ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الاثنين 05/12/2011


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

الثورة السورية المجيدة أعظم الثورات العربية

بقلم:انور الوريدي

تاريخ النشر : 2011-12-04

دنيا الوطن

لم يدع النظام السوري الطائفي عملا قذرا أو وسيلة منحطة إلا استخدمها من أجل أن يبقى في الحكم؛ فقد قام بقتل آلاف من الرجال والنساء والأطفال والشيوخ، وهتك حرمات البيوت واغتصب الفتيات القصر وأقام معسكرات اعتقال في المدارس والمستشفيات، ومنع مداواة الجرحى بل وأجهز عليهم وقتل واختطف أقارب المعارضين في الخارج ، وسلخ الجلود وقطع الأوصال؛ وهدم البيوت واجتث الأشجار وقتل البهائم كما كان يفعل التتار ، حتى رأينا ما كنا نسمع عنه في قصص الخيال القديمة يتحقق في القرن الحادي والعشرين، وجند الآلاف من شبيحة الإعلام والصحافة للرد على كل من ينتقده في الصحافة الالكترونية، وفبرك أقوال التأييد والمساندة على السنة المشاهير مثلما حصل مع نور الشريف عندما وضعوا على لسانه كلاما يشبه فيه بشار بعبد الناصر، وكذلك فعلوا مع الإعلامي القومي حمدي قنديل وسوف يفعلون مع سواهما مع معرفتهم أن هؤلاء المشاهير سوف ينفون كما النجمان المذكوران ولكن حتى لو نفوا يكون الأثر قد تحقق .

وقبل ذلك ؛ فقد منع الصحافة وقطع وسائل الاتصال ودمر سيارات الإسعاف وقتل المعتقلين ، وهذا ما لم تفعله إسرائيل التي اعتدنا ضرب المثل فيها في ارتكابها المجازر ، فإسرائيل لا تمنع الصحافة أثناء الانتفاضات ، ولا تمنع إسعاف الجرحى ولا تغتصب النساء في السجون ولا تدخل بيتا لاعتقال احد إلا بعد أن تذهب إلى مختار القرية أو الحي ليذهب بدوره مع الجنود ويطرق الباب طالبا منهم دخول الجنود للتفتيش، وإسرائيل لا تمثل بالقتلى ولا تقطع أعضاءهم. وفوق ذلك لقد خطف هذا النظام الفاشي الكثير من المعارضين وقمع بعض المظاهرات حتى في دول أخرى وحتى في قلب أوروبا مهد الديمقراطية والقانون وحقوق الإنسان .

ورغم أن إعلام النظام السوري متعفن متخلف وطالع من عصور ما قبل التاريخ إلا انه يقوم بالكذب والفبركة على مدار الساعة بكل ما يخطر على البال من أكاذيب وشعوذة إعلامية

مؤامرة

كدأب كل الأنظمة العربية منذ مليون سنة تدعي بأن مؤامرة دولية تحاك ضدها نتيجة مواقفها القومية وحتى الأنظمة المعروفة بعمالتها للدوائر الغربية والصهيونية تدعي بنظرية المؤامرة فماذا سيستفيد الغرب وإسرائيل اذا تآمر على النظام السوري وقضوا عليه وهو منذ أربعين عاما لم يطلق طلقة واحدة باتجاه الجولان بل على العكس حلقت الطائرات الإسرائيلية فوق قصر الأسد نفسه دون أن يطلق عليها طلقة واحدة ودمروا له ما يعتقد بأنه منشاة نووية دونما رد بل دون أن يعلن النظام عن ذلك ودخلوا إلى عمق عاصمته وقتلوا عماد مغنية دون رد ونحن نسمع منه منذ سنين طويلة بأنه لن تفرض عليه المعركة ، بل هو من يحدد ذلك وهو يحدد الزمان والمكان وقد وقال ذلك عندما اجتاحت إسرائيل لبنان عام 82 وكانت قوات النظام السوري تملا أرض لبنان دون أن يرميها بوردة، وكانت إسرائيل ترتكب المجازر بحق اللبناننين والفلسطينين وتلفزيونه الرسمي يبث مباريات كاس العالم دون أن ينقل شيئا عن الوضع هناك وهو الذي طلع علينا بحكاية التوازن الاسترتيجي مع العدو وقد تأخذ عملية التوازن مئات السنين وكان يخدر شعبه وعواطف العرب للتهرب من مسؤولياته وظل طوال أربعين عاما وهو يحدثنا عن العداء للولايات المتحدة حتى رأيناه يصطف إلى جانب المار ينز في ضرب العراق ويذكر في هذا رواية عن الملك فهد ملك العربية السعودية انه كان يتندر قائلا نحن معنا الرفيق المناضل حافظ الأسد . كان يمكن أن نصدق أن هناك مؤامرة تحاك ضد نظام البطولة والصمود في سورية لو لم نكن نعلم شيئا عنه فلو كان نظاما يلتف حوله شعبه لأنه يقم الحريات والعدل ولا يقتل ولا يعتقل الا بالقانون ولو كان نظاما لم يرتكب المجازر طيلة الأربعين عاما ولو كان نظاما متسامحا ولو كان نظاما لديه قضاء ومحاكم ولو كان اقارب الرئيس لا دور لهم في امتصاص خيرات البلاد ودماء العباد ول كان نظاما يقدم لشعبه شيئا سوى الاحتفالات الدائمة بعيد الرئيس وعيد والد الرئيس وأعياد أقارب الرئيس وثورات الرئيس وانتصارات الرئيس ومناسبات الرئيس لو كان هذا النظام كما ذكرنا لفوجئنا بالثورة عليه ولقلنا فعلا إنها مؤامرة حيكت بليل ضد نظام خير

ولكن القصة أيها السادة ان شعبا عربيا مطحونا آمن أنها لن تخسر شيئا ثار على عبوديته في بلد عربي

وحقق انتصارا وكسر الخوف وحاجزه وبمنطق الثورات وحكم التاريخ فإن العدوى سوف تنتقل وفايروس الثورة سوف ينتشر إذا كانت الظروف نفس الظروف. ألم تتبع الثورة الفرنسية ثورات ؟ وثورة الكتلة الشرقية وثورة امريكا اللاتينية الم تكن عدوى ؟ فلماذا المؤامرة ضد النظام السوري بالذات ؟ بل على العكس تماما الشعب السوري كان أولى الشعوب بالثورة ومنذ زمن نتيجة ما لاقاه ولكن الظروف لم تكن مواتية وهو الان يخوض ثورة أسطورية بالفعل، وسوف ستسجل كأعظم الثورات العربية لأنها ضد نظام غير عادي في بطشه وجبروته وظلمه لا يفرق بين طفل ولا شيخ ولا امرأة لا ذكر ولا أنثى لا حيوان ولا نبات .

الداخل السوري

أما عن الداخل فقد عاش الشعب السوري وما زال منذ أربعين عاما يرزح تحت ظل اعتي ديكتاتورية عاشها شعب من الشعوب دولة أمنية بكل ما تعنيه هذه الكلمة حتى أنه إذا أراد شخص ما أن يقيم حفل عرس فعليه أن يذهب إلى المخابرات ليأخذ تصريحا حسب بنود قانون الاجتماعات فحفل العرس هذا يشكل اجتماعا والاجتماعات تشكل خطرا على النظام وكذلك فإن تربية الحمام الزاجل ممنوعة في مناطق الأكراد فقد يتم بواسطته نقل الرسائل المعادية .

أما عن المجازر التي ارتكبت فهي ؛ في ذاكرة الجميع من مجزرة حماة إلى مجزرة سجن تدمر، وغير ذلك مما لم يحصل في أي مكان آخر ، أما عن الفساد والتسلط ونهب أموال الشعب فيعجز المرء عن الخوض في هذا الموضوع .

عن أية مؤامرة يتحدث النظام السوري عليه؟ فهل الولايات المتحدة وإسرائيل هي التي أمرت الطبيبة الدرعاوية بأن تقول يوم سقوط حسني مبارك ( عقبال عنا )؟ وهي التي أمرت المخابرات السورية باعتقالها وقص شعرها وتعذيبها وأمرت الأطفال من أقاربها ان يكتبوا على الجدران: ( قرب دورك يا بشار ) لتعتقلهم المخابرات وتطلب من ذويهم أن ينجبوا سواهم ؟ لماذا لم يسع النظام العفن في دمشق للقضاء على المؤامرة بالعفو عن الطبيبة والأطفال وبالإصلاحات الحقيقية لا الورقية لقد ظن أن قوته تتفوق على قوة زين العابدين ومبارك وهذا هو الغباء فالشعوب إذا أرادت لا تقف قوة في وجهها وها هو النظام ما زال سادرا يقتل ويدمر ويستحل جميع البيوت السورية ورجاله وشبيحته يتصرفون كأنهم في غابة فلا رادع لهم ولا وازع ولا دين فالمهم بقاء النظام

وبشار الأسد طبعا لا يهمه لا حرب طائفية ولا حرب شرق أوسطية ولو أبادت إسرائيل جميع السورييين والعرب بحرب يشعلها ، والحد لله انه لا يملك سلاحا نوويا إذن لألقاه على شعبه واستراح

إن أفضل المدن السورية حالا وأمنا الآن هي مدن الجولان المحتل وربما يحمد أهلها الله أن الأسد لم يفكر بتحريرها وإلا لكان حالهم حال إخوانهم في باقي المدن السورية القتل وانتهاك الحرمات واغتصاب النساء والأطفال....الخ

الممانعة

أية ممانعة وأية مقاومة وأي صمود ؟ إن ممانعة هذا النظام هي من باب يتمنعن وهن الراغبات فإسرائيل هي التي لم توافق على إعادة الجولان ولو وافقت كما حصل مع سيناء لكانت العلم الاسرائيل يرفرف في أجواز دمشق منذ زمن ولرمى النظام بكل نظرياته وسفسطته عن فلسطين والأمة العربية والعدو التاريخي.

أما الذين يؤازرون النظام في بعض الدول العربية فهم أنواع ثلاثة منهم من يفعل ذلك حفاظا على المخصصات التي تصلهم شهريا ومنهم من لا زال ينظر إلى التقدمية على أنها تلك الأنظمة الشمولية التي تملأ الدنيا جدلا وجدالا وصراخا وتمتلك إعلاما قادما من الخمسينيات والستينيات ويتحدث عن " لينين" وعبد الناصر " ماوتسي تونغ" وعدم الانحياز، ويلعن الرجعية والامبريالية والصهيونية ولم تدرك بعد أن التقدمية والثورة هي ثورة الشعوب والشباب الذي لا يغترف بالجدلية والجدل وصف الكلام ، وهؤلاء مصدومون كيف تجاوزهم الزمن وتجاوز أفكارهم وجاء هؤلاء الشباب ليأخذوا مكانتهم وهم أي الشباب لم يقرأوا " ماركس" " ولينين" ولم يعرفوا الثورات اليسارية ولم يتخاطبوا بكلمة رفيق ، وهذا الصنف لا يريد ان يعترف بأن أحدا يدرك معنى الثورة سواه. وهم بأشكالهم الكالحة ووجوههم المحنطة يخونون ويتهمون بالعمالة وحجتهم إن هذا النظام الثوري جعل قضية العرب قضيته الأولى ولا يريدون أن يصدقوا أن هذا النظام جعل قضيته الأولى قضية أسرته وعائلته وكيف يعيشون في رفاه متسلطين يحكمون وتحكمون في أعناق البشر وأرزاقهم ونسائهم بعقلية حكام العصور الوسطى التي لا يختلف عنها الا في هيئة الزي ووسائل الحياة المعاصرة ويستخدمون نفس مصطلحات العصور المظلمة من مثل أضرب عنقه ، اقطع لسانه ، ابتر أصابعه ن اغتصب زوجته أما م عينيه ، اهدم بيته اخص أطفاله وهو ينظر ) اليس هذا ما يقومون به الان ، أما النوع الثالث من مؤازري هذا النظام فهم من الجهلة الذين يشككون في كل شئ ويقولون عن الأبيض اسود ويؤكدون أن الشمس تشرق من الغرب .

العصابات المسلحة

بداية الثورة قال النظام وادعى أنها عصابات إجرامية وصار يعرض بكل هبل وسذاجة ما ما لقيه بحوزة العصابات من سلاح ورزم نقود واعتارفات ارهابيين بأساليب الخمسنات والسبعينات ذات الاساليب البالية ثم قال: اصوليون ثم قال: فلسطينيون ثم قال : إخوان مسلمون ثم قال: مؤامرة من اردوغان وتيار المستقبل واسرائيل ثم قال: من الاردن ونظام قطر وها هويعود الآن ويستقر على عصابات مسلحة بدعم بعض دول الجوار والجامعة العربية شريكة في المؤامرة . عصابات مسلحة يعجز النظام المدجج عن حماية الشعب منه طيلة ثمانية شهور فكيف سيحمي نفسه وشعبه من جيش قوي كاسرائيل اذا هاجمته أو كتركيا ؟ حتى الاطفال يعرفون انه لا يوجد عصابات مسلحة واذا وجد الان مسلحون فهم من المنشقين أما الشعب فما زال سلمي التوجه والثورة .

النظام زائل زائل

كل المعطيات تقول بأن هذا النظام زائل بغض النظر تدخل الغرب أم لا فالشعب العربي السوري كسر كل الحوجز ولن يتراجع لأنه يعرف أن تراجعه معناه أن تبقى هذه العائلة مسلطة عليه قرونا عديدة ولا اقول سنوات ولقد تحمل هذا الشعب ما لم يتحمله أحد وأقولها بكل جرأة حتى الشعب الفلسطيني لم يحصل له ما حصل للسوريين ، فالطفل الفلسطيني الذي تصوره الكاميرا وهو يحمل حجرا ويلاحق جنديا اسرائيليا مدججا والجندي يهرب امامه مع أنه يستطيع أن يرديه برصاصة هذا الطفل الفلسطيني لن تجد له مماثلا سوريا فالجندي الاسدي لن يركض أمام طفل سوري بل يبادره بالقتل وقد يأخذ لنفسه صورة على حثته ليريها الى رفاقه من الشبيحة والزعران وقد يدخل الى بيته ويغتصب أمه أمامه متى يريد .

بزوال النظام السوري لن يبقى نظاما عربيا على حاله فمنهم من سوف يفنى بفعل الثورة ومنهم من سيغير رغما عنه خوف الثورة ، ( إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) وها هي الشعوب العربية تغير ما بأنفسها وغنها لمنتصرة .

انور الوريدي

=================

نظرة من خارج إلى الأزمة السورية

الأحد, 04 ديسيمبر 2011

ياسين الحاج صالح

الحياة

تعرض هذه المقالة جوانب من تقرير صدر حديثاً بالانكليزية عن المجموعة الدولية لدراسة الأزمات عن الأزمة السورية، عنوانه: «مياه مجهولة: تفكير في ديناميات الأوضاع السورية». الغرض أن نرى أوضاعنا من خارجها وفي مرآة أقل انفعالاً. يبرز التقرير خمس قضايا غائبة عن النقاش العام، يرجح أن يكون لها تأثير كبير على تطور الأحداث في سورية.

القضية الأولى تتصل بالمسألة العلوية، وفق تعبير التقرير، الذي يقول إن النظام جعل من العلويين رهائن له، رابطاً مصيرهم بمصيره. وقد فعل ذلك عمداً وبوعي كامل، بغرض ضمان ولاء الأجهزة الأمنية، علماً أن هذه ليست فرقاً نخبوية متمتعة بالامتيازات، بل هي مكونة أساساً من علويين أجورهم متدنية وأعباؤهم كبيرة، يتحدرون من قرى تركها النظام في حال بائسة. وبغرض إثارة الخوف، وزعت السلطات أسلحة وأكياساً من الرمل تستخدم في التحصينات على قرى علوية في وقت باكر، وقبل وجود أي خطر موضوعي. وإلى ذلك، قامت بنشر قصص مروعة، مبالغ فيها أو مخترعة بالكامل، عن أعمال بربرية مزعومة يقوم بها المحتجون.

وبينما يؤكد التقرير أن النظام كان أكثر طائفية بلا جدال من الاحتجاجات، وأنه يتحمل المسؤولية عن تفاقم واستغلال المشاعر الطائفية، يشير إلى أن قاعدة النظام اليوم أضيق إلا أنها تزداد راديكالية وتماسكاً حول نواة صلبة مكونة من العائلة الحاكمة، ومن موالين ازداد عزمهم على القتال بقدر ما اشتد تورطهم في القمع الوحشي طوال شهور. فإذا فقد النظام سيطرته على العاصمة فسيتراجع الموالون المتشددون إلى قراهم للدفاع عن أسرهم التي أعيدت منذ وقت طويل إلى الريف لحمايتها.

والقضية الثانية هي المسألة اللبنانية. يوضح التقرير أن التطلع الدولي إلى زوال النظام لا يصدر عن الأسباب الإنسانية وحدها، وإنما هو يتصل أيضاً برغبة قوى دولية وإقليمية نافذة في عزل إيران وإعطاب «حزب الله». هذا الأخير لم يساعد نفسه حين قدم دعماً أعمى للنظام السوري، بينما هو يحامي عن الانتفاضة البحرينية، الشيعية أساساً. لقد ظهر بذلك كتنظيم مغرق في الطائفية، وبدد التعاطف الكبير الذي كان حظي به بين أوساط الرأي العام العربي. وكان حسن نصر الله مضى إلى حد نعت كل سوري لا يكتفي بحزمة الإصلاحات الأسدية الهزيلة بأنه عدو وعميل لإسرائيل. والمشكلة إنه إذا انهار النظام السوري، يمكن لأي شيء يعتبره «حزب الله» موجهاً ضده أن يطلق شرارة مواجهة أهلية دموية في لبنان. وسيكون لعباً بالنار أيضاً إذا استغل خصوم «حزب الله» اللبنانيون تداعي النظام السوري لنيل مكاسب محلية. إن جرى ذلك فسوف يخسر الجميع، الشعب اللبناني أولاً، لكنْ سيتأذى أيضاً الانتقال السوري من تفجر أزمة كبيرة على الحدود.

القضية الثالثة تتصل بالتدويل المحتمل للأزمة السورية. وهنا يلحظ التقرير تنامي الدعم الداخلي في سورية للتدخل الدولي، وهو تطور لافت جداً بالنظر إلى الارتياب السوري الأسطوري بالتدخلات الخارجية، ويرى فيه مؤشراً على عمق يأس الشعب من مخارج أخرى. لكن مفاعيل التدخل ستكون ممزِّقة في سورية بفعل نزاعها الطويل مع إسرائيل وروابطها الأمنية القوية مع إيران و «حزب الله»، وهشاشة مؤسساتها، وتكوينها الإثني والطائفي المعقد، وتشابكها العميق مع جيرانها العرب ومع تركيا ودول الخليج. وكلما كانت سورية أكثر تعرضاً للتدخل الخارجي قبل حدوث الانتقال السياسي كان محتملاً أن تصبح ساحة للتدخلات الأجنبية بعد الانتقال. وباختصار، لا يتمثل التحدي الحقيقي في اجتذاب اللاعبين الخارجيين بل بالأحرى في اجتنابهم.

القضية الرابعة تتمثل في عسكرة حركة المعارضة. في هذا الصدد هناك مناطق في حمص وحماة وإدلب لم يعد فيها وجود للجيش الموالي، ويبدو أن مناطق في دير الزور ودرعا سائرة على الدرب نفسه. ويرى التقرير أن هناك دلائل متزايدة على انتشار الفوضى والانتقامات الطائفية، وسط سورية بخاصة. وفي فراغ القوة الناشئ، يمكن لمقاتلين أصوليين أو أتباع لهذا الطرف الخارجي أو ذاك أن يدخلوا المعمعان.

القضية الخامسة تتصل بتنخّر الدولة أو تحللها. فالنظام تلاعب بالتمايزات الاجتماعية الثقافية، وعرّض الجماعة العلوية للخطر من أجل الاحتفاظ بسلطته، ولعب ورقة الأقليات ضد الأكثرية السنية، وأفلت قواته الأمنية ضد المحتجين العزل، وغطى على سلوك تلك القوات الطائفي، واستأجر مجرمين (الشبيحة) كي يقوموا بعمله القذر، وتعامى عن أعمال إجرامية قامت بها قواته النظامية، منها السرقة والخطف وتهريب الأسلحة. ولطالما وفر الحصانة للفساد وسوء الإدارة وانعدام الكفاءة حين تخدم تلك الممارسات مصالح العائلة الحاكمة. والنتيجة هي تآكل الدولة والمؤسسات الاجتماعية. وبينما تلوح في الأفق أزمة اقتصادية كبرى، فإن من المؤكد أن يستنزف النظام خزائن الدولة لدعم فرص بقائه. ولا يستبعد التقرير أن يظهر السوريون كثيراً من الصبر وضبط النفس أثناء مرحل الانتقال السياسي، إلا أنهم سيواجهون تحديات أشق من تلك التي عرضت للتوانسة والمصريين.

في فقرة ختامية، يرى التقرير وجوب إبقاء باب التفاوض مفتوحاً، ويستحسن إصرار المبادرة العربية على أن يكف النظام عن مهاجمة المحتجين السلميين، وإن رأى أن ذلك بالضبط هو ما يخشاه النظام، وما لن يرضى به بحال. ويرى أيضاً أن كل تدخل عسكري خارجي، بما في ذلك الحظر الجوي والمناطق العازلة، ساذج وغير مسؤول، وسيوفر ذرائع لمزيد من تدخل أصدقاء النظام، من دون أن يغير جدياً في الوضع على الأرض، علماً أنه وضع يتمتع فيه «الجيش الحر» بحرية مناورة كبيرة وسط سورية وشمالها.

ويقدر التقرير أن صدور قرار من مجلس الأمن بوقف العنف ونشر مراقبين على الأرض لا يزال مهماً وإن يكن صعباً. ويلح على وجوب محاسبة كل من انتهكوا حقوق الإنسان وارتكبوا جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، بما في ذلك أمام محكمة الجنايات الدولية. ويبرز المفارقة الساخرة المتمثلة في وجوب توفير حماية فعالة للعلويين من النوع الذي لطالما أنكره النظام على حركة الاحتجاج. ففرص نجاح الانتقال السوري تتأذى بشدة إذا تعرض العلويون لمجازر أو أعمال انتقام جماعية. وسيكون مهماً إرسال مراقبين حقوقيين محليين أو دوليين إلى المناطق التي قد تتعرض لتهديد كهذا.

وأخيراً يزكي التقرير وجوب منح قيادة النظام العدالة التي ضنت بها على شعبها، وأن يجري توقيف المعنيين وحمايتهم ومحاكمتهم، لأن من شأن تعرضهم لمصير القذافي أن يلهب الأهواء الطائفية ويعرض الانتقال السياسي لأشد المخاطر.

=================

الشعب السوري: رهان الثورة

الأحد 04/12/2011

د. وائل مرزا

المدينة

حسناً. هاهو العالم يتحرك أخيراً ليقدم شيئاً لشعب سورية..

دعونا من الشعارات. فنحن نعلم أن السياسة العالمية تقوم على المصالح. وأن منطق المبادىء في ساحة العلاقات الدولية ماتَ ووجبت عليه الرحمة منذ وقتٍ لم يعد يذكره أحد.

لم يبدأ المجتمع الدولي بالحركة إلا بعد أن أيقن أن سفينة النظام السوري غارقةٌ لامحالة. لم يتحرك النظام العالمي إلا لأنه بات على يقين بضرورة ربط مصالحه ببوصلة الشعب السوري، بعد أن أدرك أنه صاحب القرار الأخير، وأنه الذي سيحدد هذه المصالح في المستقبل القريب.

كنا نؤكدُ منذ أشهر أن مايجري هو ملحمةٌ سوريةٌ كبرى. كنا نقول أن هذا الشعب يكتب بدايةً حقيقية أخرى لتاريخه العظيم، وأنه يقدّم من خلالها نموذجاً إنسانياً يُحتذى سيتحدث عنه التاريخ طويلاً. وأن السوريين يقدمون في هذه الملحمة الإنسانية الراقية، بحياتهم وسلوكهم وممارساتهم ومواقفهم، نمطاً من الفعل الإنساني السامي يطمح لتحقيقه كل شعبٍ يتوق للحرية والكرامة، وكل أمةً تريد أن تبدأ فصلاً جديداً من فصول وجودها على هذه الأرض.

كنا نعيد ونكرر بان المقام ليس مقام الكتابة الأدبية، وأن كل كلامٍ منمقٍ سيكون تافهاً وقاصراً عن التعبير. وأن حديثنا يمثل محاولةً متواضعة نستقرئ من خلالها ظاهرةً اجتماعية إنسانية فريدةً أصبحت لها مفرداتها ونحويتها ولغتها الخاصة. ظاهرةً نُذكّر من جديد بالحاجة الماسة لدراستها من جانب علماء الاجتماع في كل المجالات، لأنها تتجاوز الفعل السياسي المباشر الذي يركّز عليه الكثيرون، وتقدّم شواهد وأمثلة يصعب حصرها على ولادةٍ جديدةٍ لواقعٍ إنسانيٍ جديد.

لكن البعض، حتى من بني جلدتنا من السادة (المثقفين) و(المنظّرين) كان، ولايزال أحياناً، يصف خطابنا بأنه خطاب عواطف وشعارات! بل كان بعضهم يستخدم نظرياته العلمية (التقدمية) و(الحداثية) ليؤكد لنا أن عمر الثورة السورية قصير، وأن (دراسات) هؤلاء و(حساباتهم) تؤكد أن مايجري هو مجردُ هبّةٍ حماسيةٍ عارضة.

حتى بعض مفكرينا (الكبار)،من الذين كنا ولانزال نأمل أنهم تجاوزوا بعطائهم الفكري وأفقهم المعرفي كل الحواجز والحدود الأيديولوجية والثقافية، تراهم اليوم وقدخفّ (عزمهم) وغاب صوتهم حتى صرنا نفتقده في الآونة الأخيرة، بعد أن كانت تحليلاتهم ورؤاهم المبكرة أقرب إلى (بشارةٍ) يقدمونها للشعب السوري..

وبشكلٍ عام، استكثرساسةٌ ومثقفون وكُتّاب في الشرق وفي الغرب على الشعب السوري أن يكون في موقع القيادة حين يتعلق الأمر بإرادة الشعوب في بحثها عن الحرية.

لم يفهم هؤلاء المعاني الكبرى والاستراتيجية لظاهرةٍ واحدة فقط من مئات الظواهر التي يُعبّر بها ثوار سورية عن حقّهم في احتلال ذلك الموقع. لم يدركوا المعاني الكامنة وراء خروج ثوارٍ محاصرين ومطاردين يعانون الأمّرين في مظاهراتٍ يفتدون بها عملياً، رغم ماهم فيه، إخوانهم من المواطنين في مناطق أخرى من سورية.

تستغرب إلى حدّ القهر كيف لم تتجلّ للعالم من خلال هذه اللقطة صورةٌ للإخاء بين أبناء سورية لايمكن إلا أن تكون تاريخية بكل المقاييس. وكيف لايرى هذا العالم (الأعور) مثل هذه الظاهرة الإنسانية النبيلة، رغم تجلّيها بكل هذا الوضوح، وتعبيرها عن نفسها بكل تلك العفوية والتلقائية.

كيف لايُكلّف المثقفون والحقوقيون والفنانون في هذا العالم المُتخم بالشعارات أنفسهم عناء التفكير بتلك الدرجةٍ من مشاعر الأخوة الإنسانية،والتي يصل إليها شعبٌ يخرج أفراده في مواجهة الموت بصدورهم العارية فداءً لإخوة لهم في الوطن هنا وهناك؟! إخوةٍ لايعرفون أسماءهم ولاأشكالهم ولاانتماءاتهم ولاخلفياتهم الأيديولوجية والثقافية والاجتماعية. إخوةٍ لم تجمعهم بهم إلا مطالب الحرية والكرامة حصراً، وبعيداً عن أي مصلحة أخرى غير تلك المصلحة العامة التي صارت مرتكز عقدٍ اجتماعي جديد يفرض نفسه في سورية اليوم، ويجب أن يكون، مرةً أخرى، محلّ دراسة الدارسين وبحث الباحثين، خاصة في مجالات العلوم الاجتماعية والإنسانية.

أين ذهبت مئات الأسماء العالمية التي ملأت سمع الناس وأبصارهم وهي تتحدث عن حقوق الشعوب في تقرير مصيرها، وعن دفاعها (المستميت) في سبيل حصول الشعوب على حريتها وحقها المشروع في محاربة الدكتاتورية وتحقيق الديمقراطية؟

أين اختفى السادة الحاصلون على جوائز نوبل وغيرها ممن كان الإعلام العالمي يحشر أسماءهم وإنجازاتهم وصورهم في حلوقنا وأمام أبصارنا على مدى سنوات؟

بل ربما يكون السؤال الأكبر: أين الإعلام العالمي (الحرّ) الذي يعتبر نفسه نصيراً لقضايا الإنسان في كل مكان؟ لايريد احد تعاطفكم ياسادة. أنتم أساطين (الاحتراف) و(الموضوعية)، وكل ماهو مطلوب أن تؤدوا مهمتكم في حدّها الأدنى: غطّوا أخبار هذه الملحمة بدرجةٍ من الموضوعية التي يستحقها، بدلاً من أن تبقى على هوامش النشرات الإخبارية وفي زوايا الصفحات الخلفية. لاعُذر لكم في التعتيم الذي يمارسه النظام السوري أو في منعكم من التواجد في الداخل. فأبطال سورية يرسلون إليكم الخبر ألف مرة كل يوم وبالتفاصيل. والجميع يعرف أنكم قادرون على اختراق مثل هذه الحواجز بألف طريقةٍ وطريقةٍ، حين تريدون..

رغم كل هذا، يخاطبكم السوريون بما تعلموه في ثقافتهم وحضارتهم حين لقّنهم أهلُهم بأن من لايشكر الناس لايشكر الله. ويقولونها لكم كما قالها ذلك الليبي البسيط: شكر الله سعيكم..

أما الاخوة العرب، ورغم غصةٍ في القلب باتت تعتصره كلما سمعنا كلمة (مهلة).. إلا أن امتنان الشعب السوري لهم حقيقيٌ وأصيل على ماوصلوا إليه، والأمل بهم كبيرٌ أن يتابعوا مسيرة دعم الشعب السوري بكل طريقةٍ ممكنة. وأن يتأمّلوا كثيراً فيما كتبناه سابقاً عن هذا الشعب محاولين وصف حاله:

«تحتارُ فيما تقول وفيما تكتب وفيما تتحدث وأنت تحاول أن تختصر الملحمة السورية العظيمة في مقال من صفحتين. ثم تقرأ تعريفاً للملحمة يقول بأنها: (قصة شعرية طويلة مليئة بالأحداث غالباً ما تقص حكايات شعب من الشعوب في بداية تاريخه)، فتشعر أن السوريين ماضون لابدّ في كتابة قصتهم وصناعة ملحمتهم التاريخية بطريقتهم وأبجديتهم الخاصة، وكأنما هم يعيدون اختراع الأبجدية للبشرية.. مرةً أخرى بعد أن قاموا بذلك منذ آلاف السنين».

=================

الدور التركي... والمتغيرات الإقليمية

تاريخ النشر: الأحد 04 ديسمبر 2011

الاتحاد

في ظرف عام فقط، انتقلت العلاقات بين الولايات المتحدة وتركيا من التوتر إلى التعاون. وقد شكل هذا موضوعَ تعليق صحفي تركي تحدث خلال الجلسة الافتتاحية للمؤتمر الثاني للتحالف التركي- الأميركي. فبعد أن استعرض الاختلافات في العلاقة الثنائية، بالأمس واليوم، طرح هذا الصحفي سؤالاً وجيهاً في الواقع: "ما الذي حدث لتفسير هذا التغير وإلى أين سيفضي؟".

الصحفي تذكر أنه عندما حضر المؤتمر التأسيسي لهذه المنظمة في 2010، كان يعتري العلاقات بين البلدين نوع من الفتور، ذلك أن تركيا كانت قد قطعت علاقاتها مع إسرائيل على خلفية حصار هذه الأخيرة لقطاع غزة وهجومها المميت على سفن كانت متوجهة إلى القطاع. ولم تكن الولايات المتحدة راضية عن الجهود التركية الرامية إلى التفاوض حول توافق قد يخفف المخاوف الدولية من برنامج إيران النووي. وفي رد فعلهما، كان الكونجرس والإدارة الأميركية ينتقدان بشدة "التدخل" التركي والنزعة التركية الجديدة "المناوئة لإسرائيل".

وبالمقابل، تبدو العلاقات اليوم أكثر دفئاً من أي وقت مضى، إذ كثيراً ما يتحدث أوباما ورئيس الوزراء التركي مع أحدهما الآخر، وكذلك يفعل موظفوهما، ويبدو أن ثمة درجة من التعاون في التعاطي مع مواضيع إقليمية مهمة، من استمرار النزاع الذي يهز سوريا إلى الانسحاب الوشيك للقوات الأميركية من العراق.

فما الذي حدث لتفسير هذا التغير؟ باختصار، إنه "الربيع العربي"، والصعوبات التي تجدها الولايات المتحدة في طريقها عبر المتاهة التي خلقتها الحقائق السياسية الجديدة للمنطقة. فما كان ثابتاً أصبح اليوم متحولاً يغيِّر مشهد العالم العربي.

كل هذا حدث في ظرف صعب بالنسبة للولايات المتحدة. فرغم هيمنتها الاقتصادية والعسكرية، إلا أن قدرة الولايات المتحدة على المناورة والتحرك في هذه البيئة المتغيرة تصطدم بعدد من العراقيل. فأولاً وقبل كل شيء هناك الضرر الذي تسببت فيه حرب إدارة بوش المتهورة والقاتلة في العراق والتي خلقت استياء عميقاً عبر العالم العربي، ولطخت صورة الولايات المتحدة، وقوت إيران وزادتها جرأة. يضاف إلى ذلك فشل إدارة بوش في التحرك لوقف حروب إسرائيل الدموية الأربع ضد لبنان (2006) والفلسطينيين (الضفة الغربية في 2002، وغزة في 2006 و2009)، والتي لم تؤد إلا إلى تعميق الغضب العربي من الولايات المتحدة، وأخيراً، ورغم نية أوباما تغيير الاتجاه، فإن التصلب الإسرائيلي والانقسام الحزبي العميق في واشنطن كانا يحبطان جهوده مراراً وتكراراً. وبلغت جهود العرقلة هذه أوجها في مايو الماضي مع الدعوة التي وجهها "الجمهوريون" إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو من أجل إذلال الرئيس أمام الكونجرس.

ونتيجة لذلك، كانت سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط خلال بداية الربيع العربي تسير على غير هدى. وواحداً تلو الآخر، كان الحلفاء يسقطون أو في خطر لتجد واشنطن نفسها في ورطة. صحيح أن الإدارة تستطيع التحدث حول دعم الانتفاضات الشعبية، ولكنها كانت تعلم علم اليقين أنه إذا ما كُتب لهذه الانتفاضات النجاح، فإن التحول الذي سينتج عن ذلك لن يؤدي إلا إلى تعقيد وضع الولايات المتحدة الصعب أصلاً في الشرق الأوسط أكثر. وعلاوة على ذلك، فإن علاقة واشنطن "الوثيقة" بإسرائيل كانت قد "أخرجتها من اللعبة" في الواقع، مما قلص قدرتها على لعب دور مهم في المنطقة. والواقع أنه في هذه اللحظة بالذات انفجرت سوريا. وعلى غرار الولايات المتحدة، أُخذت تركيا أيضاً على حين غرة من قبل تطورات الربيع العربي المتلاحقة حيث كان ردها على التطورات في كل من مصر وليبيا اعتباطياً في البداية. غير أنه بعد الغليان في جارتها الجنوبية، بذلت تركيا جهوداً حثيثة للتدخل، حيث دعت إلى الإصلاح في البداية، ثم إلى المفاوضات، وبعد ذلك، طالبت بوضع حد لإراقة الدماء، قبل أن تحتضن المعارضة في الأخير متخليةً بذلك عن نظام الأسد ومعلنةً عن عقوبات واسعة ضد حليفها السابق.

واليوم يبدو أن الولايات المتحدة بدأت تصغي لتركيا كحليف مهم في التعاطي مع الملف السوري لسبب مهم. ذلك أنه نتيجة دعمها للفلسطينيين، اكتسبت تركيا "مصداقية الشارع" في العالم العربي، في حين أن الولايات المتحدة لا تمتلك شيئاً من ذلك. فتركيا تستطيع الاجتماع مع الجامعة العربية كشريك، في حين أن الولايات المتحدة لا تستطيع؛ كما أن تركيا تستطيع إيواء ودعم المعارضة السورية على نحو لا تستطيعه الولايات المتحدة.

إلا أنه لا بد من التنبيه هنا إلى جملة من المحاذير، فتركيا لا تستطيع المبالغة في لعب أوراقها في سوريا. فهي ليست "زعيمة العرب"، وهي لا تنوي لعب هذا الدور، على ما أعتقد. صحيح أن تركيا تحظى بمكانة ممتازة عبر العالم العربي، مثلما يُظهر ذلك استطلاع الرأي الأخير الذي قمنا به. إلا أن ذلك لا يمثل دعوة لتركيا لإعادة فرض "عثمانية" جديدة، ولاسيما أن استطلاعات الرأي التي نقوم بها تشير إلى أن تركيا قد لا تكون سوى "وكيل"، لأنه عندما يُسأل العرب حول الجهة التي يريدونها أن تقود المنطقة، يجيبون: "مصر". فتركيا تحظى بالتقدير والاحترام، ولكن كشريك إقليمي، وليس كزعيم عربي.

ثانياً، يجب على تركيا أن تكون حذرة وأن تحرص على عدم السماح لأي ضغط خارجي أن يرغمها على أن تغوص عميقاً داخل المستنقع السوري. فبعض المعارضين السوريين قد يريدون من تركيا أن تتدخل عسكرياً في سوريا، ولكن ذلك قد يكون خطأ قاتلاً لأن من شأنه أن يؤجج نزاعاً دموياً أصلا، بحيث يتسبب في مزيد من أعمال القتل والاضطرابات في منطقة غير مستقرة أصلا، كما من شأنه أن يعرِّض للخطر مصداقية تركيا في المنطقة.

ولعل المسار الأكثر حكمة هو أن تقاوم تركيا الضغوط وتواصل عملها بتنسيق مع الجامعة العربية للتشديد على ضرورة أن يدخل النظام السوري مفاوضات تفضي إلى إصلاح واسع وانتقال للسلطة على نحو منظم. لقد تغيرت العلاقات بين تركيا والولايات المتحدة رداً على التغيرات الدراماتيكية التي تحدث في العالم العربي. ولكن حتى مع هذه التغيرات، فإنه مازالت ثمة بعض الثوابت، وفي مقدمتها الأخطار المرتبطة بالتسامح المحدود للمنطقة مع التدخل الأجنبي.

=================

الاستبداد أصل كل فساد   

آخر تحديث:الأحد ,04/12/2011

ناجي صادق شراب

الخليج

عبارة بليغة قالها عبدالرحمن الكواكبي في كتابه “طبائع الاستبداد في مصارع الاستعباد”، وقال أيضاً إن “الداء استعباد البرية والدواء استرداد الحرية” . هاتان العبارتان توصفان الحالة السياسية التي تسود معظم أنظمة الحكم العربية، وتفسر الثورة الجماهيرية الجارفة ضد الاستبداد والفساد الذي جاء على حساب حريات وآدميات الشعوب . ولا شك أن العلاقة وثيقة بين الدائين: الاستبداد والفساد، فالاستبداد لا يستمر إلا في بيئة سياسية فاسدة، والفساد أيضاً لا يكبر وينمو إلا في ظل حكم مستبد .

وبقراءة ظاهرة الاستبداد والفساد يمكن الاستنتاج أنهما سمتان مرتبطتان بالإنسان، وحيث إن هذا الإنسان مخلوق ناقص، فإذا ما أتيحت له الفرصة لأن يمارس نزعة الحكم والسلطة، فإنه يمارسها بأقصى درجاتها، خصوصاً إذا عمد الناس إلى الخضوع والخوف، ولا تصحح هذه النزعة السلطوية والاستبدادية إلا بمعرفة الشعوب لحقوقها، ووقوفها في وجه الحاكم المستبد الذي يمارس استبداده وفساده على هؤلاء الناس، فلا يوجد حاكم مستبد من دون محكومين، هذه هي معادلة الحكم في أي نظام سياسي، والذي يختلف هو طبيعة العقد بين الطرفين، والأساس في هذا العقد هو الشعب الذي يمنح الحاكم حقه في الحكم، والحاكم بسبب نزعته السلطانية يعمل على التحرر ونقض كل بنود وشروط هذا العقد بأن يحوّل شعبه إلى مجرد رعايا من دون حقوق، وكي يضمن استمرار حكمه فإنه يخلق القوى المساندة والمنتفعة من حكمه، وأول خطوة يقوم بها تأسيس أجهزة قمع واحتكار لكل وسائل القوة والإكراه المادية، كما يحتكر وسائل الإعلام ويتدخل في وسائل التنشئة السياسية التي يوظفها لدعم حقه في الحكم، ويتحكم في وسائل الثروة والدخل ليكون الناس تحت رحمته، فتختفي كل مظاهر العدالة الاجتماعية .

وفي مثل هكذا بيئة تظهر بوادر الفساد من خلال حفنة قليلة يخلقها الحاكم، ففي أنظمة الحكم هذه تكون عبارة عن تحالف طفيلي بين طبقة رأسمالية مصطنعة وبين النخبة الحاكمة التي تنحصر في حاشية الحاكم، ولضمان ولائها يمنحها قدراً من الامتيازات المادية .

هذه هي الصورة التي يقوم عليها نظام الحكم المستبد، وهناك بعد آخر في التفسير وهو أن الحاكم المستبد، وعلى الرغم من احتكاره لكل مصادر القوة والثروة، إلا أن هذا النمط من الحكم مصاب بالعمى السياسي، أو بفقدان البصيرة السياسية، فهو لا يرى إلا نفسه، ولا يرى إلا الطبقة الضيقة التي تحيط به، وكأنه يحكم بلا مواطنين، لأن هؤلاء المواطنين ليسوا في دائرة حساباته . والعمى السياسي يجعل من الحاكم لا يعيش إلا لنفسه والاستمتاع بلعبة الحكم التي في الواقع هو يحوّلها لعبة سياسية في يده، وإذا لم تعجبه لعبة يأتي بغيرها، ويتناسى أن هناك شعباً يكبر ويكبر، وأن هناك بيئة سياسية شاملة تتحرك من حوله، وأن كل شيء يتغير، ولكن مشكلة الحاكم وبسبب درجة استبداده لا يشعر بهذا الحراك في البيئة السياسية التي تشبه الزلزال في أعماق الأرض .

فالثقافة الأبوية البطريركية التي يستند إليها الحاكم المستبد، تنهار ويظهر زيفها لأن هذا الحاكم لم يعد يمثل الصورة الإيجابية للأب الذي يحنو على أولاده وأبنائه، وأما ثقافة التقديس وكأن الحاكم يحكم بتفويض إلهي أيضاً، فتنهار أمام التحولات الحداثية والتكنولوجية التي أحدثت ثورة في القيم والمفاهيم السياسية السائدة . وهكذا تبدو الصورة، حاكم مستبد يحكم في زمن غير زمنه، وفي عصر غير عصره، وفي شعب غير الشعب الذي يريد، وفي عالم غير العالم الذي يبنيه ويتخيله لنفسه .

لا شك أن هذه النظم ومهما طال عمرها، مآلها إلى الزوال والاندثار، فهي أنظمة حكم قد تجاوزها زمن ثورات الشعوب ووعيها ونضجها وقدرتها على التغيير، وحقها في استرداد حريتها وحقوقها الطبيعية التي تحدث عنها عبدالرحمن الكواكبي في كتابه الذي أشرنا إليه، فالحرية والحقوق الطبيعية للشعوب لا تستقيمان ولا تتعايشان مع حكم مستبد وفاسد . وهذا هو قانون الحتمية السياسية في التغيير .

=================

قطر ومؤازرتها القوية للقضايا العادلة

الوطن القطرية

التاريخ: 04 ديسمبر 2011

أتى انعقاد الاجتماع الوزاري للجنة التنسيق العربية المعنية بسوريا، في الدوحة، أمس، ليبين مجددا فاعلية الدور القطري تجاه مجابهة مختلف الأزمات السياسية الطارئة في الساحة العربية، وهو دور ظلت القيادة القطرية الرشيدة تتبناه دوما، عبر تأكيد الموقف الراسخ من قضايا الحرية والديمقراطية واحترام حقوق الإنسان.

 ومما لا شك فيه أن نتائج هذا الاجتماع الذي عقد في توقيت دقيق، تبلور بوضوح استمرارية الموقف العربي، الذي يحظى بتأييد واسع من قبل الدول العربية، في مساندة حق الشعب السوري الشقيق في تحديد خياراته السياسية للحاضر والمستقبل، من دون إملاء من أحد، وذلك من خلال الرفض القاطع للقمع الذي قابل به النظام السوري طيلة الأشهر الماضية انتفاضة السوريين من أجل الحرية والديمقراطية والعدالة.

ونقول هنا، إن الموقف العربي القوي الرافض للقمع من قبل أجهزة الأمن السورية للانتفاضة الشعبية المطالبة بالديمقراطية، قد أملته الأحداث المتسارعة على أرض الواقع، إذ لم يعد مقبولا السماح باستمرار نزيف الدم السوري وسقوط المدنيين، مع مطلع كل فجر يوم جديد بأيدي قوات الأمن السورية.

 إن التطلع يتزايد الآن للتوصل إلى المعطيات المنشودة من الحلول التي تؤمن للشعب السوري إنهاء معاناته الطويلة، والتي تسبب فيها ضيق أفق القيادات المسؤولة في النظام السوري، والتي واصلت لوقت طويل، تعنتها ورفضها لمختلف أطروحات ومبادرات الدول العربية، من أجل بلورة حل عربي شامل يجنب سوريا وأهلها، أي تصعيد محتمل للأوضاع في الفترة المقبلة.

=================

حازم صاغية و"البعث السوري تاريخ موجز": ما جاء به البعث سيذهب معه

حاوره يوسف بزي

المستقبل

4-12-2011

يستمر حازم صاغية عبر كتابه الجديد "البعث السوري تاريخ موجز" (دار الساقي) في "مراجعة" تاريخ سياسي ثقافي تداخله الذاكرة الحميمة. وهو إذ يجمع الحوادث في سرد أقرب الى الرواية البوليسية وتشويقها، إلا أنه باستمرار لا يترك الوقائع من غير قراءة وتأويل.

هكذا، بين السرد (الأدبي) والتحليل (النقدي) يؤلف صاغية رواية لتاريخ سياسي، كنا نظنه باستمرار مستعصياً على السرد، وذلك لشدة تناقضاته واضطرابه وتقلّبه، عدا عن شعورنا أنه لا ينصرم ولا يصل الى خاتمة.

عن كتابه الجديد، وهو المتصل أيضاً بأحوال راهننا العربي، كان هذا الحوار:

[ كتابك الأخير "البعث السوري تاريخ موجز"، هل يصح وصفه بأنه التأبين الأخير لإيديولوجيا "العروبة"؟

 حقيقة، إن "البعث" أشياء عدة في وقت واحد. فهو كبير ممثلي العروبية المشرقية، وهو أيضاً كبير قاطرات الانتقال الطبقي والاجتماعي لفئات كانت مهمشة، وهو كذلك كبير معابر العسكريين الى السلطة في منطقة المشرق، وهو أخيراً كبير ممثلي الديماغوجية في اللغة السياسية العربية.

في هذا المعنى، لا يقتصر التأبين على العروبة وحدها، بل يطاول، في حالة "البعث"، ضحايا كثيرين آن الأوان لتأبينهم.

والحقيقة، أن "البعث" كان السبّاق الى عملية التأبين هذه بفعله ذاته وتحوّله الى مجرد طغمة عائلية وأمنية حاكمة، لا تعنيها الإيديولوجيا في شيء.

[ من كتاب "وداع العروبة" الى كتاب "قوميو المشرق العربي" وأيضاً كتاب "بعث العراق.." بل وحتى كتاب "هذه ليست سيرة"، يبدو وكأنك تقوم بتصفية حساب فكري وسياسي كبير.. لكن أيضاً كأنه حساب شخصي؟ ما تعليل ذلك؟

 لا أعتقد أن المسألة تصفية حسابات، لكنني أظن أن هذه الصلة الشخصية بأفكار العروبة وتنظيماتها أتاحت لي ما أزعم أنه إدراك أكبر لخطر هذه العروبة. فهي كانت دائماً الذريعة الأم التي استخدمت لمنع نشوء الدولة الوطنية في المشرق، كما كانت إحدى أهم الذرائع لاستثارة النزعات الأهلية والعصبية، ما كان يفضي الى حروب أهلية وتدميرية. وهذا ناهيك عن دورها في تبرير الطغيان والاستبداد على ما رأينا في مصر الناصرية، وبدرجة أكبر في العراق وسوريا البعثيَين.

[ أنت من القلائل الذين تقوم كتاباتهم على التداخل الحميم بين الثقافي والسياسي، لذلك أسألك: الى أي مدى كان الاستبداد العربي نتاجاً ثقافياً قبل أن يكون ممارسة سياسية؟

 أظن، بالمعنى الانتروبولوجي العريض للكلمة، أن الاستبداد هو دائماً ثقافة تعثر على فئة اجتماعية تستحضرها الى السياسة. والشيء نفسه يصح في الديموقراطية وفي شتى المنازع الإيديولوجية التي لا تلبث أن تغدو أحزاباً وأنظمة.

هكذا لا ينفصل الاستبداد عن خلفية يمكن العثور عليها في مفاهيم العصبية والتغلب، كما في الموقف من الغرب. فضلاً، بطبيعة الحال، عن ضعف التقليد السياسي في مجتمعاتنا وما وازاه من امتناع النقاش، نظراً الى عدم نشأة ساحة عامة مفتوحة لتداول الأفكار.

[ اليوم نحن نعيش "الربيع العربي"، وإذا افترضنا معه تحوّل في أشكال التعبير السياسي والاجتماعي، فمن هم هؤلاء الذين نسميهم اليوم "النشطاء"؟

 أعتقد أن المرحلة المقبلة ما أن تنتهي، وهي في اعتقادي ستطول وستكلف الكثير، ستتكشف عن طرفين رئيسيين، الأول هو الإسلاميون بقواهم وحركاتهم المختلفة، لا سيما "الاخوان المسلمين"، الذين سيتصدّرون الحياة السياسية بمعظم البلدان العربية، والثاني هم نشطاء حقوق الإنسان، حرية المرأة، ومسائل الأقليات، أي دعاة الحرية ورموزها، ممن سيكملون دورهم الأدائي بوصفهم "شياطين" التواصل الاجتماعي وأدواته.

وفي ظني أن هؤلاء سيكونون مدعوين الى إنشاء أشكال وأطر تنظيمية لا تشبه على الإطلاق الأحزاب التي نعرفها، إلا أنهم سيجدون أنه لا بد من درجة من التنظيم لكي يستطيعوا الصمود في المرحلة المقبلة.

هؤلاء هم الذين سيدافعون عن الحداثة، ويعملون على نصرتها، في ظل هجمة إسلامية قد يكون مستحيلاً تجنبها. وأعتقد أن أحد العناصر التي ستلعب دوراً مقرراً في هذه المعركة مدى الحجم الذي سيتاح للتأثير الغربي، أكان لجهة الضغط على الإسلاميين كي يحترموا العملية الديموقراطية، أم لجهة الوقوف وراء هؤلاء الشبان ودعم مبادراتهم.

[ قبل أيام، رفعت قرية سورية شعار "انتهى زمان ماركس وبدأ زمن فوكوياما"..

 لقد شاهدت هذه اليافطة ووجدتها غريبة جداً، فليس من المألوف في أبناء بلداتنا وقرانا أن يتعاطوا مع ماركس وفوكوياما، وأظن أن بعض مثقفيهم قد أقحموا هذه اليافطة في النشاط الانتفاضي. لكنني، وبغض النظر عن مدى فائدة هذا الكلام، في ظرف كهذا، أعتقد أن في ذلك ظلماً لماركس وتعاطياً معه تبعاً لتأويله السوفياتي ومن ثم العربي، كما أن فيه تكريماً لفوكوياما يفوق ما يستحقه قليلاً.

أعتقد أن ماركس لا علاقة له لا من قريب ولا من بعيد في ما يجري. لقد استعمله من قبل ماو تسي تونغ وكيم إيل سونغ وبول بوت لإنشاء أنظمة طغيانية، فيما ماركسية ماركس تقوم أصلاً على افتراض أن الصراع الطبقي العقلاني قد جبّ ما كان قبله، أي أن ماركس لم يتعامل مع مجتمعات تصوغ الأديان والعصبيات الأهلية تناقضاتها الحاكمة، فهو إذن بريء مما ينسب إليه سلباً كان أم إيجاباً.

=================

لماذا تخشى إسرائيل تداعيات الثورات العربية؟

ماجد كيالي

المستقبل

4-12-2011

لن تسلم إسرائيل من تداعيات الثورات الشعبية العربية عليها على الصعد الإستراتيجية السياسية والأمنية وبما يتعلّق بمكانتها الإقليمية وصورتها الخارجية.

هذا يفسّر أن إسرائيل هي أكثر من يخشى التحولات العاصفة في بعض البلدان العربية إذ وجدت نفسها فجأة في مواجهة وضع غير متوقّع، لم يكن في حسبانها، ولم ترصده دوائر استخباراتها ولا مراكز البحث والتحليل فيها. وما يفاقم من ذلك بالنسبة لإسرائيل أن هذه التحولات تحدث في لحظة جدّ صعبة وحرجة بالنسبة لها، إذ تشهد فيها مساراً دولياً لنزع الشرعية عنها، وانحسارا في مكانة الولايات المتحدة الاميركية، وهي حليفتها وضامنة أمنها وتفوّقها في هذه المنطقة.

وبحسب نظر ناحوم برنياع فإن "الثورات في العالم العربي هزّت الاستقرار الإقليمي، وأضعفت الحكومات، وأطلقت إلى الشارع الكراهية والإحباط، بما فيها الكراهية لإسرائيل أيضا..هذه فترة محملة بالمصائر أيضا بالنسبة لمكانة إسرائيل في العالم. الولايات المتحدة توجد في نقطة سفلى لم تشهد لها مثيل منذ الثلاثينات من القرن الماضي. وهي لا يمكنها أن توفّر لإسرائيل حماية مطلقة..الشرخ مع تركيا، الاضطرابات في مصر، والعطف الذي لاقاه التوجه الفلسطيني إلى الأمم المتحدة، كل هذا يوضّح بأننا وصلنا إلى نهاية عصر...أسرة الشعوب، بأغلبيتها الساحقة تدير لإسرائيل ظهرها". (يديعوت أحرونوت 21/9)

وفي الحقيقة ثمة لإسرائيل ما تقلق بشأنه وما تخشاه من تداعيات الثورات الشعبية عليها. ومثلا فلقد أدخلت هذه الثورات المجتمعات العربية في معادلات الحرب والسلام وفي موازين القوى في الصراع الدائر مع إسرائيل لأول مرة في تاريخ هذا الصراع، بعد أن كان هذا العامل مغيّبا بحكم تهميش هذه المجتمعات وتعطيل دورها، من قبل الأنظمة التسلّطية السائدة. هذا يعني أن معادلات الصراع مع إسرائيل لم تعد محكومة بأمزجة الحكام، وإنما باتت في نطاق تحكّم المجتمعات التي بات لها رأيها في مداخلات الصراع العربي - الإسرائيلي.

وفي الواقع لقد أعادت الثورات الشعب إلى مسرح التاريخ، وجعلته سيد مصيره، وهذه الثورات التي تتوخّى الحرية والعدالة والكرامة للشعب في بلدانها، لابد أن تتمثل هذه القيم في سياستها الخارجية، ولاسيما بما يتعلق بتحجيم مكانة إسرائيل ووضع حد لغطرستها في هذه المنطقة، ودعم حقوق الشعب الفلسطيني.

أيضا فإن الثورات الشعبية الحاصلة (من تونس إلى اليمن مروراً بمصر) غيّرت البيئتين السياسية والأمنية المحيطتين بإسرائيل، فمصر قبل الثورة هي غيرها ما بعدها، أي أن علاقات الخنوع والاستجداء والتملّق التي وسمت علاقة نظام مبارك بإسرائيل لم تعد مقبولة، لافي السياسة ولا في الاقتصاد ولا في الأمن؛ دون أن يعني ذلك تحوّل مصر من علاقات التعايش مع إسرائيل إلى الحرب معها. هذا يفيد بأن استعادة مصر لدورها ولمكانتها الإقليمية سيسهمان في لجم عدوانية إسرائيل وتحجيم مكانتها، وأن هذه لن تعود للاشتغال بنفس الطريقة السابقة.

مع ذلك فمن المفهوم أن استبعاد عودة حال الصراع بالحرب، أو بالوسائل العسكرية (النظامية أو غير النظامية)، مع إسرائيل لا يعني القبول بالتعايش معها كدولة استعمارية وعنصرية ودينية في هذه المنطقة، بقدر ما يرجّح الدخول معها في اشتباك حقيقي، لكن بالوسائل السياسية، وبالطرق السلمية المتاحة والممكنة والمشروعة، مع ما يحتمل ذلك من مواجهة التحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعلمية والثقافية التي يفرضها وجود إسرائيل على العالم العربي.

وفي الحقيقة فإن التحوّل نحو الديمقراطية وإرساء دولة المواطنين، سيفضيان بداهة إلى انتهاج سياسات واضحة، عقلانية وواقعية تُوازِن بين الحقوق والقدرات، وبين المأمول والممكن في مجال الصراع مع إسرائيل. مع ذلك ينبغي أن يكون مفهوما بأن هذه السياسات، التي ستحفظ الحد الأدنى من الحقوق والكرامة والعدالة في مواجهتها للسياسات الإسرائيلية المتعنتة، لا تقارَن بسابقاتها التي استمرأت العيش على الادعاءات والتوهمات والمزايدات، أو تلك التي استمرأت الخنوع والاستجداءات والتنازلات، إزاء إسرائيل.

أخيرا فإن الثورات الشعبية العربية، التي تحثّ الخطى نحو إقامة دولة المواطنين وتعزيز نظم الحكم الديمقراطية، حشرت إسرائيل في الزاوية، وكشفتها على حقيقتها باعتبارها دولة استعمارية وعنصرية وعدوانية ودينية، وبمثابة ظاهرة رجعية في المنطقة، منهية بذلك الأسطورة التي طالما روّجتها هذه الدولة المصطنعة عن نفسها باعتبارها "واحة" للحداثة والديمقراطية والعلمانية في "صحراء" الشرق الأوسط.

هذا يحدث، أيضا، بسبب إصرار إسرائيل على تبرير ذاتها، وتبرير واقعها كدولة استعمارية وعنصرية، بخاصة في طلبها الاعتراف بها كدولة يهودية حصرا، وبإصرارها على الاستمرار في الأنشطة الاستيطانية في الأراضي المحتلة ومواصلتها السيطرة على شعب آخر بوسائل القوة الغاشمة؛ وكأنه يمكن لها الجمع بين الحداثة والديمقراطية وبين اعتبارها دولة يهودية وعنصرية!

هكذا وبينما يحثّ العالم الخطى نحو تعميم قيم الحداثة، المتأسّسة على العقلانية والعلمانية والليبرالية والديمقراطية، ونبذ الأصولية والتطرف الديني والتسلط، ويتجه نحو دولة المواطنين الديمقراطية الليبرالية، تذهب إسرائيل على الضد من التاريخ العالمي، وحتى على الضد من التاريخ الجديد للشرق الأوسط، المحمول على رياح الثورات العربية باتجاه الديمقراطية ودولة المواطنين.

الآن، وأكثر من أي وقت مضى، وبينما المنطقة العربية تتّجه نحو التغيير، أي نحو الحداثة والديمقراطية ودولة المواطنين، على رغم كل المعاناة وآلام الولادة، فإن إسرائيل تقف أمام مفترق طرق، فإما تواكب عملية التغيير هذه، بالتخلّي عن كونها دولة استعمارية وعنصرية ودينية، وقبول حل الدولة الواحدة المدنية والديمقراطية، أو أي حلّ آخر يؤدي أو يمهّد له، وإما تقاوم عملية التغيير الجارية، وتكرس ذاتها كدولة استعمارية وعنصرية ودينية، وكظاهرة رجعية في هذه المنطقة. وفي الحقيقة فإن إسرائيل أمام كلا الطريقين، تجد نفسها في مواجهة عملية تغيير تاريخية، وأمام أسئلة لم تعتد عليها، ولم تهيئ ذاتها لها.

=================

"النار ده كله ليه؟ إحنا في سوريا ولا إيه!"

عمر قدور

المستقبل

4-12-2011

في اليوم الذي سقط فيه اثنا وعشرون قتيلاً من بين المتظاهرين المصريين سقط عدد أكبر من الضحايا برصاص الأمن السوري، لكن ذلك لم يمنع من تصدر الحدث المصري اهتمام السوريين أسوة بهمهم الخاص، بل اختلف الاهتمام هذه المرة عن الاهتمام القديم الذي رافق مستهل الثورة المصرية بعد أن اكتوى السوريون بنار القمع واختبروا مباشرة فظاعة القتل، إن لم نقل إنهم أصبحوا مضرب المثل في ذلك حتى أن المصريين في ساحة التحرير هتفوا متسائلين ومستنكرين: "ضرب النار ده كله ليه؟ إحنا في سوريا ولا إيه!".

ومع أنها كانت فرحة عارمة، عندما شهد السوريون سقوط الرئيس المصري السابق حسني مبارك، إلا أن تطورات الحدث المصري اللاحقة لم تغب عن أذهان السوريين، كما لم تغب تطورات الحدث التونسي أو مآلات الثورتين الليبية واليمنية. لكن الأمر في مصر كان له وقع مختلف، فالسوريون اتفقوا في مشاعرهم إزاء الثورة المصرية رغم اختلاف دوافعهم. أنصار النظام كانوا يرون في حكم مبارك صديقاً لإسرائيل وعدواً لنظامهم الذي يدعي الممانعة، أما معارضو النظام والشباب الذين كانوا يتهيأون للانتفاضة فقد رأوا في اندلاع الثورة المصرية إيذاناً بانتشار "الربيع العربي" ووصوله إلى سوريا، وعلى هذا الصعيد يمكن القول إن مشهد ميدان التحرير قبل سقوط مبارك قد ألهم عزيمتهم ووجدانهم.

ما قد يبدو مستغرباً على صعيد الشكل أن الفرحة بسقوط مبارك تبخرت مع بدء الانتفاضة السورية، وعزز من ذلك الإعلام الرسمي أو الموالي الذي أخذ يسلط الضوء على ما يعدّه نقائص في التغيير الذي حصل في مصر، موحياً أو مصرّحاً بأن الوضع السابق هو الأفضل!. حتى أدعياء المقاومة والممانعة من الشخصيات اللبنانية الذين باتوا ضيوفاً دائمين على المحطات السورية أخذوا يفنّدون عيوب التغيير المصري، متجاهلين أولوياتهم التي تفترض بهم أن يكونوا أكثر انحيازاً إلى الحكم الجديد الذي لم يُبد الدفء السابق في العلاقة مع إسرائيل، ومتناسين عداءهم السابق لحكم مبارك الذي بلغ ذروته مع محاكمة خلية حزب الله في مصر. في الواقع بدت فرحة "الممانعين" بسقوط مبارك فرحة انفعالية آنية، وظهر على نحو جليّ أن الخصومة مع الحكم السابق مريحة لهم أكثر من التعامل مع التطورات الديمقراطية المستجدة، لا بسبب الخوف من امتدادها إلى سوريا وحسب وإنما لأن أصحاب المحور الممانع يفضّلون وجود خصوم تعتاش بضاعتهم بوجودهم.

اتخذت أبواق النظام من تقدّم الإسلاميين في مصر ذريعة للنيل من الثورة المصرية، مع أن النظام نفسه يقيم أوسع التحالفات مع القوى الإسلامية الإقليمية بدءاً من إيران مروراً بجنوب لبنان وصولاً إلى غزة. وإذا كان من "المعيب" لنا أن نفنّد نظاماً يتهاوى على مختلف الصعد، بما في ذلك منظومته الفكرية الهشة التي ترتكز على دعوى الممانعة، فإن هذه الإشارات تبدو لازمة لتفهم ارتباك النظام إزاء الديناميكية الإقليمية الحالية التي نالت من قدرته التقليدية على امتصاص الأحداث الخارجية واستثمار مفاعيلها، أو على الأقل تبديدها داخلياً. إن تجدد المظاهرات في مصر اليوم يفضح ثانيةً دعاوى النظام وأنصاره، فهم لا يستطيعون تقديم موقف منسجم من الحدث المصري، وليسوا قادرين على استرجاع حماستهم السابقة إزاء إرادة الشعب المصري في التغيير، خاصة عندما يرفع المتظاهرون المصريون علماً سورياً طويلاً في تعبير واضح عن دعمهم لثورة الشعب السوري.

في المقابل، أن يهتف متظاهرون سوريون "يا مصر إحنا معاكي للموت" فهذه مفارقة سوداء من شعب آخر ما ينقصه هو الموت بطشاً، لكنه بالتأكيد تعبير حقيقي عن تآزر وجداني تجاه الاستبداد الذي عانت منه هذه الشعوب، وهو تعبير يفوق الأيديولوجيا القومية البائدة من حيث إعادة الاعتبار إلى الأصالة الإنسانية وإعلائها فوق الشعارات الجوفاء التي لم تؤدِّ عملياً سوى إلى الفاشية. يُظهر الموقف الشعبي تماسكاً تفتقر إليه الماكينة الإعلامية للنظام، فالشعب السوري أعلن انحيازه إلى إرادة الشعوب الأخرى، لذا لم يتردد أنصار الحرية في دعم حرية المصريين في التظاهر والمطالبة بالتغيير مرة أخرى، ودون التساؤل عن نتائج هذا التغيير وانعكاساته الخارجية. هذا لا يعني انحيازاً عاطفياً فقط، أو أن المتظاهرين أقلّ تسيساً من المحللين السياسيين، بل هو تعبير ناضج وجادّ عن أن إرادة الشعب هي وحدها الكفيلة بالوصول إلى أفضل النتائج وتصويبها كلما دعت الحاجة.

إن استئناف الثورة المصرية، والبدء في المرحلة الانتقالية في تونس، حدثان تتكامل أهميتهما من وجهة النظر السورية؛ فالشروع في العملية السياسية في تونس يطلق مرحلة جديدة من التغيير والصراع السلمي التي يتطلع إليها السوريون، أما استئناف الثورة في مصر فهو دليل على تمسك الشعب بقضيته وعدم المساومة عليها. منذ أشهر يكرر الناشطون السوريون أنهم لن يكتفوا بنصف ثورة، ويأتي الحدث المصري الحالي ليؤكد لهم على مقولتهم. ورغم أن فاتورة الدم التي دفعها السوريون أصبحت مثلاً إلا أن الأشهر الطويلة التي انقضت من عمر الانتفاضة لم تكن بلا أثر إيجابي على الوعي السياسي الذي تطور واستمد نضجه من التجربة المريرة المعاشة يومياً.

من المؤكد أن إسقاط الحكم بات هاجساً ملحّاً ومؤرقاً للانتفاضة، لكن الانتفاضة السورية أكثر وعياً اليوم بمعنى إسقاط النظام، وفي الواقع إن البنية المتماسكة للنظام السوري حتى الآن قد تكون ذات جدوى كبيرة فيما بعد من حيث انهيارها دفعة واحدة. هكذا يُقرأ التعاطف السوري مع تجدد المظاهرات في مصر على أنه رغبة في إسقاط النظام، وعدم الاكتفاء بإسقاط رموزه، وهي رغبة لا تأخذ ثوريتها من الواقع السوري فقط، بل تنحاز إلى المعنى التاريخي للفرصة التي قد لا تتكرر في المنطقة ضمن أمد منظور. وعندما يتصدر خبر مقتل اثنين وعشرين متظاهراً في مصر اهتمام الناشطين السوريين أسوة بشهداء الانتفاضة فهذا ذو بعدين؛ أولهما هو التعاطف الإنساني، وثانيهما هو الوفاء لخمسة آلاف قتيل سوري على الأقل لن تذهب دماؤهم بلا ثمن، والثمن المطلوب ليس انتقاماً، بل هو التغيير الحقيقي والجذري الذي يعوّض عن هذه الدماء.

يعود المصريون إلى ميدان التحرير، يوقع الرئيس اليمني على المبادرة الخليجية التي تنص على تنحيه، يتم اعتقال سيف الإسلام القذافي؛ هذه كلها باتت أخباراً سورية بامتياز، بانتظار أن يقدّم السوريون لأنفسهم وللعالم الخبر الذي طال انتظاره.

=================

حلفاء بشار اقتنعوا بقرب النهاية

علي حماده

النهار

4-12-2011

يكاد لا يمر يوم إلا تتخذ بحق النظام في سوريا عقوبات عربية او دولية ردا على توغله في سفك دماء المواطنين العزل. ويكاد لا يمر يوم إلا تتفاقم حال النظام في الساحة الدولية بحيث ما عاد مطلب الاصلاح كافيا لاخماد الثورة ولا لاقناع المجتمع الدولي بما فيه الاسرة العربية بأن بشار الاسد رئيس اصلاحي جدي. لقد بلغت الامورحدا بات فيه الكل مقتنعا بأن بشار ومحيطه يشكلون زمرة تقتل الناس، وهي اقرب الى أن تكون حالة مافيوية الطابع والاساليب، ولكن على مستوى بلد. فقد تجاوز عدد الشهداء الاربعة آلاف، والجرحى عشرات الآلاف، والمعتقلين ايضا عشرات الآلاف. اما الاعتداءات التي تشكل جرائم ضد الانسانية كقتل الاطفال وذبح المعتقلين واغتصاب الاناث والذكور على حد سواء، فكلها تكشف ان الشعب السوري الثائر لا يقاتل نظاما سياسيا، لكنه يقاوم عائلة ومعها مجموعة قررت ان تذهب الى النهاية في حربها المنهجية للحفاظ على "جمهورية " حقاً ماتت.

لقد ماتت "جمهورية حافظ الاسد "وخيارات ابنه الذي سبق ان خسر لبنان بسبب خفته وتهوره، تعجّل ايضا خسارته لسوريا. ففي النهاية لن يكون في وسع الروس والصينيين احياء الجمهورية الميتة رغما عن ملايين السوريين.

قبل ايام نقل لبنانيون من اتباع النظام عن بشار الاسد قوله ان النظام لن يسقط، وانه في اسوأ الاحوال ستتقسم سوريا! ناقلو كلام الاسد معروفون بالمزايدات في الوطنية، ولكنهم هذه المرة عادوا خائفين مما رأوه وسمعوه في دمشق. فقد قال لنا احدهم بعبارات خالية من اي تحفظات: لقد فقدوا في الشام (اي الاسد ومحيطه) كل اتصال بالواقع، انهم يعيشون في دائرة مقفلة ويديرون حربا بالنظارات! عائد آخر من دمشق وهو أيضا من الذين يغرقون الشاشات اللبنانية والسورية بالعنتريات من قبيل ان سوريا الاسد سوف تدمر اميركا وتركع اوروبا وتسقط انظمة الخليج وما الى هنالك من تفاهات، قال لنا بعيد عودته: "الجو مخيف واثرياء الشام يبعدون عائلاتهم عن البلاد بهدوء، وينتقدون بشار وماهر الاسد بأقسى العبارات على ما يصفونه، بتهورهما لا بل جنونهما. ويؤكدون ان النهاية مسألة وقت.

في الخلاصة صار الكل يعرف ان نهاية بشار الاسد اقتربت. فالحصار العربي والدولي والثورة الداخلية مع تعسكرها شيئا فشيئا هي سمات النهاية التي نتحدث عنها. في لبنان الكل مقتنع بذلك وفي مقدمهم نجيب ميقاتي الذي بلغه عبر القناة العائلية كلام قاس من بشار الاسد قبل ان يعوموا حكومته مع "حزب الله". ميشال سليمان ايضا مقتنع بنهاية بشار، ولكنه يفتقد الجرأة ليقول لبشار و"حزب الله" لا. اما جنبلاط فيريد ان يكسب هنا وهنا. وفي مكان آخر ثمة من يجزم ان "حزب الله" اقتنع ان لا مجال لانقاذ بشار ولكن الحزب عالق في ورطة كبيرة بعدما صار الشيطان الاكبر في عيون ملايين السوريين من درعا الى جسر الشغور، ومن اللاذقية الى البوكمال.

=================

هل نصبح صادقين بعد الربيع العربي؟

الأحد، 04 كانون الأول 2011 01:17

د. فيصل القاسم

السبيل

يقول عبد الرحمن الكواكبي في تشريحه الرائع للطغيان: "إن الاستبداد يُضطر الناس إلى إباحة الكذب والتحايل والخداع والنفاق". هل من العجب إذن أن العرب هم من أكذب شعوب الأرض وأكثرهم تدليساً؟ ألم تصبح الحقيقة سلعة نادرة في مجتمعاتنا، وكل من يتفوه بها مصيره السجون؟ لماذا غدا مطلوبا منا أن نكذب ونخفي مشاعرنا الحقيقية على الدوام؟ لقد غدا بإمكانك أن تعرف متى يكذب الإنسان العربي، إنه يكذب عندما يتكلم، أي أنه يكذب في أغلب الأحيان. ألم يصبح الكذب بالنسبة لنا الطريقة الأمثل لتوخي السلامة؟

كل شيء في ثقافتنا العربية أصبح مبنيا على النفاق والدجل، فإذا فسدت الحياة السياسية فلا بد أن يفسد كل شيء معها. يقول كارل ماركس في مؤلفه الشهير "رأس المال" إن الاقتصاد يُعتبر البناء التحتي لأي مجتمع، أما البناء الفوقي فهو تلك الثقافة التي يفرزها البناء التحتي، بما في ذلك طبعا النظام السياسي والعلاقات الاجتماعية والثقافة السائدة. وإذا أردنا أن نطبق نظرية ماركس هذه بطريقة أخرى سنجد أن السياسة هي بمثابة البناء التحتي عندنا نحن العرب، وكل ما تفرزه من واقع اجتماعي وثقافي فهو بمثابة البناء الفوقي. وإذا كان الأساس التحتي فاسدا فلا عجب أبدا أن يكون الفوقي نسخة طبق الأصل. بعبارة أخرى، فإن السياسة لدينا هي أصل الداء والبلاء، أما أمراضنا الثقافية والاجتماعية فهي مجرد أعراض لذلك الداء.

لو زرت بلدا أوروبيا ذات يوم وشاهدت تلفزيوناتهم أو استمعت لإذاعاتهم وقرأت صحفهم فستأخذ الانطباع أن كل شيء لديهم خربان أو معطل، وأن هناك مشاكل في معظم مناحي حياتهم، مع العلم أن كل مصالحهم تسير بدقة ساعة روليكس، لكن وسائل إعلامهم تقف بالمرصاد لأي خطأ بسيط فتكبره وتضخمه كي يسمع به الجميع، ومن ثم يتلافوه أو يحلوه. إنهم لا يكذبون إلا ما ندر. أما إذا حدث وزرت بلدا عربيا وشاهدت التلفزيون المحلي فستأخذ الانطباع أنك في جنة عدن ، فليس هناك أي حديث عن أخطاء ومشاكل بل هناك خطب مطولة عن "الإنجازات العظيمة" التي تحققت للمواطنين على أيدي القائد الملهم. وسائل إعلامنا تكذب ليل نهار وهي موجودة فقط للتستر على الأخطاء وليس فضحها، أي إن مهمتها الكذب ثم الكذب. إن الدولة العربية، كما تصورها وسائل الإعلام الرسمية، تسير بدقة متناهية، مع العلم أن كل شيء فيها معطل ومهترئ في واقع الأمر.

لقد عملت الأنظمة العربية على مدى الخمسين عاما الماضية على تشجيع ثقافة الكذب والتدليس والنفاق بحيث اصبح يتعذر على الإنسان أن يبوح بعواطفه الحقيقية. كيف لا نكذب وقد أصبح الكذب جزءا أصيلا من الثقافة العربية في عهد الديكتاتورية والاستبداد؟ فكلنا يعرف أن الإنسان العربي المسكين مضطر أن يقول عكس ما يضمره. فلا تصدقه دائما، فهو في الكثير من الأحيان يجانب الحقيقة تجنبا للقمع وإيثارا للسلامة، وإذا أردت أن تعرف الحقيقة منه فعليك أن تقلب كلامه رأسا على عقب أحيانا، فإذ قال لك مثلا إنه مستعد للتضحية بدمه من أجل الوطن فاعرف عندئذ أنه ليس مستعدا للتضحية بقرش واحد من أجل الوطن، وإذا قال لك إنه يموت في حب الحاكم، فاعلم أنه يفضل إبليس اللعين عليه. وإذا رأيته يضع صورة الزعيم في صدر منزله فهو يفعل ذلك خوفا من بطشه فقط، وليس حبا وهياما بفخامته أو سيادته، وكم شاهدت أناسا يبصقون على صور بعض القادة عندما يأمنون أن لا أحد يراهم. لقد أصبح مفروضا على الإنسان العربي أن يحلف باسم الزعيم حتى إن كان في نظره شيطانا رجيما. كيف لا نكذب ونحن ممنوعون من الحديث حتى عن أسعار الفجل والخس والفاصوليا الخضراء إلا بإذن من السلطات؟ وبما أن المواطن العربي لا يستطيع التعبير عن رأيه الحقيقي فلا بد أن يكذب وينافق ويرتدي قناعا يخفي مشاعره الحقيقية. ألم يقل فرعون (ما أريكم إلا ما أرى)، أي إن المواطن يجب أن يرى الأشياء بمنظار الزعيم الفرعون فقط. وطالما أننا محرومون من حرية التعبير فسنظل نكذب ونكذب إلى يوم الدين.

لقد أصبح العربي النموذجي يخاف من اقرب المقربين إليه حتى من اخوته وذويه خشية أن يبلغوا عنه الأجهزة السرطانية، فيصبح في خبر كان. لهذا فهو مضطر أن يداري. فكما هو معروف، فقد تمكنت الدولة العربية التسلطية من جعل الكل يتجسس على الكل. وبالتالي لا يجد الإنسان أمامه إلا أن يراغم مشاعره ويبوح بعكسها. فعندما يذهب "الناخب العربي" إلى مراكز الاقتراع مثلا كي يدلي بصوته في الانتخابات العربية المفبركة من رأسها حتى أخمص قدميها فهو مجبر على أن يكذب ويتظاهر بالسعادة والفرحة الغامرة، لأنه شارك وقال نعم للمرشح الأوحد. لا بل إن بعض المواطنين المساكين يخشى أن لا يكون قد كذب ونافق بما فيه الكفاية عند الإدلاء بصوته، فيقوم بغز إصبعه بدبوس صغير حتى يخرج منه الدم، ومن ثم يقوم بالتصويت بدمه على بطاقة الاقتراع التي لا تساوي ثمن الورق التي كُتبت عليه. فهو مضطر للمزايدة والمبالغة في تبجيل الزعيم وتمجيده حتى لو كان يكره الأرض التي يمشي عليها. لا مكان للشفافية في حياتنا السياسية أبداً. لكن الحاكم العربي يعرف تمام المعرفة في أعماق أعماقه أن الشعب ينافقه لا أكثر ولا أقل كي يحمي رقبته ويؤمن لقمة عيشه.

كلنا أمل أن تتلاشى ثقافة الكذب لدينا بعد الربيع العربي. وحتى إن لم تتلاش تماماً، فعلى الأقل فإنها ستخف تدريجياً، فلو نجحت الثورات في إقامة أنظمة ديموقراطية حقيقية، فإن منسوب الكذب في حياتنا سيتناقص كثيراً، خاصة أن أهم معالم الديموقراطية هي الشفافية والتعبير الحر. طوبى للذين يساهمون في تحريرنا من نقمة الكذب التي استبدت بنا منذ عقود. وطالما أن الكثير من الشعوب داس على قداسة حكامه في الثورات المباركة، فالأمل كبير جداً في نصبح أكثر صدقاً وصراحة في معظم مناحي الحياة.

=================

في الاستعصاء السوري واحتمالاته

فايز سارة

الشرق الاوسط

4-12-2011

يبدو الوضع السوري الآن في حالة استعصاء كامل. ففي المعادلة الداخلية ليست هناك تغييرات منظورة بمعادلات القوة القائمة من جهة ولا في الخيارات السياسية المطروحة، حيث اللوحة تشير إلى حضور إرادتين؛ واحدة يمثلها النظام عبر آلة القوة العسكرية - الأمنية التي تحاول إعادة فرض حضورها وقرارها على السوريين عبر حل أمني - عسكري مستمر منذ قرابة تسعة أشهر، لم يتمكن في خلالها من الوصول إلى نتيجة رغم عشرات آلاف الضحايا من قتلى وجرحى ومعتقلين ومطلوبين ومهجرين مضافا إلى ما سبق من خسائر مادية كبيرة في المستويات الخاصة والعامة لحقت بالسوريين مجتمعا ودولة وأفرادا، وإرادة أخرى تمثلها ثورة السوريين ضد النظام معبرا عنها ميدانيا بحركتي تظاهر واحتجاج واسعتين وحاضرتين في عشرات المدن والقرى بما فيها مدن كبرى، كما تعبر عنها حركة داخلية - خارجية لجماعات المعارضة السورية ولا سيما الكتلتين الأساسيتين: المجلس الوطني السوري وهيئة التنسيق الوطنية، اللتين تتوزعان على غالبية الأحزاب الكردية والمنظمة الآشورية في سوريا.

ومثلما هو عجز النظام بآلته العسكرية - الأمنية في حسم الوضع لصالحه، فإن ثورة السوريين ذات الطابع السلمي عجزت هي الأخرى عن حسم الأمر لصالحها، والقيام بإسقاط النظام الذي هو الهدف الأول الذي تبينه وتؤكده شعاراتها ومطالبها، وتؤيده جماعات المعارضة باعتباره الخيار والهدف الشعبي الأول، حيث إن المظاهرات وبفعل الآلة العسكرية/ الأمنية عجزت عن التحول إلى قوة تغطي الساحات الكبرى في المدن الرئيسية ولا سيما حلب ودمشق، وهي حالة يمكن اعتبارها بوابة إعلان إسقاط النظام.

وعجز طرفي الصراع في سوريا عن الحسم، ناتج طبيعي لعدة عوامل، بينها التفاوت في ميزان القوة، حيث يسيطر النظام على الآلة العسكرية - الأمنية في البلاد ويدخلها في مواجهة المتظاهرين والمحتجين وحاضناتهم الاجتماعية المصرة على التظاهر، والتي نشأت على هوامشها أنشطة شبه عسكرية أساسها منشقون عن قوى الجيش والأمن، وقد انضم إليهم أو يعمل إلى جانبهم مدنيون، غادروا حركة الاحتجاج والتظاهر خائفين أو ناقمين أو راغبين في الثأر لقتلاهم ولظروفهم التي صاروا إليها، لكن كل هؤلاء لا يمثلون سوى قلة ضعيفة في مواجهة حجم وقوة الآلة العسكرية/ الأمنية للنظام، بل يمكن القول إنهم لا يمثلون ظاهرة عامة، وإن كانوا حاضرين في عدد من المناطق السورية.

كما أن بين عوامل عدم حسم الصراع في سوريا عزوف قطاعات شعبية مهمة عن الاشتراك المباشر في الصراع القائم، وهو موقف تتحكم فيه المخاوف بدرجة ما ومنها مخاوف من الثمن الذي يدفعه المشاركون في التظاهر والاحتجاج ويصل الى حد القتل، ومخاوف أخرى، تتصل بما سيؤول إليه الوضع من احتمالات احتراب داخلي أو تدخل عسكري خارجي، أو بسبب مخاوف من مجيء متطرفين إسلاميين إلى السلطة بديلا عن النظام القائم، وكلها مخاوف يغذيها ويشجعها النظام لمنع فئات سورية من الذهاب إلى جانب الثورة.

غير أن الأهم في عوامل عدم القدرة على حسم الصراع الداخلي، هو الافتقاد لأية رؤية أو برنامج سياسي، يمكن أن يخرج البلاد نحو حل سياسي، يكون بديلا للحل الأمني/ العسكري القائم. لقد عجز النظام منذ بداية الأزمة وبسبب من طبيعته الأمنية عن التعامل مع الوضع باعتباره أزمة سياسية، اقتصادية اجتماعية، مصرا على اعتباره مشكلة أمنية، وهو بذلك لم يغلق ذهنه عن التفكير السياسي فقط، بل رفض في المستوى الداخلي أية أفكار حول المعالجة السياسية، مما دفع بالطرف الآخر في ظل تزايد العنف الممارس ضده إلى الذهاب بمطالبه وصولا إلى إسقاط النظام، مغلقا الباب أمام أي مشروع لا يقوم على إسقاط النظام.

وكان الأخطر في موقف النظام رفضه المبادرات الإقليمية والدولية، والتي كان آخرها مبادرة الجامعة العربية التي دعمها المؤتمر الأخير لمنظمة التعاون الإسلامي قبل أيام من أجل فتح الباب لمعالجة سياسية للأزمة القائمة، وكان أساس الرفض السوري يركز على نقطتين؛ الأولى وجود نشاط لجماعات مسلحة هدفها إشاعة الفوضى وتقويض النظام، والثاني وجود مؤامرة من أطراف محلية وإقليمية ودولية، تهدف إلى إطاحة النظام، وكلاهما ادعاء من شأنه بقاء الباب مفتوحا على استعمال القوة العسكرية/ الأمنية ويبررها، ويؤجل أية معالجات سياسية، بما في ذلك الإجراءات الإصلاحية التي يطرحها النظام.

ووصول الوضع السوري إلى الانسدادات الحالية، أخرج الأزمة من إطار المعالجة الداخلية بصورة تكاد تكون نهائية، وهو حال يماثل ما صار إليه الوضع السوري في معالجاته الإقليمية، ذلك أن تركيا، التي كانت حتى وقت قريب من أقرب حلفاء النظام تحولت إلى أبرز خصومه، والبلدان العربية التي سكتت نحو ثمانية أشهر، قبل أن تطلق مبادرتها لمعالجة الوضع، تحولت إلى فرض عقوبات اقتصادية وسياسية، تمهد لنقل الموضوع السوري إلى الأمم المتحدة، حيث لا قدرة كبيرة للتأثير العربي والإقليمي على مجريات الأمور والقرارات التي تتخذ في هذا المستوى.

إن اعتماد النظام على مواقف دول مثل روسيا والصين وبدرجة أكبر على حلفاء صغار مثل إيران، لن يحول دون اتخاذ عقوبات دولية ليس فقط بالاستناد إلى تجارب مماثلة كما حدث على الأقل في موضوعي العراق عام 2003 وليبيا عام 2011، حيث باعت تلك الدول مواقفها، بل أيضا بفعل أن الرأي العام الدولي لن يكون بمقدوره الاستمرار في تعامله الراهن مع الملف السوري وقتل المحتجين المدنيين خاصة بعد الموقفين العربي والإسلامي، وهذا كله سيدفع إلى تسخين الملف السوري وقد بدأ ذلك بالفعل من خلال مجلس حقوق الإنسان من جهة، وتحرك بعض الدول الكبرى في مجلس الأمن، ولا شك أن ثمار ذلك سيكون عقوبات تمهد لتدخل دولي واسع وفعال في سوريا، ستكون فاتورته كبيرة على الجميع ولا سيما على السوريين.

=================

كلمات في الثورة والمعارضة في سوريا

منذر عيد الزملكاني

الشرق الاوسط

4-12-2011

توالت المؤتمرات والمجالس والمبادرات للمعارضة السورية في الداخل والخارج منذ اندلاع الثورة السورية في شهر مارس (آذار) 2011، لكن دون جدوى حقيقية تذكر على صعيد الدعم السياسي المطلوب للثورة وفي إضعاف النظام داخليا وخارجيا، فكل ثورة لها جناحان: الأول ميداني والآخر سياسي، وانعدام التلاحم والتنسيق في ما بينهما يزيد من التكلفة المستحقة على الثورة ويضعها في خطر عظيم، ويبقى نجاحها مرهونا ببطولة الثوار ومدى قدرتهم على المواجهة، أي أن مصير الثورة سيتوقف على العمل الميداني فقط.

هذا هو حال الثورة السورية التي استمرت بعزيمة وثبات أحرارها وحرائرها وتضحياتهم العظيمة، فكانوا أحق بها وأهلها. أما على الجبهة السياسية للثورة فكل هذه المؤتمرات والمجالس والمبادرات لم تستطع أن تحدث أي ضعف في النظام، ولا حتى أقل من عشر ما أحدثه أبطال الميدان من أحرار وحرائر سوريا على الرغم من تزايد معاناتهم يوما بعد يوم، فأداة الإجرام الأسدية تتجرأ أكثر فأكثر، والمعتقلون يستغيثون واللاجئون صابرون، والمعارضة تتقاطر يوما إلى إسطنبول ويوما إلى القاهرة وغدا إلى تونس، وهنا مبادرة وهناك مجلس أو مؤتمر، والأيام تمضي والدماء تسال ويبقى النظام هو المستفيد الأكبر.

إنه من المفروض أن توحد هذه الثورة العظيمة، ثورة الحرية والكرامة، صفوف المعارضة بكل انتماءاتهم واتجاهاتهم السياسية والفكرية، وأن يكونوا جميعا، وأن تكون قلوبهم واحدة أمام تلك التضحيات التي يدفعها أحرار وحرائر سوريا مع فجر كل يوم جديد. ولا بد من القول إن توحيد صفوف المعارضة لا يعني أبدا توحيد التوجهات والمدارس الفكرية والسياسية التي ينتمون إليها، فالمذاهب والمدارس ما كان لها أن تتوحد، لكن الواجب عليها أن تلتقي في خندق الثورة وعلى هدفها، فالتوحد ليس على الفكر والمنهج وإنما على الهدف. وبمعنى آخر: المعارضة لا يمكن أن تتوحد أبدا لكن يجب أن تكون صفا واحدا دائما.

إذن فالثورة جمعت وفرقت في آن واحد، جمعت من آمن بمبادئها وتبنى خطابها وأهدافها في جانب، ومن تنكر لها وخذلها في الجانب المقابل تماما، وأحدثت تفرقا وبعدا كبيرا في ما بينهما وأظهرت الناس على حقيقتهم، حيث سقط القناع عن الجميع، وهذا من أهم فضائل الثورة التي أفضل ما تسمى به في هذا المقام ب«الفاضحة» في الحقيقة، هذا فعل كل ثورة، فالثورة السورية لم تكن الاستثناء أبدا، لكن المعارضة السورية هي التي كانت الاستثناء، وذلك عندما تدعو إلى تشكيل مجلس وطني لإنقاذ الثورة ومقارعة النظام، قوامه المئات، لا.. بل وتقول هل من مزيد؟ وهذا لعمري في السياسة شيء غريب، والأشد غرابة أن يبقى القرار بيد ثلاثة.

كان يجب تشكيل مجلس إنقاذ وطني مؤقت تنتهي مهمته بتشكيل حكومة انتقالية بعد إسقاط النظام، وأن يكون قوامه لا يتجاوز ثلاثين رمزا من الرموز الوطنية السورية الكبيرة من كل الأطياف والطوائف في سوريا، وأن يكون التمثيل شخصيا وليس حزبيا، بمعنى أن المجلس ليس تجمع قوى سياسية، بل تجمع رموز وطنية، وهذا أمر ممكن في هذه المرحلة خصوصا أن الكثير من الرموز الوطنية أصبحت خارج سوريا، فلا مشكلة الآن بين الداخل والخارج. وفوق كل ذلك يجب أن يكون الأعضاء ممن اجتمعوا على هدف الثورة ووقفوا معها وساروا خلفها، فلا صوت يعلو فوق صوت الثورة. إن وجود الرموز الوطنية في قوام المجلس سوف يقنع الجميع بجديته ويعيق وصول كل من تسول له نفسه التسلق على الثورة وعلى دماء الشهداء، وما أكثرهم! أما التمثيل الوطني السوري فإن مجلسا يتكون من ثلاثين رمزا وطنيا يستطيع، دون أدنى شك، أن يعطي صورة مطابقة تماما للطيف السوري المتنوع طائفيا وفكريا، ولا داعي لكل هذه التجمعات المئوية التي لا تسمن ولا تغني من جوع، والتي في الحقيقة أصبحت عبئا ووبالا على الثورة.

هذا المجلس يجب أن يكون له استراتيجية واضحة وخطاب واحد هو خطاب الثورة، وليس ما نراه اليوم من خطاب ارتجالي متخبط ومتناقض أحيانا، بل متخلف كثيرا عن ركب الثورة. وفوق كل ذلك رئيس ذو خطاب سياسي مزلزل، كما يزلزل الثوار الأرض تحت أقدام النظام، فالمجلس هو الجناح السياسي للثورة فهو منها ولها، وقد علمنا ضرورة وأهمية تلازم الجناح السياسي مع الميداني في الثورة وسوء عاقبة تفرقهما.

وأما الثورة فإن كل من يتغنى بخطابها ويتبنى هدفها فهو يمثلها بحق، لكن يجب أن يكون لها مجلس يحميها، هو مجلس أمناء الثورة، فكما هي الحاجة ملحة لإنقاذ الوطن وتمثيله سياسيا، إقليميا ودوليا، كبديل عن النظام، فإن تمثيل الثورة أيضا ضروري جدا للحفاظ عليها وعلى أهدافها، وضمانا لحقوق أبطالها وأبنائها، وخصوصا بعد إسقاط النظام. ومجلس أمناء الثورة يجب أن يضم صقور الثورة ورموزها الميدانيين الذين استخلفهم الشهداء في حمل الراية والأمانة، وكما للوطن رموزه فإن للثورة رموزها أيضا. إن مجلس أمناء الثورة هو من سيحفظ الثورة من أن تسرق كما سرقت ثورات أخرى في المنطقة، ويحمي مكتسباتها ويقوم مسارها لو طغت أو تآمرت قوى داخلية أو خارجية عليها.

أما ما يتعلق بمستقبل سوريا وشكل الدولة المقبلة ووضع الأقليات، فهذا من لهو الحديث في هذه المرحلة بالذات التي يصب فيها النظام سوط عذابه على الشعب السوري ليلا ونهارا. وإن تعجب فعجب خوض بعض المرجفين العرب والعجم، مفكرين ومسؤولين، معارضين وموالين، في مستقبل سوريا بعد الثورة، وكأن مستقبل سوريا والسوريين جميعا سيكون أفضل لو بقي هذا النظام، وأن الثورة هي مصدر الخطر على مستقبل سوريا وليس النظام.

* باحث في مركز الدراسات السورية بجامعة سانت أندروز - المملكة المتحدة

=================

من فنون وليد المعلم

أسامة الرنتيسي

الغد الاردنية

4-12-2011

أليس غريباً أن يخرج على العالم وزير الخارجية السوري وليد المعلم في مؤتمره الصحفي الذي رد فيه على قرارات الجامعة العربية الأخيرة ليعرض شريطاً مصوراً عن عمليات إرهابية ضد الجيش السوري، وليتضح بعد ثوان معدودات أنه شريط كاذب مفبرك عن أحداث جرت العام 2008 في لبنان؟

صحيح أن الوزير المعلم يحاول أن يدافع عن نظامه، ولكن يبدو أنه غاب عن باله وبال مستشاريه ومساعديه المثل العامي الدارج القائل: "إذا بدك تكذب بعّد شاهدك"، فمن المعيب على وزير خارجية ذي باع في العمل الدبلوماسي أن يضع نفسه في موقف كهذا أمام الرأي العام السوري والعربي والدولي، وهو ما أدّى ويؤدي إلى انفضاض المؤيدين أو بعضهم من حول هذا النظام الذي احترقت معظم أوراقه تقريباً، ولم يبق أمامه إلا ورقة روسيا وورقة إيران؛ اللتين إما أنهما هما اللتان تعلّمان المعلّم الكذب أو أنهما أصبحتا عمياوين وصمّاوين لا تميزان بين الألوان والأصوات.

قلت في السابق إنه يمكن في أية لحظة أن ينفصل الشركاء، وهذا مرهون بأية صفقة تعقد بين القوى الكبرى في المجتمع الدولي، أو مع أول زلزال سياسي تكون إيران طرفاً فيه على إثر زيادة التوتر في العلاقات بينها وبين دول أوروبا، وقيام معظم الدول باستدعاء سفرائها من طهران، فضلاً عن لندن التي سحبت جميع دبلوماسييها وطردت جميع دبلوماسيي إيران من أراضيها، وهو ما يبشر بأيام عجاف على العلاقات الأوروبية الإيرانية، ومن ورائها الروسية، علماً أن العقوبات التي اتخذت ضد عدد من الشخصيات والشركات الإيرانية ذات بعد معنوي كبير، وهي مرشحة للزيادة في المستقبل القريب والمتوسط، وبالنتيجة سيجد المعلم و"معلمه" ونظاميهما أنفسهم وحيدين، يكذبون ويكذبون حتى يصدقوا أنفسهم ثم لا يجدوا حتى من ينقل كذبهم على شاشته.

العزلة الدولية على نظام الأسد أصبحت أمراً واقعاً، والعقوبات الاقتصادية والسياسية ليست تهريجاً كما وصفها المسؤولون السوريون، ومع المخاوف التي ترافق هذه العقوبات من تأثيرها على إخوتنا من الشعب السوري، إلا أنها عقوبات أصبحت تجد لها وقعاً مباشراً وسريعاً على النظام، فقيمة الليرة السورية -يقول المحللون الاقتصاديون- في أدنى مستوياتها عبر التاريخ، وهي في انحدار مستمر، والخزينة السورية بدأت تعاني شحاً من احتياطي العملات الصعبة "ويقال إن سبب ذلك بعض السرقات الكبرى لتهريب الأموال إلى الخارج"، والتجار الداعمون للنظام أصبحوا يتململون ويبدون استياءهم من استمرار الضائقة، بل يعتريهم الخوف من القادم الأسوأ.

وهذا في أفضل نتائجه سيؤدي إلى تخلي الداعمين الخارجيين للنظام أولاً، ثم سقوط النظام من الداخل ثانياً، ولكن من دون التنبؤ بالفترة الزمنية التي يحتاج إليها ذلك، بسبب تشعب التطورات الخارجية واحتمالية بطئها تارة وتسارعها تارة أخرى.

وإذا ما رجعنا إلى فنون الكذب الرسمي التي يبدعها المسؤولون السوريون وأبواقهم، فقد تناقلت مواقع في الإنترنت ما يسمى بأغبى عشر كذبات قيلت في الثورة السورية، وأنا أوردها مرتبة من العاشرة إلى الأولى "غباءً":

العاشرة: المتظاهرون مندسون ولا يشكلون أغلبية؟

التاسعة: 13 مليونا خرجوا بمسيرات التأييد للرئيس.

الثامنة: مسلسل باب الحارة هو من علّم المندسين كيف يثورون ويتآمرون على الوطن؟ قالها بشار إسماعيل، وهو أحد شبيحة التمثيل السوري.

السابعة: بعد اعتقال الأطفال في درعا خرج الناس للتظاهر لأن كثيراً من أهل درعا مغتربون في الخليج، وتعلموا هناك التطرف الإسلامي. مقولة للصحافي إبراهيم الخليل من جريدة الأخبار، يعني لو كانوا مغتربين في سويسرا لتقبلوا اعتقال أطفالهم بروح رياضية؟

السادسة: لا توجد مظاهرات تخرج يوم الجمعة، إنما تجمعات طبيعية بعد الصلاة. طبعاً مقولة فذة كهذه لا تخرج إلا من إعلامي شبيح بمستوى شريف شحادة.

الخامسة: حمزة الخطيب لم يكن طفلاً. معلومة أكدتها قناة الدنيا مراراً، وجاءت بالمختصين لإثبات ذلك.

الرابعة: المظاهرات تخرج في محافظات حدودية، وهو ما يدل على المؤامرة الخارجية.

الثالثة: الناس خرجوا في المظاهرات احتفالاً بسقوط المطر. عبارة شهيرة للإعلامية فتون عباسي على القناة الإخبارية السورية.

الثانية: قصة البارجة الألمانية التي تألق بها الشبيح طالب إبراهيم.

الأولى: أي أزمة؟ قالها وليد المعلم رداً على سؤال عن الأزمة في سورية

=================

تقرير غولدستون بنسخة سورية مزيدة

عيسى الشعيبي

الغد الاردنية

4-12-2011

لعل أكثر التقارير الصادرة عن مجلس حقوق الإنسان حضوراً في الذاكرة العربية الجماعية، كان تقرير ريتشارد غولدستون، الذي تبناه هذا المجلس التابع للأمم المتحدة في جلسة استثنائية يوم 16/10/2009، دان فيها إسرائيل على جرائم الحرب التي ارتكبتها في عدوانها الغاشم على قطاع غزة أوائل ذلك العام.

كان طبيعياً أن يستعيد الكثيرون بيننا بعضاً من حيثيات تقرير غولدستون، وهم يتابعون جلسة استثنائية مماثلة لمجلس حقوق الإنسان ذاته، انعقدت للمرة الثالثة في غضون ثمانية أشهر هي عمر الثورة السورية، لمناقشة الانتهاكات وأعمال القتل التي ترتكبها كتائب الأسد ضد المدنيين السوريين.

وكم بدت الليلة السورية، مع الأسف، تشبه البارحة الإسرائيلية في جنيف السويسرية، لدى التصويت على تقرير أعدته لجنة من ثلاثة خبراء دوليين محترمين، منعوا من دخول الأراضي السورية، تماماً كما منعت إسرائيل أعضاء لجنة غولدستون في حينه، من الدخول إلى الأراضي المحتلة لتقصي الحقائق.

ففي حين صوتت آنذاك خمس وعشرون دولة لصالح تقرير غولدستون وعارضته إحدى عشرة دولة، فيما امتنعت ست دول عن التصويت، صوتت هذه المرة سبع وثلاثون دولة لصالح التقرير الجديد، وعارضته أربع دول، وامتنعت ست فقط من مجموع سبع وأربعين دولة عضو في لجنة حقوق الإنسان الأممية.

وبينما دان التقرير السابق حكومة إسرائيل لارتكابها جرائم حرب في قطاع غزة، دان التقرير الجديد السلطات السورية لانتهاكاتها الجسيمة والمنهجية، ومقارفتها عمليات إعدام، وقيامها بفظاعات ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية، وهي تهمة أشد درجة من جرائم الحرب، وإن كانت تقل عن جريمة الإبادة الجماعية.

ورغم هول ما اشتمل عليه تقرير غولدستون من مقارفات إسرائيلية بربرية في عدوانها الآثم على قطاع غزة، فقد جاء تقرير اللجنة الثلاثية الأخير أشد هولاً، وأدعى إلى الشعور بالخزي والعار والشنار، كون هذه الارتكابات حدثت على أيدي حماة الديار وليس على أيدي قوات احتلال أجنبي معادية.

ذلك أن إسرائيل التي قتلت الأطفال وهدمت البيوت وروعت المدنيين، وقامت بما تقوم به كل قوة عسكرية غازية، لم تبلغ هذا الدرك من السفالة والانحطاط الذي بلغته كتائب الأسد في حربها المجنونة للاحتفاظ بسلطة باتت مدانة ومنبوذة، وغير قابلة للاستمرار، مهما عاندت وتهربت من مواجهة النهاية الحتمية.

إذ يخبرنا هذا التقرير الذي اعتمد على شهادات أكثر من 220 من الضحايا، وعلى وثائق مصورة وأدلة كافية، أن أجهزة الأسد التي قتلت أكثر من أربعة آلاف إنسان، مارست التعذيب الجنسي على الذكور، واغتصبت الأطفال أمام آبائهم والنساء أمام أزواجهن، وحولت المستشفيات إلى مراكز تعذيب ومسالخ بشرية.

وفي التفاصيل التي غطت نحو ثلاثين صفحة، أوردت لجنة التحقيق الدولية ما لا يستطيع العقل السوي أن يتخيله من إهانات وتعذيب وفجور، وما يعف القلم عن ذكره من جرائم يندى لها الجبين، الأمر الذي يصعب معه بعد اليوم فهم كل دفاع أخرق، أو تعاطف ساذج، ما يزال يجاهر به البعض بين ظهرانينا مع هذا النظام الذي بز في جرائمه عتاة المحتلين.

ومع هذه الدرجة من الفضائح الأخلاقية المشينة حقاً، وهذه المهازل التي تجلل هامة نظام يهدد بزلزلة الشرق الأوسط إذا ما دنت نهايته، ولا يجرؤ على إلقاء حجر على إسرائيل في هضبة الجولان المحتلة، ينبغي القول دون تردد أن من بقي لديه أدنى تأييد لمثل هؤلاء القتلة، عليه أن يتوارى عن الأنظار، ويصمت خجلاً على أقل تقدير.

لقد كان تقرير غولدستون قبل نحو عامين بمثابة ورقة نعي مبكرة لمكانة إسرائيل الدولية ومركزها الأخلاقي كدولة للناجين من الهولوكست، الأمر الذي تآكلت معه سمعتها، وطعن في ديمقراطيتها، وشكك في شرعيتها، وعمّق من عزلتها، وأثار العديد من الأسئلة المصيرية عن قابليتها للعيش في عالم تعلو فيه راية حقوق الإنسان إلى أعلى درجة

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ