ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الثلاثاء 06/12/2011


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

في سورية حرب بالإشاعات

الإثنين, 05 ديسيمبر 2011

الحياة

نيقوسيا - أ ف ب - في سورية تدور حرب بالإسلحة الحقيقية وهي الأسوأ وأسفرت عن سقوط آلاف القتلى منذ منتصف آذار (مارس)، لكنها حرب كلمات وصور ايضاً يستخدمها النظام ومعارضوه على حد سواء لرفع معنويات المؤيدين وتكذيب الخصوم.

فمن الإشاعات الى التنافس على الشهادة وافلام الفيديو التي خضعت للتلاعب والاغاني التي تم تغيير كلماتها، تبدو الوسائل كثيرة في بلد محروم من الاعلام المستقل يندر فيه الصحافيون الاجانب او يتنقلون بصعوبة.

وقبل يومين، راجت إشاعاة عن اغتيال ماهر الاسد الاخ الاصغر للرئيس السوري، قائد الفرقة الرابعة. وقالت الإشاعة إن «رجاله قاموا بقتله في مطار المزة» العسكري.

وجرى حديث عن انشقاق محافظ اللاذقية وضباط وسفراء ثم تبين ان كل هذا غير صحيح.

لكن السلطات لا تقف مكتوفة الايدي. فقد قال مسؤولون إن ضباطاً اسرائيليين وسلفيين يتآمرون معاً في مدينة بانياس الساحلية وان سفينة المانية سلمت اسلحة الى «الارهابيين».

وهم يقسمون بأن بعض احياء حمص السنية تشبه قندهار.

وعلى الانترنت وفي المقاهي او المطاعم في المدينة تضج سورية بالإشاعات.

وأوضح رئيس المرصد السوري لحقوق الانسان رامي عبدالرحمن «انها حرب اعلامية».

وقالت سيدة اعمال طلبت عدم كشف هويتها «عشنا في نظام مغلق لم يكن فيه سوى وسائل اعلام رسمية. اليوم هناك افراط في المعلومات. لدي انطباع عندما اتابع محطتنا التلفزيونية والقنوات العربية انها لا تتحدث عن البلد نفسه».

والجمعة، عرض التلفزيون الرسمي لقطات لمصلين يغادرون بهدوء مساجد في حمص وحماة، معقلي الاحتجاج في وسط البلاد. لكن في الوقت نفسه كانت محطات عربية تبث لقطات نقلها متظاهرون ويظهر فيها عسكريون وتجمعات معادية للنظام.

في كل يوم تحصي التنسيقيات المحلية رأس حربة الاحتجاجات عدد القتلى برصاص قوات الامن بينما تكتفي وكالة الانباء السورية (سانا) بذكر الجنود من القتلى.

وبالنسبة للتنسيقيات لا وجود «لعصابات مسلحة» بل «منشقين» بينما لا ترى الثانية حركة احتجاج سلمية بل «ارهابيين».

وتقول الامم المتحدة ان القمع اسفر عن سقوط اربعة آلاف قتيل لكن النظام يؤكد ان «الارهابيين» قتلوا 940 من افراد الامن.

وصرح توماس بياري الخبير في الشؤون السورية الذي يدرس في جامعة ادنبرة ان «الرؤية الرسمية هي اعادة بناء كاذبة تماماً للواقع بينما تنطبق تلك التي تنقلها قناتا «العربية» و «الجزيرة» الى ما يمكن ان يسمى: واقع مبالغ فيه. في الواقع معظم الحوادث المنقولة صحيحة تضاف اليها مبالغات وتأثيرات اخراج كبيرة».

اما مشاهد القتلى، فتحتل مكاناً كبيراً. وتعرض المعارضة في معظم الاحيان لقطات قاسية لاشخاص ضربوا وعذبوا او قتلوا.

=================

الدواء المر

الإثنين, 05 ديسيمبر 2011

غسان شربل

الحياة

لم تتوقع سورية امتداد نار «الربيع العربي» إلى أراضيها. اعتبرت ان سياسة الممانعة التي تمارسها شديدة الالتصاق بمشاعر السوري العادي. تصرفت وكأنها تملك مثل هذه الحصانة. ولعلها راهنت ايضا على الامن الصارم المستمر منذ عقود. وربما اعتقدت ان «الإخوان» لم يستيقظوا بعدُ من الضربة القاصمة التي وُجهت اليهم في بداية الثمانينات، وأن القوى الاخرى في المعارضة لا تمتلك جذوراً في المجتمع.

لم يكن تزايد المظاهر الدينية سراً في المجتمع السوري في السنوات العشر الماضية، لكن السلطات اعتبرت انها نجحت في التعايش معه وتدجينه. موقف سورية من الغزو الاميركي للعراق حرم خطباء الجمعة فرصة تحويل جزء من غضبهم الى الحكومة. ثم ان السلطات السورية التي كانت تناكف اميركا وتعادي اسرائيل، تتحالف مع ايران و «حزب الله» و «حماس». وأكثر من ذلك، فإن سورية تقيم منذ سنوات علاقات استراتيجية مع تركيا وقطر اللتين تربطهما علاقات ممتازة ومميزة بتنظيمات «الاخوان» وما يشبهها.

انشغلت سورية كثيراً بمعارك الخارج. تناست ما كان عليها استخلاصه من «ربيع دمشق» العابر، وتحديداً في ملفين: تخوف الحزب من الاصلاح وتحوله عائقاً أمامه، ومسألة الحريات ومبالغة الامن في إحصاء أنفاس المواطنين. أرجأت النجاحات في معارك الخارج استحقاقات الداخل. وانشغلت السلطة عن ضرورة استباق عودة الاستحقاقات التي لا يمكن ارجاؤها الى ما لا نهاية له.

يعتقد بعضُ مَن رافقوا تلك الحقبة، أن الشبكة الامنية-الحزبية التي شجعت على وأد «ربيع دمشق» نجحت في تعميق الخوف من اي تغيير، ونجحت في ترسيخ الاعتقاد بأن الخارج يحل مشاكل الداخل، وأن العلاقات مع تركيا وقطر وفرنسا يجب ألاّ تمس أبداً جوهر الإقامة على خط الممانعة، بل يجب توظيف عائداتها الاقتصادية والديبلوماسية لتعميق تلك الإقامة، وأن الانفتاح الاقتصادي يجب ألاّ يمس هيمنة الحزب وقبضة الامن.

فجأة، وجدت السلطات السورية نفسها في دوامة الاحتجاجات. تحركت بمزيج من القلق والقسوة. قرأت الشبكةُ الامنية-الحزبية الاحداث على انها رياح وافدة من الخارج، واعتبرت ان النجاح في المواجهة يكمن في الافادة من دروس البلدان الاخرى. استنتجت انه لا بد من منع المحتجين من العثور على ميدان تحرير ومكان دائم للاعتصام، وأن كسب المعركة يفرض منع المليونيات وما هو اقل منها، اي التجمعات التي يمكن ان يتكئ عليها العالم للقول ان النظام دخل في عزلة، وانه لا بد من منع قيام بنغازي سورية قرب هذه الحدود او تلك، لأن قيامها يسهل التدخل الدولي، وان توجيه الضربات القاصمة الى بؤر الاحتجاجات كفيل بمحاصرة النار وإخمادها. ويمكن القول ان السلطات السورية تمكنت من تحقيق ذلك، لكن الثمن كان باهظاً في الداخل، وأكثرَ كلفة في الخارج.

بعد تسعة اشهر على اندلاع الاحتجاجات يتعمق المأزق في سورية وتقترب البلاد من حرب اهلية. تداخلت الازمة السورية مع خطوط التماس المذهبية على مستوى الاقليم. ومنيت سورية بخسائر متتالية لعلاقات كانت توصف بالاستراتيجية، وتواجه اليوم عزلة عربية ودولية. حالت الممانعة الروسية دون صدور قرار من مجلس الامن، لكن من يضمن استمرارها؟ وما هو الثمن؟ هذا من دون ان ننسى ان سورية خسرت معركة الاعلام منذ الاسابيع الاولى للاحتجاجات.

لا شيء يوحي بحسم سريع في المواجهة الدائرة على الارض السورية. كل يوم يحمل مزيداً من الجنازات والمآسي. كل يوم يعمق الاقامة في المأزق. الفكرة الوحيدة المطروحة هي المبادرة العربية. كلما قرأت دمشق بنود المبادرة تذكرت المبادرة الخليجية في اليمن. كلما قرأت شعرت ان الدواء شديد الوطأة. لكن التجارب تقول إن تناول الدواء المرّ قد يكون افضل من البقاء بلا دواء وتعريض الذات للالتهابات والمناطق العازلة والحظر الجوي والجراحات المدمرة.

=================

سورية: كيف نسقط النظام ونمنع الحرب الأهلية

د . سمير التقي

2011-12-04

القدس العربي

سيسقط بشار الأسد لا محالة.. تراث من الغطرسة الاجرامية وركام عريق من العنجهية يخنقه، ويحكم على نظامه بالفناء. وليس ثمة ما يشير إلى انه تعلم او سيتعلم، بل إنه لن يتعلم. نظام الأسد، الذي اختار منطق ادارة البلاد بالأزمات وجد في القضية الوطنية أزمة عليه ان يتقن ادارتها لمداورة خواء الشرعية. لكن الشعب تعلم بسرعة ان ادارة الأزمة في الصراع العربي الاسرائيلي لم تحرر الأرض بل تعلم الشعب ان الوقفة ضد قوى الطغيان الاستعماري والهيمنة الاسرائيلية لا تكون الا بالحرية، فالطريق الوحيد إلى الجولان هو بالديمقراطية وليس بالاستبداد. ما بدا في البداية اخطاءً، سرعان ما فرخ امراضاً استشرت لتصبح جرائم أغرقت البلاد. ثم جاء الأنكى، ألا وهو ترف التوريث للنظام البائس الذي اسكره غرور التسطح وعمى التاريخ. تصلب شامل دب في اوصال عقل وبنية النظام، لخصته كلمة جوفاء 'منحبك'. لذلك سيكون بشار نهاية سوداء لحكم مستبد غرق في امراضه فتشرنق حتى الاختناق في منطق التعسف الذي افرزه كخيوط العنكبوت.

لقد ادمن هذا النظام سفك دماء السوريين حتى التسمم. ومنذ طلائع الربيع العربي الذي اطلقه ابطال ربيع دمشق أولاً عام 2000 لم يفهم بشار لغة الزمان، ولا لمس نبض المجتمع، ولا رأى عواصف التغيير وقد بدأت تتبرعم على يد هؤلاء الابطال. لم تستطع تقارير الأمن ان تكشف لبشار، كيف كان شباب الاحياء يشحذون ثورتهم، ثقافة وتضامناً وقيماً اسس لها مثقفو وفنانو بيان ال99.

اختزن الشعب السوري طويلاً هذا الحراك، انضجه وأطلقه في سياق تاريخي ملفت. ومع انطلاق الثورة، لم يفلح حتى حوار بشار مع نفسه في لجان التحقيق او لجان الحوار، وترسانة القوانين والمبادرات والمؤسسات التي اطلقها وانبتها من كنف جلده، سرعان ما لفظها بعدما كان يلوكها لحظة فقدت حلاوتها.

بشار عاجز عن المصالحة. لن يتمكن من مصالحة زقاق من ازقة جبلة، فكيف له بحمص او حماة أو الصنمين او درعا أو دمشق. الألم عميق عميق. لا لن تغطى السماوات بقبوات القصر الرئاسي. القوى الاجرامية التي عاثت في المجتمع نهباً وابتزازاً واضطهاداً على مدى اربعة عقود هي ذاتها التي افلتها بشار على الشعب الأعزل ذبحاً وقتلاً وتعذيباً. أصبح بشار، واكثر من أي وقت مضى، مديناً بكل ثانية من حياته لهذه القوى الشيطانية. كيف له ان يُصلح؟ وكيف له ان يصالح؟ ومن يصالح؟ فليس الدم وحده ما يفرق بيننا وبين طغمته بل الكرامة والبصيرة والأمل أيضاً. وبعد، فمثل نيرون، لم يغب عن ذكاء لبشار، الشك في ولاء المؤسسات التي صنعها النظام ذاته. فلجأ بعبثية شيطانية لإشعال نار الرهاب الطائفي في طول البلاد وعرضها، ليضع اقرب الناس اليه رهينة الذعر والجنون الطائفي أملاً في ان تحترق روما قبل قصره. فإما ان تقتل او تقتَل ولتحترق كل بيادر الحقل. في خضم هذه المتغيرات تقف الثورة السورية على منعطف حاسم سيتوقف عليه شكل انتصارها وثمنه. انه توازن ضعف بين قديم يموت وجديد قيد الولادة. نعم لقد وهُنَ المجتمع بكل جنباته على مدى اربعين عاماً. فلم يكن هذا النظام الضعيف بقادر على حكم المجتمع الا بإضعافه. فكك الاستبداد نسيج المجتمع وبعثره وافرغ قدراته من كل قوة بحيث اصبح الحل الفردي هو الغالب، فإما ان تنهار او تهاجر او تبقى تحت الابتزاز المذل. لم يبق لدينا زعيم في حارة او في صف مدرسة ابتدائية. فلا عجب ان لا تتمكن قوى المجتمع ان تتلمس اطرافها ومن العادي ان تنضج قوى المعارضة ببطء. الوقت الآن ليس من ذهب بل من دم ومن مصائر للشعب والوطن.

المجلس الوطني الذي شكل املاً كلف الشعب تضحيات ودماءً ليُنضج ولادته، لا يزال يحتاج للكثير ليستجيب للمهمات الكبيرة التي تواجهه. لكن، ثمة تحد تاريخي امام هذا المجلس الذي شكل خطوة كبرى على طريق بلورة القوى الأصيلة للمجتمع. إذ لا يزال بحاجة لفتح ابوابه أكثر فأكثر ليتحول إلى قبة على غرار حزب المؤتمر الهندي ليكون قادراً على أن يجمع تحتها الطيف الواسع ليس للمعارضة فحسب، بل ليكون اطاراً للوحدة الوطنية الحقيقة التي سنؤسس لها في سورية الجديدة. ولنكن واضحين، ينبغي للمجلس الوطني من الآن ان يقولها بجرأة معنوية لا لبس فيها: إن مهمة طمأنة وضمان والحماية الفعلية لكل الأقليات وصون حقوقها هي مهمة الأكثرية أولاً واخيراً. وذلك بدءا بالأقليات الأضعف وصولاً إلى الأكراد والعلويين. هذا هو الوطن الذي نريد ولا نريد سواه وبدون ذلك لا يمكن ان تغلق حلقة الوحدة الوطنية على رقبة بشار. الثورة هي ثورة الشعب كل الشعب وإلا فماذا؟ وبالمقابل فان مهمة كافة اطياف الشعب السوري ان تظهر انها تتقاسم مع الثورة الأتراح والآلام والآمال في سورية موحدة دمقراطية وحرة. يجب قطع الطريق على النظام من أخذ الأقليات رهينة فإما أنا او الطوفان. وتلك مسؤولية الجميع. سورية التي نطمح هي سورية الغنية بتنوعها وهي التي يكون فيها الانتماء للوطن هو اعلى الانتماء الأعلى والأسمى لتندمج سورية في هوية واحدة هي الهوية الوطنية. سورية التي يضحي في سبيلها شبابنا اليوم هي ثورة المواطنة فوق كل اشكال التمييز والتفرقة والمحسوبية والفساد والعصبيات وهي فوق منطق الأكثرية والأقلية، وفوق منطق كل الانتماءات لغير سورية الوطن الحر الديمقراطي حيث يتساوى المواطنون في الحقوق الواجبات. من هذه الروح بالذات وفي الاحياء الشعبية، والقرى يبذل وجهاء الاحياء والعائلات من ابناء شعبنا كل جهد لدرء حماقة الانزلاق نحو حل نيرون. يتحملون المخاطر واللوم والتخوين من اجل قطع الطريق على جنون النظام.

اولئك هم ابطال كما هم الابطال في التظاهرات السلمية. وتلك هي سورية التي تستحق كل هذه التضحيات. وبالمقابل ينبغي العمل على ان يتم تلافي الضعف الجوهري في دور المجلس الوطني الذي لا يزال يحتاج ليشغل مكانته ومسؤولياته ويقوم بكامل ادواره، ولينتج برنامجه الوطني لسورية الجديدة وخارطة الطريق الراهنة للثورة.وثمة تحد تنظيمي ايضاً في مواجهة المنظومة الأوامرية المحكمة للنظام، تتمثل في ضرورة شحذ وتطوير أدوات الادارة السياسية والتنسيق بين مختلف اطراف الثورة لرأب الكبير في سلسلة الادارة والسيطرة فيها. إذ يجب رأب نقاط الضعف في التواصل بين المجلس والقوى القاعدية للتنسيقيات التي تشكل روح الثورة وقوتها الفعلية ومصدر شرعية أي قرار فيها. انها هي التي ستحدد مصير الثورة ومآلاتها. الانقطاع هنا في الاتجاهين: في مستوى تمثيل المجلس الوطني للثورة وللتنسيقيات على الأرض وفي دقة قراءة المجلس للواقع كما تلمسه وتقوده هذه التنسيقيات من جهة، وانقطاع آخر في الزعامة والقيادة السياسية للمجلس في ادارة الثورة من خلال خارطة طريق وسيناريوهات يفهمها ويؤمن بها ويستميت في تطبيقها ثوار الداخل. القيادة تعني اولاً واخيراً الرؤية والتنظيم، تلك تجربة كل الثورات، وسيكلفنا اعادة اختراع الثورة من جديد ليس فقط الكثير من الدماء بل قد يكلفنا الكثير من مصير الوطن. إنني لا أتصور المجلس الوطني مجرد ممثل للمعارضة في الخارج بل ينبغي ان يكرس دوره اولاً كقيادة للثورة في الداخل ولقد ثبتت قواها الأساسية دعمها لهذا المجلس بكل وضوح.ولايزال الكثير مما يجب عمله من اجل تعزيز العلاقة بين المجلس الوطني والقيادة السياسية للقوى المدافعة عن المدنيين، ألا وهي الجيش السوري الحر المجيد. وثمة، وثمة، وثمة... لكن الثورة ستنتصر، فالولادة بدأت ولا رجعة فيها والسؤال بأي ثمن؟ ولأن بشار لم يعد يملك الا عصبية الطوائف والمماليك، ها هو يحاول في طيش اقحام دول الجوار ليجندها في اتون مجابهة طائفية اقليمية.

ثمة سيناريوهين اثنين للسقوط المدوي لهذا النظام:

السيناريو الأول: يفترض اساساً ان تبذل كل الجهود من اجل اكتمال حلقة الثورة حول عنق النظام من خلال عزله وتضييق حلقة حلفائه إلى اقصى حد ممكن وتوسيع الفئة الرمادية على حسابه مقابل توسيع دائرة حلفاء الثورة إلى اقصى حد ممكن. السيناريو الأول يفترض ان تنضج الثورة اشتعالاً عبر التظاهر والعصيان المدني وهذا أمر مما لاشك انه سيستمر. يفترض أن يكتمل تداعي سيطرة النظام على البلاد: فثمة جزء يتزايد من اراضي الوطن ليس فيها سلطة لبشار الا ان تواجدت المدرعات. والمدرعات لا تستطيع البقاء فالأرض ما عادت ارضاً صديقة. في هذه المناطق تغيب السلطة الا من المخبرين، لكن السلطة بما هي الدولة غير موجودة لا في المدرسة ولا في الحي فكيف في مصلحة الضرائب او في سيرياتل رامي مخلوف. وهو امر سيستمر ايضاً. ويفترض هذا السيناريو، ان تتكامل عملية حماية المدنيين من قبل ابطال جيشنا الحر بشكل متصاعد في القريب العاجل ليكتمل شلل قوات النظام. فالسلمية المطلقة للثورة، اتاحت لبشار ترف ان لا يتورط في تحريك قطعات الجيش التي لا يثق بها. وكانت فرق الموت التي اشعل سعارها بشار بالمخاوف الطائفية، كافية لإرواء عطش النظام للدماء وقمع الحراك في ادنى مستوياته دونما حاجة لتحريك الجيش. وعملية حماية المدنيين في تصاعد. ويفترض ان تتداعى قدرة النظام في السيطرة والادارة وتتصاعد ملامح عدم الثقة في ادارته ومنظومة اوامره حيث يعطل التكاسل والسلبية الكثير من فعاليته ومهماته، ومنذ الآن، لم تعد قدرته هي ذاتها حتى في حشد الشبيحة. ويتكامل هذا الوضع مع نضج الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالنظام والتي هي اولاً واخيراً نتاج نهبه قبل ان تكون نتاجاً للعقوبات. وهذا يتطلب تطوير كل اساليب التضامن الاجتماعي بين المواطنين وتطوير اساليب العصيان المدني في كل طول البلاد وعرضها حتى يسقط النظام جائعاً مفلساً. يفترض أيضاً، تصاعد الدعم الدولي لقضية حرية شعبنا ودعم قدرته في الدفاع عن نفسه والمزيد من عزل النظام والتضييق الدبلوماسي والسياسي والاقتصادي الدولي عليه. لو تكاملت هذه العوامل واغلقت الحلقة الوطنية على النظام، فمن المفترض ان تبداً في الظهور التشققات بما يسمح بحماية كل الفئات والطوائف. العامل الدولي وقضية توحيد القوى الوطنية وقضية توسيع هوامش تحالفات الثورة هي جميعاً عوامل حاسمة في بناء هذا السيناريو.

السيناريو الثاني: يفترض احتمال ان لا تتكامل حلقة خنق النظام، عندها سيسير بنا الزمان نحو المزيد من العنف المتبادل، والمزيد من تصاعد العصبيات والتشنج الطائفي، الأمر الذي يهدد ليس فقط بنشوء حرب اهلية بل ويهدد بتحول البلاد إلى ساحة لصراع طائفي واقليمي مقيت، هدد به بشار الأسد في مقابلته مع الصانداي تايمز. وهذا ما تبقى لبشار من مخارج. فكيف نمنع ذلك؟ ينبغي ان يكون واضحاً أن لا رجعة للوراء. ولتدارك هذا السيناريو المقيت ينبغي على كافة الفئات المترددة في مجتمعنا حتى الأن، ادراك ان درء مخاطر السيناريو الثاني تكون بمنع الحريق من ان يطالهم سيكون بالانخراط ونصرة قضية الحرية والعدالة في مجتمعنا والمشاركة في عملية تعافي الأمة وتعافي الوطن من وزر اكثر من اربعين عاما من الاستبداد. ولتدارك هذا السيناريو لا بد من تضافر كل الجهود العربية والاقليمية والدولية لاستكمال قطع الطريق على محاولة تدويل الصراع وحماية الثورة والمدنيين. بفضل الروح الوطنية العالية للشعب والجيش السوري، كانت سورية على مدى العقود الماضية لاعباً استراتيجياً اساسياً في المنطقة. ازدراء النظام لمصالح الشعب وغطرسة السلطة في معالجة الأزمة بل وعمله المقصود في ان يشرع ابواب البلاد للقوى الدولية المناصرة له، يهدد سورية الوطن والدولة بأن تصير ساحة للعب الآخرين. فواه، الف واه يا لذكرى وروح يوسف العظمة الذي اسس لسورية البطولة والحرية والاستقلال.

=================

ماذا لو؟ عن الحرب الاقليمية بدءا من سورية

د.نهلة الشهال

2011-12-05

العرب اليوم

عادة ما يقصد بالحرب الاقليمية تلك التي تشمل رقعة واسعة من المنطقة, تندرج فيها إيران وإسرائيل بالضرورة, بل يشكل اصطدامهما عمودها الفقاري. وفي الاسابيع الفائتة, بدا هذا الاحتمال قوياً الى حد تبديد تحفظات من كانوا يعتقدون أنه غير وارد فعلياً لأسباب عالمية استراتيجية واقتصادية في آن. وأن كثرة تداوله هي من قبيل رفع سقف الضغوط, والتوتير, للحصول على تنازلات سياسية أو تسويات عامة تشمل ليس اطرافاً اقليمية فحسب بل روسيا والصين, العقبتان الكؤودان في وجه تحقيق اجماع دولي مناهض لإيران وسورية معاً. فقد صرح منذ أيام قليلة قائد الجيوش الامريكية المشتركة, الجنرال مارتن دمبسى, أنه غير متأكد من التزام اسرائيل بأخذ موافقة الولايات المتحدة على ضربة تقوم بها لإيران, بل أنه يرجح أن اختلاف وجهات النظر بين البلدين حيال فعالية العقوبات الاقتصادية على إيران لثنيها عن متابعة برنامجها النووي قد تعني عدم إخطار واشنطن مسبقاً بمثل هذه الضربة. وكان ذلك بمثابة تخفف أمريكي من عبء المسؤولية عن أي سلوك مجنون لتل أبيب, إن لم يكن ضوءاً أخضر لها! وهذه الاخيرة تتحرق شوقاً لدور عسكري طليعي في المواجهة الدائرة, يبرر لها من جهة وجودها, وتعتقد من جهة ثانية أنه محصور التكلفة كما قال باراك "رداً" على دمبسى.

وفي الاسبوع الفائت نفسه, سربت معاهد الابحاث الامريكية دراسات تقول أن الولايات المتحدة على وشك تحقيق اكتفاء ذاتي من النفط والغاز, وأنها, وهي القارة البعيدة التي يمكنها النأي بنفسها أمنياً عن نتائج حرب في الشرق الاوسط, لم تعد مرتهنة للنفط الخليجي ولا للتهديدات الايرانية بإغلاق مضيق هرمز عند أول اشتباك, وهو نقطة المرور الحالية ل¯ 40 بالمئة من انتاج النفط العالمي.

ولكن التطور الابرز يتعلق بالتداخل عالي المستوى لما يجري في سورية مع المنطقة, بدءاً من العراق. فبعد أن صوتت السلطات العراقية لمرتين متتاليتين في الجامعة العربية ضد العقوبات المتخذة بحق سورية, تسربت انباء عن دخول مجموعات عراقية الى سورية, بعضها للقتال الى جانب النظام, وأخرى لنصرة "المجاهدين" ضده. ومن المعلوم أن عدداً يقدر بالآلاف من السوريين, ممن يوضعون عادة تحت مسمى المجموعات السلفية (ولعل التسمية تعميمية وبالتالي غير دقيقة كفاية), قد سبق لهم القتال في العراق, رسمياً ضد الاحتلال الامريكي, ولكن واقعياً وكثيراً ضد ما كانوا يسمونه "الاحتلال الآخر" ويقصدون به ايران. وأن قتالهم ذاك قد تدحرج بسرعة كبيرة ليصبح ذا منحى مذهبي, يطال الشيعة العراقيين في احيائهم ومساجدهم, بل يطال على العموم كل العراقيين عبر التفجيرات الانتحارية في الاماكن العامة التي شاعت في وقت من الاوقات, مصاحبة استعار صدام أهلي طائفي الوجه. وهذه المجموعات كما بات معروفاً, دربت في ذلك الحين تدريباً عالياً من قبل الجيش السوري نفسه, وكان ذلك واحداً من اسباب التوتر الرسمي بين البلدين.

ومما يجعل التداخل السوري العراقي يمتلك اهمية تفوق بكثير تداخل الوضع السوري مع بلدان أخرى كتركيا والاردن وحتى لبنان, هو وقوعه في فترة الانسحاب الامريكي من العراق, مع ما يحمله ذلك الانسحاب من إخلال بالتوازنات التي نشأت في هذا البلد على مدى ما يقرب من عقد من الزمن, وكانت بشكل ما تأسيسية لبنيته التي دمرتها تماما الحروب المتتالية والحصار ثم الاحتلال. وأيضاً بسبب عدة معطيات تتعلق بطبيعة التركيب السوسيولوجي للمناطق الحدودية بين البلدين حيث هناك سكن لعشائر مشتركة الاصول القبلية, وهي علاوة على ذلك, وفي الشروط الحالية للأحداث, تقدم تماثلاً مذهبياً يغري بالتواصل, سيما وأن المنطقة الغربية من العراق ومدينة الموصل تطالب بمزيد من الاستقلالية عن المركز العراقي وباعتبارها اقليماً. ومن ناحية ثانية, يمثل العراق ممراً اجبارياً بين سورية وإيران, وفي حال تعمق السعار المذهبي, يقدم أيضاً عناصر اصطفاف واستقطاب لحرب قد ترتدي هذا اللبوس.

سيؤدي ذلك الى تفكك العراق وسورية معاً, ومعهما بالاستلحاق لبنان. هذا على الاقل. مع خراب واسع النطاق يتجاوز هذه البلدان الثلاثة. ومن المعبر أن تكون قد رُفعت في بعض تظاهرات يوم الجمعة الفائت في سورية شعارات تتناول "القوس الشيعي" بالاسم والرسم, وبالشتائم والتهديد. وهكذا تبدو الحرب الاقليمية تمتلك سيناريوهات متعددة ليست إيران وإسرائيل بالضرورة نقطة القلب منها.

* باحثة في علم الاجتماع السياسي - باريس

================

الدماء السورية تتدفق بانتظار اختمار صفقة توافقية

الجزيرة السعودية

التاريخ: 05 ديسمبر 2011

 تتواصل المهل التي تمنحها جامعة الدول العربية للنظام السوري بسخاء لا يوازيه إلا «سخاء» الدماء السورية التي تنزف جراء القتل اليومي الذي لا يحتمل بين صفوف الشعب السوري.

أمس انتهت آخر الفرص التي تواصل جامعة الدول العربية توفيرها لنظام بشار الأسد للتوقيع على بروتوكول البعثة العربية لتقصي الحقائق.

وحسب ما تسرب من الدوحة العاصمة القطرية، حيث عقدت اللجنة العربية المكلفة من الجامعة العربية بمتابعة الملف السوري، بأن دمشق أرسلت عدداً من التعديلات وافقت اللجنة على أغلبها، مما سيجعل من مهمة البعثة العربية لتقصي الحقائق «رحلة سياحية» لأن أعضاء اللجنة أو المراقبين الذين سترسلهم الجامعة ومهما بلغ عددهم خمسمائة أو أقل أو أكثر لا يمكنهم التحرك إلا برفقة مرافقين من النظام السوري.. لتوفير الحماية لهم كما يبرر النظام ذلك أو لمراقبتهم كما هو متوقع، ولهذا فإن المراقبين سيكونون تحت أنظار مراقبي النظام الذين حتماً سيكونون أكثر عدداً. كما أن أعضاء البعثة العربية ستكون تحركاتهم معروفة سلفاً، وطرقها معروفة مما يتيح لمناصري النظام زرع الطرق والشوارع ب»الهتيفة» الذين يمجدون حكم بشار الأسد. كما أن هؤلاء المراقبين لا يمكنهم زيارة المشافي ولا السجون، وبالتالي ليس بمقدورهم مشاهدة ضحايا النظام، كما يستحيل أن يحصوا عدد القبور التي حوت جثامين الشهداء..!!

إذن تمديد المهل التي منحتها جامعة الدول العربية لنظام بشار الأسد بكرم عربي والذي جاء على حساب الدم السوري المهدر لن تكون لها قيمة على الواقع السوري، لأن البعثة العربية هذا إن تسهلت أمور وصولها إلى سورية ستكون لا قيمة لها ولا فائدة تُذكر، هذا إن لم يكن ممثلو الجزائر والعراق ولبنان والذين سيكون لهم نصيب في تشكيل البعثة سيقدمون تقارير تؤكد التفاف الشعب حول قيادة بشار الأسد، وأن الضحايا الذين يسقطون كل يوم مستأجرون على النظام ليسجلوا أول حالة من النفاق السياسي حيث تُتَهم الشعب بالتآمر على النظام..!!

تمديد الفترات الزمنية حتى يقبل النظام وحلفاؤه من أعضاء جامعة الدول العربية الذين نجحوا في عرقلة اتخاذ موقف حاسم ينهي معاناة الشعب السوري، ورغم سقوط كل هذه الأعداد الكبيرة من الشهداء السوريين، هدفه الوصول إلى «عقد صفقة» توفر مخرجاً للأزمة السورية ترضي بعض مطالب المعارضين السوريين والمتظاهرين، وفي الوقت نفسه ترضي حلفاء النظام الذين يسعون للحفاظ على مصالحهم في سورية، فروسيا تبحث عمن يدفع الفواتير المستحقة على سورية وأن لا تخسر قواعدها ونفوذها، كما أن إيران لا تريد أن تخسر «الجسر» الذي يوصلها إلى لبنان ويسهل لها البقاء في العراق، كما أن الأنظمة المرتبطة بطهران والتي تخشى السقوط هي الأخرى إن سقط نظام بشار الأسد تبحث عن صيغة لا تجعلها تخسر كل شيء.

وحتى يتم الوصول إلى صفقات توافقية يظل الشعب السوري يقدم الشهداء.. وتواصل جامعة الدول العربية منح المُهل الزمنية.

=================

أخيراً.. "سوريا أولاً"!

خيرالله خيرالله

المستقبل

5-12-2011

أخيراً، وُجد في دمشق من يطلق شعار "سوريا أولاً". مثل هذا الطرح يظلّ مفيدا حتى لو جاء من النظام الساعي الى انقاذ نفسه في وقت لم يعد هناك اي مجال لذلك. لا مجال لذلك الاّ في مخيلة بعض المرضى من اللبنانيين الذين ما زالوا يهربون من الواقع. هؤلاء لا يدركون ان المسألة مسألة اسابيع او اشهر ليس الاّ قبل ان تعود سوريا الى السوريين...اوّلا!

كان مهمّا طرح شعار "سوريا أولاً"، عن طريق صحيفة تابعة للنظام تصدر في دمشق وليس في مكان آخر نظرا الى انه يعني الكثير في مرحلة ما ستعود سوريا فيها الى كنف العروبة الحضارية. انها سوريا التي ستسعى الى تجاوز مشاكلها الداخلية ومشاكل شعبها الابي الذي يعرف ما هي طبيعة النظام القائم منذ وصول البعث الى السلطة في العام 1963 ثم انتقالها تدريجا الى حكم العائلة الواحدة ابتداء من العام 1970.

ان هذا الشعب الذي ينفّذ امّ الثورات العربية وربّما اشرف ثورة في التاريخ العربي القديم والحديث، انّما يعرف معنى شعار "سوريا أولاً". انه يعني قبل كلّ شيء التوقف عن التلطي بالشعارات من نوع "المقاومة" و"الممانعة"، وهي شعارات لم تعد سوى بالويلات على السوريين قبل غيرهم.

يعني هذا الشعار في طبيعة الحال الاهتمام بالسوريين وبتنمية ثروات سوريا بدل نهبها. ويعني ايضا وقف المتاجرة بقضايا العرب والتوقف عن لعب دور الجسر الايراني البديل المستخدم في اختراق كلّ منطقة عربية، بما في ذلك دول الخليج التي عانت كلّها من مؤامرات ايرانية. كانت سوريا منطلقا لهذه المؤامرات وذلك بغرض التمويه على العمليات التي تنفّذ انطلاقا من الاراضي الايرانية وتستهدف هذا البلد العربي او ذاك.

اضافة الى ذلك، يعني إعتماد هذا الشعار التوقف عن المتاجرة ايضا باللبنانيين والفلسطينيين. انها تجارة يمارسها نظام ليس قادرا لا على الحرب ولا على السلام. لا همّ للنظام سوى ممارسة لعبة الابتزاز بدل الانصراف الى معالجة المشاكل الحقيقية التي يعاني منها الوطن والمواطن والتي جعلت مليون عامل سوري، اذا لم يكن اكثر، يعملون في لبنان بدل ان يكون هناك مليون عامل لبناني او اردني يعملون في سوريا.

لو قُدّر للنظام السوري الاعتراف، قبل اندلاع الثورة، بانّ شعار "سوريا أولاً" كان يمكن ان يشكل بالنسبة اليه طريق الخلاص بدل اعتماد سياسة الغاء الآخر، لما كان وزير الخارجية السوري السيّد وليد المعلّم مضطرا للشكوى من تهريب السلاح الى سوريا. كذلك، لم يكن مضطرا للجوء الى التزوير في محاولته اثبات ان هناك "ارهابيين" في سوريا. فطوال ما يزيد على اربعة عقود، لم يكن لدى النظام السوري من همّ سوى تهريب السلاح الى دول الجوار، خصوصا الى لبنان. من اين كانت تأتي الاسلحة التي حصل عليها الفلسطينيون في لبنان؟ من اين مصدر اسلحة الميليشيات التي تصدّت في البداية للوجود الفلسطيني المسلّح في لبنان. الم تكن الاراضي السورية، مصدر معظم هذه الاسلحة، حتى لا نقول كلّها طوال سنوات وسنوات؟

لا حاجة الى البحث عن الاسباب التي دعت النظام السوري في كلّ ساعة الى التفكير في كيفية الاعتداء على جيرانه العرب. الم يقاوم دائما فكرة ترسيم حدوده مع الاردن؟ الم يدرج لواء الاسكندرون في خرائط الكتب المدرسية طوال عقود عدة... الى ان جاء يوم اكتشف فيه ان عليه الاستسلام للشروط التركية، بما في ذلك التنازل نهائيا عن "اللواء السليب" نتيجة اكتشافه ان اكراد عبدالله اوجلان لم يعودوا ورقة بمقدار ما صاروا عبئا عليه؟

لا حاجة طبعا، الى الحديث عن ضرورة ترسيم الحدود مع لبنان. كلّ ما يمكن قوله في هذا المجال ان الحدود بين البلدين كان يمكن ان تشكل منطقة تسمح بتعاون نموذجي في مجالات عدّة بين بلدين عربيين شقيقين. ما حصل بدل ذلك، ان مناطق الحدود تحولت معبرا لمسلّحين فلسطينيين وغير فلسطينيين تابعين للاجهزة السورية اقاموا قواعد في الاراضي اللبنانية وحوّلوها مقرّا لهم. هل من هدف لهذه القواعد سوى الاساءة الى لبنان واللبنانيين والقضية الفلسطينية في طبيعة الحال؟

لو طُبّق شعار "سوريا أولاً" باكرا، لكان النظام ايقن ان دعم ميليشيا مذهبية اسمها "حزب الله" الايراني بالسلاح وكلّ انواع التسهيلات في لبنان لا يتفق في اي شكل مع ما يدعيه مسؤولون سوريون عن تجاوز سوريا الانقسامات الطائفية والمذهبية. من يصدّر المذهبية والسلاح، لا يعود للاسف الشديد في منأى عن اخطار المذهبية والسلاح!

لا يمكن لنظام ان يكون ضدّ الاخوان المسلمين في سوريا ومعهم خارجها، كما الحال مع "حماس" التي تشكّل افضل تعبير عن الانتهازية السياسية. لم تتورّع "حماس" وهي من "الاخوان"عن ممارسة هذه الانتهازية مع النظام السوري نفسه بعدما اكتشفت انه هالك لا محالة...

اخيرا وليس آخرا، لو اعتمد النظام السوري شعار "سوريا أولاً"، لما كان مضطرا لان يكون شريكا في اغتيال افضل اللبنانيين من العرب الشرفاء الذين كان همّهم الاوّل محصورا بمساعدة سوريا على الانتماء الى العالم المتحضر...

المؤسف ان اطلاق شعار "سوريا أولاً" جاء بعد فوات الاوان. لم تعد المسألة مسألة شعارات تطلق من هنا او هناك، شعارات كان النظام السوري يستخدمها في الامس القريب في "تخوين" الآخرين الرافضين لسياسته القائمة على الابتزاز ليس الاّ من جهة وتحويله البلد مجرد تابع للنظام الايراني من جهة اخرى. ما هو مطروح حاليا: اي سوريا بعد رحيل النظام؟ وهل يمكن حماية سوريا مستقبلا من دون شعار "سوريا أولاً"؟ انه شعار للمستقبل وليس لنظام ينتمي الى الماضي.

=================

ماذا ينفع نظام الاسد بعد؟

نايلة تويني  

النهار

5-12-2011

حتى ساعة متقدمة من ليل امس، لم يتضح الموقف السوري من الفرصة الاخيرة التي أتاحتها المبادرة العربية لدمشق قبل البدء بتدويل ملفها الذي لا بد ان يؤثر في تطورات المنطقة وربما في العالم. وهو تدويل لا تعرف نتائجه، بل العواقب التي ستصيب الشعب السوري قبل النظام الذي يرفض التنازل خوفا من فقدان السلطة ومن غير ان يدخل في حسابه مصلحة شعبه، شأن كل انظمة الطغاة التي لا تدخل الناس في اهتماماتها الا بقدر حاجتها اليهم للحصول على 99 في المئة من اصوات التأييد.

اعلنت محطات لبنانية موالية لسوريا موافقة دمشق على توقيع بروتوكول المراقبين من غير ان تؤكد القيادة السورية الامر، كأن الرئيس بشار الاسد في احسن حال، وهو مستمر في المناورات التي كان نظام والده يعتمدها في زمن مضى، غير مدرك ان الزمن تبدل، وان قطار التغيير انطلق ولن يعود إلى الوراء. لكن المؤسف اكثر ان النظام السوري لا يزال يتلطى بلبنان وبناسه، بعض الناس، من غير ان يواجه المجتمع الدولي، محولا لبنان مرة جديدة خط دفاع لحماية نفسه. كذلك المؤسف اكثر ان لبنانيين لا يزالون مصرين على الاضطلاع بالدور الصغير امام ضباط المخابرات الذين طالما تحكموا بلبنان وببعض ناسه.

ليس واضحاً ماذا تنتظر دمشق للتسليم بالامر الواقع او القبول بما يشبه المبادرة الخليجية لليمن، اي التخلي عن الحكم ، وهذه المرة من اجل المصالح العليا للامة، اذ يكفي الشعب السوري ما كابد من قهر مدى اربعين عاما، فضلا عن ان  حرباً اهلية أو فتنة طائفية مفتعلة لن تغير مجرى الاحداث بل تطيل معاناة الابرياء.

ماذا ينتظر الاسد؟ هل يحلم بأن يلتف العرب من حوله مجددا بعدما امعن في اذلالهم واختار التحالف مع من لا يريدون لهم الخير؟

 هل يحلم بإلغاء العقوبات الدولية والعربية والعودة الى الحياة الطبيعية قبل الانهيار الاقتصادي المتوقع؟ وأي أوراق في يده يمكن ان يدفع بها المصير المحترم؟

 كيف سيسوي اوضاعه مع حليفتيه السابقتين تركيا وقطر، وايضا مع فرنسا ساركوزي الذي شرع له الابواب فإذا به يخيبه ويتنكر له؟

ان الطريقة التي يعتمدها الاسد الابن تشبه تماما تكتيكات والده، لكنها تأتي في غير زمانها، وربما في غير مكانها، وفي غير الظروف المناسبة لها، وطبعا من غير قدرة على المناورة، اذ يناور من يمسك بخيوط اللعبة، اما من يمسك بطرف الخيط فليس أمامه سوى ان يستعمله حبل نجاة.

=================

الأسد إذ يفضح حقيقة المجموعات الإرهابية المسلحة!!

ياسر الزعاترة

الدستور

5-12-2011

في لقاء له مع عشرات من الطلبة الجامعيين، قال الرئيس السوري بشار الأسد كلاما كثيرا يستحق التوقف حول العرب وتركيا والموقف الأمريكي والغربي ومستقبل الأوضاع في سوريا، لكن أهم ما ورد في اللقاء هو توصيفه لحقيقة المجموعات المسلحة التي “تروع” برأيه المواطنين السوريين، وهي ثلاث مجموعات (الإخوان المسلمون، الوهابيون التكفيريون، والمجرمون المحكومون بأحكام عالية كالإعدام والمؤبد).

يستحق هذا التوصيف رغم عبثيته بعض التوقف، لاسيما أن خطاب الرئيس لا يكاد يعترف بوجود مشكلة في سوريا تتعلق بشعب يريد الحرية ويسعى إلى التخلص من نظام قمعي دموي، فيما الفساد برأيه أمر عادي وطبيعي تجري مكافحته (لم نسمع أن السيد رامي مخلوف ابن خال الرئيس قد أودع السجن وجمدت أرصدته!!).

على من يبيع الأسد هذا الكلام، هل يتحدث حقا عن سوريا أم عن بلد آخر؟! وهل كان الشبان الذين كانوا يجلسون قبالته مقتنعين حقا بأن هذا الدولة الأمنية التي تتميز بأن عدد المخبرين فيها قياسا بعدد السكان هو الأعلى في العالم تتوفر فيها كل هذه المجموعات “الإرهابية”، هكذا فجأة ومن دون مقدمات بعد زمن طويل من الاستقرار الأمني؟!

الإخوان المسلمون كما يعلم الجميع تنظيم محظور منذ عقود، وتنص المادة 49 على الحكم بالإعدام على أي شخص ينتمي إليه، فهل هبط هؤلاء الأعضاء الذين “يروعون الناس” من السماء خلال الشهور الثمانية الماضية، أم تسللوا عبر الحدود؟ وكيف عجز النظام الأمني السوري عن ملاحقتهم وتتبعهم، أم لعلهم كانوا خلايا نائمة تنتظر الأوامر؟!

القسم الثاني لا يختلف عن الأول، إذ يعلم الجميع أن أي نشاط ديني في سوريا كان يخضع للمراقبة، فضلا عن أن يكون لسلفيين تكفيريين، أو جهاديين، ونعلم أيضا أن هذا التيار قد سُمح له ببعض النشاط على نحو محدود في إسناد القاعدة في العراق من أجل إفشال المشروع الأمريكي في العراق (دعم النظام للمقاومة العراقية كان من حسناته من دون شك).

لكن هذه المجموعات ما لبثت أن استهدفت بشكل مباشر بعد نهاية تلك المرحلة، وبالطبع بعد أن استقر الوضع للحكومة التابعة لإيران، وفي السجون عدد لا بأس به من عناصر تلك المجموعات، فيما قتل عدد آخر بطرق شتى، وطوال الأعوام الثلاثة الماضية لم يعد أحد يسمع بهم، لكنهم ما لبثوا أن خرجوا إلى التداول بعد الانتفاضة الشعبية، وبالطبع من أجل ترويج حكاية المندسين والسلفيين والإرهابيين لتبرير القمع الدموي ضد الجماهير السورية.

الأسوأ من ذلك كله هو حديث الرئيس عن المجرمين المحكومين بالإعدام والمؤبد، ولا نعرف كيف يتجول هؤلاء أحرارا في الشوارع السورية، وكيف حكموا ثم هربوا من السجون وتحولوا إلى ثوار ضد النظام، ومن أين حصلوا على الأسلحة، وهل تعجز الأجهزة الأمنية التي اعتقلت عشرات الآلاف عن اعتقالهم؟!

كيف يعتقد الأسد أن هذا اللون من الخطاب يمكن أن يمر على السوريين، فضلا عن العرب والرأي العام الدولي، لاسيما أن الصحفيين الأجانب الذين دخلوا سرا وكتبوا لم يتحدثوا عن أي من الألوان المشار إليها، مع أن ذلك يُعد سبقا صحفيا، بقدر ما تحدثوا عن منشقين عن الجيش وشبان عاديين انتصروا لثورة شعبهم بالطريقة التي رأوها مناسبة، مع أن تطور الأوضاع نحو انخراط آخرين في العمل المسلح لم يكن إلا ردا على استمرار عمليات القتل والتعذيب.

في ذات السياق لم ينس الأسد أن يستخف بقصة الانشقاق في الجيش، لأن المنشقين برأيه لا يتجاوزون العشرات، وهؤلاء لا قيمة لهم على الإطلاق، وبالطبع في معرض التأكيد على روايته لطبيعة المنخرطين في العمل المسلح و”ترويع المواطنين السوريين”. هل تذكرون الفيلم المحروق لوليد المعلم حين استشهد على دموية الإرهابيين بمشاهد لجرائم وقعت في لبنان؟!.

ما تجاهله بشار الأسد هو تلك الجحافل من البشر الذين ينزلون إلى الشوارع يوميا مطالبين باسقاطه، بل باعدامه. هؤلاء جميعا لا قيمة لهم، ربما لأنه يرى أن بوسعه تجييش عدد كبير في ساحة العباسيين، مع علمه أنه لو سمح للناس بالتظاهر ضده في ذات الساحة دون قتل أو موت لافترشها الملايين من الشبان.

لو كان الحوار جديا مع الشبان المنتقين بعناية، لوقف أحدهم ليسأل عما إذا كان الآلاف الأربعة الذين قتلوا خلال الشهور الماضية ينتمون إلى المجموعات الثلاث المشار إليها، لاسيما أن من بينهم أطفال (حوالي 300) ونساء، وهل ينطبق ذلك على عشرات الآلاف من المعتقلين؟!

الأسد يهرب من الحقيقة المرة الماثلة أمام عينيه، والتي تقول بالفم الملآن: لقد آن لك أن ترحل، فهذا الشعب يريد الحرية ولا شيء غير الحرية، وهو ليس عميلا لأمريكا والغرب ولا تركيا، اللهم إلا إذا كانت الجماهير العربية التي انتفضت من قبله عميلة أيضا.

=================

السحل في سوريا

الإثنين، 05 كانون الأول 2011 01:15

د.أحمد نوفل

السبيل

لعل ما من نظام عربي، ينافس النظام في سوريا في عنفه ودمويته وأفانينه في السحل. وعنْده لذلك أجهزة مدرّبة كانت مخفية فاستعلنت وهي «الشبّيحة»، فهؤلاء مهمتهم هذه المهنة القبيحة، السحل والتعذيب. فالشاب الذي مزّق صورة الرئيس في درعا قطعوا أربعة أطرافه: اليدين والرجلين، وتركوه قطعة لحم حي لا يتناول بيده ولا يمشي برجله.

والذي أنشد بصوته العذب ورددت الجماهير من بعده: «بدّك ترحل يا بشار» قلعوا حنجرته فقط، فكيف تجرّأت هذه الحنجرة على مثل هذا الهتاف، وهزّت به الجماهير؟ فليكن عبرة لمن يعتبر. وأما الطفل حمزة الخطيب الذي قطعوا أعضاءه، فما كانت جريمته، وهو طفل لا يجوز أن يعامل إلاّ بالإكرام في كل قوانين الكون، إلاّ في نظام الإجرام.

وأما «الشلاليط» بالبساطير في كل أجزاء الجسم والضرب والركل والرفس (كالحمير)، والصفع العنيف، والصعق بالكهرباء، وترك الجراح تتعفّن، فحدّث عن كل ذلك ولا حرج.

ولقد روى فلسطيني (رحمه الله)، كيف ضرب على أرجله حتى تقيحت من كل جهة، فصار لا يستطيع الحركة ولا الذهاب لقضاء الحاجة، وكان في كل فترة سجنه يصلي بالإيماء والإشارة حتى لا يسجّل عليه أنّه متدين، وهو ممن كان يصوم كل اثنين وخميس ويصلّي القيام بانتظام فيضطر في زمان العربان أن يصلي بالإشارة.

ومن صور السحل أنّ شاباً من ريف دمشق أصيب برصاصة في رجله، فأخذوه إلى مستشفى خاص للعلاج، لأنّ مستشفيات الحكومة هي مجرد مخازن أو معتقلات لمن يدخلها من الجرحى فاختطف من المستشفى، وأعادوه إلى أهله في كيس وقد أطلق على رأسه خمس رصاصات، ووشمت صورة الأسد على صدره. (أقصد الرئيس الأسد وليس ملك الحيوانات!)

ومن صور السحل ما يفعلونه بالجنود المنتسبين لجيش سوريا الحر، الذين يسمونهم في إعلام الأزلام، أزلام النظام: المنشقّين أو الإرهابيين، أو المندسّين، أو المسلّحين..

فهؤلاء يعذبون عذاباً لا يطيقه البشر، ويظلّون على قيودهم، ويرمون جثثهم على قيدها، وقد تلوّنت بكل الألوان من الضرب واللكم، والعصي والكرابيج والسياط وغيرها من أدوات الأبلسة والشيطنة، وبعد تعذيبهم يجرّون موتى أو في طريق الموت، ثم يلقى بهم في قارعة الطرق عبرة لمن يعتبر، أو ينشق أو يفكر!

ولعل أسوأ ما وعته الذاكرة من صور الشبح والتشبيح والشبيحة والسحل ما صنعوه بزينب الحصني في حمص، فقد قطعت ووضعت في ثلاجة الموتى، وسلّمت لأهلها هي وأخوها قتلى، ودعك من حكاية زينب الدوبلير فهي من ألاعيب سينما هوليود أو بوليود أو بلاوود أو بلى وود..

وسحل خالد سعيد في الإسكندرية كان السبب أو الفتيل الذي فجّر ثورة مصر ورب ضارة نافعة.

والسحل في ليبيا القذافي والإعدام بالجملة وبلا محاكمات (تقريباً)، حدّث عنه ولا حرج! وكم آلمني أن يمارس الذي ثار بعض ممارسات من ثار عليه! فقتْل القذافي بالصورة التي قتل بها ما كنّا نتمنى أن نراها لا لأن القذافي يستحق ما هو أكرم، بل لأن أخلاقنا كان ينبغي أن ترتقي إلى ما هو أكرم، وأن لا نلتقي مع الجلادين الجلاوزة المجرمين في الممارسات، ولا ندع فرصة للتعاطف مع مثل هذا المجرم، وكذلك قل في ابنه المعتصم. والأصل أنّ الأسير لا يقتل مهما بلغ من إجرامه، إذا كنا نريد أن نؤسس لدولة القانون والمؤسسات! وننهي دولة الغاب وشرعة الناب!

ولأمر حكيم أن تكون آخر مكالمة للقذافي مع «البشار أو البوشار» ولعلها هي التي كشفت موقعه ومخبأه.. وعلى القذافي جنت براقش، (وبراقش معروفة فلا داعي لأن نشرح أنّها كلبة عند قبيلة عربية نبحت فكشفت قومها، أعني أصحابها، فأغار المغيرون عليهم فقتلوهم! وهكذا كان!)

والتاريخ يعيد نفسه! وعسى يمن الطالع أن تتكرر المكالمة مع البشار و»الصالح» رئيس اليمن فيجلب من النحس ما جلب للقذافي أو عليه. ولعل كشفه لاثنين ينضم إلى رصيده (لا ندري إن كان ثم رصيد حسنات يمكن أن تلحق به ضمائم لمن كانوا بلا ضمائر!)

والآن عود إلى ساحة التغيير، تغيير الأجواء في ميدان تحرير اللغة: والجذر «سحل» في تاج العروس: «ومن المجاز: الرياح تسحل الأرض سحلاً، أيّ تكشط ما عليها وتنزع أُدْمتَها. (قلت: بل هو مطابق تماماً للمعنى الحقيقي المادي فلا داعي للمجاز)

ومن المجاز: قعد فلان على الساحل، وهو ريف البحر وشاطئه وهو مقلوب (يقصد أنّه مسحول وإن عبّرنا عنه بساحل) لأن الماء سحله أيّ قشره، أو علاه، فهو فاعل بمعنى مفعول (وكان القياس مسحولاً) قاله ابن دريد.

ومن المجاز: ساحلوا مساحلة: أيّ أتوا الساحل وأخذوا عليه، ومنه حديث بدر: «فساحل أبو سفيان بالعير» أيّ أتى بهم ساحل البحر.

وسحل الدراهم سحلاً: انتقدها (من النقد لا من الانتقاد!). وسحل الغريمَ مالَه (أو مئة درهم): نَقَده. قال أبو ذؤيب:

فباتَ يجمع ثم آب إلى منى فأصبح راداً يبتغي المزج بالسحل.

أيّ النقد. وسحله مئة سوط سحلاً: ضربه فقشر جلده. وسحلت العين تسحل سحلاً وسحولاً: بكت. وسحل فلان: شتم، ومنه قيل للّسان: مِسْحَل (وفي الأمثال العامية الفصيحة نقول: لسانه مبرد أو كالمبرد.. ونضيف لها الآن مَسحل!)

والسُّحالة: ما سقط من الذهب والفضة ونحوهما إذا بُرِد. وقد سحله سحلاً: إذا برده. وكل ما سحل من شيء، فما سقط منه سحالة. وقال الليث: السُّحالة: ما تحاتَّ من الحديد، وبرد من الموازين».

ومن عِدد السحل: الساطور. قال المعجم الوسيط: «الساطور: سيف القصاب. والساطور سكين عريض ثقيل ذو حد واحد يكسر به العظم. والجمع سواطير.» (على وزن بساطير، هذه للإذلال والتركيع، وتلك للقتل والتقطيع!)

«والسلخ» صورة من صور السحل.. وما أكثر صوره وما أشنعها وأبشعها وأفظعها!

وقال في المعجم إياه في معنى «سلخ»: سلخت الحية سلوخاً، انكشفت عن جلدها (أظن أنّ المعنى واضح إذ سقطت دعاوى الممانعة و..) وسلخ وانسلخ الشهر ونحوه: مضى. وانسلخ النبات أو سلخ: اخضر بعد اليبس (والأقرب اليبس بعد الاخضرار!). وسلخ الجلد سلخاً: كشطه ونزعه. وسلخ الحر أو الجرب الجلد: كشطه أو أحرقه. وسلخ ثيابه: خلعها ونزعها. وسلخ الله الليل من النهار والنهار من الليل: كشفه وفصله. وفي التنزيل: «وآية لهم الليل نسلخ منه النهار فإذا هم مظلمون» وسلخ فلاناً: آذاه بكلامه...

والطعام السليخ: لم يكن له طعم. والسالخ من الحيات: الأسود الشديد السواد. يقال: أسود سالخ وهو أقتل ما يكون من الحيات! (وما كان قلبه أسود، وإن كان هو أبيض فهو من ما وصف المعجم!) (وذو القلب السالخ من القيم والدين أقتل من أقتل الحيات فكم يقتل الثعبان في عشر سنوات؟ إنّ نظام المسالخ يقتل في كل يوم أكثر من ثعابين سوريا في سنة!)

والسلاخ: الكثير السلخ. (هذا لحام مهنته. أما أن يتحوّل جيش الشعب إلى سلاخ للشعب فهذا ما لم يخطر ببال الشعب!)

والمسلاخ: الجلد. ويقال في المدح أو الذم. (يقال): هو مَلَك أو حمار في مسلاخ إنسان.

والمسلخ (مفتوح): مكان سلخ الجلود. (من عهد الجدود، والآن يجدد للأحفاد كل الموجود في زمن الأجداد! أحفاد اليهود)

والسحل له بقايا.. وزوايا.

=================

الصراع على الشرق بين... «هلالين» ؟

الإثنين, 05 ديسيمبر 2011

جورج سمعان

الحياة

بات واضحاً أن «هلالاً اخوانياً» يتشكل في شمال أفريقيا، من المغرب إلى مصر مروراً بتونس وليبيا. وليس أمام الجزائر أن تفعل سوى ما تفعله اليوم من مغازلة جيرانها، خصوصاً الرباط وطرابلس، إلى الاستعداد ربما لما قد تفرزه انتخاباتها البرلمانية المتوقعة الربيع المقبل. لعل هذه الانتخابات تحمل ربيعاً لحركاتها الاسلامية إذا عرفت كيف توحد صفوفها. وبات للبساط الاسلامي الممتد من شاطىء الأطلسي حتى ساحل البحر الأحمر هلاله الذي يغطي نحو ثلثي سكان العالم العربي. أنظمة جديدة ستنشأ، وهوية بلدان ستتغير عاجلاً أم آجلاً.

ومهما تغنت القوى الإقليمية والدولية بدورها في مواكبة قطار التغيير أو في إعطاء دفعات لتسريعه، فإن التغيير فرض ويفرض على هذه القوى التحرك سريعاً وإعادة النظر في استراتيجياتها. بل هو أحدث خللاً كبيراً في معظم الاستراتيجيات الخاصة ب»الشرق الأوسط الكبير». الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة وأوروبا سارع إلى التعامل مع الحراك العربي من منطلق الدعم بمختلف أشكاله. هذه دول انحازت إلى قوى التغيير، من منطلق الحفاظ على مصالحها الحيوية. وسعياً إلى دور فاعل في رسم صورة الأنظمة الجديدة التي ستحدد بدورها شكل النظام الإقليمي، السياسي والاقتصادي والأمني. في حين اختارت روسيا ومعها الصين أن تعاندا هذا التيار الجامح لأسباب عدة لها علاقة بداخل كل من هذين البلدين وشبكة مصالحهما الحيوية وعلاقاتهما مع الخارج، في الاقليم وفي الساحة الدولية عموماً. ومهما قيل في مدى تأثير دور هذه القوى في الحراك العربي، فإن التحديات التي يطرحها التغيير عليها، واضح في الصراع الدائر على المنطقة وربطه بالصراع الأوسع في مناطق أخرى من العالم.

وفي حين تعلن الولايات المتحدة بوضوح أن التغيير في سورية سيوجه ضربة قاصمة لإيران، فإن هذه اعتبرت ولا تزال أن الربيع العربي أربك الولايات المتحدة وحليفتها الاستراتيجية إسرائيل. وأن النظم الاسلامية الناشئة لن تكون مطواعة في يد واشنطن كما كانت حال أنظمة حسني مبارك ومعمر القذافي وزين العابدين بن علي. وترى إلى دورها ونفوذها يتناميان في المنطقة. يكفي القلق الذي ينتاب تل أبيب من فوز «الأخوان» والسلفيين في مصر، وقلقها إزاء تغيير محتمل في سورية سيكشف حدودها الشمالية على شتى الاحتمالات. ويكفي تقويم حركة «حماس»، حليفة طهران، لتقدم الاسلاميين في مصر وعدد من الدول العربية. تعتقد بأن هذا التقدم «سيكون ظهيراً وداعماً للقضية الفلسطينية واستعادة حقيقية للعمق العربي والاسلامي».

إن نظرة حيادية إلى مسرح المنطقة تظهر بوضوح أن الحراك العربي فاجأ اللاعبين الإقليميين أيضاً وليس الدوليين وحدهم. وأصاب سياساتهم أيضاً بخلل استراتيجي لا بد من أخذه في الاعتبار. تركيا مثلاً التي بنت كل سياستها على قاعدة «صفر مشاكل» مع دول الإقليم تجد نفسها أمام مشاكل تقوض أساسات هذه السياسة. فالأبواب مغلقة مع إسرائيل. كما أن الربيع العربي أحدث شرخاً كبيراً بينها وبين إيران على خلفية موقف أنقرة من الأزمة السورية، ثم على خلفية نشرها شبكة الرادارات في إطار الدرع الصاروخية لحلف «الناتو» في أراضيها لمواجهة الترسانة الصاروخية الإيرانية. والجدل قائم بين البلدين. ولا تخفي طهران تهديداتها العلنية بأنها ستستهدف هذه الشبكة إذا تعرضت لهجوم إسرائيلي أو أميركي. كما أنها تكرر تحذيراتها لأنقرة من التمادي في الضغط على نظام الرئيس بشار الأسد.

تركيا تعيد النظر في سياساتها. وبقدر ما ترتاح إلى التغييرات في كل من تونس ومصر وليبيا وحتى المغرب، تستعجل التغيير في سورية الذي تريده على شاكلة سابقاته. يريحها وصول «الأخوان» لأنه يعيد إليها مفاتيح هذه البوابة الكبيرة لإنخراطها السياسي والاقتصادي في بلاد الشام و»هلالها» الخصيب برمته. وهو ما يقلق إيران التي تخشى سقوط «هلالها» إذا انتهى النظام في دمشق إلى ما انتهى إليه غيره في بلدان عربية أخرى.

لذلك ربما من المبكر أن تزعم إيران أنها تجني الكثير من الربيع العربي، لمجرد أن ترى إلى وصول الإسلاميين في مصر وتونس وليبيا ضربة لواشنطن وحليفتها تل أبيب. صحيح أن هؤلاء الإسلاميين غازلوا الجمهورية الإسلامية طويلاً عندما كانوا يتعرضون لبطش أنظمتهم. لكنهم يعلنون اليوم أن نموذجهم هو الإسلام التركي وليس الإيراني. كما أن وقوفهم إلى جانب الحراك في سورية هو وقوف في مواجهة إيران الداعم الأكبر لنظام الرئيس الأسد. في المحصلة لن يكون هذا «الهلال الإخواني» مكملاً للهلال الإيراني. بل قد يكون بديلاً منه حتى في المشرق العربي... إذا قيض للمعارضة السورية النجاح، وإذا فتحت الإصلاحات والانتخابات في الأردن الطريق أمام «أخوان» المملكة الهاشمية.

هذا الخلل الاستراتيجي أهال التراب على النظام العربي الذي كان يترنح، قبل الحراك، على وقع التنافس الإيراني - التركي - الإسرائيلي. وتضافرت تداعيات الحراك العربي مع التحديات التي فرضها التمدد الإيراني في دفع مجلس التعاون الخليجي إلى أخذ زمام المبادرة في المنطقة كلها. خالف المجلس ما كان سائداً قبل الحراك واحتدام المواجهة حول الملف النووي الإيراني، وهو أن هذا المجلس يسير في اتجاه بناء وحدة تبعده، إن لم تخرجه من دائرة جامعة الدول العربية، وهموم المشرق والمغرب العربيين. سارعت الدول الخليجية الست إلى سياسة «هجومية» طموحة. لم تكتف بشبكة علاقات مع العديد من الدول الكبرى ومع تركيا وباكستان التي شكلت تاريخياً ظهيراً لها وربطت أمن الخليج بأمنها. شقت طريقاً خاصاً بها: نادت الأردن والمغرب إلى عضوية التعاون الخليجي. وحركت قواتها لحماية البحرين، فهي لم تهضم بعد ما تعتبره خسائر فادحة، من وقوع العراق تحت العباءة الإيرانية، إلى لحاق لبنان به ثم سورية. وخرجت إلى صنعاء لترتيب انتقال السلطة. وتقدمت قبل ذلك المجتمع الدولي في معركة اسقاط النظام الليبي. وهي اليوم تقود مسيرة حل الأزمة في سورية لإخراجها من فلك «الهلال الإيراني» إذا كان ل بد من تصحيح الخلل الذي أحدثه دخول العراق في قلب هذا الهلال.

قبل الحراك العربي، راهن كثيرون مع تنامي القدرات العسكرية لإيران وتوسع نفوذها واحتدام الصراع على ملفها النووي، على أن دول الخليج لا بد من أن تلجأ في نهاية المطاف إلى سياسة تلبي رغبات واشنطن وتسهل لإسرائيل مطامعها في التسوية مع الفلسطينيين. كأنما كانت الرغبة الغربية الدفينة أن تتولى تل أبيب نشر مظلتها النووية في مواجهة الترسانة الصاروخية والنووية للجمهورية الاسلامية. أو في أحسن الأحوال أن تسلم الدول الست القياد لتركيا. ولكن بدا من تطور الأزمات من ليبيا إلى اليمن وسورية، أن هذه الدول سعت وتسعى إلى الخروج من دوامة الصراعات على المنطقة: سواء بين طهران وأنقرة أو بين طهران وتل أبيب أو بين أنقرة وتل أبيب أو بين الغرب وإيران، أو بين الولايات المتحدة وروسيا والصين. لذلك تقدمت بمبادرات ومواقف وسياسات لمواكبة عواصف التغيير الحالية. وحملت دول الجامعة على مواكبة استراتيجيتها الجديدة، مثلما حملت الدوائر الدولية على دعم مبادراتها.

خلاصة القول ان مجلس التعاون و»جامعته» باتا على المسرح مع باقي اللاعبين. ويظل من المبكر أن يستريح هؤلاء اللاعبون، أو أن يختفوا خلف الستارة، في ضوء ما قد تحمله تداعيات «الهلال الإخواني» في شمال أفريقيا، ومآلات التغيير في اليمن وسورية، وما قد تحمل من مفاجآت بؤر التوتر في مجلس التعاون وعلى تخومه وفي قلب «الهلال الإيراني»، من العراق إلى لبنان.

لن يكون سهلاً على إيران أن تستعيد الدور التاريخي الأول الذي كان نظام الشاه يلعبه على مستوى الخليج والشرق الأوسط، فضلاً عن آسيا الوسطى. ولن يكون سهلاً على تركيا أن تشكل بديلاً للنظام العربي الذي بدأ يتشكل. ولن يكون بمقدور القوى الكبرى أن تبرم صفقاتها بالسهولة التي كانت لها أيام الأنظمة البائدة، من دون أن يعني ذلك أن التغيير سيطيح غداً بمصالحها وعلاقاتها. إنه وقت للانتظار: «أخوان» شمال أفريقيا من المغرب إلى مصر أمام امتحان الحكم بمتاعبه السياسية والاقتصادية والأمنية وشبكة علاقاته الاقليمية والدولية المعقدة. امتحان أين منه الجلوس في كرسي المعارضة أو في الساحات والشوارع لإرضاء الناس بالشعارات واللافتات! امتحان أين منه سبل التعامل مع «الهلال الإيراني» والالحاح التركي نفوذاً ونموذجاً!

=================

سوريا والمهل العربية!

طارق الحميد

الشرق الاوسط

5-12-2011

لم يأت اجتماع اللجنة الوزارية العربية الخاصة بمناقشة الملف السوري في الدوحة بجديد سوى إعطاء مهلة عربية جديدة لنظام بشار الأسد، على أن يوقع على البروتوكول العربي الخاص بإرسال مراقبين إلى سوريا.. مهلة جديدة رغم أن آلة القتل لم تتوقف يوما، منذ التحرك العربي!ورغم كل القرارات التاريخية التي اتخذها العرب بحق النظام الأسدي، والتي لا يمكن التقليل منها، فإن الإشكالية تكمن في أن آلة القتل لم تتوقف، وترويع السوريين مستمر، مما يحتم طرح السؤال التالي: هل لا يزال العرب يتوقعون أن يوفي النظام الأسدي بأي من تعهداته، أو حتى يحترم المبادرة العربية، وإن وقع على بروتوكول المراقبين؟ العرب ليسوا بحاجة لإرسال مراقبين إلى سوريا من أجل أن يتأكدوا من أن آلة القتل والمظاهر المسلحة للنظام الأسدي لم تتوقف عن قمع السوريين، فبإمكان العرب مشاهدة الفضائيات وما تبثه من سوريا، أو مشاهدة ما يبث من أشرطة على موقع «يوتيوب» من داخل سوريا، كما أن العرب ليسوا بحاجة للتأكد من حجم جرائم النظام الأسدي طالما أن الأمم المتحدة تقول إن ما يفعله النظام الأسدي بحق السوريين يرقى إلى مستوى الجرائم ضد الإنسانية. واللافت أن عربنا كانوا من ضمن من صوت بالإيجاب مع القرار الأممي الخاص بحقوق الإنسان، فما الذي يمنع العرب إذن من نقل الملف السوري إلى مجلس الأمن، ويخوضون المعركة المستحقة مع روسيا وغيرها، بدلا من تضييع الوقت باجتماعات لا طائل منها؟ خصوصا أن العرب يعون أنه حتى لو وقع النظام الأسدي على البروتوكول العربي الخاص بإرسال مراقبين، فإنه لن يلتزم، وسيماطل، وهذا أمر ثابت.

الإشكالية التي يبدو أن العرب لم يولوها عناية أن آلة القتل لم تتوقف، فيوميا يقع قتلى من الأبرياء السوريين، بينما العرب مشغولون بالمذكرات التفسيرية التي يقدمها النظام الأسدي، وهذا أمر محزن ومحبط. صحيح أن هناك من يردد أن السياسة ليست لغة عواطف، لكن الأصح أيضا أن حقن الدماء واجب ديني وأخلاقي وحتى سياسي، وإلا ارتضينا شريعة الغاب فيما بيننا. فالواقع في سوريا يقول إن النظام لم يعد يجيد إلا لغة القتل والتنكيل، وحجم المظاهرات ضد بشار الأسد وصل إلى مرحلة تؤكد أنه لا يوجد خط رجعة، فيوم الجمعة الماضي وحده سجل قرابة 240 نقطة تظاهر ضد الأسد، ومنها إحراق صور حسن نصر الله في قلب العاصمة دمشق، هذا عدا عن حجم الانقسامات المتزايدة في صفوف الجيش السوري، بل إن المتظاهرين السوريين تجاوزوا سقف الجامعة العربية بشكل كبير وخرجوا يوم الجمعة الماضي بمظاهرات تطالب بفرض المنطقة العازلة.كل ذلك يعد بمثابة رسالة واضحة للعرب مفادها أن انتظارهم غير مبرر، والمهل التي تعطى للنظام الأسدي ليست مبررة، وعلى العرب أن ينقلوا المعركة إلى مجلس الأمن، حفاظا على الدماء السورية من آلة القتل التي لم تتوقف لحظة، منذ قرابة ثمانية أشهر من عمر الثورة السورية.

========================

كفرنبل الابتسامة والغصّة

بقلم رامي الأمين

الأحد 04 كانون الأول 2011

النهار

لم أزر سوريا البتة في حياتي. لم يحصل أن ذهبت برّاً الى خارج الأراضي اللبنانية، والسبب الأساس جهلي بسوريا، وعلمي اليقين بالنظام السوري. النتيجة أنني لا أزال أجهل سوريا حتى الآن، مع أن معلومات كثيرة بدأت تنساب داخل مخيلتي لترسم صوراً متقطعة عما ستكون عليه سوريا التي أبحث عن التعرف إليها. حتى تلك المناطق التي ترسخت في ذاكرتي، كالشام القديمة التي حدّثتني عنها أمي، وحمص التي لطالما سمعتُ النكات عن ابنائها، ودمشق التي شممت عبق ياسمينها في قصائد نزار قباني ومحمد الماغوط، ظلت بعيدة عن التحقق في الواقع، كأنها كما القصائد، لا تعدو كونها حبراً على ورق. ثم إن هذه المناطق كلها، كانت تتهمش غصباً عن تفكيري، عندما يحضر الحديث عن سجن المزة مثلاً أو مجزرة حماة، أو عنجر في البقاع، أو البوريفاج في بيروت. كانت تتقدم صور التعذيب والتنكيل والإهانات والاحتلال والقمع والقهر والعذابات والآلام والكوابيس والعسكر والسلاح والاستخبارات والجواسيس والكلاب، كلها تتقدم في الذاكرة لتحيل سوريا الخيال على أسفل درك في الدماغ، وتحمل إلى السطح كل ما سلف من كلمات وصفات لا تحتمل الإعادة لثقلها ووقعها المخيف في الأذن وعلى اللسان. بعد اندلاع الثورة السورية سمعتُ بدرعا. ثم طبعاً، بدأت حماة تخرج من قلب الرماد، وإدلب وريف دمشق، وحمص التي راحت تبكينا بدل أن تضحكنا، ودير الزور... وأخيراً كفرنبل. بدا الإسم للوهلة الأولى غريباً جداً، فلم يبد لي مألوفاً، ولا ذا إيقاع سوري، بل أقرب إلى أسماء القرى اللبنانية، ثم تذكرت "وحدة المسار والمصير"، ومع ذلك لم يبطل العجب. فكفرنبل راحت تفاجئني يوماً بعد يوم. أو بالأحرى أسبوعاً بعد أسبوع. مع كل نهار جمعة، تخرج كفرنبل لترسم لي ابتسامة على وجهي، وتضع في صدري غصة يصعب تجاوزها. هذه القرية الصغيرة، التابعة لمنطقة معرة النعمان في محافظة إدلب، كما قرأتُ على الإنترنت، استطاعت أن ترسل إلى العالم بأسره رسائل تجمع ما بين الطرافة والقسوة. نوع من الكوميديا السوداء يستخدمها ابناء هذه المنطقة، ليقولوا لنا إن شرّ البلية ما يضحك، كأن تطالب كفرنبل مثلاً بزيادة عدد الدبابات فيها للتخفيف عن حمص المنكوبة. أو أن تدعو اللهَ لافتةٌ مرفوعة في تظاهرة كفرنبلية إلى فك عقدة لسان الجامعة العربية الخرساء، أو أن تتوجه لافتة أخرى إلى المعارضة السورية بأغنية سميرة توفيق الشهيرة: "وصّلتينا لنص البير وقطعتي الحبلة فينا...". من هذا العيار تطلق كفرنبل صرخاتها من قلب سوريا إلى العالم كله، وغالباً بشكل صامت، لا يتعدى كتابة عبارة ذكية على قماشة بيضاء، ورفعها في تظاهرة أو تجمّع، لتلتقطها الكاميرات وترسلها عبر مواقع الإنترنت إلى العالم بأسره. كفرنبل في لغتها الثورية، الساخرة والمحنّكة، لا توفر أحداً، وتصيب مقتلاً من هدفها، فتتوجه إحدى اللافتات مثلاً إلى وزير الخارجية السوري وليد المعلم: "اضبط كرشك أولاً ثم اضبط أمن سوريا..."، أو أن تطلب أخرى من رئيس وزراء تركيا رجب طيب أردوغان على طريقة هيفاء وهبي: "رجب... حوش صاحبك عنا!". هذا ليس كل شيء. لأن كفرنبل رفعت لافتة تضع كل شيء على المحك، وتطالب بسقوط "كل شيء". هكذا، تعلن بكثير من الصدق والمباشرة أن الثورة السورية ليست موجهة فقط ضد النظام السوري، بل هي ثورة شاملة لتغيير كل شيء بلا استثناء. اللافتة تقول: "يسقط النظام والمعارضة... تسقط الأمة العربية والإسلامية... يسقط مجلس الأمن... يسقط العالم... يسقط كل شيء...". هل من فلسفة تفكيكية وتحطيمية أكثر من هذه العبارة، التي تختصر مفهوم ثورة الشعب السوري، التي لا تريد التغيير لمجرد التبديل، بل تبحث عن اجتثاث كل الكلاسيكيات بما في ذلك أدوات الثورة ومعارضوها وداعموها؟ كفرنبل صوّبت كثيراً على الجامعة العربية المتلكئة عن اتخاذ مواقف حاسمة من النظام السوري، فأخذت عليها أنها لا تستطيع حماية سفرائها، فكيف لها أن تحمي شعباً كاملاً من بطش نظامه، ووصلت ذروة الانتقاد للجامعة حينما شبّهتها لافتة بأنها "مثل الخيارة...". كفرنبل هي النبض الساخر للثورة، بالإذن من حمص وباقي المناطق الثائرة. هي استطاعت أن تصيب مقتلاً من جدية النظام وصرامته. جعلته محل سخرية تحطّم جبروته وطغيانه، فلا يخيفها أن تنقل الى بشار الأسد أن "سوريا ضاقت علينا بك فإما الشعب وإما أنت يا بشار"، ثم أتت الضربة القاضية في لافتة تطيح كل النهج الممانع الذي انتهجه حزب البعث السوري خلال حكمه البلاد لما يزيد على عقود أربعة، واللافتة تقول: "سيدي الرئيس، مؤامرة الي تخلع رقبتك"! الملاحظة التي لا يمكن إلا التوقف عندها، هي إصرار أهالي كفرنبل على توقيع لافتاتهم ب"كفرنبل المحتلة"، تأكيداً منهم أن ما يطالبون به هو الحرية وانسحاب النظام بكل أدواته وقاموسه وذكرياته من قريتهم الجميلة، التي أسجل هنا وعداً بأن تكون أول قرية أزورها في سوريا وأمكث فيها بعد تحررها.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ