ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
د. صدقة يحي فاضل عكاظ إن سوء استخدام مبدأ سامٍ، أو فكرة نبيلة
ما معينة، لا يعنى
بالضرورة فساد
ذلك المبدأ، أو تلك الفكرة، بل يعنى أن
هناك جهة فردا
أو جماعة تستخدم
ذلك المبدأ، وترفع شعاره، بشكل غير
لائق، أو تستعمله لتحقيق أهداف خاصة
ضيقة، قد لا تمت بصلة لذلك المبدأ، إن
لم تضر به، عبر تشويهه لدى المعنيين،
والإساءة له ولأنصاره. ف«سوء
الاستخدام» هنا عبارة عن: مزايدة
رخيصة، وادعاء ممقوت... ينم عن وجود
أهداف خبيثة، أو جهل مريع... ولا يؤدى
في نهاية الأمر
إلا إلى الإضرار بذلك المبدأ،
وعرقلة تبنيه... خاصة عندما ترفع شعاره
قلة متسلطة، تسعى في
حقيقة الأمر لاستعباد
الناس، والهيمنة على مقدراتهم. وهذا
الاستغلال سرعان ما ينكشف للمتابعين،
الذين قد يصاب بعضهم بالإحباط
والدهشة، وصدمة المفاجأة. وهذا التوصيف المختصر ينطبق
تماما على
قلة متسلطة في الشام، ترفع شعار «الوحدة
العربية» و«الصمود»، كلاما، وتنم
أفعالها عن كونها من أبعد الناس عن
خدمة مبدأ الوحدة، وحركة المقاومة،
ناهيك عن مبادئ الحرية والعدالة
والمساواة والكرامة. إنها مجرد شعارات
فرغت من محتواها.... بعد أن استولت قلة
طائفية مريبة على ذلك الحزب العتيد...
فسخرته لاستعباد الشعب والسيطرة على
مقدراته، وخدمة مصالحها الفئوية
الضيقة، والمتمثلة في سعيها الدؤوب
نحو المال والنفوذ. **** نعم، لقد اختطفت هذه القلة الطائفية
الحزب، وجعلته «أداة» لإخضاع وقمع
الشعب. وهذه القلة هي
في الواقع ضد
«الوحدة» التي تنادى بها، وضد
المقاومة الفعلية، وبقية المبادئ
السياسية النبيلة. حتى أن سياسات هذه
القلة وسلوكيات
البعض الآخر دفعت
إلى سخرية الآخرين من هذه الطائفة، بل
ومن مبدأ الوحدة نفسه... وأعطت لأعداء
هذا المبدأ فرصة كي يسفهوه، ويصموا من
يرفعه تندرا
واحتقارا ب«القومجى»...؟!
ومعروف، أن تلك القلة قد سيطرت على
مقاليد الأمور في بلادها بطريقة
سينمائية... أعطت للعالم الانطباع بأن
كل شيء في تلك البلاد ممكن، طالما
أرادت له تلك القلة أن يكون ممكنا. ولم
ينس العالم بعد قضية تعديل دستور
البلاد خلال ساعات...؟! **** لم ير شعب تلك البلاد الفتية، ولا العالم،
من ذلك النظام العتيد، و«الممانع» و«الصامد»
إلا المزيد من الفقر والجهل والمرض،
والتخلف في شتى المجالات. وعلى المستوى
السياسي، لم يشهد أحد سوى الادعاءات،
والشعارات الفارغة، والمناورات،
والمزايدات. أما الصمود والتحدي
والممانعة والمقاومة، فقد ثبت أن لها
معاني عكسية خاصة في عرف هذا النظام،
لا يفهمها حق
فهمها إلا «شبيحة»
النظام، ودهاقنة قمعه ومنظريه. إنه، مع كل الأسف، نظام يعيش على ما
بالمنطقة من تناقضات، ويشتغل
بالمناورات، وتحتل إسرائيل جزءا من
أراضيه الأثيرات، ويعانى شعبه من
التخلف والقهر والاعتقالات، ويدعي
مع كل ذلك أنه
مستهدف بمؤامرات، وأنه «القلعة التي
تذود عن الأمة»، وتحفظ الكرامات....
وأنه إن ذهب ستداس كل المحرمات...؟! **** لقد صبر الشعب الشامي على ذلك النظام
كرها، ثم فاض به الكيل، فانتفض...
مطالبا باسترداد حريته وكرامته.
ولمواجهة هذه الانتفاضة الشعبية، حرك
النظام الجيش، بعدته وعتاده، ضد الشعب
الأعزل المطالب بحقوقه المشروعة في
وطنه، بعد حوالى نصف قرن من اغتصابها
من قبل هذه القلة... التي تبرر تنكيلها
بالشعب الثائر بادعاء سخيف مفاده أنها
أي سلطة هذه القلة
تحارب «عصابات مسلحة مندسة...
جندتها الصهيونية والامبريالية
العالمية...»...؟! والحق إنها ثورة شعبية ضد ديكتاتورية قلة
طائفية متسلطة، وقد حان الوقت لوقف
جرائمها في حق شعبها، وإقامة نظام بديل...
يمثل الشعب بحق، ويعيد له حريته
وكرامته، ويمسي سندا حقيقيا لأمته
العربية، وقلعة صامدة
بحق في
وجه أعداء هذه الأمة. وهذا ما هو مأمول،
ومتوقع تحققه، على يد شعب أبي... هو من
أكثر شعوب الأرض نضالا ومروءة. ================= محمد خلفان الصوافي تاريخ النشر: الأربعاء 14 ديسمبر
2011 الاتحاد قد يكون من باب المفارقة أن يتواجد حسن
نصرالله، أمين عام "حزب الله"
اللبناني، بزخم في تفاصيل المشكلة
السورية، ليؤكد -بمناسبة وبدونها-
وقوفه الكامل مع نظام الأسد الذي يقتل
شعبه على مرأى من الرأي العام العالمي
ثم يتنكر، بدلاً من الاعتراف أو
الاعتذار عن ما يقترفه جنوده من عمليات
قتل يومية. وجود نصرالله في موقعه السياسي هذا تسبب
في فقدانه تعاطفاً كان يلقاه من شريحة
من الرأي العام العربي جعلت له "حصانة"
من مسؤوليته عن كل أفعاله وتصرفاته
ومشاكله التي تسببت في كوارث في الدول
العربية، وخاصة في لبنان.أعتقد أن من
مصلحة الدول العربية كذلك الزج
بنصرالله كثيراً بأن يكون مع النظام
السوري لتزداد خساراته، وربما يصل به
الأمر إلى أن يغلق ملفه ضمن الملف
السوري، الذي يتأكد كل يوم أن نظامه
يفقد شرعيته واحترامه لدى العالم. كثيرة هي استطلاعات الرأي، قبل ما يعرف
بالربيع العربي، التي أكدت أن نصرالله
والأسد، أكثر الزعماء العرب شعبية
لأنهما كانا يحققان بعضاً من طموحات
الشعب العربي وهو مواجهة إسرائيل. كانت
هناك نظرة إعجاب وتأييد لهما من الشعوب
العربية، وأقصد هنا تحديداً السنة. بل
إن هذه الشعبية كانت سبباً في تمدد
المذهب الشيعي داخل المجتمعات
العربية، حتى أخذ التمدد شكله السياسي
في دول عربية عديدة. صحيح أن هذا الإعجاب كان يشوبه شيء من
الحذر والقلق لطبيعة العلاقة التي
تربط نصرالله بإيران والتي تسببت في
زعزعة الاستقرار في لبنان وفي بعض
الدول العربية. واستطاع استقطاب بعض
الحركات الدينية السياسية في الدول
العربية، حتى جعلت من الصعب التعامل
معه هو وحزبه. وظل مؤشر شعبية نصرالله
يرتفع صعوداً لفترة زمنية رغم توقف
مليشياته عن مواجهة إسرائيل، وظلت تلك
هي السمة البارزة له أثناء الحديث عن
الزعامات العربية. هذه الشعبية أعطته حصانة في كل الملفات
الإقليمية، وعقّدت الكثير من المواقف
السياسية العربية ضده، وجعلت المساس
به أو مجرد التلويح باسمه "مصيبة".
بل إن هذه الشعبية أعطته "قوة التدخل"
في الملفات المحلية والإقليمية، حيث
يدعم النظام السوري أحياناً والإيراني
أحياناً أخرى، ويزعزع استقرار الدول
متناسياً مواقف الدول العربية في حربه
التي أشعلها مع إسرائيل. واليوم كشف عن
وجهه الحقيقي وأهدافه الحقيقية من
دعمه للنظام السوري، بأنه ليس من أجل
الكرامة العربية وإنما لاستقرار
إسرائيل، كما صرح بهذا رامي مخلوف في
بدايات الأزمة. مواجهة نصرالله الصريحة مع إسرائيل، في
السابق، لامست شيئاً من احتياجات
الناس عندما كسرت نظرية الجيش الذي لا
يقهر. واستطاع أن يسوق لحزبه وأفكاره
وفرض حزبه مواقفه السياسية في لبنان
وتلاعب بالملفات السياسية. وعندما
جاءت أزمة سوريا لم يتقن نصرالله
اللعبة السياسية فأعلن موقفه المؤيد
للنظام ضد الشعب، فنسف شعبية اكتسبها
بدون جهد. المسألة اتضحت الآن، إذ لا علاقة
لنصرالله بكرامة المواطن العربي ولا
باستقلاليته، وأن زعامته ليست حقيقية
بل مزيفة، بعكس ما فعله رئيس الوزراء
التركي أردوغان، عندما أعلن موقفه
صراحة من سياسة التقتيل. واليوم لو
أجري استطلاع للرأي لن يحصل نصرالله
على أي تأييد شعبي عربي. الربيع العربي أفرز دروساً كثيرة، وأتاح
فرصاً لمعرفة حقيقة نوايا الزعامات
والقيادات، وهذا ما فعلته الأزمة
السورية مع نصرالله الذي وقف ضد الشعب
السوري مبرراً الممارسات التي ترتكب
ضده على مرأى ومسمع من العالم أجمع. ================= رشيد الخيّون تاريخ النشر: الأربعاء 14 ديسمبر
2011 الاتحاد تحفظت بغداد على ما اتخذته أغلبية دول
الجامعة العربية بحق دمشق، وقد برر
الرئيس جلال طالباني، هذا الموقف
قائلاً: "لا أخفي أننا قلقون من
البديل في سوريا. نخاف إذا جاءت قوى
متطرفة تعادي الديمقراطية، وتعادي
العراق الديمقراطي" (الفضائية
العراقية). كذلك صرح الطالباني: أن
العراق ضد التدخل الخارجي في حل الأزمة
السورية. وهنا الآية الكريمة تُغني عن
المقال: "وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا
وَنَسِيَ خَلْقَهُ" (يس: 78).
فالمعارضة العراقية السابقة بذلت كل
جهدها من أجل الحصول على العون ضد من
كانت تعارضه. فسيقول السوريون: لماذا
عليكم التدخل الخارجي حلال وعلينا
حرام! حقاً يستغرب مثل هذا الموقف، وأقل ما يقال:
من المفروض أن معارضة الأمس، وسلطة
اليوم، هي الأكثر شعوراً بما يعانيه
الشعب السوري، وتدرك قيمة هذا التضامن
قبل غيرها، لأنها طرقت الأبواب كافة،
عندما كانت تنافح ضد النظام ببغداد،
وكم كان يؤلمها خذلان الآخرين. يضاف
إلى ذلك ما علت به الأصوات العراقية،
قبل سنتين، شاكيةً من أن دمشق الرسمية
تستضيف أعداءها اللدودين، وتُسهل
تحركاتهم ضدها وهي في السلطة. ومع أن السلطتين، ببغداد ودمشق، كانتا
بيد حزب واحد انفلق إلى جناحين: سوري
وعراقي، فالأدوات والآيديولوجية
واحدة، وانعكاساً للخصومة بين سلطتي
الجناحين تخاصمت معارضتاهما، ف"الإخوان
المسلمون" السوريون الذين آوتهم
بغداد ظلوا يعدون إسقاط نظامها
مؤامرةً وخسارةً، وهذا الرأي ليس فقط ل"الإخوان"
السوريين، بل إن فروعاً ل"الإخوان"
أقامت مجالس عزاء بمقتل الزرقاوي (يونيو
2006)، مع مسؤوليته، المعلنة من قبله، عن
مذابح بحق العراقيين. وبالمقابل فإن المعارضة العراقية
السابقة، حصلت على امتيازات من دمشق:
جوازات دبلوماسية ومقرات أحزاب،
ومراكز تدريب، إلى غير ذلك، وهذا أوجب
التعاطف بشتى السبل مع دمشق ضد بغداد
لثلاثة عقود ويزيد. لكل هذا قد تتردد
معارضة الأمس في تبني عقوبات ضد دمشق.
صحيح أن الأمر يطرحه العِراقيون
بأعذار كمحاولة سد الطريق على القوى
المتطرفة في الوصول إلى السلطة بدمشق،
لكن هناك شيئاً كثيراً مما ذكرنا، وهو
الارتهان للولاءات السابقة. هذا ليس موقف الرئيس طالباني إنما هو موقف
الحكومة العراقية أيضاً، وعندما نقول
الحكومة نعني كتلة "دولة القانون".
أما بقية الكتل، فتراها "العراقية"
مغازلةً لطهران والارتهان لفضلها
السابق مع المعارضة الإسلامية بالذات،
والمخالفون في كتلة الطالباني (الاتحاد
الكردستاني) يرونه غير منسجم مع ساسة
دول أسقطت لهم النظام في تدخل عسكري
يرفضه الرئيس وآخرون في التعامل مع
سوريا. لا يخفى أن السياسة العراقية تلعب فيها
الأهواء، ففي العديد من المواقف ما
يقوله وزير الخارجية ينسفه وزير النقل
مثلا. ولا نقول وزير الداخلية أو وزير
الدفاع، فها هي الانتخابات أُعلنت
نتائجها (مارس 2010) وسيأتي (مارس 2012)
والعراق مازال بلا وزارتي دفاع وأمن،
وتلك إشارة كافية إلى هشاشة المشهد
السياسي ببغداد. سيرد سوريون على موقف بغداد، أو بعضه، بأن
الدرس العراقي لا يسمح بالتخوف من مجيء
متطرفين -حسب طالباني- إلى سدة الحكم
بدمشق، فكم متطرفون صعدوا إلى السلطة
بالعراق، ومنهم غدوا رؤساء وحدات
إدارية ووزراء وقادة ميليشيات، فمنعوا
الموسيقى، وأدخلوا إلى المدارس رؤاهم
الدينية والمذهبية المتزمتة، وفسدوا
بالمال العام أيما فساد، وتجد منهم
مسؤولين عن مقاتل علماء وخبراء. لكن
أهل السُّلطة، مع تردي الحال، يرون أنه
لا وجه للمقابلة بين تعسف النظام
السابق والحريات الحالية. بالمقابل
هذا ما تفكر به المعارضة السورية
أيضاً، إنه مهما كان التوقع من فوضى
وهيمنة متطرفين هو أفضل حالا من النظام
القائم. أقول: ما بين العراق وسوريا غير ما بين
العراق وسواه من البلدان، علاقات
متشابكة على مدى العصور. أكثر من تجاور
على الأرض وشراكة في الماء، إنه تاريخ
طويل مِن التخالط السكاني، وكم من
شاميي الأصول غدوا أصحاب مراكز
بالعراق والعكس صحيح. قبل أن يعرف
المكان بسوريا، وإن ذكر هذا الاسم
فيقصد قديماً مكان بين خُناصرة
وسَلَمية، فحسب إطلاعنا، لم تُذكر
كبلدة قبل ياقوت الحموي (ت 626 ه) صاحب
"معجم البلدان". إنما كان
الشَّأم، مِن الشَّؤمى "على مشأمة
القبلة"، أي يسارها (الفيروزآبادي،
القاموس المحيط)، لا من التَّشاؤم.
فللمتلمس جرير بن عبد المسيح (ت 580
ميلادية): "أمي شأميةُ إذ لا عِراق
لنا.. قوماً نودهم إذ قومنا شوسُ" (شيخو،
شعراء النصرانية). كانت المواجهات قائمة ولقرون بين العراق
والشام، وأهل العراق كانوا علويين،
سُنتهم وشيعتهم، قبل الانفلاق في
الأصول والفروع، بينما أهل الشام
كانوا أمويين، ومن قبل كانت الحرب
سجالاً بين الغساسنة (220 -638 ميلادية)،
العرب من أهل الشام، والمناذرة (266-633
ميلادية)، العرب من أهل العراق، وهما
كانا فرعي الصراع الطويل بين
البيزنطينيين والساسانيين. حتى قيل:
"أما سمعت قول الناس: ليس الشامي
للعراقي بصاحب" (التَّوحيدي،
الإمتاع والمؤانسة). على أية حال، من
يقرأ التاريخ سيضحك من تجدد الحوادث
وتبادل الأدوار بين الأضداد، مع أن
الجغرافيا ظلت ثابتة، لكن الدول تبدلت
والولاءات تعاكست، فدمشق الأموية لبست
الرداء العلوي. ضيقاً بالعراق، ووداً للشام، عزم الخليفة
جعفر المتوكل، سنة 243 ه، على هجرعاصمة
أجداده وآبائه إلى دمشق عاصمة خصومهم،
"ونقل دواوين الملك إليها، فأمر
بالبناء بها (لولا) استوبأ البلد، وذلك
أن الهواء فيها بارد ندي والماء ثقيل...
وهي كثيرة البراغيث، ثم غلت الأسعار،
وحالت الثلوج بين السابلة والميرة،
فأقام شهرين وأياماً، ورجع إلى سامراء"
(ابن الجوزي، المنتظم). مع تحفظنا على
وصف دمشق بهذا الوصف من قبل عراقي
عباسي الهوى! ويُظن رده بيتا الشاعر
البصري يزيد المهلبي (ت 259 ه): "أظُنّ
الشام تشمتُ بالعراق.. إذا عزم الإمامُ
على انطلاق.. فإن يدع العراق وساكنيه..
فقد تُبلى المليحة بالطلاق" (المسعودي،
مروج الذَّهب). تجد في التاريخ السوري العراقي القريب
الخصومة الطويلة بين الأنظمة
والمعارضات، فيصعب طلب موقف عراقي
واضح ضد دمشق الرسمية، ذلك لعدم التمكن
من خلع رداء المعارضة! لا ألوم
المعارضة، عراقية كانت أم سورية، ف"ليس
يلام هاربٌ من حتْفهِ" (الميداني،
مجمع الأمثال). إنما هي جدلية السلطة
والمعارضة، فلولا خلق كل سلطة
لمعارضتها، وبمواصفاتها، لكان اللقاء
بين المعارضتين هو الحالة الطبيعية،
فما يحصل هو الشذوذ عن منطق الأشياء. ================= محمد الحمادي تاريخ النشر: الأربعاء 14 ديسمبر
2011 الاتحاد في الرياض يجتمع قادة دول مجلس التعاون
الخليجي يومي 19 و20 ديسمبر الجاري حيث
تعقد القمة الخليجية ال32، وهذه القمة
لا توصف إلا بأنها واحدة من أهم القمم
الخليجية فالظرف العربي حساس للغاية
والاقتصاد العالمي يعاني ودول الخليج
أصبحت لاعباً رئيسياً فيما تشهده
المنطقة من تغييرات، لذا لم يعد الدور
الذي يلعبه المجلس اختيارياً بل تفرضه
التغيرات الإقليمية... فما الذي نتوقعه
من هذه القمة؟ أصبح واضحاً أن دول الخليج تتعامل مع
المتغيرات الإقليمية بفلسفة مختلفة لم
يعهدها الإقليم من قبل، ومن يتابع
الوضع يدرك أن دول مجلس التعاون
الخليجي استطاعت أن تكون القوة
المؤثرة في الأحداث الأخيرة التي
شهدتها المنطقة، سواء في اليمن أو
ليبيا أو حتى مصر... لذا فإن دورها
وموقفها سيكونان حاسمين للوضع في
سوريا، فدول مجلس التعاون الخليجي في
ظل ما تعيشه من استقرار سياسي واقتصادي
يمكنها لعب هذا الدور الحيوي الحساس في
ظل انشغال الدول العربية الكبرى
بأوضاعها الداخلية. الملف السوري هو الموضوع الرئيسي في هذه
القمة وربما تقع على عاتق مجلس التعاون
المشاركة في وضع حد لما يحدث في سوريا
فالأوضاع تتأزم بشكل دراماتيكي:
القتلى تزداد أعدادهم يومياً والنظام
يزيد من قمعه للمعارضين ويصرعلى
تجاهله للنداءات الدولية والعربية
ويرفض الاستماع لأحد. وبعد الحديث الأخير لبشار مع القناة
التلفزيونية الأميركية ABC أصبح نظام دمشق في وضع لا يحسد
عليه وأصبحت خياراته محدودة بشكل
أكبر، ولم يعد السؤال المهم: ما هي
سيناريوهات رحيل النظام، بل: ما هي
سيناريوهات بقائه واحتمالات
استمراره؟ فقد لعب هذا النظام بكل
أوراقه، وأحرق جميع مراكبه، أما
المجتمع الدولي فأصبح لديه موقف واضح
ومعلن مما يحدث في سوريا، وهو أنه على
نظامها الحالي أن يرحل. والدول العربية
متمثلة في الجامعة أعلنت موقفها وقدمت
خطتها التي لا يزال النظام يماطل في
تنفيذها، فكيف يخرج من هذا المأزق؟ وما
هي الأوراق التي "يعتقد" أنه
يستطيع التفاوض أو اللعب بها؟
وبالمقابل ما هي الأهداف التي يريد
الآخرون تحقيقها؟ يفترض أن تكون لدى كل
طرف الإجابة الواضحة والصادقة حتى
يستطيع اتخاذ قراره السليم. يراهن النظام السوري على حساسية وأهمية
موقعه ودوره كما يراهن على الدعم
الصيني والروسي وقبل كل ذلك الدعم
الإيراني، كما يقول إنه يعتمد على
الدعم الشعبي الداخلي… هذه أهم
الأوراق التي يعتقد أنه يمتلكها ويمكن
أن يستخدمها. لكن على أرض الواقع كل هذه
الرهانات ليست قوية مقابل استمرار
الانتفاضة الشعبية في الداخل والرغبة
العربية والإقليمية والدولية في إحداث
تغيير بسوريا. أما الأهداف التي يريد أن يحققها الآخرون
سواء دول المنطقة أو المجتمع الدولي
فتتلخص في التخلص من التدخل الإيراني
في المنطقة، والتي يبدو أنها لن تسمح
لهذه الفرصة أن تمر دون أن تحقق هذا
الهدف، وبالتالي تقلم مخالب "حزب
الله" الذي قبل أن تستخدمه طهران،
وقبل أن يقف إلى جانب النظام السوري ضد
الشعب المنتفض! وكذلك تسعى الدول
العربية لإعادة سوريا إلى محيطها
وعمقها العربي. النظام السوري حصل على الفرصة تلو الأخرى
كي ينهي أزمته ويعيد الأمور إلى وضعها
الطبيعي لكنه فشل في ذلك طوال الأشهر
الماضية، لذا فمن غير المنطقي أن يتوقع
أن يمنحه المجتمع الدولي فرصاً بلا
حدود أو أن يصبر عليه للأبد والعالم
يرى العنف والقتل اليومي هناك. تدويل المسألة السورية -والذي كان يرفضه
الجميع ولا تتمناه الأغلبية- لم يعد
بعيداً ولا مستبعداً، وإذا كان نظام
دمشق لم يستوعب هذه الحقيقة فهذه
مشكلته وحده، فإبقاء الوضع على ما هو
عليه أمر لا يمكن قبوله، والعجز الواضح
الذي يعاني منه النظام في التعامل مع
المحتجين طوال الأشهر العشرة الماضية
يضعه في موقف صعب. أما تنصل الأسد من
قتل المدنيين خلال لقائه مع ال "ABC" الذي لم يقنع أحداً ولم يكن
موفقاً بالمجمل فيبدو أنه الشعرة التي
ستقصم ظهر البعير. تدويل الأزمة السورية والتدخل الخارجي قد
يعني حروباً وقتالا، وربما حرباً
أهلية وأخرى طائفية أو حتى إقليمية،
ويعني تكرار المشهد الليبي بشكل أفظع،
وهذا ما يجعل البعض يرى أنه بقي أمام
النظام السوري مخرج واحد ووحيد وهو
شبيه بما تم عرضه على صدام عام 2003، أي
أن يترك البلد ويتجه مختاراً إلى منفاه
ويترك الشعب يدير أموره. فهل يقبل
النظام السوري بذلك، أم يرفضه كما رفض
من قبله نظام صدام؟ والسؤال المبني على إجابة السؤال الأول
هو: لماذا يرفض النظام السوري هذا
الخيار؟ لماذا لا يقبل بخيار اتضح أن
صدام لو كان قد قبله لتجنبنا كثيراً من
الكوارث السياسية والأمنية التي
أصبحنا نواجهها اليوم. أمام بشار ثلاثة سيناريوهات هي:
السيناريو العراقي الضائع، السيناريو
القذافي المؤلم، وسيناريو "صالح"
المعقول، والقرار في اختيار أي من
السيناريوهات الثلاثة راجع للنظام
السوري، أما مسؤولية دول مجلس التعاون
في هذه المرحلة فتكمن في أن لا يسمح لما
حدث في العراق عام 2003 أن يتكرر في سوريا
الآن. وفي ذلك تكمن أهمية القمة
المقبلة لمجلس التعاون، وهي مسؤولية
عربية يجب أن تتحملها جميع دول المنطقة
التي أثبتت الأحداث أنها تتأثر مباشرة
بالوضع السياسي لأي دولة في المنطقة. في مقابل هذا الدور الإقليمي والعربي
المتنامي لمجلس التعاون، وبعد أن
تأكدت دول الخليج مجدداً هذا العام أن
مصيرها واحد والتحديات التي تواجهها
مشتركة كما أن الخطر مشترك -وإن اعتقد
البعض غير ذلك- فعلى دول المجلس إيجاد
صيغة متقدمة أكثر ومرنة بشكل أفضل
تساعدها على العمل المشترك والدفاع عن
نفسها بشكل لا يثير التساؤلات حولها
عندما تواجه الخطر على أي منها، كما
حدث مع البحرين. ================= الرأي الاردنية عبد الوهاب بدرخان 2011-12-14 رائحة حرب في المنطقة، لكن أين؟ أول الظن
يذهب إلى إيران وبرنامجها النووي
وتدخلاتها المتزايدة، معطوفة على
أوضاعها الداخلية المأزومة، وعلى
العقوبات الجديدة التي قد "تشل"
جانبا مهما من تعاملاتها المصرفية. لكن
الممانعة الأميركية لا تزال تكبح
التأهب الاسرائيلي لضرب إيران، أولا
لأنه لن يحقق الهدف المتوخى، ثانياً
لأنه يفتح مواجهة لا يُعرف متى تنتهي،
ثالثاً لأن حرباً طويلة تزعزع استقرار
منطقة الخليج، ورابعاً لأن امدادات
النفط ستتأثر والاسعار ستختل صعوداً
وسط أزمة اقتصادية تعم العالم... هذا
كان التقدير لأي حرب محتملة على إيران،
ولم يتغيّر، وبالتالي فالقرار فيها
ليس لإسرائيل. يأتي الاحتمال الآخر من تداعيات
الاستعصاء السوري. فاللعبة الدموية
التي فرضها النظام كأمر واقع لن يتمكن
من متابعتها الى ما لانهاية. وعلى رغم
أنه تفادى ارتكاب مجزرة كبرى، واكتفى
حتى الآن، بالتقتيل اليومي شبه
المبرمج، إلا ان اقترابه من مجزرة في
حمص قرع نواقيس الخطر في كل العواصم
واستدعى "تحذيراً" روسياً.
فالعالم يعتبر ان ما شاهده من جرائم
النظام تجاوز كل الحدود، وما شهده في
اختبار المبادرة العربية لنيات النظام
يكفي لإدراك ان بقاءه بات مصدر خطر
كبير على شعبه وعلى شعوب المنطقة كافة.
لذا ستكون "المنطقة العازلة"
التركية مجرد بداية، ولا يمكن انشاؤها
الا بحماية جوية، وشاء الروس ام أبوا
سيكون عليهم ان يتعاملوا مع الواقع.
اما الاسرائيليون فقد سجلوا انهم
للمرة الاولى منذ بدء الصراع مع العرب،
لم يعد الجيش السوري مركزا على الجانب
الآخر من الجبهة. اذ وجّه شمالا الى
الحدود مع تركيا. اذاً،، لا السوري يتوقع ازعاجا من
الاسرائيلي، ولا هذا الاخير يعتزم
مفاقمة الوضع البائس للنظام السوري.
أين الإيراني في هذا المشهد؟ عدا أنه
يجد توافقاً ضمنياً بينه وبين
الإسرائيلي، فإنه يقف حيال التركي بين
الاحراج والاضطرار. لكن هذه ليست
معركته، بل تطرأ عليه من خارج حساباته.
لا يريد أن يتفرج، ولا يريد أن
يُستدرج، ولا يستطيع التصرف كأنه غير
معني. هل يذهب إلى التوتير في مكان آخر.
في الخليج مثلا؟ اي تورط سوري مع تركيا قد يكون اشارة
الانطلاق للاسرائيلي الى مواجهة جديدة
مع "حزب الله" في لبنان. فهذا خيار
اكثر "واقعية" من ضرب ايران
مباشرة، ينأى الاميركي بنفسه عنه ولا
يعرقله، ويحذو الاوروبيون حذوه، ويقف
العرب عاجزين معجّزين كما في صيف 2006،
وحتى السوري لن يجد ما يكسبه في مواجهة
كهذه، بمعزل عن نتائجها، وعلى رغم
النتائج الكارثية المؤكدة على لبنان،
وحتى لو خرج "حزب الله" منها
موجودا ومواصلا السيطرة، فقد لا يتمكن
السوري هذه المرة من تجيير "الانتصار"
ونعت الآخرين ب"أنصاف الرجال".
هذه الحرب واردة بقوة، وفقا لأحد
الجنرالات الاميركيين. وعندما سئل قبل
ايام هل يتوقعها فعلا، اجاب: لا اعتقد
ان الاسرائيليين سيفوّتون هذه الفرصة،
وليس السؤال "هل تقع" وإنما "متى"؟ ================= المشرق العربي
والمتغيرات الاستراتيجية رضوان السيد الدستور 14-12-2011 صرف الربيع العربي، وصَرفت أحداثه
وتقلباته، الانتباه عن الموضوعات
الاستراتيجية، ومن بينها تغيير
المواقع والأدوار، الناجمة في قسمٍ
منها عن الانسحاب الأميركي من العراق،
وفي قسمٍ منها عن زيادة التأزُّم في
القضية الفلسطينية، وفي قسمٍ ثالثٍ عن
الثورات وحركات التغيير العربية. ومن
المعروف أنّ وزير الخارجية السعودي
الأمير سعود الفيصل كان قد تحدّث في
مؤتمر القمة العربي الأخير بمدينة
سِرت الليبية في ربيع العام 2010 عن حالة
“الخواء الاستراتيجي” التي يُعاني
منها العرب، والتي جرَّأَتْ على
التدخلات الدولية والإقليمية
وبأشكالٍ مختلفة. وما تزال هذه
التدخلات موجودةً أو جارية، وإنما
اضطربت الخِطط والاستراتيجيات نتيجة
حصول الثورات العربية، والتي أحدثت
وتُحدث تغييراتٍ في سائر أنحاء المشرق
والمغرب العربيَّين وما وراءهما.
فالأميركيون كانوا قد قرروا الانسحاب
من العراق قبل حدوث الثورات. وكان
تقدير الإيرانيين وحلفائهم بالعراق
ولبنان، أنّ هذه البلدان- وفي قلبها
سورية- ستصبح منطقةً استراتيجيةً
يسودُ فيها نفوذهم، وبنتيجة ذلك سيضطر
الخليجيون والأميركيون إلى التفاوُض
معهم والتنازُل لهم. وهذا التشدُّد
والانسياح الإيراني، لاقاه تشدُّدٌ
وانسياحٌ إسرائيلي هدفُهُ إسقاطُ
مسألة الدولتين، والإفادة من الضعف
الأميركي في تثبيت السيطرة وتأجيل
المشكلة وسط الاهتراء والانقسام
الفلسطيني. وحدث الربيع العربي انطلاقاً من تونس،
وبدأ تأثيره الصاعق بالمشرق باندلاع
الثورة في مصر، ووصولها إلى اليمن
وسورية. وقد أحدثت الثورات اضطراباً
شديداً لدى الإيرانيين ولدى
الإسرائيليين بالذات. وهكذا اندفع
الإيرانيون لمواجهة الجمهور العربي.
ففي البحرين صعَّدوا الاضطراب، وفي
سورية وقفوا مع النظام ضد الناس، وفي
لبنان استماتوا في الدفاع عن الحكومة
الميقاتية التي أنشأها حزب الله
وحلفاؤه السوريون. أما الأميركيون فقد
أظهروا تلاؤماً مع الحِراك التغييري،
حتى بعد صعود الإسلاميين في المشهد.
ويبقى الإسرائيليون متحيرين
ومنقسمين، فباراك وزير الدفاع يرى أنّ
زوال الأسد خيرٌ لإسرائيل، بينما يرى
نتنياهو أنّ بقاءَ الأسد فيه ضمانةٌ
لإسرائيل. ويذهب المالكي رئيس وزراء
العراق مذهباً وسطاً في الظاهر، لكنه
في الواقع يدعم الإيرانيين والنظام
السوري، ويقول للأكراد إنّ التدخُّل
الإيراني أَخَفُّ وطأةً وأقلّ ضَرَراً
من الخَطَر التركي! إنّ الواقع أنّ الأميركيين يعيدون
حساباتهم. فالإيرانيون ما عادوا شركاء
بعد عقدٍ من التعاوُن منذ الاحتلال
الأميركي لأفغانستان والعراق. ويوشكون
على التخلّي عن تلك التسوية بين سورية
والعراق، أي العراق لإيران، وسورية
لسلام الحدود مع إسرائيل، أي لإيران
أيضاً! والإسرائيليون لا يكمن تعقيد
مشكلاتهم أو حلّها ببقاء النظام
السوري أو ذهابه، بل بالسير أولاً
وآخِراً في مشروع إقامة الدولة
الفلسطينية المستقلة. وإسرائيل وإيران
والولايات المتحدة وتركيا- هذه
الأطراف جميعاً، صارت أطرافاً
خارجيةً، ما دام مراد الثورات إعادة
إدارة الشأن العامّ في البلاد العربية
إلى أبنائها في نظامٍ ديمقراطي. إنه إقليمٌ جديد بموضوعاتٍ جديدة. فلا
استقرار إذا تأخر سقوط نظام الأسد، ولا
استقرار وإن نجحت الثورات إلاّ بحلّ
المشكلة الفلسطينية. وهكذا فالملاءة
الاستراتيجية هي مآلُ التغيير في
المشرق العربي! ================= سورية وتركيا.. بداية حرب
باردة عبد الرحمن مظهر الهلوش 2011-12-13 القدس العربي تشكّلت سورية وتركيا الحديثتان في مجال
جغرافي وتاريخي وثقافي متقارب، وقد
قارب ذلك ما أمكن بين الأطراف، أو هو
قلّل من مخاطر التوتر. كما أن العداء
لإسرائيل (والغرب)، كان يُقرِّب
سيكولوجياً بين الشعوب في المنطقة
العربية وتركيا. لقد عملت تركيا وسورية وفق حسابات
إستراتيجية معقدة وحاولت كلاً منهما
التأكيد على إنها لاعباً لا يمكن
تجاوزه. وقد لَعِبَ الضعف العربي في
مراحله المختلفة دوراً في تسريع تقبل
الدور التركي عموماً، ولا سيما من
الأنظمة المتوجسة من النفوذ الإيراني
في المنطقة العربية في المشرق العربي
ودول شمال إفريقيا العربية. حيث تمتلك تركيا وإيران من ميزات القوة ما
يؤهلهما إلى لعب دور في المنطقة في ظلّ
التوازنات الدولية المعقدة. وفي ظلِ
تفجر الأوضاع في الشرق الأوسط، ظهر
الدور التركي للبعض أكثر حضوراً. وقد بدا الدور التركي محاولاً التمدد في
الفناء الخلفي لتركيا دون استثارة
النعرات العربية كقوة تسعى للهيمنة. وقد جاءت زيارة الرئيس السوري بشار الأسد
إلى أنقرة في كانون الثاني/ يناير 2004
وهي أول زيارة لرئيس سوري لتركيا منذ
عام 1946 لتشكل بداية توافق سوري تركي.
وقد أشار البعض أن هذا التقارب لم يكن
ليحدث لولا ضوء أخضر أميركي بذلك. والهدف الأميركي فك الارتباط بين دمشق
وطهران أما دمشق فكانت لها حساباتها
الخاصة وهي تتعلق أساساً بالوضع مع
إسرائيل. وقد بدأت تركيا تلعب دوراً
مؤثراً لم يكن موجوداً منذ تأسيس
الجمهورية التركية عام 1923. حيث تكثف سورية في موقعها الجيوبوليتيكي
كل توازنات الشرق الأوسط. وتمنع سورية
تركيا عن عمق شبه الجزيرة العربية،
وسورية هي متنفس لبنان الجغرافي الذي
يعطيه معناه المَدَوي. إن حدود لبنان مع سورية (في الشرق والشمال)
يبلغ طولها 278كم من أصل 570 كم هي مجمل
حدود لبنان، وتشكل ما نسبته 49' من
الحدود مما يعني إن نصف حدود لبنان هي
مع سورية، وبالنسبة لطول الحدود
السورية البالغة 2413 كم فإن حدود لبنان
تشكل 11.5' منها. وتقود هذه الحقيقة إلى نتيجة
جيوبوليتيكية فائقة الأهمية مفادها أن
سورية كانت ومازالت الرافع الحصري
للأدوار الإقليمية في المشرق العربي،
وبحيث يبدو الصراع الراهن عليها كما
كان دائماً في المنطقة مجسداً لجوهر
الصراع في المنطقة. كانت سورية ولا زالت جزءاً أساسياً من
التصعيد والتهدئة الإقليمية، فقد نجحت
دمشق خلال العقد الماضي على الأقل في
جمع تناقضات التصادم الإقليمي بين
المشروعات المختلفة ووظفته لمصلحتها. دائماً سورية لاتحسم خياراتها السياسية
بتسرع إنما تترك الباب موارباً أمام
الأطراف كافة، فتصبح في وضع يمكنها من
حسم خياراتها وفق مصالحها. لذلك كانت سورية دائماً تنظر إلى تركيا
نظرة يشوبها الغموض وقد تأسس التوتر في
العلاقات السورية التركية على مسار
طويل من التراكمات السياسية التي كان
يطبعها عوامل تنافرية كبيرة. ابتداءً
من قضية المياه (دجلة والفرات) باعتبار
أن تركيا هي دولة المنبع وسورية
والعراق هما دولتا المصب، إلى
الأكراد، والنزاع على الجغرافية (لواء
الاسكندرونة والحدود الحالية)،
والسياسة الإقليمية عموماً. وقد تَرَكَّزَ اهتمامُ سورية وتركيا في
الشؤون الإقليمية والدولية على دائرتي
نشاط رئيسيتين، بالنسبة لسورية
الاهتمام بدائرة الصراع مع إسرائيل
وكسب مزيد من الأصدقاء لها، أما تركيا
فتركز نشاطها على كسب أسواق جديدة
لصناعتها الناشئة ومزيد من مناطق
النفوذ لأسباب ذاتية أولاً ولتحالفات
دولية وإقليمية ثانياً. فقد رأت كلاً من سورية وتركيا نفسيهما في
دائرة ضيقة من الصراع في الشرق الأوسط
على الرغم من التقارب المعلن عنه بين
الدولتين. لقد كانت الحدود السورية
التركية طيلة الحرب الباردة نقطة حدود
ساخنة بين الشرق والغرب. إلى أن جاء
اتفاق آضنة عام 1998 ليشكل محطة تبريد
مؤقتة لسخونة العلاقة التركية،
السورية. فقد تمَّ عقد عدة اتفاقيات
سياسية، اقتصادية، ثقافية، ولكن
العلاقات والتحالف التركي السوري هناك
من أطلق عليه ((تحالفاً استراتيجياً))،
إلى أن الحيطة والحذر كانت نقطة التقت
حولها قيادة البلدين. وهذا ما تبين اعتباراً من بداية انطلاق
الاحتجاجات في سورية (15/3/2011) ونشوب أكثر
من أزمة دبلوماسية بين البلدين، وقد
أرادت كل دولة الإيحاء للأخرى بنواياه
الطيبة مقابل إصدار بيانات تتضمن
تهديدات ((مبطنة)) بامتلاك كلِ منهما
أوراق ضد الأخرى. ونتيجة احتضان تركيا للمعارضة السورية
على أراضيها(السياسية والعسكرية) فقد
وصلت العلاقة بينهما إلى نقطة
اللاعودة. فقد طبع العلاقات السورية
التركية على الصعيد الخارجي افتراق
بنيوي على صعيد اتجاه صانع القرار
التركي وذهنية القرار والمأمول
السياسي، فأسباب التنافر باتت هي
المسيطرة على علاقات دمشق أنقرة،
فهناك تداخل ديموغرافي بين البلدين
ويشمل العراق إيران ربما يشكل ورقة
ضاغطة تجاه تركيا وقلقاً (حدودياً،
إثنياً، وحتى الوصول إلى' حق تقرير
المصير' وذلك لهشاشة النسيج الإثني في
تركيا وحتى قابليته للتفكّك، سواءً
على أسس عرقية أو ثقافية أو مذهبية أو
على أساس عدم استقرار العلاقة بين
الدولة والمجتمع(الأكراد 20-30'، العرب2'،
الشركس0،5' ،الجورجيون0،5'، أرمن،
الكلدان، بوسنيون، ألبان، شيشان،
بلغار، لازيون..الخ، كل ذلك يمنع تركيا
حتى الآن من اتخاذ موقفاً نهائياً تجاه
سورية. إنَّ البعد الاقتصادي وحده لم يكن هدفاً
للتقارب السوري التركي، ولن يستطيع
الاقتصاد حسم ودفن خلافات عمرها أكثر
من قرن من الزمن فقد دخل البلدان
اعتباراً من عام 1923 في قضايا خلافية
وسباق نحو احتواء كل طرف للأخر، وقد
ساهمت السياسات الغربية في خلق نوع من
عدم الثقة بين البلدين وصلت إلى حد
التهديد باستخدام القوة بين البلدين
في تشرين الأول 1998. يبدو أن القضايا الخلافية بين كلاً من
سورية وتركيا قد أعاد الحديث عن حزب
العمال الكردستاني بقوة الآن وكانت
وما تزال قضية المياه والحدود كلها
تشكل تفاعلات متزايدة بين الجانبين،
لم تحل على أساس جدي وعملي، فتلك أوراق
لا يحبذ أي جانب إنهائها لأن التنافر
في العلاقات على المستويات الإقليمية
وحتى المحلية أصبح مؤشرا على بداية حرب
'باردة جديدة' تتخللها تجاذبات
براغماتية تحدّ من اتخاذها شكلاً
متطرفاً ولكن على أية حال شهر العسل
بين الجانبين قد انتهى. ================= المثنى الشيخ عطية 2011-12-13 القدس العربي في مقاربة مذهلة، بين أسطورة سيزيف كما
عرضها ألبير كامو في دراسته لفلسفة
اللاجدوى بكتابه 'أسطورة سيزيف'، وواقع
سجين رأي سوري كان قد اتخذ موقفاً
صعباً يعرف أنه يودي به إلى السجن إن لم
يكن الموت، وتساءل الكثيرون عن جدوى
هذه التضحية 'المجانية' في رأيهم. يروي سجين الرأي السابق رياض الترك، في
فيلم 'ابن العم' الذي أخرجه محمد علي
أتاسي عام 2001 وعرضته قناة العربية
مؤخراً، تجربة سجنه المذهلة دون
محاكمة، طيلة ثمانية عشر عاماً في عهد
حافظ الأسد، قضاها في زنزانة منفردة لم
يعرف العالم مكانها في مبنى المخابرات
العسكرية المرعب المسمى فرع فلسطين،
والمرقّم ب 235، إلا بعد خروج الرجل من
السجن، ويحدّد السجين مسألةً حساسة
ومرعبة في معايشة الواقع ومعالجات
الفن هي مسألة الزمن الذي يتوقف
بالنسبة لسجين الانفرادي، ويودي به
وفقاً لتقديرات علماء نفس إلى الخلل
العقلي بعد السنوات العشر من وجوده في
هذه الحالة... ومثلما حددت الآلهة عقاب سيزيف الذي سرق
نار المعرفة وقدّمها للإنسان، بانتهاء
الزمن الذي يدور على نفسه حيث على
سيزيف أن يدحرج صخرةً صعوداً إلى أعلى
الجبل لتنحدر إلى مكانها في الأسفل عند
بلوغها القمة ويعود لرفعها مرة أخرى
وإلى ما لانهاية.. ابتكر رياض الترك كما
يروي صخرته التي تضعه على صراط معنى
دوران الزمن، في سكون السجن الذي وضعوه
فيه، من أجل استبدال موت المعنى بخلقه
لقهر هذا الموت، وياللمصادفة!.. أن تكون
صخرة رياض الترك الأحجار الصغيرة التي
تشوب شوربة عدس السجون السورية، والتي
حوّلها السجين من عامل إذلال له بتقديم
طعام رديء غير نظيف إلى عنصر مقاومة،
صغير لكنه هائل الفعل، إذ وقاه من
الاختلال طيلة أيام سجنه التي تسيل
فيها الساعات كما لو كانت كابوساً
سيريالياً خارجاً من مخيلة سلفادور
دالي... بعد تنحيته، كما يروي، لتساؤلات ما يحدث
في العالم الخارجي من ذهنه كي لا تقتله
كوابيس القلق على عائلته ورفاقه، ركّز
السجين على سؤال واحد هو: ماذا أفعل
لقهر هذا السكون؟.. وابتدأ البحث في
داخله وفي ما بين يديه من مكونات
الزنزانة... في داخله وجد السجين موهبة رسم أبعدته
عنها السياسة ومشاغل الحياة، وفي ما
بين يديه وجد السجين حبات حجر صغيرة في
شوربة العدس. قام بجمعها وإكثار عددها
لقمة بعد لقمة، ومع عدم وجود حامل
للرسم أو لاصق، بدأ بصفّها على سرير
الزنزانة/ قماش لوحته الوحيد، مشكلاً
منها لوحةً تبقى ما بين وجبة الطعام
والوجبة القادمة، حيث لا مكان على
السرير ولا غراء للصق وتثبيت حبات
الحجر، وكأن القدر، ولا شرط أن يكون
مدرَكاً، يعيد إحياء أسطورة صخرة
سيزيف التي تهوي من علٍ حال وصولها إلى
القمة، بلوحات حبات الحجر التي تزول
حال قدوم الوجبة التالية، وحال هجوع
السجين إلى النوم، مع حسرة الفنان
وتمنّيه أن لا تأتي وجبة الغداء كي
يستمرّ في تشكيل لوحته، لكنه القدر،
قدر سكون السجن والقدر الذي صنعه
السجين لمقاومة هذا السكون، بزوال
تشكيلات اللوحة والبدء من جديد برفع
صخرة سيزيف التي تحط لتستمرّ أسطورة
الإنسان في مقاومته للفناء... في حالة مقاومة عطالة السكون التي يعرضها
رياض الترك ببساطة، تلتقي عوالم
الواقع والفن بصورة غريبة تسعد
الحالمين وتعطيهم مبرراً للقناعة بأن
كل شيء مرتّب لغاية، كما تسعد النقاد
المولعين باكتشاف تشابك وتقارب
العلاقات الغريبة وتعطيهم فرصة اكتشاف
تأثير الفن في الواقع مع إسباغ متعة
الاكتشاف على النقد والتذوّق... فمن جهة الموقف وجدواه.. خاض رياض الترك مع
حزبه تجربة مهمة في محاولة نقل هذا
الحزب مع اليسار السوري إلى تبني
الديمقراطية، وبلور على هذا الأساس مع
القوى الوطنية الديمقراطية في نهاية
السبعينات برنامجاً سياسياً يهدف إلى
إقامة نظام وطني ديمقراطي في سورية،
ولأن هذا هو مقتل النظام الاستبدادي
الشمولي، قام حافظ الأسد بضرب هذه
القوى، مستغلاً صراعه المسلّح الذي
اختلقه مع الإخوان المسلمين، واعتقل
معظم أفراد اللجنة المركزية للحزب
الشيوعي السوري/ المكتب السياسي، وعلى
رأسهم رياض الترك الذي طلب منه النظام
إصدار بيان يدين فيه الإخوان
المسلمين، وكان هذا يعني خياراً صعباً
أمام طريقين يؤدي أولهما بانتهاء
الحزب وتجربته في الكفاح لإقامة نظام
وطني ديمقراطي، ويؤدي الثاني بصاحب
الموقف إلى السجن وربما الموت، واختار
الرجل العلماني بتضحية نادرة رفض
إصدار هذا البيان بحق دينيين،
والاستمرار في السجن والموت ضارباً
مثلاً في التضحية من أجل التعددية و'الاستعداد
للموت دفاعاً عن حق الآخر في تعبيره عن
رأيه مهما كان الاختلاف'... ومن جهة العقاب وجدواه، ترتّب على موقف
هذا الرجل أن يتحمّل مرارة اتهامه
وحزبه تلفيقاً من قبل حافظ الأسد
بالتعاون مع الإخوان المسلمين لتصفيته
هو وحزبه نفياً وسجناً وقتلاً داخل
السجون، مع مرارة خذلان بعض قوى اليسار
بتبنيهم لهذا الاتهام واتهام رفاقهم ب
'المغامرة المجانية'، إضافة إلى سجنه
وإخفاء مكانه عن العالم.. وكان عليه
مقاومة هذا القتل بالبحث عن عناصر
المقاومة في داخله وفي ما حوله، ليكتشف
بممارسة بسيطة لا تحتاج إلى ابتكار إذ
هي موجودة داخل الإنسان، فعل الفن في
إعلاء الروح وإنقاذ الفنان من الجنون
أو الانتحار، وليعيد دون تخطيط منه إذ
تتضافر قوى التاريخ والثقافة الجمعية
الإنسانية بصورة توحي بالقدرية، إحياء
أسطورة مقاومة الإنسان للفناء،
باستخدام أسلحة الفناء نفسها في هذه
المقاومة، وكأن العقل والجسد الإنساني
يجمدان الزمن بالفن من أجل هزيمة تجميد
الزمن... ومن جهة القيمة وجدواها.. منع الموقف
الصامد لهذا الرجل خوف المترددين من أن
يؤثر على وحدة حزبه أمام الضربة
العنيفة التي طالت قيادته الأولى،
ودفع المنظمات الإنسانية ولجان حقوق
الإنسان أن تطالب السلطات السورية
بالكشف عن مصيره وإطلاق سراح معتقلي
الرأي، وأثر في تغير مواقف وبرامج
العديد من القوى الشمولية ومنها
الإخوان المسلمون الذين عرفوا قيمة
التعددية والقبول بالآخر، كما ساهم في
دفع توجهات الأدب والفن للارتباط
بالدفاع عن الإنسان، ليضفي هذا الموقف
في النتيجة بعداً إنسانياً على قوانين
الديالكتيك، التي لاتعترف بوجود ماهو
مجاني في حركة الحياة، فكل شيء يخضع
للتراكم الكمي، ويخلق بهذا التراكم في
لحظة بلوغه ذروته تغيّر الكمّي إلى
نوعي، ويبدو أن مراكمة القهر من قبل
النظام والأفعال النبيلة من قبل شهداء
ورجال المعارضة والتفاعل الإنساني مع
المقهورين، بلغت ذروتها عبر امتداد
تاريخ القهر والتضحيات، في صوت ضربة كف
شرطي على خدّ شاب سوري في الحريقة
بدمشق، لتشعل نار الهتاف الصارخ أن 'الشعب
السوري ماينهان'، ولتنطلق مظاهرات
ثورة الحرية والكرامة التي فاجأت من
اتهموا الرجل وحزبه بالمغامرة... ومن جهة سؤال الفلسفة الذي طرحه ألبير
كامو في نهاية كتابه حول موقف سيزيف
الظاهر من لا جدوى عمله: هل يمكننا
التصور أن سيزيف سعيد!؟ نشهد ملامح 'ابن
العم' رياض الترك المليئة بالرضا وهو
يروي تجربته في دخول العالم السفلي،
لنشعر بالاطمئنان على رضا وسعادة
الرجل مما فعل حتى وهو يروي عن نفسه أنه
شخصية لا تشعر بالرضا عن المنجز ولابد
من استمرار العمل، مع حزننا معه وربما
سقوط دمعة من عين أحدنا على حيرته في
الإجابة على سؤال: موقف ابنته الصغيرة
التي حرمت من الأب لمدة ثمانية عشر
عاماً من أبيها الذي غاب عنها ورأته
يستقبلها في المطار سعيداً ودامعاً
لرؤيتها تقدم له أحفاده؟. ================= رأي القدس 2011-12-13 القدس العربي يضيق الخناق يوما بعد يوم على النظام
الحاكم في دمشق، حيث يقف وحيدا دون
اصدقاء في الجامعة العربية باستثناء
دولة لبنان، فحتى السيد نوري المالكي
رئيس وزراء العراق بدأ يتخلى عن دعمه
له، ويطالبه بالوقوف الى جانب الشعوب. هناك من يقول بان موقف السيد المالكي جاء
كعربون يدفعه مقدما قبل زيارته الى
واشنطن ولقاء الرئيس باراك اوباما،
ولكن مع اكتمال انسحاب القوات
الامريكية من العراق بنهاية هذا
العام، فانه يتخوف وهو الذي يتربع على
قمة نظام طائفي، من مواجهة حرب اهلية
مماثلة، بطريقة او بأخرى، لما يواجهه
النظام السوري، ولهذا يريد السيد
المالكي ان ينأى بنفسه عن سفينة جيرانه
التي يرى الكثيرون في المنطقة بانها
على وشك الغرق. جامعة الدول العربية تتابع الموقف السوري
عن كثب، ولجنة المتابعة المنبثقة عنها
ستعقد اجتماعا لها يوم السبت المقبل،
لاتخاذ قرارات حاسمة بعد ان تيقنت من
رفض النظام السوري توقيع بروتوكول
المراقبين الذين من المفترض ان يشرفوا
على عملية الافراج عن المعتقلين، ووقف
قتل المدنيين السوريين بنيران قوات
الامن والجيش. السيد نبيل العربي امين عام الجامعة
العربية ذكر بالامس ان جميع الدول
العربية رفضت القبول بالتعديلات التي
طلبتها السلطات السورية على هذا
البروتوكول، مما يعني ان الجامعة
العربية باتت عاقدة العزم على اتخاذ
الخطوات العقابية المتوقعة، واولها
تشديد الحصار الاقتصادي وفرض عقوبات
جديدة قد تتضمن فرض حظر الطيران
المدني، وثانيها تحويل ملف الازمة الى
مجلس الامن الدولي، مما يعني بدء مرحلة
'التدويل'. السلطات السورية اضاعت فرصة كبيرة
بالتمسك بعنادها في رفض الحل العربي،
واللجوء الى اسلوب المناورة
والمماطلة، من خلال طلب تعديلات هنا
واخرى هناك، والاستمرار في الوقت نفسه
في حلولها الامنية الدموية وقتل
المزيد من المواطنين يوميا وبطريقة
ممنهجة. صحيح ان هناك هجمات يشنها منشقون عن الجيش
او عصابات مسلحة، تؤدي الى مقتل جنود
وضباط رسميين، ووجود مراقبين عرب
واجانب يمكن ان يساعد في كشف هذه
الحقيقة، وتأكيد وجهة النظر الرسمية
في هذا الخصوص، اما عندما ترفض السلطات
السورية وجود المراقبين فانها توحي
بان لديها ما تخفيه، ولا تريد ان يطلع
عليه الرأي العام العربي والعالمي،
مما يضعها في موقف حرج للغاية، ويهز
مصداقية اقوالها حول العصابات المسلحة. التمهيد لتدويل الازمة السورية بدأ قبل
اجتماع الجامعة العربية يوم السبت،
عندما اعلنت مفوضة الامم المتحدة
لحقوق الانسان وصول عدد القتلى في
سورية الى 5000، واتهام فرنسا لسورية
بالوقوف خلف عملية اطلاق النار على
جنودها العاملين في اطار قوات الطوارئ
في جنوب لبنان، ولذلك فان الايام
المقبلة سيكون عنوانها الابرز هو
التصعيد. الحكومة الاردنية نفت ان تكون قوات تابعة
لحلف الناتو قد انتشرت على طول الحدود
الاردنية السورية،
واكدت انها تعارض اي تدخل خارجي، ونفي
الحكومات مثلما تعودنا في تجارب سابقة
ليس له اي ثقل حقيقي، فغالبا ما تثبت
الايام ما هو معاكس له تماما. ففي
الازمة الليبية ادعت الدول المتورطة
عسكريا فيها انه ليس هناك اي قوات
عسكرية تابعة لها على الارض، لنكتشف ان
وحدات عسكرية اردنية وقطرية وبريطانية
وفرنسية شاركت في اقتحام طرابلس
وقاعدة العزيزية مقر قيادة العقيد
معمر القذافي. نظام الرئيس العراقي صدام حسين واجه
مخططا مماثلا، ولكنه كان يحارب امريكا
بصورة مباشرة، اما النظام السوري
فيحارب شعبه او قطاعا عريضا منه وبعض
المنشقين عن جيشه ودون اصدقاء على
المستوى الرسمي تقريبا والقليل منهم
على المستوى الشعبي، وهنا تكمن مأساته
الحقيقية التي لا يريد ان يعي تفاصيلها
وخطورتها. ================= مستقبل المقاومة على
المحك في سورية الاربعاء, 14 ديسيمبر 2011 محمد علي سبحاني * الحياة تشهد سورية تطورات متسارعة بعد ثمانية
اشهر ونصف شهر من الاحتجاجات التي عمت
مناطقها. وتؤثر التطورات هذه في أحوال
العالم العربي ومواقف الدول الغربية.
ويدعو إلى الأسف أن الحكومة السورية لم
تحمل الاعتراضات الدولية على محمل
الجد، ولم تستفد من الفرص التي قدمتها
جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون
الإسلامي. ولا يجوز الاستخفاف بتقويم
مستقبل الحوادث في سورية. وأثار تصريح برهان غليون، رئيس المجلس
الوطني السوري، عدداً من الأسئلة. فهو
أعلن أن سورية الجديدة ستعيد النظر في
علاقاتها بإيران و «حزب الله»، وشرّع
مستقبل العلاقة الإيرانية - السورية
على الاحتمالات. وتستند السياسة
الخارجية لإيران في علاقاتها مع دول
المنطقة إلى ثلاثة مبادئ: حفظ المصالح
الوطنية، وتعزيز الصدقية الإيرانية في
أوساط دول المنطقة وشعوبها، والدفاع
عن شعوب المنطقة. والمبادئ هذه ينص
عليها الدستور. ولا شك في أن إيران «حساسة» تجاه التطورات
في سورية نتيجة العلاقات السياسية
والاقتصادية والثقافية التي تربط
البلدين. ولكن هل المصالح الإيرانية
تُحفَظ من طريق تجاهل مطالب الشعب؟ وهل
الثوابت التي بنيت عليها السياسة
الإيرانية تنسجم مع العنف الذي يمارسه
النظام السوري على شعبه؟ إن قلق إيران علی مصالحها في سورية في
محله. ويفاقم كلام برهان غليون القلق
هذا، وحريّ بإيران أن تنظر إلى
المستقبل بناء علی الثوابت، ومن
طريق رصد الحوادث رصداً دقيقاً،
وانتهاج سياسة خارجية فعالة، في وقت
يبرز تراجع الدور الإيراني قياساً إلى
الدور التركي. فأنقرة بسطت نفوذها على
عدد من الجبهات المرتبطة بالشأن
السوري، وقوّضت دور إيران في الإشراف
المباشر والدقيق علی تطور الحوادث
في سورية. كان حرياً بإيران الدفاع عن المظلومين من
الشعب السوري الذي تعرض للعنف،
والوقوف مع الدول الأخرى الإسلامية
لوضع حد لهذا العنف غير المسوغ، والطلب
من الجانبين نبذ العنف واللجوء إلى
الخيارات السلمية. وعلى رغم تبديد كثير من الفرص، يجب الحفاظ
علی علاقاتنا الإقليمية والدولية
وشرح موقفنا وتحديد مصالحنا في هذه
المنطقة. وتبرز الحاجة إلى تفعيل
سياستنا الخارجية، فيما يثير الأسف
دعم طهران النظام السوري الحالي.
فالدعم هذا فرّط بصدقية إيران في أوساط
السوريين والرأي العام العربي نتيجة
الوقوف وراء نظام قتل أكثر من 4 آلاف
سوري، في حين لا مسوّغ لدعم مثل هذا
النظام. أما تصريحات برهان غليون عن المقاومة،
فيجب ألاّ نحملها محمل الجد. ومآل
الأمور في العالم العربي، خير دليل على
أن الديموقراطيات الوليدة في تونس
ومصر وليبيا واليمن لا تصب في مصلحة
إسرائيل، ومثل هذه الديموقراطيات جاءت
بالإسلام السياسي الذي يعاديها،
والمستقبل السياسي للمنطقة لا يخدم
مصالح إسرائيل، والتطورات السياسية في
العالم العربي ستفاقم عزلتها في
المنطقة، وتساهم في تغليب كفة
المقاومة. * سفير إيران السابق
لدى الأردن، عن موقع «ديبلوماسي
ايراني»، 7/12/2011، إعداد محمد صالح
صدقيان ================= خصوصية الثورة السورية
وتشابكاتها الاربعاء, 14 ديسيمبر 2011 أكرم البني * الحياة تشابهت الثورات العربية في أسباب نشأتها
ومعاناة شعوبها ودوافع التمرد، لكنها
تمايزت في أشكال حضورها ومحطاتها وشدة
القمع المطبق ضدها، وإذا استطاع
الشعبان التونسي والمصري إسقاط بن علي
ومبارك في بضعة أسابيع، وطال الأمر عند
الآخرين شهوراً على رغم العون العسكري
الغربي كليبيا أو السياسي الخليجي
كاليمن، فلا تزال الأزمة السورية
تتفاقم وتستعصي وتواجه احتمالات
متعددة ربما أسوأها، ونأمل أن يكون
أقلها حظاً، انجرار الناس من احتقان
اليأس إلى ردود أفعال ثأرية، وأوضحها
أن زمن الثورة قد يطول وتكلفتها أيضاً،
ربطاً بالخصوصية السورية وتعقيداتها
بالمقارنة مع شقيقاتها. أولاً، تقع الحالة السورية ضمن محور نفوذ
في المنطقة يختلف ويتعارض مع ما يمكن
تسميته المحور الغربي الذي انتمت إليه
أو دارت في فلكه أنظمة بلدان الثورات
الأخرى، الأمر الذي يضاعف الصعوبات
أمام الانتفاضة السورية، فنجاحها يقود
في شكل أو في آخر إلى إعادة النظر
بارتباط الحلقة السورية مع حلقات
سلسلة جاهد رأسها الإيراني، ولسنين
طويلة، كي يبقيها متماسكة وقوية
وقادرة على خدمة نفوذه، ويستدعي
توظيفاً استباقياً لكل قوى وإمكانات
هذا المحور لمنع كسر إحدى حلقاته، فكيف
إن كانت تحتل أهمية نوعية كالحلقة
السورية؟! ما يعني أن حجم القوى التي
تقف سداً في وجه مطلب الناس في التغيير
لن يقتصر على توازنات داخلية صرفة، كما
كان الحال في الثورات الأخرى حين رفع
الغرب يده عن الأنظمة الموالية له
وتركها لمصيرها في مواجهة الحراك
الجماهيري المتصاعد. ثانياً، حساسية الموقف الإسرائيلي، وهنا
نستطيع القول، وللأسف، إن لإسرائيل
كلمة قوية حول مستقبل النظام الحاكم في
بلد يجاورها وتحتل جزءاً من أرضه، حافظ
على جبهة الجولان آمنة ومستقرة طيلة
عقود. والمغزى هو أولوية ما يمكن أن
يترتب على أي تغيير في سورية على أمن
إسرائيل، وكلنا يذكر، في أزمات سورية
سابقة، وضوح الرغبة الإسرائيلية في
عدم إسقاط النظام، والتي لا تتعارض مع
سعيها الحثيث لإضعافه وتحجيم نفوذه
الإقليمي. بعبارة أخرى يصح في قراءة الاستراتيجية
الأمنية الإسرائيلية المثل القائل «من
تعرفه خير من الذي تتعرف إليه». فهي
تخشى وصول سلطة جديدة إلى الحكم تهز
الاستقرار الراهن، بينما أمامها سلطة
خبرتها جيداً وأظهرت وفاء بعهودها منذ
توقيع اتفاقية فصل القوات ووقف إطلاق
النار، ولا يغير من هذه الحقيقة حصول
مناوشات بين الطرفين عبر ساحات وقوى
جانبية في حروب محدودة ولأهداف سياسية
آنية، بل ما قد يعزز الخيار الإسرائيلي
حضور مزاج سياسي للثورات العربية يميل
في المحصلة لمعاداة سياساتها في
فلسطين والمنطقة! والنتيجة أن يكون
موقف إسرائيل ومصلحتها ضد تغيير الحكم
السوري، حتى لو أعلن بعض مسؤوليها عكس
ذلك، أي أن ثمة موقفاً غربياً لا يمكنه
القفز فوق هذه الهموم والحسابات
الإسرائيلية! في ضوء العاملين السابقين يمكن أن نفسر
ضيق هامش السياسة الأميركية
والأوروبية ولماذا لا تزال تحجم عن
الدخول بقوة على خط الأزمة السورية
لانتزاع دور أكثر فاعلية كما حصل في
ليبيا واليمن، ولا تزال تكتفي
بالنوسان بين حدي تشديد العقوبات
الاقتصادية وتكرار الدعوات لعزل
النظام سياسياً ومحاصرته، ونفسر أيضاً
أحد أسباب صلابة الموقف الروسي
والمتعلق بتشابكاته المتنوعة وأهمها
الاقتصادية مع إيران ومع الكيان
الصهيوني! ومن القناة نفسها، وتحسباً
لردود أفعال متنوعة من أطراف المحور
الإيراني، يمكن النظر إلى تردد
السياسة التركية واكتفائها غالباً
بتصريحات حادة ضد النظام السوري من دون
أن تقترن بأفعال موازية أو مقاربة،
وكذلك تردد الموقف العربي وتأخره في
دعم الشعب السوري ومساندته بالمقارنة
مع سرعته في التعاطي مع ثورات أخرى. لكن
اللافت أن ما يمكن اعتباره تواطؤاً
دولياً وإقليمياً ومداورة تجاه الحالة
السورية، بدأ يتفكك أمام عزم
الانتفاضة الشعبية وإصرارها على
التغيير وتحت وطأة الضغط الأخلاقي
لفداحة ما تتكبده من خسائر وتضحيات،
وتنامي خشية الغرب من تضرر مصالحه في
المنطقة في حال استمرار التمسك
بالرؤية الإسرائيلية. ثالثاً، التنوع والتعددية، الإثنية
والدينية والطائفية، التي يتشكل منها
المجتمع السوري، وتالياً تفاوت مواقف
هذه المكونات من عملية التغيير
وآفاقها وتحديداً خوف بعضها على هويته
ونمط عيشه من بديل إسلامي آتٍ، ما يفسر
في ضوء خصوصية الثورة القائمة وطابع
الكتلة الشعبية المشاركة فيها، بقاء
قطاعات مهمة من الشعب السوري في وضع
الحياد والسلبية ولنقل مترددة أو
محجمة عن الانخراط في الثورة، زاد
الطين بلة نتائج الانتخابات في تونس
ومصر والتي أعطت الإسلاميين وزناً
كبيراً، والأهم ما تلفّظ به بعض قادتهم
حول الخلافة وفرض الشريعة لتطهير
المجتمع من الفساد، الأمر الذي يعقد
شروط نضال المحتجين السوريين ويضعف
قدرتهم على اجتراح التغيير، ويزيد من
مسؤوليتهم في الحفاظ على الوجه السلمي
للانتفاضة، وأيضاً من مسؤولية
المعارضة السورية في إظهار صورة
مقبولة ومطمئنة لكل مكونات المجتمع
يمكن أن تشجع المترددين وتزيل ما يكتنف
المشهد من التباسات! رابعاً، خصوصية البنية الاجتماعية
للسلطة والتي لا تزال تشكل قاعدة داعمة
لها، ما ينعكس على تركيبة المؤسسة
العسكرية وشرط إخضاعها، والتي لم
تأخذ، كما حلم البعض، موقف الجيشين
التونسي والمصري ولم تنقسم كحال
اليمن، بل لا تزال متماسكة نسبياً،
بفعل استمرار القدرة على الضبط الأمني
لها أو خوفاً من نتائج مدمرة في ضوء ما
تملكه قوى النظام الخاصة من إمكانات
عسكرية وتقنية متطورة. يبدو أن زمن التحول الثوري ثقيل جداً في
سورية فهو مكتظ بالضحايا والآلام
وبمعاناة ومكابدة مستمرة طيلة تسعة
أشهر لم يشهد شعب ثائر لها مثيلاً، لكن
ما قد يخفف من وطأته وثقله، وعي
التشابكات والصعوبات المحيطة به،
والثقة بجدوى المثابرة على الاحتجاجات
السلمية في تجاوز هذه الصعوبات
والتخفيف من آثارها، مع الحذر من وضع
تصورات لانتصار سريع! في كل مراحل الانتفاضة السورية شكّل ولا
يزال إصرار الشعب على الاحتجاج
واستبساله في الكفاح لنيل حقوقه وما
يقدمه من تضحيات، المعلم والمحرك
الأساسي للمتغيرات السياسية التي
تحصل، داخلياً وعربياً وعالمياً، فهو
الذي أزاح الغطاء الدولي الذي حضن
سياسات النظام ورعاها طيلة عقود، وهو
الذي شجع بعد تأخر وتباطؤ الجامعة
العربية على تجميد عضوية سورية
والتدخل للعب دور أكثر وضوحاً وحزماً،
وهو الكفيل عبر صموده وعزيمته بتفكيك
ما بقي من تعقيدات وجعل استمرار النظام
عبئاً ثقيلاً على الجميع، يكرههم على
إعادة النظر بسياساتهم ومواقفهم. * كاتب سوري ================= نظرة مثقف السلطة إلى
الثورة السورية الاربعاء, 14 ديسيمبر 2011 شمس الدين الكيلاني * الحياة يصطنع مثقف السلطة (الذكي) الحياد العلمي
الصارم، في زمن نزيف الدم، حين يصبح
الحياد جريمة، مصرَّاً على تبرير
أعمال السلطة. يستخدم مفاهيم ومصطلحات
متعالية، ولا يهز وقاره العلمي الدم
المسفوك في الشوارع، ولا عذابات زهرة
شباب سورية في الأقبية المُعتمة، ولا
رعب الأطفال والنساء تحت زخ الرصاص.
فمفردات الألم والخوف والمعاناة،
وانتهاك كرامات الناس واستباحة
الأعراض، هي عنده مفردات تصلح لجدالات
الحياة اليومية العابرة والتافهة،
لكنها لا تستقيم ولغة العلم الموضوعي!
موضوعه الوحيد يتلخص في البحث عن
الحامل الطبقي أو الاجتماعي الذي
غذَّى الاحتجاجات الاجتماعية في سورية.
المهم لهذا الباحث السلطوي،هنا، ليس
معرفة المظالم المتراكمة والكرامات
المهدورة، والخوف المقيم، التي قادت
كلها الإنسان العادي إلى الثورة على
الظلم واستباحة الحقوق. لا يسأل مثقف
السلطة لماذا قامت الثورة، لأن هذا
السؤال يحيله إلى عالم السلطة،
المسؤول الأول عن المظالم، بل يسأل
عمَّن قام بالثورة، عن الأصول
الاجتماعية للاحتجاج وحسب. المقاصد
المنهجية لهذا الباحث (الموضوعي) هي
نفسها المقاصد المنهجية لرجل
الاستخبارات. هي معرفة (الفاعل) لوضعه
في قفص الاتهام / المعتقل، وليس معرفة
المظالم ومصادرها وأشخاصها لرفع الظلم
ومصادره. هدفه البحث عن (الثائر/المجرم)
وليس عن أسباب الثورة/الجريمة! وإذا
حاول الاقتراب خلسة إلى (الأسباب)
فليسفّهها وليضعها في الهامشي
والثانوي: العشوائيات، الفقر
والبطالة، اللبرلة الاقتصادية.
مستخدماً هذا المفهوم الأخير ليغطي به
ظاهرة اقتصادية باتت مهيمنة، جوهرها
إطلاق يد رجال السلطة في ثروة البلاد
بعد أن امتلكوا رقاب العباد، فجمعوا
بين السلطة واستثمار الثروة الناتجة
منها، مع السماح بعبور شركاء صغار في
السوق. هذا هو معنى اللبرلة الحقيقي في
سورية. ثم يحيلنا المثقف السلطوي، في (أسبابه)
إلى مطالب معيشية ومحلية، على طريقة
معالجات السلطة المعروفة لمطالب
الثائرين، مستخدماً السوسيولوجيا
لخدمة المقصد الاستخباري. لم يكن هذا
الوضع سوى استمرار للنهج الذي افتتحته
(الحركة التصحيحية)، التي ربطت باب
الثراء والارتقاء في سلَّم السلطة
وأجهزتها، ثم تحول الولاء الأمني، منذ
الثمانينات، إلى رافعة شبه وحيدة،
لتنامي الثروة ومعها النفوذ. ينظر مثقف السلطة باستخفاف إلى مدن
مليونية مثل حمص وحماه ودير الزور،
يراها مدناً هامشية، علماً أن سكانها
يعادلون عدد سكان سورية في الخمسينات،
وسكان لبنان حالياً، ويعادل عدد سكان
كل من حماه وحمص ثلاثة أضعاف سكان دمشق
في الخمسينات. ولا تنقص تركيبها
الاجتماعي التكوينات الطبقية لدمشق
وحلب. فالاختلاف كمي لا كيفي. يأخذ على
امتداد الثورة إلى القرى دليلاً على
هامشية الحركة، بدلاً من أن يأخذها
رمزاً على عمقها، التي ضاهت في شمولها
الثورة السورية الكبرى. وعوضاً عن
توجيه بحثه لمعرفة مصدر التفاوت في
فوران الاحتجاجات إلى مركزية الأجهزة
وتشعبها وانغرازها في المجتمع في هذه
المدن، يجد ضالته في (خصوصية طبقية)
لدمشق وحلب. والحال أن كل المدن التي
استطاعت أن تتخلص من الاحتجاز، شكَّلت
لها (ميدان تحريرها) الخاص، وتوقف نزيف
الدم فيها. هذا ما حدث، لفترة، في حمص
وحماه ودير الزور وإدلب ودرعا والجسر
وبانياس والرستن. بل إن تعاظم المركزية
المطلقة لأجهزة السلطة وتغلغلها
وسطوتها، لم يمنع من أن تفتتح دمشق
الاحتجاجات من قلبها (الحريقة والجامع
الأموي)، ما لبث أن شارك: المالكي
والمهاجرين وكفر سوسة، ومن قلب
المدينة في الميدان وساروجة، وزملكا
والمزة والقدم، والحجر الأسود
والعسالي، مع ما يحيط بها من ضواحٍ
ومدن. يتجنب مثقف السلطة الحديث عن رموز
ميدانيين للثورة أمثال نجاتي طيارة،
أحد رموز ربيع دمشق، المعتقل منذ أشهر،
والشاهد الكبير على ما جرى في ميدان
باب السباع، قلب حمص وليس طرفها،
والفنانة فدوى سليمان، وفارس الحلو
وغيرهم كثير. فهذا المثقف لا يطيب له
سوى التقاط صور مجتزأة بحثاً عن
السلفيين! ================= الاربعاء, 14 ديسيمبر 2011 عبدالله إسكندر الحياة في اليوم الذي أرادته السلطات السورية
بدء «عملية الإصلاح الشامل وتنفيذ
القوانين والقرارات المرتبطة بها»،
بحسب وزير الاعلام عدنان محمود، سقط
أكثر من 20 قتيلاً مدنياً على ايدي قوات
الامن. وفي هذا اليوم الذي من المفترض
ان يسود الهدوء والاستقرار في كل انحاء
البلاد لمناسبة الانتخابات البلدية،
عاشت سورية يوماً دموياً وانقسمت فيه
البلاد بين مناطق تخضع لسيطرة الحكومة
وأجهزتها شاركت في الانتخاب،وبين
مناطق شهدت اضراباً عاماً وامتناعاً
عن التصويت. هكذا، لخص يوم الإثنين الماضي الانفصام
الواسع بين ما ترغب فيه السلطات وبين
ما ترغب فيه الحركة الاحتجاجية. ويظهر
أن الانفصام بات يميز سلوك السلطات في
معالجة الازمة، فما ارادته بدءَ عملية
الاصلاح، أدى عمليا الى زيادة
الانشقاق واتساع الهوة بين السلطة
والمعارضة، لكن الأخطر هو اعتبار ان
الانتخاب «يؤكد تصميم القيادة على
المضي قدماً في عملية الاصلاح» التي
اعلنتها، اي في النهج نفسه الذي
اعتمدته منذ اندلاع الحركة الاحتجاجية. كان يفترض ان تثير هذه المفارقة، في حال
صدقت النيات، اسئلة كثيرة على الحكم
السوري، وعن مدى فعالية هذه الاجراءات
الاصلاحية التي يريد الاستمرار فيها،
رغم الفشل الكبير في إقناع أحد بها،
خصوصاً المعارضة السورية. لكن الإصرار على «التصميم على المضي
قدماً» في هذه الاصلاحات ومعها «التصميم
على المضي قدماً» في انهاء الحركة
الاحتجاجية بالوسائل الامنية، يعني
المجازفة بإبقاء المواجهة مستمرة، وهي
المواجهة التي فاق عدد ضحاياها 5 آلاف
قتيل من المدنيين فقط. والسؤال هو عن معنى الاصلاح الذي يفترض ان
يجلب الهدوء والاستقرار ويلبي مطالب
العدل والحرية، وعن معنى انتخابات
تقسّم، وفق خريطة متطابقة مع امتداد
الحركة الاحتجاجية وتركيبتها
الاجتماعية والسكانية. ألا تزيد هذه
الخطوة تمزق النسيج الاجتماعي وتضع
المواطنين بعضهم في مواجهة بعض، بعدما
انقسموا في اليوم الانتخابي انقساماً
جذرياً، وتحفز الاقتتال في ظل هذا
الوضع الامني الملتهب؟ لقد ساهم اليوم الانتخابي في زيادة
التشكيك بالنيات الحكومية. ولا تستطيع
السلطات ان تأمل في استعادة صدقية
فقدتها على امتداد الازمة من دون اعادة
تقويم لكل قراراتها، بدءاً من معنى
الإصلاح المطلوب، مروراً بكيفية
معالجة الحركة الاحتجاجية، وصولاً الى
المبادرة العربية، لأن كل ما تفعله حتى
الآن يبقى من دون تجنيب البلاد خطر
الانقسام الكبير والنزاع الاهلي. ويجدر بها أيضاً ان تعيد قراءة الاوضاع
الاقليمية والدولية، فالكتلة
الاقليمية الكبيرة، وبغض النظر عن
الدوافع، عبرت عن مواقفها عبر قرارات
الجامعة العربية، اي انها تعارض النهج
الحالي الرسمي للحل في سورية. والوضع
الدولي ما زال مجمداً، بفعل الموقفين
الروسي والصيني، لكن استمرار القتل،
كما اتضح خلال إحاطة نافي بيلاي امام
مجلس الامن ليل اول من امس، فلا يمكن
الدفاع عنه طويلاً، وليصبح الحل
السياسي ذو الصدقية مطلباً عاماً، في
موسكو وبكين ايضاً. خشبة الخلاص ليست في انتخابات بلدية غير
ذات قيمة، ولا في استمرار القتل، بل
اكدت العملية الانتخابية ضرورة تغيير
النهج العام في معالجة هذه الازمة.
والخروج من المأزق هو المبادرة
الجريئة بتوقيع المبادرة العربية في
اسرع وقت ممكن، والتي في جوهرها تدعو
الى سحب قوات الجيش والامن ووقف القتل
واحترام حق التظاهر السلمي، في ظل
مراقبة خارجية، على ان يُصار بعد
التهدئة الى البحث في كيفية الوصول الى
حل سياسي وعناصره. ================= عادل الطريفي الشرق الاوسط 14-12-2011 حين اندلعت شرارة الحرب الأهلية بلبنان
في أبريل (نيسان) 1975، انقسم الرأي العام
الإقليمي والدولي حول الكيفية التي
يمكن من خلالها وقف الحرب، فهناك من
كان يرى أن الأزمة اللبنانية مسألة
داخلية وعربية، ولهذا فإن التدخل
العسكري الدولي مرفوض، وهناك - رأي ثان
- كان يطالب بالتدخل العسكري المباشر،
أو على الأقل تقديم مساعدات عسكرية
ولوجيستية للجيش اللبناني، بحجة أنه
لا يمكن للحكومة المركزية القضاء على
سلاح الميليشيات اللبنانية
والفلسطينية، أو حملهم على قبول وقف
إطلاق النار من دون وجود تحالف دولي
قادر على ردع الأطراف الخارقة للهدنة،
أو حفظ الأمن في بلد مليء بالأحقاد
التاريخية والثارات الطائفية. كان
هناك طرفان يقودان الحوار، ويؤثران
بشكل مباشر على خيارات الرئيس الراحل
سليمان فرنجية، فمن جهة كان الرئيس
السوري حافظ الأسد يحذر ويهدد فرنجية
من تدويل الأزمة، لكي لا يتحول لبنان
إلى الوصاية الأميركية والفرنسية، ومن
جهة أخرى كان بعض المسؤولين
الأميركيين يحاولون إقناعه بضرورة
اللجوء لمجلس الأمن، أو على الأقل
مواجهة الميليشيات الفلسطينية
بالقوة، في مقابل تأمين الدعم المادي
والعسكري له. اختار فرنجية - مكرها - طلب
التدخل السوري في يونيو (حزيران) 1976،
ولم يمض شهران حتى منحت القمة العربية
في الرياض، سوريا شرعية البقاء على
الأراضي اللبنانية. طبعا، استمر
الاحتلال السوري للبنان لأكثر من
ثلاثة عقود، بحيث دمرت هوية الدولة
المدنية، وانتهكت سيادتها، وأصبحت
مركزا للمنظمات الإرهابية تحت ذريعة «المقاومة».
في سياق استذكاره للخطأ التاريخي
بتفويت فرصة التدخل الدولي لحفظ سيادة
الدولة اللبنانية من الانهيار، كتب
هنري كيسنجر في 2005 حاثا القوى الدولية
على التدخل في لبنان لطرد الجيش السوري
ونزع سلاح حزب الله: «ثلاث مرات منذ عام1958،
تمكن التدخل الأجنبي من المحافظة على
وحدة لبنان، والحيلولة دون الانزلاق
إلى العنف واللجوء إلى التحكيم بين
الطوائف.. وسوف يتم اختبار ما إذا كانت
الولايات المتحدة والمجتمع الدولي
جادين في حشد تدخل دولي لضمان ألا
تنفجر المشاعر المتضاربة مجددا» (هيرالد
تربيون 15 مايو/ أيار 2005). اليوم، وعلى
مقربة من بداية العام 2012، تواجه سوريا
السيناريو ذاته، إذ قادت عشرة أشهر من
المظاهرات وحالات العصيان المدني، إلى
انقسام البلد طائفيا ومناطقيا، بحيث
بات يتحول تدريجيا نحو الحرب الأهلية.
حتى الآن سقط ما يفوق الخمسة آلاف
قتيل، وتم تهجير الآلاف أو إيداعهم
السجون، وتحمل الأخبار كل يوم المزيد
من أخبار القتل، والانشقاقات المستمرة
في الجيش والوظائف الحكومية،
والانهيار الدراماتيكي للاقتصاد
والخدمات الأساسية. أمام حالة الفشل في
سوريا، واستمرار نظام الرئيس بشار في
رفض المبادرات الإقليمية والدولية،
وتغليب منطق العنف المسلح، فإن الخيار
العسكري المباشر - أو عبر تسليح الثورة
- بات مطروحا بشدة، كوسيلة ضرورية
للحفاظ على وحدة الدولة السورية،
ومنعها من الانزلاق في أتون حرب طائفية
وإقليمية ستحولها بالضرورة إلى دولة «فاشلة»،
بحيث تكون مركزا جديدا يضاف إلى عواصم
زعزعة الاستقرار الإقليمي، وملاذا
للجماعات الإرهابية. حاليا، هناك
طرحان يسيطران على جدل الأزمة السورية:
أحدهما مع التدخل العسكري - أو عبر
تسليح الثوار - قياسا على النموذج
الليبي، الذي لم يكن ليتمكن من إزاحة
نظام القذافي إلا بالاستعانة بطيران
الناتو، وقيادته اللوجيستية
والاستخباراتية للمقاتلين المتطوعين.
أما الرأي الآخر فيحذر من التدخل
العسكري الأجنبي، وضد تدويل الأزمة،
تحت ذريعة صيانة الثورة السورية من
الانزلاق إلى العنف المسلح، أو فتح
المجال أمام الدول الغربية للنفاذ إلى
صياغة مستقبل سوريا السياسي
والاقتصادي، بما في ذلك الموقف من
إسرائيل. أنصار التدخل العسكري، أو
تسليح الثورة - سواء عربيا أو دوليا -
يجادلون بأن الثمن الإنساني الباهظ في
الوقت الراهن يحتم التدخل لأجل حماية
المدنيين، لذا، فحجتهم لتبرير التدخل
قائمة بشكل رئيسي على دواعي حقوق
الإنسان، وتغيير النظام الديكتاتوري
القائم، كما حدث في بلدان أخرى كتونس
ومصر. أما المحذرون من غلواء تدويل
الأزمة السورية عسكريا، فهؤلاء
يجادلون بأن مصير التدخل سيكون الفشل
لأسباب، منها: وجود اعتراضات دولية (كفيتو
روسي أو صيني)، أو أن من شأنه أن يدفع
نحو تدخل إيراني مباشر أو عبر حلفائها،
كحزب الله وحماس، لدعم النظام القائم
أو نشر الفوضى والإرهاب في حال سقط
النظام. هم أيضا يحذرون من أن التكلفة
الإنسانية ستكون فادحة، كما حدث في
العراق وأفغانستان. وأخيرا، فإن نتائج
التدخل العسكري غير مضمونة، إذ إن سقوط
نظام الأسد قد يقود إلى تفتت البلد إلى
كانتونات طائفية مسلحة لن تعدم العثور
على ممول أو متبن لسلاحها من الدول
الإقليمية، ثم إن بناء دولة ديمقراطية
جديدة بدستور توافقي، وعقد اجتماعي
جديد تحفظ فيه حقوق الأقليات، أمر غير
مضمون. هذا الاعتراض الأخير يحمل قدرا
كبيرا من الأهمية، فقد يقود التغيير في
سوريا إلى صعود الإخوان المسلمين إلى
السلطة، وهؤلاء لا يختلفون كثيرا عن
تسلط حزب البعث؛ نظرا لتاريخهم الدموي
الانقلابي، ولاستخدامهم - كما بقية
الأحزاب الإسلامية - لورقة «المقاومة»،
حيث من الممكن أن يستمر «الإخوان» في
ذات السلوك التحريضي على العنف، ودعم
الميليشيات الدينية المسلحة، وتبرير
اختطاف الدولة تحت ذريعة تحرير الأرض،
ومواجهة إسرائيل. الدول العربية -
بالطبع - لها آراء متباينة مع وضد فكرة
التدخل، فهناك دول - كالجزائر واليمن -
لا تريد أن يتكرر السيناريو الليبي،
فقد يتهدد التغيير بقاءهم في السلطة،
وهناك من الدول من يؤمن - أو يرغب - في
نهاية النظام السوري الحالي لأسباب
تتعلق بحلفه مع إيران، وتدخله السلبي
في لبنان وغزة، ويشيرون إلى أن إضعاف
نظام الأسد، وإشغاله بنفسه، أقل ما
يمكن أن يحدث. حتى نكون منصفين لا بد أن
نؤكد أن هناك دولا مؤمنة حقا بضرورة
التدخل العسكري لأسباب إنسانية، وهذا
لا ينفي في الوقت ذاته أن تكون لديها
مصالح استراتيجية قد تتحقق بشكل مصاحب
لرؤيتها الأخلاقية «المثالية» للأزمة.
في رأيي، التدخل العسكري المباشر في
هذه المرحلة هو الخيار الحقيقي -
والواقعي - إذا كان المجتمع الدولي
والدول العربية جادين في تجنيب الدولة
السورية الانهيار السياسي، وتفسخ
النسيج الاجتماعي الذي يربط الطوائف
والأعراق السورية بعضها ببعض. الشهور
العشرة الأخيرة أثبتت أن المتظاهرين
السوريين غير قادرين على إسقاط الأسد
وحدهم، ثم إن تسليح المدنيين السوريين
ستكون له نتائج سلبية على المدى
البعيد، لأنه سيقود إلى عسكرة المجتمع
السوري، وتوفير الأسلحة اللازمة
لاستمرار الحرب الأهلية بين السوريين.
طبعا، لسنا نقلل من التأثيرات السلبية
للتدخل العسكري المباشر، ولا من
العقبات الدولية والإقليمية التي
ستواجهه، ولكن يبدو أن سوريا لم تعد
تحتمل المزيد، فبغير تغيير النظام قد
لا يمكن الحفاظ على سيادة الدولة
السورية واستقرارها كما نعرفها. تذكروا أن تدخل آيزنهاور العسكري في 1958
أنقذ لبنان من التفكك، وأن فشل التدخل
1975 قاد إلى تدمير البلد. إن الضمانة
الحقيقة التي قد توفرها الجامعة
العربية، والدول المجاورة لسوريا، هي
في تغيير النظام عسكريا إذا لزم الأمر،
عبر المؤسسات الدولية، ولكن قبل ذلك
عليهم أن يعملوا على صياغة بديل مدني (علماني)
من المعارضة الداخلية والخارجية أكثر
تمثيلا من المجلس الوطني الانتقالي
الحالي، ملتزم بالتحول الديمقراطي تحت
رعاية المؤسسات الدولية، وتوفير
الضمانات للطائفة العلوية والمسيحيين
لكي لا يتم التمييز ضدهم، أو حرمانهم
سياسيا واقتصاديا. إذا لم يلتزم
السوريون المعارضون بإصدار عفو عام عن
أعضاء البعث، والتعهد بالمحافظة على
مؤسسات الدولة والتزاماتها الدولية،
فإن فرص إنقاذ سوريا غير مضمونة. قد يرى
البعض أن تبرير التدخل العسكري ضد
سوريا هو أمر انتقائي مقارنة بغيره من
النماذج. حسنا، هذا صحيح، إلا أن
المطالبة به ليست إنسانية - على الرغم
من أهمية ذلك - ولكن مطلب استراتيجي
لئلا يستعيد هذا النظام الراعي
للإرهاب عافيته من جديد. يقول كمال
جنبلاط (1978) في كتابه «هذه وصيتي»: «لعبت
دمشق دور العروبة والقومية والموقف
الفلسطيني المتشدد.. كل ذلك أسهم في جعل
الحملة السياسية السورية غير فعالة
عمليا على المدى الطويل. فالتسوية
الغامضة غير المحددة، هي تسوية سيئة
دائما». ================= ميشيل كيلو الشرق الاوسط 14-12-2011 عام 1983، سئل عبد الحليم خدام ذات مرة في
لقاء مع عدد محدود من أعضاء اتحاد
الكتاب العرب عن مكانه من النظام، وما
إذا كان الرجل الثاني فيه، فقال: «في
نظامنا لا يوجد رجل ثان، عندنا رجل
واحد فقط ولا مجال أو محل لأي أحد سواه». في الشمولية السورية، لا محل بالفعل لغير
رجل واحد يسميه الإعلام الرسمي «السيد
الرئيس» أو «سيد الوطن»، يمسك بجميع
خيوط النظام سواء في السلطة أم في
المجتمع. هذا السيد الرئيس يسمى أيضا «القيادة
السياسية»، لأنه في آن معا الأمين
العام القومي والقطري للحزب، والقائد
العام للجيش والقوات المسلحة، ورئيس
المنظمات الشعبية، التي ينضوي في
إطارها كل مواطن سوري، فهو إذن الحرفي
الأول، والعامل الأول، والصناعي
الأول، والتاجر الأول، والصحافي
الأول، والطبيب الأول، والمهندس
الأول، والفلاح الأول، فضلا عن أنه
السيدة الأولى، إذا ما نظرنا إليه من
زاوية الاتحاد النسائي، كما أنه
الفنان الأول، أي الممثل والمغني
والمخرج الأول... إلخ، أخيرا هو المخبر
الأول: الرجل الذي يعرف كل شيء ويعلم كل
الخبايا والخفايا، ويشرف يوميا ولحظيا
على كل شأن وأمر، ويتلقى تقريرين
يوميين عبر الهاتف، وتقريرا كبيرا
مكتوبا، إلى جانب مكالمات هاتفية
متعددة يقدمها إليه في أي لحظة
يختارونها من لحظات الليل أو النهار
رجال محددون يحظون بثقته، حول أي شأن
يرونه مهما، بما في ذلك زواج شاب بدوي
من فتاة صحراوية وبالعكس. حين مرض حافظ
الأسد عام 1983 وأشرف على الموت، نصحه
الأطباء بأن يقلص عمله ويستغني عما ليس
مهما منه، أو ما يستطيع شخص آخر القيام
به. بعد أيام من بدء تعافيه، كان أول
أمر أصدره هو تقديم تقريرين يوميين حول
النشرة الجوية بدل تقرير واحد كان يصله
صباحا قبل مرضه. لا يثق «سيد الوطن» بأحد من أتباعه
ومعاونيه، لذلك يدس عليهم من أتباعهم
ومعاونيهم من يخبره بأدق تفاصيل
حياتهم وأنشطتهم ويطلعه على أسرارهم،
لاعتقاده أن رضوخهم له يتطلب معرفة كل
شاردة وواردة عن كل واحد منهم، لأن في
شمول معارفه، الأمنية غالبا، ضمانة
نظام الرعب والتحكم الذي يديره
باعتباره منسق أجهزة الأمن ومراقب
مؤسساته أكثر منه رئيس بلاد يمارس سلطة
شرعية أو دستورية تتصل بتمثيلها. لو أن أحدا سأل بشار الأسد قبل أسبوع عن
سيطرته على الوضع في سوريا، لحدثه بكل
ثقة عن إمساكه المطلق بكل شيء فيه،
ومعرفته بكل صغيرة وكبيرة عنه. ولقد
سبق «للسيد الرئيس» أن رد بغضب على
سؤال صحافي حول سيطرته على السلطة في
بلاده. لذلك أثار كلامه عن جهله بوقوع
أعمال قتل في سوريا حيرة وغضب كل من
استمعوا إليه، وألقى بظلال من الشك على
سلطته ومكانته من النظام، ليس فقط لأنه
من غير المعقول أو المقبول ألا يكون قد
سمع بما يجري، وهو الذي قال قبل أشهر
قليلة إنه قابل 1180 وفدا شعبيا حدثه
أعضاؤها عن مشكلات السوريين، وعن
الأمن والحل الأمني وما ارتكب خلاله من
تجاوزات شاملة، بل كذلك لأنه اعترف
مرات متكررة بوقوع انتهاكات على يد
أفراد من قوات الأمن، عزاها إلى قلة
تدريبهم على التعامل مع المظاهرات،
لأن هذه لم تكن تقع في سوريا! يقول الرجل الذي تتجمع في يديه كل خيوط
السياسة والأمن والاقتصاد والإعلام
والمجتمع، وكل مفاصل حياة مواطنيه
العامة والخاصة، إنه لا يعرف بوقوع
أحداث في سوريا يقتل فيها الناس، ولم
يأمر بقتل أحد، ويعزز قوله بحجة غريبة
هي أنه «لا يملك الجيش والأمن وليس
ملكا». قبل أسابيع قليلة سئل هذا
الرئيس، الذي لا يعرف اليوم ما يجري في
وطنه، إن كان سيورث في المستقبل الحكم
لابنه حافظ، الذي يقل عمره عن عشرة
أعوام، فقال: «أنا أنصحه بإقامة أوسع
العلاقات مع المجتمع السوري، أما إذا
كان يريد أن يصير رئيسا، فهذه مسألة
سيقررها هو في حينها!». يقول الرئيس هذا
بعد عشرة أشهر من عنف سلطوي أعمى أسقط
عشرات آلاف القتلى والجرحى من
مواطناته ومواطنيه، وأدى إلى اعتقال
وملاحقة خلق لا حصر لعددهم، مع أنه
سيادته في موقع يمكنه من معرفة كل شيء
وإصدار أي أمر، ويتيح له إلزام كل فرد
في النظام بتنفيذ أوامره وتحقيق
رغباته، بما أنه ليس رجل النظام الأول،
بل الوحيد، حسب شهادة خدام. لم يقل
الرئيس إنه لا يعلم بوقوع أعمال قتل في
سوريا وحسب، بل قال إنه لا يعلم ذلك لأن
هذه لم تقع أصلا. بعد عشرة أشهر من نشر
الجيش والأمن في كل شبر من أرض سوريا،
وإعلانات رسمية تتكرر يوميا حول عدد
قتلى الجيش والأمن، ينكر «سيد الوطن»
أن تكون هناك أحداث في سوريا، ولا يترك
لنا غير أن نوجه إليه السؤال الذي يحرص
إعلامه على توجيهه إلينا: «من الذي
يقتل إذن هؤلاء الجنود والضباط
والعناصر الأمنية، الذين يبرز التلفاز
الرسمي جنازاتهم كل يوميا وعلى مدار
الساعة؟». ألم يسمع الرئيس بهذا أيضا،
ويسائل نفسه عن سبب موتهم، أم أننا
أمام تمثيلية ملفقة من ألفها إلى
يائها؟ لا يعلم الرئيس أن هناك قتلى،
لأنه يعلم أنه ليس هناك محتجون، ولو
كان هناك مثل هؤلاء لما أمر بإطلاق
النار عليهم، لأن من يأمر بذلك يكون
مجنونا. بدأت المسألة السورية وتضخمت وتعقدت بسبب
نمط من المعرفة نشره الرئيس وتبناه،
يقوم على إنكار وجود أزمة، وعلى رفض
معالجتها بوسائل السياسة والتغيير
والإصلاح. واليوم، وبعد عشرة أشهر من
خراب البلد وموت هذا العدد الكبير من
العباد، ما زال متمسكا بمعرفته التي
تتلخص في عدم وجود أزمة في سوريا وعدم
وجود محتجين، ووجود مؤامرة مسلحة
تنفذها عصابات محدودة العدد لا هدف
للنظام غير حماية الشعب منها. بهذه
المعرفة، وهذا الفهم، ليس مستغربا أن
ينكر وجود أوامر بالقتل صدرت عنه أو عن
مساعديه، ووقوع قتلى وعمليات تعذيب
مميتة تتهدد كل شخص في سوريا. هذه
المعرفة والعقلية التي تنتجها هي
اليوم إحدى أخطر مشكلات سوريا وأكثرها
تدميرا للبلد. وما لم تتغير هذه
العقلية أو تختفِ من الوجود، فإن سوريا
ستبقى غارقة في المأساة التي أنتجتها
ونشرتها طيلة نصف قرن، وتحافظ عليها
اليوم وتكفل استمرارها بالقوة والعنف.
هنا مكمن الكارثة التي تعصف بوطننا،
إنها في رأس صاحب النظام، الذي انفصل
نهائيا عن الواقع، ويعيش في عالم لم
يعد يثير في سوريا وخارجها غير الشعور
بالحسرة على السوريين، الذين لا تعني
حريتهم اليوم غير التخلص من عقليته،
التي تقتلهم بكل هذا الدم البارد! ------------------------ المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |