ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الخميس 08/12/2011


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

علاقات القوة بين بني البشر

خالص جلبي

الراية 7-12-2011

اجتمعت في منطقة القصيم في السعودية بطبيب مقيم جاء للعمل براتب زهيد. الطبيب من درعا. قال لي وهو ينفث دخان سيجارته كان بشار الأسد بجانبي في نفس الدفعة. لم يكن خبيثًا ولا مجرمًا ولا سيئًا. كان بشرًا ممن خلق الله. قلت له أنت الآن طبيب مقيم براتب بخس أما هو فمتربع على سُدة عرش هيأه له أبوه بالدم والخناجر والحشاشين من جيوش المخابرات ! هزّ الدكتور الدرعاوي رأسه بأسف وقال الدنيا تمشي هكذا.

السؤال لو ولد بشار الأسد في فرنسا أو ألمانيا هل كان سيتابع تخصصه الطبي أم سيجلس على رقبة الشعب الجرماني أو الفرنساوي مع عصابة من القتلة كما نرى في ميادين حمص وتلبيسة؟

القضية تقوم على علاقات القوة التي تحتاج إلى تفكيك فلسفي.

القوة نادرًا ما تظهر على شكلها العاري كما يصف ذلك الفيلسوف برتراند راسل في كتابه "السلطان"، ولا تحتاج أن تظهر على شكل سجن وسجَّانين وهراوات وقضبان، بل على شكل ألوان وملابس وشارات، فبين "مساعد" في الجيش، و"لواء" تهتز من تحته الأرض شارات على الكتف. ولون المعطف الأزرق لعمال الخدمات يكتب مكانة صاحبها أمام أصحاب المعاطف البيضاء من الأطباء معلقة في رقابهم السماعات، بل وحتى بين الأطباء، فكلما ثقل جيب المعطف بأدوات الفحص، كان صاحبها أقرب أن يكون طبيبًا مقيمًا، فإذا لبس الطبيب معطفًا خاليًا إلا من قلم بسيط كان عنوان المهابة: إنه رئيس الأطباء.

وفي فروع المخابرات السرية السورية إذا جاء "ملف" بلون معين إلى "موظف معين" دارت أعينه كالذي يغشى عليه من الموت: إنه من "المعلم" ومستعجل، ويضخ الأدرينالين في العروق ضخًا ليرفع ضغط الدم رفعًا، فكانت فاتحة لشلل وخرس وسكتة قلبية.

ما زلت أذكر أنا شخصيًا عندما "ضبطني" شرطي في بلدي المنكوب بالسرطان البعثي في مخالفة سير. كانوا كمن يلقي القبض على أفَّاك أثيم عتل بعد ذلك زنيم. لقد كانت متعة لهم بدون حدود في ممارسة القوة. وأتذكر بالمقابل في مدينة (براون شفايج Braunschweig) الألمانية عندما اقتربت مني "شرطية" لتقول لي بلطف وأدب: ألا ترى أنك مخالف؟ هل تحب أن تدفع عشرة ماركات؟

إنها روح تتخلل المشافي والمؤسسات الدينية والدوائر الحكومية والمدارس والشركات، بل وحتى ضمن العلاقات الزوجية بين الرجل والمرأة. أليست تابعًا ماديًا له؟

إن المرأة يتملكها الخوف الشديد في المجتمع العربي بعد تبخر الجمال وزوال نضارة الشباب والتقدم في السن أن يطلقها زوجها ليلقي بها في الشارع بدون أي ضمانة وحماية أو تعويض عن كل رحلة الحياة. لذا تحاول الاعتماد على رفع مهر المتأخر بدون فائدة، أو تكويم الذهب والسلاسل والخلاخل والخواتم والأقراص والأساور وحب اللؤلؤ لعله ينفعها في يومها الأسود إذا زلزلت الأرض زلزالها وانفجر بركان الرجل.

إن هذا الوضع طوَّره الغرب، وفي الطلاق لا تخرج المرأة خاوية الوفاض صفر اليدين إلا من مهر متأخر دراهم معدودة غير مضمونة؛ بل بنصف ثروة الرجل.

هكذا تبدو تظاهرات القوة وفي كل مجال ومكان.

أحيانًا على نحو غامض وغالبًا في تفصيلات مخجلة ومهينة بسبب نظام "التراتبية" في المجتمع، وتقسيم الناس إلى أعلى وأسفل.

وفي مجلة "اليونسكو" أظهرت لوحة الغلاف في أحد الأعداد البشرَ على طبقات تحمل كل طبقة ما فوقها. السفلى أعرض وأمتن وفوقها تجلس شريحة مرتاحة أصغر حجمًا وأشد قوة. صعودًا حتى القمة، حيث تحكم الأقلية والنخبة.

وفي القاع تتمدد أكثرية خانعة خائفة محجوزة في مثلث الرعب تدفع الضرائب عن يد وهم صاغرون.

هكذا صدر المنشور الشيوعي في مطلع القرن: في القمة "القلة الحاكمة" وبجانبها كلمة "نحن نحكمكم". وتحتها شريحة أعرض من الكهنة ورجال الدين والحقوقيين وبجانبها كلمة "نحن نخدعكم"، وأسفل منه الجنود بالحراب وبجانبها كلمة "نحن نقتلكم". وفي الأسفل تمامًا العمال والفلاحون وبجانبها كلمة "نحن نطعمكم ونخدمكم"، وطبعًا ونحمل كل ثقلكم.

اعتبر الفيلسوف فردريك نيتشه: "أنه حيث الحياة هناك الرغبة، ولكنها ليست الرغبة في الحياة، بل الرغبة في امتلاك القوة". ولكن فيلسوف الحداثة "ميشيل فوكو" اعتبر أن كل المجتمع غاطس في حوض من علاقات القوة "فالكل يحارب الكل" في حرب أهلية مبطنة غير معلنة.

وفي هذا الخضم العارم من النزاع وعلاقات القوة فإن الأقوياء يسعون ليس إلى بناء علاقات إنسانية، بل إلى إزالة الطواغيت واستبدالهم بطواغيت جدد، ولذا فإن ما جاء بالقوة أعاد مرض القوة، وهذا سر استعصاء الحياة السياسية في العالم العربي؛ لأنه مبني على علاقات القوة؛ فمن أراد التغيير عمد إلى القوة، ومن ملك أراد أن يستمر في أي صورة وتحت أي اسم، طالما لا توجد قوة تقدر على الإطاحة به.

صرح بهذا مسؤول قومي، وأكده مفكر إسلامي، أن الحاكم يملك الرقاب تحت قانون "الغلبة والقهر"، فبهذا قال فقهاء العصر العباسي.

صدق، فالعالم الإسلامي انفك عن أحداث العالم، وانفصم عن صيرورة التاريخ، وأمواج المعاصرة، واستطاع الغرب فك هذه الإشكالية التي عجز عنها العالم الإسلامي.

إن المواطن العربي اليوم يضع على عينيه نظارة من صنع إيطاليا، ويستخدم التلفون الجوال، ويجري الجراح عملية مرارة بدون شق البطن، كما يستخدم الجندي العربي الصواريخ في الحرب، ولكن الوطن العربي يعجز عن نقل الوضع الدستوري، وبناء الديموقراطية، والتخلص من الأحكام العرفية، وحكم المماليك البرجية والبحرية، وتجديد أدعية وخطب المستنصر بالله العباسي. وإذا نقل المعاصرة فهي توابيت تحمل إلى العالم العربي.

وهكذا فالمجالس النيابية وظيفتها أن تقول نعم للحاكم. والتعددية ديكور سياسي. والصحافة مثل البيضة المسلوقة أمام ديك أوروبي يصيح على السياج، أما حرية التعبير فهي "ردة" أو "خيانة".

نحن نرى اليوم مرض "الطاغوتية" يعم البسيطة، بدءًا من هبل الأكبر أمريكا والشرك الأعظم "الفيتو"، وانتهاءً بالديكتاتوريين "الترانزستور" في العالم الثالث، أو عمالقة المال الذين يشترون كل شيء وتمتد إمبراطوريتهم عبر كل القارات، فلا تغيب عنها الشمس أبدًا، بما لم يحلم به هارون الرشيد والملكة فيكتوريا.

======================

الشروط السورية للتوقيع

رأي الراية

الراية

7-12-2011

دخلت الأزمة في سورية منعطفا جديدا يتمثل بالإعلان السوري عن الموافقة على التوقيع على البروتوكول الخاص بنشر المراقبين في البلاد وإن كان بشروط.

الجديد في الموقف السوري أن الأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي- الذي أكد أنه يجري مشاورات مع وزراء الخارجية العرب لإطلاعهم على فحوى الموقف السوري- قال إن شروط سوريا للتوقيع على البروتوكول فيها"أمور جديدة " .

أحد الشروط السورية يتحدث عن التوقيع على البروتوكول في دمشق وليس في مقر الجامعة العربية وهو شرط من الممكن تجاوزه عربياً إذا ثبت حسن النوايا السورية وتم وقف إراقة الدماء المستمرة بلا انقطاع في المدن السورية منذ أكثر من ثمانية شهور.

ما يجب أن يعرفه النظام في سوريا أن لا أحد في العالم العربي سعيد بالعقوبات التي فرضت على النظام السوري وأن الجامعة العربية التي اتخذت موقفاً لا سابق له في فرض عقوبات اقتصادية على النظام السوري كانت تضغط لإيقاف العنف والقتل وسحب الجيش وقوات الأمن من المدن السورية والسماح للمواطنين بالتظاهر السلمي كحق مشروع لهم.

ليس معروفاً بعد موقف اللجنة الوزارية العربية المعنية بالأزمة في سورية وموقف وزراء الخارجية العرب من المطلب أو الشرط السوري المتعلق برفع العقوبات الاقتصادية فور توقيع النظام السوري على البروتوكول الخاص بإرسال المراقبين لكن ما يمكن قوله انه لا يمكن الركون إلى التوقيع السوري وحده لرفع العقوبات الاقتصادية فالنظام السوري ما زال مستمراً حتى اللحظة في استخدام العنف كوسيلة لإجهاض الاحتجاجات الشعبية وما زالت المدن والبلدات السورية تشهد مزيداً من الضحايا برصاص أجهزة الأمن السورية.

إن حلحلة الأزمة في سوريا لا تبدأ من لحظة توقيع البروتوكول بل تبدأ من اللحظة التي يتوقف النظام السوري فيها عن إراقة الدماء ويعمل على سحب الجيش وأجهزة الأمن من شوارع المدن السورية وبالتالي يصبح تطبيق المبادرة العربية واقعاً وتوقيع بروتوكول المراقبين تحصيل حاصل يمكن البناء عليه لمرحلة جديدة يجري فيها حوار وطني شامل يستجيب لتطلعات وآمال الشعب السوري بالحرية والتغيير.

النظام السوري الذي بات يعيش عزلة خانقة والذي بدأت العقوبات تؤثر في بنيانه مطالب بتقديم بادرة حسن نوايا يثبت من خلالها جديته في الخروج من النفق المظلم الذي دخلت فيه البلاد بسبب تعنته ورفضه لرؤية الواقع السوري على حقيقته.

إن الإعلان عن رفع العقوبات الاقتصادية التي فرضت على سوريا لا يمكن أن يتم إلا بعد توقف حوار الرصاص مع المحتجين وبدء الحوار الوطني الحقيقي الذي يشارك فيه الجميع والذي يبني سورية الغد سورية الدولة الديمقراطية ودولة القانون والمؤسسات وحقوق الإنسان.

======================

نظام الأسد يدق طبول الحرب على تركيا!!

بقلم: أسعد العزوني

الراية

7-12-2011

تقول الأخبار الواردة من سوريا ضحية نظام الأسد منذ أكثر من أربعين عاما، أن نظام الأسد الذي باع الجولان بمئة مليون دولار لإسرائيل عام 1967، وأسهم ولو بصمته عن العدوان الغاشم الذي شنته إسرائيل على لبنان واحتلت بيروت وأجبرت القوات منظمة التحرير على الشتات مجددا. هذا النظام يدق طبول الحرب على تركيا ويهدد بأنه سيؤسس منطقة استراحة لحزب العمال الكردي المناهض لتركيا - ناسيا أو متناسيا- أنه هو الذي سلم زعيم الأكراد المتمردين أوجلان إلى تركيا، أبان كانت العلاقات مع تركيا في شهر العسل.

وبحسب ذات الأخبار، فان جيش الأسد المدعوم بالموقف الروسي والذي اتضح أنه يملك كميات مهولة ونوعيات متقدمة من الصواريخ الروسية التي (تؤهله) لخوض حرب مع تركيا وإسرائيل في آن واحد!! علما كما قلت أنه لم يحرك ساكنا أمام هجمات واختراقات إسرائيل التي وصلت العاصمة دمشق، وحلقت طائراتها فوق مسكن السيد الرئيس، وكأن شيئا لم يكن!!

المضحك المبكي في هذه القضية أن وسائل الإعلام الأسدية أبلغتنا أن لهجة رئيس وزراء تركيا الطيب أردوغان، قد تراجعت إلى ما دون الصفر إزاء الحديث عن سوريا!! بمعنى أن أردوغان بات يرجف من الخوف إلى درجة الهلع، وأنه هرب إلى أحد السراديب ناجيا بحياته!

لست أدري من هو الجهبذ الذي كتب هذا الخبر ووافق على نشره، لكن ربما نسي أو تناسى أن نظام الأسد اسم على مسمى فقط أما على أرض الواقع، فهو أمر آخر وساحات الوغى تشهد!

كان يجب على المسؤولين الإعلاميين أن يعوا جيدا مردود أو تداعيات هذا الخبر، الذي إن دل على شيء، فإنما يدل على إفلاس ما بعده إفلاس، إذ لا يجوز أن نترك جبهة العدو الرئيسي خالية -على افتراض أن إسرائيل تناصب نظام الأسد العداء- ونشد الرحال إلى جبهة الجيران الأصدقاء.

ثم أليس أردوغان هو الذي استضاف السوريين والإسرائيليين (الأعداء) في مفاوضات قيل أنها غير مباشرة في أنقرة لمدة ثلاثة أشهر عام 2008، وتوصل (الأعدقاء) إلى اتفاق سلام لكن أولمرت رفض التوقيع عليه وهرب إلى الحرب على غزة؟

على من يلعب نظام الأسد؟ ألا يكفيه أنه استقطب بطريقة أو بأخرى العديد من الرموز العربية وجعلهم يقتنعون أنه نظام مقاوم وممانع؟ مع أنني بحثت ونقبت كثيرا في مراحل النضال العربي ولم أجد لنظام الأسد بصمة واحدة، بل كل ما وجدته عبارة عن هيلمان وكذب وادعاء.

يعز علي ما يحدث في سوريا، هذا البلد الذي وصل إلى الاكتفاء الذاتي يوما، لكن نظام الأسد ينحر سوريا على مذبح العمالة والخيانة. حتى أنه ولو من أجل إنقاذ ماء وجهه لم يجرؤ على حشد جيوشه ضد إسرائيل ولاستعادة الجولان!! بل قامر بالتوجه إلى الحدود التركية!!

لابد من كشف الحقيقة، وهي أن نظام الأسد لم يتحرك ضد تركيا إلا بالتنسيق والتشاور مع وجه العملة الثاني إسرائيل اللقيطة التي لم تكن لتوجد لولا أمثال الأسد الأب ومن سبقه من حكام سوريا بعد الجلاء الذين اتفقت معهم الوكالة اليهودية :"غضوا الطرف عن فلسطين وسندعمكم في باريس لنيل الاستقلال"هؤلاء الساعون إلى السلطة ولو على حساب دمار الأمة!

وهذا يعني أن تركيا التي تجرأ أردوغان على اتخاذ موقف من إسرائيل، وجدت نفسها عدوة لإسرائيل ونظام الأسد، ولأن إسرائيل لا تجرؤ على استفزاز تركيا أو الدخول معها في حرب، أوعزت لعميلها الأسد أن يقوم بهذه المهمة، لأنها ليست في وارد الندم على عميل لها قبل أن يحرق نفسه بنفسه!

======================

لماذا تقارن الخسائر المادية بالخسائر البشرية في سورية؟!

يوسف الكويليت

الرياض

7-12-2011

  الأردن، والعراق، ولبنان ترى أن مقاطعتها لسورية ستضر باقتصادها، ونسيت تلك الدول أن سورية هي من بادر بتأزيم أوضاعها طيلة عقود طويلة، وقد استخدمت في سياستها ليس دعم مواقفها الخاصة بل لعب دور الآخر دون مراعاة لروح الأخوة العربية التي ترفع شعارها كدولة في قلب الأمة..

فأثناء أيلول الأسود في الأردن عام ١٩٧٠م دخلت القوات السورية إلى قلب القطر الشقيق الأردن تعزيزاً لعرفات، وبأوامر من صلاح جديد الذي دفع الثمن بانقلاب حافظ الأسد عليه وسجنه مع رئيس الوزراء آنذاك..

لبنان منذ السبعينيات، وإلى خروج القوات السورية كان محتلاً بواجهة حكومية لبنانية لا تأمر ولا تنهى إلا بموافقة الدولة المحتلة، ولم تخرج قواتها إلا بضغط دولي كاد أن يأخذ تدابير حادة معها..

العراق مع صدام حدث انشقاق الحزب الواحد للبعث، وهاجرت القيادة القومية إلى بغداد، وكانت القطيعة حادة إلى حد التآمر بين النظامين بإسقاط أحدهما لصالح الآخر، وبعد صدام كانت دمشق المقر والمعبر للمتطوعين العرب وغيرهم عندما قامت سورية بتدريبهم وإرسالهم للقاعدة، بل هي من احتضن أعضاء حزب البعث العراقي لتشكيل المعارضة ضد حكم بغداد.. فهل موقف تلك الدول جاء تأييداً مبطناً للنظام بلغة استجداء المصالح الاقتصادية؟

ورغم تباين سياسات البلدان الثلاثة، إلا أنها تتعامل مع مشروع الجامعة العربية بما يشبه خيبة الأمل، فكيف تتم مقايضة دم شعب يقود مظاهرات سلمية ويتعرض للإبادة بعشرات الملايين، وما هو رد فعل الشعب السوري لو استطاع اقتلاع قلاع الحكم، وما مدى رسم علاقات إيجابية مع بلدان دعمت وساهمت في تأييد النظام لسبب أناني فقط؟

لقد انشق العرب بعد مقاطعة مصر بعد سلامها مع إسرائيل ونقل مقر الجامعة العربية لتونس، وانقسموا حول احتلال الكويت من قبل قوات صدام بين فرحٍ، وآخر ضد ذلك التصرف المجنون ما تسبب في أضرار لتلك البلدان بفقدانها معونات ودعم الكويت لها بما في ذلك توظيف العديد من العمالة العربية في دوائرها الرسمية والأهلية، فهل يتكرر السيناريو ويفشل القرار العربي؟

الحكومة السورية هي من عاقبت شعبها بقطع المستلزمات الحيوية من مياه وكهرباء وملاحقة المصابين ومنعهم من دخول المستشفيات، والموقف العربي ناتج عن قيمة أخلاقية بتضامنه مع الشعب السوري، لا تسييس هذا الجانب، أو الإضرار بدول عربية أخرى..

الموقف التركي ظل أكثر إيجابية من موقف الدول الثلاث بتضامنها مع دول الجامعة رغم خسائرها المادية التي تفوق غيرها، لكنها أدركت أن النظام لايمكن ردعه إلا بتضامنٍ بينها وبين العرب، وهو وعي متقدم بكسب الشعب أمام سلطة لا تراعي أبسط القواعد الأخلاقية..

العقوبات ليست موجهة ضد الشعب السوري، ولا لاقتطاع مبادلات تجارية مع دول الجوار لسورية، بل كان الاتجاه من أجل الحد من جنون السلطة ووضعها في مواجهة مع أمة عربية لها كلّ الحق في الوقوف ضد أي مظالم يتعرض لها المواطنون.

سورية تقف في مفترق الطرق، فهي لا تقبل الحلول العربية إلا من خلال ما تريده، والأمور تتعقد، ولعل التعامل مع النظام بالصيغ المتقلبة بات أمراً مستحيلاً، والخاسر في النهاية هو النظام، لا الشعب..

======================

مستقبل الثورات: مخاوف وآفاق

د.خالد الحروب

تاريخ النشر: الأربعاء 07 ديسمبر 2011

الاتحاد

الذين توقعوا أو لا يزالون يتوقعون أن تتحول الأمور في بلدان الثورات إلى جنات عدن بين عشية وضحاها كانوا ولا يزالون غارقين في الوهم. فالفساد والاستبداد اللذان دمرا تلك البلدان على مدار عدة عقود لا يمكن إصلاح آثارهما في وقت قصير. والشعوب نفسها التي حُرمت من الحرية والتعايش المشترك على مبدأ الندية وليس فوقية شريحة واستبدادها ببقية الشرائح تحتاج هي الأخرى زمناً لا غنى عنه كي تتقن ممارسة الحرية من دون اعتداء على الآخرين ومن دون الانزلاق إلى مهاوي استبداد جديد. صحيح أن لحظة "ميدان التحرير" ولحظات الميادين الأخرى مثلت التتويج المثالي لالتفاف الشعوب حول بعضها وتضامنها وإسقاطها للدكتاتورية. لكن تلك اللحظة لا تستديم كونها مغرقة في المثالية. روعتها تكمن في قدرتها الخارقة على توحيد الشعب على هدف مرحلي واحد هو إسقاط النظام. وبعد سقوطه يتلاشى ذلك التلاحم وتعود التنافسات الطبيعية بين المجموعات المختلفة للظهور وتطبع المشهد. بل أكثر من ذلك، تأخذ هذه التنافسات والصراع بين المجموعات والأحزاب المختلفة أشكالاً أكثر حدة لأنها تتم الآن في مناخ الحرية وليس القمع. وهذا كله شيء طبيعي، لكنه بالنسبة للمجموع العام من الرأي العام محبط ومربك ومحير ومثير للخوف على الحاضر والمستقبل، ويدفع جزءاً من الرأي العام للترحم على أيام المستبد حيث كانت الحياة "مستقرة"! "مستقرة"، نعم لكنه كان استقرار الاستبداد وليس استقرار الحرية، أو "استقرار القبور" باستعارة توصيف صادق جلال العظم.

الحاضر المباشر لما بعد الثورة هو الارتباك والفوضى المؤقتة. الإقرار بهذا يخفض من سقف التوقعات ويعقلن فهم التغيرات السياسية والاجتماعية الحادة ويضعها في إطار التحول التاريخي طويل الأمد وليس انتظار النتائج يوماً بيوم. ولهذا فالأمر بالغ الأهمية في فهم واستيعاب حاضر الثورات العربية هو موضعتها في سياق التحولات التاريخية العريضة، والانفكاك من اللحظة الراهنة وأسر التعثرات والتخوفات العديدة والتي يضخمها حلفاء الاستبداد المنقضي أو الذي ما زال قائماً، ويبثون الخوف عند الناس كي ينحازوا ل"استقرار الاستبداد" مرة أخرى.

تسببت عقود الاستبداد الطويلة في توليد طبقات من الفساد المريع في مجتمعاتنا وحرمتها من التطور الطبيعي ومواجهة واقعها ومشكلاتها وجهاً لوجه. كانت الآلية الوحيدة للاستبداد في حل المعضلات هي كنسها وإخفاؤها تحت السطح والتظاهر بأن كل الأمور على ما يرام. ليس هناك شعب يتمتع بهذه الخدعة الكبرى والتي مفادها أن "الأمور على ما يرام". تاريخ الاجتماع البشري والإنساني قائم على أن "الأمور ليست على ما يُرام"، وأن سيل المشكلات التي يواجهها البشر لا ينقطع. وتعريف السياسة يأتي من أنها الآلية المُستديمة التي تحاول حل ما يستجد من مشكلات أولاً بأول. طبعاً لن تُحل كل مشكلات البشر وإلا لتحولت الأرض إلى جنة مثالية. لكن السياسة الناجحة هي تلك التي تعمل على تفكيك أكبر المشكلات وأخطرها على أمن المجتمعات وتعايشها المشترك، وتحقق أكبر قدر من العدالة الاجتماعية والكرامة والمساواة.

الهدف الأول للنظام الدكتاتوري هو الحفاظ على نفسه وتأمين استمراره في الحكم، وليس المواجهة المباشرة مع المشكلات وحلها أولا بأول. وما يتم على مدار حكم الاستبداد هو تراكم تلك المشكلات ودخولها حقباً من التسويف الطويل الذي يأتي على البنية التحتية للشعوب والمجتمعات، ويعمل على مفاقمة المعضلات الكبرى وتجذيرها. هذا ما نراه الآن في عدد من الحالات حيث تنفجر القبلية والطائفية والجهوية والتعصب الديني فور سقوط النظام المُستبد. تثير هذه الانفجارات إحباطاً وخوفاً عميقاً ومبرراً، لكنها انفجارات لابد منها. إنها القيح الذي لا مناص من إسالته من الجرح حتى يتطهر ويتعافى. وفي النظرة إلى هذه الانفجارات وتقيحاتها يميل المزاج الشعبي في بلداننا إلى النفور والرهبة والهروب للأمام وعدم الاعتراف بها، وهي سمات جماعية من مواريث الحقب الاستبدادية الطويلة. وهذه كلها غرق في أسر اللحظة الراهنة والحاضر المرير على حساب الانحياز للتاريخ والمستقبل الذي تفتحه هذه الثورات وإسقاطها لواقع القمع والجبروت الذي يخفي المشكلات ولا يواجهها.

كل ما نراه الآن من فوضى وعدم استقرار هو نتاج طبيعي ومرحلة لابد من المرور بها إن أردنا الوصول إلى بلدان ومجتمعات قائمة على استقرار الحرية وتوافقات متكافئة بين الشرائح والمجموعات المختلفة داخل كل مجتمع. وليس هناك آلية سحرية يمكننا أن نستخدمها لحرق المراحل في هذه الحقبة. كان بالإمكان عبر عقود الاستقلال الطويلة أن تعمل الأنظمة التي ورثت الاستعمار على نقل المجتمعات والبلدان تدريجياً إلى دولة المواطنة والقانون والدستور، وبذلك توفر على نفسها وعلى مجتمعاتها مقامرة الانخراط في ثورات شعبية عارمة كالتي رأيناها. الشعوب والمجتمعات تميل بالطبيعة إلى آليات التغيير التدريجي والنمو والتطور الطبيعي إن كان ملموساً وحقيقياً ومقنعاً للغالبية. لكن في غياب ذلك كله، ومع سقوط الاستبداد في كل اختبارات بناء البلدان، وعقدا زمنيا بعد الآخر، تضيق خيارات الشعوب وتُدفع دفعاً نحو الخيارات القصوى، وتصبح الثورة مسألة حتمية، ومسألة حياة بالنسبة لهذه المجتمعات. حياة كريمة لكنها تأتي بعد مراحل صعبة ومريرة، أو البقاء في موت سريري مستديم تحت لافتة الاستقرار الموهوم. رهان الثورات العربية القائمة هو على المستقبل، ولا يعني هذا الهرب من الواقع، بل إن جذر الوصول إلى مستقبل صحي هو مواجهة مشكلات الواقع بعقلانية وصلابة وشجاعة وعدم الهروب منها.

======================

الأمم: موت وانبعاث

د.خالص جلبي

تاريخ النشر: الأربعاء 07 ديسمبر 2011

الاتحاد

مفهوم موت الأمم كان بالنسبة لي اكتشافاً مثيراً، وأدين لهذا المفهوم للمصدر الأول وهو القرآن الكريم حين يتحدث عن موت الأمم وليس الأفراد في الآية: "لكل أمة أجل فإذا جاء أجلهم لا يستقدمون ساعة ولا يستأخرون"، والثاني لمالك بن نبي حين قرأت كتابه "ميلاد مجتمع"، وكيف أن أمماً كثيرة عبر التاريخ ماتت والتهمتها أمم جديدة صاعدة، فقد ابتلعت روما في طريقها المجتمع القرطاجني والغالي والفرعوني، ولولا ضربة شامبليون بإعادة الحياة للغة الهيروغليفية لما عرفنا شيئاً عن بقايا تلك الأمة من أهرامات ومسلات ونقوش تزينها. والآن ومن خلال علم الفيلولوجيا والكربون المشع، لدينا معلومات شبه أكيدة عن عمر الأهرامات، وعدد العائلات التي حكمت، والسلالات التي جاءت، والانقطاع التاريخي باحتلال الهكسوس مصر 150 سنة، وفيها جاء يوسف إلى مصر، ومنه كرر القرآن كلمة ملك ولم يكرر كلمة فرعون، حيث إن موسى جاء في الألف الثانية قبل الميلاد، بعد هذا الانقطاع، كما ذكر القرآن: "ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات فما زلتم في شك مما جاءكم به حتى إذا هلك قلتم لن يبعث الله من بعده رسولا كذلك يضل الله من هو مسرف مرتاب".

شاهدي من هذا الاستطراد أن أقول إن الشعوب إذا وقعت في قبضة نظام شمولي استبدادي فمصيرها إلى الموت حسب قوانين الفيزياء والبيولوجيا، لكن ما حدث في العالم العربي يحكي قصة مختلفة. ومما يطمئنني على مصير سوريا، رغم شراسة "الحلف" الذي يواجه ثورتها، شاهد قوي من القرآن ومفاده أن ما يدفع الأمة على الحركة ويخرجها من رقدة العدم هو روح الله في الإنسان.

أعترف للقارئ أنني شخصياً كنت قد غسلت يدي من سوريا، وأنا من ولدت فيها وأحببتها وابتنيت لنفسي بيتاً جميلاً فيها عسى أن أرجع إليه بعد تقدم العمر، لكن مع كل غصة وحسرة من وطن لم يبق وطناً.

كل مرة كنت أدخل البلد أشعر أنني يجب أن أضع كرامتي على الحدود وعقلي في جيبي وأفتح كتاب النبات فأدرس وظائف النبات جيداً، أن أتحول إلى نبات!

أفهم الآن طبيعة الثورة السورية، وأنه لا يمكن خنقها ووأدها لأنها من روح الله الذي يعلم السر وأبقى ولا تنطفئ في قلب البشر روحه. لذا فالأمم تموت كما نرى، لكن مع هذا هناك حالات من اليقظة عجيبة بولادة روحية أخلاقية.

درس الثورة السورية كبير وكان يمكن أن يمضي بشكل مختلف، ولكن النظام أبى إلا أن يعمِّد ولادة هذا الطفل بعملية قيصرية نازفة.

الأهم، وهو ما يجعلنا نفهم موقف روسيا وإيران، أن الثورات لها فيروسات. خوف روسيا هو من انتقال ذلك الفيروس إلى بلاد القوقاز فتلتهب بحمى الثورة.

أما "حزب الله" و"حماس" وسواهما من حملة البارودة والطبنجة، فقد انتهى دورهم وجاء دور الشعوب التي ترفض الطاعة والانصياع للأنظمة. وقد جاء ذلك المفهوم في القرآن: "كلا لا تطعه". إن رفض الأوامر يعني كسرها وإنهاء السيطرة.

ليس عندي تفسير لتبني الشعوب العربية هذه الاستراتيجية. "قل إن ربي يقذف بالحق علامُ الغيوب". "قل جاء الحق وزهق الباطل"، "وما يبدئ الباطل وما يعيد".

======================

الكلمات وظلالها والعنف في الخطاب الرسمي السوري

عبد الحكيم أجهر

2011-12-06

القدس العربي

ثلاثية تقف مقابل ثلاثية، الواقع والحقيقة والتاريخ يقفون مقابل، الظل والوهم والعنف. هذا التجابه بين الثلاثيات يلخص واقع الإعلام السوري وذهنيته. فعلى مدى عقود اعتاد الخطاب الرسمي السوري الذي تنطق به وسائل الإعلام و تصريحات المسؤولين، على مبدأ أساس هو إنكار الحقيقة/الواقع. وفقاً لهذا الخطاب لا يوجد أزمات في سورية، لا اقتصادية ولا سياسية ولا مؤسساتية ولا تعليمية ولا صحية ولا فساد...... لم يُدرّب أصحاب هذا الخطاب أنفسهم على الانخراط في علاقة مع الحقيقة، بل طالما لجأوا إلى إنكار أو تجاهل أي حدث يمس واقع أداء رأس السلطة و الأجهزة الأمنية.

جاءت أحداث درعا في آذار 2011 صادمة للنظام السوري الذي لم يكن يتوقعها إطلاقاً، إذ طالما اعتبر نفسه مُحصّناً بأجهزة أمن قوية وبأيديولوجيا الممانعة. لأول مرة يواجه النظام حقيقة ساطعة وحاضرة لا يمكن إنكارها، الأمر الذي اضطره للاعتراف بها، إلا أن اعترافه لم يكن صريحاً ولا شفافاً، إنما جاء مصحوباً بظلال من الكلمات التي تهيمن على حقيقة الحدث وتشوهه في الوقت نفسه. في الخطاب الأول اعترفت بثينة شعبان على خجل بتمرد أهل درعا ولكنها أرفقته بالكلمة الظل (المندسين). جاء بعد ذلك خطاب بشار الأسد في مجلس الشعب ليكون خطاب ظلال بامتياز، حيث توسع بالظل ومدّه ليحجب الحقيقة بطريقة شبه كلية، أكثر مما فعلت بثينة شعبان. ارتد خطاب بشار الأسد إلى الطريقة التقليدية في الإنكار وأضاف إلى ذلك بدائل أخرى من الكلمات الظلية، مثل قوله: إن سورية تتميز بوحدتها الوطنية وتماسكها، واستخدم كلمة (فتنة) عدة مرات لوصف ماحصل، وهي من أكثر الكلمات استخداماً من قبل الفقهاء وامتلاء بمعنى الظل. إذن ليس هناك معارضة وتظاهرات بل فتنة، والشعب السوري وقيادته متحدان ومتفقان على الإصلاح الذي تأجل بسبب الضغوط والمؤامرات. ولعل أكثر ماجعل خطاب مجلس الشعب يحوم في الظلال هو تجاهله للحقيقة الكبرى في تعريف الإصلاح بطريقة محددة وواضحة. لقد ذكر كلمة الإصلاح وضرورته ولكن بطريقة عامة خالية من الدقة والمضمون، وأرفقها فوراً بظل آخر هو ضرورة عدم التسرع في إجراء الإصلاحات، الأمر الذي أجهض ما لم يُقل بعد، أو طمس ماهو مطموس أصلاً.

والإصلاح السياسي بالنسبة له قابل للتأجيل دائماً (لأنه لا يرتقي إلى ضرورة) تأمين طعام للأطفال (وكأن سورية في حالة مجاعة). الإصلاح السياسي ضروري ولكن بشروط، أن لايحصل تحت ضغط خارجي ولا تحت ضغط داخلي، وأن لايكون متقدماً على الوضع الاقتصادي، وأن لا يكون امتداداً لموجة هبت على المنطقة مثل الانتفاضات العربية. ولكن في الوقت نفسه سورية دائماً مستهدفة وهي دائما تحت الضغوط و دائماً في وجه المؤامرة، كما يقول الخطاب ذاته.

الظلال في هذه الكلمات تصبح معتمة جداً، لدرجة لم يعد من الممكن رؤية شيء سوى أن الإصلاح (الافتراضي) الذي تأجل من عام 2000 حتى انتفاضة درعا يمكن أن يبقى مؤجلاً إلى الأبد. لقد أعلنت هذه الظلال منذ البدء عدم النية بإصلاح جدي في سورية. في الوقت الذي أسهب الخطاب في الحديث عن تفاصيل مؤامرة افتراضية كبيرة تستهدفها.

ليس مهماً هنا أن نبحث عن البنية النفسية والذهنية للنظام وعدم جاهزيته أو عجزه عن الإصلاح، ولكن مايعنينا أكثر هو تناول الخطاب من زاوية الحقيقة والظل، وصناعة الوهم اللفظي وما يترتب عليه من ممارسة للعنف.

من خصائص خطاب الظلال أنه خطاب عنف بامتياز، لأنه ليس خطاباً واقعياً، بل هو خطاب يقف على تضاد مع الواقع، و يريد أن يجعل العدم حقيقة. يقول هيغل، إن كل ماهو عقلي واقعي، وكل ماهو واقعي عقلي. العقل والواقع يتحاكيان لأن الواقع هو الحقيقة، والعقل هو مركز اللوغوس والكلام، والخطاب السلمي هو خطاب يلتقط الواقع لأنه يجب أن يتناغم معه دون الغرق فيه. أما بالنسبة للخطاب السوري فالمسألة مختلفة تماماً، لأنه يقوم على مقولة: كل ماهو ظل أو وهم يجب أن يصبح حقيقة وواقعاً. مع خطاب مجلس الشعب وبعده بدأت تنشط كلمات الظل وتصبح سيدة لغة الإعلام السوري مع تراجع كلمات الحقيقة رغم شحوبها، بدأت تبهت كلمات مثل: مطالب مشروعة، إصلاح، حوار، لتتسع دائرة كلمات الظل: العصابات المسلحة، المؤامرة، العصابات السلفية. وقد حافظ النظام بكل قوته على خطاب الظل رغم عدم قدرته على تعريف مفردات هذا الخطاب أو تحديد هويتها. العصابات الإجرامية لا صور لها ولا خطاب ولا واقع، إنها مجرد كلمات اُشتقت من الظلال وغرقت فيها، وكذلك كلمة المؤامرة التي صنع النظام أكداساً من الأوهام حولها دون أي أساس واقعي، إلقاء القبض على ضباط اسرائيليين، السيطرة على بارجة ألمانية، إنشاء إمارة سلفية...... ، لكن كل ذلك كان وهماً.

إن التمسك بالظلال لا يجعل الشخص واهماً فقط، بل عنيفاً أيضاً، لأن الواهم في هذه الحالة ليس مريضاً بل هو صانع قصدي للوهم وسيسعى إلى تطويع الواقع بكل الطرق ليصبح مطابقاً لوهمه. كان على أجهزة الأمن حسب المقولة الظلية السورية أن تصنع واقعاً يطابق الكلمات المشتقة من الفراغ، وأن تزيح الواقع من واقعيته والحقيقة من حقيقتها. قامت عناصر الأمن بقتل عناصر من الجيش، وقام التلفزيون السوري بإلغاء الواقع والحقيقة كلياً، فلم يعرض على مدى ثمانية شهور صورة مظاهرة واحدة تنادي بإسقاط النظام، رغم أن هذه المظاهرات بلغت في الثمانية أشهر آلافاً وبلغ عدد المتظاهرين في المدة نفسها ملايين. بالنسبة للنظام بكل أركانه الإعلامية والأمنية وتصريحات مسؤوليه، لا وجود للحقيقة، وكل من يقول بها هو مشارك بالفتنة والمؤامرة، خصوصاً الفضائيات التي سُميت بفضائيات الفتنة، وأنها غرف عمليات للمؤامرة، لسبب واحد أنها اقتربت من الحقيقة وألقت بالشكوك على خطاب الوهم الذي يستند على العدم.

بعد فترة من الأحداث حسم النظام أمره ولم يعد لديه إلا الظل والوهم. كلماته، خطاب وتصريحات مسؤوليه، صور تلفازه، مناصريه. . . . . كله يتكلم لغة واحدة، لغة الظل المصنوعة من الوهم.

يقول بشار الأسد في آخر لقاء صحفي له مع الصندي تايمز، لا يوجد مظاهرات في سورية، فقط عصابات إجرامية، وإن عدد القتلى المدنيين الذين قُتلوا هم سُبع الرقم الحقيقي، أي واحد من سبعة من الرقم الذي طرحته منظمات حقوق الإنسان والأمم المتحدة والنشطاء السوريون، وهؤلاء المدنيون قتلوا بطريقتين، إما بأخطاء من رجال الأمن، أو باستهداف مقصود من العصابات المسلحة، بينما عدد قتلى الجيش أكبر من عدد المدنيين وقتلوا كلهم قصداً من العصابات الإجرامية. في هذا اللقاء يعلن بشار الأسد أن الشعب السوري هو مجرد عصابات إجرامية وذلك عندما نفى وجود مظاهرات، وأن المؤامرة الكونية على سورية هي الشيء الوحيد الذي يفسر كل مايحدث، بالنسبة له.

لقد وصل هذا الخطاب الغارق في الظل إلى درجة من العنف صار يبرر قتل الشعب السوري، وصار دعاة القتل ينادون بذلك أسوة بقائدهم دون تقية، فقد ارتفعت المطالبات بقتل المتظاهرين وارتكاب مجازر أكبر بشكل صريح جداً في وسائل الإعلام السورية، بعد أن قيلت مرة واحدة قبل ذلك على لسان أحدهم على قناة الدنيا، وصارت الفضائيات والصحف السورية مكاناً مفتوحاً للدعوة الى ارتكاب مجازر جماعية بحق الشعب الذي ينفذ مؤامرة خارجية خطيرة. خطاب الظل والوهم لا يتردد في خلط الأشياء ونقلها من حقائقها إلى نقائضها، الشعب المتظاهر أصبح شيطاناً رجيماً، والنظام هو البراءة المستهدفة من كل القوى السوداء في العالم، وبالتالي فالنظام يمتلك الحق في ممارسة القتل على شكل مجازر يومية.

لقد غابت تماماً بعض الاعترافات الخجولة بالحقيقة التي ترددت في المرحلة الأولى من الأزمة بعد تشويهها، لصالح اللغة المصنوعة من الوهم والظل. هذه اللاعقلانية المفرطة في التعامل مع الأزمة السورية والتي تتبناها فئة مصابة بخوف مرضي من الآخر، ستحاول جر البلد إلى كوارث كبيرة، وإلى تدميره وتقسيمه من أجل أن تجعل وهمها حقيقة، وهي تعتقد أنها تنجح في ذلك. سورية اليوم تقف بمواجهة مجموعة صانعة للوهم تمسك سلاحاً فتاكاً تحاول بعنف غير مسبوق التعامل مع التاريخ بمنطق إخضاع التاريخ، على عكس الدرس الهيغلي، ولكن التاريخ أكثر صلابة من أن يحني رأسه لإرادة الوهم. قد نختلف على تفسير التاريخ ولكنه في النهاية من الحقائق الكبرى التي تفرض نفسها في نهاية المطاف، والتي تفضح دائماً أخطاء من حاول القفز فوقه وتجاهله.

======================

الجزائر والسير عكس التيار

محمد كريشان

2011-12-06

القدس العربي

يبدو أن الجزائر لا تريد أن تستخلص شيئا مما جرى ويجري في البلاد العربية منذ الإطاحة ببن علي في كانون الثاني/يناير الماضي. لم تكتف الحكومة الجزائرية باتخاذ مواقف فاترة أو مناهضة لكل ما حدث في تونس ومصر وليبيا واليمن وسورية بتبريرات مختلفة بل ها نحن نراها هذه الأيام تعمد في أكثر من مجال على السير عكس ما يمكن أن يسمى إصلاحا سياسيا حقيقيا حتى في ربوعها.

آخر ما سجل في هذا السياق إعلان الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني الجزائرية الحاكم عبد العزيز بلخادم أن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة هو مرشح الحزب للانتخابات الرئاسية المقبلة في العام 2014 'إلا إذا رفض الأخير ذلك'. لم يكن مطلوبا أصلا أن يتطوع أحد في الجزائر إلى القول منذ الآن، وقبل سنتين على الأقل، بأن رئيسهم الحالي سيكون هو نفسه رئيسهم المقبل. لو كان المطلوب إعلانه من الآن هو القول إن بوتفليقة لن يكون مرشحا بعد عامين لعرف أن لهذا التبكير في التصريح وجاهته. كان ذلك يمكن أن يعني فتحا لآفاق تغيير من الأفضل أن يجري من الآن التفكير فيه وربما الخوض في تفاصيله. كان ذلك يمكن أن يفهم على أن البلاد عازمة على الدخول في عهد مختلف يقوم على التغيير الهادئ الذي يمكن أن ينطلق من الآن ويكون تتويجه اختيار رئيس جديد لها عام 2014.

تصريح بلخادم لجريدة 'الخبر' الجزائرية مختصره هو التالي: لا تنتظروا تغييرا في أعلى رأس هرم الدولة بعد عامين إلا إذا تكرم الرئيس نفسه بذلك. يجري ذلك مع أنه لم يعد خافيا الجدل الدائر في البلاد حاليا حول الوضع الصحي للرئيس ومدى أهليته للاستمرار في تحمل أعباء مسؤولياته الجسام فكيف بتبشير الشعب من الآن بأن من هو محل جدل اليوم هو نفسه الذي سيكون مرشحا بعد عامين؟!! طبعا دون أن نغفل أن بلخادم لم يكلف نفسه حتى مجرد الإشارة الإيمانية العابرة إلى أن ذلك يمكن أن يكون إذا ما أمد الله في الأعمار.

ما يزيد في ترسيخ الانطباع بأن آفاق التغيير السلمي الديمقراطي في الجزائر طريقه مسدود تقريبا هو تلك الكلمات التي قالها أيضا السيد بلخادم تسخيفا لثورات شعوب كاملة ضد الاستبداد والفساد. لم يكتف بلخادم برفض تسمية الحراك الذي تشهده الدول العربية بالثورات، فهذا من حقه على كل، لكنه تساءل بنوع من التسطيح المقصود عمن يقف وراء ''فيسبوك''، متناسيا أن الأغلبية الساحقة التي خرجت ثائرة على ظلم بن علي ومبارك والقذافي وصالح والأسد لم تعرف في حياتها معنى هذه الكلمة. صحيح أن فئات من الشباب تزيد أو تقل في هذا البلد العربي أو ذاك لجأت إلى هذا الأسلوب العصري في النضال والتعبئة والتواصل عبر الإنترنت ولكن من غير الصحيح ولا الدقيق ولا المنصف أن نختزل ثورات شعوب عربية ضد عقود من الدكتاتورية والفساد في هذا الموقع الشهير. ومع التقدير لخصوصية التجربة التي عرفتها الجزائر عام 1989 وفتحت باب التعددية رغم انقلاب العسكر على إرادة الناخبين عام 1990 ومصرع أكثر من مائة ألف جزائري، إلا أن ذلك لا يعطي الحق للسيد بلخادم في عقد مقارنات ليست في محلها بالمرة ليصل إلى استنتاج مسبق لديه مفاده ببساطة أن 'ما قام به الجيران ليس عملا بطوليا'!.

و مما يرجح أن تصريحات السيد بلخادم المثبطة لآمال التغيير في بلاده والمستخفة به في غيرها قد لا تكون بالمرة تصريحات شخصية أن البرلمان الجزائري المجتمع بالأمس الثلاثاء يتجه إلى إقرار قانون يشدد شروط إنشاء الأحزاب السياسية عوض تسهيلها. يحدث هذا رغم ما وعد به الرئيس بوتفليقة نفسه في 15 نيسان/أبريل الماضي من إجراء إصلاحات سياسية شاملة، منها تعديل قانون الأحزاب وخمسة عشر قانونا آخر. وطالما لم تصدر تصريحات أخرى مختلفة من شخصية جزائرية قيادية تعكس بالأساس توجه المؤسسة الحاكمة، وعلى رأسها العسكر، إلى فتح اللعبة السياسية وليس المزيد من تضييقها، فإن الجزائر تتجه حتما لمزيد من الاحتقان المنذر بالكثير.

======================

نصر الله وظهوره المتحدي

رأي القدس

2011-12-06

القدس العربي

ظهور السيد حسن نصر الله زعيم حزب الله العلني والمباشر لمخاطبة جماهيره في لبنان، وليس عبر شاشة تلفزيونية كما جرت العادة طوال السنوات الماضية يوحي بأحد امرين اساسيين، الاول ان يكون الرجل في قمة ثقته ورباطة جأشه، والثاني ان يكون قد دخل مرحلة استشهادية وقرر ان يكون في الواجهة صامدا متحديا جميع اعدائه، سواء داخل لبنان او في خارجه.

كلا الاحتمالين وارد، بل قد يصعب التفريق بينهما، فالاول يكمل الثاني ويتماهى معه، ولكن تظل هذه الظاهرة، ظاهرة التحدي، فريدة من نوعها في مثل هذا التوقيت بالذات، الذي بات الكثيرون يعتقدون ان وضع حلفاء ايران وسورية ليس قويا، في ظل اعمال الانتفاضة الشعبية المتصاعدة في التراب السوري، وتهديدات الجامعة العربية المتزايدة، والحصارات الغربية المكثفة والمتلاحقة.

ربما اراد السيد نصر الله، في مثل هذا الظهور المفاجئ في نوعيته وجرأته، ان يوصل رسالة الى انصاره اولا، وفي يوم عاشوراء بالذات، تؤكد لهم ان الحزب ما زال قويا متحديا، ولخصومه بانه مستعد لمواجهة لا يخشاها او يخاف منها وتبعاتها، ولحلفائه في سورية بانه ما زال يقف في خندقهم بقوة، يقود معركتهم نيابة عنهم، او بالتنسيق معهم، في مواجهة الرماح الموجهة نحوهم من كل الجهات.

لم يكن مفاجئا، ان يصب السيد نصر الله جام غضبه على الدكتور برهان غليون رئيس المجلس الوطني السوري، الذي قال انه سيقطع علاقة سورية بحزب الله وايران اذا وصل الى سدة الحكم بعد الاطاحة بالنظام السوري الحاكم، فخصوم النظام في دمشق هم خصوم حزب الله، واطاحة النظام في سورية هي مقدمة لانهاء الحزب وتهميش دوره في الساحة اللبنانية، من خلال نزع اسلحته او اغراقه في حرب اهلية.

كثيرون وجهوا اللوم الى السيد نصر الله لانه لم يساند الانتفاضة السورية، ولم يمارس ضغوطا على النظام السوري للتجاوب مع المطالب المشروعة للمواطنين الثائرين المطالبين بالكرامة والاحترام والحقوق الديمقراطية والحريات المتفرعة عنها، وكان بعض هذا اللوم او معظمه، في محله تماما، ولكن السيد نصر الله مثل انصاره، وقطاع لبناني عريض، ما زال يعتقد ان النظام السوري هو الوحيد الباقي بين الانظمة العربية الذي يدعم المقاومتين اللبنانية والفلسطينية، وهو اعتقاد بات موضع جدل وتشكيك في اوساط الكثيرين ايضا، سواء من منطلقات طائفية، او لعدم الاقتناع بمثل هذه المقولة من الاساس.

السيد نصر الله بانتقاده الدكتور غليون واتهامه بالوقوف في الخندق الامريكي واجنداته ضد سورية، وامتداح النظام السوري وممانعته في المقابل وضع نفسه بالكامل في مواجهة المعارضة السورية والجامعة العربية، وخلف النظام السوري في الوقت نفسه، وهذا خيار يجب الاعتراف بشجاعته، وان اختلف الكثيرون معه. والشجاعة هنا تأتي من التبعات الخطيرة التي يمكن ان تترتب عليه.

قد يجادل البعض بانه ليس امام السيد نصر الله غير هذا الخيار، فلم يعد امامه خيارات اخرى، وهذا الجدل صحيح، ولذلك ليس من المستغرب ان تتم ترجمة خيار شمشون هذا الى خطوات عملية لالقاء عود ثقاب في منطقة عربية ملتهبة ومشبعة بالمواد المتفجرة.

======================

المتاهة والمأزق

الاربعاء, 07 ديسيمبر 2011

عبدالله إسكندر

الحياة

متاهة جديدة تدخل فيها الأزمة السورية، ومعها الخطة العربية للحل، عبر دفاتر الشروط المتبادلة، والتغافل عن ان الهدف الأساسي للتحرك العربي هو وقف القتل في الداخل السوري، وليس الجدل حول سيادة سورية ووحدتها ووحدة اراضيها. واي انزلاق عربي، او خارجي عموماً، الى هذا الجدل او السعي الى ضمانات للحفاظ على هذه السيادة يعني استمرار القتل في الوقت الضائع، ومراكمة اسباب تعقيد الحل السلمي أكثر مما هو معقد، إن لم يكن بات مستحيلاً.

واضح ان الجهد السوري الرسمي، عبر تبادل الرسائل والمذكرات لانقطاع الاتصالات المباشرة، بعد تجميد عضوية دمشق في اجهزة الجامعة العربية، يهدف اساسا الى الدخول في متاهة الجدل النظري في شأن السيادة وكيفية العمل مع المراقبين... إلخ، وتالياً تأخير تنفيذ هذه الآلية اطول مدة ممكنة وتطويقها بجملة من الاجراءات، بما يجعلها غير ذات قيمة مع استمرار السلطات السورية في النهج الامني الذي يبدو وحيدا امامها في التعامل مع الحركة الاحتجاجية، مع ما يتضمنه ذلك من مواصلة القتل اليومي الذي تتصاعد ارقام ضحاياه مع مرور الايام.

ويبدو ايضا ان هذا التعامل الرسمي السوري مع الازمة بات مكشوف الاهداف لاعضاء اللجنة الوزارية العربية، ومعهم الامين العام للجامعة. وبحسب المعطيات الاولى، فمن غير المرجح ان تتعامل اللجنة مع الشروط السورية لتوقيع بروتوكول المراقبين، لا بل يُعتقد بأن دمشق وضعت هذه الشروط وهي تدرك سلفاً عدم قبولها، وتالياً توفر لها هذه الخطوة مبرراً سياسياً لإلقاء اللوم على العرب بعدما اتهمت بعضهم بالتآمر ضدها. وتوفر مبرراً داخلياً للاستمرار في الحل الامني. ولو كانت السلطات السورية ترغب فعلاً في التعاون مع خطة الجامعة، لعمدت فوراً ومن دون انتظار المراقبين، الى اخلاء الشوارع من القوات الامنية والشبيحة وإعادتها الى ثكناتها، وسمحت بالتظاهر السلمي. وعند ذلك تتكشف حقيقة «المجموعات المسلحة» ومدى دورها في الحركة الاحتجاجية وأهدافها، إن وجدت فعلاً.

تمتنع السلطات السورية عن تأكيد حسن نيات تسعى الى إظهارها. لا بل تدفع الوضع الى هذه المتاهة عمداً، لعلها مع الوقت تستطيع كسر ارادة المحتجين وترغمهم بقوة الاعتقال والتنكيل والخراب والقتل على الرضوخ لها والتخلي عن مطالبهم، وذلك في الوقت الذي تحاول الظهور فيه مظهرَ المتعاون مع جهود وقف القتل.

لكنها في ذلك ترتكب اخطاء في التقدير، ومن هذه الاخطاء الاساسية انها تراهن على صدقيةٍ هي مفقودة بالكامل، فكل مناوراتها باتت معروفة ومقروءة جيدا من الجميع، ولم يعد احد يصدق كل البلاغة التي تبذلها في مجال الدفاع عن ذاتها. ومنها ايضا عدم التقاط معنى هذه الدماء الغزيرة التي أسالتها آلة القتل الرسمية، وما ادى اليه ذلك من تقلص لمساحة التسامح معها الى ادنى حد ممكن.

وهذا ما يجعل تجذر شعارات الحركة الاحتجاجية على الحكم ورجالاته يترافق مع العقوبات الخارجية على الممسكين بآلة القتل، وما يعنيه ذلك من استحالة ان يستمر هؤلاء في مواقعهم مهما صدر من كلام ووعود عن اصلاحات لم يعد يصدقها احد، وستزداد صعوبة تصديقها مع مرور الوقت واستمرار القتل. وليواجه الوضع الداخلي مأزقاً مزدوجاً، سواء في ايجاد الحل السياسي العام او في لحمة المواطنة التي بدأت نذر تفككها تتواتر أكثر فأكثر.

======================

الجغرافيا السورية... «ثروتها» ونقمتها

الاربعاء, 07 ديسيمبر 2011

رستم محمود *

الحياة

سيبقي الحدث السوري الراهن آثاراً عميقة على طبيعة البلد ومستقبله ودوره. لكنه، كما يظهر من القراءة الأولية، سيحوله ساحة تصارع بين الدول الإقليمية الأكبر، لتحدد هي الخيارات السياسية المستقبلية للكيان السوري.

فإما أن تبقى سورية جزءاً في محور «الممانعة» الإقليمي، تابعة ورديفة للنفوذ الإيراني، الذي يقود هذا المحور. أو أن تتحول نحو تركيا وخياراتها السياسية الكبرى، في التحالف الأملس مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ومحور «الاعتدال» العربي. لكن في الحالتين، يبقى الموقع المتوقع أن تحجزه سورية في كلتا القاطرتين، هو موقع الوصيف، أو حتى أقل من ذلك. فلو خرج النظام السياسي الحاكم راهناً، من محنته الحالية وبقي في المحور الإيراني، فإنه سيفقد جزءاً كبيراً من رصيده في تلك «الشراكة»، لأن إيران ونفوذها وأدواتها الإقليمية، ستكون السبب الرئيس في بقائه واستمراره. وفي طرف آخر، لو استطاع المنتفضون السوريون قلب طبيعة النظام، فإن سورية ستدخل طوراً من الخيارات الاقليميّة الشبيهة بحالتها السابقة، وإن بدلت إيران بتركيا، فهذه الأخيرة، ستكون اهم دافع لذلك في التبدل في رأس القيادة، وبذلك ستتحول سورية الى لاحقة في الدور الإقليمي لتركيا وخياراته السياسية.

تلك «الرديفية» تبدو مثل شرط محتوم، للشكل الذي سيتمظهر به الكيان السياسي في المستقبل القريب. كما أنها تأتي لتعيد إنتاج نموذج تقليدي سيطر على التعريف السياسي للكيان السوري، في عقدي الخمسينات والستينات من القرن المنصرم. فسورية تحولت الى مركز للصراع بين القطبين الهاشمي (المتمثل بالعراق والأردن) والدولة المصرية، ثم الى حلبة للتنافس السياسي التقليدي بين المملكة العربية السعودية ومصر الناصرية، لتعود مرة أخرى كمركز للمواجهة بين المشروعين القوميين المتمثلين بعبدالناصر وعبدالكريم قاسم. حيث كانت تلك الرغبات «الاستحواذية» على سورية، مصدراً لجملة الهزات السياسية الكبرى التي مُنيت بها في تلك العقود، من انقلابات وتحالفات وصراعات داخلية... الخ.

كان العصر البعثي، خصوصاً عهدي الأسد الأب والإبن، قد حوّل سورية نوعاً ما، إلى لاعب ذي وزن وخيار في جملة الحساسيات السياسية في المنطقة، وانتشلها من موقع الكيان المتصارع عليه. لكن ذلك لم يتم، من دون تجفيف الداخل السوري، وتحويل سورية إلى كائن سياسي إقليمي محض ومتحجر. فحتى تستطيع سورية تفادي الاشتغال الإقليمي بقواها الداخلية، ألغت حياتها السياسية الداخلية. وحين تحاشت ابتزاز القوى المحيطة الاكبر منها، عسكرت المجتمع والحياة المدنية العامة في داخلها. ربما لم يجر ذلك بوعي تاريخي مبرمج، لكنه بالتأكيد كان الثمن الذي دفعه الكيان والمجتمع السوري لحماية نفسه.

وكأنه شرط مغلق للكيان السوري، لا فكاك منه. فإما أن تغرق سورية في التجاذبات الإقليمية، وتندرج في واحد منها، قابلة فقدانها ذاتيتها ومشروعها الخاص. أو التحجر والالتواء على نفسها كخيار صلب لحفظ نفسها. هذا الشرط – النقمة – الذي حكم طبيعة الدولة السورية منذ تأسيسها، جاء نتيجة لثلاثة محددات، تبدو كأنها «ما فوق سياسية» ومرتبطة بالموضع الجغرافي - الديموغرافي لسورية.

أولاً: شاءت الصدفة التاريخية، أن تكون سورية الدولة الأضعف في المثلث الأضعف، من المثلثين اللذين يرتبان السياسة في منطقة الشرق الاوسط، وفق الرؤية النظرية الشهيرة لوزير الخارجية التركي الحالي أحمد داود أوغلو. فالمثلث الكبير يضم تركيا ومصر وإيران، التي تتبادل في ما بينها أدوار القوة والنفوذ الاستراتيجي. بينما تبقى العربية السعودية وإسرائيل وسورية مضمونة كمثلث أصغر ضمن المثلث الأكبر السابق الذكر، في تلك التجاذبات الإقليمية. ويظهر من خلال معاينة بصرية مباشرة، مدى صغر الحجم الحيوي وكمية العائدات والوزن الديموغرافي الذي تستحوذه سورية مقابل صلابة تلك الكيانات، وإن في المثلث الأصغر؛ لذا فإنها مرشحة دوماً، كعنصر يسهل الاستحواذ عليه من باقي الأطراف في المثلثين.

ثانياً: أضفى الوجود الإسرائيلي، كقضية سورية في الأساس، الكثير من الرمزية والحيوية على معنى الكيان السوري. فسورية هي الدولة التاريخية التي تكونت إسرائيل ضمن فضائها الجغرافي، وأثرت بعمق في مجتمعها التاريخي، وليست مصر أو أية دولة أخرى. لذا فإن الوجود الإسرائيلي، ببعده الرمزي والديني والقومي، للعرب وعموم المسلمين، هو الذي أعطى سورية قيمة سياسية ورمزية، تفوق إمكاناتها الحقيقية. فكان التهافت للسيطرة على الكيان السوري، مادياً أو سياسياً، يشغل بال كل الكيانات الدولتية العربية والإسلامية. وذلك كي تتمكن من ضبط التصارع مع إسرائيل، والتحكم بالقيمة الرمزية البالغة والاستفادة منها. هذا الأمر قد يضفي شرعية لن تكون متوافرة دوماً مع ذلك الاستحواذ. وبذلك، فإن الطاقة الرمزية للكيان السوري التي كانت تفوق طاقته الفعلية المادية، أربكت حجمه الكياني، وفتحت شهية باقي الدولة الأكبر منه.

ثالثاً: لم يكن ليتم ذلك ويترتب، لولا تركيبة المجتمع السوري. فهذه الدولة التي ركبت وفق معادلات سياسية عالمية وإقليمية بعيد الحرب العالمية الأولى، حوت في مجتمعها السكاني الداخلي، كل مجموعات الطيف الإثنيّ والدينيّ والطائفيّ، الذي تتألف منه الدول الإقليمية المحيطة بها. وهي حالة يمكن أن تخلق قوة أحياناً، لكنها في أحيان كثيرة قد تغدو سبباً لرخاوة كيانية، خصوصاً في حالة تفاقم الصراعات مع إحدى الدول الإقليمية التي تملك شبه «جاليات» سكانية ضمن الكيان السوري.

منذ الأزمنة الغابرة، كانت الحضارتان النهريتان القويتان، مصر النيل وعراق ما بين النهرين، تتجاذبان «بلاد الشام» بعنف. فكانت الفلسفة والسياسة والأديان من المنتجات «الخفية» للمجتمع السوري التاريخي، كي تتجنب التكسر بين الجارين اللدودين القويين. ولأجل ذلك، كانت تلك المنتجات أهم ثروات المجتمع السوري تاريخياً، منتجات تبتغي الاحتراس قبل أي شيء آخر.

* كاتب سوري

======================

الدفع بالأزمة السورية إلى مجلس الأمن

صحيفة الجزيرة

7-12-2011

يرى العديد من خبراء السياسة والمحللين بأن الموقف المتردد لجامعة الدول العربية والذي يعود إلى انقسام وزراء الخارجية العرب في اجتماعاتهم المتكررة في مقر الجامعة لبحث الوضع في سورية قد أطال أمد الأزمة وعقَّد الحل.

تردد جامعة الدول العربية باتخاذ موقف حاسم وحازم لمعالجة الوضع الشاذ في سورية، والذي سببه تمترس أنظمة عربية معينة ضد أي إجراء عربي جماعي ضد الأنظمة التي تقتل شعبها، لأنها هي في الأساس تمارس الدور نفسه، ولذلك فقد عمدت هذه الأنظمة ومن خلال وزراء خارجيتها إلى تمييع موقف جامعة الدول العربية، وعملت ومن خلال وجود وزير خارجية دولة عربية قام بدور محامٍ لنظام بشار الأسد، واستطاع أن يعرقل أي إجراء جاد يجعل النظام يستجيب للجهود العربية وردعه عن قتل شعبه، وذلك بمنح المهل الزمنية التي تواصلت أكثر من شهر فيما تستمر عمليات القتل، وأمام تحفظات واعتراضات ذلك الوزير الذي شجعه «حيادية» وزراء آخرين، إلى أن يعمل على تفريغ قرارات اللجنة الوزارية التي شُكّلت لمعالجة الوضع في سورية. وبمقدار ما كان رئيس اللجنة رئيس وزراء قطر ووزير خارجيتها وأمين عام جامعة الدول العربية يعملان من أجل تفعيل قرارات اللجنة العربية وتنفيذ بنود مبادرتها، يعرقل ذلك الوزير تنفيذ بنود المبادرة وإعطاء النظام السوري مزيداً من الوقت لتفعيل الخيار الذي يسير عليه منذ بدء الأزمة، وهو الخيار الأمني. وبقدر ما كانت اللجنة تعطي النظام السوري مهلاً زمنية إضافية، كان يستغلها النظام لقتل المزيد من الشعب السوري، وإضافة شروط تعجيزية لتفريغ المبادرة من أي تأثير إيجابي لحل الأزمة، حتى أصبحت اللجنة الوزارية ومن ثم جامعة الدول العربية أسيرتين لشروط النظام السوري، وتحفظات محامي النظام العضو الوزاري في اللجنة الوزارية. وهذا ما جعل اللجنة الوزارية وجامعة الدول العربية عاجزتين عن فعل أي شيء، وهو بالضبط ما يريده النظام السوري حتى يكمل ما يعتقد أنه الحل الذي يكفل بقاءه جاثماً على صدر الشعب السوري حاكماً بالقتل ومن خلال عناصره الأمنية وقواته العسكرية وفرق «الشبيحة».

هذا الوضع الذي لا يخدم الشعب السوري بدليل سقوط عشرات الشهداء يومياً برصاص عناصر النظام، والذي يعتقد نظام بشار الأسد وحلفاؤه بأنه يخدم إستراتيجيتهم بإطالة الوقت لتنفيذ الحل الأمني، يفرض على جامعة الدول العربية واللجنة الوزارية المختصة بمعالجة الوضع في سورية أن تعلنان بوضوح عجزهما عن إعادة النظام السوري إلى طريق الصواب، وأن تعلنا بكل وضوح بأنه إن لم تنفذ بنود المبادرة العربية بلا أي شروط أو تحفظات، سوف ترفع القضية برمتها إلى مجلس الأمن الدولي وأن يُدَوَّل الملف السوري بعد أن عجز العرب عن حله.

======================

الأزمة السورية والتعقيدات العراقية

عثمان ميرغني

الشرق الاوسط

7-12-2011

موقف العراق الرسمي، ولا أقول الشعبي، من الثورات والانتفاضات العربية عموما ومن الانتفاضة السورية على وجه الخصوص، لا يبدو محيرا فحسب، بل معيبا؛ إذا نظرنا إليه من زاوية أخلاقية. فالعراق الذي عانى من الاستبداد والقمع فترة طويلة، كان حريا به أن يكون الأكثر تعاطفا ودعما للشعوب التي تنتفض من أجل الحرية والحقوق والعيش الكريم. لكن موقف الحكومة العراقية ابتعد كثيرا عن مثل التوجه، وبدا ناقدا بل رافضا لما عرف ب«الربيع العربي»، خصوصا بعد اندلاع الأزمة السورية، وإن ظهر تباين في الموقف الرسمي بين كتلة المالكي والتحالف الكردي الذي التزم بالموقف الحكومي الرسمي، لكنه لم يخف في تصريحاته الصادرة من كردستان تأييده للثورات العربية، وتعاطفه مع الانتفاضة السورية.

هذا التباين داخل الائتلاف الحكومي ليس إلا جزءا من مشهد بالغ التعقيد تتداخل فيه الاعتبارات الداخلية بالوضع الإقليمي والتجاذب الطائفي الذي طغى، للأسف الشديد، في المنطقة مع النفخ المستمر في ناره. ومثلما دفع الشعب العراقي في السنوات الماضية ثمنا باهظا لهذه الاعتبارات المتداخلة، فإن الشعب السوري المنتفض يجد نفسه ضحية لها.

اللافت أن موقف رئيس الوزراء العراقي، نوري المالكي، تمايز بعض الشيء عن الموقف الإيراني في بدايات «الربيع العربي». فطهران هللت للتغيير في مصر وتونس، بل إنها سعت لتبني هذه الثورات والإيحاء بأنها مستلهمة من الثورة الإيرانية عام 1979، وهو إيحاء واهم تماما، لأن الثورات العربية أقرب في الواقع وفي الزمن إلى «الربيع الإيراني» الذي تمثل في «الثورة الخضراء» التي قمعتها الحكومة الإيرانية بعنف شديد. لذلك لم يجد الموقف الإيراني الصدى الذي أرادته طهران، بل قوبل باستنكار لدى الكثيرين الذين اعتبروه محاولة مبكرة للركوب على الثورات العربية، ومناورة لاستخدامها ورقة في الصراع الإقليمي. وجاءت الانتفاضة السورية لتعري الموقف الإيراني تماما، إذ انسلخت طهران من ترحيبها المتحمس ب«الربيع العربي» لتنبري للدفاع عن حليفها في دمشق بمختلف السبل إلى حد اعتبارها هذا الدعم «واجبا دينيا»، مما أعطى لموقفها وجها طائفيا، إضافة إلى أن وصفها المتكرر لما يحدث في سوريا «بالمؤامرة» يضع الأمر في سياق التجاذبات والصراعات الإقليمية.

أما المالكي فقد انتقل من الترحيب ب«الربيع العربي» إلى الهجوم عليه باكرا عندما وجد نفسه، في فبراير (شباط) الماضي، في مواجهة مظاهرات شعبية واسعة بدا واضحا أنها متأثرة بالثورتين التونسية والمصرية، وإن كانت مطالبها تركزت على القضاء على الفساد وتحسين الخدمات وإجراء إصلاحات اقتصادية وسياسية. وعندما اتسع نطاق المظاهرات في «يوم الغضب» الذي امتد إلى العديد من المحافظات، خرج المالكي في خطاب يدعو الناس إلى عدم المشاركة في الاحتجاجات التي وصفها ب «المريبة»، ملمحا إلى بقايا البعثيين وربما إلى بعض معارضيه الآخرين، قبل أن يعلن عن إجراءات للتصدي لها، مما أدى إلى وقوع عشرات القتلى برصاص قوات الأمن. «يوم الغضب» الذي دفع البرلمان العراقي إلى الدعوة للجنة تحقيق في الأحداث وإلى إعلان تفهمه لمطالب المحتجين، لم يكن يتيما، إذ أعقبته سلسلة مظاهرات في «جمعة الكرامة» و«جمعة الحق» و«جمعة المعتقلين» وغيرها، قبل أن تنحسر تدريجيا بعد شهور.

المهم أن تلك الأحداث دفعت رئيس الوزراء العراقي لاتخاذ موقف مناهض ل«الربيع العربي» على خلاف الحليف الإيراني الذي رأى فرصة في هذا «الربيع» لاستغلالها في الصراع الإقليمي. لكن هذا التمايز في المواقف لم يدم طويلا، إذ عاد الطرفان للتلاقي في الأحداث السورية

حكومة المالكي التي لسعتها الانتقادات سعت جاهدة لتبرير مواقفها الأخيرة في اجتماعات الجامعة العربية بشأن سوريا، ولرد الاتهامات التي وجهت إليها بأنها اتخذت هذه المواقف بضغط من إيران، قائلة إن العراق لا يتبع لأي دولة، وإنه اتخذ مواقفه بناء على مصالحه الوطنية. إلا أن هذه التصريحات لم تقنع الكثيرين الذين يرون أن المالكي وكتلته البرلمانية سايرا الموقف الإيراني، وتأثرا بالحسابات الطائفية التي باتت تلقي بظلالها على الأزمة السورية. فرئيس الوزراء العراقي الذي حذر في مقابلة قبل أيام من حرب أهلية إذا سقط نظام الأسد، وجد نفسه يسوق المبررات الطائفية لهذا التحذير. فعلى الرغم من قوله إن حكومته أبلغت النظام السوري أن زمن حكم الحزب الواحد والطائفة الواحدة قد ولى، فإنه أتبع ذلك بقوله إن إزاحة نظام الأسد بأي شكل سيؤدي إلى صراع داخلي «بين مجموعتين وإلى حرب أهلية ستؤدي إلى تحالفات في المنطقة»، مشيرا إلى أن العراق عانى من حرب طائفية، ولذلك يخشى على مستقبل سوريا والمنطقة برمتها.

هذا الكلام يوضح أن الحسابات والمخاوف الطائفية ليست بعيدة عن الأذهان في المواقف من الأزمة السورية. ورغم أن الكثيرين يحاولون تغليف هذا الأمر بالعبارات الدبلوماسية، فإنه من المستحيل حجب الشمس بغربال. مقتدى الصدر كان أكثر وضوحا في الحديث من المنظور الطائفي، عندما هاجم الجامعة العربية لمساندتها «لما تسمى الثورة السورية وهي ثورة مسلحة تستهدف المواطنين والعسكريين وتعمل بمنهج طائفي مقيت»، على حد تعبيره.

في وسط هذه التجاذبات بدا موقف التحالف الكردي محرجا بالنظر إلى التباين بين تصريحاته المؤيدة ل«الربيع العربي» والمتعاطفة مع الانتفاضة السورية ومسايرته للموقف الحكومي المعارض لقرارات الجامعة العربية الأخيرة. فالأكراد يرون في أي تحول ديمقراطي فرصة لدعم حقوق الأقليات، لكنهم في الوقت ذاته يمشون بحذر في الملف السوري مراعاة لوضع الأكراد هناك، وفي الوقت ذاته يجدون أنفسهم محشورين بين تضارب المصالح بين تركيا وإيران، ومضطرين لمراعاة الحساسيات الداخلية في العراق إزاء الملف السوري.

المشكلة للانتفاضة السورية أنها لا تواجه فقط تعقيدات المشهد العراقي، بل وضعا إقليميا لا يقل تعقيدا.

======================

مدينة الحرية!

ميشيل كيلو

الشرق الاوسط 7-12-2011

لا تكون ثورة الشعب ضد نظام الاستبداد إلا ثورة من أجل الحرية. إذا كانت شيئا آخر، فإنها لا تكون ثورة ولا تحقق الأهداف التي تحققها الثورة.

والثورة السورية لا هدف لها، كثورة، غير الحرية. إنها ليست ثورة طبقة ضد طبقة، أو طائفة ضد طائفة، أو جهة ضد جهة، أو قبيلة ضد قبيلة، أو زعيم ضد زعيم، أو حزب ضد حزب.. الخ. بل هي ثورة هدفها إخراج الشعب من عالم الاستبداد ونظامه، فهي إرادة شعب سلب حريته طيلة قرابة خمسين عاما، يضحي زرافات ووحدانا منذ قرابة ثمانية أشهر من أجل استردادها كاملة غير منقوصة، فهي إذن ثورة سيفيد منها كل سوري، بما في ذلك الذين لا يشاركون فيها أو يعارضونها، وأكاد أقول إن أهل النظام أنفسهم سيفيدون منها، لأنهم سيكتشفون، عندما تقوم سوريا الحرة، كم كانت خسارتهم كبيرة بسبب الاستبداد، وكم أفقدهم إنسانيتهم ووطنيتهم، عندما جعلهم عبيدا له وأوهمهم أن حريتهم في عبوديتهم له.

عندما لا تكون ثورة شعب مضطهد معذب من أجل الحرية، فإنها لا تكون ثورة ولا تستحق اسم الثورة. لذلك، لا حاجة إلى القول: إن «هوجة» طائفية أو تحمل سمات طائفية لا تكون ثورة ولا تأتي بالحرية، بل تحمل في رحمها استبدادا جديدا، كثيرا ما يكون أشد لؤما وشراسة من الاستبداد القائم. وعندما يكون الصراع قتال منطقة ضد منطقة أو أيديولوجية ضد أيديولوجية أو مذهب ضد مذهب، فإنها لا تأخذ من يخوضونه إلا إلى عبودية مضاعفة. ولأن الشعب السوري قام بثورته من أجل الحرية، فإنه لا يستطيع السماح لأحد بأخذها إلى غير هدفها الوحيد: الحرية، كي لا تضيع تضحياته سدى، ويعانى الأمرين من فشله الأكيد والقاتل. لا عجب، إذن، أن ينبذ الشعب من يريدون زجه في فتن طائفية أو مذهبية، ويعلن في بداية ثورته شعارا رائعا هو: «واحد واحد واحد.. الشعب السوري واحد»، ويكرر مع حادي الحرية الشهيد إبراهيم القاشوش: «سوريا بدها حرية»، ويرفض طيلة أشهر الثورة الأولى حمل السلاح أو التقاطه من الشوارع التي ملأها رجال الأمن بالبنادق والذخائر، لإغرائه بأخذها واستعمالها، دون أن يفلحوا في ذلك ولو مرة واحدة. ولا عجب كذلك أن الشعب أدرك بفطرته السليمة أن الأمن يريد قلب ثورته السلمية من أجل الحرية والمواطنة والدولة الديمقراطية والمساواة إلى عنف يضيع هدفها الأصلي: الحرية، فيمكنه عندئذ تشويه نضاله ومقاصده النبيلة، والقول بأنه لم يكن يريد الحرية والخلاص من الاستبداد، بل الفوضى والحرب الأهلية. لم يسقط الشعب في الفخ، لأن أبناءه يرون في الآخر والمختلف حليفا في معركة الحرية، ويرفضون اعتباره عدوا لا بد من القضاء عليه في معارك طوائف أو جهات أو قبائل أو مناطق أو أي معارك أخرى.

رفض الشعب في كتلته الكبرى تحويل معركته من نضال في سبيل الحرية إلى اقتتال بين مكوناته وواجه محاولات تمزيقه بوحدته الوطنية وتماسكه، رغم ما فعلته السلطة منذ يوم الانتفاضة الشعبية الأول وحتى اليوم، وبذلته بعض القوى والتيارات من جهد لدفعه في هذا الاتجاه القاتل. ولعل تجربة مدينة حمص تمثل مرآة تعكس مواقف الطرفين المتصارعين: السلطة بسعيها إلى تحويل نضال الشعب في سبيل الحرية إلى اقتتال طائفي ومناطقي، والشعب، الذي أفشل مساعيها، وتمسك باستماتة بهدفه العظيم: الحرية بما هي مبدأ للجميع، بغض النظر عن الجهة أو الطائفة التي ينتمي المرء إليها، والعقيدة التي يعتنقها. أدركت حمص بحسها الأصيل، الذي كان وراء نضالها الأسطوري ضد الاستبداد وتضحياتها الغالية جدا على قلب كل إنسان حر في العالم بأسره، ما يريده النظام، فقاومته وعملت على إحباطه وإفشاله. لقد فعلت ذلك ليس فقط لأنها وعت مركزية دورها ومكانتها من الثورة في سبيل الحرية، بل لأنها تعلم أن هدفها هذا لا يتفق مع أي شيء دونه أو يتعارض معه، وأن الحرية لا تقبل أن يخالطها ما لا يتفق وهويتها الإنسانية، وفي مقدمها الطائفية والمذهبية. بهذا الفهم، ردت بوحدة بناتها وأبنائها على محاولات السلطة تشويه نضالها في سبيل الحرية، فألفت لجانا مشتركة تضم ممثلين عن جميع أطيافها وقفوا كالسد المنيع في وجه محاولات السلطة والقلة القليلة التي تشبهها في الشارع من دعاة الطائفية والمذهبية، وأثبتوا أن المدينة سترد كيدهم إلى نحورهم وستواصل نضالها إلى أن تنال الحرية: لها وللشعب السوري، الذي تتقدم نضاله ببسالة ستبقى في ذاكرته إلى الأبد.

استهدف النظام النضال الشعبي من أجل الحرية في حمص: حيث بلغ ذروته، متوهما أنه سيتمكن من إثارة فتنة تقوض الثورة في كل مكان، وتحرفها عن غايتها الحقيقية، فيدعي عندئذ أن مجموعات إرهابية مسلحة تضم طائفيين إرهابيين سعوا إلى قتل بنات وأبناء وطنهم، وكانوا سينجحون في تنفيذ جرائمهم لو لم يقم هو بمنعهم من ارتكابها!. بهذا المعنى، تنقذ حمص برفضها الانزلاق إلى الاقتتال الطائفي أو المذهبي الثورة والحرية في سوريا، وتقدم خدمة لشعبها وللعرب وللعالم يصعب اليوم تقدير أهميتها، بل إنه يمكن القول إن مصير سوريا والحرية يتوقف على حمص وما تختاره، وهي لن تختار بالتأكيد غير ما اختارته دوما، وخاصة منذ بدء الانتفاضة: الحرية ولا شيء غير الحرية.

بلغت ثورة الحرية ذروتها في حمص، فليس معقولا أو مقبولا أن تنحدر من هناك إلى حضيض الطائفية، التي يرى النظام فيها أداة تمكنه من نقل المعركة إلى داخل المجتمع، بعد أن كانت خلال الفترة الفاصلة بين المجتمع وبينه، لكن حمص تحبط مساعيه كي تواصل مسيرتها الظافرة نحو الحرية، التي جعلت منها رمزا للشجاعة والتضحية في سبيل هذه القيمة الإنسانية العليا، يحمل العالم بأسره له أصدق مشاعر الإعجاب ويراقب بانبهار بطولاته التي لا يصدق عقل أن بوسع بشر القيام بها، لكن الحرية ما إن تسكن روح إنسان حتى يصير غير قابل للقهر أو للهزيمة.

يا حمص، يا مدينة الحرية، لا تسقطي في كمائنهم، وليكن لك ما أنت أهل له: مجد الحرية!

..إلى نجاتي طيارة

==========================

قراءة في الإخوانوفوبيا

محسن صالح

الجزيرة نت 5/12/2011

أخذت ظاهرة الخوف من "الإخوان المسلمين" أو التخويف منهم شكلاً أكثر بروزًا مع ربيع الثورات العربية. وتوافقت على ذلك شخصيات واتجاهات وأحزاب مختلفة معظمها ذو خلفيات يسارية أو ليبرالية أو مرتبط بجهات رسمية، بالإضافة إلى المخاوف المعتادة التي تصدر عن الإسرائيليين والأميركان ووسائل الإعلام الغربية.

وهذه الظاهرة ازدادت مع تصدُّر الإخوان لقيادة التغيير في مصر وتونس واليمن والأردن، ودورهم القوي في ليبيا وسوريا. مع الإشارة إلى حجم الدور الذي يلعبه تيار الإخوان الفلسطينيين الممثل في حركة حماس.

التخويف من الإخوان يكون عادة باعتبارهم عنوانًا للإرهاب والتطرف أو عنوانًا للانغلاق والرجعية والظلامية، أو عنوانًا لمعاداة الحريات وحقوق المرأة، أو عنوانًا للدولة الثيوقراطية وللديكتاتورية باسم الدين.

ولا يخلو الأمر من اتهامات بالعمالة والانتهازية وعدم استيعاب الواقع، وعدم القدرة على تقديم برامج حقيقية لإدارة الدولة والمجتمع والعلاقات الخارجية.

والملفت للنظر أن بعضًا من هذه الاتهامات، لو كان صحيحًا، يكفي وفق نظريات علم الاجتماع والسياسة لأن يندثر الإخوان أو يتحولوا إلى تنظيم هامشي صغير، لا يحفل به الآخرون.

أما أن تتمتع هذه الجماعة بحيوية ودينامية هائلة تجعلها التيار الأول والأوسع جماهيرية في البلدان التي تتوق للتغيير والنهضة والتحرر والديمقراطية والازدهار، بالرغم من مرور أكثر من ثمانين عامًا على إنشائها، فإن هذا يضع الاتهامات وعمليات التخويف موضع نظر أو تشكك، إلا إذا أراد البعض أن يضع علوم الاجتماع والسياسة.. نفسها موضع نظر!!

هناك أسباب عديدة خلف بروز ظاهرة "الإخوانوفوبيا"، أهمها الجهل بفكر وأدبيات الإخوان المسلمين، إذ إن الكثير من أصحاب الكتابات التي نقرؤها حول الإخوان والكثير من متصدري الحديث عنهم في الإعلام، ممن يصفون أنفسهم بالخبراء، لا يكلفون أنفسهم عناء قراءة كتب مؤسس الإخوان حسن البنا ولا الكتب المعتمدة من الجماعة.

 

وهؤلاء يخلطون، بحسن نية أو سوء نية، بين القراءات المجتزأة وبين ما ينسبه الآخرون من خصوم وأعداء للإخوان، وبين تصريحات أو سقطات أو فلتات لسان لأشخاص محسوبين على الجماعة، لكنهم لا يمثلون خطها الرسمي المعتمد.

فتتشكل عن الإخوان صورة نمطية غير موضوعية، في الوقت الذي لا تتاح فيه للإخوان فرصة التعريف بأنفسهم بالدرجة نفسها التي تتاح للآخرين، بينما يكتفي الإنسان العادي بما يسمع ويشاهد.

وكثيرًا ما يتم التركيز مثلاً على كتابات سيد قطب دون غيره من مفكري الإخوان، ويتم تقديمه باعتباره "أبًا" للفكر التكفيري، دونما اعتبار للظروف الموضوعية التي كتب فيها سيد كتاباته، مع نزع العديد من نصوصه عن سياقها.

ولكن قراءة علمية متأنية لفكر سيد قطب تُظهر أنه وإن كان قد استخدم عبارات قوية وحادة في وصفه للأنظمة القائمة وضرورة تغييرها، فإنه لم يكفر الأفراد ولا المجتمع، وأنه شجع الاختلاط بالناس والتعامل معهم بروح العطف والاستيعاب والرحمة.

ولم يكن يدعو أبدًا عندما دعا إلى "العزلة الشعورية" إلى الانعزال عن الناس وهجرتهم، وإنما قصد احتفاظ المسلم في بيئة غير ملتزمة بمشاعر الإسلام وبخلقه ودينه وسلوكه.

وكان ينبغي قراءة سيد بمجمل كتاباته في "تفسير الظلال" و"أفراح الروح" و"العدالة الاجتماعية في الإسلام"، وليس من خلال قراءة انتقائية مجتزأة لبعض النصوص في كتاب "معالم في الطريق" أو غيره.

ومع ذلك فإن كثيرًا من كتّاب الإخوان ومفكريهم قاموا بأدوار كبيرة في توضيح ما علق بأية أفكار متطرفة منسوبة إلى سيد، مؤكدين على الخط الوسطي المعروف لأهل السنة.

ومن ناحية ثانية يبرز الاختلاف الأيديولوجي أحدَ أسباب الظاهرة، إذ إن الدولة الحديثة المعاصرة في العالم العربي والغربي تبنت أنظمة علمانية تفصل الدين عن الدولة، هذا إن لم تكن معادية للدين نفسه، واستندت إلى أيديولوجيات قومية واشتراكية وليبرالية ويسارية ووطنية.

وفي الوقت الذي استطاعت فيه التيارات التي تقود الدولة الحديثة إخضاع واستيعاب تيارات التديّن التقليدي، فإنها وجدت نقيضًا وتحديًّا كبيرًا من تيارات الإسلام الحركي التي يتصدرها الإخوان والتي تقدم رؤى تغييرية وإصلاحية جادة تستند إلى المرجعية الإسلامية، وتملك الكثير من الرموز والكفاءات المستوعبة للواقع ومتطلبات العصر والمستوعبة أيضا لتطلعات شعوبها.

وهي بغض النظر عن مدى قدرتها على تنفيذ برامجها، شكلت كابوسًا للآخرين، بسبب انتماء أو تعاطف قطاعات واسعة من المجتمع مع رؤيتها.

ولأن عددًا من التيارات القومية واليسارية والليبرالية ربطت بين نفسها وبين الحداثة وتشكيلات الدولة العلمانية الحديثة التي نشأت في الغرب على هذه الأسس، فإنها وجدت في التيار الإسلامي الحركي نبتًا نشازًا يخالف العلمانية لجمعه بين الدين والدولة، وينتمي إلى ما تسميه عصور "الحكم الديني" وعهود "السلاطين والجواري"!! وربطت بينه وبين التخلف والرجعية والظلامية دون أن تدرك (أو دون أن ترغب في الإدراك) أن التيار الإسلامي الحركي يقدم قراءة نقدية واعية لعصور التخلف ولأشكال الحكم الوراثي والمتسلط التي ظهرت باسم الإسلام.

كما أن هذا التيار يفرق بين الإسلام بحيويته ونضارته وصلاحيته لكل زمان ومكان وبين التطبيقات السيئة التي ظهرت باسمه في عصور التخلف.

 

أما السبب الثالث فيعود إلى حملات التشويه المبرمج والدعاية المعادية التي تعرض لها الإخوان سنوات طويلة في العديد من البلدان العربية، وخصوصًا في أثناء حكم عبد الناصر في مصر خلال الفترة 1954-1970، حيث تم اتهام الإخوان بالعمالة والرجعية ومعاداة المد القومي والوطني وما إلى ذلك.

وفي الوقت الذي كانت حكومات عربية وأجنبية وأحزاب مختلفة ترعى "شيطنة" الإخوان في كافة وسائل الإعلام، كان الإخوان يعانون من المطاردات والملاحقات الأمنية ومحاولات الاجتثاث والتهميش، ولا يُسمح لهم بالدفاع عن أنفسهم أو توضيح وجهات نظرهم.

وهذا ينطبق فترات طويلة على بلدان كمصر والعراق وسورية وليبيا... وكان هناك بعض الاستثناءات في بعض البلدان لكنها كانت محدودة الإمكانات والتأثير.

ومن جهة رابعة فإن القراءة الانتقائية المتعمدة لتاريخ الإخوان وتجربتهم أضفت مزيدًا من المخاوف تجاههم، كإنشائهم التنظيمات السرية والعسكرية، واغتيال رئيس وزراء مصر السابق النقراشي باشا، ومحاولة اغتيال عبد الناصر...

وهذه القضايا كان لها ظروفها الموضوعية، وبعضها جرى تضخيمه ولم تثبت صحة بعضها الآخر، لكن كثرة ترداد هذه المقولات جعل تداولها يتم وكأنها حقائق مُسلَّمة.

فمثلاً لا يذكر الكثيرون ممن يكررون هذه الاتهامات أن التنظيم الخاص الذي أنشأه الإخوان في مصر سنة 1940 كان هدفه طرد الاستعمار البريطاني من مصر ودعم الجهاد في فلسطين وغيره وهو ما قام بممارسته فعلاً أثناء حرب 1948، وفي أثناء المقاومة المصرية في قناة السويس 1951-1954. كما لا يتحدثون عن عشرات علامات الاستفهام التي شابت اتهامهم بمحاولة اغتيال عبد الناصر.

ومن ناحية خامسة، فإن خوف القوى الغربية و"إسرائيل" من "الإسلام السياسي الحركي" بسبب الخلفيات الدينية والثقافية والتاريخية والسياسية الغربية والصهيونية، وبسبب الخشية من صعود هذا التيار المعادي بشكل جذري ومبدئي للمشروع الصهيوني في فلسطين، وهو تيار يحمل مشروعًا حضاريا إسلاميا لا يتوافق بالضرورة مع معايير الدولة العلمانية المعاصرة وفق الرؤية الغربية، ويرفض الهيمنة الغربية على المنطقة، كما يدعو إلى تغيير أو إصلاح الأنظمة العربية الفاسدة والمستبدة المتحالفة مع الغرب.

 

كل ذلك جعل هذا التيار موضع "الفيتو" والعداء الغربي الذي لعب دورا كبيرا في تشويه صورة الإسلاميين على مدى العقود الماضية، كما تحالف مع الأنظمة القائمة لمنع وصولهم للسلطة، حتى باستخدام أدوات ترفضها المعايير والقيم الغربية كالديكتاتورية وقمع الحريات والتعذيب وتزوير الانتخابات.

وأصبحت أحد "أوراق الاعتماد" التي يقدم بعض حكام العرب بها أنفسهم للغرب قدرتهم على مطاردة الإسلاميين وكبحهم وتهميشهم. كما أخذت العديد من الأجهزة الرسمية وأجهزة المخابرات تُعظم من قيمتها وأهمية دورها في عيون الغرب، من خلال التخويف من الإخوان ومخاطرهم المحتملة.

أما الجانب السادس فهو متعلق بالإخوان أنفسهم فهم بشر لهم أخطاؤهم، ولهم ممارساتهم واجتهاداتهم التي قد ينجحون فيها أو يفشلون، وهناك من أعضائهم من لا يقدم الصورة الإيجابية المرجوة عنهم، وربما دفعت بعضهم المنافسات السياسية والخصومات الحزبية إلى نوع من استعداء الآخرين، وربما أدت الروح الحزبية والانتماءات التنظيمية إلى عدم القدرة على استيعاب الكفاءات والطاقات من خارج صفهم فضلاً عن استيعاب الناس العاديين أو خصومهم ومخالفيهم.

بل إن كثيرين من أعضائهم كانوا يستنكفون عن العمل خصوصًا بعد المرحلة الجامعية لأسباب مختلفة مرتبطة بالإحباط وعدم قدرة الجماعة على تلبية تطلعاتهم أو استيعاب طاقاتهم أو قديم رؤية مقنعة للتعامل مع التحديات التي يواجهونها.

وفي أحيان أخرى، ربما كان سقف الشعارات التي يرفعها الإخوان أعلى بكثير من إمكاناتهم ومن قدراتهم على تنزيلها إلى برامج عمل جادة. ثم إن توسع جماعة الإخوان في كلّ البلدان العربية وعشرات البلدان الإسلامية والعالمية أنشأ أجواء مختلفة من العمل والاجتهاد فيما بين الإخوان أنفسهم، وأظهر قدرات مختلفة في التعامل مع الظروف السياسية والاقتصادية والأمنية وفي طريقة تعاملهم مع الأنظمة وتعامل الأنظمة معهم.

وظهرت مسلكيات إخوانية تتراوح بين الاعتدال والتشدد، وبين المهادنة والمواجهة، وبين البطء والاستعجال، وبين القدرة على استيعاب الجماهير وقيادتها والفشل في فهم ديناميكيات العمل السياسي والاجتماعي والاقتصادي.

وربما ضاعفت الإمكانات التنظيمية والقدرة التعبوية الواسعة للإخوان من خشية قوى سياسية وشخصيات مستقلة من استحواذ الإخوان على ساحات العمل، وحرمان الآخرين من فرص عادلة في المشاركة وتحمل المسؤولية.

 

وبالإضافة إلى ما سبق أضفى لجوء الإخوان للعمل السري ومحاولاتهم أحيانًا اختراق القوات العسكرية في بلدانهم نوعًا من الغموض والمخاوف حول حقيقة برنامجهم وأهدافهم النهائية.

النماذج التي تم تقديمها للحكم الإسلامي في أفغانستان وإيران والسودان -والتي انشغل الإعلام الغربي والعربي في تقديمها على أنها نماذج فاشلة، والتخويف من قدوم الإخوان على أساسها- هي نماذج لا ننكر الحق في نقدها واستجلائها وعدم الدفاع عن أي من أخطائها.

ولكننا ننبه أيضا إلى أن هذه الأنظمة لم تلق فرصًا عادلة في الدفاع عن نفسها في وسائل الإعلام.

ثم إن الإخوان المسلمين يقدمون رؤية مختلفة لعملية الإصلاح وبناء الدولة عن تلك التي يقدمها "النموذج الطالباني" في أفغانستان، وعن النموذج الإيراني ذي المرجعية الشيعية.

وتبقى التجربة في السودان ذات خلفية إخوانية، ينبغي الوقوف عندها ومراجعتها، وإن كان الخط الحاكم في السودان قد انفصل عن التنظيم الدولي للإخوان منذ أواخر سبعينيات القرن العشرين، ولم يعد يمثل خطهم الرسمي المعتمد، غير أنه يعد امتدادًا لفكرهم وتيارهم بشكل أو بآخر.

وعلى أي حال، فإذا كان خصوم الإخوان يرفضون اتهام النماذج اليسارية والليبرالية والقومية التي يتبنونها، بحجة أنهم لا يتحملون مسؤولية التطبيقات السيئة لها، فمن باب أولى أن يقبلوا عدم تحمل الإخوان وباقي الإسلاميين مسؤولية أية تطبيقات سلبية للنموذج الإسلامي قام بها آخرون. وهذا يعني ألا يُعفى الإخوان من مسؤولية أية تطبيقات خاطئة قاموا هم بها.

ومن الملفت للنظر أن معظم أولئك الذين يقومون بالتخويف من الإخوان سواء كانوا ليبراليين أو قوميين أو يساريين أو غيرهم، جاءت تياراتهم إلى الحكم على ظهور الدبابات في عالمنا العربي، ولم يصل أي من أصحاب هذه التيارات بانتخابات حرة نزيهة مباشرة.

وينطبق ذلك على الاتجاه الناصري القومي الاشتراكي في مصر، وعلى نظامي البعث القوميين الاشتراكيين في العراق وسورية، وعلى الأنظمة التي رفعت شعارات يسارية واشتراكية كما في نظام اليمن الجنوبي ونظام النميري في السودان ونظام هواري بومدين في الجزائر، ونظام القذافي في ليبيا. كما ينطبق ذلك على نظام ولد الطايع في موريتانيا، ونظام علي عبد الله صالح في اليمن.

كذلك الحال بالنسبة للأنظمة نفسها -التي استمرت في استبدادها- حتى بعد أن أخذت تغيّر جلدها باتجاه الليبرالية وباتجاه الدخول في بيت الطاعة الأميركي. وبالرغم من أن القدوم على ظهور الدبابات قد لا ينطبق على بورقيبة عند استقلال تونس، فإنه ينطبق عليه وعلى خلفه بن علي عندما حكما في السنوات التالية باسم الجميع وغصبًا عنهم.

 

أما الأنظمة الوراثية فهي تحكم بنفسها ضمن خطوط معروفة بليبراليتها، وباستبعادها للخط الإسلامي الحركي وخصوصًا الإخوان. وقد تسمح للإخوان بممارسة العمل كما في الأردن والكويت ولكن ضمن سقف لا يمكن تجاوزه.

إن على الذين يقومون بالتخويف من الإخوان، من رافعي الشعارات الليبرالية والقومية واليسارية، أن يخبرونا في تجربة الستين سنة الماضية، عن أي نظام عربي حمل فكرهم، واحترم الحريات وحقوق الإنسان والتداول السلمي للسلطة!!

الأنظمة العربية بتياراتها وخلفياتها وشعاراتها المختلفة، التي كانت تخيف الآخرين من الإخوان ومن الإسلاميين، هي التي مارست قمع الحريات وزوّرت الانتخابات وأنشأت أنظمة مخابراتية وأقامت نماذج للظلم والفساد في بلدانها. وكان يجمعها حالة العداء للإخوان وللإسلاميين، فضلاً عن استعدائها لشعوبها، وعدم ثقتها بقدرتها على الصمود في أول اختبار حقيقي أمام صناديق الاقتراع.

لقد مارست الأنظمة قمع الحريات بحجة الخوف على الحرية، وقامت بسرقة السلطة بحجة الخوف على السلطة من الإسلاميين، وقامت بإنشاء أنظمة فاسدة ومستبدة بحجة الخوف من احتمال الوقوع تحت "ظلم" الإسلاميين.

وبحجة الخوف من "الضحية" كان الجلاد يقوم بالإمعان في إيذائها وتعذيبها. كان ذلك أمرًا خياليا ولكننا رأينا بأعيننا كيف كان ذلك يحدث في تونس ومصر وليبيا. وكيف كان يجد هذا الطرح منظّرين ممن يُسمّون مفكرين ورجال إعلام وأساتذة جامعات.

وتجدر الإشارة إلى أن معظم التيارات والأحزاب العلمانية اليسارية والليبرالية والقومية مارست زعاماتها سلوكا ديكتاتوريًّا على أعضائها، وشكلت لنفسها زعامات تاريخية هرمت، وهرمت تنظيماتها معها.

واستخدمت هذه القيادات أساليب الفصل والإقصاء وسرقة إرادة قواعدها الحزبية وتعطيل الانتخابات الداخلية.

وتظهر أي مقارنة علمية موضوعية أن الإخوان -وإن كانت لديهم مشاكلهم الداخلية- متقدمون بفارق شاسع عن غيرهم من الأحزاب في السلوك "الديمقراطي" الشوري الداخلي وفي العملية الانتخابية الداخلية والتصعيد القيادي الذي يسير بشكل منتظم كل ثلاث أو أربع سنوات في معظم أقطارهم. وهو من الأسباب التي مكنتهم من الحفاظ على تماسكهم واستيعابهم للمتغيرات والحضور الشبابي في أوساطهم.

 

حاولت الأنظمة الرسمية والتيارات المعادية للإسلاميين أن تثير فزع الناس من الإخوان باعتبارهم أعداء الحريات، وأنهم يستخدمون الديمقراطية لمرة واحدة كأداة ينقضّون بها على بنيان الدولة، ليقهروا بعد ذلك الناس باسم الدين.

وبالطبع فمن حقّ الناس على الإخوان وعلى الإسلاميين أن يوضحوا لهم فهمهم لهذه المسائل، ولكن الذي كان يحدث أن تكمم أفواه الإخوان ويُمنعون من التعبير بينما كانت تتوالى الاتهامات عليهم.

وكان يجري خلطٌ متعمد يحاول أن يربط الأيديولوجيات العلمانية الليبرالية والاشتراكية والقومية بالحريات وحقوق الإنسان، ويحاول أن يربط الطرح الإسلامي للدولة والمجتمع بمعاداة الديمقراطية والحريات وحقوق المرأة.

والإخوان (الإسلاميون بشكل عام) كانوا يرفضون هذا الخلط، إذ إنهم يرون في طرحهم الإسلامي استجابة حقيقية لإرادة الأمة التي اختارت أغلبيتها الساحقة الإسلام، وأنه يتوافق مع تراث هذه الأمة وثقافتها وتركيبتها النفسية والحضارية، وأنه بحسب رأيهم الأقدر على تعبئة الجماهير وطاقاتها في عملية البناء والتقدم، وفي معركة تحرير الأرض والإنسان.

وصحيح أن رؤية الإسلاميين لممارسة الحكم لا تتوافق تمامًا مع شكل الأنظمة الديمقراطية السائدة لأنهم ينطلقون من منظومة عقائدية وفكرية وحضارية مختلفة،ومن رؤية ناقدة لعورات النظام الغربي، تتمثل حسب رأيهم ببشاعة أنظمته الشيوعية، وجشع أنظمته الرأسمالية، وانحطاط أخلاقه في التعامل مع المرأة والأسرة والمجتمع، وانحرافه عن المنهج القويم الذي اختطه الله لعباده في الأرض.

كما يرون أن الأنظمة الديمقراطية العلمانية نفسها تختلف في تطبيقاتها للديمقراطية، وفي أنظمتها الملكية والرئاسية والبرلمانية، وفي انتخاباتها النسبية ودوائرها الفردية والجماعية، وفي مرجعياتها الثقافية والأيديولوجية.

وفي الوقت نفسه تخضع العديد من الديمقراطيات الغربية لنفوذ رجال الأعمال والشركات الكبرى ولوبيات الضغط الصهيوني والمسيحي المحافظ وأصحاب الشبكات الإعلامية، بحيث تصبح أقلية صغيرة هي المتحكِّمة في صناعة القرار في نهاية الأمر.

 

ولكن الإسلاميين في مجملهم يؤيدون الانتخابات الحرة النزيهة والتداول السلمي للسلطة، ويؤمنون بالتدرج وعدم الإكراه في الدين. أما إذا اختار الشعب برنامجهم ورؤيتهم فمن حقهم تطبيق هذا البرنامج، ومن حقهم على غيرهم أن يحترم الجميع إرادة الأمة.

ومن جهة أخرى، يتم التخويف من الإخوان من خلال الربط "غير البريء" بينهم وبين حركات التطرف والتكفير في عالمنا الإسلامي.

ويُتّهم الإخوان بتبني هذه الحركات أو بأن هذه الحركات خرجت من تحت عباءتهم. وبالرغم من أن للإخوان كتبهم وأدبياتهم التي تُعبِّر بشكل واضح عن مخالفتهم للأفكار المتطرفة والفكر التكفيري واستباحة الدماء، كما في كتابات حسن البنا وعبد القادر عودة ومصطفى السباعي وعبد الكريم زيدان والقرضاوي والغنوشي وفتحي يكن وفيصل مولوي... وغيرهم، فإن هناك إصرارًا غريبًا لدى خصوم الإخوان على تحميلهم مسؤولية الآراء الغريبة والشاذة.

وبالرغم من أن الإخوان وقفوا في وجه فكر "جماعة التكفير والهجرة" في مصر منذ ستينيات القرن العشرين، كما خالفوا فكر "القاعدة" وكانوا في العراق بالذات أحد أكبر ضحايا اغتيالاتها وعملياتها التفجيرية، فإن مخالفيهم ظلوا يتهمونهم بالتطرف والإرهاب وغيره.

إن المنطق يقول إن الإسلام الصحيح غير مسؤول عن كافة التيارات التي خرجت باسمه من خوارج وجهمية ومعتزلة وقرامطة... والمسيحية الحقة غير مسؤولة عن التطرف الصليبي والإكراه الديني ومحاكم التفتيش.

كما أن أفكار الثورة الفرنسية ليست مسؤولة بالضرورة عن قادتها الذين ذبحوا بعضهم بعضًا باسم الحرية والإخاء والمساواة، ومفكري الديمقراطيات الغربية في فرنسا وأميركا وبريطانيا غير مسؤولين عن السلوك الاستعماري البغيض لقادتهم السياسيين والعسكريين، وكارل ماركس ليس مسؤولا بالضرورة عن ممارسات لينين وستالين وماو تسي تونغ...

وهكذا، فالإخوان مسؤولون عن أنفسهم، ولا ينبغي أن يتحملوا مسلكيات أناس خرجوا عنهم، وخاصموهم وخالفوهم في الفكر والممارسة، بل ربما عادوهم وحاربوهم.

 

إشكالية التطرف التي تتهم الأنظمة بها الإخوان تتحمل الأنظمة نفسها جزءًا كبيرًا من مسؤوليتها. فعندما تُقام أنظمة ظالمة متحالفة مع الغرب ومتهادنة مع الاحتلال الإسرائيلي، ومحاربة لشعوبها، وتغلق أبوابها في وجه أي إصلاح حقيقي أو تداول سلمي للسلطة، فإنها تدفع الناس إلى درجات مختلفة من الإحباط والانفعال، وهو ما قد يؤدي ببعضهم إلى ردود فعل عنيفة وغير متزنة.

ولو أن هذه الأنظمة أوجدت أجواء صحية وبيئات حرية مناسبة لربما نزعت مبررات التطرف بأشكاله المختلفة. ثم إن التيار الساحق الأعم في الوسط الإخواني ووسط الإسلاميين استمر يمثل تيار الوسطية والاعتدال، حتى وهم يعانون ظروف قاسية من الظلم والتعذيب في السجون والمطاردات وأعواد المشانق.

ولعل كتاب "دعاة لا قضاة" الذي كتبه حسن الهضيبي المرشد العام للإخوان المسلمين الذي خلف حسن البنا، وهو في أصعب الظروف في السجن، يشير إلى الرؤية الوسطية المعتدلة للإخوان، التي اعتمدتها قيادتهم وربّت عليها قواعدها حتى في ظروف القهر الاستثنائية.

ومن الجوانب التي يتم تخويف الناس من الإخوان بسببها افتقادهم للبرنامج الحقيقي لإدارة الدولة، وعدم تقديمهم للحلول لمشاكل المجتمع.

وبالطبع فمن حق الناس أن تطمئن إلى قدرة الإخوان على تقديم رؤى وتصورات وبرامج جادة وحقيقية.

ولكن من الملاحظ أن هذه التهمة "موضة قديمة" تنقد أداء الإخوان ربما قبل أكثر من ثلاثين عاما. والذي يتصفح بشكل جاد البرامج الانتخابية للإخوان في العديد من الأقطار يلاحظ أنها تتميز بالشمول وتعالج معظم هموم الدولة والمجتمع بغض النظر عن مدى الاتفاق أو الاختلاف معها.

وقد استفاد الإخوان طوال السنوات الماضية من وجودهم القوي في الجامعات والنقابات المهنية وتقديم الآلاف من كوادرهم في شتى المجالات بالإضافة إلى آلاف آخرين انضموا إليهم من خريجي الجامعات الأجنبية.

وربما مثل قطاع التكنوقراط من الإخوان ومؤيديهم أحد أكبر القطاعات مقارنة بغيره من التيارات والأحزاب، وإن كان لم يحظ بفرص عادلة من العمل في مؤسسات الدولة بسبب "الحرب" التي تشنها مؤسسات الدولة عليهم في العديد من الأقطار العربية.

من ناحية أخرى، وبعد أكثر من خمسين عاما كان الإخوان فيها في معظم الأحيان ضحايا الأنظمة العربية، المتحالفة مع أميركا، يأتي البعض ليخوف بالإخوان على أساس أنهم حلفاء أميركا الجدد. لقد فرضت الثورات وفرض رجالها أنفسهم فرضًا في عملية التغيير، وهم الذين أسقطوا الأنظمة المتحالفة مع أميركا، وهم الذين جاؤوا رغمًا عن أميركا وحلفائها.

 

صحيح أن الإخوان يقدمون الإسلام بشكله المعتدل ويؤمنون بالتدرج في الخطوات، وبعدم الاستعجال في استعداء الآخرين، وبالتركيز على الإصلاح الداخلي في المراحل الأولى، ولكنهم دفعوا طوال نصف قرن أو يزيد ثمن عدائهم للسياسة الأميركية.

إن السياسة الأميركية ستسعى لاستيعاب الواقع الجديد وإعادة ترتيبه لصالحها، وستحاول "تدجين" الإخوان، ولكنها قد تصطدم عاجلاً أو آجلاً بالمشروع الحضاري النهضوي الذي يقدمه الإخوان.

وهذا سيعتمد بالتأكيد على قدرة الإخوان على الاستمرار في الالتزام بمشروعهم، وعدم وقوعهم في حبائل السلطة ومغرياتها، كما سيعتمد على مدى إصرار أميركا على محاولة فرض سياساتها وإرادتها على المنطقة.

"الإخوان المسلمون قادمون"!! قد يصح فيلمًا هنديًّا!! ولكنه لم يعد صالحًا للتسويق في عهد الثورات العربية، ولم يعد التخويف بالإخوان يحمل قيمة حقيقية، فليتم احترام الشعوب وإراداتها، وليوضع الإخوان على المحك وتحت اختبار التجربة، فإن نجحوا فقد خدموا دينهم وبلادهم وشعوبهم، وإن فشلوا فستنتهي مظلمتهم ويزول هاجسهم.

وأخيرًا، ومهما يكن من أمر فالإخوان المسلمون مطالبون بتوضيح مواقفهم وكشف ما علق بهم من شبهات واتهامات، وممارسة النقد الذاتي لتجاربهم، وتحمل المسؤولية تجاه أخطائهم، وأن يؤكدوا للجميع أنهم ليسوا ملائكة وأنهم لا يحتكرون الحق، وأنهم يحترمون الاختلاف والتعددية، ويقدمون مصالح الأمة على المصالح الشخصية والحزبية والفئوية، وأنهم يقدمون رؤية نهضوية متكاملة يخرجون بها من إطار الشعارات إلى البرامج التفصيلية الجادة.

=============

النفوذ الإيراني في دمشق

د. ضرغام الدباغ

كاتب وأكاديمي عراقي

المتوسط - الاثنين, 05 ديسمبر 2011

كيف نفهم النفوذ الإيراني في دمشق.... أهي صداقة بين دولتين، أم هي علاقات سياسية حميمة، أم هو تحالف، أو هو ارتباط طائفي في المقام الأول قاد لما بلغ إليه الحال، أم هيمنة... أم تحصيل حاصل لذلك كله..؟

رب قائل أن الأمر هو محض جبهة طائفية تمتد من طهران إلى بغداد ثم إلى دمشق فبيروت، ليشكل هدف قديم سعت له جهات كثيرة تناصب الأمة العربية العداء في مشروع سري وعلني، يتمثل بتشكيل هلال شيعي / خصيب لا يهم، المهم أن يكسر ظهر العروبة، وربما هناك من يشاء أن يضيف فوق ذلك.

وبتقديري أن الأمر لم يعد لغزاً، لربما كانت الشكوك والأوهام تنتاب البعض إلى ما قبل سنين، ولكن الموقف في عموم المنطقة آخذ بالتبلور وها نحن اليوم في مرحلة متقدمة تتضح فيها أبعاد الصورة، وتبرز ألوانها حتى يغدو الأمر سهل إدراكه حتى للمتابع البسيط.

من المعلوم أن القيادة السورية كانت قد بدأت تعقد أواصر الصداقة تطوراً بلغ مرحلة التحالف الاستراتيجي منذ نهاية السبعينات، ولكن المرحوم الرئيس الأسد الأب، كان سياسياً حاذقاً، ولم يكن ليسمح مهما بلغ التحالف من درجة القوة والمتانة، درجة أن تهيمن طهران على القرار السياسي السوري. صحيح أن القيادة السورية قدمت لطهران مساعدات ثمينة: مادية / عسكرية، وسياسية / استخبارية أبان الحرب العراقية الإيرانية، في ضرب من تحالف لم يسبق أن مارسته قيادة عربية من قبل طيلة تاريخها الحديث وربما القديم، بل وحتى عراق نوري السعيد عندما أنظم لحلف بغداد عام 1955، لم يفعل ذلك إلا عندما تأكد أن الحرب في لحمته وسداه مكرس ضد توسع النفوذ السوفيتي في عنفوانه آنذاك، ولم يكن الحلف موجهاً بحال ضد أي بلد عربي، بدليل أن نظاماً هاشمياً آخر(هم أبناء عمومة) لم ينظم للحلف(الأردن)، فالقيادة السورية بهذا المعنى، ارتكبت بتحالفها الاستراتيجي مع طهران خطئاً فادحاً غير مسبوق، ارتكبته مدفوعة التزاماً بتحالف هو في الحقيقة يتجاوز معانيه القطرية إلى ما هو أبعد من ذلك.

المرحوم الرئيس الأسد الأب، بما عرف عنه من حنكة، وحذاقة في ممارسة السياسة الدولية، آثر في تلك المرحلة أن يكون براغماتياً، إذ وجد في ذلك ضماناً لاستمرار نظامه، واستبعاده عن شبكة مؤامرات الغرب، كما يتيح له ذلك الهيمنة على لبنان، وتصفية قوى المقاومة فيها، ومن أجل ذلك، وضع على الرف شعارات سياسة التضامن العربي التي كان بنفسه من أشد الداعين لها، وحصد من جرائها امتيازات ومكاسب مالية بالدرجة الأولى بإدارته دفة السياسة السورية في تلك المرحلة. ولكن أواخر السبعينات كانت سنوات حاسمة، إذ شهدت:

أولاً: تعثر المساعي السورية لاحتواء العراق( تموز 1979 )،

ثانياً: معاهدة كمب ديفيد، التي كانت تعني في الواقع أكثر من إخراج مصر من خارطة الصراع العربي الإسرائيلي، إذ مثلت تمهيداً لحقبة أميركية جديدة كان من ملامحها أيضاً،

ثالثاً: إنهاء حكم شاه إيران العاجز، وإحلال حكم الملالي القادر على استخدام شعارات دينية لخلق عواصف تغيير في المنطقة.

ولم تكن هذه المعاني لتفوت على المرحوم الرئيس الأب، لذلك فقد أدرك مبكراً أن إيران هي ضمن العناصر قي عملية التغير المقبلة، وأن حلفاً سيتولى إعادة تشكيل المنطقة بقيادة الولايات المتحدة وإيران وإسرائيل، لذلك ولعوامل أخرى، عقد أواصر التحالف معها ودون ريب مع إدراكه التام بأبعاد التحالف من إيران وخطورتها على الأمن القومي العربي.

وسوف يعزز الأسد الأب إدراكه التام لصورة الموقف ومفرداته، بانضمامه إلى التحالف العربي / الدولي ضد العراق 1991/1992 لدرجة اشتراك القوات المسلحة العربية السورية ضد العراق وجيشه الذي أنقذ قبل سبعة سنوات فقط العاصمة دمشق من السقوط بيد القوات الإسرائيلية.

ويتواصل الحلف السوري / الإيراني يكتسب مصداقيته، كما يتواصل انغماس أو تورط النظام السوري أكثر فأكثر في مخططات تحاك ضد المنطقة، ولكن حتى وجود الرئيس الأب على قيد الحياة، كان النفوذ الإيراني في دمشق، (مع آثاره المضرة على أية حال)، ولكنه نفوذ محسوب بدقة حتى بعد انضمام القاعدة العسكرية / الاستخبارية الإيرانية في لبنان المسماة حزب الله إلى المعادلة.

ولكن بعد وفاة الرئيس الأب، تميز الوضع الجديد بفقدان السيطرة على التحالف بحيث غدت دمشق قاعدة عمل سياسية وعسكرية واستخبارية أساسية لنظام الملالي، وبذلك أضحت العلاقة أكثر من علاقة تحالف، ففي علاقات التحالف هناك قدر من التكافؤ في العلاقة التحالفية، واكتسبت العلاقة صفة جديدة ومن أجلها ضحى الرئيس الأسد الابن ليس بالمصالح العربية، بل بالمصالح السورية نفسها، في فقدان مدهش للقدرة على السيطرة، وفي توظيف للقدرات السورية لصالح المصالح الإيرانية، التي أخذت تتعامل بسهولة مطلقة مع في الساحة السورية بمهارة أستخبارية، في غياب شبه تام للرؤية والشخصية السورية، وصارت إيران تتعامل بملفات المنطقة وكأن سورية عنصر من عناصر نشاطها السياسي والعسكري والاستخباري، مضمون الولاء، مندغمة في مفردات هذه العمليات في غياب تام للشخصية السورية التي غدت باهتة للغاية، لدرجة أن القوى العظمى صارت تتحدث مع طهران في الشؤون السورية، وهو أمر لا يبعث على الارتياح لتلك القوى، أن تتعامل مع حليفتها طهران وفي جيبها عدة دول، وحدثني مطلع على الشؤون السورية أن السفير الإيراني في دمشق يتعامل مع الرئيس بشار الأسد وكأنه يتعامل مع أحد موظفيه...!

هذه هي خلاصة النتيجة التي بلغها النظام السوري في ورطته، بل في مغامرته الفارسية، ونعتقد أن الأمر حقاً لا يخلو من مأزق / ورطة، يصعب المضي فيها، كما يصعب الخروج منها، والخلاص من هذه الدوامة يتطلب مناورة صعبة، ولكن الكيان السياسي السوري هزيل لدرجة أنه لن ينجو من مناورة كهذه إن أراد القيام بها. فالحلف الاستراتيجي الأميركي الإيراني الإسرائيلي يمر اليوم بأزمة ثقة، ربما يتوصل الأطراف إلى إعادة تقييم للموقف يستبعد تضارب حاد في المصالح، ولكن تصعيداً في الموقف محتمل أيضاً إذا أساء أحد سماع النصائح، والفرس كالعادة يبالغون بتقدير قواهم، وضعف خصومهم، ويخالفون قواعد اللعبة، ويشتطون في شراهتهم فيشتغلون خارج ما هو متفق عليه، فاستحقوا سخط راعي الحلف(الولايات المتحدة). وقد ينتهي الأمر بأن تضحى طهران في السجال الاستراتيجي بأحد بيادقها (مواقعها)، مقابل ضمان سلامة الحلف ومعطيات أمنها القومي، والسياسة أخذ وعطاء، ولكن يلام من يجعل من نفسه فقرة (بيدقاً) في سياسة الآخرين.. مجرد فقرة سواء كانت غالية أم رخيصة.

الرئيس بشار أعتقد أن الرياح غربية، وهي حقاً كذلك، وأعتقد أن القابض على مبادئه كالقابض على جمر من نار، والأمر كذلك فعلاً، ولكنه أخطأ حين أستبدل موقعه كركن أساسي في البيت العربي، بغرفة صغيرة في الساحة الخلفية لنظام الملالي، وهو قد أخطأ في ذلك دون ريب. وأخطأ مرة أخرى حين أعتقد أن عام 2011 قد يشبه عام 1982، ونسي وهو المتعامل مع معطيات ومنجزات التكنولوجيا الحديثة في نقل الحدث بالصورة والصوت إلى العالم خلال ثوان، ولكنه صم أذنية عن النصائح وتمسك بالمؤامرة...! وهذه المرة كان الخطأ كبير... بل كبير جداً قد لا ينفع معه علاج النطاسي.

ورغم أن الحلف لم ينفرط عقده بعد، وطهران تلعب من وراء الكواليس، فتفاوض أطراف سورية، وتمارس التكتيك السياسي الاستخباري، وتضع القضية السورية في ميزان مصالحها، واستراتيجيتها، ربحاً وخسارة، كنقطة قوة لها أو ضعف، وترسل قوات غير نظامية إلى سورية، وأجهزة خاصة، ومعدات لقمع الثورة الشعبية، وتوعز للقيادة العراقية وميليشياتها بالمساهمة في الفعاليات ضد الثورة، وتهدد بإشعال جبهات أخرى كالبحرين، وفي كل ذلك يبدو النظام السوري كالطفل القاصر لا يدري ما يفعل، بل هو يرتكب الأخطاء الكبيرة واحدة تلو الأخرى، حتى ضاق صدر حلفاؤه الأبعدين كما الأقربين.

النظام السوري يريد أن يمكث في السلطة سيان ما هو الثمن.... وسيان ما حدث وما سيحدث... فيخوض في بحار من الدم، دماء أبناء شعبه.... فحقاً تملكتني الحيرة لا أعرف بماذا أجيب صحفي ألماني صديق على سؤاله: هل يعتقد الرئيس الأسد أن بوسعه مواصلته حكم سورية بعد كل ما فعله...؟

الإجابة على هذا السؤال مهمة شاقة، ولكن من المؤكد أن النظام بأخطائه المتواصلة المتتالية يعمق حفرة نهايته.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ