهم عام 1943
يقبلون بالتسوية اللبنانية وها هم
الآن "يلتحقون" بالكيان السوري
على الطريقة المتاحة. ولربما أمكن
بالمقابل ان نرى "العلويين"على
الساحل السوري وجباله ك "لبنانيين
مجهَضين" منذ أدى التقسيم الفرنسي
للمنطقة الساحلية "الزرقاء" في
اتفاق سايكس - بيكو الى استثنائهم من
المعادلة التي طبعت تركيب "لبنان
الكبير": سنة وارثوذكس على الساحل
واقليات مسلمة على الجبال. هكذا من
الشمال الى الجنوب الاغلبيات الكبرى
هي: علويون ومسيحيون في جبال العلويين
ثم موارنة ومسيحيون في جبل لبنان
الشمالي فدروز ومسيحيون في جبل لبنان
الجنوبي بما فيه جزين فشيعة ومسيحيون
في جبل عامل. هناك اقليات سنية وشيعية
طبعا في جبل لبنان ولكننا نتحدث عن
الاغلبيات حسبما كان الوضع
الديموغرافي صبيحة سقوط الامبراطورية
العثمانية حيث كانت هذه الجبال قد حملت
اسماء هذه الأغلبيات، وليس في ما آل
اليه الآن مع الكثافة العلوية
المتراكمة في مدن الساحل السوري او
الشيعية في بيروت الكبرى او التضاؤل
الديموغرافي للمسيحيين في مدن
كاللاذقية وطرابلس وصيدا وصور. كذلك
نركز على التقسيمات التاريخية التي
تستبعد حاصبيا غير الموجودة اصلا على
السلسلة الغربية والتي كجزين أدخلها
الترتيب الاداري الفرنسي - على الارجح
قسرا - في محافظة الجنوب! في توغل مكوناتنا المختلفة سياسةً
واقتصادا داخل المواجهات السورية
الجارية كم نحن سوريون حتى ليسأل
المراقب مثلما فعلنا مرة هل كان
استقرار لبنان سيصبح ممكنا اكثر - وهي
مهمة لم تتحقق في العمق يوما - لو ان
مؤسسيه المحليين والدوليين استثنوا
منه حصرا جبل عامل و طرابلس وريفها
الضناوي العكاري ولم يضموا هاتين
المساحتين الى "لبنان الكبير" و
ان يكتفوا بتحقيق المطلب الاصلي
لمتصرفية جبل لبنان وهو ضم اهراء سهل
البقاع الزراعي اي الى زحلة والعائلات
المسيحية البيروتية والبعلبكية ذات
الاملاك والاستثمارات الكبيرة فيه منذ
كان تابعا لولاية دمشق. لكن من كان
سيعرف في بكركي وغيرها يومها ان هذه
الاضافات ستتحول الى مصادر للتوتر
الديموغرافي والمذهبي والايديولوجي
والسياسي، وبالتوازي مع تحول اجزاء
واسعة من جميع النخب اللبنانية في كل
الطوائف الى محترفة بل ملتزمة استدراج
مشاريع عدم الاستقرار خصوصا بعد العام
1957 وبصورة لا شفاء منها بعد العام 1969.
ومن كان يتخيل ان هاتين المساحتين
العاملية والطرابلسية العكارية
ستتحول كل منها في نهايات القرن
العشرين وأوائل القرن الحادي والعشرين
واحدة تحت السيطرة المحكمة لايران
الخمينية والثانية للسعودية الوهابية
مع جعلهما بسبب ذلك في واجهة صراع
استراتيجيات دولية واقليمية. وحتى لو
وُجد من توقع "اللعنة"
الديموغرافية السنية الشيعية فمن كان
سيوقف القرار الفرنسي الحاسم بجعل
طرابلس جزءا من لبنان مع انها المرفأ
الاهم على الساحل السوري التاريخي (قبل
بدء صعود بيروت في القرن التاسع عشر)
وبالتالي حرمان الكيان السوري الموحد
من أكبر مدينة على شاطئه. وهو الكيان
الذي ارغمت نضالاتُ الحركة الوطنية
السورية في العشرينات والثلاثينات من
القرن العشرين فرنسا على قبول توحيده.
ومن كان سيعرف مبكرا حجم الاقتسام
البريطاني مع فرنسا والولايات المتحدة
الاميركية للنفط العراقي وحرص فرنسا
على الاحتفاظ بخطوط نقل النفط لموازنة
السيطرة البريطانية على منابع النفط
وميناءي البصرة وحيفا عبرالموقع
الرئيسي لميناء طرابلس في كل غرب بغداد
و"الليفانت". كان عملٌ شاقٌ يقوم
به اكثر من اربعة آلاف فني وعامل على
مسافة مئات الكيلومترات جارياً عبر
الصحراء الحارقة لمد خط الانابيب من
كركوك. هذا العمل لم يأخذ بعد مكانته
التي يستحق ليس فقط في التأريخ السياسي
والاقتصادي بل حتى في التأريخ الادبي
للاعمال الكبرى الامبريالية ذات
المجهود الملحمي الانساني كشق قناة
السويس او بناء السد العالي الذي "يؤرخه"
صنع الله ابرهيم في رواية "نجمة
أغسطس". وكشاهد عيان متجول ينقل لويس
جالابر في كتابه "سوريا ولبنان -
نجاح فرنسي؟" الصادرة طبعته الاولى
في باريس عن "ليبراري بلون" (PLON)
عام 1934 واشتريتها مؤخرا من مكتبة قديمة
في الحي اللاتيني في باريس، ينقل
احساسه بالفخر عندما شاهد بين تدمر
وحمص في ايلول 1932 الانابيب الضخمة
مكتوبا عليها بالانكليزية: "مصنوعة
في فرنسا". وبالمناسبة يدافع هذا
الكاتب عن صوابية اختيار مصب طرابلس
لخط النفط وليس بيروت بسبب وعورة وطول
الطريق في الجبال المطلة على بيروت
بينما "فالق" حمص - طرابلس اسهل
واقصر كما قرر المخططون الفرنسيون.
ويقول ان حصة فرنسا في شركة نفط العراق
حسب اتفاق عام 1929 كانت 23,75 بالماية ككل
من الحصص الانكليزية والهولندية
والاميركية باستثناء رجل الاعمال
غولبنكيان مع حصة 5 بالماية. لنتذكر كيف
جرى توزيع النفط الليبي بعد سقوط
القذافي وما قيل في صحف غربية جادة عن
حصة تتجاوز الثلاثين بالماية لفرنسا.
وهي حصة اكتسبت "أحقيتها" من دعم
الطيران الفرنسي لثوار ليبيا مثلما
فقدتها عام 2003 عندما لم تشارك في دعم
الدبابات الاميركية لثوار العراق
ولعلها عوضت جزءا منها اليوم. كم نحن سوريون وهذا لا يعني اي انتقاص من
"وطنيتنا الدستورية" اللبنانية
كما سمى المفكر الالماني هابرماس
الهوية الحداثية الاوروبية كوطنية
دستورية نابعة من عَقد لا من
ايديولوجيا. كم نحن سوريون بطريقة ما بل بأكثر من
طريقة هذه الايام السياسية الحافلة. ================= الشأن السوري في جلسات
الثقة النيابية ! سامح المحاريق الرأي الاردنية 3-12-2011 أبدى بعض النواب تأييدا حارا للنظام
السوري وشككوا في الثوار ونواياهم
وأجنداتهم، ووزعوا نقمتهم على الجامعة
العربية، وهذه الأمور وإن كانت لا تعبر
أصلا عن رأي الأغلبية عند قواعدهم
الانتخابية التي يفترض أنهم ممثلون
لها، ففي المقابل تؤثر هذه المواقف في
المصالح الأردنية البعيدة المدى،
لأنها تشتمل على تخوين الثوار الذين
يمكن أن يصعدوا إلى الحكم عاجلا في
حالة نجاح الثورة والضغط على دمشق
لتنحية نظامها، أو آجلا من خلال تطبيق
الإصلاح الذي يعد به النظام السوري. للأردن مواقف جربت سابقا عندما اندفعت
بعض القوى القومية من أنصار البعث أو
الباحثين عن أصوات انتخابية ذات ميول
قومية إلى تخريب علاقات الأردن بكثير
من حلفائه العرب، مجانا ودون مقابل،
خاصة بعد أن انكشفت الأوهام وسقطت
الأقنعة وتهاوت قلعة الأسود بغداد في
ساعات، لا نقول ذلك سخرية أو شماتة،
وإنما بمرارة جربناها المرة بعد
الأخرى. ليس أمام الأردن سوى الدفاع عن الثورات
العربية، وخاصة في سوريا، وإن كنا نقدر
تحفظ الحكومة في التعامل مع الملف
السوري لتجنب مقامرات اللحظة الأخيرة
في دمشق، فالشعب الأردني يعرف تحت أي
نظام قمعي عاش السوريون طيلة عقود من
الزمن، وكان المواطن الأردني في
زيارته لسوريا لأي سبب يحرص على كل
كلمة يقولها بل وكل فكرة تدور في رأسه،
خشية أن يذهب فرق حساب لدى الأجهزة
الأمنية السورية، واسألوا حاكم الفايز
وضافي الجمعاني في تصوراتهم عن الحالة
السورية فهما ليسا ممّن يهذرون بما لا
يعرفون، وشاهدوا البعثيين من بلطجية
القنوات الفضائية عن معاركهم الضبابية
التي لم تتمكن من تحريك شعرة في رأس
جندي اسرائيلي في الجولان. تحدث الملك لقناة البي بي سي بقلب مواطن
عربي يريد أن يتجنب السوريون المصير
العراقي، وبعقل قائد يريد أن يرى تحولا
هادئا للسلطة في الجارة الشمالية
الكبيرة، يحفظ للجميع، وأولهم الرئيس
السوري إمكانية الخروج المشرف، فما
نعتقده أن الرئيس بشار لا يتحمل
مسؤولية التراث الدموي الموجود في
سوريا، وأنه بذل محاولات جدية للبحث عن
مخرج للجميع، ولكن المشكلة في سوريا هي
نظام كامل شخّص مشكلته الرئيس عبد
الناصر قبل سنوات طويلة، حيث أدان منهج
البعث الذي أدى إلى انقسام سوريا إلى
بعثيين وسوريين، ولا أحد يمكنه التنبؤ
إلى أين ستصل الانقسامات لو استمرت
عجلة القتل في الدوران. الأردن يريد أن يبحث عن مخرج لسوريا، ولا
يريد أن يكون طرفا لا مع الثوار ولا مع
النظام، ليس ذلك في مصلحة الأردن من
الناحية البرغماتية، والنواب يجب أن
يعرفوا أن المجلس النيابي ليس محلا
لاستعراض الآراء الشخصية والثقافة
السياسية لكل منهم على حدة، وإنما
التعبير عن الناخبين ومصالح الدولة
الأردنية العليا، البرلمان يجب أن
يكون بيتا للحكمة في الأردن، وتمثيلاً
للعقل الجماعي. ================= هل هنالك فعلا مؤامرة
على سورية؟ مازن معروف 2011-12-02 القدس العربي لم يكن مستغربا
على الإطلاق أن تجهر الأبواق الموالية
للنظام السوري، سواء كانت داخلية أم
خارجية (خصوصا في لبنان)، بالترويج
لنظرية 'المؤامرة التي تحاك ضد سورية
العروبة والممانعة'. قد يكون شيء من هذه
الإدعاءات صحيحا. لكن ما لا شك فيه هو
أن النظام السوري، المتمرس على
استغلال الفرص لنيل المكاسب
الاستراتيجية، بغية إطالة أمد حكمه
وفرض شروط المنطقة ونسج ظروفها، لعب
الدور الكبير في دفع نفسه إلى أحضان
هذه المؤامرة. كانت البداية مع الدموية المبالغ فيها
والتي أخذت أشكالا لم نر لها مثيلا من
قبل، وإن كنا، على الأقل في لبنان، من
أولئك الذين نشأوا في بيئة راجت فيها
حكايات عن وحشية التعذيب التي كان
يمارسها النظام السوري ضد أسرى
لبنانيين وفلسطينيين اعتبروا معتقلين
سياسيين خلال سنوات الحرب في سبعينيات
وثمانينيات القرن الماضي. هؤلاء لا
يزال معظمهم مفقودا إلى هذه اللحظة.
تلك الصور، التي ثبتت في المخيلة
بالتناقل الشفوي، كنا نفترض أنها ذات
مصداقية عالية المستوى إلى حد ما،
مستندين في ذلك إلى أسلوب تعاطي الجيش
السوري مع المدنيين المعارضين له إبان
وجوده في الشارع اللبناني، غير أننا لم
نتيقن من صحتها مائة في المائة إلا
عندما انتفض الشارع السوري ضد نظامه.
عبر فيديوهات اليوتيوب (الذي يمكن لأحد
أن يحاجج أنها مركبة، لكن لا يمكن لأحد
أن يحاجج بأنها كلها مزيفة وغير صحيحة
وجزءا من مؤامرة)، تحولت الصورة
المركبة في الذهن، إلى تمثيل حقيقي، في
تقاطع مذهل للمادة البصرية مع ما
اكتسبته الذاكرة عن النظام السوري في
لبنان. غير أن المخيلة ما كانت لتبلغ في
أقصى إمكانياتها، حدود الوحشية التي
صاغتها الشبيحة والجيش الموالي ضد
المدنيين العزل. قد يكون مأزق النظام
الأول أخلاقيا، من حيث فقدانه القدرة
على إقناع العالم بأن كل فيديوهات
اليوتيوب مؤلفة لضربه. ذلك أن لهذا
النظام أرشيفا، على الأقل في لبنان، من
خلال كل القمع الممارس ضد الأصوات
المناوئة له، إضافة إلى حرب المخيمات
التي شنت كعقاب جماعي وانتقامي لواقع
عجز هذا النظام على الإمساك بسلطة
القرار الفلسطيني المتمثل آنذاك بياسر
عرفات. وهو الملف الذي بقي حتى هذه
اللحظة محظورا فتحه في قنوات الإعلام
اللبناني، نظرا لحساسيته ولارتباط
شحصيات نافذة في السلطة اللبنانية
بالمجازر التي ارتكبت بحق المخيمات
آنذاك. شنت تلك الحرب التي بلغ أمدها سنوات ثلاث،
بتوافق أميركي سوري - سعودي وبرضى
اسرائيلي كبير. كانت تلك أيضا مؤامرة،
لكنها لم تقرأ على أنها ضد القومية
العربية والممانعة، حتى أن النظام
السوري المتمثل بشخص الرئيس حافظ
الأسد وقتذاك، استخدم حرب المخيمات
كرسالة طويلة وشخصية إلى ياسر عرفات.
المخيمات الفلسطينية لم ترتكب آنذاك
خطيئة كبرى من النوع الذي قد يثير
حفيظة سورية إلى درجة إعلانها القصاص
الجماعي الطويل الأمد. والمخيمات وإن
كان غطاؤها فتحاوي كما هو معروف في تلك
الأيام، فإنها لم تعلن الحرب على
القوات السورية المتواجدة في لبنان
آنذاك. مع ذلك، فإن النظام السوري لم
يتردد للحظة في ممارسة أقسى أنواع
الضغط عليها، عبر ذراعه الشيعي
اللبناني 'حركة أمل'. موالو النظام السوري لا يريدون مراجعة
دلائل أخرى كأرشيف سقوط مخيم تل
الزعتر، وكيف كانت إزالته خطوة
استراتيجية لتفريغ المنطقة الشرقية في
بيروت من التواجد الفلسطيني، وبالتالي
تعزيز السلطة السورية فيه. هناك أمثلة
عديدة أخرى يمكن تبينها بسهولة كدلائل
على مرونة النظام السوري، وعدم تردده
في التحالف مع أي طرف يكن، من أجل إرساء
مكاسب استراتيجية منذ السبعينات. إلا
أنها كلها أمثلة لم ترتق إلى مستوى
إحراج النظام على مستوى العالم. ففي
أواسط الثمانينات، كان هناك تجانس
سياسي كبير بين عزف الجوقة السورية
ومثيلتها الأميركية، الأمر الذي شكل
غطاء لذلك النظام ومتنفسا له في الشرق
الأوسط، ذلك أن واشنطن لم تكن تريد
إغضاب دمشق المتحكمة بخطوط الملعب
السياسي في الشرق الأوسط عموما،
ولبنان خصوصا. كذلك فيما يتعلق بتحالفه
مع إيران الفارسية (وهو التحالف الذي
لم يتقاطع مع منهج البعث في المنادي
بالقومية والعروبة)، ومشاركته في حرب
الخليج إذ أُرسل الجيش السوري
للمشاركة فيها تحت إمرة القوات
الأميركية، ضد النظام العراقي يومذاك.
أما على مستوى الداخل السوري، فقد مثلت
أحداث حماة، التي لا يعرف على وجه
الدقة عدد قتلاها إلى الآن، مخدرا طويل
الأمد للمجتمع السوري. هكذا كان النظام
السوري يعمل لنفسه محيطا مفتتا ومرنا
كالمعجون، مقابل استحواذه على مجتمع
سوري مشدود كمنصة. غير أن إحكام النظام
قبضته على المجتمع السوري، أدى إلى
تعزيز الجهد الدبلوماسي في الخارج
سعيا لمكاسب استراتيجية. فالقوة
السورية العسكرية استخدمت في لبنان
للإمساك بمقاييض البلد، والسيطرة على
المخيمات الفلسطينية المتواجدة فيها،
وتعزيز قوة التنظيمات الموالية لها،
كما الأحزاب اللبنانية أيضا. المفارقة
أن هذا العسكر السوري أخفق في إثبات أي
تفوق كان في المعارك التي خاضها مباشرة
ضد اسرائيل (أو اضطر مرغما خوضها). أي أن
هذه القوة العسكرية السورية التي تمعن
اليوم قتلا وأسرا وتعذيبا وحصارا ضد
المدن السورية المناوئة للنظام، لم
تثبت في التاريخ الحديث انتصارا واحدا
لها يسجل في مواجهة العدو الاسرائيلي.
ذلك، لأنها كانت قوة تعمل من اجل نيل
مكاسب استراتيجية، ولا 'تجازف' في
الدخول في مواجهة مباشرة مع العدو
الاسرائيلي، وهو ما يفسر دأب النظام
السوري على تمتين البنية التحتية
العسكرية ل'حزب الله'، كورقة يلوح بها
لنيل مكاسب استراتيجية. كما أن وجود
حزب الله كحزب حليف لسورية، يمكن
النظام السوري من توسيع هامش خطابه
فيما يخص المنطقة. ففي حين يدعو حزب
الله إلى 'تحرير فلسطين' و'إزالة
اسرائيل من الوجود' (وهما عنوانان
يشبهان مستوعبا كبيرا بألوان جذابة من
الخارج ومحتوى مجهول تماما)، يتحدث
النظام السوري في هذه الأيام عن مضار
أية عملية عسكرية اوروبية على 'السلام
في الشرق الأوسط'. هذان المفهومان 'تحرير
فلسطين' و'السلام في الشرق الأوسط'
المتناقضان في الجوهر، واللذان
ينطلقان من المصدر نفسه لكن بنبرتين
مختلفتين، يمثلان على أرض الواقع حدود
المجال الذي يمكَّن النظام السوري من
التحرك بديناميكية في الملعب الدولي.
هما مفهومان يقفزان فوق حاجات الانسان
السوري والعربي للحرية والحقوق
المدنية، وهي الحاجات البديهية التي
تتقدم على مسألة تحرير فلسطين او
السلام في الشرق الأوسط. وسواء سعى
النظام حقيقة إلى 'تحرير فلسطين' (وهو
أمر يظل مستبعدا نظرا لتجربة السوريين
مع القضية الفلسطينية، وعملهم على
تفتيت المنظمات الفلسطينية أوائل
الثمانينات، والحروب العديدة التي شنت
على الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر
عرفات والتي عوقب فيها اللاجئون
الفلسطينيون عموما في مخيمات لبنان)،
أو إلى 'السلام في الشرق الأوسط' (وهو
أيضا أمر مستبعد نظرا لعمل النظام على
تمتين العلاقة بشكل وثيق استراتيجيا
وعسكريا منذ أوائل الثمانينات مع
النظام الإيراني المعارض لأية محاولة
سلام مع اسرائيل)، فإنه لا يمكن للنظام
أن يتجاهل تصدع الأرضية التي يقف عليها.
نعني هنا، المجتمع السوري قبل اندلاع
الثورة. أمنيا ومدنيا. فالحرب مع
اسرائيل، أو السلام، لا يمكن لأي منهما
أن يتم دون بناء شرعية سورية، مجتمعية
حقيقية وصادقة، لا يُهيمَن فيها على
الشعب بالقوة، ولا يُستولى على حقوقه
السياسية والمدنية والمعيشية
والأمنية. أما افتقار السلطة السورية
لهذه الأرضية المجتمعية، يعني أن هناك
صدعا بين هذه والسلطة والشعب، صدعا كان
يمكن لحمه في اللحظات الاولى للثورة
السورية، لا الأيام الاولى، بإصلاحات
حقيقية وشفافة تصيب تطلعات الشعب
السوري للتغيير الديمقراطي لكن مع
إصرار النظام على القسوة والعنف
واستخدام الشبيحة، فقد بات من
المستحيل لحمه. إلا أن النظام الذي استند دوما على تعزيز
صورة الفرد الشامل (الرئيس)، مقابل محو
كل صورة ممكنة للفرد السوري في
المجتمع، كان من الطبيعي ان يصل مرحلة
تصبح فيها المسافة بين صوت الشعب وأذن
النظام كبيرة جدا، تتبدد اللغة فيها،
ولا يعود مسموعا أي مطلب حق للجمهور،
ما يفسر أن كل ما استطاع النظام السوري
أن يراه هو تمتمات أفواه، لا أصوات.
ولأنه نظام مُستعل ومنعطف على ذاته،
ومتباه بمكاسبه الاستراتيجية وبواقع
حساسية مجاورته لاسرائيل، وتحكُّمه
بمنظومة حزبية مخيفة بالنسبة للدولة
العبرية، لم يكن ممكنا له الالتفات إلى
الثورة التونسية والمصرية والإتعاظ
منهما. ذلك أن خطأ الرئيسين المخلوعين
بن علي ومبارك كان في انعدام التجانس
بين لغة الشارع ولغة السلطة. فالسلطة
العربية عموما، والتي قامت إما على
ديكتاتوريات، أو ملكيات عشائرية، أو
عائلات، بقيت أسيرة نظامها وصوتها
الخاص. الصوت الذي غالبا ما كان يرتد
إلى مسامعها منعكسا عبر جدران غرفها
المعزولة فيها. وهذا التفسخ في العلاقة
بين الصوتين، لم يكن النظام السوري
ليتصوره في نسخة سورية. غير أن
التظاهرات التي بدا النظام السوري
أمامها مرتبكا، وفاقدا لأي لغة حوار
ممكنة مع الداخل، دفعت النظام السوري
إلى استخدام العنف لغة لا بديل عنها.
هذه اللغة، استطاع النظام استثمارها
بنجاح في الآونة الأخيرة. فتصاعد مستوى
العنف والتعذيب والاعتداءات على
المدنيين، جذب اهتمام الصحافة
الغربية، وأثارت استياء المجتمعات
الأوروبية والعربية، كما إنها فتحت
باب الفرصة امام الغرب المعادي لسورية
وحزب الله سياسيا، إلى التلويح بضربة
عسكرية على غرار ما حدث في ليبيا. وسواء
اعتبر ذلك 'مؤامرة' على سورية أم لا،
فإنه من المؤكد أن النظام السوري وبهذا
التشديد على التعامل العنيف مع
المتظاهرين السلميين، يكون ألقى بنفسه
في أحضان 'المؤامرة'، ليصبح احد
الاطراف التي صنعتها، كما يكون قد أسس
لظرف دولي طارئ، يحول الانتباه أولا عن
ممارساته القمعية التي لا تتوقف ضد
شعبه (حتى مع إعلان اتفاق مع الجامعة
العربية بهذا الخصوص)، ومن ثم يدفع
الأطراف الدولية إلى موقف أقرب إلى
الصراحة والحزم منه إلى الديبلوماسية،
ما يقلب المعادلة لصالحه هو، النظام
السوري نفسه، الذي يلوح اليوم بفتح حرب
إقليمية واسعة تطال إسرائيل وتركيا
وتشترك فيها إيران بلا شك و'حزب الله'،
وقد يشهد لبنان بسبب هذا حربا أهلية
جديدة بين الأطراف المعادية لسورية
والأطراف التي تعتبر نفسها في خط 'الممانعة'،
الذي يصح أن نغير اسمه ليصبح 'نفق
الممانعة' بعد كل الإحراج الذي يعانيه
جراء دعمه العنف تجاه المتظاهرين أو
السكوت عنه. وسواء نشبت حرب ما أم لا، فإن مسرح
الأحداث على العموم في الشرق الأوسط
اليوم، يضم شخصيات متطرفة، سواء على
المستوى الإيراني، أو السوري، أو
الإسرائيلي، أو السعودي أو الأوروبي.
النظام السوري دفع بنفسه إلى تلك
المؤامرة وقد أسهم بأسلوبه الدموي إلى
لفت أنظار العالم المتربص به أصلا. هو
نظام متمرس على استغلال الفرص لكسب
استراتيجي في المنطقة، حتى وإن كانت
إحدى هذه الفرص على حساب هيبته التي
تفتت وكرامة شعبه الشجاع. النظام
السوري، وعبر المقابلات الاعلامية
التي يجريها الرئيس السوري بشار الأسد
مع صحف دولية، يحاور بطريقة غير مباشرة
الولايات المتحدة وأوروبا وإسرائيل
والعالم ، مقابل تغافله المقصود منذ
بداية الثورة السورية عن مطالب الشعب
السوري، التي كان يمكن للنظام تنفيذ
جزء منها على الأقل، كأرضية تؤسس لحوار
نحو تغيير ديمقراطي مستحق. ================= حول المأزق السوري
والجوار: العرب ... «تتكلّم تركي»! السبت, 03 ديسيمبر 2011 عادل مالك * الحياة كل ما يجري في المنطقة تطوّرات غير مسبوقة
من عملية عزل سورية بقرار من الجامعة
العربية التي تسعى جاهدةً لاسترداد
بعض ما فقده النظام العربي من أقصى
المحيط الى أقصى الخليج، وما بعد
المحيط والخليج. تساءَلنا في المقال السابق، وفي هذا
المجال بالذات، أن الأحداث في سورية
بلغت شهرها التاسع، وفي العادة هذا هو
«شهر الوضع»، فهل نحن أمام «حالة وضع
أم عملية إجهاض؟» (الحياة 19 تشرين
الثاني/نوفمبر) ومنذ ذلك الحين
والأحداث تتسارع بوتيرة عالية في سياق
المنازلة بين سورية من جهة والعالم
العربي الرسمي وصولاً الى الغرب
الأميركي منه والأوروبي. ومع انقضاء
هذه الفترة الزمنية بكل ما حفلت به من
تداعيات أكثر من تطور يجب التوقف عنده
في نقاط رئيسة: أولاً: منذ اندلاع الأحداث في سورية، لم
يتوقّع العاملون على تقويض النظام
السوري، لأن ساعة انهياره قد أزفت، أن
يتمكّن هذا النظام من «الصمود» في وجه
هذا الإعصار الهائل. وفي المقابل، لم
يتوقع النظام، ربما أن «يصمد» الساعون
والعاملون على مواجهة بشار الأسد كل
هذا الوقت الطويل نسبياً. وفي ضوء هذا
الواقع لا بد لكل الأطراف المتداخلة
والمتدخلة في عملية قلب نظام الأسد من
أن تجري إعادة عملية تقويم لما جرى حتى
الآن، والعمل على استشراف ما هو آتٍ
على المنطقة. ثانياً: كان الغرب الأميركي منه
والأوروبي نزع الصلاحية عن النظام في
دمشق لكنّه بحاجة الى مظلّة عربية
للتشديد على جديّة المجتمع الدولي في
سعيه الى تعديل نظام الأسد وتبديله.
وتأمن هذا الغطاء بإقدام 19 دولة عربية
على محاصرة سورية من كل جانب، تبريراً
للتصعيد في مواقف الدول الأطراف
الفاعلة على الصعيدين الإقليمي
والدولي. وفي هذا المجال بدا واضحاً أن
تركيا هي رأس الحربة في ما يجري وما
يتوقع له أن يجري. وتتصف تركيا بواقع جغرافي مميّز لسورية،
والإجراءات والتدابير التي أعلنت عنها
أنقره قبل أيام قليلة تعكس حقيقة هذا
الدور. على أن اللافت في هذا المجال
بالذات هو انضمام تركيا الى مؤسسة
الجامعة العربية في سعي منها لتقديم
جرعات من الدعم لسحب البساط من تحت
أرجل النظام السوري. وفي هذا السياق يمكن أن نقول من وحي ما
نشهده ان العالم العربي في معظمه، ومع
بعض الاستثناء، يتكلّم التركية بطلاقة.
والسؤال هنا: هل إن واقع الحال يؤشر الى
«تعريب» تركيا أم الى «تتريك» العرب؟
وهذا في واقع الأمر توصيف جديد دخل الى
قاموس المرحلة المصيرية التي تجتازها
المنطقة. ثالثاً: إنه زمن التسلّم والتسليم بين عدد
من الزعماء العرب وبإشراف مباشر من
حالة العداء العربية لسورية النظام،
وليس الشعب، كما تقول العرب. وفي المقابل، لا يزال زعماء العالم من
باراك أوباما في واشنطن الى آلان جوبيه
في باريس، الى سائر عواصم القرار في
حال انهماك من إجراء المناقلات
والتغييرات بين بعض القادة العرب، بعد
ما جرى حتى الآن من تونس الى مصر الى
ليبيا، الى اليمن، والبقية تأتي.
وبناءً عليه، فإن «تسريح» عدد من
الزعماء العرب قد أحدث حالة من البطالة
على هذا الصعيد، وهناك بعض الفرص
المتاحة لمن يجد في نفسه الكفاءة
لتولّي هذه المناصب وما عليه إلاّ
الحصول على شهادة حسن سلوك أميركياً
وإقليمياً. وفي مقابل إنجاز بعض الفصول من «لعبة
الأمم» برز تسخين الحرب الباردة بين
الولايات المتحدة وروسيا التي برز
دورها وتعاظم منذ نشوء ونشوب أزمات
المنطقة. وأدّى الموقف الرسمي الداعم
الى تجنيب سورية بيان إدانة من مجلس
الأمن الدولي، بفضل «الفيتو» الروسي،
والامتناع الصيني التقليدي. وقد لوحظ ارتفاع الأصوات الصادرة عن
موسكو بضرورة عدم «استيراد» أو تصدير
السيناريو الليبي الى سورية. وفي رأيها
إن التعاطي مع النظام السوري لا يكون
بهذا الشكل، لأن الموقف الروسي يستند
الى وقف العمليات المسلّحة التي يقوم
بها بعض المقاتلين ضد العسكريين
والمدنيين في سورية. وهذا الأمر كان
موضع شكوى لدى دمشق بما أن دول الجامعة
العربية والدول الأخرى لا تأخذ في
الاعتبار وجود عناصر مسلّحة تتحكّم في
مسار الأحداث في سورية. وتؤكد بعض
المعلومات أن اتصالات مكثفة تجري خلف
الستار بين موسكو وواشنطن ودول عربية
وغربية أخرى في سعي الى تجنيب ما تشهده
سورية من تطوّرات. رابعاً: في واحدة من المفارقات التي تميّز
المشهد السوري وما يتبعه، كان دعم
المعارضة السورية في الداخل والخارج
للعمل على تقويض نظام بشار الأسد، لكن
من دون إعلان هذه الدول اعترافها
بالمجلس الوطني الموقت. كذلك لوحظ أن
بعض العواصم الغربية – تحديداً» لا
تكف عن دعوة «المعارضات السورية» الى
جمع صفوفها، والعمل على تضييق فجوة
الاختلافات في ما بينها. إذاً، ما زال الصراع المحموم على أشدّه
بين «السورنة»، و «التتريك» والتدويل.
أما بالنسبة الى العقوبات الاقتصادية
التي فرضت على سورية، لا يمكن إلاّ
الاعتراف بأنها ستؤثر في الواقع
السوري، لكن في المقابل هذا يعني أن
عملية التأديب السياسية والاقتصادية
التي يخضع لها النظام السوري سيمر بعض
الوقت قبل أن تبدأ هذه العقوبات للشعور
بوطأتها على النظام من جهة وعلى الشعب
السوري من جهة ثانية. علماً أن الدول
الضاغطة على الحكم في سورية تحاول
بالمناداة من أن هذه العقوبات تمس
النظام في شكل مباشر، لكن رُوعي في
الاعتبار تجنيب الشعب السوري هذه
التدابير. ومثل هذا الواقع شهدناه حيال
الوضع في العراق زمن صدام حسين. فهل نحن
أمام تكرار المشهد العراقي وقصة أسلحة
الدمار الشامل، والتي تبيّن أنها
مزاعم لا تستند الى معطيات أو قرائن
حسيّة؟ وفي حقبة حافلة بالتطوّرات تتدخل الوقائع
المادية مع الجانب النفسي من الحرب
القائمة. وفي هذا المجال وفي سياق
المواجهة الديبلوماسية بين روسيا
وسائر دول العرب والعالم تمّ تسريب
معلومات تتحدث عن لجوء سورية الى اتخاذ
قرار بنشر صواريخ «سكود» على الحدود مع
تركيا، وأن هذا التطوّر في حال التأكد
من صدقيته، يأخذ بالأزمة في سورية ودول
الجوار الى أبعاد جديدة بالغة التكلفة.
وفي سعي من دمشق للعمل على التخفيف من
حدة التوتر، ولو قليلاً، تم الإفراج عن
أعداد «غير قليلة» من المعتقلين الذين
يقدرون بالآلاف. (في واحدة من مسرحيات الأخوين رحباني تقول
السيدة فيروز «ما في حبوس تساع كل
الناس»)، وهذا الإجراء تمّ استجابةً
لبعض بنود «الحل العربي» الذي صدر عن
جامعة الدول العربية وتركيّا! وفي إطار المساعي الهادفة الى تبريد هذه
الأزمة، عقد في جدة مؤتمر منظمة الدول
الاسلامية والذي شارك فيه وزير خارجية
سورية وليد المعلم، علماً أن المشادات
التي وقعت بين المعلم وبعض المندوبين
وأخصهم مندوب قطر وتركيا هي التي خيّمت
على أجواء هذا اللقاء. وبعد... هل من رؤية لاستشراف ما هو مقبل على
المنطقة من أحداث؟ ضباب كثيف يلف الواقع السوري والواقع
العربي في شكلٍ عام. وعلى رغم أن
الخيارات المتاحة ليست كثيرة، يشير
بعض المراقبين الدوليين المتابعين عن
قرب لما يجري الى الاحتمالات الآتية: > إقدام الرئيس بشار الأسد على تقديم «انحناءة
ما» في محاولة أو سعي لاحتواء التدابير
المتعاظمة التي اتخذت بحق سورية. > سعي النظام في دمشق الى إظهار قوّته
الشعبية عبر التظاهرات المؤيدة التي
يشهدها عدد من المدن السورية، وهذا
للقول إن مقابل التظاهرات المعادية
هناك تظاهرات مؤيدة. > دخول روسيا في شكل أكثر مباشرة على خط
المساعي الآيلة الى احتواء الأزمة،
بوقوف روسيا في شكل قوي ضد تغيير نظام
الرئيس الأسد بالقوة. وهذا التطور إذا
حدث يؤشر الى تعاظم الدور الروسي –
المصلحي في المنطقة. وتعمل موسكو على
استدراك الموقف حيال عجزها عن التأثير
في مجرى الأحداث التي أدّت الى اقتلاع
معمّر القذافي من جذوره، وسعي دول حلف
الأطلسي للسيطرة على المغانم والمناجم
القائمة في ليبيا. ومن هذا المنطلق تكرر روسيا أنها لن تسمح
بتكرار «السيناريو الليبي» مرّة أخرى
في سورية. إضافة الى ممانعة روسيا
للنداءات التي توجه يومياً الى الرئيس
بشار الأسد بضرورة التنحي والمناداة
بأن «أيامه باتت معدودة». > إن تركيا تقود حملة شعواء على ما يجري
في سورية وهي الأقرب جغرافياً إليها،
في سعي من رجب طيّب أردوغان ومنظّر
حكمه وزير الخارجية أحمد داود أوغلو
للخروج من الأزمة القائمة بنفوذ
إقليمي بارز. لكن ليس في الأفق، حتى
كتابة هذه السطور على الأقل، أن الدور
الاقتحامي الذي تضطلع به تركيا ستكون
له الغلبة، لأن الوضع في سورية أكثر
تعقيداً مما يتراءى للبعض. وعليه... العرب تتكلّم تركي! بانتظار تطوّر
آخر قد يحدث بين يوم وآخر، بل بين ساعة
وأخرى. * إعلامي لبناني ================= ياسر أبو هلالة الغد الاردنية 3-12-2011 إذا كان النواب الفائزون يتحدثون عن
تزوير انتخابات 2010، فكيف بالمعارضة
التي قاطعتها؟ تلك الانتخابات تمثل
لغزا للباحثين؛ فقد جرى التدخل
والتزوير رغم غياب المعارضة. ونتيجة
لذلك شهدنا مظاهر عنف مجتمعي غير
مسبوقة يتحمل مسؤوليتها من تدخل وزوّر. ولعل الكلمة الأهم في جلسة الثقة تلك التي
ألقاها النائب المخضرم ممدوح العبادي،
والتي تحدث فيها بوضوح: "فمن زوّر
الانتخابات العام 2010 أعطي بيتا قرب
مدرسة البكالوريا قيمته الآن ما يزيد
على 10 ملايين دينار، (...). فإن كانت
الحكومة جادة في مكافحة الفساد، فإنها
أمام اختبار في أن تعيد ملكية هذا
البيت للخزينة باعتباره ملكا للدولة
وليس لمنتفع بفساد". تلك الكلمة تقودنا إلى استنتاج أهم؛ ما هي
شرعية المجلس الذي نتج عن التزوير، حتى
لو في دائرة واحدة؟ ففي غياب هيئة
مستقلة للانتخابات، يصعب رصد التزوير
وتوثيقه والمحاسبة عليه جنائيا
وقانونيا وسياسيا. لكن علينا اليوم أن
نتعامل سياسيا مع هذه الحقيقة. وفي
النهاية، مشى اجتهاد "العدالة
الانتقالية"، أي إبقاء المجلس جسرا
لتمرير الإصلاحات بما أن أعضاءه
مستعدون للمضي ببرنامج الإصلاح. وإن
تلكؤوا يحل وتمر بدونهم. وفي كلمة النائب العبادي تعاط مع الشأن
السوري يعكس مزاجا معاديا للإسلاميين
الذين لهم الثقل الحقيقي في الشارع
الأردني كما الشوارع العربية. ولا أدري
كيف ستأخذ الحكومة في مقاربة لا رصيد
لها في الشارع الذي احتشد بالآلاف نصرة
لشعب سورية ومطالبة بإعدام السفاح،
وتصدر عن مجلس يشكك نوابه في شرعيته.
يقول النائب الصديق: "نطلب من
الحكومة أن لا يكون الأردن جزءا من أي
جهد دولي أو إقليمي من شأنه إلحاق
الأذى بأشقائنا في سورية، فنحن
منسجمون مع مشاعر كل الأردنيين التي
ترفض أي تدخل في الشأن الداخلي للأشقاء.
فالثورة التي تستجدي الحماية بحراب
الأجنبي ليست ثورة، ولا همّ لها إلا
الاستيلاء على السلطة. ومع إيماننا
المطلق بحق الشعب السوري الشقيق في أن
ينال حريته وأن يعيش في ظل ديمقراطية
تكفل التداول السلمي للسلطة، إلا أن
هذا لا ينبغي أن يفتح الباب لأي تدخل
أجنبي أو إقليمي، مهما كان وتحت أي
شعار كان، فنحن لسنا بحاجة إلى إعادة
إنتاج عراق جديد في سورية". وقد أحسن النائب علي الخلايلة في موقفه
الذي سرد جرائم النظام السوري ضد
الأردن، والتي لا تقل دموية عن جرائمه
تجاه شعبه. وفي النهاية، لا يمكن أن
تبنى سياسة دولة على نظام زائل في غضون
أشهر بسبب ثورة شعبه التي قدمت أكثر من
4 آلاف شهيد إلى اليوم، والتي لم يجد
العالم مفرا من التعامل معها وفق
مسؤوليات القانون الدولي. إن المقاربة الرسمية الأردنية في الموضوع
السوري متقدمة سياسيا وأخلاقيا على
مقاربات بعض اليسار الأردني الذي وضع
نفسه في موقف معاد من الشعب السوري
الذي يطالب بحماية عربية أو إقليمية أو
دولية. والمأمول من النواب التوجه إلى
اللاجئين السوريين والاستماع
لروايتهم، سواء في الأردن أم تركيا.
ولا أعتقد أن الآلاف من هؤلاء تخرجوا
من معاهد التمثيل في أميركا. وليدلنا
النواب بعدها على حل عبقري يحمي
الأطفال والنساء والرجال، ويحمينا نحن
من شرور نظام يفتقد العقل والخلق في آن. ================= طه اوزهان الشرق الاوسط 3-12-2011 في أعقاب الحصار المفروض على سوريا من قبل
جامعة الدول العربية، يواجه نظام حزب
البعث عصرا جديدا. وثبت أن سوريا إزاء
أصعب اختبار في الربيع العربي، حيث
وصلت حاليا لنقطة اللاعودة. ورغم
السياسات الغربية خلال الأعوام الخمسة
أو الستة الماضية والتي كانت تعمل على
فرض العزلة على نظام بشار الأسد، حاول
النظام السوري البقاء من خلال مساعدة
تركيا له، فقد ألقت تركيا لسوريا حبل
النجاة لتنقذ نفسها من الفوضى من خلال
زيارات أردوغان لسوريا وكذلك زيارات
داود أوغلو التي بلغت 61 زيارة، لكن
الأسد لف الحبل حول عنقه. ما يحدث في سوريا أمر مؤسف للشرق الأوسط.
مع ذلك من المفارقة أن تعد هذه الأحداث
نموذجا لاختبار سياسي فارق. لقد انقلبت
الأوضاع السياسة في المنطقة رأسا على
عقب خلال عام واحد فقط. الوضع الحالي
للمعارضة السورية هو نفسه وضع الحكومة
العراقية منذ ثمانية أعوام، فاللاعبون
العراقيون أنفسهم، الذين عانوا من
المذابح إبان حكم حزب البعث بزعامة
صدام حسين، والذين اشتكوا من سوريا
خلال فترة ما بعد الاحتلال بل وطلبوا
وساطة تركيا عندما زادت التوترات، هم
من يدعمون اليوم نظام الأسد. على الجانب الآخر، وجهت لإيران الكثير من
الانتقادات بسبب الصمت على المذابح
التي ارتكبت في حماه خلال السنوات
الخمس الأولى من الثورة الإسلامية.
والآن تخفق إيران في اختبار حماه
الثاني. لقد خاضت إيران أكثر حروب
القرن العشرين دموية مع نظام آخر لحزب
البعث، لكنها ترى الآن أن بقاء النظام
السوري «مصلحة قومية». ويواجه لاعبان
آخران الاختبار وهما حزب الله وحماس
اللذان يعدان جزءا من «محور المقاومة»
في الشرق الأوسط. وغض حزب الله، بوجه
خاص، طرفه عن المذابح التي يرتكبها
نظام الأسد وطالب ببقاء النظام، مما
شكك الناس في شرعية حزب الله وشعبيته
التي اكتسبها على مدار 30 عاما من صراعه
مع إسرائيل. وتواجه حماس، من جهة أخرى،
ضغوطا كبيرة وتحاول جاهدة الخروج من
مستنقع سوريا دون مماطلة. من المفارقة أن الضرر الواقع على هؤلاء
اللاعبين من انحيازهم لحزب البعث خلال
الأشهر القليلة الماضية كان أكبر من
الضرر الواقع عليهم من إسرائيل خلال
الثلاثين عاما الماضية. وتعبر إسرائيل
بوضوح عن عدم ارتياحها للثورة المصرية
التي تعد نقطة فاصلة في الربيع العربي.
لقد وضعت إسرائيل خططا تقوم على «نظام
مبارك من دون وجود مبارك» في مصر. مع
ذلك خابت توقعاتها، وبالتالي بدأت
إسرائيل تفكر في كيفية مواجهة سوريا من
دون نظام حزب البعث بدلا من إضعاف
الأسد. وبدلا من التعامل مع ما يحدث في سوريا
حاليا، تهتم الولايات المتحدة بأن أيا
كان الطرف الرابح، فلن يكون الولايات
المتحدة. ومع انهيار الأنظمة، التي
عملت كعازل يفصل بين الولايات المتحدة
وشعوب المنطقة، الواحد تلو الآخر في ظل
الربيع العربي، تحاول الإدارة
الأميركية تحديد كيف يمكن للحركات
الشعبية أن تغير النظام الذي تم إرساؤه
بعد معاهدة كامب ديفيد. وتمثل تركيا الخط المحدد للشرعية. فقد
عارضت في الماضي فرض العزلة والحصار
على سوريا، بينما تؤكد الآن على ضرورة
اتخاذ الخطوات الشرعية من أجل وضع حد
لما يرتكبه نظام الأسد من مذابح. وتعبر
تركيا بوضوح عن معارضتها لأي تدخل غربي
في سوريا خشية أن يؤدي إلى احتلال على
شاكلة الاحتلال الأميركي للعراق. مع
ذلك، طالما تشاطر الشعب السوري المعذب
بآلامه ومعاناته، فسوف تتفادى أزمة
الشرعية التي يواجهها اللاعبون
الفاعلون الآخرون في المنطقة. وقد ثبت
على مدار التاريخ أن الشرعية هي الأهم
دائما. * بالاتفاق مع صحيفة «حرييت ديلي نيوز» التركية ------------------------ المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |