ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت 10/12/2011


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

هل من قاعدة اجتماعية للنظام السوري؟

شمس الدين الكيلاني

المستقبل - الجمعة 9 كانون الأول 2011

العدد 4195 - رأي و فكر - صفحة 19

يصطنع مثقف السلطة (الذكي )الحياد العلمي الصارم، في زمن نزيف الدم، حين يصبح فيه الحياد جريمة. مصرَّاً على تبرير أعمال السلطة، يستخدم مفاهيم ومصطلحات متعالمة، ليضع نفسه أمام القارئ في أهاب العالم، الذي لا ترف له جفن أمام عاديات الزمان، ولا يهز وقاره العلمي الدم المسفوك في الشوارع، ولا عذابات زهرة شباب سورية في الأقبية المُعتمة، ولا رعب الأطفال والنساء تحت زخ الرصاص. فمفردات الألم والخوف والمعاناة، وانتهاك كرامات الناس واستباحة الأعراض، هي عنده مفردات تصلح لجدالات الحياة اليومية العابرة والتافهة، لكنها لا تستقيم ولغة العلم الموضوعي !موضوعه الوحيد يتلخص في البحث عن العامل الطبقي أو الاجتماعي الذي غذَّى الاحتجاجات الاجتماعية في سورية. المهم لهذا الباحث السلطوي، هنا، ليس معرفة المظالم المتراكمة و الكرامات المهدورة، والخوف المقيم، التي قادت جميعها، الإنسان العادي، إلى الثورة على الظلم واستباحة الحقوق. لا يسأل مثقف السلطة لماذا قامت الثورة، لأن هذا السؤال يحيله إلى عالم السلطة المسؤول الأول عن المظالم، بل يسأل عمَّن قام بالثورة، عن الأصول الاجتماعية للاحتجاج وحسب. لهذا يستحضر (عدة الشغل/ المهنة) مهنة تزوير الوقائع تحت ركام زائف من المصطلحات، في محاولة منه لتزييف الحقائق لا كشفها.

المقاصد المنهجية لهذا الباحث (الموضوعي)، هي نفسها المقاصد المنهجية لرجل المخابرات، هي معرفة(الفاعل) لوضعه في قفص الاتهام / المعتقل، وليس معرفة المظالم ومصادرها وأشخاصها لرفع الظلم ومصادره. هدفه البحث عن (الثائر/المجرم) وليس عن أسباب الثورة/ الجريمة! وإذا حاول الاقتراب خلسة إلى (الأسباب) فهو ليسفهها وليضعها في الهامشي والثانوي: العشوائيات، الفقر والبطالة، اللبرلة الاقتصادية. مستخدماً هذا المفهوم الأخير ليغطي به على ظاهرة اقتصادية باتت مهيمنة، جوهرها إطلاق يد رجال السلطة في ثروة البلاد بعد أن امتلكوا رقاب العباد، فجمعوا بين السلطة واستثمار الثروة الناتجة عنها، مع السماح في عبور شركاء صغار في السوق. هذا هو معنى اللبرلة الحقيقي في سوريا. ثم يحيلنا المثقف السلطوي، في (أسبابه) إلى مطالب معيشية، ومحلية، على طريقة معالجات السلطة المعروفة لمطالب الثائرين. مستخدماً السوسيولوجيا لخدمة المقصد المخابراتي. لم يكن هذا الوضع سوى استمرار للنهج الذي افتتحته (الحركة التصحيحية)، التي ربطت باب الثراء والارتقاء في سلَّم السلطة وأجهزتها، ثم تحول الولاء الأمني، منذ الثمانينيات، إلى رافعة، شبه وحيدة، لتنامي الثروة ومعها النفوذ. فغدا الفساد منهجاً معتمداً وليس انحرافاً،لإعادة صياغة التركيب الاجتماعي من فوق. وهيمن بذلك نمط ريعي طفيلي على الاقتصاد. فبدلاً من اعتماد الإنتاج كمعيار للاقتصاد دخلت سورية في دوامة إعادة توزيع الثروة لصالح المتنفذين في أجهزة السلطة،هذا هو المعنى الحقيقي لفشل التنمية، وتراجع مستوى الإنتاجية، والدخل، ولجوهر اللبرلة.

ينظر مثقف السلطة باستخفاف إلى مدن مليونية مثل حمص وحماه ودير الزور، يراها مدناً هامشية، علماً أن سكانها يعادلون عدد سكان سوريا في الخمسينات، وسكان لبنان حالياً، ويعادل عدد سكان كل من حماه وحمص ثلاثة أضعاف سكان دمشق في الخمسينات. ولا ينقص تركيبها الاجتماعي التكوينات الطبقية لدمشق وحلب فالاختلاف كمي لا كيفي. يأخذ على امتداد الثورة إلى القرى دليلاً على هامشية الحركة، بدلاً أن يأخذها رمزاً على عمقها، التي ضاهت في شمولها الثورة السورية الكبرى. وعوضاً عن توجيه بحثه لمعرفة مصدر التفاوت في فوران الاحتجاجات في مركزية الأجهزة وتشعبها وانغرازها في المجتمع في هذه المدن، يجد ضالته في (خصوصية طبقية ) لدمشق وحلب. والحال أن كل المدن، التي استطاعت أن تتخلص من الاحتجاز، شكَّلت لها (ميدان تحريرها ) الخاص، وتوقف نزيف الدم فيها. هذا ما حدث، لفترة، في حمص وحماه ودير الزور وإدلب ودرعا والجسر وبانياس والرستن. بل إن تعاظم المركزية المطلقة لأجهزة السلطة وتغلغلها وسطوتها، لم يمنع من أن تفتتح دمشق الاحتجاجات، من قلبها (الحريقة والجامع الأموي)، ما لبث أن شارك: المالكي والمهاجرين وكفر سوسة، ومن قلب المدينة في الميدان وساروجة، وزملكا والمزة والقدم، والحجر الأسود والعسالي، مع ما يحيط بها من ضواحي ومدن.

والحال، أن السلطة ليس لها قاعدة طبقية فعلية، أنها (طغمة)، استطاعت أن تنسج لها وللمحيطين بها مصالح مشتركة ملموسة معززة بقانون القوة:(الأجهزة الأمنية ومنظمات الضبط الاجتماعي: البعث والمؤسسات النقابية الشبيبة وغيرها، ثم تناسلت بفعل الفساد واستغلال النفوذ إلى ثروة ومؤسسات استثمارية أصبحت قاطرة الاقتصاد السوري)، ثم كرَّست قانونياً تميزها عن المجتمع ك( قائدة للدولة والمجتمع ). أما موضوع (الشراكة)بين بيروقراطية السلطة وطبقة لرجال الأعمال فهو مجرد غطاء لوقائع النهب في اتجاه واحد، يبدأ من قمة الهرم البيرقراطي السلطوي ويمر بوسطائه الدنيا برجال الأعمال. إنها شراكة قسرية يفرضها من يملك السلطة والقوة، فإذا استثنينا القلة القليلة من رجال الأعمال الذين أثروا بفعل سمسرتهم لرجال السلطة، وبيروقراطيتها العليا، فإن الفئات الصناعية وجدت نفسها مُجبرة، في ظل غياب القانون والقضاء، على دفع (الأتاوات ) للأجهزة السلطوية لتأمين مصالحها، أو لعقد (شراكة) كي تحافظ على أموالها. إن علاقة رجال السلطة بالمستثمرين شبيهة بتلك العلاقة التي هيمنت في العهد المملوكي بين المماليك وشهبندر التجار. فالأخير معرض دائماً لخسران كل شيء بقرار من فوق، وهو ما حدث للكثير من المستثمرين السوريين أمثال أمينو وكلاس، لتبقى السيادة، في مجال الاستثمار، للنخب العليا للسلطة وبيروقراطيتها التي حازت على القطاعات القيادية للاستثمار. لذا فإن ما يوحد السوريين هو أنهم جميعاً في القانون:(محكومين)، في المرتبة الثانية من التراتبية الاجتماعية، يقفون جميعاً في مواجهة (الحاكمين) قادة الدولة والمجتمع.

يتجنب مثقف السلطة الحديث عن رموز ميدانيين للثورة أمثال نجاتي طيارة، أحد رموز ربيع دمشق، المعتقل منذ أشهر، والشاهد الكبير على ما جرى في ميدان باب السباع، قلب حمص وليس طرفها، والفنانة فدوى سليمان، وفارس الحلو وغيرهم كثير. فهذا المثقف لا يطيب له سوى التقاط صور مجتزأة بحثاً عن السلفيين!

=================

رؤية جديدة لمواجهة التغيير العربي

رندى حيدر

النهار

9-12-2011

الصورة التي بدأت ترتسم أمام أنظار إسرائيل للشرق الأوسط الجديد وخصوصاً بعد نتائج الانتخابات التي أجريت في تونس ومصر والمغرب وأسفرت عن فوز التيارات الإسلامية، تنبىء بمرحلة سياسية جديدة تحتم على الدولة العبرية وضع رؤية سياسية وأمنية جديدة لمواجهة المتغيرات تحمي مصالحها في فترة ما بعد الثورات العربية.

وعلى رغم كل التهويل الإسرائيلي من مغبة صعود الإسلام السياسي في مصر تحديداً وانعكاساته السلبية على العلاقة الإسرائيلة - المصرية، فإن في إسرائيل من يرى في ما يحدث فرصة يجب اغتنامها، وأن على إسرائيل الخروج من سياسة الجمود السياسي الذي تتقوقع داخله منذ وصول اليمين القومي الى الحكم، والمبادرة قبل فوات الأوان إلى طرح رؤية سياسية جديدة تفتح من خلالها الأفق المسدود في اتجاه الفلسطينيين والأنظمة السياسية الجديدة الآخذة في التبلور في الدول المجاورة.

وتكمن الفرصة التي يجري الحديث عنها في الانعكاسات السلبية التي حملتها الثورات العربية على دور إيران في المنطقة والتي تجلت في تراجع النفوذ الإيراني - الشيعي أمام صعود نفوذ التيارات الإسلامية السنية في الدول العربية المجاورة لإسرائيل ولا سيما منها مصر، مع احتمال أن يؤدي الصراع الدائر في سوريا لاحقاً الى نجاح الغالبية السنية في الوصول الى الحكم. ويرى بعض المراقبين في إسرائيل أن حدوث هذا الأمر في المرحلة الحالية يصب في خدمة هدفين أساسيين: الحاق الضرر بمصالح إيران في المنطقة في ظل تصاعد الجدل الإسرائيلي بشأن صعوبة توجيه ضربة عسكرية إسرائيلية الى المنشآت النووية في إيران؛ وإضعاف "حزب الله"، حليف ايران وسوريا سياسياً وعسكرياً وهو الذي تمثل ترسانته الصاروخية خطراً مباشراً على إسرائيل.

 وقد رصد عدد من المعلقين الإسرائيليين تراجع المكانة السياسية ل"حزب الله" نتيجة وقوفه الى جانب النظام السوري ضد المعارضة السورية، والآثار السلبية التي ترتبت على ذلك على صورة الحزب باعتباره حركة مقاومة تدافع عن المظلومين والمستضعفين. كما أن سكوت الحزب على أعمال القمع التي يمارسها النظام السوري أضفى على صورة هذا الحزب صبغة طائفية بغيضة، وجعله يبدو جزءاً لا يتجزأ من "العالم القديم" الذي يتهاوى تحت وقع الثورات العربية.

كما تشكل التغيرات الأخيرة في المنطقة فرصة أمام إسرائيل لترميم علاقاتها المتوترة مع تركيا التي يتوقع الكثير من المحللين أن تضطلع بدور مفصلي في المرحلة المقبلة نظراً الى علاقاتها الوثيقة مع التيارات الإسلامية التي صعدت حديثاً إلى السلطة في عدد من الدول ولا سيما منها مصر وتلك التي تناضل من أجل الوصول اليها في سوريا.

=================

تصدع في المحور السوري الإيراني

د. موسى الكيلاني

الرأي الاردنية

9-12-2011

نشر السفير الإيراني السابق في عمان محمد علي سُبحاني مقابلة صحفية يقول فيها أن استمرار موقف طهران الأُحادي الداعم للرئيس بشار الأسد سيضر بالمصالح العليا لإيران. وبعد ذلك بأيام نشرت صحيفة التلغراف البريطانية بتاريخ 14/11/2011 مقالة مطولة عن تذمر قطاعات واسعة من المعارضة السياسية للمواقف الداعمة للرئيس بشار الاسد، حتى صدرت انتقادات للمواقف الرسمية من آية الله محمد على دوست غيب, وهو من المراجع القيادية,، وقال أن الشعب الإيراني أولى من الشعب السوري في أنواع الدعم الذي ينقل يومياً الى دمشقs.

وتقول الصحيفة البريطانية إن انقسامات الرأي العام الإيراني، قد حفًّز المسؤولين لإجراء اتصالات سرية مع عدد من زعماء الثورة السورية, واجراء مفاوضات على شكل المستقبل القريب, باعتبار أن مركب الرئيس الاسد غارق لا محالة, وأن مبدأ البراغماتية الايرانية لا يتساهل أو يقبل التفريط أو يفكر بخسران دمشق، التي تشكل أهم رصيد استراتيجي لطهران, على أكثر من صعيد, سياسياً وعسكرياً ومعنوياً ومُتّكأً للتفوق الإقليمي في المنطقة, خاصةً وأن حزب الله قد تموضع مع صواريخه الجديدة في المرتفعات اللبنانية, كقوة ردع لإسرائيل إذا ما تحرشت بالمظلة النووية في ضواحي قُم.

ومن المعروف أن الرئيس أحمدي نجاد قد عرف من خلال أدواته للإستشعار عن بعد كيف التقى في سويسرا بتاريخ 8/8/2011 مبعوثون دبلوماسيون من إيران وواشنطن وبشكل سري من خلال القنوات الخلفية لمكاتب الامم المتحدة لبحث مستقبل الأزمة السورية.وعلى إثر ذلك أطلق تصريحه الذي قال فيه: «إنّ بلاده ستبذل كل جهد للتقريب بين المعارضة والحكومة السورية للتوصل إلى تفاهم لحل الأزمة التي تمر بها دمشق».

وذكرت الصحيفة أن عددا من قادة هيئة التنسيق الوطني الديمقراطي السوريين وهم موجودون في تركيا وأوروبا قد تجاوبوا مع المقترحات الإيرانية التي استهدفت حقن دماء السوريين من الجانبين, وتكثيف لقاءات الحوار الجاد الحقيقي, وتنفيذ رزمة من الإصلاحات التشريعية, ومنع الإحتكارات العائلية, وتطبيق النموذج اللبناني في تداول مراكز السلطات السيادية كرئاسة الوزراء ورئاسة البرلمان ووزارة الدفاع وقيادة الجيش والامن العام والأجهزة الإستخبارية التسع، ما بين علويين، وسنة، وأكراد, واسماعيليين, ومسيحيين.

وتعزيزاً لهذا الموقف الجديد في طروحاته فقد قام تلفزيون المنار التابع لحزب الله بإجراء مقابلة مع الرئيس الإيراني أحمدي نجاد قال خلالها: «على الشعب السوري والحكومة السورية ان يجلسا مع بعض للوصول إلى تفاهم.. عندما يكون هناك مشكلة بين الشعب وقياداته، عليهم أن يجلسوا للوصول الى حل بعيدا عن العنف. إنّه لا يحق لأحدهما قتل الآخر».

ومن هذه المتغيرات الجيوستراتيجية, ومع وصول القطع البحرية الجديدة الى السواحل الشرق أوسطية، نشر المحلل السياسي الشهير في طهران، السيد محمد عطائي, والمقرب من دوائر صنع القرار, مقالة في مجلة «فورين بوليسي» تحت عنوان «إيران تدعم الأسد لكن ليس بأي ثمن»، وكان ذلك بتاريخ 9 سبتمبر/أيلول/ 2011 ولا زالت التصدعات في المحور الإيراني السوري تزداد تشظياً، وبالرغم من مواقف العميد ماهر الأسد الذي يصر على حوار أحادي وهو نقاش الصواريخ مع معارضيه.

=================

النظام السوري والإعلام اليهودي

صبحي حديدي

2011-12-08

القدس العربي

قبل أسابيع قليلة استقرّ بشار الأسد على أندرو غليغان، الصحافي البريطاني المعروف بانحيازه المطلق لإسرائيل، ليكون أوّل صحافي غربي يجري معه حواراً مباشراً منذ انطلاقة الانتفاضة السورية، أواسط أذار (مارس الماضي)؛ كما اختار، بالتالي، صحيفة هي ال'صنداي تلغراف' التي تُعدّ، إسوة بقرينتها الأمّ، ال'دايلي تلغراف'، منبراً مكرّساً للدفاع الأعمى عن إسرائيل والصهيونية العالمية واليمين المحافظ. وبالأمس، شاء الأسد أن تكون برباره والترز، الإعلامية الأمريكية اليهودية، صاحبة الحظّ السعيد في إجراء مقابلة متلفزة هي الأولى من نوعها مع قناة رئيسية غربية، ال ABC، منذ تسعة أشهر. وكلا المقابلتين اكتسبت خصوصيتها، وانتشارها الواسع، من تضافر عاملين: أنّ الجهة التي أجرتها كانت نافذة إعلامياً وسياسياً، وأنّ الأسد زوّد محاوره ومحاورته بمادّة دراماتيكية شدّت الانتباه (الحديث، مع غليغان، عن إحراق المنطقة إذا تعرّض نظامه لأذى؛ ونفي مسؤولية الأسد الشخصية عن أعمال القتل التي ترتكبها أجهزة النظام، في الحوار مع والترز).

ولهذا لا يُثار الارتياب في اختيار والترز وغليغان، تحديداً، إلا لأنّ حصيلة المقابلتين كانت واحدة تقريباً، أي تبييض صفحة النظام والترويج لروايته عن 'العصابات المسلحة' و'المندسين'، فضلاً عن تلميع شخص الأسد وإعادة إنتاجه كسياسي شرق أوسطي 'عصري'، 'منفتح'، 'درس في الغرب'، و'يتقن اللغة الإنكليزية' و'متزوج من سيدة تربّت في الغرب'؛ وأنّ العاصمة السورية 'آمنة' و'مسالمة' و'خالية من التظاهرات'، حتى أنّ والترز صرّحت بأنها تجوّلت في دمشق دون حارس شخصي، وأنها 'لم تشعر في حياتها بالأمان كما شعرت به وهي تتسكع لوحدها في طرقات دمشق! وتلك حصيلة في وسع المرء أن يتفهمها من إعلام إيراني أو صيني أو روسي، ولكن أن تأتي من إعلاميين يهود أو أصدقاء خلّص لإسرائيل، أمر يدعو إلى ترجيح دوافع أخرى أبعد غرضاً من مجرّد تحقيق السبق المهني.

وكما في كلّ مرّة تشهد مساندة إسرائيلية للنظام السوري، والأمثلة هنا كثيرة وجلية ولا تقبل التشكيك، تقفز إلى الذهن عوامل عديدة تديم قصة الغرام العجيبة تلك، بين بلدين يُفترض أنهما في حالة حرب رسمية ومعلنة، حتى إذا كانت لا تُخاض إلا في مستوى الألفاظ. بين أولى العوامل أنّ إسرائيل ما تزال ترى في النظام السوري صيغة مثلى للحفاظ على حال اللاحرب التي تسود في هضبة الجولان المحتلة منذ 1973، وهذا التفضيل لا يشمل الاعتبارات العسكرية وحدها، بل تلك السياسية والاقتصادية أيضاً. ومن المنطقي أن يكون نقيض النظام، أي دولة الحقّ والقانون والديمقراطية والمنعة الوطنية، وكلّ ما تنطوي عليه أهداف الانتفاضة الشعبية، بمثابة انتكاسة قصوى للصيغة المثلى، وتقويض لمبدأ التعايش الهادىء والسلام الفعلي على الأرض.

كذلك لا تنسى إسرائيل لائحة الأدوار التي لعبها النظام السوري على مدى 41 سنة من حكم آل الأسد، واستهدفت صالح النظام ومنجاته في المقام الأول بالطبع؛ ولكنها، في المقام الثاني، كانت تسدي خدمات كبرى لمصالح إسرائيل، جلّها ارتدى صفة ستراتيجية بعيدة الأثر، وليست تكتيكية عابرة فحسب. تلك الأدوار شهدتها الساحة اللبنانية، واللبنانية الفلسطينية، والفلسطينية الفلسطينية، فلم تسفر عن تسديد ضربات موجعة لأعداء إسرائيل في صفوف الحركة الوطنية اللبنانية والمقاومة الفلسطينية، فحسب؛ بل ساعدت كذلك في ترقية نموذج 'حزب الله' إلى مستوى الفزّاعة الرهيبة التي تستوجب على الولايات المتحدة، ثمّ الحلف الأطلسي، تزويد إسرائيل بأحدث الأسلحة (الرادعة، ولكن الهجومية أيضاً، بالطبع)، والسخاء أكثر فأكثر في تقديم المساعدات المالية وتوفير الرعاية الاقتصادية.

غير أنّ النموذج الإعلامي الأخطر في تمثيل قصة الغرام بين النظام السوري وإسرائيل، ليس ذاك الذي تقترحه والترز، وقبلها غليغان، وآخرون سواهما، بل ما اقترحه ويواصل اقتراحه الكاتب الأمريكي اليهودي الشهير دانييل بايبس. هذا، للتذكير، رجل كاره للعرب، وقبلهم المسلمين، بامتياز فريد يُحسب له وحده حقاً، ليس لأنه رافع شعارات استيهامية أو عنصرية، سياسية وفكرية وتاريخية فقط؛ بل كذلك، وجوهرياً، لأنّ بايبس أشدّ صهيونية من تيودور هرتزل نفسه ربما، وأكثر إسرائيلية من بنيامين نتنياهو، حتى قيل إنه آخر الليكوديين على الأرض. ذكاء الرجل، وخطورة مقاربته، فضلاً عن خبثها الدفين بالطبع، أنه لا يقع في السخف الذي يكرره أمثال والترز وغليغان (في امتداح صفات الأسد 'العصرية'، خصوصاً)، بل يذهب مباشرة إلى ما هو أبعد أثراً وأذى: أنّ وجود النظام ضمانة لعدم انجراف سورية إلى الحرب الأهلية، وإلى 'الصرع السنّي العلوي' حسب توصيفه.

ونصيب الانتفاضة السورية من تحليلاته هو ذات النصيب الذي يمحضه لانتفاضات تونس ومصر وليبيا واليمن والبحرين، إذْ ينتهي إلى ربط مصائر الشعوب المنتفضة بمعادلات جيو سياسية إقليمية أو دولية، مثل 'الحرب الباردة الشرق أوسطية'، أو 'الشطرنج الإقليمي'، أو التنافس الفارسي (الإيراني) العثماني (التركي)...ولكنه لا يرى، مرّة واحدة، أنّ إرادة الشعوب، وتطلعها إلى الحرّية والكرامة والديمقراطية، وثورتها على أنظمة مستبدة فاسدة وراثية وعائلية، يمكن أن تكون عوامل تحريك أولى، بل الأكبر، في انطلاق تلك الانتفاضات (التي يحصرها، في كلّ حال، بين 'التمرّد' و'العصيان'، وليس الإنتفاضة أو الثورة). خصوصيتنا، نحن السوريين، أننا في نظره لسنا دعاة إصلاح وطلاّب مستقبل أفضل، بل ضحايا 'هوّة لا تُجسر' بين الطائفتين، السنّة والعلويين؛ وشارعنا السياسي ليس معارضاً، بل هو ضحية الاقتتال الطائفي!

هذه أذكى بكثير، وأشدّ خبثاً مرّة أخرى، من تلك الحماقات التي تسردها والترز، التي أسعدها ذلك 'الغداء الطويل' مع الأسد وقرينته؛ أو تلك التي يحكيها غليغان، المندهش من أنّ مقرّ إقامة الاسد لا يحرسه إلا 'عسكري إنكشاري' واحد! ذلك لأنّ ما يقوله بايبس هو التالي، في خلاصة الرسالة المبطنة: هذا دكتاتور، بالفعل؛ يداه مضرّجتان بدماء السوريين، لا ريب؛ وهو، وأفراد عائلته من أبناء عمومة وخؤولة، يحكمون سورية بالحديد والنار، وينهبون خيراتها، لا خلاف على هذا؛ ولا شك، أيضاً، في أنه حليف لإيران، وهو ممرّ السلاح إلى 'حزب الله'... كلّ هذا صحيح، ولكن تخيّلوا لحظة واحدة أنّ هذا النظام سقط غداً أو بعد غد؟ فكّروا في عواقب الحرب الأهلية (وبايبس، هنا، لا يفكّر في السوريين بقدر اهتمامه بنصيب إسرائيل من العواقب)، خاصة حين يكون التشدد الإسلامي هو البديل. ألا ترون نتائج الانتخابات في تونس ومصر، ثمّ المغرب، وقريباً ليبيا، واليمن؟

وفي أحدث تعليقاته على الانتفاضة السورية (وما أكثرها، في موقعه الشخصي) يكتب بايبس أنه يعمل على الملف السوري منذ سنة 1985، وظلّ على الدوام مقتنعاً بأنّ الانقسام السنّي العلوي هو جوهر السياسة في البلد. وفي دراسته 'إحكام القبضة العلوية على السلطة في سورية'، 1989، أوضح كيف تمكنت جماعة صغيرة وضعيفة تاريخياً من بلوغ الذروة؛ كما بيّن في دراسة ثانية، عنوانها 'سورية بعد الأسد'، 1987، أنّ الانقسام الإثني، هذه المرّة، آت إلى سورية لا محالة. بيد أنه لا يقول إنّ ذلك الانقسام لم يقع، حتى الساعة في الواقع، بعد مرور 24 سنة على نبوءاته المشؤومة، من جهة؛ كما يتجاهل أنّ 13 سنة انقضت بعد أن تنبأ برحيل الأسد (استناداً إلى المعلومات عن مرضه، آنذاك)، ظلّ فيها الأخير حياً يرزق، بل نجح في تجاوز عثرة وفاة نجله باسل، وريثه الأوّل، وامتلك الوقت لتوريث نجله الثاني، بشار!

وفي أواخر تموز (يوليو) الماضي، حين اكتُشفت في مدينة حمص جثث ثلاثة مواطنين من أبناء الطائفة العلوية، كتب بايبس تعليقاً على الحادثة، يكاد يصرخ: ألم أقل لكم؟ ها هي الشرارة التي ستشعل الحرب الأهلية! وحين لم تستعر أي نار، وانطفأت الشرارة على الفور، أخلد بايبس إلى الصمت مجدداً، قبل أن يكسره مع إعلان تشكيل 'الجيش السوري الحرّ'، فكتب يقول ما معناه: أليس هذا العقيد، رياض الأسعد، هو قائد الحرب الأهلية؟ ولأنّ الأسعد لم يكتسب هذه الصفة حتى الساعة، فقد عاد بايبس إلى إلى حمص مجدداً، متكئاً هذه المرّة على تقرير صحافي نشرته 'نيويورك تايمز'، مطلع تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، يسير عنوانه على ما يشتهي صاحبنا تماماً: 'مدينة كبرى في سورية تتعالى فيها نبرة الحرب الأهلية'. آخر اكتشافاته في هذا المضمار كان تحليله لتصريح للعقيد الأسعد، يقرّ فيه بأنّ الغالبية الساحقة من أفراد 'الجيش السوري الحرّ' هم من... السنةّ!

ولا يخفى أنّ تحليلات مثل هذه تستخدم معلومة صحيحة، لكنها تتكىء على دلالات ليست كامنة فيها بالضرورة لكي تقفز إلى نتائج خاطئة، أو مطلقة، بينها دنوّ الحرب الأهلية مثلاً. صحيح أنّ الكثير من المعلومات يمكن أن يفضي إلى هذا المستوى أو ذاك من تلمّس أخطار مواجهات ذات طابع طائفي، إلا أنّ تلك المواجهات تظلّ فردية محدودة النطاق، يرتكبها أفراد في سياقات احتقان محددة، ولا تنخرط فيها طوائف، أو حتى شرائح متجانسة سياسياً واجتماعياً، من طائفة أو أخرى. وعلى سبيل المثال النقيض، إذا كانت الغالبية الساحقة من منتسبي الفرقة الرابعة، ضباطاً وأفراداً، هم من أبناء الطائفة العلوية؛ فهل يعني هذا أنّ الفرقة تخوض حروبها ضدّ المدن والبلدات والقرى السورية دفاعاً عن الطائفة العلوية؟ كلا، بالطبع، لأنها إنما تدافع عن بقاء النظام ذاته، وهو متعدد الطوائف بالضرورة، عند مصالحه العليا تتكامل وتلتقي مصالح أطرافه جمعاء.

ولا يخفى، كذلك، أنّ بايبس ليس الوحيد الذي يهجس باحتمالات الحرب الأهلية، إذْ أنّ مناقشة الأمر على نحو رصين وموضوعي ليست أمراً محرّماً، ولعلّها صارت أكثر ضرورة من ذي قبل، مع اشتداد انكباب النظام على منهجة الأعمال الكفيلة بتسعير الاحتقانات الطائفية. بيد أنّ بايبس لا يلهج بهذا السيناريو منذ ربع قرن ونيف، ولا يواصل التنبؤ بوقوعه حتماً، بين ليلة وضحاها، وليس بين شهر وآخر، فحسب؛ بل هو أخبث مَنْ يطرح الكابوس الكارثي في صيغة تطهيرية وتحذيرية في آن، معادلتها بسيطة بقدر قباحتها: دعوا هذا النظام على قيد الحياة، فهو الضامن لكم في الغرب عموماً، وفي الشرق أيضاً، ولكن في إسرائيل أوّلاً من شرور انقسام سورية إلى طوائف وشيع ودويلات!

وإذا جاز أنّ النظام السوري يعيش قصة غرام عجيبة مع بعض الإعلاميين اليهود، وبالذات في هذه الأيام حين صارت نهايته على مرمى البصر، فإنّ دانييل بايبس يختلف عن برباره والترز وأندرو غليغان في أنّ غرامه ليس الأعجب فقط، بل هو اللدود الألدّ أيضاً!

=================

«حزب الله» والمتغير السوري

الجمعة, 09 ديسيمبر 2011

وليد شقير

الحياة

استخدم الأمين العام ل «حزب الله» السيد حسن نصرالله في خطابه في اليوم العاشر لإحياء السيرة الحسينية عبارة «المتغيرات» ثلاث مرات، في معرض تأكيده أن المقاومة باقية وأن سلاحها باق، وفي معرض حديثه عن المراهنين على هذه المتغيرات بأنهم يريدون تحقيق ما عجزت عنه إسرائيل عبر الحوار الوطني وتركيزهم على مسألة سلاح الحزب.

ومع التشدد الذي أظهره السيد نصرالله في ما يخص احتفاظ الحزب بسلاحه، وهذا أمر طبيعي، فإن استخدامه تعبير المتغيرات يحمل جديداً قياساً الى خطبه السابقة. وإن لم يقل إن المقصود بالمتغيرات هو التغيير في سورية معبر السلاح الى الحزب ومقاتليه والحليف الإقليمي الأول له ولإيران، فإن الجديد هو أنها المرة الأولى التي يشير فيها الى احتمالات التغيير في دمشق، وذلك من باب التأكيد لخصومه المحليين والإقليميين أن هذه الاحتمالات لن تقود الى تغيير في منطلقات سياسته في لبنان ولا في ثوابته المتعلقة بسلاحه.

فالخطاب السياسي السابق للسيد نصرالله ولقيادة الحزب، كان معاكساً تماماً. فقبل أسبوعين فقط أكد بثقة أن النظام السوري باقٍ ولن يتغير ولن يسقط وأنه سيكون أقوى من السابق. بل إن قادة الحزب كانوا على مدى الأشهر التسعة الماضية من عمر الانتفاضة السورية يؤكدون لهذا الفريق أو ذاك، ولهذا الحليف أو ذاك، ما كان رموز النظام السوري يكررون، بأن الأزمة في سورية انتهت، وأن ما بقي هو «فلول العصابات المسلحة» التي يلاحقها الجيش وقوات حفظ النظام، والقضاء عليها يحتاج الى أيام أو الى أسبوع أو أسبوعين. وكان بعض اللبنانيين الحلفاء للنظام السوري يبلغ محدثيه وهو يتطلع الى ساعته: في التوقيت الفلاني تكون درعا، (أو حماة أو حمص أو إدلب أو جسر الشغور الخ...) انتهت وجرى تنظيفها من المتمردين... وكان بعض من يسمع هذا الكلام يصدق والبعض الآخر لا يصدّق ويكتفي بالانتظار، ليعود فيسأل بعد أسبوعين عن مصير الحسم العسكري الذي وعد به هذا القيادي أو ذاك في سورية، فيلقى جواباً مشابهاً، لكن عن منطقة أخرى. إلا أن قادة «حزب الله» كانوا يتصرفون على أن لا مجال أمامهم سوى المراهنة على نجاح النظام في سحق الانتفاضة، لأنهم كانوا يشعرون أن مصير الحزب ودوره وقوته كانت تتوقف على بقاء الحليف الرئيس في موقعه، مهما كانت مشكلته مع قطاعات واسعة من الشعب السوري.

وإذا كان من تلقوا الوعود بحسم الأمور لمصلحة نظام الرئيس بشار الأسد، قد سئموا تكرارها من دون أن تنجح، فإن قادة «حزب الله» أنفسهم لا بد من أن يكونوا هم أنفسهم سئموا المعزوفة من كثرة تكرارها. وهذا أطلق نقاشاً داخل الحزب حول خياراته وسياساته في حال فشل الرهان على بقاء النظام السوري، أو في حال بقائه مع تعديل أساسي في توجهاته ومنها حيال لبنان. فقيادة الحزب سبق أن تابعت عن قرب بداية الأزمة ونصحت باستعجال الإصلاحات، وبعدم الاعتماد على الحل الأمني وبفتح الحوار مع المعارضة. لكن القيادة السورية تعاطت مع هذه النصائح مثلما تعاطت مع غيرها (تركيا، قطر ودول خليجية...) في بداية الأزمة، برفض الأخذ بها، بحجة أن سورية لا تحتاج الى مثل هذه النصائح وأن قيادتها أدرى من الآخرين بشعابها...

وليس من باب المغالاة القول إن «حزب الله» يتصرف بقلق حيال احتمال المتغيّر السوري، وبات يضرب حسابات لاستباق هذا المتغيّر.

لكن المقلق في نظرة الحزب الى هذا الاحتمال أنه يعتمد سياسة تستأخر التغيير في سورية وتنتظر حتى يحصل من دون التسليم به. وإذا كان الحزب وحلفاؤه يأخذون على زعيم تيار «المستقبل» رئيس الحكومة السابق سعد الحريري وقادة قوى 14 آذار أنهم يستعجلون سقوط النظام السوري ويبنون رهانات على هذا السقوط تغييراً في موازين القوى المحلية، ويعتبرون ذلك تدخلاً في الشأن السوري الداخلي، فإن ما يعيبونه على خصومهم يقعون فيه أيضاً حين يتجاهلون آثار احتمال التغيير على لبنان وعلى موقع الحزب الإقليمي وفي المعادلة الداخلية. إنه تدخل ولكن بالوجهة المعاكسة، ضد تطلعات الشعب السوري بالتغيير وضد وصول «الربيع العربي» الى سورية.

والمقلق أيضاً أن «حزب الله» بدلاً من أن يسعى الى التكيّف بليونة، يعمد الى تشدد قد يقوده الى الخشونة. فهو يرفض التسليم بأن المتغير السوري سيقود الى تغيير موقعه المتفوق في ميزان القوى الداخلي الذي اكتسبه بفعل الدور السوري السابق الذي بني على قهر فريق على حساب آخر. وهذا يعني أن الحزب يميل حتى الآن الى اعتبار أرجحيته في التركيبة اللبنانية الراهنة حقاً مكتسباً لا يقلل من وزنه أي تغيير في الدور السوري. ولهذا السبب ينبّه خصومه منذ الآن بألا «يفكروا» في أن قوته ستنقص وأنه سيحتفظ بمفاعيل الدعم السوري الذي تلقاه طوال السنوات الماضية حتى لو حصلت «المتغيرات».

وهذا يعني أن لبنان أمام مرحلة صعبة في كل الأحوال.

==========================

لم يتغير العالم بالنسبة لسوريا

طارق محمد الناصر

الرياض

8-12-2011

 لا تنفك أبواق النظام السوري عن الحديث عن تمتع الرئيس بشار الأسد بشعبية وشرعية كبيرة. وهم يجادلون بان أغلبية الشعب السوري لم تخرج للتظاهر ضد النظام مما يعني انها مع النظام وتؤمن شرعيته. ناهيك عن ان المظاهرات الداعمة للنظام تجلب جماهير أكثر من تلك التي تناوئه.

هذه الحجة تذكرنا بالنكتة السوفيتية التي تقول إن أمريكيا تباهي بالحرية الأمريكية أمام سوفيتي قائلا ان بإمكانه الوقوف أمام البيت الأبيض وكيل الشتائم للرئيس الأمريكي دون ان يخشى المساءلة فرد عليه السوفيتي بانه، هو الآخر، يتمتع بحرية الوقوف أمام الكرملين وكيل الشتائم للرئيس الأمريكي دون ان يخشى المساءلة.

أبواق السوء تتناسى ان هناك فرقا كبيرا بين الفئتين. المتظاهر ضد النظام في سوريا يخاطر بدفع ثمن كبير من دمه وماله وعرضه في حال خرج للتظاهر بينما يمنّي المتظاهر المؤيد للنظام نفسه بثمن كبير لقاء مشاركته في احتفالية التظاهر.

والحق ان النظام السوري يتعامل مع التظاهرات الحاشدة التي تتحدى بطشه بسياسة الأرض المحروقة. فالنظام أمعن في استخدام الورقة الطائفية جاعلا الأحقاد تصل إلى أعلى مستوياتها في البلاد. لا يهم النظام السوري حقيقة انه يخاطر بإشعال حرب أهلية، بل وربما هو يسعى إليها، كي لا يكون أمام خصومه إلا خياران إما هو أو الحرب الأهلية.

النظام يعلم تماما انه يخوض حرب مصير وليس لديه خيار إلا استنساخ سياسة القمع التي مكنت حليفه الإيراني من إخماد جذوة الحركة الشبابية الخضراء. هو لا ينظر إلى تجارب القمع الفاشلة في تونس ومصر وليبيا بل ينظر للتجربة الناجحة في إيران.

وفي مواجهة التحرك العربي القوي تقوم سياسة النظام على محاولة إغراق العرب بالتفاصيل وتقديم الاستفسارات والتفسيرات لكسب الوقت ظنا منه ان بإمكانه إنهاء التظاهرات قبل الخضوع لاستحقاقات الوعود التي قطعها للعرب.

ما لا يدركه النظام السوري ان الزمن تغير. فشباب الثورة الإيرانية الخضراء لم يكونوا ينادون بإسقاط النظام بل بإلغاء الانتخابات المزورة بمعنى انهم تحدوا شرعية الرئيس نجاد تحت سقف النظام نفسه. هذا بالإضافة إلى ان الشارع السوري لا يستلهم النموذج الإيراني بل النموذج الليبي الذي صبر لأشهر طويلة وقدم تضحيات عظيمة لكنه حظي أخيرا بالخلاص من الديكتاتور.

كما يفوت النظام الذي سبق له ان أحرق الجسور العربية بعد عبورها ان العرب ليس بإمكانهم، أصلاً، السكوت على المجازر التي يرتكبها حتى لو أرادوا. إذ ان الضغط يأتي من مواطنيهم للتحرك نحو إيقاف الطاغية عن مجازره.

العالم تغير، والجميع يدرك، بلا شك، ذلك .. عدا النظام السوري.

=================

سوريا.. وغيرها

أنس زاهد

الخميس 08/12/2011

المدينة

القرارات التي اتخذتها الجامعة العربية بخصوص فرض عقوبات على النظام السوري، تستحق الإشادة. وكلي أمل أن تكون هذه القرارات القوية بمثابة تحول في مسيرة العمل العربي المشترك الذي لم يكن في يوم من الأيام في مستوى تطلعات الشعوب وهمومها.

الجامعة العربية مطالبة الآن وبعد اتخاذ قرار العقوبات على سوريا، بالتأكيد على ثوابت العمل العربي المشترك، وعلى رأسها إعادة الحياة لمفهوم الأمن القومي الذي تم نسفه بواسطة اتفاقية كامب ديفيد والحرب العراقية الإيرانية. وبالتأكيد فإن أفضل وسيلة لذلك هي إحياء وتفعيل مواثيق الدفاع المشترك بين الدول الأعضاء.

هذه الخطوة ستضمن تحقيق التوازن المطلوب بين تفاعل الجامعة العربية مع تطلعات الشعوب وانسجام توجهاتها الأخيرة مع مبادئ حقوق الإنسان من جهة، وبين الدفاع عن وحدة أراضي الدول العربية المستهدفة من قبل القوى الدولية الطامحة في تكريس هيمنتها على المنطقة من جهة أخرى.

الجامعة مطالبة الآن وأكثر من أي وقت مضى ببحث فكرة إنشاء قوة للتدخل السريع حتى يظل زمام المبادرة في الشأن العربي، بيد العرب وحدهم. وبلا شك فإن العرب يمتلكون من الناحية النظرية الأسباب المؤهلة لإنشاء مثل هذه القوة التي يتوجب أن تعمل بشكل مستقل وبإرادة عربية صرفة بدلا من القرارات والخطوات المنفردة التي تتخذها بعض الدول لنصرة التدخلات العسكرية الأجنبية، بل والمشاركة فيها كما حدث في الحالة الليبية.

من ناحية أخرى فإن خطوة العقوبات على النظام السوري، يجب أن تعمم على جميع الحالات المماثلة، وهو ما سيؤكد أن الجامعة بصدد تدشين عهد جديد يقوم على نصرة الشعوب ودعم خياراتها واحترام إرادتها والدفاع عن مصالحها هي لا مصالح الأنظمة التي تصر على تأزيم الأمور، وممارسة أبشع أنواع الانتهاكات لحقوق الإنسان، والوقوف في وجه تطلعات شعوبها حتى ولو أدى ذلك إلى توفير الأرضية والمناخ المناسبين لإشعال حرب أهلية تأتي على الأخضر واليابس كما يحدث في كل من سوريا واليمن.

المأمول ألا تكون الحالة السورية استثناء يؤكد القاعدة.

=================

الثورات العربية والاستراتيجيات الغربية

2011.12.07

عبد الرزاق مقري

الشروق الجزائرية

حينما بدأ لهيب الثورات العربية يمتد من بلد لآخر أخذ الكثير يتساءل عن علاقتها بالغرب، هل هي ثورات تلقائية أم مصنوعة، هل هي ثورات تغييرية أم تغريبية، هل هي ثورات يملكها من أطلقها أم يحكمها من دُرِّب في مخابر الغرب لتدبيرها، وذهب الناس في هذا التخمين مذاهب. بين من قال عجبا في الإسلاميين الصاعدين للحكم فوصفهم بالتآمر والتخابر مع أمريكا، ومن ظنّ حالما بأن الغرب قد فقد وجوده في بلاد العرب ولم يعد له فيها وليٌّ ولا صديقٌ. فما حقيقة الاستراتيجيات الغربية في البلاد العربية بعد الثورات؟ وما هو مستقبل مصالحها بعد الصعود السياسي للتيارات الإسلامية؟ لا يستغرب أحدٌ هلعَ الحكام العرب ومن بقي منهم حينما يهرعون إلى التفسير التآمري لطبيعة الثورات التي تهز أو تهدد عروشهم، ولكن المستغرب هو انخراط بعض النخب المثقفة والإعلامية في الترويج لهذا المنطق الذي لا يقوم على أساس. يكفي لمن يريد البُرْءَ من هذا الهَوَس أن يتمعَّن في قصة كل ثورة نهضت، من تونس إلى مصر إلى ليبيا إلى اليمن إلى سوريا. هل يعقل مثلا أن نصدق بأن أمريكا تخاطرت مع البوعزيزي ليحتج على المرأة الشرطية التي تكون المخابرات الغربية قد أمرتها بإهانته أمام الناس ثم يُقدِم بائع الخضار على إضرام النار في نفسه باتفاق مسبق مع قوى أجنبية! أم هل ينطلي على عاقل أن أطفال الشام الذين تسبّبوا في بعث الثورة في وجه حكام البعث في سوريا قد شجعهم أجانب على اللعب في الشوارع بعبارة "الشعب يريد إسقاط النظام"، ثم أوحى هؤلاء الأجانب لحاكم درعا وزبانيته بأن يحتجزوا وينتقموا من معشر الصبية العابثين، وحينما يأتي أولياؤهم للسؤال عنهم وطلب الصفح عليهم يواجههم الحاكم بعبارات هاتكة للشرف والكرامة فيقول لهم: "انسوا أولادكم واذهبوا لنسائكم لعلهن ينجبْن لكم غيرهم وإن عجزتم ائتونا بهن فسنصنع لكم منهن أطفالا جددا". أليس هذا الطغيان الماجن بقادرٍ على بعث ثورات تلو الثورات لا ينطفئ سعارها حتى يسقط عرش النظام الحاكم برمته؟ ليس هذا المشهد مقطعا من فلم هوليودي صنعته أمريكا. لم يكن أعيان درعا يُمثّلون حينما نزعوا العُقال عن غطاء رؤوسهم ورموه على الأرض في تصرف يفهم طاغية درعا بأنه يعني عند البدو إعلان حرب ستأكل الأخضر واليابس جراء ما تلفظ به. لم يكن هذا، ولا الذي قام به القذافي ولا صالح ولا مبارك ضد شعوبهم المنتفضة، خيالات من صنع أمريكي أو أوربي، إنها جرائم وقعت على الأرض حقا، فَجَّرت وضعا سياسيا واقتصاديا واجتماعيا محتقنا سلفا، صادف جاهزية غير مألوفة عند شباب جمعهم الفايس بوك، وأحزابا ومنظمات جاهزة للانقضاض على فرصة حُرموا منها سِنون الزمن المنصرم. وعلاوة على ذلك لا ننسى بأن جل الانتفاضات بدأت بطلب الإصلاح والحرية فحسب، ولو سارع الحكام لمنح الناس ما يطلبون بدل تعذيبهم ورميهم بالرصاص الحي وسفك دمهم، لما تطورت الانتفاضات إلى ثورات تطالب بإسقاط الأنظمة وإنهاء وجودهم.

حينما يكون نظام الحكم عادلا يخاف أعوانُه من ظلم غيرهم، خصوصا في سفك الدماء وزهق الأرواح، لأنهم يعلمون بأن القصاص مصيرهم فيُصان حقُ الحياة وتُحفظ الأرواح. إن من يستهين بأثر الدم المسفوك ظلما في نشر الموت الزؤام بين الناس لا يعرف عن سنن الحياة أمرا ولم يستفد من هدي القرآن شيئا. هكذا هي الدنيا وهكذا هي طبائع بن آدم، كل قطرة دم تسيل ظلما تجلب حسرةً على الناس جميعا، حتى يسقط الظالم أو تكون فتنة تدوم سنوات وسنوات. هذه هي الدائرة الجهنمية التي كثيرا ما يتورط فيها الطغاة، يعتقدون بأن قتل الخصوم يُوطد حكمهم ويحبط الثورات عليهم فيسقطون في دوامة من الدماء لا تتوقف، تُفسد عليهم حياتهم وترسم حتفهم ولو بعد حين... إذ ينتقم الدم المنهمر منهم شر انتقام. هكذا هي السنة الكونية التي بيّنها الله تعالى في محكم التنزيل: ((ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب))، إنها سنّة لا يعرفها إلا أولوا الألباب، الدم يجلب الدم، إلى أن يكون القصاص أو تُرفع المظالم بالصلح والدِّيات وجبر الخواطر. ولكن هل للطغاة ألباب؟ الأسهل لهم ولزبانيتهم أن يصرخوا في الناس بأنها مؤامرة أمريكية أو أوربية.

قد يصعب على الكثير فهم التحول الذي بانت عليه الحكومات الغربية حين أدارت ظهرها لأنظمة طالما رعتها وساندتها ضد شعوبها ثم توجهت لمناصرة الثورات وزادت على ذلك فرحبت بمجيء الإسلاميين، خصومها اللدودين. اعتقد الكثير أمام هذا الوضع المعقد بأن ثمة تحالفات جديدة تصاغ بين الغرب والثوار أو الإسلاميين الفائزين. وفي حقيقة الحال ليس الأمر هكذا، كما أن ادّعاء قبول الغرب للأمر الواقع من جهة أخرى وعدم اكتراثه بما يحدث وترحيبه البريء بالديموقراطية العربية لا تقبله العقول العارفة بطبائع الجنس الغربي واستراتيجياته الماكرة.

لفهم حقيقة الأمر لابد أن نستظهر الأسس التي تَبني عليها المؤسساتُ الغربية منظومة علاقاتها الخارجية، وترسم من خلالها استراتيجياتها في إقامة التحالفات وبناء الصداقات وإنشاء العداوات وتوجيه الإعانات والإعاقات. لا تُخفي أمريكا من ذلك على العالم شيئاً، أذكر يوما ما في سنة 1994 سلّمني الشيخ محفوظ نحناح، رحمه الله، وثيقة أعطتها إيّاه السفارة الأمريكية تنص فيها بشكل واضح بأن أصدقاءها في العالم هم من يلتزمون بأسس ثلاثة هي: مصالحها وأمن مصادر الطاقة، السلام مع إسرائيل، المعايير الحضارية التي منها الديموقراطية وحقوق الإنسان وحقوق المرأة وغيرها.

هذه هي أسس الصداقة الأمريكية المعلنة مجملا، ولكن حينما تضعها على محك التجربة وخبرة السلوك الغربي والأمريكي تجد ثمة تفاوتا كبيرا في الالتزام بهذه الأسس في أرض الواقع. أما المعايير الحضارية كالديمقراطية وحقوق الإنسان وحقوق المرأة والأطفال والبيئة وما شابه ذلك، فهي مجرد ادّعاءات تصلح أولا لتعبئة الرأي العام في المجتمعات الغربية، المؤمنة حقا بالديمقراطية المطلعة على فوائدها المُتمتّْعة بثمارها، ثم هي بعد ذلك سوط مسلّط على الدول والمجتمعات الأخرى التي لا تسير في الفلك الأمريكي والأوربي. فقد تجد دولا لا توجد فيها أحزاب أصلا ولا تنظم فيها انتخابات... ولا تستطيع المرأة أن تترشح وتنتخب أو أن تسوق السيارة..، ولكنها من أهم الدول الصديقة لأمريكا والغرب، وقد تجد دولا أخرى فيها تعددية وديموقراطية نسبية وحرية رأي والمرأة طليقة في دربها وسلوكها ولكنها دول تلاحق لفقدان الحرية فيها. وما ذلك في الحالتين إلا لخدمة الأساسين الآخرين.

إن الجانب المهم في أسس الصداقة الغربية والأمريكية، الذي يجب فحصه والوقوف عنده، هو العلاقة بين الأساس الأول والثاني، أي المصالح والسلام مع إسرائيل. أيهما أهم في الاستراتيجية الأمريكية؟ وما درجة التلازم بينهما؟ وأيهما أثبت وأدوم؟ وما علاقتهما بالثورات العربية؟ وما الذي غيّرته فيهما الثورات العربية؟ وأين يكون التلاقي الممكن بين الغرب والحركات الإسلامية الصاعدة؟ وما الذي يحاك هنا وهناك بخصوصهما؟.. هذا الذي سنتحدث عنه في المقال المقبل بحول الله.

=================

العقوبات على سوريا

د. محمد العسومي

تاريخ النشر: الخميس 08 ديسمبر 2011

الاتحاد

تتزايد أهمية العقوبات الاقتصادية في العلاقات الدولية وتستخدم كأداة فاعلة في تحقيق الأغراض التي تسعى إليها بلدان العالم، سواء بصورة فردية، كالدول العظمى أو على المستويين الإقليمي والعالمي، كما هو الوضع في حالتي سوريا وإيران.

والعقوبات الاقتصادية أسلوب قديم نسبياً في العلاقات بين الأمم، ففي بداية القرن العشرين استخدمته البلدان الغربية ضد روسيا، كما فرضته الولايات المتحدة بصورة فردية على كوبا منذ عام 1959.

وتفاوتت تأثيرات هذه العقوبات بين بلد وآخر، وذلك وفقاً لشمولية هذه العقوبات ودرجة ارتباطها بالتركيبة الاقتصادية والاجتماعية للبلد المفروضة عليه، فالعراق تمكن من تخفيف حدتها في بداية التسعينيات وحتى عام 2003 بفضل عائداته الكبيرة من النفط، أما كوبا فتمكنت من الاستمرار في مناهضتها للولايات المتحدة بفضل دعم المعسكر الشرقي والصين لها على مدى أكثر من ثلاثين عاماً، ومن ثم دعم فنزويلا الدولة النفطية الغنية.

ومن التجارب السابقة يتضح أن الجميع يدفع ثمناً باهظا لهذه العقوبات، رسمياً وشعبياً، إلا أنها في نهاية المطاف تؤدي إلى تضعضع الأوضاع الاقتصادية والمادية وإلحاق خسائر جسيمة بالأفراد والمستثمرين، مما يوجد حالة من التذمر لدى فئات واسعة من المجتمع.

وفي الحالة السورية، فإن استمرار الاضطرابات لما يقارب العام، ألحق خسائر كبيرة بالاقتصاد السوري، وبالأخص بعد أن توقفت بعض البلدان الغربية عن شراء النفط، حيث كان ذلك بمثابة مؤشر لإصرار المجتمع الدولي على دفع النظام للاستجابة للبدء في القيام بعملية إصلاح حقيقية، لكن عدم مرونة القيادة السورية دفع بجامعة الدول العربية لفرض عقوبات قاسية على سوريا ستؤدي إلى مزيد من التدهور الاقتصادي هناك.

وسوف تتأثر معظم القطاعات الرئيسية من هذه العقوبات وفي مقدمتها قطاع النفط الذي يعتبر المصدر الرئيسي للعملات الأجنبية. أما القطاعان المالي والعقاري، حيث تستثمر دول مجلس التعاون عشرات المليارات فيهما، فسوف يعانيان، إذ أدت الاستثمارات الخليجية في القطاع المصرفي إلى تأسيس أربعة بنوك خلال العقد الماضي، ضمنها بنوك إسلامية. وفي هذا الصدد أعلن عن وقف إجراءات إقامة بنوك جديدة، كالبنك المزمع إقامته بالشراكة بين بنك أبوظبي الوطني وبيت التمويل الخليجي. أما قطاع التجارة الخارجية، فإن التأثيرات السلبية عليه لن تقل شأناً، حيث تشكل تجارة سوريا مع البلدان العربية ما بين 45 و50 في المئة من إجمالي تجارتها الخارجية.

ورغم أن دولتين مهمتين، كروسيا والصين، لن تنضما لهذه العقوبات، كما أن إيران والعراق تحاولان سد الفجوة الاستثمارية والتجارية، فإن واردات سوريا من روسيا تتركز في تجارة السلاح، بينما لا تملك إيران القدرات اللازمة لتعويض سوريا عن علاقاتها العربية.

وإذا ما أضفنا إلى ذلك بدء هروب رؤوس الأموال من سوريا، وخصوصاً عن طريق التهريب إلى لبنان، فلن يمر وقت طويل قبل أن "تنشف" السوق السورية وتصبح كالثمرة القابلة للسقوط في أي وقت.

ولحسن الحظ استثنت العقوبات العربية بعض المسائل المرتبطة بحياة الناس العادية ورزقهم اليومي، كتحويلات العاملين في الخارج، ومنتجات المزارعين والحرفيين وصغار التجار، حيث وجهت العقوبات لصميم الاقتصاد السوري الذي يعتمد عليه النظام ويستمد منه قوته، كالنفط والخدمات المالية والتجارة.

والواقع أن سوريا اليوم محاصرة اقتصادياً ومعزولة سياسياً، ومن المهم أن لا تطول فترة العقوبات، فإطالتها ستؤدي إلى تدني مريع في حياة الناس المعيشية، وهو ما لا يتمناه أحد، حيث يتحمل النظام مسؤولية هذا التردي بسبب تعنته وتحديه للمجتمع الدولي وتمسكه بأساليب لم تعد مقبولة في عالم اليوم.

=================

الدور التركي... والمتغيرات الإقليمية

جيمس زغبي

السفير

8-12-2011

في ظرف عام فقط، انتقلت العلاقات بين الولايات المتحدة وتركيا من التوتر إلى التعاون. وقد شكل هذا موضوعَ تعليق صحافي تركي تحدث خلال الجلسة الافتتاحية للمؤتمر الثاني للتحالف التركي - الأميركي. فبعد أن استعرض الاختلافات في العلاقة الثنائية، بالأمس واليوم، طرح هذا الصحفي سؤالاً وجيهاً في الواقع: «ما الذي حدث لتفسير هذا التغير وإلى أين سيفضي؟».

الصحافي تذكر أنه عندما حضر المؤتمر التأسيسي لهذه المنظمة في 2010، كان يعتري العلاقات بين البلدين نوع من الفتور، ذلك أن تركيا كانت قد قطعت علاقاتها مع إسرائيل على خلفية حصار هذه الأخيرة لقطاع غزة وهجومها المميت على سفن كانت متوجهة إلى القطاع. ولم تكن الولايات المتحدة راضية عن الجهود التركية الرامية إلى التفاوض حول توافق قد يخفف المخاوف الدولية من برنامج إيران النووي. وفي رد فعلهما، كان الكونغرس والإدارة الأميركية ينتقدان بشدة «التدخل» التركي والنزعة التركية الجديدة «المناوئة لإسرائيل».

وبالمقابل، تبدو العلاقات اليوم أكثر دفئاً من أي وقت مضى، إذ كثيراً ما يتحدث أوباما ورئيس الوزراء التركي مع أحدهما الآخر، وكذلك يفعل موظفوهما، ويبدو أن ثمة درجة من التعاون في التعاطي مع مواضيع إقليمية مهمة، من استمرار النزاع الذي يهز سوريا إلى الانسحاب الوشيك للقوات الأميركية من العراق.

فما الذي حدث لتفسير هذا التغير؟ باختصار، إنه «الربيع العربي»، والصعوبات التي تجدها الولايات المتحدة في طريقها عبر المتاهة التي خلقتها الحقائق السياسية الجديدة للمنطقة. فما كان ثابتاً أصبح اليوم متحولاً يغيِّر مشهد العالم العربي.

كل هذا حدث في ظرف صعب بالنسبة للولايات المتحدة. فرغم هيمنتها الاقتصادية والعسكرية، إلا أن قدرة الولايات المتحدة على المناورة والتحرك في هذه البيئة المتغيرة تصطدم بعدد من العراقيل. فأولاً وقبل كل شيء هناك الضرر الذي تسببت فيه حرب إدارة بوش المتهورة والقاتلة في العراق والتي خلقت استياء عميقاً عبر العالم العربي، ولطخت صورة الولايات المتحدة، وقوت إيران وزادتها جرأة. يضاف إلى ذلك فشل إدارة بوش في التحرك لوقف حروب إسرائيل الدموية الأربع ضد لبنان (2006) والفلسطينيين (الضفة الغربية في 2002، وغزة في 2006 و2009)، والتي لم تؤد إلا إلى تعميق الغضب العربي من الولايات المتحدة، وأخيراً، رغم نية أوباما تغيير الاتجاه، فإن التصلب الإسرائيلي والانقسام الحزبي العميق في واشنطن كانا يحبطان جهوده مراراً وتكراراً. وبلغت جهود العرقلة هذه أوجها في مايو الماضي مع الدعوة التي وجهها «الجمهوريون» إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو من أجل إذلال الرئيس أمام الكونغرس.

ونتيجة لذلك، كانت سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط خلال بداية الربيع العربي تسير على غير هدى. وواحداً تلو الآخر، كان الحلفاء يسقطون أو في خطر لتجد واشنطن نفسها في ورطة. صحيح أن الإدارة تستطيع التحدث حول دعم الانتفاضات الشعبية، لكنها كانت تعلم علم اليقين أنه إذا ما كُتب لهذه الانتفاضات النجاح، فإن التحول الذي سينتج عن ذلك لن يؤدي إلا إلى تعقيد وضع الولايات المتحدة الصعب أصلاً في الشرق الأوسط أكثر. وعلاوة على ذلك، فإن علاقة واشنطن «الوثيقة» بإسرائيل كانت قد «أخرجتها من اللعبة» في الواقع، مما قلص قدرتها على لعب دور مهم في المنطقة. والواقع أنه في هذه اللحظة بالذات انفجرت سوريا. وعلى غرار الولايات المتحدة، أُخذت تركيا أيضاً على حين غرة من قبل تطورات الربيع العربي المتلاحقة حيث كان ردها على التطورات في كل من مصر وليبيا اعتباطياً في البداية. غير أنه بعد الغليان في جارتها الجنوبية، بذلت تركيا جهوداً حثيثة للتدخل، حيث دعت إلى الإصلاح في البداية، ثم إلى المفاوضات، وبعد ذلك، طالبت بوضع حد لإراقة الدماء، قبل أن تحتضن المعارضة في الأخير متخليةً بذلك عن نظام الأسد ومعلنةً عن عقوبات واسعة ضد حليفها السابق.

واليوم يبدو أن الولايات المتحدة بدأت تصغي لتركيا كحليف مهم في التعاطي مع الملف السوري لسبب مهم. ذلك أنه نتيجة دعمها للفلسطينيين، اكتسبت تركيا «مصداقية الشارع» في العالم العربي، في حين أن الولايات المتحدة لا تمتلك شيئاً من ذلك. فتركيا تستطيع الاجتماع مع الجامعة العربية كشريك، في حين أن الولايات المتحدة لا تستطيع؛ كما أن تركيا تستطيع إيواء ودعم المعارضة السورية على نحو لا تستطيعه الولايات المتحدة.

إلا أنه لا بد من التنبيه هنا إلى جملة من المحاذير، فتركيا لا تستطيع المبالغة في لعب أوراقها في سوريا. فهي ليست «زعيمة العرب»، وهي لا تنوي لعب هذا الدور، على ما أعتقد. صحيح أن تركيا تحظى بمكانة ممتازة عبر العالم العربي، مثلما يُظهر ذلك استطلاع الرأي الأخير الذي قمنا به، إلا أن ذلك لا يمثل دعوة لتركيا لإعادة فرض «عثمانية» جديدة، ولا سيما أن استطلاعات الرأي التي نقوم بها تشير إلى أن تركيا قد لا تكون سوى «وكيل»، لأنه عندما يُسأل العرب حول الجهة التي يريدونها أن تقود المنطقة، يجيبون: «مصر». فتركيا تحظى بالتقدير والاحترام، لكن كشريك إقليمي، وليس كزعيم عربي.

ثانياً، يجب على تركيا أن تكون حذرة وأن تحرص على عدم السماح لأي ضغط خارجي أن يرغمها على أن تغوص عميقاً داخل المستنقع السوري. فبعض المعارضين السوريين قد يريدون من تركيا أن تتدخل عسكرياً في سوريا، ولكن ذلك قد يكون خطأ قاتلاً لأن من شأنه أن يؤجج نزاعاً دموياً أصلا، بحيث يتسبب في مزيد من أعمال القتل والاضطرابات في منطقة غير مستقرة أصلا، كما من شأنه أن يعرِّض للخطر مصداقية تركيا في المنطقة.

ولعل المسار الأكثر حكمة هو أن تقاوم تركيا الضغوط وتواصل عملها بتنسيق مع الجامعة العربية للتشديد على ضرورة أن يدخل النظام السوري مفاوضات تفضي إلى إصلاح واسع وانتقال للسلطة على نحو منظم. لقد تغيرت العلاقات بين تركيا والولايات المتحدة رداً على التغيرات الدراماتيكية التي تحدث في العالم العربي. ولكن حتى مع هذه التغيرات، فإنه ما زالت ثمة بعض الثوابت، وفي مقدمتها الأخطار المرتبطة بالتسامح المحدود للمنطقة مع التدخل الأجنبي.

=================

مؤامرة الربيع العربي !

أسامة الشريف

الدستور

8-12-2011

هناك من العرب من يعتقد بأن ظاهرة الربيع العربي وما تلاها ما هي إلا مؤامرة من قوى معادية لكل ما هو عربي. هناك من يقول جازما بأن تحالفا صهيونيا-اميركيا يعمل في الخفاء للاطاحة بنظم بلغت عمرها الافتراضي واستبدالها بنظام حكم اسلاموي متعصب يثير مخاوف الغير ويبرر تمترس اليمين المسيحي في اميركا وغيرها. وهناك من لا يزال يدافع عن نظام معمر القذافي في ليبيا وينعى زوال البعث في العراق ويشكك في نوايا من يدينون سوريا ويدعون للتخلص من حاكمها.

لا يوجد دليل دامغ يدعم نظرية المؤامرة الشاملة. بل ان كل الدلائل تشير الى ان الغرب أخذ على حين غرة عندما اندلعت ثورة تونس قبل ان تنتقل عدواها الى مصر وليبيا واليمن وسوريا. وبعيدا عن مواقف البعض، سواء من الدول العربية أو غيرها، وأجندتهم الخاصة فانه لا يمكن اعتبار ثورة الشباب العربي على أنها مشروع خطط له مسبقا ونفذ في الوقت المناسب. كما لا يمكن القبول بنظريات سخيفة ترى في الانظمة المتهالكة في كل من تونس وليبيا ومصر على انها خسارة فادحة للعرب ونصر كبير لاعدائهم.

اكثر الذين يروجون لنظرية المؤامرة هم من بقايا القوميين العرب، لا الشباب الذي اثبت انه يؤمن بالديمقراطية والدولة المدنية والحريات العامة اكثر من غيره. مشكلة هؤلاء القوميون انهم متعلقون بالايدولوجيا بشكل أعماهم عن رؤية الحقيقة، وهي ان نظام البعث سواء في العراق أو سوريا كان نظاما متسلطا، جائرا، فاسدا، دمويا ضد شعبه، ديكتاتوريا ونرجسيا. الادهى ان هذين النظامين جربا لعقود طويلة وجرا العالم العربي الى ويلات ومغامرات فاشلة اهلكت الناس وضيعت الحقوق وجوعت البشر! كل ذلك لا يعني ان اعداءنا لا يتربصون بنا. لكننا لسنا ادوات بيد الغرب، والذين ثاروا وانتفضوا واعتصموا وطالبوا بالحرية ليسوا عملاء ولا هم سذج.

تحرير الارض والانسان لن يتأتى عن طريق حكم شمولي أعمى البصيرة. والعرب ليسوا قاصرين بحيث يتم تجاهل تضحياتهم في سبيل الحرية أو الانتقاص منها.

اما الذين يقولون بأن هدف اعداء الامة هو تسليم الحكم للاسلاميين كي يتسنى تحفيز الشعور الوطني/القومي/الديني في الغرب المسيحي فان في ذلك افتئات كبير على ملايين العرب الذين قرروا في هذه اللحظة التاريخية تمكين الاسلام السياسي بعد عقود عجاف من حكم القوميين واليساريين والليبراليين. إذا كانت الديمقراطية هي الأرضية المتفق عليها من قبل جميع الأطراف فعلينا أن نقبل بنتائجها طالما أن خيار التغيير وارد.

في انتخابات روسيا الأخيرة تراجع حزب بوتين وحل الحزب الشيوعي في المركز الثاني. تلك كانت خيارات الشعب الروسي وعلى العالم ان يحترمها. وفي الهند هزم حزب الكونغرس الوسطي وانتصر حزب يميني هندوكي متشدد. وفي اسرائيل لم يعد لليسار من مؤيدين وظفر اليمين واليمين المتطرف بالحكم.

مللنا من نظريات المؤامرة ومن احكام تشدد على تخلفنا وعدم قدرتنا على التعامل مع الديمقراطية وتداول السلطة. اليمين الاميركي يتحالف مع الكنيسة في دولة من المفترض انها علمانية، وفي غيرها تنتصر الايدولوجيات المحافظة كما في اسبانيا مؤخرا. المهم في الأمر هو خيار الناس والقبول بتداول سلمي للسلطة وهو ما لم نحصل عليه منذ سنوات الاستقلال.

قد يفشل الاسلاميون في النهاية لكنهم جزء اصيل من هذه الامة ولهم كامل الحق بأخد فرصتهم بعد ان ضيع اليسار العربي عشرات الفرص. المهم ان نحترم خيار الشعوب وان نعمل على تحقيق التغيير بوسائل ديمقراطية.

=================

من القذافي الى الأسد.. الشعوب ابقى من حكامها

اسامة عبدالرحيم البشيري

2011-12-07

القدس العربي

هكذا قالت العرب قديما ولعمري انها حكمة بالغة الاثر يجب ان يقرأها ويفهمها كل حاكم عربي، فلاحصانة لأحد اليوم والشعوب ابقى من حكامها، وماحدث لزين العابدين وحسني مبارك والنهاية الدامية لطاغية العصر معمر القذافي التي كان يستحقها بعدما فعله بشعبه وتمسكه بالكرسي وتحديه السافر لشعبه.

ويبدو ان القذافي لم يقرأ تلك الحكمة وعاند وصرخ وتوعد وطالب بزحف الملايين وجند الجنود والمرتزقة والاعلام، وصرف الأموال الطائلة ووزع السلاح واثار الفتن والفوضى في كل ربوع ليبيا، ولم يكن يدري ان مكر الله اقوى من مكره.

وهاهو الدكتور بشار الأسد يسير على خطى القذافي، ولم يفهم قواعد اللعبة بعد ولم يستوعب الدرس بعد ولازال يقتل شعبه منذ تسعة اشهر، ويصفه بالعصابات المسلحة والارهابيين ولم يسلم من بطشه حتى الاطفال والنساء، وحشد الجيوش والرجال والشبيحة والاعلام وماطل سياسيا ودبلوماسيا، وقال بهدوء الواثق من نفسه ان بقاء سلطانه وملكه يعني استقرار سورية والمنطقة بأكملها، والا فالويل والثبور وهدد بزلزال سيطال الجميع وان سورية بدونه لن تقوم لها قائمة وأصبح يردد نفس كلام القذافي المأفون.

واثار فزاعة الحرب الاهلية والطائفية وانه لامستقبل لسورية من غيره وانه يمثل الشرعية والثورية وحتى الرجولة والفحولة، وكأن الشعب السوري عقيم لايفكر ولا يوجد به رجال وكفاءات ونسي ان وجوده في الحكم غيرشرعي، فعندما توفي والده الدكتاتور الذي ولغ في دماء السورييين حتى الثمالة، وتم بعدها تنصيبه رئيسا لسورية، وصار الحاكم بأمره ولم نسمع في علم القانون او السياسة او العرف بأن الأبن يصبح رئيسا بعد ابيه في نظام جمهوري وليس ملكيا ونعلم ان الأبن يرث ابيه، في ماله وممتلكاته وديونه، لا في دولة وشعب وامة وموارد وتاريخ وجغرافيا، وكأنها مزرعة او شركة تورث للأبناء، ولا قيمة لرأي ومشاعر وكرامة شعب بأكمله.

وعندما انتفض الشعب السوري في سياق ربيع عربي جاء عفويا ومفاجئا ومتسلسلا ومتنقلا من غرب الوطن العربي إلى شرقه، دون مؤامرة كما يدعى دكتور العيون وإعلامه وأتباعه، وكما ادعى القذافي فى لحظة يأس من قبل، وما حدث لادخل لأحد به لامن الغرب او الشرق او الشمال، وانما هوارادة شعب أراد ان يسترد كرامته وعزته وان يستعيد بلادا احتكرها آل الأسد وأصبحوا يورثونها كيفما أرادوا.

هذه هي الحقيقة ياسيادة الرئيس، شعبك يبحث عن امل وكرامة وحرية وانت تبحث عن زعامة وسلطة ومجد زائف، شعبك مل من الفساد والقهر والذل، وانت لم تمل من قهر شعبك واذلاله وقتله وتدمير مدنه ومحاصرتها، ولازلت تكرر انها مؤامرة، فهل يعقل ان يكون شعبا بأكمله متآمرا عليك وموجها من جهات خارجية، وفي هذا الكلام تجنيا على وعي وعقل وثقافة شعب عريق كالشعب السوري.

اقولها لك بكل صراحة ارحل واترك السلطة، ودع شعبك يقرر مصيره وانا مجرب وخبير، وكنت على يقين بان القذافي، معذبي وقاهري، ودكتاتور عصره والمجنون بنفسه قد انتهى من اول يوم انتفض فيه الشعب الليبي، وان عليه ان يرحل لو كان عاقلا ولكنه ابى واعتقد انه لا يقهر، فوقع في شر اعماله واستدرجه الله من حيث لايعلم.

اقولها لك بكل بساطة قد لاتفهمها ولن تستوعبها وستشعر انها ظلم لك، وانتقاص من قدرك واهانة لسموك، قدم استقالتك الى الشعب السوري واطلب منه السماح وغادر البلاد واتركها لمن قهرت من العباد، والا سيكون مصيرك كمصير القذافي والعلم عند الله ولكن الله لا يرضى بالظلم وهو شديد العقاب، ويمهل ولا يهمل.

دع الشعب السوري يقرر مصيره ويختار حاكمه، ولاتقلق فلن تكون هناك فوضى ولاحرب أهلية ولامؤامرات خارجية، بل ستكون سورية ديمقراطية حرة يعيش فيها السوريون بحرية وعزة وكرامة.

ويمكنك ان تختار المنفى الذي تريده، وهناك دول كثيرة ستستقبلك وأرح نفسك وانج بجلدك واجلس وراقب وطنك الذي دمرته، كيف يعاد بناؤه.

ودعك من اوهام القوة وشعارات حزب البعث البالية، ودعك من التظاهر بانك آخر القوميين العرب وان نظامك نظام ممانعة، واستغرب من نظام يصف نفسه بالبطولة والنضال ولم يطلق رصاصة واحدة باتجاه الجولان المحتل منذ عقود وانما وجه رصاصه وقذائفه ضد شعبه، ودعك من القول بانها مؤامرة لتركيع سورية فهذا كلام لم يعد يجدي نفعا وقاله القذافي من قبلك، وفكر جيدا وحكم عقلك، ولا تحاول جربلادك الى الدمار والخراب.

واخيرا اقول لك، اخرج قبل فوات الاوان وقبل غرق السفينة، فلن يتراجع شعبك الذي ضحى بالآلاف، وسيزداد الضغط عليك عربيا ودوليا، ولن يتركوك تقتل شعبا بأكمله حتى لو كانت نواياهم غير سليمة.

نصيحة اليك من مواطن مسلم عربي ليبي، لامال ولا سلطان عنده، وإنما إيمان بالله وعدله وإحساس بمعاناة شعب جربت نفس معاناته وتجرعت من نفس الكأس الذي يشرب منه الآن، وجل ما املكه قلم اكتب به، واني لك من الناصحين، والحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها فهو أولى بها، واتعظ بغيرك كي تنجو بنفسك ياسيادة الرئيس.

=================

لماذا صمد نظام الأسد كل هذا الوقت؟

أمجد ناصر

2011-12-07

القدس العربي

بعد سقوط بغداد في قبضة الاحتلال الامريكي وانهيار نظام صدام حسين لم يبق في العالم العربي نظام شمولي قائم على حكم الحزب 'العقائدي' الواحد وعبادة الشخصية سوى النظام السوري.

كانت هناك ثلاثة أو أربعة أنظمة عربية من طراز النظام السوري راحت تضمحل تدريجاً منذ رحيل جمال عبد الناصر وارتماء النظام المصري في حضن الغرب، لكنَّ الأفول النهائي للنظام الشمولي، عربياً ودولياً، لن يحدث إلا مع انهيار 'المعسكر الاشتراكي' بانتصار متعجرف ل 'الغرب' الذي تجاوزت رأسماليته، كالأفعى التي تغير جلدها، مرحلة الامبريالية الكلاسيكية بوصفها أعلى مراحل الرأسمالية، على حد تعبير لينين، إلى طور 'العولمة' الراهن.

صمد النظام السوري أمام العاصفة التي جرفت أنظمة كثيرة مثله في آسيا وافريقيا وأمريكا اللاتينية. فعندما يسقط 'المركز' تتساقط 'الأطراف'. لكن النظام السوري لم يسقط بسقوط 'المركز'، أو بسقوط 'النموذج' المحتذى. ظل صامداً في وجه عاصفة عاتية هبَّت من 'المعسكر الاشتراكي' ('المركز' نفسه) واقتلعت نسخها الكربونية في العالم الثالث.

فكيف أمكن للنظام السوري القائم على حكم الحزب 'العقائدي' الواحد وعبادة الشخصية أن يصمد كل هذا الوقت؟

هذا ما يلفت نظر الكثير من المراقبين، على حد قول الباحث ستيفن هايدمان صاحب كتاب 'التسلطية في سورية' (دار رياض الريس، بيروت، 2011). بقاء النظام البعثي السوري على قيد الحياة، كل هذا الوقت، هو، في حد ذاته، ما يبعث على التساؤل وليس 'التبجّح بالإنجازات'.

'' '

مطالعتي، اليوم، قائمة على تقليب نقطة أو نقطتين في كتاب الباحث الأمريكي ستيفن هايدمان (الخبير في السياسة السورية) لتبرير بقاء النظام السوري 'على قيد الحياة' في الوقت الذي تهاوت معظم، إن لم أقل كل، الأنظمة التي تشبهه عربياً ودولياً.

يركز هايدمان على الاقتصاد السياسي في دراسته لما يسميه 'التسلطية في سورية' وقليلاً ما يلتفت الى عناصر التحكم الأخرى في مصائر البلاد التي جعلت 'استقرار' سورية الطويل في ظل حكم حافظ الأسد ممكناً، ومكَّنت، بالتالي، انتقال السلطة، في 'سلاسة' إلى ابنه بشار.

يعود هديدمان الى بداية حكم حزب البعث لسورية مع انقلاب العام 1963 ويبدأ، من هناك، في رسم الأطر العريضة لتوطد 'التسلطية' Authoritariansm في بلاد عرفت بحراك سياسي متأجج عبَّر عن نفسه من خلال عدد كبير من الأحزاب السياسية والانقلابات العسكرية، مروراً، بالوحدة مع مصر التي تعتبر أول تجربة للوحدة العربية القائمة على اعتبارات ودعاوى قومية.

يعزي هايدمان الفضل في إرساء جذور التسلطية في سورية الى قيام نظام البعث منذ تسلمه مقاليد البلاد في انقلاب 63 بانشاء شبكة هائلة من المؤسسات التي غطت، تقريباً، كل مناحي حياة السوريين وصهرتهم، بأقدار متنوعة من أدوات القسر وإغراء المصالح، في 'بوتقة واحدة'، مثل: الحزب الحاكم، نقابات العمال، الاتحادات المهنية، وسائل الاعلام، البيروقراطية الحكومية، الجيش وجهاز المخابرات.

كان قادة البعث الأوائل قادرين، كما يقول هايدمان، على فرض سيطرتهم على المجتمع السوري العنيد جداً والديمقراطي جزئياً. نجحت أدوات التحكّم هذه، بحسب هايدمان، في بسط سيطرة مطلقة على مجمل مناحي الحياة السورية. بدأ ذلك منذ انقلاب البعث ولم تكن لحافظ الأسد الذي انقلب على رفاقه في العام 1970 فضل في ذلك. لكن الأسد القادم من المؤسسة العسكرية كان يعرف ايضا كفاءة هذه الأطر فقام بتوسيع مداها وأعطاها 'أسساً اجتماعية أقوى'.

يقدم هايدمان جهداً بحثياً واسعاً ورصيناً لفهم كيفية بقاء النظام البعثي كل هذا الوقت في سورية فيما لم تعد هناك أنظمة كثيرة تشبهه في المنطقة والعالم، لكنه ينحّي، منذ البداية، عنصرأ طبع الحياة العامة في سورية بطابعه: الاخضاع. وفي هذا الصدد يقول إن القسر والاخضاع لم يستطيعا حماية أنظمة تسلطية أخرى في العالم من السقوط في 'خضم التحولات الكبيرة المشهودة في العقدين الماضيين'، ثم ينحّي، أيضاً، تحليلات معظم الباحثين في الشأن السوري المعاصر التي تركز على العنصر الطائفي في تركيبة النظام ويرى بطلان الفكرة الشائعة القائلة 'بأنَّ النظام السوري لا يعدو كونه أداة لفرض السلطة وتدفق موارد الدولة الى مجموعة طائفية معينة (...) أي الطائفة العلوية التي يندرج في عدادها الأسد والكثير من مساعديه ومن ضمنهم مسؤولو فروع الأمن الداخلي القوات المسلحة، ويقال إن الطائفية توفر لحكومة الأسد درجة عالية جداً من الاستقرار والتماسك الداخلي'.

وبعد أن ينحّي هايدمان، عنصريّ الاخضاع والطائفية يتصدى للأسس التي يعتبر أنها أمَّنت لنظام البعث (في ظل حافظ الأسد تحديداً) حكماً مديداً بالمعايير السورية والعربية والعالمية. ويجد ضالته، التي يبرهن عليها بالتحليل والارقام، في قدرة النظام البعثي على توسيع قاعدته الاجتماعية لتضم شرائح واسعة من الفلاحين والعمال والبرجوازية الوطنية، وكفاءته في ادارة الاقتصاد المحلي، بل قدرته على جعل هذا الاقتصاد مستقلا عن الشبكات الاقتصادية العابرة للقومية. ويبدو ان اجراءات الاصلاح الزراعي والتأميم قد أسهمت في خلق قاعدة اجتماعية للنظام وقللت من حجم التمردات الشعبية التي غالبا ما تكون ذات منشأ اقتصادي. ويقارن هايدمان بين تجارب البيرو ومصر وسورية، على هذا الصعيد، ويرى ان التجربة السورية في اعطاء 'التسلطية' بعدا شعبويا أكثر نجاحا في تجربتي البلدين الآخرين اللتين عاصرتا التجربة السورية.

الاقتصاد السياسي اذن هو العامل الحاسم في صمود النظام السوري وليس الاخضاع الامني والتركيب الطائفي!

المعطيات والارقام التي يقدمها هايدمان، في هذا الصدد، تسهم في تماسك اطروحته. لكن ما ينافح عنه الباحث الامريكي يصحّ (لو سلمنا بصواب اطروحته) على عهود البعث الثلاثة: أمين الحافظ، صلاح جديد/ نور الدين الأتاسي، حافظ الأسد في عقدي حكمه الاولين، لكنه لا يصحّ على اواخر حكم حافظ الأسد.. وتنعدم وجاهته في حكم ابنه بشار. ففي اواخر حكم حافظ الاسد، وكل عهد بشار، راحت المنافع التي حصل عليها السوريون بالتراجع.. وصولا الى ما يقرب، اليوم، من التبدد.

وسأبقي كلامي في اطار اطروحة هايدمان لاقول ان احد الاسباب الكامنة وراء الانتفاضة السورية الحالية يرجع الى تبدد معظم المكتسبات الاقتصادية والمعيشية التي عرفها السوريون على مدار حكم البعث. يكفي النظر الى بؤر الانتفاضة السورية، بل الى مسرح انطلاقها، لنعرف انها تتم في الارياف التي شكلت قاعدة اجتماعية للنظام وخزانا بشريا لقواه العسكرية، والامنية.

لا يسع المرء الا ان يسلم بعمق واحاطة هايدمان بموضوع بحثه لكن تركيزه على الاقتصاد السياسي لا يكفي لتفسير استمرار التسلطية في سورية. ليست الشبكات التي القى بها نظام البعث على الحياة العامة السورية (الحزب، النقابات، وسائل الاعلام الخ) هي التي جعلت النظام السوري يبقى فترة اطول من نظائره في المنطقة والعالم، بل الاخضاع الامني الذي لا مثيل له، على الاغلب، في بلد آخر.

لا يوجد نظام في العالم يحكم شعبه بما ينوف على خمسة عشر جهازا امنيا، فضلا عن القوى العسكرية، والشرطية الاخرى، الا النظام السوري.

وها هي الانتفاضة السورية، متوالية الفصول، ترينا كيف يصبح الجيش الوطني جيشا للنظام وكيف تنعدم المسافة، تماما، بين الجيش و'القائد'، الامر الذي لم نره مثلا، في انتفاضتي تونس ومصر ولا حتى في اليمن.

الاقتصاد السياسي يضيء وجها للتسلطية في سورية، ولكن الاخضاع، العنيف والدموي ان لزم الامر، يقدم لنا الوجه الآخر لبقاء النظام السوري كل هذا الوقت.

=================

حرب سورية الممعنة في القذارة

الخميس, 08 ديسيمبر 2011

عبدالوهاب بدرخان *

الحياة

هل يمكن أن يشعر المرء بأقل من ضآلة إنسانيته، بعد شهادات مواطنين سوريين أمام محققي مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة عن صنوف التعذيب والتنكيل التي يتعرضون لها في مراكز الاستخبارات والأمن السياسي وعلى أيدي «الشبيحة».

لكن هذا كان فحسب ما استطاع المحققون التقاطه. وكان أحدهم، وهو غير عربي، اعتاد أن يعمل في لجان التحقيق في حالات عدة منها ممارسات إسرائيل ضد الفلسطينيين، أفاد بأن ما سجّله وألحّ في أسئلته للتأكد مما يسمع فاق كل ما عرفه سابقاً. الأكثر إيلاماً أن الحقائق على الأرض باتت أكثر وحشيةً وتتجاوز ما توصل إليه التحقيق. صار الاغتصاب أو التهديد به على مرأى من العائلات أو الآباء والأزواج والزوجات وسيلة تلقائية للرجال والنساء والأطفال، بل وسيلة مجازة رسمياً، كما في البشاعات التي ارتكبها الصرب في البوسنة. ومنذ انقطعت مداخيل النفط وتقلّصت السيولة صار الخطف على الهوية طلباً للفدية تصرفاً «مشرعناً»، إذ أطلقت أيدي «الشبيحة» ليتدبروا أمورهم بأنفسهم، نهباً ومصادرةً أو بالخطف والترهيب. صارت العائلات في بعض المدن تهرّب أبناءها وبناتها إلى أحياء أقل عرضة للغارات أو إلى مناطق أخرى أو إلى الخارج.

كان ذلك متوقعاً مع استمرار الانتفاضة، لأن معادلة «القتل مقابل التظاهر» استنفدت أغراضها بالنسبة إلى النظام. وبعد استكمال حصار مدن الحراك وبلداته، وتصاعد الضغوط الخارجية خصوصاً العربية ل «وقف العنف»، لم يعد كافياً استهداف التظاهرات أو محاولة منعها بتطويق المساجد فازداد غزو الأسَر في المنازل. ومع ظهور العسكريين المنشقّين واضطرار النظام إلى مواجهتهم حيثما وجدوا، توقف الاعتماد على الجيش وصير إلى احتجاز وحداته تحت مراقبة صارمة، وبالتالي زاد الاتكال على الفرقة الرابعة والحرس الجمهوري والميليشيات التي دربتها الأجهزة الاستخبارية لمؤازرتها. لذلك مسّت الحاجة أخيراً إلى ما كان يُستبعد سابقاً، أي طلب العون عدداً وعدةً من «الحلفاء» في لبنان وإيران والعراق، وثمة منهم من تملّص من هذه المهمة ويخشى ردود الفعل، وثمة من لم يتمكّن. قبل ذلك كان هؤلاء «الحلفاء» قدّموا قناصةً للقتل من بعيد مساهمةً في معركة النظام على من يُفترض أنه شعبه، ولم يعد شعبه.

هذه حرب ممعنة في القذارة. أصبح النظام الآن يطالب الأقليات التي «يحميها» بأن تساهم في التشبيح ك «ضريبة» لاستمرار «الحماية»، وليست لها حجة كي ترفض أو تتردد، طالما أنها اختارته وراهنت عليه. ولن تنفك هذه الضريبة ترتفع، خصوصاً في بيع الأنفس إلى الشيطان. على الجانب الآخر، إذا كان لمعادلة «التظاهر مقابل القتل» أن تستمر، لا بد للمعارضة بهيئاتها كافة، وبالأخص المجلس الوطني أن تولي الإغاثة جهداً واهتماماً فائقين، لأن الوضع المعيشي والإنساني يزداد صعوبة مع بدء انهيار العملة، وتضاؤل فرص العمل وإغلاق الكثير من الشركات والمعامل، والحصارات التموينية المفروضة، وتعذّر معالجة الجرحى والمصابين في المستشفيات، وفقد عائلات كثيرة معيليها وأحياناً العديد من أفرادها... إذا لم يكن كل ذلك ولوجاً في نفق حرب أهلية فما عساه أن يكون. التسلح ماضِ في التوسع، والتدريب على قدم وساق، لأن كل جهة تعتبر نفسها معنية بسورية مستقرة فقدت الأمل بتعقّل النظام. ومع ذلك لا يزال التظاهر السلمي - السلمي فعلاً - المعيار الحقيقي للمأزق الذي بلغه النظام، وهو يعرف ذلك، بل يدرك جيداً أن أخطاءه هي التي دفعت الشارع إلى التلّب كما دفعت الجنود إلى الانشقاق. ومهما حاول تضخيم مشكلة المنشقّين أو استخدامهم ذريعة لمقارعة الجامعة العربية ومعاييرها لوقف العنف، فإنه لا يستطيع نفي مسؤوليته المباشرة عن اضطرارهم للانشقاق وتحمّل الخطر على أرواحهم وذويهم.

لكن الذهاب إلى حرب أهلية سلاح ذو حدّين وخيار محفوف بالمخاطر، إذ لن يكسب النظام منها أي شرعية فقدها منذ اليوم الأول في درعا. وأهم ما سيخسره فيها أنه لن يعود قادراً على ادعاء/ أو الحفاظ على «ميزاته» الوهمية التي صنعها بالترهيب، لا «الممانعة» ولا «العلمانية» ولا «حماية الأقليات» ولا حتى حماية أي طائفة بعينها. إذ انه بإدارته الأزمة بالقتل والتنكيل ولا شيء سواهما كان ولا يزال يستدعي التدخل الخارجي فيما هو يتحدّاه. لكنه قد يضطر إلى استدعائه مستغيثاً، وإلا فمن سيحمي لاحقاً «الدويلة» المزعومة أو الطوائف والأقليات التي ساندته في بطشه خوفاً من «المجهول» الذي سيخلفه. لعله يعوّل على أمرين: الضمان الروسي المديد حتى بعد الانهيار، والسعي منذ الآن إلى تثبيت حدود «الدويلة» بضمان اللاذقية عاصمة لها، ما سيستلزم تطهيرها مذهبياً ربما في أجل قريب وهو ما تشي به ممارسات «الشبيحة» في المدينة. وتقابل ذلك حالياً حركة نزوح للعلويين من المناطق الأخرى تحديداً حمص.

قد يفسر ذلك هذا الموقف الروسي الذي لم يعد ينتمي إلى السياسة أو الديبلوماسية، إذ استعاد «سوفياتيته» أو «ستالينيته»، وعذره أنه لم يدّعِ يوماً أي أخلاقية أو إنسانية فلا يعيّرنه أحدٌ بما ليس فيه، إذ قرر ألا يرى أو يسمع أو يفهم أو يترك خط رجعة لتهوّره، حتى أنه اعتبر تقرير مجلس حقوق الإنسان «غير مقبول»، ما عنى أن الجرائم ضد الإنسانية الموصوفة فيه هي المقبولة. لا بد أن «المصالح» التي تحصّلت عليها موسكو تفوق ما يبرر خذلانها النظام السوري، وإلا لما تمترس موقفها وراء هذا العناد المستعصي. أو أن موسكو، كما يقال عادةً، تبحث عن صفقة، ولما لم تسمع شيئاً من الولايات المتحدة أو من أوروبا أو من عرب الخليج فإنها تواصل ركوب رأسها لترفع سعرها بانتظار «صفقة» آتية لا محالة. بل يقال أيضاً أن روسيا تقرأ في الموقف الأميركي تردداً - قد يكون مستنداً إلى تردد إسرائيلي - وبالتالي فهي تزين سلبيتها بميزان التعقيدات والمصالح الإقليمية، والفارق الوحيد أن موسكو لا تحمي موقفها كواشنطن وراء جدار من التصريحات التي تطالب الرئيس السوري بالتنحي وإنما تتعامل مع هذا الرئيس لتمرير ما بينهما من عقود أسلحة غير عابئة بما يفعل بها وأين يستخدمها أو يخزّنها، تماماً كما فعلت مع معمر القذافي... لا عجب أن تُخذل روسيا وديبلوماسيتها حيثما حلّت طالما أنها، وهي الدولة الكبرى، تدير علاقاتها بذهنية حيتان المافيا المالية أو برواسب «حرس قديم» لم يتعلّم أي شيء عن الشعوب وطموحاتها لذا ينتج هذه الديبلوماسية المتجرّدة من أي حس بالمسؤولية.

* كاتب وصحافي لبناني

=================

سورية: ثورة تتعمّق ونظام ينهار

الخميس, 08 ديسيمبر 2011

شفيق ناظم الغبرا *

الحياة

أسلوب النظام السوري في قتل عشرات المتظاهرين يومياً وممارسة الإعدامات والتعذيب على أوسع نطاق، يعمّق الثورة السورية، ويدفع قطاعاً منها للتسلح وقطاعاً آخر للانشقاق عن الجيش والدفاع عن المتظاهرين. إن دموية النظام السوري تدفع المعارضة نحو مزيد من القوة، وصولاً الى وحدة بين الداخل والخارج وبين المجلس الوطني وهيئة التنسيق. وبفضل دموية النظام، خرجت أحياء كاملة في مدن سورية شتى وفي قرى ومناطق عديدة، عن نفوذ النظام وسلطته. إن استمرار فتك النظام السوري بالمواطنين سيؤدي حتماً الى مزيد من القرارات الإقليمية والعربية والدولية، وصولاً إلى تدخل عسكري مرتبط بتركيا وحلف الأطلسي. لقد سقط النظام السوري كما عرفناه قبل ان يسقط، فالقتال الذي يخوضه ضد الناس والشعب يتم في الوقت الضائع، وعلامات السقوط بحجم المشهد وشموليته.

لقد انتظر الشعب السوري من نظامه وعلى مدى عقود، إصلاح السياسة والاقتصاد والانتقال الى التعددية، لكن النظام السوري قدَّم وعوداً لم ينفِّذها، وأفهمَ شعبَه أن التنمية خصخصة غير مسؤولة وفساد، وأن الحرية مواجهة لفظية مع اسرائيل وديكتاتورية عائلية. بل حتى الأمس القريب، لم يكن الشعب السوري يعرف انه يمتلك خيارات، ولم يكن يرى شيئاً وراء الأفق. وعندما اكتشف الشعب السوري ان بلاده منهوبة، وأن اقتصاده يقدم له الفتات، وأنه مهمّش في وطنه، وأن الإصلاح في ظل القيادة الراهنة سراب، قام بثورته.

إننا أمام مشهد إنساني مؤلم: نظام مدجج بالسلاح حتى النخاع يدخل في حرب مواجهة مع شعب أعزل لا يتمتع بحد أدنى من الحماية، ومع ذلك يعلّم الشعب النظام الذي حكمه لعقود دروساً في القيادة، وفي تشتيت قوة متفوقة، وفي المناورة، وفي تحريك الرأي العام وفي الصمود والجرأة، وفي الإنهاك. وبينما يتشبث النظام السوري بالقوة العسكرية، يتمسك الشعب السوري بالقوة المعنوية والاخلاقية وبجرأة نادرة. إننا امام معركة كلاسيكية بين شعب يريد التحرر ونظام يريد البقاء بأي ثمن، من دون أي ادراك منه للثمن الذي ستدفعه أكثر الأجنحة اعتدالاً -إنْ وُجدت- ضمن النظام. ما يقع في سورية هو صدام بين نظام يركب دبابة وبين شعب يطفو على أمواج الحرية، وفي هذه المعركة سينتصر الشعب، كما انتصر هو نفسه على الاستعمار في السابق، في ظل مواجهة متشابهة بين المدفع وبين إرادة الناس في التحرر.

لكن قيمة السياسة في تاريخ الأمم أنها تقدم حلولاً عند منعطفات كهذه، فلو تنحى الرئيس والشخصيات الأساسية المقرّبة منه، والتي صنعت حمام الدم في الشهور الماضية، لأمكن لسورية تفادي مزيد من الدماء والدخول في مرحلة انتقالية. النظام سيسقط، مع تنوع ظروف هذا السقوط وأنواعه، ولكن قد تكون هناك طريقة للسقوط المنظَّم والمتفَق عليه يمكنها حقن الدماء. من هنا أهمية المبادرات السياسية العربية والدولية التي تدفع نحو التنحي.

لم يحفظ النظام السوري لشعبه ولاءه ومسايرته للنظام على مدى عقود طويلة، فالشعب السوري هو مَن صَنَعَ حرب ١٩٧٣ والصمودَ فيها، وهو من ضحى مالياً ومعنوياً ودفع ثمن دعم المقاومة في لبنان وخارجه، ولولا الشعب السوري وحسه العروبي وشعوره بأنه مَركَزُ ما كان يُعرف تاريخياً ببلاد الشام، لما استطاع النظام السوري أن يفعل شيئاً خارج حدوده. إن شعار سوريا «قلب العروبة النابض» يُقصد به الشعب السوري، بحكم موقعه الجغرافي وتاريخ بلاده.

ربما كان سبب سير الشعب السوري مع حكامه في العقود الماضية من دون الكثير من التساؤلات، هو توقه للاستقرار بعد مرحلة كثيفة من الانقلابات التي عصفت بسورية في الخمسينات والستينات من القرن العشرين، لكن أحد الأسباب الاخرى لمسايرة الشعب للنظام على مدى تاريخي، ارتبط بتبني السوريين للقضايا العربية على كل صعيد. لكن إطلاق النظام يدَ الأجهزة الأمنية بحق الناس، خلق بينها ردة فعل. لقد عبَّر النظام بديكتاتوريته على مدى عقود، عن مدى احتقاره الناسَ وتعاليه تجاه إنسانيتهم وحقوقهم. القمع والفساد وسوء استخدام النفوذ في الداخل والخارج وملاحقة كل رأي واختلاف في كل شأن ومسألة... كلها أمور عادت لتخلق صحوة سورية جديدة هدفها التحرر من الديكتاتورية. إن التسلط هو أصل الشرور.

ويمكن تفسير روح الانتقام التي يمارسها النظام بأنها تعود الى ضعف بصيرته، فعندما نظر الى المحتجين من أعلى هرم السلطة لم يرَ إلا مندسين وعصابات مسلحة أو حتى جراذين، كما حصل مع القذافي. إن الأنظمة الامنية قلما تفهم المغزى السياسي من الحركات الشعبية. والأسوأ بالنسبة الى سورية أن المجموعة الحاكمة هي أول نتاج حقيقي لعملية توريث في نظام سياسي عربي جمهوري، فالورثة بحكم تربيتهم السياسية يستميتون في الدفاع عن مواقعهم وعن سلطتهم والإرث الذي آل اليهم بلا جهد، لهذا فقبولهم بالواقع عندما يتغير من أصعب الأمور.

أنظمتنا العربية تقاتل بعد ان تخسر، وتفتك بالناس بعد ان تنهار قواعدها الأساسية، كما تهاجم حتى لو فقدت قدراتها الهجومية، بل تهدد حتى وهي في ساعاتها الاخيرة، وبينما تتمترس في مخابئها الأخيرة. ومن جهة أخرى، تصر الشعوب العربية على حقوقها وهي تفعل ذلك بصورة تلقائية وروح عالية، وهذا يعني أن الثورة في سورية لن تهدأ إلا اذا حققت مطالبها، وهي تعرف أنها لا تستطيع التوقف والعودة الى المنازل قبل تثبيت التغير.

تسير سورية نحو وضع اكثر صعوبة بينما تزداد العقوبات الاقتصادية تأثيراً وتتعمق العزلة الإقليمية والعربية، وتتحدد معالم التحرك التركي وآفاق المنطقة الآمنة. إن خيارات النظام تضيق ووقته ينفد، بينما الشعب السوري يتغير من خلال الثورة. وبينما يحصي السوريون شهداءهم، يكتشفون مكونات الصبر والبصيرة والقوة والحرية في أعماقهم. حتماً بإمكان الثورة على الظلم أن تغيِّر مصيراً وتوقظ مارداً وتفعّل حلماً.

* أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت.

=================

ظلم الرعية والمجانين

الخميس, 08 ديسيمبر 2011

زهير قصيباتي

الحياة

القلقون على «الربيع العربي» والمحبطون من أحواله، يطمئنهم الغرب بأن إنجاب بعض ديموقراطياته تطلّب قرناً من الزمن، وبأن الخطوط الحمر التي تتحكم بمعيار الربيع الدائم ثلاثة، أحدها مذكّر والثاني مؤنث، وثالثها ما بينهما.

القلقون على مصير سورية وشعبها ووحدتها، «يطمئنهم» الحاكم إلى أن مَن يقتل المتظاهرين لا يمكن أن يكون سوى «مجنون». فهل يُعقل أن يكون عدد المجانين في سورية بهذا الكمّ، طالما ضحاياهم بالآلاف؟!

فصول «الربيع العربي» تتوالى في اليمن، ذهول لأنهار الدم التي ترويه، حقد على مَنْ أدمن الكذب فصدّقه، ضحّى بمئات من الشباب ساعياً الى الانتصار على ما يزعم أنه «مؤامرة صهيونية».

يتوالى «الربيع»، تنهار امبراطوريات الكذب وسجونها، ينفلت جنون ميليشيات الجمهوريات التي خطفتها قبعات العسكر، حتى تحولت ثكنهم الى جيوش «خفية»، لا تحرس سوى تحالف القمع والفساد.

وأما الخطوط الحمر التي يعضّ عليها الغرب بنواجذه، حماية ل «ربيع العرب»، فيحددها الرئيس نيكولا ساركوزي بمساواة بين الرجل والمرأة، والرأي المتعدد، وفضاءات الإنترنت. فهل يبدد قلق المتوجسين من تخبّط مسار الثورات والانتفاضات أو تقلّبها ومفاجآتها؟ أول ما يتناساه الرئيس أن ديموقراطيات الغرب لم تحمِ مؤسساتها لولا إبعاد سطوة الكنيسة عن السياسة، أي الفصل بين الدين والحكم.

ويتناسى ساركوزي أن عباءة الديموقراطيات العربية التي يلدها «الربيع» لا تحجب واقع مجتمعات يتيمة، تتفاوت قواعدها بين الاستهلاك والاتكال، والبكاء على أطلال الماضي، فيما السلطة تبرع دائماً في تهجير العقول، والرعية التي أدمنت الصبر بلا حساب، شاركت حتماً في تمديد عمر الظلم والجلاّدين والمجانين.

فلندّعِ السذاجة مثلاً، إلى الحد الذي يقنعنا بأن المصريين تخلوا لأكثر من ثلاثين سنة عن كرامتهم، طمعاً برغيف الخبز، وأن الخبز وحده أطلق مارد «25 يناير». وهل غير المجنون يتهم شعباً بالتنازل عن كرامته فداء لمعدته؟

وبعيداً عن تبسيط ساركوزي مسألة ثمن العواصف أو الهزات الارتدادية لزلزال «الربيع العربي»، أو حتى التفاؤل بجني حصاد ديموقراطياتنا الثورية بعد مئة سنة، بين العقلاء المحبطين مَن يقارن صعود الدولة المدنية في الغرب لحماية الحريات والديموقراطيات والمساواة الاجتماعية، بصعود المد الديني على مد الثورات العربية، وسطوع نجم التيارات الإسلامية، ليضيف سبباً إلى التشاؤم. فالحال أن تجارب معظم هذه التيارات لا تغذي سوى الخوف من وصول نهج الإقصاء والاستئصال إلى الحكم، على صهوة «الربيع». وإن كانت دعوة محمد البرادعي الليبراليين في مصر إلى التروي وامتصاص ما بدا صدمة لديهم بقطف «الإخوان المسلمين» والسلفيين النسبة الأكبر من الأصوات في المرحلة الأولى من الانتخابات، تستبطن دعوة الى الرهان على فشل الإسلاميين في إدارة الحكم، فالعبرة تبقى في ما اختاره الشارع، وفي قدرة «الإخوان» على مقاومة إغراء تملّك السلطة، كأنها رصيد مصرفي للجماعة وحدها.

العبرة في برنامج واقعي للحكم، يقبل الحوار ويبدد التباسات على حافة الإسلام السياسي، وقلق الأقباط وهواجس الشباب من أفول مطالب «ائتلاف الثورة»... وقلق الشارع من صراع مع السلفيين يطيح الآمال باستقرار.

المحبطون في «الربيع العربي» يشبّهون حال «الإخوان» مع السلفيين في مصر، بمشكلة حزب «النهضة» في تونس مع سلفييها الذين سيستثمرون إدارة حزب إسلامي للسلطة، لإحراج المؤسسات سعياً الى احتضان توجهاتهم ومنحها شرعية. وهي إذ تستنفر قلق العلمانيين، يتجرأ بعضهم في التساؤل عما إذا كانت الثورة تستبدل ديكتاتورية تشدد بديكتاتورية الفساد.

في تونس ينتقل الصدام مع المتشددين الى الشارع والجامعات (النقاب وحقوق المرأة). وفي مصر الثورة لا يرى كثيرون مبرراً لاستهجان صعود «الإخوان المسلمين» بإرادة الناخبين، لكن المعضلة هي في اختبار قدرتهم على إدارة بلد ومؤسسات، وعدم الرضوخ لنزعات التشدد، كلما أحرجهم السلفيون بامتحان «إيمانهم».

بين علمنة السياسة و «تديينها»، مرحلة أخرى انتقالية في ربيع الثورات العربية، معها يجدر تذكّر نصيحة ساركوزي بالصبر على تحولات قد تستغرق مئة سنة.

=================

العقم السياسي في الحالة السورية!

أكرم البني

الشرق الاوسط

8-12-2011

يعجز الحل الأمني عن إخماد جذوة الانتفاضة السورية التي دخلت شهرها التاسع وهي أشد عزيمة، ويلح السؤال ويكبر عن سبب عناد أهل السلطة في تنكرهم لحقيقة، باتت ساطعة كالشمس، بعدم جدوى ما يقومون به وبأن لا مفر من البحث عن حلول سياسية ومعالجات من طراز مختلف، وتاليا عن سبب إصرارهم على منطق القوة لإخراج الشعب من السياسة وإعادة المجتمع إلى ما كان عليه، إلى مناخ الخوف والرعب التقليديين!

ثمة أسباب عديدة ومتضافرة يمكن أن تفسر هذا العقم السياسي في الحالة السورية وتبين الدوافع العميقة لدى النظام الحاكم في تصميمه على سحق التحركات الشعبية بالقمع العاري وباستخدام كل أشكال القهر والتنكيل، بما في ذلك تبديد الفرص المتنوعة المتاحة لنقل الأزمة من مسارها الأمني إلى الحقل السياسي، إن لجهة إهمال المبادرات الداخلية الرافضة لأساليب القوة والعنف والداعية لتأسيس علاقة جديدة مع الناس تستند إلى نيل رضاهم وثقتهم من خلال ضمان مصالحهم واحترام حقوقهم وحرياتهم، أو لجهة التعاطي السلبي مع مبادرة الجامعة العربية، وجديدها مسار عقوبات سوف تترك آثارا سلبية عميقة على المجتمع وتفتح الباب أمام احتمال التدويل!

هناك من يعتقد أن السبب يتعلق بخصوصية البنية التكوينية لهذا النوع من الأنظمة المعجون بتاريخ طويل من القهر والغلبة لضمان السيطرة، وفيه الدولة تنتمي إلى ذاك النوع المسمى «الدولة الأمنية» التي تستمد حضورها وقوتها من أجهزة أمنية متنوعة تمتد في كل مكان وتدير كل شيء وتتدخل في مختلف تفاصيل الحياة، ووظيفتها الدائمة زرع الخوف في المجتمع وخنق الفضاء السياسي، وبعبارة أخرى فقد ابتلي مجتمعنا بمنطق خاص في إدارة الصراع فرضه مدعو الوصاية على الأوطان والقضايا القومية، وجوهره ليس التنافس الصحي لاختيار الأفضل والأكثر كفاية للتعبير عن مصالح المجتمع وتكويناته المتعددة، بل مبدأ القوة والجبروت ووسائل القمع والإرهاب لتثبيت الهيمنة وجني الثروة والامتيازات!

وهناك من يرجع السبب إلى عجز مزمن لدى النخبة الحاكمة في تعديل طرائقها القمعية والانتقال إلى أشكال من السيطرة السياسية، ربما لأنها تخشى من الانفتاح على الناس وتتحسب من أن تفضي أي مبادرة سياسية إلى كشف ضعفها وهشاشتها وإلى تقوية حضور المجتمع ودوره في الرقابة والمحاسبة، وربما لقوة لوبي الفساد المنتشر في مختلف الدوائر والمؤسسات، واستماتته في الحفاظ على مصالح وامتيازات لا يريد التنازل عنها أو عن بعضها حتى لو كان الطوفان، أو ربما بسبب رهان النخبة الحاكمة على حسم الأمور لصالحها إن نجحت في جر الانتفاضة السلمية نحو دوامة العنف، ورهانها تاليا على دور القمع المفرط والاضطهاد المعمم في إثارة ردود فعل موازية، وفي استنفار الغرائز المتخلفة واستفزاز بعض المتطرفين ممن يتحينون الفرصة لحمل السلاح، من أجل خلق ذريعة أو حجة أمنية لاستمرار التنكيل والعنف المفرط، وأخيرا ربما جراء تنامي الشعور لدى أصحاب الحل الأمني بأنهم وبعد ما اقترفته أياديهم قد وصلوا إلى نقطة اللاعودة، وأنهم يخوضون معركة حياة وموت يرتبط وجودهم ومستقبلهم بنتائجها، خاصة أولئك الذين أوغلوا في ارتكاباتهم ويخشون ساعة الحساب والعقاب! أو لأن لديهم وفرة من التجارب القمعية تعز ثقتهم بأن العمل المجدي لدوام السيطرة ليس التفاعل السياسي مع الناس ومعالجة مشكلاتهم، بل الاستمرار في إرهابهم وشل دورهم، ربطا بسوء تقدير ولنقُل تضخيما للذات والاعتقاد بأن ما كُرس من قوى أمنية يشكل مدماكا مرعبا راسخا لا يمكن بأي حال هزمه أو زعزعته!

هو ضرب من الضياع والتوغل في المجهول الاعتقاد بأن الأساليب القمعية التي أثبتت فعاليتها، ولنعترف، في الماضي، يمكن أن تكون فعالة أو مجدية اليوم، ففي ذلك تنكر لشمولية الأزمة الراهنة وحدتها وتجاهل ما حصل من مستجدات إقليمية وعالمية وخاصة ما خلفته العولمة في حقلي الاتصالات والإعلام، وفيه تنكر أيضا لطابع هذه التحركات الشعبية وحيويتها، وأنها تجري ضمن نسق عربي يطرق أبواب التغيير الديمقراطي، مستندة إلى تراكمات جوهرية حصلت في أنماط التفكير وطابع التفاعلات السياسية بين الناس وعزمهم على أخذ قضيتهم بأيديهم!

ومثلما لا ينفع هنا إنكار أسباب الأزمة وتكرار الحديث عن متآمرين ومندسين يرتبطون بأجندة خارجية، إمبريالية وصهيونية، غرضها النيل من الموقف السوري الممانع، وعن عصابات مسلحة تعيث، قتلا وتدميرا، في العباد والبلاد، لا تنفع أيضا المقارنة مع ما حصل عام 1982 حين تمت وبعيدا عن الإعلام، تصفية تمرد الإخوان المسلمين في مدينة حماه، وحين كان الحل الأمني يحظى برضا سياسي دولي واسع وبظروف داخلية ملائمة لجهة أن الأحداث شملت مدينة واحدة، في ضوء حياد قطاعات واسعة من الناس وخوفها من الأصولية الإسلامية التي شكلت عنوان ذاك التمرد، أما اليوم فإن التظاهرات تشمل غالبية المدن والمناطق السورية، والناس الذين أزاحوا عن صدورهم بعبع الخوف، ليس عندهم ما يخسرونه مع انسداد الأفق أمامهم وتعاظم شعورهم بالظلم وغياب العدالة، وهم يستمدون الجلد والعزيمة، كما الحيوية والأمل من أن قضيتهم تتابع إعلاميا ساعة بساعة، والأهم أنهم يعتقدون بما يشبه اليقين بأن التراجع وانتصار الحل الأمني سيقود إلى وضع أكثر سوءا ومكابدة، مدركين أن الزمن يسير لمصلحتهم، وأن إصرارهم، على الرغم من التضحيات الكبيرة، على استمرار المظاهرات والاحتجاجات حتى وإن لم تحقق حسما سريعا، سوف يذهب بالخيار الأمني إلى الفشل، ويفتح الآفاق على معالجات من نوع آخر، وتحديدا إن حافظت التحركات على وجهها السلمي وحاصرت ما قد يشوبها من اندفاعات عنفية!

صحيح أن أصحاب الحل الأمني لا يزالون يعتدون بأنفسهم ولديهم كثير من الثقة بأن أساليبهم القمعية المجربة قادرة على الحسم وإعادة زرع الخوف والرعب في المجتمع، وصحيح أن هناك كتلة شعبية لا تزال صامتة وسلبية يطيل ترددها وصمتها من عمر الأزمة ومن تكلفتها، لكن الصحيح أيضا أن سياسة الإنكار والهروب إلى الأمام نحو المزيد من تجريب الخيار الأمني والعسكري، يفتح أبواب البلاد على المجهول، وأوضح ما فيه، المزيد من العنف والتنكيل، وانفلاش الصراعات على غير هدى، واستدراج المزيد من العزلة والحصار والتدخلات الخارجية، فضلا عما يخلفه من آثار سلبية عميقة ومن أضرار فادحة، على الوضعين الاقتصادي والإنساني، والأهم على النسيج الاجتماعي ومستقبل الأجيال القادمة!

=================

الأسد يستنفر مخابراته ويستنجد بإيران لإضعاف أردوغان

هدى الحسيني

الشرق الاوسط

8-12-2011

من المؤكد أن الأزمة داخل سوريا لم تقنع القيادة هناك بأن العالم تغير، وأن الأساليب القديمة المرفوضة لم تعد تنفع. يروي رجل أعمال سوري كبير، أنه بعد أحداث درعا أرسلت مجموعة من رجال الأعمال السوريين في لندن رسالة إلى الرئيس بشار الأسد، عبر قريب له، ينصحونه بأن يفكر بمستقبل أولاده والشباب السوريين، وألا يلجأ إطلاقا إلى العنف، وإذا كان الشعب السوري مصرا على تغيير النظام فليكن، وما على الرئيس وعائلته عندئذ إلا القبول، فكان رد الرئيس للمبعوث القريب: «اهتم بعملك، أنت لا تفهم بالسياسة (...)».

تسعة أشهر مرت على أحداث درعا، ويبدو أن عجلة «حزب البعث» القديمة عادت إلى العمل بنفس الأساليب الابتزازية، وهذه المرة على المستوى الرسمي. إذ وجه الرئيس الأسد كبار المسؤولين في نظامه للعمل على كشف معلومات تراكمت خلال السنوات الأخيرة عن عمليات فساد متورط فيها رئيس الوزراء التركي، رجب طيب أردوغان. صدر التوجيه خلال اجتماع عقد في مطلع شهر نوفمبر (تشرين الثاني) كرد فعل على سلسلة من تقارير تسرب معظمها إلى وسائل إعلامية وإلى مكاتب مسؤولين في المنطقة، وقررت دمشق أن أنقره تقف وراء هذه التقارير.

«وثيقة الاجتماع»، خرجت من القصر الرئاسي، حضر الاجتماع العاجل رامي مخلوف رجل الأعمال المعروف وابن خال الأسد، وحسن تركماني مساعد نائب الرئيس ووزير الدفاع السابق والمسؤول عن العلاقات السورية - التركية، ومحمد ناصيف خيربك مساعد نائب الرئيس للشؤون الخارجية، وعلي مملوك رئيس جهاز الأمن العام، وكان الموضوع قيد المناقشة: «الحرب الدعائية مع تركيا: التداعيات والتوجيهات».

تكشف الوثيقة أن الأسد أصدر تعليمات إلى مملوك لجمع كل المعلومات التي لدى النظام السوري في محاولة لإحراج أردوغان وإضعافه سياسيا. ويتبين من النقاش الذي دار، أن هذا رد على «قرار أردوغان طعن النظام السوري في الظهر بعد عمليات قمعه للمعارضة ولأعمال الشغب في البلاد».

ووفقا ل«وثيقة القصر»، في بداية الاجتماع، ناقش المشاركون مجموعة من التقارير عن التدابير السرية والعلنية التي اتخذها أردوغان ضد سوريا، بما في ذلك التقارير التي ظهرت مؤخرا في بعض وسائل الإعلام التركية، وأيضا العربية، ضد كبار المسؤولين السوريين وحتى تهديدهم. في الاجتماع أعرب رامي مخلوف عن صدمته من التعرض لعلاقاته السياسية مع أردوغان، وأبلغ الحاضرين أن أردوغان إنما «يلطخ سمعة سوريا كلها»، وكيف يُسمح له بذلك في حين «أن السوريين يملكون كميات هائلة من المعلومات المتعلقة بالأعمال الخاصة لحزب أردوغان». وقال مخلوف، إنه شخصيا لديه قدر كبير من المعلومات عن الفساد في مجالي العقارات والتمويل السياسي وأمثلة كثيرة عن تفضيل رجال أعمال الأوساط الإسلامية القريبة من «حزب العدالة والتنمية» على عناصر علمانية في المناقصات العامة.

في الفقرة الأخيرة، تلخص «وثيقة القصر» أن الرئيس أعطى تعليمات إلى مملوك لإعداد ملف شامل يتضمن معلومات مفصلة عن أردوغان، ويجب «أن تكون على أساس مواد حقيقية»، وتُكشف في المستقبل كجزء من هجوم شخصي على أردوغان. وأوعز الأسد لخيربك، وتركماني ومخلوف، بالمساعدة في وضع الملف مع مملوك، وتخصيص المواد اللازمة من دون تأخير.

ليس واضحا، من خلال «وثيقة القصر»، ما إذا كانت معلومات الملف سيُكشف عنها مرة واحدة، أم بشكل تدريجي، وليس معروفا القنوات التي سيستعملها السوريون.

وكان الرئيس السوري دعا لهذا الاجتماع بعد ظهور تقارير في الصحافة التركية والعربية أثارت غضبه وغضب مخلوف، وأشارت التقارير إلى العلاقات الاقتصادية غير المباشرة الواسعة النطاق التي تطورت بين مخلوف وحزب أردوغان، حيث تم تحويل أموال ضخمة لكلا الطرفين. وحسب التقارير المسربة، نجح الأتراك والسوريون في تطوير وسيلة لتشجيع الاستثمار السري، الذي يشارك فيه رجال أعمال أتراك على علاقة وثيقة ب«حزب العدالة والتنمية» استفادوا كثيرا في السنوات الأخيرة من صفقات مشبوهة مع مخلوف. الأمثلة التي وردت في التقارير لا تشكل أكثر من غيض من فيض عن عمليات رامي مخلوف، إذ ساهم واستثمر في إنشاء شركة طيران مشتركة، وفندق «ياسمان روتانا» واستكشاف النفط عبر شركة «تابوا»، كما استثمر سوريون مقربون من النظام في شركتي «إسكان» و«اتصالات» التركيتين، وأكثر من ذلك.

في الآونة الأخيرة، وفي ضوء تدهور العلاقات بين الدولتين وتجميد الاستثمارات التركية الرسمية في سوريا، شن مخلوف هجوما في صحيفة «الوطن» السورية، التي يملكها، على تركيا، فكان رد فعل أردوغان مطالبة الأسد بطرد مخلوف من سوريا مع تسعة مواطنين سوريين آخرين.

ووفقا لمصادر سورية، فإن الذي أثار غضب الأسد أكثر وأكثر، كان ما نشرته صحيفتنا في الثالث من الشهر الحالي، فهي كتبت عن الخطوات التي ينوي أردوغان اتباعها والخطط التي سيعلنها في زيارة قريبة إلى الحدود السورية، وتشمل قطع كل العلاقات مع النظام السوري، والمشاركة في حصار اقتصادي كامل على نظام بشار الأسد وتسليح «الجيش السوري الحر» والمساهمة في إيجاد منطقة عازلة في شمال سوريا.

وللمساهمة في تجميع ملف عن أردوغان، طلب الأسد مساعدة نظيره الإيراني، محمود أحمدي نجاد، لتزويده بمعلومات لدى إيران عن أردوغان، أحمدي نجاد غارق في وضع خطط هجومية وخطط وقائية لمواجهة مرشد الثورة، آية الله علي خامنئي، وابنه مجتبى، وأعوانهما، ولا يُعتقد أن لديه الوقت لملء ملف عن أردوغان، ولأن إيران لا تتعامل مع الدول بالملفات. لكن تجدر الإشارة إلى ما كان صرح به المستشار العسكري لخامنئي، اللواء يحيى رحيم صفوي، الذي عادة ما يشير فقط إلى المواضيع العسكرية في تصريحاته العلنية، قائلا: «إن سلوك رجال الدولة التركية تجاه سوريا وإيران هو سلوك خاطئ، أعتقد أنهم يتصرفون وفقا لأهداف أميركا. وإذا كانت تركيا لا تنأى بنفسها عن هذا السلوك السياسي غير التقليدي، فإنها سترى أن شعبها التركي سيبتعد عن هذه السياسة محليا، وستعيد الدول المجاورة لها: إيران وسوريا و(العراق)، تقييم علاقاتها السياسية معها».

وفي مقالات سابقة، كنت أشرت إلى الرسائل المتبادلة بين الأسد وخامنئي والمتعلقة بالموضوع التركي، ووصف خامنئي لأردوغان بأنه تابع للإمبراطورية العثمانية، وقد استعمل الوصف نفسه في مقابلة أجريت معه أخيرا.

تعول القياد السورية على أن تركيا أخطأت كثيرا في حساباتها بالنسبة إلى علاقاتها الحاسمة مع إيران وروسيا، خصوصا أنها تستورد من هاتين الدولتين 70 في المائة من حاجتها من الطاقة، ناهيك عن أن إيران وروسيا غاضبتان لرضوخ تركيا لضغط «الأطلسي» واستضافة محطة رادار كجزء من نظام الدفاع الصاروخي. لكن حسب تأكيد دبلوماسي في بروكسل، فلا تركيا ولا الغرب ولا العرب خائفون من النظام السوري، ويعتبرونه ساقطا لا محالة، لأن العالم تغير فعلا. لهذا، أقام الحلف الأطلسي فعليا، مركزا للقيادة في محافظة هاتاي من الإسكندرون.

حلب ستكون حاسمة بالنسبة للمستقبل، هي شمال غربي سوريا وقريبة جدا من الحدود مع تركيا، والهدف إقامة ممرات إنسانية، ويمكن منها ل«جيش سوريا الحر» التسلل إلى شمال سوريا، وخصوصا إدلب، والرستن، وحمص، إنما تبقى حلب الجائزة الكبرى، إذ فيها 2.5 مليون إنسان؛ الأغلبية من السنة والأكراد. وكانت صحيفة «ملييت» التركية كشفت عن وجود كوماندوز من الاستخبارات الفرنسية والبريطانية لتدريب «جيش سوريا الحر» على تقنيات حرب العصابات، في هاتاي جنوب تركيا.

أما تحرك حاملة الطائرات الروسية «الأدميرال كوزنتسوف» المجهزة بصواريخ نووية فإنها ستصل إلى القاعدة البحرية طرطوس في منتصف شهر يناير (كانون الثاني) المقبل، حيث يعمل 600 عسكري وفني روسي، وهذا سيدفع القيادة السورية لتصعيد العنف بهدف السيطرة على مدينة اللاذقية، حتى إذا نجح الأسد بإقامة دولة علوية، يضمن لها منفذا على البحر. فالثقة بالروس غير مضمونة والمثال كان ليبيا. ثم إن روسيا استأجرت طرطوس لمدى 100 عام.

أما إيران فإن الحرب عليها قد بدأت.

=================

على حد "السيف السوري"!

محمد أبو رمان

الغد الاردنية

8-12-2011

ثمة ظلال ثقيلة ألقت بها الثورة السورية على النخب السياسية الأردنية. وربما لا نبالغ إن قلنا إنّ الموقف مما يحدث هناك أصبح بمثابة العامل الأكثر أهمية في إعادة تشكيل التحالفات وهيكلة القوى، وحتى الحراك السياسي الجديد.

التداعيات الأولية طفت على السطح مؤخّراً، من خلال الهتافات التي أطلقها أبناء أحزاب يسارية وقومية ضد الإخوان المسلمين أمام السفارة الأميركية، وفي مطالبة شباب في الجماعة القيادة بفك التحالف مع القوميين واليساريين على خلفية الأحداث من سورية، بما في ذلك الانسحاب من لجنة أحزاب المعارضة، التي تضم الإخوان مع اليساريين والقوميين والشيوعيين.

التداعيات العميقة التي لم تطفُ على السطح، وتتجاوز الأردن إلى أغلب الدول العربية، تتمثّل في قلق القوى اليسارية والقومية والعلمانية من الحضور الإسلامي المكثّف والفاعل في الثورات الديمقراطية، وتمكّن "المشايخ" –إلى الآن- من إثبات أنّهم التيار الأكثر شعبية، في مقابل الحصاد المرّ والهزيل للقوميين واليساريين، وحتى لأحزاب عريقة، مثل الوفد في مصر، في الانتخابات النيابية.

تلك المتغيرات الجوهرية مسّت عصب العلاقة بين الإسلاميين وتلك القوى؛ ومن يتابع خطاب بعض القوميين واليساريين الأردنيين والعرب يلحظ بجلاء أنّهم سحبوا موقفهم من الثورة السورية إلى الثورات الديمقراطية العربية بأسرها، بأثر رجعي، وأخذوا يفسّرونها من زاوية "المؤامرة" التي تجمع الأميركيين والأتراك والخليج-قطر (الجزيرة)، والقوى الإسلامية-الإخوان المسلمين.

لسنا، إذن، أمام حدث عابر أو انقسام حول موقف من مسألة خارجية، على قاعدة "الاختلاف في وجهات النظر لا يفسد للود قضية"، أو كما يقول مؤسس الإخوان "نعمل فيما اتفقنا عليه، ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا عليه"، بل نحن أمام تحولات مفصلية وخط فاصل بين مرحلتين. الجبهة الوطنية للإصلاح، بقيادة أحمد عبيدات، هي العنوان الرئيس اليوم، مع هزالة تحالف المعارضة الذي تنضوي تحته أحزاب وقوى المعارضة المختلفة، قوميون ويساريون وإسلاميون. ويبدو أنّ الشرخ بين هذه القوى يتسع ويتجذّر، ما يعني أنّ عبيدات، بوصفه فوق هذه الاستقطابات الأيديولوجية، معني إذا أراد الحفاظ على وحدة الجبهة وتماسكها، أن يقدّم تصوّراً توافقياً وعميقاً للموقف من الثورة السورية.

خلال الأسابيع الأخيرة فقط "مياه كثيرة جرت تحت الأقدام"، ولم يعد ممكناً تجاهل تأثير الثورة السورية على المعارضة والحراك السياسي الداخلي، وعلى الجبهة الوطنية؛ فإمّا أن تؤدي التطورات الأخيرة إلى إعلان الطلاق التام بين هذه القوى، وتفسّخ الجبهة تحت وطأة هذه الاختلافات، وإمّا أن ينجح عبيدات في إعادة تصميم جبهته على أسس متينة وصلبة، ما يمنحها قوة أكبر.

ليس مبالغة القول إنّ الثقة تكاد تكون ضحلة وهشّة بين القوى اليسارية والقومية من جهة والإسلاميين من جهة أخرى، وقد استعاد الطرفان ميراث الاتهامات السياسية والتشكيك بالآخر، الذي طغى على "الصورة النمطية المتبادلة" خلال مرحلة المواجهة الأيديولوجية في عقود سابقة. مهمة عبيدات لا تبدو سهلة على الإطلاق! فالرياح العاصفة التي هبت من سورية ومن صندوق الاقتراع، تتجاوز الأردن إلى أغلب الدول العربية، والاختلاف يبدو كبيراً بين مصالح هذه القوى ورهاناتها، ما يرجّح كفّة سيناريو الطلاق!

==========================

كارثة العقوبات الاقتصادية العربية ضد النظام السوري: ياشعّار اجتمع ببشار!

د.أسامة قاضي 

2011/11/26

كلنا شركاء

ثمانية أشهر من الاحتجاجات السلمية، والقمع الدموي، والاعتقالات، والقتل، وتعطيل مفاصل الدولة الاقتصادية والمدنية، والنظام السوري لم يقتنع بعد أن الثورة السورية تطالب بأبسط شيء أبدعه الله مخلوقاته البشرية ألا وهي "الحرية"، الحرية في اختيار الحاكم، من أعلى سلطة الهرم إلى آخر رئيس البلدية والمحافظ، لكن النظام السوري فوت فرص لحل الأزمة بشكل سلمي وقرر قمع 23 مليون سوري، وأصر على استعباد السوريين الأحرار الذين صبروا على النظام "الفاشل" بقيادة حزب البعث، وأجهزته الأمنية خمسة عقود، بما فيها من دماء، وموارد أهدرت، وفساد، ونهب للثروات، وإقصاء الأكفاء، من أجل إرضاء ولاءات حزبية، وعائلية، وعسكرية، دون النظر إلى الشعب الذي يعيش أكثر من نصفه تحت خط الفقر.

آخر العقوبات المفروضة المزمع إجراؤها ضد النظام السوري حتى يرعوي عن غيّه السياسي، هو العقوبات الاقتصادية والسياسية، وهذه المرة من الأشقاء العرب الذين لم يعودوا يحتملوا منظر دم أخوتهم السوريين المسفوح، وحجم الطغيان الذي لم ينفع معه لاالدبلوماسية التركية ولاالعالمية ولاالعربية، ولاالعقوبات الأوربية على بعض الشخصيات، ولاعلى العقوبات على استيراد النفط السوري، ولاالمهل الكثيرة، ولاأية وسيلة أخرى، عندها قرر الأشقاء العرب الوقوف بحكوماتهم لدعم الشعب السوري بالحصار الاقتصادي على النظام السوري.

طبعاً لايمكن لوزير الخارجية السوري "الفاشل" "صحّاف سوريا" (صاحب نظرية العلوج) أن ينسى الوطن العربي من الخارطة،لأن حدوده مع تركيا والأردن والعراق، و الأخيرة فيها من العراقيين الشرفاء المتعاطفين مع الشعب السوري من الحكومة ومن القبائل، الذين سيحرصوا على تطبيق هذه العقوبات، بما فيها منع الاستيراد والتصدير، والترانزيت، والإدخال المؤقت إلى سوريا، باستثناء المواد الطبية وإدخال الأغذية إلى سوريا.

إن العقوبات العربية ستشمل أكثر من ملياري دولار مما تستورده سوريا من الدول العربية، اللهم إلا الغذاء والدواء، وكذلك 74 مليون دولار إدخال مؤقت، والطامة الكبرى هو منع تصدير حوالي 5 مليار دولار من الصادرات السورية أن تغادر عبر الأراضي التركية والعربية إضافة لحوالي 274 مليون دولار إعادة تصدير.

بمعنى أن النشاطات الصناعية والزراعية والتجارية داخل سورية المعتمدة على التصدير ستتعطل بشكل شبه كلي، وستحرم سوريا القطع الأجنبي الممكن تحصيله من جراء تصدير المنتجات السورية، وهذا سينعكس على ارتفاع معدل البطالة في سوريا، وسيرفع أسعار المنتجات المستوردة من الخارج بسبب شحها في السوق السورية، فضلاً عن أن تكلفة دعم الليرة السورية سيزيد بشكل أكبر مما يؤدي إلى استنزاف الاحتياطي النقدي من العملة الأجنبية.

إن 1.7 مليار دولار حجم تجارة سوريا مع تركيا ستصاب بشبه الشلل التام، ولوأضفنا إلى منع 2.7 مليار دولار صادرات المنتجات السورية، و3.1 مليار دولار مستوردات من أوربا لتبين معنا حجم الكارثة الاقتصادية القادمة إلى سورية بسبب عناد النظام السوري وإصراره على قتل شعبه.

الاستثناء الوحيد من هذا الحجم الهائل من إعاقة التبادل التجاري مع العالم، بسبب فرض الحظر العربي على النظام السوري، هو المستوردات من الأغذية والحيوانات الحية والتي قيمتها 2.3 مليار دولار ، وأغلب الظن أن الدواء السوري المصنع محلياً سيكفي حاجة السوريين ويستثنى من العقوبات الاقتصادية المواد الطبية الأساسية الداخلة في الصناعة الدوائية المستوردة والتي لايتجاوز حجمها 155 مليون دولار.

إذا لم يكن الدكتور محمد نضال الشعار وزير الاقصاد للحكومة "غير الشرعية" وضّح صورة الكارثة المقبلة لرأس النظام، فهذه كارثة كبرى، وإذا كان الشعار قد شرح له سوء المنقلب القادم، ولم يفهم بعد حجم المصيبة فهذه كارثة أعظم وأفدح. أتمنى فعلاً أن أعرف هل فعلاً قام وزير الاقتصاد السوري بالاجتماع مع بشار الأسد ليشرح له عمق الكارثة القادمة؟ وليس فقط الاكتفاء بتصريحاته: "إنها ليست أزمة سهلة على الإطلاق، إني اعتقد أنها أسوأ أزمة نمر بها في تاريخنا لأنها تمس مباشرة المواطن ورجل الشارع والمصانع وبيئة الأعمال، إنها تصيب الجميع وهذا ليس عادلا" ليته شرح لراس النظام أنه ليس من العدل قتل ألوف السوريين، ولكنه قدم الحل السحري! وهو الاعتماد على "الاكتفاء الذاتي" ،وقبل العقوبات الاقتصادية كان الشعار يعرب عن شكوكه في اتخاذ قرار العقوبات بالإجماع بين البلدان العربية، حيث صرح بأنه " شبه متأكد من أن البعض لن يوافق على ذلك" وهاهي العقوبات بدأت بالإقرار وف يطريقها للتنفيذ، ألايصح أن يقوم هذا الرجل الأكاديمي ويبرأ ذمته أمام الله والتاريخ ليشرح لرأس النظام فداحة الخطب، وربما اليافطات القادمة للثورة يجب أن تكون "ياشعار اجتمع ببشار!"

إن حجم التجارة السوري الذي يتجاوز ال 22 مليار دولار معرض للخطر، وإن 3.7 مليون عامل سوري معرضين لأن يكونوا في الشوارع السورية وجزءاً من الثورة على الأرض، لأنه ستتعطل حركة البناء والصناعة والتجارة فضلاً عن السياحة والمطاعم التي كان يعمل فيها أكثر من 900 ألف عامل والتي تضررت منذ أكثر من ثمانية أشهر.

إن الكارثة الأكبر هو الشلل الاقتصادي بسبب ضعف القوة الشرائية للمواطن السوري إلى درجة كبيرة، وتعطيل تحميل حوالي 3 مليون طن بضائع، وترجمة هذه المسالة واقعياً معناها منع دخول 113 ألف شاحنة مما يضيف إلى جيش العاطلين عن العمل بطالة عمال الشحن.

وإن فرض الحظر الجوي على الطيران السوري المدني، ومنع الطيران الأجنبي الوصول إلى الأجواء السورية، معناها  منع 26 ألف طيارة للإقلاع والهبوط من المطارات السورية، مما سيعطل حركة 2.1 مليون مسافر، ومنع ورود 20 ألف طن من البضائع، وتصدير 11700 طن. لاشك إن هذا سيساهم في هبوط حجم موارد الخزينة السورية من الضرائب، فالعقوبات التي طالت الاستيراد ستحرم الخزينة من حوالي نصف مليار من الضرائب على المستوردات، وحوالي 1.3 مليار دولار ضرائب على المنتجات، ولكن الأسوا أن حجم البطالة المتزايد، وانخفاض مداخيل المواطن السوري، وتعطيل الحياة الاقتصادية، سيهدد أكبر دخل ضريبي للخزينة السورية، من جراء تعطيل أكثر من 100 ألف مشروع متوسط وصغير، وأغلب الظن أن كارثة العقوبات الاقتصادية العربية ستنال أكثر من نصف ضريبة الدخل التي تقارب 2.6 مليار دولار.

 

إن العقوبات العربية المفروضة على سورية ستشمل المصارف الخاصة بفروعها ال145 الموجودة في سورية والتي يبلغ حجم أصولها حوالي 8 مليار دولار فضلاً عن حجم التعاملات المالية التي يعتمدها رجال الأعمال من مثل مصرف بيمو السعودي الفرنسي، والبنك العربي، وبنك عودة، وبنك بيبلوس، وبنك سورية، والخليج، وبنك الأردن – سورية، وكذلك مصرف قطر الوطني، وغيرها من المصارف الإسلامية التي هي فروع لمصارف خليجية ساهمت في الجامعة العربية بحشد التأييد لوضع العقوبات على النظام السوري.

لقد برّأ المجتمع العربي والدولي ذمته أمام الله والتاريخ، ولكن النظام السوري حسم أمره في أن يقتل ويعتقل السوريين، ويصم آذانه عن مطالب الشعب بالحرية، مهما كلف ذلك من خسائر هائلة، ويدمر الاقتصاد السوري، بانتظار استحقاقات العقوبات العربية القادمة التي تفوق خطورتها وأثرها عشرات الأضعاف عن العقوبات الأوربية، ويبقى السؤال الأهم كم يمكن لهذا النظام أن يصمد بعقوبات اقتصادية بهذا الحجم قبل أن يصل الأمر لتدخل الأمم المتحدة الفعلي لحماية المدنيين؟

===========================

هل «فرّقت» سوريا بين الجماعة الإسلامية وحزب اللّه؟

عبد الكافي الصمد

الأخبار 8-12-2011

http://www.al-akhbar.com/node/27266

لطالما عُدّت اللقاءات الدورية بين الجماعة الإسلامية وحزب الله واحدة من الأسس التي يستند إليها البعض لاحتواء أيّ توتّر مذهبي، إلى أن جاءت التطورات في سوريا لتصيب تقارب هذين الطرفين في الصميم، ولتكشف عن صدعٍ كبيرٍ بينهما متعلق بكيفية مقاربتهما لها

قبل أشهر، وتحديداً منذ انطلاق شرارة الأحداث في سوريا في 15 آذار الماضي، تحدث كثيرون عن «تباين» كبير يسود العلاقات بين الجماعة الإسلامية وحزب الله لجهة مقاربة الأزمة السورية، لكن من دون أن يظهر هذا التباين إلى العلن، وإنْ كانت بعض ملامحه ظهرت بنحو أو بآخر في الكواليس.

أحد أبرز مشاهد هذا التباين بين الطرفين تمثل في إعلان الجماعة الإسلامية وقوفها إلى جانب الشعب السوري ومطالبه، في حين لم يخف حزب الله إعلانه وقوفه خلف «نظام المقاومة والممانعة».

منذ سنوات عدّة، دأب الطرفان الإسلاميان الأبرز على الساحتين السنيّة والشيعية في لبنان على عقد لقاءات دورية بينهما، كانت تفسّر على أنها «لقاءات تقارب» بين طرفين يجمعهما أكثر من عامل، لعل أبرزها توافقهما على نقطتين: الأولى العداء لإسرائيل وتبنّي خيار المقاومة، والثانية احتواء أي خلاف مذهبي قد ينشب لهذا السبب أو ذاك، انطلاقاً من خلفية أنه ليس لأحد مصلحة فيه. ورغم الفارق الكبير في الحجم والتمثيل والحضور السياسي والشعبي بين الطرفين، بقيت الجماعة تعدّ نفسها صنواً للحزب. كانت ترى في نفسها الفريق الثاني بعد «التيار الأزرق» الذي له امتداد داخل الساحة السنيّة في كل لبنان، وأنها ليست حزباً محلياً ضيّقاً، عدا عن أنها أقدم من تيار المستقبل، وأنها حزب عقائدي له جذوره وامتداداته في طول العالم الإسلامي وعرضه.

تباين تجلى في أوضح صوره في أحداث 7 أيار 2008. ورغم «العودة الباردة» للعلاقات في وقت لاحق، لم يسهم ذلك في كسر الجليد «السميك» بينهما. بل جاءت تطورات أحداث سوريا لتكشف عن وجود تباين عميق لا سطحي بينهما.

مظاهر هذا التباين «فجّرها» المسؤول السياسي للجماعة الإسلامية عزام الأيوبي، خلال نهاية الأسبوع الماضي، عبر مهاجمته خلال احتفال في المنية حزب الله من غير أن يسمّيه، عندما رأى أنه «نعيش منذ عدة سنوات عملية استقواء من قبل فئة من اللبنانيين على فئات أخرى، تعتمد على القوة في فرض رؤيتها على كل أبناء الوطن... أنتم تأخذوننا وفق خياراتكم الخاطئة معتمدين على قوة سلاحكم»، قبل أن يرفع سقف انتقاده للحزب على موقفه الداعم للنظام السوري، بقوله أمس في مهرجان أقيم في عكار «لمن خرج بسواده مؤيّداً لأنظمة القمع والاستبداد، عليه مراجعة حساباته قبل فوات الأوان».

أسباب هذا الموقف ردّها الأيوبي إلى أن «المسؤولين في الحزب قد ذهبوا في تناولهم الموضوع السوري أكثر من اللازم، فأردنا أن نسمعهم صوتنا». وعندما سألته «الأخبار» عن أسباب عدم إسماع مسؤولي الحزب موقف الجماعة خلال اللقاءات الدورية معهم، ردّ: «يبدو أنهم لا يسمعوننا، لأن نقاشاتنا معهم بدت أقرب إلى حوار طرشان، فأردنا أن يكون موقفنا من هذا الموضوع إعلامياً». الأيوبي الذي اعترف بأن «لقاءاتنا مع الحزب لم تعط نتيجة»، أكد أن «موقفنا نابعٌ من خلفية الحرص على الحزب وليس العداء له، لأننا نؤمن بضرورة استمرار الجسور قائمة بين مكوّنات الواقع اللبناني، وليس قطعها».

ولم يكتم الأيوبي عتبه على الحزب، «لأن ما كنا نتحدث عنه في اللقاءات الداخلية لم يُترجم على أرض الواقع»، خصوصاً في ما يتعلق بالموضوع السوري الذي رأى الأيوبي أنه «لا مصلحة للحزب ولا الداخل اللبناني في التعاطي معه على طريقة الحزب ومقاربته له»، كاشفاً عن أن «محاولاتنا لإقناع الحزب تغيير موقفه حيال ما يحصل في سوريا لم تفلح، وجهودنا في هذا الإطار أصبحت عبثية».

غير أن الأيوبي يشير إلى نقطتين يعتبرهما مهمتين للغاية: النقطة الأولى هي أنه في لبنان «لسنا منعزلين عن محيطنا، ولا يمكن أن نعزل أنفسنا، مع أننا لسنا مع ظاهرة الشيخ أحمد الأسير مثلاً». أما النقطة الثانية فهي محاولته نفي أن يكون موقفه نابعاً من ثقة زائدة بالنفس، مشيراً إلى أنه «لا يذهب أحد بعيداً في القول إنه بتنا حكام المنطقة، وإننا نتعاطى مع الآخرين على هذه الخلفية، بل ما نقوله إن الموضوع السوري يحتاج إلى مقاربة مختلفة تكون أقرب إلى المنطق».

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ