ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت 17/12/2011


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

إلى كلمة سواء بخصوص سورية

د. رحيّل غرايبة

العرب اليوم

يجب الاعتراف ابتداءً بان الحراك الشعبي في سورية احدث انقساماً في الساحة السياسية العربية عموماً والأردنية خصوصاً,وزادت حدة الانقسام حتى يكاد يكون شرخاً يهدد مسيرة الإصلاح ويعرقلها محليّاً وإقليمياً, وتطور الخلاف بشكل متصاعد من خلال التراشق الإعلامي, والمقابلات الفضائية والندوات السياسية, والمقالات الصحفية, ووصل الأمر الى المستوى الذي يبعث على القلق حتماً, اذا تحولت لغة الخطاب الى الاتهام بالتآمر والتعامل مع العدو, من خلال البحث عن كلمة هنا وهناك وتتبع العثرات وتكبير الأخطاء وعودة الى النبش المجتزأ في التاريخ بطريقة غير علمية ولا موضوعية.

من هنا لا بد من التفكير بإجراء حوارات هادئة في جو هادئ بعيداً عن التعصب والتزمت والتخندق واتخاذ المواقف الحادة, ومحاولة الخروج بموقف سياسي, يقف على المبادئ والقواعد العامة وثوابت العمل السياسي التي تنطلق من وحدة الوطن ووحدة الشعب, ووحدة القارب والسفينة التي نستقلها جميعاً, وأمور أخرى كثيرة مشتركة بيننا بكل تأكيد.

وفي هذا المجال يمكننا الاتفاق على مجموعة لا باس بها من قواعد منطقية, ونقاط مرجعية, تشكل أرضية مناسبة للحوار, وتشكل مرجعية للخلاف, في ظل النوايا الحسنة والجهود الوطنية المخلصة من اجل حل هذا الإشكال, ولذلك دعونا نتلمس بعض هذه القواعد.

أولاً: من حق الشعب السوري كما هو من حق جميع الشعوب العربية بلا استثناء إقامة الدولة المدنية الديمقراطية التي ترتكز على إعطاء الشعب السلطة الكاملة في اختيار الحكومات ومراقبتها ومحاسبتها.

ثانياً: الاعتراف ببدء مرحلة جديدة, تنتفي منها كل صفوف الاستبداد والانفراد بالحكم واحتكار السلطة, وانتهاء منهج الإقصاء والاعتراف بالتعددية وإرساء مبدأ تداول السلطة.

ثالثاً: المعارضة مهما كان لونها أو مذهبها أو اتجاهها الفكري هي جزء أصيل من النسيج الاجتماعي الوطني, ومن حقها ممارسة حريتها الكاملة في التعبير السلمي عن آرائها وأفكارها, وبكل الوسائل الديمقراطية.

رابعاً: رفض التدخل الأجنبي بكل أشكاله في الشؤون الداخلية العربية, والسورية, وإبقاء الحل ضمن الإطار العربي.

خامساً: إدانة كل أنواع القتل والاعتداء وإراقة الدم الذي يجري في سورية من جميع الأطراف, وضد كل الأطراف الشعبية والرسمية, العسكرية والمدنية.

سادساً: السماح لوسائل الإعلام, ومؤسسات حقوق الإنسان والمراقبين العرب الدخول الى المدن والقرى السورية كافة والاطلاع على الحقائق كما هي, بلا تزوير أو مبالغة أو تهوين.

سابعاً: الاتفاق على ضرورة حماية الشعب السوري من الاعتداءات مهما كان مصدرها, والسماح بإدخال فرق الإغاثة والإسعاف والمستشفيات المتنقلة, لمداواة المصابين والجرحى.

ثامناً: السماح بالمظاهرات السلمية البعيدة عن العنف والتخريب والبعيدة عن العسكرة وحمل السلاح, وكل ما يؤدي الى الحرب الأهلية, وتمزيق المجتمع.

تاسعاً: الاتفاق على وحدة الأرض السورية, ومقاومة كل عوامل التقسيم والشرذمة لكل البلاد العربية.

عاشراً: الأوطان أكبر وأهم منّا جميعاً, أكبر من الأشخاص وأكبر من الأحزاب وأكبر من الجماعات وأكبر من الأنظمة, والأوطان باقية, وكل ما عليها إلى فناء.

الحادي عشر: التفريق بين المبادئ والأشخاص, والتفريق بين الأفكار والأنظمة, ويبقى الانحياز دوماً للمبدأ والفكرة.

الثاني عشر: الاتفاق على ميثاق وطني, يقوم على الثوابت السياسية, ويتكفل بإجراء الإصلاح الحقيقي الجذري الذي يلبي طموحات الشعب السوري بالحرية والكرامة والإرادة الشعبية الجامعة, ويحفظ حق الأقليات ويعترف بالتعددية, خلال مدة محددة, تحقن فيها دماء الشعب السوري, وتنتقل الى مرحلة الديمقراطية التي تكفل حق جميع مكونات الشعب السوري بلا استثناء.

إن مطالب الشعوب العربية في جميع أقطارها تكاد تكون واحدة أو متقاربة, لذلك ما نطالب به في مصر أو تونس أو الأردن, هو ما نطالب به في سورية, بلا تمييز, وما نرضاه لأنفسنا, نرضاه لغيرنا ويمكن أن يكون المدخل أو العنوان لنا جميعاً "إصلاح حقيقي بلا تدخل أجنبي". ثم بعد ذلك دعونا نضع النقاط على الحروف دون كيل للاتهامات, ودون تجريح ودون خروج على قواعد الحوار السياسي الوطني.

rohileghrb@yahoo.com

=================

إسرائيل والحراك العربي

محمد الباهلي

الاتحاد

تاريخ النشر: الجمعة 16 ديسمبر 2011

إن القراءة الموضوعية لنصوص الخطاب الصهيوني التحريضي الذي تناولناه في المقال الماضي، والذي أصبح يهيمن على الصحافة ووسائل الإعلام الإسرائيلية، خاصة بعد التحولات التي حدثت في بعض الدول العربية... تقودنا تلك القراءة إلى حقيقة مهمة، وهي أن إسرائيل اليوم تواجه إشكالية تتمثل في عدم قدرتها على استيعاب ما حدث ويحدث من تحولات في العالم العربي، وهي في هذا الخضم لم تجد أمامها غير السعي وراء الخطاب التحريضي لخلق حالة جديدة من الصراع تتغير فيها الصور والملامح والمواقف والأطراف.

وإسرائيل بذلك ربما تمهد الطريق لخلق حالة من والتصادم المستمر في المنطقة، خاصة بعد أن بدأ الحراك الجاري يفرز إرادة جديدة لدى الشعوب العربية، تميل إلى التغيير وإلى رفض الأمر الواقع، بما في ذلك بعض المقاربات التي فرضتها إسرائيل نفسها في عدد من المسارات. لقد أدركت الآن خطورة التغييرات الجارية، لاسيما على اتفاقيات التسوية التي عقدتها مع بعض الدول العربية، خاصة في مجال التطبيع الذي حاولت طوال ثلاثين سنة الماضية العمل على ترسيخه، ومن ثم البرهنة على قابلية الشعوب العربية للقبول باحتلالها.

وربما تنظر الدولة العبرية إلى الحراك العربي الراهن أيضاً من منظور كونه يمثل تهديداً لوجودها في المنطقة، وهي تنطلق في ذلك من الأسس التي قامت عليها كقوة استعمارية جمعت في داخلها كل ألوان الهيمنة والقسوة. ومن هنا فقد وجد مفكروها وخبراؤها ومحللوها أنه من الصعب أن تحافظ على وجودها في ظل مثل هذه التغييرات الجارية في العالم العربي.

والمشكلة الأهم بالنسبة للعالم العربي لا تكمن في الكيان الصهيوني بقوته الذاتية، بل في قوة نفوذه الممتدة في الكثير من بقاع العالم، بما في ذلك نفوذ الصهيونية العالمية، والعدد الكبير من الأجهزة الاقتصادية والسياسية والإعلامية والمالية والبحثية والدينية... المؤثرة. هذا علاوة على الرأي العام الغربي المؤيد لإسرائيل، والحكومات الداعمة لها، وأهمها الولايات المتحدة الأميركية التي تعتبر علاقتها مع إسرائيل علاقة عضوية لا انفصال فيها.

إن البرنامج الأيديولوجي للحركة الصهيونية، والذي يبدو اليوم في إحدى أكثر لحظاته وضوحاً، عبر الخطاب التحريضي المتدفق من خلال المنابر السياسية والإعلامية في هذه الأيام، والموجه ضد ديناميات التحول في بعض الدول العربية... ينطوي على إشارة مهمة إلى ما يمكن أن تلجأ إليه الدولة العبرية من محاولات تخريبية وسعي لخلق الفتن وإدخال المنطقة في أزمات عديدة. لذلك فعلى العرب التنبه لمثل هذه اللعبة الإسرائيلية، واستغلال متغيراتهم السياسية لتقوية موقفهم القومي أمام مثل هذه التوجهات السياسية الإسرائيلية، وأن تكون لديهم القدرة على مجابهة مثل هذا التحدي. ولا شك أن مجابهة كهذه تحتاج إلى تعديل في توجهات السياسة العربية نحو الكيان العبري، حتى تصبح لدى الجانب العربي الكفاءة المتناسبة مع مثل هذا التحدي؛ لاسيما في مجالات العلم والصناعة والزراعة والاقتصاد والقوة العسكرية، علاوة ما ينبغي تحقيقه في ميدان الديمقراطية وبناء المجتمع المدني. إن العالم المحيط بالعرب أصبح يتغير جذرياً، ومن ثم بات الأمر يتوقف على الإرادة العربية، وعلى مدى قدرة العرب على الاستفادة من التغييرات والتحولات الجديدة.

=================

الإدارة الأميركية: سوريا ليست ليبيا

الاتحاد

مايكل سيلفرمان

خبير أميركي متخصص في حركات التمرد

تشير تحركات الجامعة العربية الأخيرة -تعليق عضوية سوريا ثم فرض عقوبات اقتصادية أشد عليها- إلى مدى رغبة هذه المنظمة في إنهاء العنف في سوريا. كما أنها تؤشر إلى الخطوة المقبلة للمنظمة، ألا وهي طلب تدخل عسكري في سوريا. غير أنه قبل أن تأتي طلبات تكليف القوات الأميركية بتدخل في سوريا، يجدر بإدارة أوباما اليوم أن تقف وقفة تأمل لدراسة وتحليل ما حدث في ليبيا والتساؤل حول ما إن كانت النتيجة هناك هي ما كانت ترغب فيها حقاً. والحال أن التدخل الآمن والقائم على مبدأ عدم التورط في ليبيا شكَّل مثالاً كلاسيكياً للخطر المحدود والمكافأة المحدودة وينبغي ألا يُكرر في سوريا.

انعدام الاستقرار وحكم القانون في ليبيا خلال الأشهر القليلة الماضية يمثل مدعاة للقلق، ومستقبل ليبيا ما بعد القذافي غير أكيد في أحسن الأحوال، ويمثل تهديداً لاستقرار المنطقة في أسوأ شيء، في وقت يلعب فيه دبلوماسيو الاتحاد الأوروبي دوراً قيادياً في مساعدة النظام الجديد بينما تواصل الولايات المتحدة "القيادة من الخلف". وكيفما تكن حالات عدم اليقين التي سيأتي بها المستقبل، فإن الواقع الراهن يشير إلى أن الأسلحة المتدفقة من ليبيا تغذي السوق السوداء في المنطقة منذ بعض الوقت، وهي سوق يتاجر فيها المنتسبون إلى القاعدة بانتظام.

ولحسن الحظ، فإن ليبيا فككت معظم برنامجها لأسلحة الدمار الشامل، كما أن المتحدثة باسم الخارجية الأميركية "فيكتوريا نولاند" عبرت في أغسطس الماضي عن الثقة في أن المخازن القليلة المتبقية من الأسلحة الكيماوية تم تأمينها قبل انهيار النظام (بناء على اتصالات مع المجلس الوطني الانتقالي ومصادر الاستخبارات الأميركية). غير أن سوريا تمثل قصة مختلفة لأنها واحدة من ست دول رفضت التوقيع على اتفاقية الأسلحة النووية التي تحظر تطوير وتخزين مثل هذه الأسلحة.

وفي وقت يزداد فيه الوضع في سوريا اضطراباً، فإن أميركا لا تملك ترف رؤية وصول هذه الأسلحة إلى السوق السوداء، ناهيك عن الترسانة الكبيرة للجيش السوري الذي يمتلك أسلحة متفرقة ومنتشرة عبر أرجاء البلاد، على غرار ما كان يفعله جيش صدام في العراق. وغني عن البيان أنه إذا فقدت سوريا سيطرتها على ترسانتها الوطنية، فإن النتيجة قد تكون كارثية بالنسبة للمنطقة.

وهناك عوامل أخرى تجعل الأزمة السورية أكثر خطورة من ليبيا. فأولًا، تمتلك "القاعدة" علاقات في سوريا تم تطويرها واستغلالها لتهريب المقاتلين الأجانب والمتفجرات إلى العراق في ذروة الحرب التي شهدتها بلاد الرافدين منذ 2003 . ورغم أن معظمها خلايا نائمة، فيمكن أن تصبح نشطة من جديد، ويمكن أن تقوم بتصدير العنف من جديد إلى العراق حيث يهدد الرحيل القادم للقوات الأميركية منذ الآن بإعادة إشعال الحرب الأهلية السُنية- الشيعية التي كانت مستعرة من 2005 إلى 2007. يضاف إلى ذلك عنف سني- شيعي ممكن في سوريا، وليس من الصعوبة هنا تخيل انفجار يمكن أن يبتلع أجزاء كبيرة من المنطقة.

ثانياً، إن العلاقات بين إيران وسوريا ما زالت قوية، وإن كانت تُظهر مؤشرات متزايدة على التوتر. وبالإمكان القول إن إيران لن تترك أكبر حليف عربي لها يسقط من دون معركة. فكيف سيكون رد فعل النظام الإيراني على سوريا غير مستقرة؟ وهل سيكون رد فعلها مختلفاً في حال تم جر العراق إلى مستويات عنف طائفي شديد وواسع النطاق؟

الجواب على هذين السؤالين صعب، غير أنه ليس من الصعوبة رؤية التالي: أن إيران فقدت الكثير من خوفها من الولايات المتحدة. وطالما أن إيران تنظر إلى الولايات المتحدة على أنها ضعيفة وتخشى الحرب ومن غير المحتمل أن تتدخل، فلا شيء سيمنعها من الإقدام على عمل سري لدعم نظام الأسد في سوريا.

والواقع أن سلسلة الأحداث التي يمكن أن تنتج عن انعدام الاستقرار وانتشار الفوضى في سوريا هائلة. ولنكتف هنا بالقول إن سوريا ليست ليبيا أخرى. ولذلك، يجدر بإدارة أوباما أن تفكر ملياً في ما إن كانت "القيادة من الخلف" ستكون كافية في أعقاب العنف الذي يستعر اليوم في سوريا.

ويوم الثلاثاء قبل الماضي، اتخذت إدارة أوباما عدداً من الخطوات التي قد تشير إلى أن ذلك هو ما تفعله بالضبط -التفكير بشكل جدي في الانخراط - حيث أمرت الإدارة السفير "روبرت فورد" بالعودة إلى دمشق حتى في الوقت الذي كانت تلتقي فيه وزيرة الخارجية الأميركية في جنيف مع أعضاء في المجلس الوطني السوري، وهو مجموعة تقول إنها تمثل نشطاء المعارضة.

بالطبع، يتعين على المسؤولين الأميركيين التعاطي مع الموضوع بحذر، ولكن الوقت موات اليوم لاتخاذ خطوات جريئة أيضاً. فأولاً، يستطيع الدبلوماسيون الأميركيون، الذين عملوا لسنوات على مساعدة العراق في الانتقال إلى الديمقراطية، أن يطبقوا الدروس التي تعلموها هناك لمساعدة سوريا ما بعد الأسد على الانتقال إلى الديمقراطية الليبرالية. غير أنه من أجل القيام بذلك، يجب أن يكونوا موجودين عندما يسقط النظام.

ثانياً، على واشنطن ألا تدع الخوف من الإصابات يمنعها من توفير مستشارين ومدربين على الميدان لمقاتلي المعارضة السورية الذين يسمون أنفسهم اليوم "الجيش السوري الحر". كما يتعين على أميركا أن تجازف أكثر مثلما فعلت في ليبيا حتى يكون لديها تأثير أكبر لدى "الجيش السوري الحر"، في حال أتت (أو عندما تأتي) الدعوة إلى تدخل عسكري من الجامعة العربية.

وأخيراً، نعلم أن لدى الدبلوماسيين والقادة العسكريين الأميركيين، وضباط الاستخبارات ربما، علاقات مع شيوخ بعض القبائل في سوريا (علاقات نسجتها الولايات المتحدة خلال الصحوة السنية في العراق). وبوسع الولايات المتحدة اليوم استغلال تلك العلاقات (بشكل علني أو سري) من أجل التأثير في مستقبل سوريا.

في الخطاب الذي ألقاه في القاهرة في 2009، وعد أوباما ب"بداية جديدة بين الولايات المتحدة والمسلمين عبر العالم، بداية تقوم على المصلحة المتبادلة والاحترام المتبادل" وتعترف ب"المبادئ المشتركة- مبادئ العدالة والتقدم، والتسامح والكرامة لكل البشر". ولئن كانت أميركا قد فشلت في أن تُظهر في ليبيا التزامها بتلك المبادئ بشكل كلي، فعليها ألا تضيع الفرصة في سوريا.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة

«كريستيان ساينس مونيتور»

=================

فاجعة حمص برسم التخاذل

المستقبل

نقولا زيدان

يدور سباق محموم بين الجامعة العربية من جهة والنظام السوري من جهة أخرى. فالمفاجأة التي طلعت بها الجامعة العربية بإلغاء اجتماع اللجنة الرباعية المعنية بمتابعة الوضع السوري الذي كان مقرراً عقده في الدوحة السبت في 10 كانون الأول الجاري الى يوم السبت في 17 في القاهرة، كان لها دوي الصاعقة. فقد كانت لها أصداء مخيفة في أوساط المعارضة السورية وقواها الحية الممثلة بالانتفاضة المستمرة منذ عدة شهور ضد النظام الأسدي الذي يمعن في المدن السورية قتلاً وقصفاً وتدميراً منظماً وسط حملات توقيف واعتقال عشرات الألوف من مختلف الفئات الشعبية.

ومرد تلك الأصداء المخيفة ما تقاطعت عليه معلومات وسائل الاعلام وما نقله المسافرون القادمون الى دول الجوار السوري عن الاستعدادات الضخمة التي يجريها نظام دمشق من تحشيدات هائلة من جنود ودبابات وآليات عسكرية تطوق مدينة حمص تمهيداً لاقتحامها وتحويلها الى انقاض وركام وأشلاء. ذلك ان معركة الرستن منذ أسابيع كانت المؤشر والإنذار الدموي لهذه المعركة الفاصلة الدائرة الآن.

ان النظام الأسدي الذي زعم أنه قبل بالمبادرة العربية نسف هذه المبادرة على مستويات ثلاثة:

الأول: يقبل نظام الأسد بالمبادرة العربية ضمن فهمه هو لهذه المبادرة، وقد جرى استبدال عبارة "شروط" بعبارة "فهم" وهذا يعني عملياً وفعلياً العودة الى نقطة الصفر أي بكل بساطة فرض الشروط الأسدية على أي تمرير للمبادرة كمقدمة لإلقائها في سلة المهملات.

الثاني: ضرورة إطلاع النظام الأسدي مسبقاً على عدد وأسماء المراقبين العرب وتدقيقه بملفاتهم الشخصية كل على حدة: لعله يأمل بأن يجرى تعيين عدد من حلفائه في لبنان والعراق والسودان.

الثالث: فور موافقة الجامعة على مضمون هذه المراسلات، يعلن الأمين العام لجامعة الدول العربية وقف جميع التدابير والعقوبات المتخذة بحق النظام الأسدي، بل وجود اعتبارها باطلة من الأساس.

وهكذا في الوقت الذي كانت تجري فيه هذه المراسلات، المشبعة بالخداع والخبث والرياء والتلاعب، ويدور الهمس المجبول بالخزي والخذلان عن قبول النظام السوري المزعوم بالمبادرة العربية، هذا القبول الذي ينسف المبادرة برمتها، كان الرئيس الأسد يسدد ضربة أخرى لأية فرصة لوقف إراقة الدماء، وذلك في مقابلته الصحفية مع تلك المراسلة الأميركية. هو بكل صلافة ودم بارد لا يصرّ على متابعة حمّامات الدم في طول سوريا وعرضها فحسب بل يسعى للتلاعب بعقولنا والاستخفاف بنا. انه ليس مجنوناً ولا منفصلاً عن الواقع كما نعتته الخارجية الأميركية: انه يعي تماماً ما تجني يداه، ويدرك بالضبط ما يفعل، وهو ماضٍ في طريقه الغارق في بحر من الدماء. وليكن ما يكون.

ثمة حقيقة ماثلة أمامنا في تاريخ البشرية المعاصر، هي ان ما يجمع الأنظمة الديكتاتورية في مسار واحد ليس عبادة الفرد وخضوع السلطة ومؤسساتها لشخص واحد، وانه هو عبقري الدهور لم تلد نظيراً له الأمهات فحسب بل صمّام أمان البلد المسكين الذي يمسك به عن رغبته. فإن سقط فسيسقط معه العالم. فعندما كانت الدبابات السوفياتية قد أصبحت على مشارف برلين (فريدرشفيلده) وكانت آلاف المدافع تحوّل ما تبقى من العاصمة الألمانية الى ركام مشتعل (نهاية عام 1944) كان وزير الدعاية الألمانية جوزيف غوبلز يزرع أروقة المستشارية الهتلرية في باطن الأرض ويصرخ مولولاً: "اننا نسقط! فإن سقطنا سيسقط معنا العالم!".

ألا يذكّرنا هذا كثيراً بتهديدات الرئيس الأسد في تصريحاته الصحافية عندما يقول انه إذا جرى التعرض لنظامه فإن الشرق سيشتعل من بحر قزوين شمالاً حتى جزيرة العرب جنوباً"؟.

لكن ما جرى على أرض الواقع هو أن "غوبلز" انتحر تماماً كما انتحر "ادولف هتلر" وغالبية قادة النظام النازي الدموي الميامين. وخلافاً لتوقعات وصيحات "غوبلز" لم يسقط العالم. فلا الشرق الأوسط سيشتعل ولا جزيرة العرب ستهتز ولا الأهرامات ستزلزل.

جلّ ما سيحدث هو أن النظام الأسدي وحده هو الذي سيسقط، أما ما سيظل مشتعلاً فهو جذوة النضال العربي الديموقراطي وربيعه المزهر.. والتغيير قادم لا محالة.

=================

مقدمات ربيع الثورات العربية.. رد فعل غريزي على قهر دام عقودا

القدس العربي

د . عبدالله تركماني

16-12-2011

تصلح الثورات العربية، التي دشنتها الثورة التونسية في 14 كانون الثاني/يناير 2011، مدخلاً لعملية تقييم وإعادة نظر في الكثير من الأفكار والأحكام التي هيمنت على الثقافة السياسية العربية في العقود الممتدة منذ هزيمة حزيران/يونيو 1967 إلى اليوم.

أوليس التعدّي على الحريات وانتهاك حقوق الإنسان، والتوقيف الاعتباطي خارج إطار القانون والتعذيب الذي تعرّض له معتقلو الرأي والضمير، والهيمنة على القضاء والتدخل الفاضح في شؤونه، واحتكار الثروات الوطنية من قبل فئة قليلة على حساب الأكثرية، وانتشار الفساد والمحسوبية، وتقهقر التعليم، وزيادة حدة التفاوت الاجتماعي وانحسار دور الطبقات الوسطى، وتعثّر التنمية، أوليست كل تلك الظواهر تشكل أسباباً كافية لاندلاع الثورات في مجتمعاتنا؟

إنّ مقاربتنا لمقدمات ربيع الثورات العربية تريد القول بأولوية معركة التقدم والارتقاء الحضاري على ما عداها. فلو كانت إدارتنا لمواردنا الاقتصادية والبشرية إدارة عقلانية، وكانت مدارسنا وجامعاتنا من مستوى لائق، وبرلماناتنا تنهض بأدوارها التمثيلية والتشريعية والرقابية، وسلطاتنا القضائية تضمن العدالة للسكان، ومواطنونا يستطيعون انتقاد حكامهم على نحو ما غدا شائعاً اليوم، ولو كانت سجوننا خالية من سجناء الرأي والضمير. لو كان كل ذلك لما لاحقتنا الهزائم والانتكاسات منذ النكبة الفلسطينية عام 1948 إلى اليوم.

وهكذا، لعل أول ما يمكن قوله، بشأن ثورات الربيع العربي، أنّ هذا الربيع سحب من سوق التداول الإعلامي والتصنيف السياسي تلك الصورة النمطية التي كانت رائجة في الغرب المتعلقة بما كان يسمى الاستعصاء الديمقراطي العربي. كما أنّ الربيع العربي لم ينشأ من فراغ أو لأسباب مثالية طوباوية مرتبطة فقط بالتعلق بأشواق وسرديات لاهوت الديمقراطية والإصلاح، وإنما هنالك أسباب موضوعية ملموسة من واقع مفردات الحياة اليومية للإنسان العادي هي التي أدت إلى كل ما جرى. ففي سياق تفسير ما جرى كانت كلمة السر هي الفشل التنموي والانسداد السياسي، مما أدى إلى تراكم الإحباط والاحتقان ومهّد الظروف لسقوط آخر تبريرات تلك النظم السياسية والاقتصادية أمام الاستياء الشعبي العام.

وبدءاً يحسن تأكيد أنّ هذه المقاربة لا تدّعي احتكار حقيقة فهم مقدمات الثورات العربية، ولكنها محاولة في اتجاه ذلك الفهم. إذ أنّ انفجار الثورات لم يأتِ من فراغ، بل هو جاء استكمالاً لتاريخ سابق من النضالات والانتفاضات والتضحيات على امتداد عقود طويلة.

لماذا الثورات الآن في العالم العربي؟

تقاطعت عدة سلاسل سببية لتفجير الثورات: أولها، شعور عام بالمهانة من دور القرابة في السياسة العمومية ومشاريع التوريث، فكأن الحكام مالكين لبلدانهم وليسوا مجرد حاكمين، بتفويض محدود ومؤقت. وثانيها، سخط قطاعات واسعة من السكان على إدارة الشؤون العامة، وبخاصة تلاحم احتكار السلطة مع الاستئثار الواسع وغير الشرعي بالثروة. وثالثها، تتصل بالمحرك الظرفي العارض الذي يستحيل التنبؤ به وتقدير آثاره، وقد تمثل في تونس بإشعال محمد بوعزيزي جسده احتجاجاً على مهانة تعرّض لها.

وهكذا، تتعدد أسباب ومقدمات الثورات العربية، وفي مقاربتنا هذه سنتناولها كما يلي:

(1) - الفشل التنموي

تجلى التعبير عن ذلك من خلال سوء توزيع الدخل الوطني في الدول العربية، حيث تتحكم أقلية من السكان بالقسم الأكبر من هذا الدخل، في حين بقيت أكثرية المجتمعات العربية عرضة لتفاقم ظاهرة الفقر والبطالة، مما انطوى على تفاقم الاحتقان السياسي والاجتماعي، واتساع دائرة الإحباط، وارتفاع درجة التوتر والاستعداد للانفجار والانفلات والعنف لدى أغلب الأوساط الاجتماعية وعلى جميع المستويات.

لقد قدمت حصيلة السياسات العربية في مجال التنمية فشلاً في نهوض المجتمعات العربية، على رغم الموارد المادية والبشرية التي تملكها. وتكفي الإشارة إلى بعض المصائب التي تتخبط فيها المجتمعات العربية: نسبة الأمية العالية، والهوة السحيقة بين الأغنياء والفقراء، واكتظاظ المدن بالسكان، وهجوم التصحر على الأراضي الزراعية، والأحياء شبه العشوائية، والطرق الخالية من الأرصفة، والمرافق والخدمات التي تُبنى وتُدار بلا تفكير في رأي المواطن وراحته واحتياجاته. كما أنّ ظاهرة البطالة تعتبر من التحديات الكبرى التي تواجه العالم العربي، إذ تزايد حجم القوى العاملة سنوياً بمعدل 2.511 مليون خلال تسعينيات القرن الماضي، وقد ترتفع الزيادة خلال العقد الحالي إلى 3.350 مليون سنوياً.

ويبدو أنّ الفقر العالمي ليس كالفقر في العالم العربي، فقد قال تقرير التنمية البشرية لعام 2009: إنّ شعوب العالم العربي من أكثر شعوب الأرض فقراً، حيث متوسط دخل الفرد السنوي لا يزيد على ألف دولار لنسبة تزيد على 70' من سكان العالم العربي.

كما أنّ أغلب الحكومات العربية لم تتمكن من تحقيق أثر فعّال للتخفيف من الآثار السلبية التي انتابت أريافها، وشكّل سوء توزيع الدخل فى الأوساط الريفية عنصراً مهماً فى تسخين الاحتقانات الاجتماعية التي تصاعدت لدرجة لم تفلح معها المسكّنات في تقليص أوجاعها.

أما الملمح الآخر للفوات التاريخي العربي، فقد تجلى في الضعف المعرفي، فبالرغم من الانتشار والتوسع الكمي في عدد المدارس والجامعات والمعاهد العليا، فقد صاحب ذلك التوسع الكمي تدنٍّ مريع في نوعية ومستوى التعليم في كل المراحل.

(2) - الانسداد السياسي

ثمة عوامل ثلاثة تظل هي المحرك الأساسي للثورات العربية: أولها، تآكل صلاحية المشاريع الوطنية للدولة العربية، وذلك إما بفعل الفشل السياسي والفساد الاقتصادي والظلم الاجتماعي، أو لانعدام القدرة على تحقيق التماسك الداخلي. وثانيها، زيادة النزعة الإقصائية والاستئصالية لسلطة الدولة العربية، والتي تعبّر عن نفسها يومياً في السلوك القمعي لأجهزتها ومؤسساتها الأمنية، ما يوّلد احتقاناً مجتمعياً يعزز نزعات التمرد ويدفع ببدائل التفتت الداخلي إلى الواجهة. وثالثها، وجود أدوار وقوى خارجية تسعى لاستثمار ما سبق من أجل تعزيز حضورها في العالم العربي.

ومن نافلة القول أنّ أغلب النظم العربية تفتقد لأية شرعية دستورية وتعاني في مجملها من إشكالية في أدائها السياسي، وتفتقر إلى الشفافية في طريقة تعاطيها مع مواطنيها.

(3) - تدهور الحياة الثقافية العربية

المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم 'الكسو' أعطت صورة سوداوية أكثر تشاؤماً عندما أعلنت أنّ نسبة الأمية وصلت إلى 30 ' (ثلث سكان العالم العربي)، أي حوالي 100 مليون أمي عربي يرزحون تحت نير الأمية والفقر والتخلف ويشكلون قنابل متفجرة داخل أوطانهم وخارجها. وفي المقابل أُعلن أنّ 50 ' من الأدمغة العربية وأصحاب الخبرة، أطباء ومهندسين وعلماء وأيدي عاملة من المهرة والفنيين، أُجبروا على الهجرة من أوطانهم لتستوعبهم الدول المتقدمة وتستفيد من قدراتهم وإمكاناتهم وخبراتهم.

وعلى صعيد الثقافة السياسية العربية تتعدد أوجه القصور: فمن جهة، تهيمن الأدلجة العميقة على العقل السياسي العربي المعاصر بصفة خاصة، مما جعله لا يهتم إلا بالعموميات وينسى التفصيلات. ومن جهة ثانية، لا يمتلك الوعي المطابق لحاجات التقدم العربي.

(4) - تعثّر الإصلاح العربي

جرى الحديث عن الإصلاح لدى أغلب الحكومات العربية من دون مضمون حقيقي أو اقتناع كامل، إذ لم تبادر لتأسيس حياة ديمقراطية دستورية تتجاوز حكم التسلط وتكون قابلة للتطور حسب حاجة تقدم المجتمع وتطلعاته، وحسب المعايير العامة التي كرستها المواثيق العالمية. كما لم تسعَ لتحقيق العدالة الاجتماعية بين المواطنين، بما يتجاوز معسكري الغنى الفاحش والفقر المدقع.

بل أنها بدأت تساوم على خطوات وإجراءات سطحية، من قبيل الاكتفاء بالإصلاح في المجال الاقتصادي وتأجيل أي إصلاح سياسي، أو إثارة مشكلة وهمية بين قابلية المجتمعات للرضا ببعض الحريات دون التداول السلمي للسلطة، باعتبار أنّ المجتمعات العربية 'ليست ناضجة بما فيه الكفاية' لكي تقوم على شؤون نفسها بكل كياسة وحكمة.

(5) التحولات الاجتماعية وبروز دور الشباب

إنّ ثورات الربيع العربي ذات الطابع الجماهيري الواضح، كشفت سلسلة من الحقائق التي لم تكن متوقعة بالحسابات السياسية المجردة، ومنها على سبيل المثال لا الحصر: التناقض الكبير بين الوعي الاجتماعي والوجود الاجتماعي، والحالة الشبابية المتطلعة للمستقبل، والمُقيمة في جوهر القضية، وهو ما لم يكن مرصوداً في أذهان النخب، ممن أجمعوا دون حق على ركاكة وسطحية شباب اليوم. فقد امتلكت هذه الثورات قوة تعبوية هائلة بفضل التطور التكنولوجي، فاقت في ذلك القدرة التي امتلكتها الدولة واحتكرتها لسنين طويلة.

ومن عناصر قوة الثورات الحالية أنها غير 'مؤدلجة'، أي أنها ليست مرتبطة بفكر سياسي أو ديني. كذلك فهي ثورات غير طبقية، بمعنى أنها لم تتولد إثر صراع طبقي. وهي ليست ثورات طائفية أو عرقية، فقد انضوت تحت لوائها أغلب مكوّنات المجتمع. وأخيراً فإنّ من طبيعتها أنها ثورات سلمية، سلاحها صدور عارية، باستثناء الثورة الليبية التي فرض عليها السلاح فرضاً، وإلى حدٍ ما الثورة السورية التي عرفت ظاهرة 'جيش سورية الحر'.

وإذ نتحدث اليوم عن هذه الثورات في بلداننا فلا بد لنا من أن نرى بأنها، حين انطلقت في تونس ثم في مصر ثم في البلدان العربية الأخرى، إنما كانت العفوية طابعها الطاغي. وما أن سلكت طريقها وكونت جمهورها حتى بدأ الوعي الحقيقي يحتل مكان العفوية لدى أقسام واسعة من جمهورها. والعفوية في هذه الثورات إنما تتمثل في أنّ الحراك الشعبي، الذي كان الشباب والعمال والمهمّشون والفقراء والكثير من المثقفين يشكلون قوته الأساسية، كان في جوهره رد فعل غريزي على قهر دام عقوداً، في ظل استبداد استخدم قادته كل ما في ترسانة الاستبداد من عمل لتدمير حياة البشر وتحويلهم إلى أدوات فاقدة للوعي والإرادة ومستسلمة لواقعها المرير.

إنّ شباب الثورات العربية أكثر الماما بتقنيات التواصل الحديثة، خاصة شبكات التواصل الاجتماعي التي تمكن من ربط العلاقة بين الأفراد بدون المرور من الوسائط التقليدية كالأحزاب.

وهذا هو حال معظم الشباب العربي ممن هم دون الثلاثين من العمر، الذين يشكلون أغلبية السكان في العالم العربي، وهذا الشباب لم تتمكن المؤسسات الرسمية العربية من تلبية تطلعاته ولم تستطع النخب العربية المثقفة إشباع حاجاته، مما أدى إلى أن يعتمد على نفسه ويتجه نحو بناء عالمه الخاص الذي لا يقبل فيه إملاءات من أحد.

ولعلّ أهم أسباب تفجر هذه الثورات هو تغيير علاقة السلطة مع منابع المعرفة، أي انتقال الأفكار الإنسانية والقيم الكونية والمبادئ المشتركة بشكل أفقي تراكمي، مما ساهم تدريجياً في التأسيس لوعي جمعي فعّال، بعد أن كانت هذه الأفكار والحقائق محتكرة من قبل الإعلام السلطوي لتخرج من السياقات التي تولدت عنها وتلقّن بشكل عمودي انتقائي وعظي بغية تمييع الإرادة المستقلة والاختيار الحر.

بهذه السياسة تحول المواطن من متلقٍ سلبي مهمش ومسحوق إلى مساهم فعّال في صناعة الحدث، إذ بدأ الفرد يتحسس دواخله ويدرك أنّ الشعوب هي التي تصنع الأنظمة التداولية وتفرض عليها محاسبتها ورقابتها الشرعية، وليس الأنظمة المطلقة هي التي تصنع الجماهير وتفرض عليها رقابتها الأيديولوجية الخانقة وتغرس قبضتها الأمنية في رقاب الناس.

ملامح المستقبل العربي

تتحدد ملامح المستقبل العربي على خطوط صدع اجتماعي جديدة، وضمن توازن قوى سياسي بازغ، وعلى نحو مختلف - إلى حد بعيد - عما كان عليه الحال منذ ظهور الدول الوطنية العربية خلال النصف الثاني من القرن العشرين.

إنّ ربيع الثورات العربية فتح أمالاً كبيرة فيما يخص تحرر الأفراد والشعوب، وأعطى فرصة تاريخية وغير مسبوقة لشعوب المنطقة لربح رهان التحرر والتقدم من خلال: تحقيق التنمية، ودعم دولة الحق والقانون، واحترام حقوق الإنسان، والقطع مع الفساد والاستبداد، وإعلاء قيم الحرية والعدالة الاجتماعية، وتجاوز هدر الثروات والطاقات.

الانتقال الديمقراطي ليس مضموناً

لا شك أنّ العالم العربي يعيش مخاضاً غير مسبوق فيما بات يُعرف بربيع الثورات العربية، ولكن ككل مخاض تبقى التخوفات واردة، ليس بالضرورة من باب التشكيك بالثورات بل من باب الخوف عليها وأحياناً منها. إذ تدل الشواهد التاريخية بأنّ الحكم على الثورات لا يكون من خلال خروج الجماهير للشارع ضد النظام، ولا من خلال إسقاط رأس النظام، بل من خلال مخرجاتها النهائية، بمعنى التغيير الجذري للنظام سياسياً واجتماعياً واقتصادياً، وأيضا أنّ الثورات لا تؤتي أكلها مباشرة، فقد تحتاج لسنوات حتى تستقر أمورها ويشعر الشعب بأنّ تغييراً إيجابياً قد حدث.

وما نحتاج إليه اليوم هو ثقافة سياسية جديدة، فلا يكفي تغيير حاكم أو ذهابه لنحقق الهدف، وإنما يجب تغيير بنية الثقافة السياسية في المنطقة. إذ أنّ التحدي الأكبر أمام العقل السياسي العربي يكمن في كيفية اشتقاق مناهج وأدوات للموازنة بين الثورة والتغيير من جانب والحفاظ على الاستقلال الوطني من جانب آخر، وكيفية التوفيق بين المأمول من ثورة تحرر الوطن من ربقة عبودية الاستبداد والحفاظ على وحدة الشعب من جانب و تجنيب البلاد من مخاطر نزعات الهويات الفرعية ما قبل الوطنية.

والأمل كبير بأنّ هذا الطور الانتقالي سيفضي إلى قيام نظم تعيد إنتاج الدولة والسلطة والمجتمع في حاضنة المواطنة وحقوق الإنسان والمساواة والعدالة والدولة المدنية، التي تكفل حريات المواطنين بغض النظر عن دينهم أو انتمائهم الطبقي أو أصلهم، وتعاملهم كذوات قانونية حرة متساوية في الحقوق والواجبات، وفي فرص العمل والتعليم والتقدم. وكيفما ستجري الأمور، ستبقى تونس في خاتمة المطاف هي المرجعية الدستورية والديمقراطية الأولى التي سترنو إليها الشعوب العربية.

خاتمة

إنّ الشباب العربي، التواق إلى نيل حريته وكرامته المسلوبة والتمتع بالعدالة، يرنو إلى دولة مدنية ديمقراطية تحترم حرية وكرامة بناتها وأبنائها وتقف على مسافة واحدة منهم جميعاً، على أساس مبدأ المواطنة بصرف النظر عن الانتماء للسياسة والدين والعرق واللون والجنس. مما يستوجب أن تنتقل كل قوى الأمة الفاعلة والنخب الفكرية والسياسية منها، على وجه التحديد، من حالة التنظير إلى حالة الفعل الإيجابي بالسعي لتشكيل توافقات وطنية داخل كل قطر عربي، أو ما يمكن تسميته ب 'الكتلة العربية الواحدة من أجل التغيير' حيث يعطى هذا التجسيد العربي من الصلاحيات ومن القدرات ما يؤهله من القيام بعملية إصلاح سياسية شاملة، تهدف إلى صياغة رؤى فكرية معاصرة تتعايش مع ثوابت الأمة وتنطلق مع العصر لبناء مؤسسات المجتمع المدني وإرساء قواعد دولة الحق والقانون وانتهاج الديمقراطية مساراً والتعددية ثراء وإغناء للحياة العربية، واعتماد الحرية متنفساً إنسانياً للتعبير والنقد البنّاء والمشاركة الخلاقة، وإشاعة روح البحث العلمي في كل ميدان من الميادين وإتاحة المناخات الصحية التي تفجر طاقات المبدعين من أبناء الأمة.

فهل سنتمكن من محو الأمية وتأمين مقعد دراسي لكل تلميذ؟ هل سنقضي على الرشوة وأنواع الفساد؟ هل سنعمل على تشكيل رأي عام عربي فاعل؟ هل سننعم بانتخابات شفافة ونزيهة؟ هل سنترك للإعلام الحرية اللازمة ونسمح له بالعمل حتى ولو تعارض مع مصلحة زعيم أو رئيس؟ هل سنضع قوانين عصرية تعطي المرأة كامل حقوقها المدنية؟ هل سنجهر بانهيار حقبة عربية بأزمنتها ورموزها لكي يكون بإمكاننا أن نرمم أو نعيد بناء عروبة جديدة وإنسان عربي جديد، بحيث لا نترك الإنسان العربي محبطاً ويائساً؟

' كاتب وباحث سوري مقيم في تونس

=================

أعداء الثورة السورية

القدس العربي

عدي الزعبي

16-12-2011

'يعيش بيننا قوم يتصورون أنهم العدو الأول للصهيونية العالمية... انظر كيف يرون الصهيونية...يرونها القوة التي شكلت التاريخ البشري متنكرة في كل عصر في القناع الذي يناسبه...هذه هي صورة الصهيونية كما تتمثل في عقول الصناديد من أعدائها، لقد رفعوها إلى منزلة الألوهية ...' نجيب محفوظ

الهجوم الشرس، وبالاسم، على برهان غليون، رئيس المجلس الوطني السوري، من قبل حسن نصر الله، زعيم حزب الله، والشاعر سعدي يوسف، الشيوعي، يستحق الوقوف عنده. ما الذي يجمع نصر الله ويوسف، ويفرقهما عن غليون؟

يرى نصر الله ويوسف في الثورة السورية جزءاً من مؤامرة كبرى تحاك ضد المنطقة. نصر الله دعم علناً ثورات الربيع العربي الأخرى، أما الشاعر فقد انتقد الحراك بمجمله: الشباب العربي دجاج تحركه أمريكا، كما عبّر في إحدى قصائده.

يرى هؤلاء أن المهمة الوحيدة التي يجب إنجازها هي التصدّي للغرب. لكي تكون هذه المهمة ممكنة، يجب التغاضي عن كل الأخطاء التي يرتكبها من يتصدى للغرب. تعذيب أطفال درعا، وجز حنجرة القاشوش الشهير وغياث مطر، تدمير منزل الناشط الساروت واغتيال أفراد من عائلته، اقتحام المساجد وإحراقها، حصار المدن السورية، الدوس على رقاب البشر، وما إلى ذلك من ممارسات يومية في سورية الممانعة والصمود، هي أمور ثانوية. من واجبنا ، كعرب نتصدى للمشروع الغربي، التغاضي عنها. من ينتقد هذه الفظائع، عميل للغرب. لا حلول وسط: إما أن تكون في صف الغرب، أو في صف الممانعة. برهان غليون، والمجلس الوطني، وكل ثوار سورية، عملاء للغرب.

تشكل هذا الرؤية جزء من أدبيات أعداء الثورة السورية. نجد بين هؤلاء إسلاميين وقوميين ويساريين. أود هنا مناقشة نقطة أساسية في هذه الرؤية. ليست المشكلة في هذا الطرح أننا نختلف معهم في وجود مشروع للسيطرة على المنطقة بأكملها. المشكلة هي تخوين السوريين وثورتهم، والتعامي عن الفظائع المرتكبة بحقنا. بكل الأحوال، لقد قيل هذا مراراً. النقطة التي أود الإضاءة عليها هي التالية: القوة الأسطورية التي يسبغها أعداء الغرب على الغرب.

يبدو أن نصر الله ويوسف وبعض الممانعين لا يرون أي تحرك أصيل إلا بوجود أياد خارجية. لا يستطيع هؤلاء قراءة التاريخ إلا من منظور العداء للغرب. هكذا يُختزل التاريخ إلى محاولات غربية للسيطرة ومقاومة مشروعة من طرفنا. لا يبدو احتمال أن يتحرك العرب بقرار ذاتي وارداً. تحوّلت ممانعة الغرب عند هؤلاء إلى عملية تأليه للغرب. من هنا كان دعم النظام السوري، أو السكوت عن أخطائه، يعتبر واجباً. كان لانفجار الثورة السورية وقع الكارثة: إما أن ندعم الشعب السوري، أو النظام. هكذا تعرّضت الرؤية التي يتبنونها لامتحان أخير. الجواب كان ملفتاً: صمت البعض، كحماس. في حين أعلن البعض خيارهم: نقف مع النظام السوري في مواجهة الشعب، كنصر الله، وبشكل موارب، يوسف.

في ظل الرؤية الأسطورية لقوة الغرب، كان على نصر الله ويوسف أن يراجعوا منطلقاتهم. إما أن يكون الشباب السوري استفاق من سبات طويل، أو أنهم آلات غبية يحركها الغرب. لم يستطع هؤلاء قبول الخيار الأول. لقد استفاق الشعب السوري. نحن من يصنع التاريخ ويحركه. الرؤية الأسطورية لقوة الغرب، خاطئة. يمتلك العرب قدرة ذاتية على تحريك الأحداث وتوجيهها. نستطيع هنا أن نشير بفخر إلى شباب الثورة المصرية. حتى لو وجدت صفقة بين أمريكا وقيادات الجيش المصري، تقضي بتنحي مبارك لتجنيب البلد الفوضى، فالدور الرئيسي في تنحي مبارك كان لشباب الثورة. نرى الآن الإصرار على إعادة الجيش إلى ثكناته.

أثبت الربيع العربي خطأ النظرية القائلة بغياب العرب عن مسرح الأحداث. هذه فرصة تاريخية لنا كي نغير التاريخ. أكثر من ذلك، يشكل الربيع العربي ملهماً للشباب في الغرب نفسه. يتعلمون قيمة المشاركة في صنع التاريخ. بشكل مباشر، كان الربيع العربي ثورة ثلاثية الأبعاد: ضد الغرب والديكتاتوريات العربية وشكل خاص من الإسلام السياسي الرافض للانتخابات. لم يقرأ أعداء الثورة السورية أبعاد هذه الثورة، بسبب تمسكهم بالرؤية الأسطورية لقوة الغرب.

في الوقت الذي يؤكد الشباب العربي استقلاليتهم عن الغرب، ويقومون بالثورة ضد الديكتاتوريات، ويدعون الإسلاميين للمشاركة بالانتخابات، يرى أعداء الثورة السورية أن الشباب السوري تحديداً مرتبط بالغرب. لذلك، فإن أحد أبعاد الثورة السورية، هي الثورة على هذه الرؤية.

الثورة السورية تشكل نهاية لمفهوم القوة الأسطورية للغرب، ونهاية لدعاتها. سواء أكان هؤلاء متأسلمين أم يساريين أم قوميين. اجتمعت هذه الأطراف الثلاث على مسلّمة عبادة الغرب. ترافق ذلك مع الرهان على أنظمة فاسدة، وعدم ثقة عميق بالشعب، وعدم اكتراث بكرامته ومعاناته.

الثورة السورية قلبت الأولويات. الأولوية الرئيسة هي كرامة المواطن السوري. لا شيء يبرر اعتقال السوريين وتعذيبهم والتنكيل بهم. المسؤول الأول عن هذه الممارسات هو النظام. من يستطيع تغيير النظام هو السوريون أنفسهم. سواء تحالف النظام مع الغرب، أم كان معادياً له، فالشباب السوري مصمم على استرجاع كرامته. الغرب، له قوة ثانوية في هذا الصراع. الكلمة العليا هي للشعب السوري.

يبقى في النهاية الخيار الثاني، لنسلّم جدلاً بأن الشباب السوري مخدوع وتحرّكه القوى الغربية السحرية، هل يستحق هذا الشباب التنكيل اللاإنساني الذي يتعرّض له؟ كنّا نتمنى من منتقدي المعارضة السورية، وهي معارضة مشتتة تستحق النقد، أن يجيبوا على هذا السؤال. بالنسبة لآلاف الشباب السوري، الجواب واضح وقطعي. لا. حتى لو اختلفنا مع المعارضة السورية على الممارسات والتنظيرات والمؤتمرات التي تشي بضعف أصيل، فإننا لن نقبل بما يجري في سورية. من هنا، يبدو لنا أن انتقاد المعارضة السورية بهذه الطريقة، لا أخلاقي. الطرف الذي يجب أن ننتقده هو النظام. الدفاع عن المعارضة السورية في وجه منتقديها واجب أخلاقي، إذا تضمّن هذا الانتقاد تبريراً للفظائع المرتكبة بحق السوريين، كما في حالتي نصر الله ويوسف.

أعداء الثورة السورية أسرى رؤيتهم للغرب كقوة أسطورية تحكم العالم، وبهذا فهم يبخسون قيمة ومقدرة الشعب السوري. من بين الثورات العربية، تشكل الثورة السورية تحديداً نهاية لهذه الرؤية. من يصنع التاريخ هم أبناء وبنات سورية، وليس الغرب. لم يسأل أطفال درعا أو غياث مطر أو القاشوش أو بلال الكن أو ابراهيم عثمان عن موقف الغرب من الثورة. لم يكترثوا. الثورة لها أولوياتها، والغرب بجبروته، مع من يراه قوة أسطورية، ليس بين هذه الأولويات. الأولوية هي كرامة المواطن السوري، فقط لا غير.

' كاتب من سورية

=================

من الإضراب العام إلى المقاومة المدنيّة الثوريّة

القدس العربي

سمير العيطة

16-12-2011

الإضراب العام نحو العصيان المدني هو أعظم تحيّة يقدّمها الشعب السوري في الذكرى السنويّة لانطلاقة 'الربيع العربي'، 17 كانون الأوّل/ديسمبر يوم أضرم طارق الطيّب محمّد البوعزيزي النار في نفسه أمام بلديّة سيدي بوزيد. تحيّة ترفع قيم هذا الربيع عالياً: أنّه ربيع سلميّ وليس ربيعاً عسكريّاً، وأنّه ربيع تضامن بين أطياف المجتمع تحمي بعضها بعضاً وليس ربيع مطالبات بتدخّل أجنبيّ، وأنّه ربيع حشد جماهيريّ لقلب موازين القوى داخل البلد وليس ربيعا إقصائيّا، وأنّه ربيع مجتمع يفرض طريقه نحو الحرية والكرامة وليس ربيع سياسيين مهما كان صدق نواياهم، وأنّه ربيع ديمقراطية وتعدديّة وشعارات وطنيّة جامعة وليس ربيع فكرٍ أحاديّ وألاعيب قوى خارجيّة.

أن يعود ربيع سورية إلى قيمه الأولى بعد تسعة أشهر من القمع والقتل والاعتقال والتنكيل، تحدياً لما تدفعه إليه السلطة القائمة من طائفيّة وعسكرة واستجداء لقوى خارجيّة لهو خير دليل أنّ الشعب السوري عظيم. إنّه رسالة قويّة صارخة من المنتفضين إلى من بقي موالياً أو خائفاً... إنّ الشعب السوري سيصنع التغيير بقواه الذاتية وبتضامن أبناء بلده بين بعضهم وأنّ السلطة القائمة قد سقطت لأنّ ليس لديها سوى السلاح والرياء.

نشأت فكرة الإضراب العام في بريطانيا في أوائل القرن التاسع عشر، كعيدٍ وطنيّ جامع لكلّ الطبقة العاملة، ينقل النضال المطلبيّ من نضالٍ محليّ إلى صراع شامل لنصرة كلّ العاملين. لكنّ الفكرة لم تأخذ كلّ مضامينها وفعلها إلاّ أوائل القرن العشرين: انّ النضال ينتقل عبر الإضراب العام من معركة اقتصادية بين عمّال في مصنعهم ومشغّلهم إلى معركة سياسية شاملة ضدّ كلّ الطبقة المهيمنة. هكذا أتت المناداة بالإضراب العام كأداة سياسيّة بالضبط حين انتقلت الرأسمالية من تلك التنافسية المنفتحة إلى رأسمالية الاحتكارات أو رأسمالية الدولة. كان القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين هو عصر الانتفاضات والثورات في أوروبا والولايات المتحدة. وخلال هذا العصر برزت مراراً الدعوة للإضراب العام كسبيل للتغيير السياسي الشامل. إلاّ أنّ النقاش احتدم بين حاملي الأفكار الثورية حول السبيل الذي يمكن أن ينتقل عبره نضال ٌاقتصادي وإن كان شاملاً، نحو التغيير السياسي: من يجب مثلاً أن تكون له الريادة أهي النقابات أم الأحزاب السياسيّة... الثوريّة؟ وكان جوهر النقاش يحتدم دوماً حول كيفيّة حشد الجماهير كي يتوسّع الاحتجاج ويصبح شاملاً، وحول كيفيّة تحويل انتصار الحركة على الأرض عبر الحشد إلى انتصار سياسيّ.

روزا لوكسمبورغ هي التي أعطت هذا المضمون السياسيّ بامتياز للإضراب العام في كتابها 'الإضراب العام والحزب السياسي والنقابات' في 1906. حيث قالت فيه: 'في كلّ مكان هناك أجواء من الريبة والترقّب. وسبب ذلك هو حقيقة بسيطة، هي أنّ الإضراب العام، وإذ استخدم وحده، قد انتهى مفعوله. والآن فقط حركة مباشرة وشاملة على كلّ المستويات في الشارع هي التي ستأتي بالحلّ'. إلاّ أنّ الحركة المباشرة والشاملة التي أطلقتها فشلت وقمعت بعنف من قبل الجيش الألماني. إلى أن أتى تروتسكي في 1934 وحلّل هذه التجربة ليشرح شروط نجاح الإضراب العام كوسيلة للتغيير: أنّها ترتبط بكيفيّة تنظيم الإضراب (اللجان على الأرض أي التنسيقيات في التعبير السوري اليوم - وترابطها مع بعضها) وكيف يدافع هذا الإضراب عن نفسه (أي الجماهير الذي يجب أن تحشد لحمايته)، ثمّ كيف ينتقل الأمر إلى تقويض السلطة القائمة (وخاصّة عبر العلاقة مع الجيش والشرطة والأمن، عبر تحييدها).

تطرح هذه الشروط، كما في حالة أيّة انتفاضة شعبيّة، مسألة التنظيم. ليس حقّاً إشكاليّة وجود قيادة أو جسم سياسيّ يعبّر عن التطلّعات السياسيّة النهائيّة، بل وخاصّةً إشكاليّة التنظيمات المحلّية الشعبيّة اللازمة للحشد ولضمان المعنويّات والاستمراريّة. أي أنّ الأساس هو خلق هذه التنظيمات الاجتماعية المحليّة كي تصبح هي بديلة التنظيمات التي تهيمن عليها السلطة القائمة، وتدير عوضاً عنها نواحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية التي يتطلّبها تطوّر وصمود الإضراب العام كوسيلة للتغيير. لكن هناك إشكاليّة أخرى يطرحها مفهوم الإضراب العام كوسيلة للوصول إلى التغيير السياسي، كانت دوماً هي موضوع الجدل الأساسي، وهي كيفيّة الحسم: هل ينتهي الأمر بتفاوض مع السلطة القائمة على التغيير أم أنّ الحسم يجب أن يتمّ عسكريّاً من قبل جزء من الحراك يأخذ السلطة بالسلاح؟ ولم تنجح معظم المحاولات المتعدّدة للحسم العسكري.

بعد تجارب القرن التاسع عشر، أتى أوّل تطبيق سلميّ كسبيلٍ لحسم الإضراب العام في دولة عربيّة: كان ذلك في مصر في ثورة 1919. ولكنّ أشهر هذه التطبيقات أتى من الهند مع المعلّم المهاتما غاندي. وفي الحقيقة، كان أوّل من طرح هذا السبيل السلميّ هو تورو في 1849، تحت تسمية 'العصيان المدني'، إلاّ أنّ المفهوم شمل حركات متنوّعة، حتّى أنّ غاندي اعطى تسمية أخرى أكثر دقّة لسبيل التغيير السلمي عبر الإضراب العام: وهو 'المقاومة المدنيّة'. بل أضاف المؤرّخون صفة ثالثة على الحركة التي قادها غاندي بأنها 'المقاومة المدنيّة الثوريّة'، لأنّ هدفها كان الإطاحة بالحكم القائم وليس فقط تغيير قوانين. على عكس التجارب التاريخيّة للإضراب العام، تقوم الخاصّة الأساسيّة للعصيان المدني، أو للمقاومة المدنيّة الثوريّة، في أنّ التغيير يأتي في النهاية عبر تفاوضٍ مع السلطة القائمة، أو مع جزءٍ منها على الأقلّ. وهذا بالضبط ما قام به سعد زغلول وغاندي للحصول على الاستقلال. وفي هذا السياق، لا ينظر إلى التفاوض أنّه ضعف أو تنازل، لأنّ ما يحقّق التغيير هو حشد أوسع طيفٍ من المجتمع وراء الهدف الثوريّ وخلف قيم النضال.

وفي الحقيقة، ينطبق توصيف المقاومة المدنيّة الثوريّة على حالات 'الربيع العربي' في تونس ومصر واليمن. في حين لا يمكن توصيف الحالة الليبيّة من هذا المنظور سوى أنّه تحوّل تمرّداً مسلّحاً انتصر في النهاية بفضل عناصر غير ذاتية. انطلق 'الربيع السوري' سلميّاً على غرار ربيع تونس ومصر. إلاّ أنّ شدّة القمع واستطالة الأزمة والتأثّر بالمسار الليبيّ قد حوّله عن منهجه. ومن الواضح أنّ الأمور قد تطوّرت مؤخّراً من انتفاضة احتجاجيّة سلميّة شملت مناطق كثيرة في البلاد، إلى انتفاضة ترافقها أعمال مسلّحة يقودها جزء منشقٌّ ما زال صغيراً من الجيش السوري، وكذلك جزء من الحراك الأصلي، كان في البداية سلميّاً ثمّ اختار العمل المسلّح بعد أن فقد الأمل من إحداث التغيير بهذه الطريقة السلميّة. السلطة هي المسؤولة الأولى أوّلاً وأخيراً عن هذا التحوّل، في تمعّنها في العنف وفي دفعها نحو الطائفيّة واستفزاز مشاعر الكراهية وامتناعها عن التغيير. إلاّ أنّ التساؤل الكبير اليوم هو إلى أن سيقود هذا التطوّر؟ هذا خاصّة مع تحوّل خطاب الانتفاضة عن القيم الأساسيّة الجامعة ونحو المطالبة بالحرب والتدخّل الأجنبيّ؛ وخاصّة أنّ هذا التطوّر المسلّح لم يعد يحصل على إجماع أغلبيّة ساحقة من السكّان، لا لناحية دفاعه عن المدنيين، بل لناحية نوعيّة التغيير الذي يعد به. وصورة الحسم العسكري النهائي الذي يفترضه هذا التطوّر، ودور القوى الأجنبيّة فيه، وعلاقة القوى المنتصرة فيه مع تلك المهزومة هي التي تخلق المخاوف منه وتعمّق أمد الأزمة.

أتت مبادرة الجامعة العربيّة في هذا السياق. إذ أنّ فكرتها الأساسيّة هي إدخال مراقبين بأعدادٍ كبيرة إلى سورية، كي يمنعوا القمع والقتل من قبل قوّات الأمن أو الشبيحة أو الجيش، ويقفوا على إعادة الانتفاضة إلى سلميّتها. حتماً تتملّص السلطة القائمة من تطبيق هذه المبادرة وتناور، مع أنّها وافقت عليها، لأنّها تعرف أنّ نهاية الأمور ستكون خروج جماهير غفيرة إلى الشوارع لتحتلّ الساحات العامّة: أي أن تعود الأمور إلى حالة المقاومة المدنيّة الثوريّة. وحتماً أيضاً تحاول بعض القوى الخارجيّة تغيير طبيعة المبادرة العربيّة عبر إلغاء طابع الحشد الجماهيريّ الذي تفترضه أو العنصر التفاوضي الذي تنتهي به للوصول إلى الغاية.

وأمام هذا المأزق والتأخّر في تطبيق المبادرة، أطلقت التنسيقيّات المحليّة دعوةً للإضراب العام في سورية، تحت شعار 'إضراب الكرامة' في محاولة داخليّة لحشد الدعم للانتفاضة الشعبيّة ولتأصيل مسارها السلميّ. وقد تمّ تصميم هذا الإضراب على مراحل تبدأ على مستوى مناطق الانتفاضة الرئيسية، تتوسّع حتّى المناطق التجاريّة إلى شلّ الحركة التجارية في البلد. تستعيد الدعوة إلى الإضراب الشعارات الوطنيّة الجامعة، بدل تلك المطالبة بالتدخّلات الأجنبيّة أو بعسكرة الانتفاضة. إلاّ أنّ التأصيل الحقيقيّ 'للمقاومة المدنيّة الثوريّة' سيأتي أساساً من خلال العمل الميدانيّ على حشد الدعم الشعبي الواسع للإضراب، حتّى في المناطق التي لم تتحرّك حتّى الآن، وفي تنظيمه وفي خلق مكوّنات استمراريّته وحمايته، وكذلك من خلال التحرّك مع الجيش وقوى الأمن لتحييدها عن القمع.

في هذه الأثناء تستغلّ بعض القوى مفهوم الإضراب العام لدفعه نحو الحسم العسكريّ على طريقة القرن التاسع عشر، مع المخاطرة بأن ينتهي الحال إلى مزيدٍ من التأزّم والدمويّة. في حين ترى قوى أخرى أنّ هذا الإضراب هو السبيل لتأصيل سلميّة الحراك والانتقال إلى المقاومة المدنيّة الثوريّة، وأنّ الجهد المبذول يهدف أساساً إلى حشد القوى التي لم تنخرط في الانتفاضة حتّى الآن، ويشكّل ردّاً شعبيّاً على مماطلة السلطة القائمة في قبول المبادرة العربيّة.

هكذا بعد أكثر من تسعة أشهر من انطلاقة الربيع السوري، ومع تأزّم الأوضاع يوماً بعد يوم في دفع من السلطة القائمة وقوى خارجيّة نحو الاقتتال الأهلي والصراع الإقليميّ، أبرز المجتمع المدني السوري أنّه قادر أن يستعيد المبادرة عبر إطلاق الدعوة للإضراب العام. تتناقض هذه الدعوة في جوهرها مع عسكرة الانتفاضة والتدخّل الأجنبيّ، إلاّ أنّها تستحقّ الدعم الكامل العربي والدولي لإنجاحها للوصول إلى 'المقاومة المدنيّة الثوريّة'. لأنّ ما سينتج عنها هو بالضبط انتصار للمجتمع المدني السوري في أصالته وشموليّته.

' رئيس تحرير النشرة العربية من جريدة 'اللوموند دبلوماتيك'

=================

دور الثورات الأخرى في فهم الربيع العربي

دار الحياة

الجمعة, 16 ديسيمبر 2011

روجر أوين *

نادراً ما تمّ ربط اسم لينين بالنقاشات الدائرة حول الربيع العربي. ولا عجب في ذلك أبداً نظراً لسمعته السيئة بالطبع. إلا أنه كان أوّل من أشاع مفهوم «الشرارة» التي تشعل نار الوضع الثوري حتى أنّه أطلق صحيفة تحمل الاسم نفسه باللغة الروسية «إيسكرا». لماذا تمّ اعتبار إضرام الشاب الفقير محمد البوعزيزي النار في نفسه، ما أدى إلى إشعال الثورة في تونس، أكثر من مجرّد صدفة، في حين أنّ الشرارات الأولى التي أطلقها رجال يائسون آخرون بعد أن أضرموا النار في نفسهم قبل أشهر قليلة لم تسبّب التبعات المأسوية نفسها؟

تمّت مناقشة وجود الوضع الثوري أو عدمه خلال الاجتماع الأخير الذي عقدته جمعية دراسات الشرق الأوسط لشمال أميركا في واشنطن في بداية شهر كانون الأول (ديسمبر). وأشار بعض المشاركين إلى أنّ مسقط رأس البوعزيزي يقع في مناطق غرب تونس الذي يعاني وضعاً مزرياً كما أنه بعيد عن الساحل فيما يميل المواطنون الآخرون النافذون والأكثر ثقافة إلى النظر بدونية إلى سكان هذه المنطقة. كما تطرّق البعض الآخر إلى العملية التي لم تؤدّ فحسب إلى خسارة نظام بن علي شرعيته من خلال إطلاق الدعابات الشعبية باستمرار حول الرجل وحول زوجته الجشعة، بل إلى خسارة دعم كافة المؤسسات التي أرساها النظام نفسه مثل اتحاد نقابات العمّال والمجموعات النسائية. ومن ثمّ تمّ الحديث عن المكوّن العاطفي أيّ التطلعات الحارة نحو الحرية والعدالة والرغبة في رؤية تونس أفضل وأكثر انفتاحاً وحيوية.

وأجمع معظم الأشخاص الذين حضروا المؤتمر أنّ سقوط النظام بالنسبة إلى عدد كبير من التونسيين كان كافياً مع الوعود بتوزيع متساوٍ لموارد الدولة من دون الحاجة بالضرورة إلى إرساء نظام ديموقراطي مكانه. ونجد في هذا الإطار تأثير ثورتين أخريين هما الفرنسية والأميركية. فيقدّم كلاهما دليلاً على المرحلة التي يجب أن تلي الإطاحة بحاكم استبدادي أي إرساء دستور جديد وإجراء انتخابات. وساهم القرار باتباع هذا الجدول في دفع مصر وليبيا وتونس إلى أحضان تاريخ العالم بدعم أوروبي وأميركي. ويمكن القول بالطبع إنه لولا هذا الجدول وهذا الهدف، لتحوّلت الحركات الثورية إلى إرباك وربما إلى نزاع داخلي.

لقد بدأت المشاكل من هنا. فمن جهة، يعني إنشاء ديموقراطية تعدّدية فاعلة اطفاء معظم الزخم الثوري إلى جانب تأجيل معظم رغباته الطموحة في قيام نظام ينسخ نظام مبارك أو القذافي أو بن علي بما في ذلك جهاز الشرطة والمحاكم والمؤسسات التعليمية. وتسبّب ذلك في فشل عدد كبير من الثوّار الشباب في ميدان التحرير في تحويل مثاليتهم إلى مكاسب سياسية متينة خلال الانتخابات المصرية الأخيرة.

من جهة أخرى، بما أنّ الانتخابات الحرّة الأولى أفادت كلّ تنظيم له قاعدة انتخابية وطنية وأهداف سياسية، لم يكن ممكناً تفادي ظهور الحركات السياسية الشعبية لا سيّما أنّ ما ساهم في ذلك هو وقوعها ضحية النظام الاستبدادي السابق وعدم تأثّرها بممارساته الفاسدة والوحشية.

وهذه ليست نهاية القصة. فقط الثوار مثل لينين وجورج واشنطن يعرفون إن عملية إعادة صناعة النظام السياسي تتطلب وقتاً طويلاً وتتخللها تقلّبات من دون أن يكونوا أكيدين مما إذا كانت ستؤدي إلى قيام ديموقراطية فاعلة أو ديكتاتورية حزب واحد، أو ربما إلى بروز شبيه بنابوليون بونابارت. فعلى رغم استخدام بونابرت الذخيرة الحية لإخلاء شوارع باريس من الثورات المضادة فقد اعتبر ان تلك طريقته الخاصة لحماية الثورة من نفسها.

لكن، يشير التاريخ إلى أنّ ذلك لم يضع حدّاً للثورة لا سيّما أنّ التقليد الثوري في فرنسا شهد انتفاضات إضافية ومشاكل دستورية أخرى على غرار ما حصل في مصر عام 1919 وعام 1952 ومن ثمّ ما حصل عام 2011 في ميدان التحرير الذي اطلق عليه عبد الناصر هذا الاسم للاحتفال بانتصار الثورة. والأهمّ هو أنّ كلّ ثورة جديدة جلبت شكلاً تنظيمياً خاصاً بها فأنتج ميدان التحرير حركة ثورية متعمّدة وجديدة لجهة افتقارها إلى قائد وإلى برنامج واعتمادها على شبكات وعلى شغف التنظيم الذاتي على حدّ تعبير مشارك في مؤتمر جمعية دراسات الشرق الأوسط.

اما بالنسبة إلى البلدان العربية التي لم تشهد ثورات ناجحة بعد، فيجب ذكر نقطتين مهمّتين. الأولى هي تقاليد الاحتجاجات الشعبية الدائمة التي يبدو أنها تعدّ في الجزائر والمغرب والأردن منفذاً للمطالب الشعبية من دون أن تتحوّل إلى حشد كبير على غرار ذلك الذي شهدته بعض البلدان المجاورة. أما النقطة الأخرى فهي نقل تقنيات التظاهر من بلد إلى آخر مثل القرار الذي اتخذته مجموعة كبيرة من الأشخاص بارتداء لباس باللون الأبيض في يوم خاص وكانت تونس رائدة في ذلك ويبدو أنّ هذا الأمر انتقل سريعاً إلى دمشق.

وبالعودة إلى لينين، وبصرف النظر عن مفهوم انتظار الشرارة الأساسية لإشعال وضع ثوري، يمكن تذكر أقواله بأنه لا يجدي أن يكون المرء ثائراً إلا في اذا كان متفائلاً ومؤمناً إيماناً شديداً بأن الثورة يمكن أن تحصل وستحصل. ويحتاج الشرق الأوسط إلى تفاؤل مماثل للتأكد من أنّ كافة الأمور ستسير على ما يرام وأنّ الربيع العربي لن يليه خريف أو حتى شتاء في مصر وتونس وليبيا ناهيك عن سورية واليمن كما حصل في روسيا لينين. وثمة أسباب كثيرة تدعو الى افتراض أنّ الرغبة في التغيير متجذّرة بشّدة في العالم العربي إلى حدّ أنه لا يمكن العودة إلى الوراء.

* اكاديمي بريطاني - جامعة هارفارد

=================

التقرير والمقابلة

دار الحياة

الجمعة, 16 ديسيمبر 2011

حسام عيتاني

إذا وُضع تقرير منظمة «هيومان رايتس ووتش» إلى جانب مقابلة الرئيس بشار الأسد التلفزيونية، لأمكن عبر المقارنة، تشخيص بعض من أعمق علل المجتمعات العربية وسياسات الأنظمة التي تحكمها.

من جهة، نرى القمع العاري المجنون الذي تمارسه طغمة مسلحة ضد متظاهرين مدنيين. نقرأ شهادات الحراس والجنود الذين تولوا ضرب المعتقلين وسرقة البيوت في القرى المنتفضة. نسمع قصص الضباط المنشقين الذين لم يستطيعوا سوى تنفيذ أوامر قادتهم بفتح النار وإنهاء الاحتجاجات «بأي طريقة» (وهي العبارة التي استخدمت عنواناً للترجمة العربية للتقرير). نرتعد خوفاً لشهادات الجنود الذين راقبوا الأطباء والممرضات يعذبون المعتقلين المصابين. نندهش لقصة إعدام المجند يوسف برصاص زميله القناص بسبب تعمد المجند إطلاق الرصاص في الهواء وليس على رؤوس المتظاهرين في دوما، محاولاً التهرب من أوامر السفاحين.

لقد تلقى المجندون والضباط، وفق الشهادات، تطمينات رؤسائهم إلى أنهم لن يُحاسبوا لا على تبديد الذخائر ولا على تبديد الأرواح. «أقتل ولك تحياتي»، كان يقول لسان حال الضباط الذين أورد تقرير المنظمة الدولية أسماءهم ورتبهم. 74 مجرم حرب أضيفت أعمالهم التي يندى لها الجبين إلى اللوائح السابقة التي تضم عتاة القتلة في الأجهزة القمعية المختلفة.

في مقابل هذه الصورة الكالحة السواد، يريدنا الرئيس السوري في مقابلته مع شبكة «أي بي سي» تصديق أن «الجهات المختصة» لا تقطع خيطاً إلا بالاستناد إلى مواد القانون والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، رغم إقراره أن سورية «ليست بلداً ديموقراطياً» وأن «أخطاء فردية» ربما تكون قد وقعت أثناء التصدي ل «العصابات المسلحة». ومع أن القانون السوري الحالي ليس آية في التسامح أو العدالة، قبل وبعد رفع حال الطوارئ، إلا أن المواطن السوري العادي يعلم أين يقع القانون في أولويات الأجهزة المتنفذة.

يريد النظام في دمشق إقناع العالم، قبل مواطنيه، بالتزامه حسن السير والسلوك وأن أكثرية الضحايا وقعوا بنيران المجموعات السلفية المؤتمرة بأوامر الخارج المتآمر. فالنظام الذي اعتاد إلى حدود الإدمان احتقار السوريين والتعامل معهم ككمٍ مهمل، لا يماري في سعيه إلى سحق كل معارضيه جسدياً وسياسياً، لكنه يخشى من ردود فعل الخارج، وهو ذات الخارج الذي يتهمه النظام ليل نهار بالتآمر عليه.

دعونا من التناقضات الساذجة التي يوقع النظام ومستشاروه أنفسهم فيها، ولننظر إلى ما يتجاوز الصورة المزدوجة أو بالأحرى المصابة بالفصام التي يريد الحكم تقديمها إلى الداخل والخارج: القاتل في نظر معارضيه والضحية أمام العالم. يتعين التأكيد أن نظاماً يتبنى لغتين وخطابين، لا يتمتع بثقة كافية بالنفس ناهيك عن انعدام الثقة ببقائه في موقعه إذا تخلى عن توسل القمع والقهر في تعامله مع مواطنيه.

وما من قارئ للتقرير ومشاهد للمقابلة، يستطيع تكذيب الأول والاعتراف بصحة ما ورد في الثانية. ويفتح ذلك أمام الجمهور العربي باباً واسعاً للتساؤل عن صدق سلطاته في كل ما تقول وتعلن واعتبار كذبها ومراوغتها الحقيقة وطمسها والهروب منها، هي الأساليب المعتمدة قاعدةً عند السلطات الحاكمة.

يكفي السلوك هذا، لتصور الحجم الهائل من الأكاذيب التي تنشرها الأنظمة العربية، في سورية وغيرها، منذ عقود طويلة، عن سياساتها وتحالفاتها حتى يطالب السوريون بالتحرر مما باتوا يطلقون عليه، محقين، «الاحتلال الداخلي»، وفق التسمية التي يرددها الرئيس التونسي الجديد المنصف المرزوقي.

=================

أوهام الأسد السوري

الشرق الأوسط

16-12-2011

ماذا يفعل المرء عندما تنفد حججه؟ بالنسبة لبعض المثقفين العرب والإيرانيين فالجواب بسيط، ويتلخص في أن يصم المرء خصومه بأنهم «عملاء» لقوى أجنبية، وقطع شطرنج في «مؤامرة» تحاك في الخارج.

وهذا هو ما حدث في عام 2009 عندما خرج الملايين من الإيرانيين إلى الشوارع للاحتجاج على الانتخابات الرئاسية التي حكموا عليها بأنها كانت مزورة.

وحيث إنه لم يكن هناك أي تحقيق مستقل في هذه المطالب، فلم يتمكن أحد من تأييدها أو رفضها. ولكن الأمر المؤكد، مع ذلك، هو أن الملايين الذين خرجوا إلى الشوارع كانوا مواطنين إيرانيين عاديين شعروا بالمهانة بسبب التزوير الانتخابي الذي تم على نطاق واسع، ولم يكونوا «عملاء» لأحد.

وعلى الرغم من ذلك، فإن المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية، آية الله علي خامنئي، لم يكن ببساطة يريد أن يفهم، أو لم يستطع أن يفهم هذه الحقيقة، حيث قام هو وحاشيته، بعد أكثر من عامين من ذلك التاريخ، بتحويل روايتهم الخاصة للأحداث إلى نص مقدس لا يرقى إليه الشك. ونظرا لأنهم قد أصبحوا أسرى نظرتهم العقائدية، فإن خامنئي وحاشيته لم يعودوا قادرين على تحليل ما حدث، ناهيك عن قدرتهم على القيام بوضع سياسات للتعامل مع العواقب.

ونحن نشهد الآن، مع دخول الانتفاضة السورية شهرها التاسع، محاولة مماثلة للهروب من الواقع من جانب الرئيس السوري بشار الأسد وحاشيته، فبعد أن نفدت حججهم، عمد بعض مؤيدي الأسد إلى استخدام الحيلة القديمة المتمثلة في وصم خصومه بأنهم «عملاء» و«متآمرون».

وفي المقابل، فإن أحد الخيارات المتاحة هي وصم الذين يصمون الآخرين بأنهم «عملاء» لقوى أجنبية، بأنهم هم أنفسهم «عملاء لنظام الأسد» في «مؤامرة تحاك من دمشق»، ولكن هذه الشتائم المتبادلة لن توصلنا في النهاية إلى شيء.

وتمر سوريا حاليا، في حقيقة الأمر، بأعمق أزمة في تاريخها كبلد مستقل، وليس هناك من ينكر حقيقة أن الأسد لا يستطيع، أو لا يريد مجرد التفكير في إيجاد حل سياسي لهذه الأزمة، فتصريحاته الأخيرة والمقابلات التي أجريت معه مؤخرا تشير إلى أنه قد وضع كل البيض الذي معه في سلة القمع الوحشي، بعدما قرر، أو بعدما جعله آخرون يقرر، أن القوة هي الشيء الوحيد الذي من الممكن أن ينقذ نظامه.

ومن المفارقات أن الأسد نفسه قد يكون يمهد الطريق أمام التدخل الأجنبي في سوريا دون أن يدري، مثلما فعل معمر القذافي في ليبيا، وصدام حسين في العراق، وهو يفعل ذلك من خلال ثلاث طرق:

أولا، تهديد أمن الدول المجاورة، ولا سيما الأردن، وتركيا، من خلال قيام الأسد بتعميق الأزمة السورية، إلى جانب قيامة بخلق حالة من عدم الاستقرار في منطقة بلاد الشام، حيث يؤدي عدم الاستقرار في أحد البلدان، في كثير من الأحيان، إلى انجرار البلدان المجاورة إلى صراع لا يعنيهم من البداية. وهذا هو ما حدث مع فيتنام الجنوبية في الفترة من 1950 إلى 1975، ومع أفغانستان عقب الغزو السوفياتي في عام 1979.

وثانيا، اعتماد الأسد بشكل متزايد على دعم من الجمهورية الإسلامية في طهران، حيث وصفت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية، «إيرنا»، الوضع في الأسبوع الماضي بأن «سوريا في ظل الرئيس بشار الأسد هي جزء من المحيط الدفاعي للجمهورية الإسلامية ضد أعدائها»، وإذا ما قمنا بصياغة هذا الوصف بشكل أكثر بساطة سنجد أن إيران قد تورطت بالفعل في الأزمة السورية، ولن يكون من المدهش، بالتالي، أن يعتبر خصوم إيران سوريا ساحة قتال.

وثالثا، قيام الأسد بجعل الأمور أكثر صعوبة بالنسبة للحوار الوطني الذي يسعى للبحث عن مخرج سلمي للأزمة، من خلال تعزيز الادعاء بأن الأزمة السورية هي جزء من صراع أوسع نطاقا بين قوى خارجية متنافسة.

ونظرا لأن الأسد يرفض «الحل السوري» للأزمة، بعد أن رفض «الحل العربي» من قبل، فإنه لم يتبق أمامه سوى الأمل في حل عسكري أمني، مبني على أساس الفرضية القائلة بأنه إذا قتل ما يكفي من الأشخاص، فإن الأمور ستبدأ في الهدوء.

ولا يفعل المدافعون عن الأسد، الذين يشجعونه على تصديق أوهامه، سوى أن يعطوه المزيد من الحبل لكي يشنق به نفسه، حيث يعتقد أولئك المدافعون أنهم سوف ينجحون في إقناع الجماهير السورية بالكف عن إزعاج النظام، من خلال وصم الزعماء المؤيدين للديمقراطية بأنهم «عملاء» ووصم الثورة بأنها «مؤامرة»، ولكن ذلك قد يؤدي إلى حدوث تأثير معاكس من خلال إقناع مزيد من السوريين أن هناك حاجة إلى مساعدة خارجية وأنه ينبغي الترحيب بها من أجل التخلص من النظام، حيث إن الناس الذين يتم دفعهم للثورة حتى تأخذهم حماسة التمرد لا يفكرون مرتين في مصدر العون اللازم للحصول على الحرية.

وقد صاحب معظم الثورات التي نجحت من قبل وجود بعض الدعم من الخارج، على الرغم من صعوبة تحديد مدى كون هذا الدعم حاسما في نجاح هذه الثورات أم لا.

فلو سألنا الفرنسيين، على سبيل المثال، فإنهم سوف يقولون لنا إن الثورة الأميركية، التي كان من نتائجها ظهور الولايات المتحدة، كانت نتيجة استراتيجية فرنسية تهدف إلى إضعاف إنجلترا، حيث شارك المئات من ضباط الجيش والمخابرات الفرنسيين في هذا المشروع.

ولو سألنا الإنجليز بعد ذلك فسيقولون لنا إن الولايات المتحدة، التي كانت حديثة النشأة، قد ساعدت في إثارة الثورة الفرنسية بمساعدة من شبكة جماعة «المتنورين» الأوروبية.

وألم يقم الألمان بشراء تذكرة القطار للينين، في الآونة الأخيرة، ومساعدته على العودة إلى روسيا في الخفاء لإشعال الثورة؟

وكان الشاه في إيران مقتنعا في عام 1979 أن الثورة الإيرانية «مؤامرة» حاكتها الولايات المتحدة بقيادة جيمي كارتر، ونفذها «عملاء» لبريطانيا وروسيا.

وقد سمعنا القذافي، وبن علي، وصالح ومبارك وغيرهم، وهم يرددون، في الآونة الأخيرة، كلمات، مثل «عملاء» و«مؤامرة».

إن ما لا يفهمه المدافعون عن الأسد هو العلاقة بين العوامل الداخلية والخارجية في تشكيل الأحداث، حيث إنه إذا كان لدى المرء بيضة وقام بتدفئتها، فإن الأمر قد ينتهي به بالحصول على دجاجة، ولكنه إذا كان لديه حجر وقام بتسخينه، فإنه لن يحصل إلا على حجر ساخن في النهاية، وبالتالي لم تكن أي قوة خارجية تستطيع أن تدفع سوريا باتجاه الثورة، لو لم تكن سوريا تمر بحالة ثورية منذ البداية، ولذا فإن الأسئلة الوحيدة الصحيحة التي ينبغي طرحها هي: ما الذي اضطر سوريا إلى أن تدخل في هذه الحالة الثورية؟ وما الذي يمكن القيام به لمساعدتها على الخروج من تلك الحالة بأقل ضرر ممكن؟

وإذا كانت مشكلة الأسد تتمثل في أن سوريا تمر بحالة ثورية، فإن مشكلة سوريا تتمثل في حالة الإنكار التي يعيشها الأسد.

============================

الربيع العربي والكيان الصهيوني في خطاب شبيحة الأسد

ياسر الزعاترة

الدستور

12-15-2011

لا يترك شبيحة الأسد، ومعهم ومن بينهم الناقمون على الربيع العربي وعلى الإسلاميين كلمة أو عبارة أو موقفا يقبل الاستغلال إلا ويلتقطونه من أجل التشكيك بنضارة الربيع وكذلك بالإسلاميين، بخاصة موقفهم من الإمبريالية الأمريكية والكيان الصهيوني.

ويتوزع القوم إياهم (ثمة تفاوت في المواقف والنوايا) على طيف من اليساريين والقوميين المتطرفين الذين تسكن كثير منهم روحية التآمر ولا يقرؤون ما صرحوا ويصرحون وكتبوا ويكتبون منذ سنوات بعيدة ليكتشفوا “روعة” تحليلاتهم، من دون أن نعدم من بينهم من تفوح من مواقفه روائح الطائفية، وهؤلاء على تفاوت بينهم يشعرون بكراهية خاصة للظاهرة الإسلامية وقواها.

الأهم أنهم يعتبرون أنفسهم أوصياء على الشعوب، مع أنهم أحيانا يزعمون النطق باسمها، فهي برأيهم جحافل من الدهماء التي ينبغي عليها الاستماع لتعاليمهم، هي التي لا تدرك أسرار المؤامرة التي تحاك ضدها، ولا تعرف أن هؤلاء الإسلاميين ما هم إلا عملاء للغرب يلبسون ثياب التقوى والورع!!

لا قيمة ها هنا لاختيارات الشعوب إلا إذا وافقت هواهم، وهم اليوم يعيشون أسوأ أحوالهم؛ لأنهم يجدون أنفسهم معزولين، ليس فقط عن السياق الثوري والانتخابي الذي يحشرهم في الهامش، بل أيضا عن سياق المواقف التي تتناقض معهم، بخاصة حيال الثورة السورية التي لم يتردد الشارع العربي في نصرتها، تماما كما انتصر لسائر الثورات الأخرى.

من يعتقد أن الشعب السوري متآمر وأنه يتحرك ب”الريموت كونترول” من قبل أعداء المقاومة والممانعة يستحق مصحة نفسية أكثر مما يستحق النقاش، لاسيما إذا كان نظيره نظاما قمعيا فاسدا تحكمه أسرة تدافع عن مصالحها؛ حتى حين تتخذ مواقف إيجابية فيما يتصل ببعض قضايا الأمة.

نكتب اليوم بعد ذلك الاحتفاء الاستثنائي بتصريحات منسوبة للشيخ راشد الغنوشي في الولايات المتحدة، إلى جانب تصريحات لبرهان غليون رئيس المجلس الوطني السوري، وقبلها مواقف وتصريحات أخرى أشبعوها كلاما مثل علاقة الصهيوني برنار ليفي بالثورة الليبية.

والحال أن كلام الشيخ الغنوشي الصحيح، وليس الذي تناقلته أبواق النظام السوري وانطوى على بعض التحريف، ليس فيه شيء يستحق الهجاء، فهو تحدث عن أن الدستور التونسي ليس فيه شيء يتعلق بالدولة العبرية والعلاقة معها، وهذا شيء طبيعي، كما أنه لم يكن مطلوبا من الشيخ أن يقول في واشنطن إنه في طور تجنيد الفدائيين لنصرة قضية فلسطين، ويكفي قوله: إن حكومة حماس شرعية وأن الكيان الصهيوني لم يقبل عروض تسوية كثيرة عرضت عليه، وأن “إسرائيل” دولة احتلال.

وفي حين لم يكن برهان غليون موفقا في جزء من تصريحاته المتعلقة بإيران وحزب الله، إلا أن الرجل لا يعبر البتة عن نظام منتخب، وإنما يعبر عن رؤيته الشخصية (لو سئل آخرون في المجلس ذات السؤال لقدموا إجابات مختلفة)، وهو تراجع بعض الشيء حين دعا الإيرانيين وحزب الله إلى التوقف عن دعم بشار الأسد إذا أرادوا علاقة جيدة مع الشعب السوري.

لا يختلف الأمر كثيرا حين يتصل الأمر بالإخوان المسلمين وموقفهم من كامب ديفيد الذي يتلخص في أن تلك قضية قومية يحددها الشعب المصري عبر أطره الدستورية، وأن المعاهدات ليست أبدية بل يمكن إعادة النظر فيها كما قالوا للسيناتور جون كيري، وليس مطلوبا منهم أن يبادروا إلى التأكيد على أنهم سيعلنون الحرب على الكيان الصهيوني ما إن يفوزوا في الانتخابات، كما لم يكن مطلوبا من الليبيين أن يبادروا إلى مثل ذلك بعد تحرير طرابلس لكي يثبتوا أنهم ليسوا تابعين لبرنار ليفي.

ما لا يريد أولئك القوم الاعتراف به هو أن الثورات العربية ليست انقلابات عسكرية يمكن التشكيك بارتباطات ضباطها وعسكرها، وإنما هي ثورات شعبية نابعة من ضمير الشعوب فوجئ بها الغرب والشرق، ولن يكون أمام من يريدون الحصول على ثقة الجماهير سوى القبول بخياراتها، وخيارات شعوبنا معروفة للأسوياء من البشر.

هناك ثورات لم تكتمل بعد، ويرى رموزها أنه من غير الحكمة استفزاز الأعداء الخارجيين، بل لا بد من ترتيب البيت الداخلي أولا، وهذا أمر طبيعي، لكن أحدا لا يمكن أن يقدم نفسه للناس في نهاية المطاف عبر مواقف يرفضونها.

في مقابل الصيد في الماء العكر، يتجاهل أولئك القوم عشرات التصريحات التي تعكس عمق مخاوف الكيان الصهيوني وعموم الغرب من صعود الإسلاميين ومن سقوط بشار الأسد نفسه (عاموس جلعاد اعتبر سقوطه بمثابة كارثة). ولو كانت السطور تستوعب لنقلنا حشدا من المواقف والتصريحات التي تؤكد ذلك، من دون أن نعدم آراءً صهيونية تذهب في الاتجاه الآخر عبر قراءة مختلفة تمني النفس بتدمير سوريا قبل تحريرها من بشار الأسد.

مرة تلو مرة سنظل نكرر، إن شعوبنا بعد أن عرفت طريق الثورة لن تسمح لأحد أن يستعبدها أو يحرف بوصلتها أيا كانت هويته، فكيف إذا كان عليه أن يواجهها كل أربع سنوات أمام صناديق الاقتراع؟!

لن يستمع القوم إياهم لهذا الكلام، وسيواصلون التنقيب في وسائل الإعلام عن تصريحات ومواقف تمنحهم ذخيرة للطخ على ربيع العرب وعلى الإسلاميين في آن، لكننا واثقون أنهم إنما يخاطبون أنفسهم ومريديهم، بينما لا يجدون من غالبية جماهير الأمة غير الازدراء.

=================

لمواجهة العصابات «اللعينة»!

صالح القلاب

الرأي الاردنية

12-15-2011

إذا كانت هناك «فعلاً» عصابات مسلحة «لعينة» هي التي تقوم بقتل العشرات من الأبرياء السوريين وهي التي تحاصر حمص وتشن حرباً دموية لا هوادة فيها على درعا وكل مدن حوران وتزرع الموت في ريف دمشق وفي دير الزور والقامشلي وإدلب وحماه واللاذقية فإنه لم تعد أمام النظام السوري إلاّ الخيارات التالية:

أولاً ,التنحي ومغادرة الحكم وتسليم مهمة حماية البلاد والعباد من هذه العصابات المسلحة «اللعينة» لطاقم آخر ولحزب قائد بموجب المادة الثامنة من الدستور غير هذا الحزب وذلك لأن أهم شروط الحكم بالنسبة لأي رئيس أو حزب هو توفير الأمن والأمان لشعبه وهو صيانة حدود الدولة من أي اختراقات خارجية.

ثانياً ,الاستنجاد ب»الأشقاء» العرب وبالجامعة العربية للقيام بواجب قومي مقدس وحماية دولة شقيقة وعزيزة من هذه العصابات المسلحة «اللعينة» ولعل ما هو ليس بحاجة لا إلى نقاش ولا إلى أسئلة وتساؤلات هو أن طلب العون ,حتى العون العسكري, من الدول الشقيقة ليس عيباً والمعروف أن أكثر من ثلاثين ألفاً من القوات السورية قوات «الردع» ,هذا غير المخابرات ومنتسبي الأجهزة الأمنية المتعددة, بقوا في لبنان نحو ثلاثين عاماً بناءً على قرار عربي وتلبية لصراخ الأشقاء اللبنانيين الذي كان يجري عندهم ما يجري الآن على الأراضي السورية.

ثالثاً ,طلب العون من الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي «سيء الصيت والسمعة»!! لإرسال قوات حفظ سلام وعلى عجل إلى سوريا لردع هذه العصابات المسلحة «اللعينة» وعلى غرار ما كان حدث في دول كثيرة من بينها «هاييتي» وساحل العاج وبعض دول البلقان والكونغو والعديد من الدول الإفريقية والآسيوية فالضرورات تبيح المحظورات وطلب الأمن والأمان ليس عيباً ولا هو عار!!

رابعاً ,لفضح هذه العصابات «اللعينة» ولكشف ارتباطاتها إن ببعض العرب وبأميركا وإن ب»العدو الصهيوني الغاشم» فإنه لا بُدَّ من فتح الحدود السورية أمام وسائل الإعلام لتكون شاهداً على الجرائم التي ترتكبها هذه العصابات البربرية الغاشمة ولتكشف عمَّنْ يقفون خلفها وكذلك فقد كان ضرورياً منذ اليوم الأول ,أي منذ الخامس عشر من آذار الماضي, استدعاء هيئات حقوق الإنسان والصليب الدولي للوقوف على هذه الجرائم ولإحصاء أعداد الضحايا من الأبرياء.. وأيضاً من المعتقلين والمختطفين والمفقودين على اعتبار أنه قد تكون هذه العصابات المجرمة تمتلك سجوناً ومعتقلات على أرض سوريا الحبيبة طالما أن النظام القائم عاجزٌ حتى هذه الدرجة!!.

وحقيقة أن السؤال المحير بالفعل هو كيف من الممكن أن تكون في سوريا كل هذه العصابات المنتشرة من البوكمال في الشرق وحتى اللاذقية في الغرب ومن ادلب في الشمال وحتى درعا في الجنوب وتفعل كل هذا الذي تفعله وترتكب كل هذه الجرائم بينما هناك في هذا البلد العزيز والشقيق والحبيب سبعة عشر جهازاً أمنياً ,هذا غير التي جرى تفريخها بعد انفجار هذه الأحداث, وبينما هناك ضَبْطٌ متواصل لخطوط التماس مع هضبة الجولان السورية المحتلة منذ نحو ثلاثين عاماً ويزيد وذلك إلى حد التندر والقول :أن عصفوراً واحداً لم يستطع اختراق هذه الخطوط على مدى هذه السنوات الطويلة وذلك رغم كذبة «المقاومة والممانعة» التي غدت مكشوفة!!

=================

«ربيع البوعزيزي» يتعثّر في غابة الرعب السورية

الخميس, 15 ديسيمبر 2011

عبدالوهاب بدرخان *

الحياة

بعد غدٍ يمضي عام على الحدث الذي أشعل أضواء «الربيع العربي». تذكروا محمد البوعزيزي وعربته والنار التي أوقدها بجسده ثم امتدت في هشيم المستبدّين. مات قهراً ولم يدرِ ماذا فعل، ولو درى لما صدّق. بل لو درى لصعقه، هو الشاب الهامشي المسكين، كيف تدحرج نظامان قويّان بهذه البساطة، وكيف أن الغلو في الاستبداد تطلّب «الناتو» لاقتلاع دكتاتور ليبيا، وربما يتطلّب أكثر لإنهاء محنة سورية.

لا يغيّر شيئاً أن تكون الرواية الحقيقية لما حصل مختلفة عما قيل آنذاك، اذ كانت عواصف اللحظة العربية تجمّعت وتنتظر، ولم يقدّر أحد أنها ستنطلق من الريف، أي ريف، لكنها هبّت من سيدي بوزيد. كانت إيذاناً بأن التغيير آتٍ على أكتاف أناس عاديين، وشباب لم يتلطّخوا بتشويهات السياسة، ولا من طريق أحزاب سحقها الحكم القائم أو طوّعها ودجّنها. في ما بعد، اهتمّ الإعلام بتظهير وجوه الثورة المصرية، لكن الحدث الليبي تفاعل، كأن من ثاروا وضحّوا بحياتهم ظلوا بلا وجوه ولا أسماء، أما السوري فلا يزال يدفع الى قافلة الاستشهاد أطفالاً ونساء ورجالاً، ولن يكون آخرهم الطبيب ابراهيم ناهل عثمان، الذي ارتكب جريمة كبرى بتفرغه لإسعاف الجرحى المدنيين كي يمنع «الشبيحة» من الإجهاز عليهم إن هم ذهبوا الى المستشفيات.

لكثرة الدم والإجرام والوحشية بالأمس القريب في ليبيا، واليوم في سورية، نسينا محمد البوعزيزي، أو نكاد، تماماً كما ينسى الغارقون في حروب كبرى الوقائع الصغرى التي قدحت شرارتها. لا نزال نحاول فهم ما حصل والإجابة عن أسئلته. كل ما نعرفه انه كان يجب أن يحصل، بل تأخر كثيراً. لم يكن طبيعياً أن تبقى الشعوب في نومتها الدهرية، ولم يكن متوقعاً أن تدوم أنظمةٌ نشأت أساساً ضد طبيعة الأشياء. قد لا يكون ما يعقبها أفضل، ولو خارجاً من صناديق الاقتراع، فهي حتى في سقوطها تتحكم بما بعدها، لكنه سيتعرض سريعاً لمساءلات ساحات التغيير وشبابها. لا شك في أن «ربيع البوعزيزي» أزاح الستار الحديد عن حقائق كنا نعرفها، ومع ذلك فوجئنا بها: لم تتمكن الأنظمة من إلغاء التاريخ أو مسحه، ولا استطاع الاستبداد تغيير طبائع البشر أو إقناعهم بأن الحرية وهمٌ لا يستحق السعي وراءه. هذا ما برهنته سلسلة وقائع: حجارة الانتفاضة الفلسطينية الأولى، ضربة المطرقة الأولى لهدم جدار برلين، انهيار النظام العنصري في جنوب افريقيا تحت وطأة الصبر المانديلي العظيم، انكسار الصمت بعد الصرخة الاولى في تونس، سقوط الخوف في ميدان التحرير، طابور المستشهدين الواحد تلو الآخر على السلم المفضي الى ثكنة بنغازي، صمود الاحتجاج السلمي رغم القصف ومئات الضحايا في صنعاء، و «خربشات» أطفال درعا وما أدّت اليه من سقوط متواصل للموت -الموت نفسه- في سورية...

من أعماق العذاب العربي الطويل خرجت القامات الغاضبة لتباغت نفسها والعالم. وكيفما يكن هذا التغيير، فإنه أنهى عهوداً سُرق فيها الحكم ثم تحوّل هِبةً لعسكريين جعلوا «الحكم الوطني» بمثابة احتلال أجنبي، «انكشاري» أو إسرائيلي، كيفما يكن ما بعدهم، فإنه يعبّر عن مقدار الوعي الذي استطاعت الشعوب تحصيله رغم ضغوطهم الشديدة لإبقائها في الجهل والهوان. في ساعاتهم الأخيرة تفاوتوا في الذل والكبرياء، ويوصف الرئيس اليمني بأنه أكثرهم دهاءً، لأنه استحصل على إعفاء من الملاحقة والمحاسبة، ظاناً بأنه سيُعفى فعلاً، أما الليبي، فقضى بعدما تأكد بأنه تمكن من تدمير البلد، بما فيها مسقط رأسه، ولا يُعرف ما اذا كان السوري يريد لنفسه مصيراً مماثلاً، بل لا يُعرف ماذا يريد أساساً، فهو كأخيه الليبي، لا يتصوّر خياراً آخر غير بقاء نظامه، مع علمه أن هذا لم يعد خياراً، وهو مثل الليبي، يعتبر نفسه «فوق المسؤولية» عما يجري، وإذ قابل قناة «آي بي سي» بقصد مخاطبة الاميركيين، قال: «أنا الرئيس»، كمن يعني «أنا الملك»، وفي الحالين لا يرى الاميركيون «مسؤولاً» آخر سواه، ولو في نظام كهذا، لا هو «جمهورية» بالقيم المفترضة فيها ولا هو «ملكية» في أي حال حتى لو كان الحكم في يد عائلة.

لم يتمكن «ربيع البوعزيزي» بعد من اجتياز غابة الرعب السورية، لكن أياً من رؤوس الأنظمة التي تهاوت لم يستطع أن يهزم شعبه أو يشذّ عن القاعدة الذهبية. وإذ تشابه النظامان الليبي والسوري في تجسيد ارادة القتل لمجرد القتل، فإن السوري تمايز بجعل القتل وسيلة لإعلان بقائه يوماً بعد يوم، لكنه كمن يلفّ حبل المشنقة حول عنقه. ذهب بعيداً في جولات الدم وما عاد يستطيع مجرد التخيّل بأنه سيستمر كما لو أن شيئاً لم يحدث، بل تولى بنفسه نفيَ وتكذيبَ كل ما نُسب اليه سابقاً من حنكة وحسن تدبير أو حتى من قيم استكسبها لنفسه بلا أي سند لها إلا في تراث غابر لم ينتمِ هذا النظام اليه لكنه نجح على الأرجح في تبديده.

منذ طُرحت المبادرة العربية، كان مفهوماً أنها تستهدف مساعدة النظام السوري على بلورة حل متوازن للأزمة، إلا أنه ركّز جهده على احتوائها واتخاذها غطاءً للقتل أو شريكاً فيه، ثم انتقل الى محاولة تضليلها أو تعطيلها بافتعال انقسام عربي، فالذنب هنا ذنب العرب، اذ لم يفهموا أن مطالبتهم ب «وقف العنف» تعني اسقاط النظام وليس ذَنَبه، اذ لم يترك لشعبه -ولا للعرب- سوى استجداء تدخل خارجي لإنقاذ الشعب من حاكمه. ومع ظهور مؤشرات الى أن «الحل العربي» يتجه الى طريق مسدود، وأنه حتى لو حصل اتفاق مفاجئ على ارسال مراقبين، لم يعد «الخروج الآمن» للنظام قيد التداول الآن، بل الخروج الآمن لرأس النظام، وهذا يوشك مفعوله على الانتهاء، فلا يبقى له بعدئذ سوى السقوط الكارثي. كان «سيناريو علي صالح» وارداً ثم طوي، لأن النظام وافق على تسليم كل المؤسسات باستثناء الجيش والأمن، وكان «سيناريو بن علي» وارداً، ولعله لا يزال، لكن الى حين، إذ ان المكابرة مرشحة لتعطيله. وفي هذه الحال لن يبقى سوى «سيناريو القذافي»... ويكون النظام «نجح» في شراء تسعة شهور بثمن دموي باهظ ليبدأ بعدها ما يعتبره معركته من أجل البقاء، لكن حساباته قد تختلف مع أول ضربة جوية يمكن أن يتلقاها متى اصبحت «المنطقة العازلة» أمراً واقعاً تركياً.

=================

حكومة «سوريا...لية»

الخميس, 15 ديسيمبر 2011

حسان حيدر

الحياة

ليس في العالم كله حكومة مثل حكومة لبنان. اطرافها متحالفون نظرياً ومتنافسون على كل شيء عملياً، بل متضاربون. كل منهم يشحذ اسلحته الممنوعة ويوجه ضرباته المؤلمة تحت الزنار الى رفاقه في التشكيلة، وكل منهم يقف بعدها ليعلن ان رأيه يمثل «المصلحة الوطنية» وان الآخرين لا يفهمونه. المكائد على طاولة مجلس الوزراء التي صارت تشبه حلبة الملاكمة، تكاد تنسي لابسي قناع الائتلاف الحكومي ان هناك معارضة في الخارج تتفرج عليهم وتضحك، وان هناك دولاً ترثي حالهم، وأخرى لم تعد تتذكر وجودهم سوى عندما يلتحقون بتصويت لمصلحة الجارة في محفل عربي أو أممي، فيبدون فعلاً حكومة «سوريا...لية».

الاجتماعات الوزارية اشبه بالمسرح العبثي، حيث الشخصيات تتصرف بلا ناظم منطقي وتتخذ مواقف تتخطى المعقول وكل معنى ظاهر. يجمع بين اطراف الحكومة العداء للحريري ويفرقهم كل شيء آخر. يصوتون تأييداً لقرار ثم يقررون اضراباً ضده ويتظاهرون لفرض التراجع عنه. يدافعون عن خطة وضعها واحد منهم للكهرباء ثم يقررون «تأديبه» بقطع «التيار» عندما يخلّ بوعود التقاسم.

ومعظم أبطال المسرحية الحكومية الهزيلة ورعاتها سبق ان ظهروا في مسلسلات الدراما الشامية وإبداعاتها المتلفزة. هناك «القبضاي الشبيح» الذي لا تصير كلمته اثنتين، يتمرجل على الاعداء ليخيف رفاقه، شاهراً سكين «الاصلاح» كل الوقت، لكنه سرعان ما «يلحس» بهوراته اذا ما اومأ اليه «آمر المخفر» برأسه أنِ اهدأْ، فيهدأ. ثم يروح ومريديه المفزوعين يشرحون نظريات بلهاء حول بُعد النظر وترتيب الاولويات والمصالح البعيدة المدى والاهداف الماورائية لتراجعهم المتكرر والممل.

وهناك «البهلوان» الذي يرقص على كل المواقف ويلبس كل المناسبات ويخرج من طربوشه مناديل يبهر بها السياسيين الهواة والمبتدئين، فيجلسون فاغرين افواههم دهشة وإعجاباً وحسداً، حتى بعد ان صارت المناديل كلها من لون واحد باهت.

ثم يأتي دور العابسين المطرقين بلا سبب، والذين يحملون في جيوبهم «أشرف» مسطرة يقيسون بها المواقف والتصريحات، محلية وإقليمية ودولية، وينسبونها الى اعمال «الشيطان الاكبر» ومؤامراته على «الترسانة الإلهية»، مهددين بعظائم الردود، من دون ان يفوتهم التلويح الدائم بفتح ملفات خيالية، والتأكيد على ان تحالفهم مع «القبضاي» لا تهزه ريح، على رغم توجيههم اليه طعنة نجلاء في كل اجتماع تقريباً.

وهناك الكومبارس «المحايدون» الذين لا لون لهم ولا صوت، ينتظرون معظم الوقت سقوط بعض «الجبنة» عن الطاولة فيتناطحون لالتقاطه في صمت وخفة لا تخطئها أعين الآخرين، ولا يضيرهم ان يصفقوا بين الحين والآخر تأييداً لكبار اللاعبين ضماناً لبقائهم في الحلبة.

اما «حَكَم» المباراة الدائمة، فبالكاد يستطيع تفادي اللكمات، قافزاً بين اصحاب الوزن الثقيل، وهو يضع رِجلاً على الحبل مهدداً بالنزول الى صفوف المتفرجين، ورجلاً في الداخل مؤكداً انه باق حتى سقوط المصارع الأخير. يستخدم أحياناً صفارة بالكاد يسمعها هو نفسه، ويبتلعها حيناً آخر. يربت على كتف الساعين للفوز بصلاحياته ويحاول اقناعهم بأن الخسارة افضل، وهمه الوحيد ان يبقى اللقب.

ولأن هذه الحكومة تدين بولادتها الى رغبة سورية طاغية، صار بقاؤها رهناً باستمرار قدرة دمشق على فرض انضباط مكوناتها، وهي قدرة تتراجع يوماً بعد يوم.

=================

لا خيار إلا «التدويل» إذا انهارت المبادرة العربية

صالح لقلاب

الشرق الاوسط

15-12-2011

فَتَر حماس الجامعة العربية تجاه المأزق السوري المتفاقم بعد غضبة عرمرية، ينطبق عليها ذلك المثل القائل «تمخض الجبل فولد فأرا»، فبعد انتعاش الآمال بوضع عربي جديد في ضوء سلسلة التحذيرات والتهديدات التي وجهت إلى نظام الرئيس بشار الأسد، إن هو بقي مستمرا في عملية ذبح شعبه وإن هو بقي يواصل تلاعبه ومناوراته للتملص من مبادرتها المعروفة، بدأت الأمور تتراجع، وقد تلاحقت «المُهَل» التي أعطيت لهذا النظام الذي ازداد إمعانه في ممارسة عنف وصل إلى حد الإبادة والمذابح الجماعية.

كان من المعروف منذ البدايات أن الجامعة العربية، التي بقيت تتفرج على ذبح الشعب السوري شهورا طويلة، ليس لها موقف واحد تجاه هذه الأزمة السورية، وأن بعض دولها منحازة لنظام بشار الأسد، في حين أن دولا أخرى تصر على اتخاذ موقف محايد ولا تريد إطلاقا إقحام نفسها في شأن ترى أنه لا يهمها وأن التعاطي معه سيعرضها إلى إشكالات إقليمية كثيرة أخطرها التصادم مع جمهورية إيران الإسلامية.

لكن، ومع ذلك، ورغم كل عمليات الشد العكسي هذه التي مارستها بعض الدول العربية، متكئة على الموقفين الروسي والصيني غير المبررين إطلاقا، فإنه قد ساد إحساس بأن الجامعة العربية باتت تتخذ وضعية غير الوضعية السابقة التي بقيت تتخذها إزاء أكثر قضايا العرب تعقيدا وخطورة وأنها بصدد أن تصبح صاحبة قرارات حاسمة وتصبح قادرة على ضبط نزوات بعض أنظمتها المتهورة التي أقدامها في الألفية الثالثة ولكن رؤوسها لا تزال هناك في سنوات خمسينات وستينات وسبعينات القرن الماضي؛ وفي مقدمتها بالطبع هذا النظام السوري الذي لم يبق ما يشبهه من أنظمة العالم كله إلا نظام كيم جونغ إيل في كوريا الشمالية.

لقد جاء قرار تعليق عضوية سوريا في الجامعة العربية، بعد أن تمادى بشار الأسد في قمع شعبه، كمؤشر على استبعاد تدويل هذه الأزمة واستبعاد الاستنجاد بحلف شمالي الأطلسي كما حدث بالنسبة للأزمة الليبية، لكن، وللأسف، فقد بدأت المماطلات تأخذ مسارا تلاحقت حلقاته إلى حد أن هذا النظام قد بادر إلى مضاعفة أساليبه العنفية واللجوء لمحاصرة حمص، عاصمة الثورة، لحسم الأمور بسرعة ووضع السوريين والعرب والعالم أمام وقائع جديدة.

من مهلة إلى مهلة أخرى جديدة، قد تلاحقت المُهل بلا أي مبرر، فتحول «بروتوكول» المراقبين الذي أعدته الجامعة العربية إلى مهزلة مضحكة مبكية، وكل هذا بينما كان المفترض - لولا أن دول الشد العكسي قد فعلت فعلها - أن تكون هناك كلمة واحدة وأن يكون هناك إنذار واحد وأن يقترن القول بالفعل وأن لا يعطَى هذا النظام أي فرصة ليواصل ألاعيبه ومناوراته بينما عمليات الذبح مستمرة بل متصاعدة في كل المدن والمناطق السورية.

ما كان على الذين يسعون لإنجاز حل عربي لهذه الأزمة المتفجرة، لقطع الطريق على أي تدويل، أن يسمحوا بكل هذا التلاعب وأن يعطوا كل هذه «المُهَل» المتلاحقة التي شرعت الأبواب أمام إيران كي تدخل هذه الدائرة التي من المفترض أنها دائرة عربية، وشجعتها على ممارسة المزيد من الضغط على بعض العرب المؤلفة قلوبهم الذين هم في الأساس لا يريدون التعاطي مع هذه القضية الملتهبة التي يرون أنها لا تعنيهم وأنها ليست قضيتهم.

كان ذهاب الأمين العام إلى بغداد دليل إفلاس الجامعة العربية ودليل تسرب اليأس إلى قلوب الذين أبدوا شجاعة منقطعة النظير لإنقاذ الشعب السوري من مذبحة دموية متواصلة ومتصاعدة ووضع حد لكل هذا العنف الأهوج الذي يمارسه هذا النظام الذي هو أحد بقايا الأنظمة الديكتاتورية والقمع البدائي في العالم كله.. وهنا فإن المفترض أن ما لا خلاف عليه هو أن رحلة نبيل العربي البغدادية هي في حقيقة الأمر رحلة إلى إيران، وأن المبادرة العراقية المثيرة للكثير من التساؤلات هي مبادرة إيرانية، وإن «كاك» هوشيار زيباري عندما كُلِّف بالذهاب إلى دمشق، فإنه كان يعرف أن الإيرانيين قد أمسكوا بزمام المبادرة وأن الأمور بدأت تخرج من يد المجموعة العربية.

ولذلك، وقد حصل كل هذا الذي حصل، فإن اجتماع يوم السبت المقبل سيكون بمثابة اجتماع عزاء للجامعة العربية ولمبادرتها؛ اللهم إلا إذا أصر الذين قادوا هذا التحرك العربي منذ البدايات في اتجاه الحسم ووضع حد وبسرعة لكل هذه المذابح، على مواقفهم حتى وإن ذهبت الأمور إلى حد الفراق وانسحاب البعض من هذا الاجتماع ومن هذه العملية كلها.

إنه على العرب العاربة والعرب المستعربة أيضا أن يدركوا أن نتائج هذه المواجهة المحتدمة على الساحة السورية ستحدد معادلة النفوذ في هذه المنطقة ولحقب، وليس لسنوات، طويلة، وأنه إذا استطاع بشار الأسد أن يكسب هذه المعركة ويحافظ على نظامه، فإن النصر الذي سيتحقق سيكون نصرا لإيران، وأنه بعد ذلك سيكون على أي مسؤول عربي أن يستأذن الولي الفقيه مسبقا حتى إذا أراد أن يزوج أحد أبنائه أو أراد أن يقوم بزيارة استجمامية إلى دولة عربية قريبة أو بعيدة.

«مَنْ يَهُنْ يسهل الهوان عليه»، ويقينا أنه إذا خرجت إيران من هذه المعركة منتصرة فإنها ستفرض معادلتها على هذه المنطقة كلها، وأنها ستجبر الأميركيين والإسرائيليين والأتراك على التعاطي والتعامل معها على أنها الرقم الأساسي في المعادلة الشرق أوسطية، وهذا يعني أنه لن يكون هناك أي رقم عربي في هذه المعادلة، وأن حال العرب ستكون كحال «الأيتام على مآدب اللئام»، وهذا يجب أن يعرفه الذين سيلتقون يوم السبت المقبل تحت قبة قاعة اجتماعاتهم في مبنى الجامعة العربية الذي هو بالتأكيد إن حصل هذا كله - ونأمل أن لا يحصل - سيتحول حتما إلى ملحق لمتحف الفراعنة القريب المجاور.

إذا لم يستطع الخيرون من الذين سيجتمعون يوم السبت المقبل الحفاظ على المبادرة العربية إزاء الأزمة السورية بصيغتها السابقة المقررة، فإنه عليهم أن يتنحوا ويفتحوا الطريق أمام التدويل الذي لا بد منه.. أما أن يصبح القرار في أيدي المؤلفة قلوبهم، وأما أن تفرض إيران نفسها رقما رئيسيا على معادلة هذه المنطقة التي هي منطقة عربية، أولا وأخيرا، فإن هذا سيكون مكلفا؛ إنْ ليس لنا في هذه المرحلة التاريخية الراهنة، فإنه سيكون مكلفا لأجيالنا القادمة.

ولعل ما يجب أن يكون معروفا أن حصار حمص هو حصار للإرادة العربية، وأنه وفقا لهذه المواجهة سيتحدد مستقبل الشرق الأوسط كله، ولهذا، فإن الخيرين في الجامعة العربية يجب أن يتعاطوا مع ما يجري في سوريا بمنتهى الجدية، خاصة وقد بات واضحا ومؤكدا أن الحلول الترقيعية مع بشار الأسد ونظامه غير مجدية، وأنه لا بد من أخذ هذا الملف إلى مجلس الأمن الدولي بعدما أخذ عرب الشد العكسي يفعلون هذا الذي يفعلونه تملقا لإيران وخوفا وخشية منها والذين إن لم يوضع حد لهم وبسرعة، فإن الكارثة آتية لا محالة.

هناك استحقاقات كثيرة تواجهها دول هذه المنطقة بلا استثناء؛ وأولها استحقاق ما بعد الانسحاب الأميركي من العراق، واستحقاق احتمال تعرض إيران لضربة أميركية - إسرائيلية بسبب قدراتها النووية المتعاظمة، واستحقاق الصراع التركي - الإيراني على الإقليم، وأيضا استحقاق عملية السلام المتوقفة، واستحقاق الربيع العربي الذي أدخل الشرق الأوسط في كل هذه المستجدات الخطيرة.. ولهذا، فإن أي تأخير في إنهاء المأزق السوري بالحسم وليس ب«الطبطبات» وأنصاف الحلول، ستكون تبعاته مكلفة جدا، وستترتب عليه معادلة ليست لمصلحة العرب، وستكون على حساب مستقبل أجيالهم المقبلة.

=================

خشية روسيا على سوريا!

عبد الرحمن الراشد

الشرق الاوسط

15-12-2011

وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، له وجهة نظر مختلفة عن العالم، يقول إن المسلحين هم الذين يقتلون المواطنين والأمن في سوريا، وإنهم وراء المذبحة التي توشك على الحدوث في مدينة حمص!

طبعا، لافروف يعرف حقيقة ما يجري وما يفعله النظام السوري من جرائم، أما لماذا هذا الحماس والإصرار على الدفاع عن نظام دمشق فهو أمر محير. سوريا ليست بلدا غنيا يخشى الروس على مصالحهم الاقتصادية فيه. وليست طرفا أساسيا في القضايا الدولية التي تهم الروس مثل الشيشان أو المظلة الصاروخية، وليس لسوريا شاطئ على بحر قزوين مثل إيران.

المصلحة المباشرة الوحيدة التي تهم الروس هي اتفاقية تعاون بحري. طرطوس السوري هو الميناء الوحيد للروس في البحر الأبيض المتوسط لتمويل أسطوله البحري العسكري، وكانت الحكومة السورية قد وقعت اتفاقا قبل ثلاث سنوات لتطوير طرطوس ليكون مرسى بحريا مهما لبوارجها، ويفترض أن ينتهي التوسع في الميناء العام المقبل، إن نجا النظام من السقوط. وحتى هذه المصالح البحرية لا يُخشى عليها بعد سقوط النظام ما لم يصر الروس على دعم النظام حتى النهاية، فالأرجح أن تحترم الاتفاقيات الموقعة.

وسبق لموسكو أن كررت تصريحات تتحدث عن مصالحها في سوريا، لكنها مصالح محدودة لا ترقى إلى ما كانت عليه في ليبيا، أو العراق قبيل الغزو الأميركي. الذي يمكن فهمه من تلك الإشارات أن روسيا تعتقد أنها بعنادها ووقوفها إلى جانب نظام أصبح مكروها في أنحاء العالم العربي ستحصل على مكاسب مادية أو سياسية من العرب أو الغرب، أمر مستبعد كثيرا.

إسقاط النظام السوري عمل شعبي ليس غزوا خارجيا أو حالة حرب بين بلدين. وسواء أيده الروس أو عارضوه فإن النظام ساقط لا محالة، بل نتوقع أن يبيع الروس نظام دمشق بأبخس ثمن في اللحظة الأخيرة، كما فعلوا مع القذافي من قبل.

لن يدفع العرب تعويضات أو هدايا للكرملين مقابل تخليهم عن نظام الأسد، ولا أعتقد أن الغرب في حالة اقتصادية جيدة ليمنح الروس المزيد من التنازلات، أما السوريون فهم عازمون على إسقاط النظام سواء أيدهم العالم أم لا.

===========================

استعداء واستعلاء

بقلم فهمي هويدي

الشروق

لا اجد ابلغ من كلمة «المناحة» وصفا للأجواء المخيِّمة على مصر منذ ظهرت نتائج انتخابات المرحلة الاولى. إذ منذئذ لم يعد المرء يسمع فى فضائها الإعلامى سوى نواح الملتاعين وولولة الحزانى والمحسورين، الذين لم يكفوا عن الجؤار استهوالا للمعلوم وارتياعا من المجهول.

 (1)

شاءت الاقدار ان ارى الصورة مكثفة. ذلك اننى كنت قد ادليت بصوتى فى الانتخابات، ثم غبت عدة ايام خارج البلاد. وانقطعت صلتى بالصحف المصرية، فى حين اتيح لى ان اتابع بعض البرامج الحوارية عبر الفضائيات. وحين عدت كانت على مكتبى الصحف المصرية التى صدرت خلال الأيام الخمسة التى قضيتها فى الخارج. ولأننى وقعت عليها دفعة واحدة تخيل إلىَّ ان الإعلام المصرى فى فضاء البلد سرادق كبير للعزاء. اجتمع فيه خلق كثير من نخبة المثقفين والسياسيين، الذين ظلوا طوال الوقت يتبادلون العزاء ويلطمون الخدود ويشقون الجيوب، فى حين انتشرت فرق النائحين والنائحات فى ارجاء السرادق الممتد تنعى الثورة التى سرقت ودماء الشهداء التى راحت هدرا، وحلم الدولة المدنية الذى تبخر أو كاد.

لم يكن ذلك اعجب ما فى الامر، لأننى لم اصدق عينى حين وجدت ان الفزع السائد فى الصحف المصرية لا نظير له إلا فى الصحف الإسرائيلية، التى اتابع ما تنشره يوميا، فى حين ان وسائل الإعلام فى الدول الديمقراطية المحترمة لم تخل من كتابات رصينة اشادت بإقبال المصريين على الانتخابات وبأجواء النزاهة والحرية التى سادت فيها، كما اشادت بتصويت الاغلبية للاعتدال الإسلامى فى كل من تونس والمغرب. صحيح ان الصحف الأمريكية الموالية لإسرائيل تحدثت عن ارهاصات تحول مصر إلى «إمارة إسلامية»، إلا ان ذلك كان من اصداء الفزع الإسرائيلى من احتمالات صعود الإسلاميين فى الساحة السياسية التى اعتبرتها أكثر الصحف الإسرائيلية «كابوسا» يؤرق الجميع هناك ويلاحقهم فى الصحو والمنام.

بدا المشهد مفارقا ومستدعيا لعدة اسئلة منها ما يلى: لماذا أصبحت خصومة اغلب الليبراليين والعلمانيين فى مصر قريبة الشبه من بُغض الإسرائيليين وتوجسهم مما وصف بأنه صعود لما يسمونه بالإسلام السياسى؟ واذا تصورت إسرائيل ان ذلك الصعود يمثل تهديدا وجوديا لها فكيف ولماذا تصور الليبراليون والعلمانيون عندنا ان الإسلاميين يشكلون تهديدا مماثلا لوجودهم؟ ولماذا نجح التوافق بين الطرفين فى تونس والمغرب فى حين انه فشل فى مصر؟.

 

 

(2)

 

فى 2/12 ابرزت صحيفة «المصرى اليوم» على صفحتها الاولى العناوين التالية: 14 طعنا تتهم الاخوان والسلفييين بالتزوير - صحف أمريكية: مصر تتجه نحو إمارة إسلامية عكاشة: احباط المصريين جعلهم متلهفين على من يوصلهم إلى الجنة. وعلى احدى الصفحات الداخلية نشر مقال ذكر ان «مصير هذا البلد اصبح فى يد 40% من الجهلاء والفقراء».

 

فى نفس اليوم نشر الأهرام حوارا مع الدكتور محمد ابوالغار رئيس حزب المصرى الديمقراطى الاجتماعى تحت عنوان رئيسى هو: التيار الإسلامى يدير مخططا لاغتصاب البرلمان والحكومة، لم يكن المنشور حوارا حقيقيا مما نعهده فى المدارس الصحفية، لكنه كان آراء بسطها المحرر لكى يكملها الدكتور أبوالغار. حتى وجدنا انفسنا ازاء «دويتو» يتبادل فيه المتحدثان التعبير عن آرائهما. الآراء التى أبداها المحرر (يفترض انها اسئلة) كانت كالتالى: التيارات الإسلامية مارست الخديعة على الأحزاب والقوى الليبرالية وضللتها فى المعركة الانتخابية التيارات الإسلامية تخطط للانقضاض على المشهد السياسى خلال الفترة القادمة يقينك يستقر على استمرار التيارات اللإسلامية فى خروقاتهم للقانون فى المرحلتين التاليتين نتصور ان انغلاق قيادات التيارات الإسلامية على ذاتها يقدر الحياة السياسية صوب الخط.

 

دعك من ركاكة الاسلوب، لأن الأسوأ من ذلك ان المحرر لم يكن مستفهما ولا محاورا، لكنه كان معاديا ومحرضا، ومستخدما مفردات لغة «الفزاعة» التقليدية.

 

آخرون ذهبوا بعيدا، فمن قائل ان السلفيين يتأهبون لحرق مصر وقائل انهم ومعهم الاخوان عبروا فوق دماء الشهداء إلى البرلمان (لم يشيرا إلى الكتلة المصرية التى حصلت على 15% من الاصوات فى المرحلة الأولى) وحذر من التصدع التدريجى والتحطيم الممزوج لمقومات الدولة المدنية.

 

استوقفنى فى هذا السياق ما نشرته صحيفة اليوم السابع فى 18/11 على لسان احد مرشحى الكتلة المصرية، وقوله اننا لن نترك مصر للتيار الإسلامى وسنقاومهم حتى اذا اضطررنا إلى «الكفاح المسلح» لكى نبقى شوكة فى حلوقهم. هو التهديد الذى ما ان وقعت عليه حتى تذكرت تلويحا مماثلا صدر على لسان احد متعصبى الاقباط (مايكل منير) الذى نشرت له اليوم السابع فى 6/10 عقب احداث ماسبيرو الأولى كلاما دعا فيه الأقباط إلى الاقدام على بناء ما يحتاجونه من كنائس دون انتظار أى إجراء قانونى، ثم اضاف قائلا: «وعليكم الوقوف وقفة رجل واحد فى اية قرية لمواجهة الغوغاء إذا ما حاولوا احراق ما بنيتموه، ولو حرقتم هؤلاء قبل ان يحرقوكم فستكون هذه رسالة للباقين تحذرهم من انهم سيحرقون لو حاولوا الاقدام على هذه الخطوة».

 

إلى هذا المدى وصل التصعيد والتحريض والتلويح بالكفاح المسلح والعنف الطائفى. وهى اشارة صادمة تقابل بسكوت مستغرب، لا يكاد يقاس بالضجة التى حدثت فى مصر حين تحدث أحد الدعاة السلفيين عن «غزوة الصناديق»، بعد الاستفتاء على تعديلات الدستور. الامر الذى يثير العديد من علامات الاستفهام والتعجب حول اسباب الصمت على التهديد الاول وتعمد اثارة الرأى العام بعد الحديث الثانى.

 

هؤلاء جميعا وجدوا فى التيار السلفى ضالتهم المنشودة، فاستثمروا غيبتهم عن الواقع وسوء تعبيرهم عن أنفسهم والخلل فى اولوياتهم الذى جعل اهتمامهم بالمظاهر والسلوك مقدما على الانتاج والتعليم والصحة وكل اسباب العافية اللازمة للنهوض بالمجتمع. اسثمروا كل ذلك فى التشهير بهم وبتسفيه الإسلاميين جميعا.

 

 

(3)

 

مشهد «المندبة» وسرادق العزاء الكبير وعاصفة الشيطنة والتخويف تستدعى عدة ملاحظات فى مقدمتها ما يلى:

 

إن الحملة انطلقت من افتراض ان الإسلاميين انفردوا بحكم البلد واستهلوا مشروعهم بالتدخل فى حريات الناس وارغامهم على تغيير سلوكياتهم. وهم فى ذلك لا يفرقون بين عقلاء وسفهاء ولا بين معتدلين ومتطرفين. فالكل عندهم سواء، وجميعهم فى سلة واحدة. وتلك كلها افتراضات لم تخطر على بال أحد.

 

إن كثيرين تعاملوا مع نتائج المرحلة الاولى وكأنها نتائج المرحلة الأخيرة. علما بأن النتائج التى اعلنت حتى الآن قابلة للتعديل والانقلاب خلال الجولتين التاليتين.

 

إن المتحثين نسوا ان هناك شعبا يقظا وواعيا وذكيا يراقب تحركات الجميع، وان ميدان التحرير لم يغلق ابوابه ولم يمح من الخريطة المصرية. الامر الذى يعنى انه من الآن فصاعدا لن يكون فى مصر حاكم مطلق اليد فى البلد يفعل به وبأهله ما يشاء.

 

إن دلالة نتائج دائرة مصر الجديدة لم تستوقف كثيرين، لأن لها أكثر من مغزى عميق. فالأغلبية صوتت حقا للدكتور عمرو حمزاوى الاكاديمى الليبرالى كمرشح فردى، والأغلبية ذاتها صوتت لقائمة التحالف الديمقراطى الذى يقوده حزب الحرية والعدالة الإخوانى. الأمر الذى يدل على ان الناخبين لديهم الوعى الكافى الذى دفعهم إلى اختيار من اعتبروه الأصلح بين المرشحين. فأعرضوا عن مرشح الاخوان فى الفردى، وصوتوا للاخوان فى القوائم.

 

إن نسبة غير قليلة من المثقفين الليبراليين تعاملت بدرجة عالية من الاستعلاء مع جموع المصريين، فزعموا انها اساءت الاختيار، وساروا وراء الذين اشتروا الاصوات بالبطانيات وزجاجات الزيت وبالرشاوى المالية الأخرى. وقد سبقت الاشارة إلى مقولة ان مصير البلد اصبح بين يد 40% من الجهلاء والفقراء. ولم تنس بعد ان واحدة من قيادات آخر الزمان دعت لأن يكون للمتعلم فى مصر صوتان فى الانتخابات وللأمى صوت واحد.

 

إن احتقار الجماهير والاستعلاء عليها دفع بعض عناصر النخبة إلى القول بأن الناس تزاحموا على الصناديق خوفا من مطالبتهم بدفع غرامات الغياب (500 جنيه). وهو قول مردود بأمرين: الأول ان الناس اقبلوا بكثافة فى التصويت على التعديلات الدستورية رغم انه لم تكن هناك غرامات تهددهم اذا غابوا. الامر الثانى انه تم التلويح بالغرامة لحث الناس على المشاركة، لكى لا ينفرد المنتسبون إلى التيار الإسلامى بالصناديق. وكان المقصود هو حماية الأحزاب الاخرى وحث عناصرها على الاشتراك فى التصويت لضمان تمثيلها فى الانتخابات.

 

إن الأحزاب القديمة مثل الوفد والتجمع حققت فشلا ذريعا. فى حين ان الأحزاب الجديدة اثبتت حضورها، الامر الذى يعنى ان العبرة ليست بالقديم أو الجديد، ولكنها بقدرة الحزب على الحركة ومدى قبول الناس لأفكاره.

 

إن الحملة المصرية التى قادها الليبراليون والعلمانيون ضد تقدم الإسلاميين. تفقدنا الثقة فى دعاواهم. وهم الذين ما فتئوا يعظوننا فى احترام الآخر وتداول السلطة، لكنهم انقلبوا على القيم التى دافعوا عنها حين رسبوا فى الاختبار أمام الآخر. ولم يصبوا غضبهم على منافسيهم فحسب، لكنهم دأبوا على اهانة الجماهير والطعن فى ادراكها لمجرد انها لم تنتخبهم.

 

 

(4)

 

(ما العمل؟ ما الذى يتعين علينا ان نفعله ازاء تصويت الاغلبية لصالح الإسلاميين؟ إذا استبعدنا خيار الانقلاب العسكرى الذى قد يرد على الخاطر فى مثل هذه الحالة، فلدينا فى الإجابة عن هذا السؤال واحد من احتمالات ثلاثة هى: اما ان نقبل بحكم الصناديق ونلتزم بقواعد اللجنة الديمقراطية. فيظلون فى السلطة اذا ما قبلهم الناس، ويتم اسقاطهم واخراجهم منها اذا ما رفضتهم الاغلبية. وحبذا لو ان الإسلاميين نجحوا فى التوصل إلى توافق مع بقية القوى الوطنية حول ما هو مشترك بينهما، الثانى ان نعود إلى سياسة الاقصاء اما بتزوير الانتخابات لصالح الليبراليين والعلمانيين، أو بحرمانهم واعادتهم إلى السجون والمنافى مرة أخرى. الثالث ان نتخلص منهم بأى وسيلة، بإلقائهم فى البحر أو ابادتهم فى غرف الغاز.

 

فى هذا الصدد لا ينبغى ان ننسى ان فكرة التوافق التى طرحت فى بداية الحملة الانتخابية كانت حلا كريما وديمقراطيا يمكن ان يجنبنا الموقف المحزن الذى نحن بصدده. وكان التحالف الديمقراطى الذى ضم 40 حزبا إلى جانب الاخوان والوفد صيغة ايجابية تمكن مختلف القوى السياسية ان تنسق فيما بينها وان تخوض المعركة الانتخابية بقوة الخير للجميع. ولكن الضغوط التى مورست وعمليات التعبئة والشحن التى لم تتوقف لم تبق إلا على 9 احزاب فقط فى نهاية المطاف، وكان انفراط عقد التحالف له تكلفته الباهظة، التى تحمل حزب الوفد عبأها الأكبر.

 

لا اعرف اذا كان من الممكن تدارك ثغرات المرحلة الاولى فى المرحلتين التاليتين ام لا، لكننى اعرف ان بعض السياسيين يفرطون فى ثقتهم بأنفسهم ويفضلون ان يتغير الشعب على ان يمارسوا هم نقدهم لذواتهم لنزواتهم، ويوهمون أنفسهم بأن الشعب لم يفهمهم فى حين انه فى الحقيقة لفظهم ولم يقبلهم.

=========================

هل حقا سيفشل الإسلاميون في السلطة؟!         

ياسر الزعاترة

الجزيرة نت

14/12/2011

المعزوفة الجديدة التي بدأ يرددها خصوم الإسلاميين (نستخدم مصطلح خصوم من باب التخفيف، لأن هناك عداءً مستحكما عند البعض)، هي أنهم ينجحون في المعارضة لكنهم يفشلون في الحكم، وأن التجربة ستكشف عن بؤس إمكاناتهم على الصعيد الأخير.

 

ولعل السؤال الأولي الذي يتبادر إلى الذهن عندما نسمع هذه المعزوفة، هو ذلك المتعلق بالأوضاع القائمة التي سيرثها الإسلاميون، وسيقارَنون بها تبعا لذلك. وقد قيل في الأمثال "إن فلانا أتعب مَن بعده"، في تعبير عن نجاح للأول وصعوبة المنافسة من لدن الثاني.

بالله عليكم أي تجارب عظيمة قدمتها الأنظمة القومية والعلمانية واليسارية، وسائر أشكال الأنظمة العربية القائمة في الحكم، بحيث سيصعب على الإسلاميين مجاراتها والوصول إلى مستواها؟!

والحال أننا إزاء أنظمة لم تقدم الكثير لمواطنيها، اللهم إلا بعض الأنظمة الغنية التي قدمت لهم أقل بكثير مما يستحق لو وقع توزيع عادل للثروة في البلاد، واستثمار لها فيما ينفع الناس ويمكث في الأرض، مع أن الأخيرة لم تقدم في مقابل العطاء المادي المحدود (غير العادل بالطبع) سوى القليل من الحرية والمشاركة السياسية (على تفاوت بينها)، والتي لم تعد ترفا في عالمنا المعاصر، بدليل أنها مطلب مهم في دول الرفاه الغربية، ولا يتخيل أحد هناك أن تجري مقايضة بين الحرية والتعددية وبين الرفاه.

 

وفي الصين اليوم، رغم معدلات التنمية العالية، فإن الناس ترغب في التعددية، ولولا الدولة الأمنية لرأينا حراكا جماهيريا واسعا، بل إن القيادة الصينية اليوم تبدو الأكثر خشية من تأثيرات الربيع العربي عليها.

الأنظمة الأخرى التي تتفاوت في إمكاناتها المادية عاشت خلال العقود الأخيرة زواجا غير ميمون بين السلطة والثروة وأجهزة الأمن، الأمر الذي لم يسفر عن قمع ومطاردة للحريات وحسب، بل أسفر عن إفقار للغالبية من الناس أيضا، مقابل صعود رهيب لطبقة من الأثرياء.

وقد نتج جزء من ذلك عن الانحياز للبرامج الاقتصادية الخاضعة لشروط البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، وبالتالي منطق العولمة المتوحشة، الأمر الذي ينبغي أن يتنبه إليه الإسلاميون، لأن مصالح الغالبية من الناس أهم بكثير من مصالح ثلة من المستثمرين ("كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم"، كما جاء في القرآن الكريم).

هذه هي التجارب العظيمة التي سيدخل الإسلاميون في منافسة معها، ولو جئنا لتجربة محدودة في قطاع غزة تعيش الحصار بكل أشكاله، وضمن مجتمع محافظ جدا، لقلنا إن الحريات فيها محدودة من زاوية نظر التنظيمات "المعادية"، وبالطبع لاعتبارات أمنية في الغالب، لكن التدخل في خصوصيات الناس كان محدودا أيضا، فيما كانت التجربة الاقتصادية معقولة إلى حد كبير، ويكفي أن تحاكم الحركة (حماس) عددا محدودا من رموزها تورطوا في الفساد وتسجنهم حتى ندرك أن التسامح في هذا الأمر ليس واردا، مع أن المال يطغي كما يعرف الجميع، وكذلك السلطة بالطبع.

ليس هذا هو النموذج بالتأكيد، فالقطاع ليس دولة مستقلة بالكامل، لكن التجارب الجديدة التي سيخوضها الإسلاميون ستكون بالغة الصعوبة أيضا، وستوضع العصي في دواليبها بكل الوسائل الممكنة، لأن قضية السلطة لا تتعلق بالحكومة، وإنما أساسا بالمؤسسة العسكرية والأمنية، وهذه في معظم الدول العربية تورطت في قضايا الفساد أيضا، وهي لن تسلم للوضع الجديد بسهولة، وسيكون هذا التحدي هو الأبرز الذي تواجهه التجارب الإسلامية الجديدة، إلى جانب حشد من التحديات في المؤسسات الأخرى التي لن يوفر القائمون عليها جهدا في تعطيل الجهد المبذول لتقديم تجربة جيدة يقبلها الناس ويرضون عنها.

الجماهير تدرك ذلك كله، تماما كما أدركت الجماهير التركية أن أردوغان لم يكن يتحرك بحرية في إدارة الشأن الداخلي بسبب هيمنة العسكر على الحياة السياسية، وكان عليه أن يناور ويداور وصولا إلى تفكيك ذلك التحالف الرهيب بين العسكر والطبقة العلمانية المتطرفة، مع أنني شخصيا لا أحسب هذه التجربة على الحالة الإسلامية بسبب خصوصيتها، مع اقتراب الحالة التونسية منها بهذا القدر أو ذاك، نظرا لعقود العلمنة القسرية في الحالتين.

وما ينبغي أن يشار إليه هنا أيضا هو أن الحركات الإسلامية تزدحم بخير الخبرات في سائر المجالات، كما أنها لن تتردد في الاستفادة من أي خبرات موجودة بين أبناء الشعب، ولعل منها الكثير من الخبرات التي لم تستثمر من قبل الأنظمة الفاسدة التي كانت طريقة عملها تعتمد الفساد والمحسوبية أكثر من القدرة والكفاءة "إن خير من استأجرت القوي الأمين".

هي تحديات كبيرة من دون شك، والإسلاميون بشر يصيبون ويخطئون، بل ويفسدون أيضا، لكن ما نعول عليه في هذا الربيع العربي يتجاوز مسألة الأيديولوجيا إلى مسألة حق الشعب في اختيار ومحاسبة من يحكمونه أيا تكن هويتهم، وإذا كانت التجارب الجديدة محطة في هذا الاتجاه فليكن ما يكون، وها نحن نشهد في المغرب تنافسا بين تجربتين إسلاميتين إحداهما في الحكم المقيد والمحدود الذي توفره المؤسسة الملكية التي تسيطر عمليا على مفاصل السلطة، فيما تصر الثانية على ديمقراطية حقيقية تمنح الشعب حقوقه الدستورية كاملة غير منقوصة.

وفي مصر ثمة تنافس بين قوى إسلامية تقدمت ببرامج تنطوي على قدر من التباين، إلى جانب قوى أخرى غير إسلامية، بل ومناهضة للبرنامج الإسلامي أيضا.

ليكن الشعب هو الحكم، وحين يكون هو المرجع سيختار ما يناسبه، ولن يسمح -بعد أن اكتشف ذاته وقدرته على التغيير- أن يستعبده أحد من جديد تحت أي شعار كان، وهو واقع يدركه الإسلاميون تمام الإدراك.

من هنا يظهر ذلك الابتذال الذي تنطوي عليه مقولة إن الإسلاميين سيستلمون السلطة ويشطبون الديمقراطية، وهم الذين لم يأتوا بانقلاب عسكري، كما حصل لزملائهم في السودان مثلا ممن كانت تجربتهم بائسة، ويتوقع أن يصيبهم ما أصاب سواهم من أنظمة الحكم إذا لم يبادروا إلى إصلاح الوضع على نحو جذري.

بقي القول إن هناك من سيواصل كرهه للإسلاميين ولو قدموا نموذج عمر بن عبد العزيز، ولو حرروا فلسطين، الأمر الذي لا ينبغي أن يقلق الإسلاميين، لأن عليهم أن يلتفتوا للغالبية من الجماهير التي تبحث عما ينفعها، وليس عن الزبد الذي يتشبث به متطرفو العلمانية ممن يصورون الأمة مشغولة ببقاء الخمارات وعري النساء، وليس برغيف خبزها وكرامتها وقضاياها الكبرى في مواجهة أعدائها المتربصين بها من كل حدب وصوب.

========================

كارثة بشار الأسد الاعلامية

نهاد إسماعيل

إيلاف

14/12/2011

في مقابلته مع قناة ايه بي سي الأميركية فضح بشار الأسد نفسه ونظامه أمام العالم ككاذب من الطراز الأول. وعندما ادرك النظام خطورة هذه الأكاذيب وتداعيتها استخدموا ناطق باسم وزارة الخارجية ليبرر ويفسر ويدافع ويتهم ويحلل الأكاذيب في محاولة بائسة لتصحيح وانقاذ ما يكمن انقاذه من ركام الكارثة الاعلامية الناتجة عن تخبط وصبيانية في التعامل مع اسئلة المذيعة الشهيرة باربرة والترز. ووصفت الصحافة البريطانية مقابلة الرئيس السوري التلفزيونية بالفاشلة وقالت "كذب بشار الأسد وسقط في الامتحان". أين خبراء الاعلام والعلاقات العامة في النظام السوري واين المستشارين لكي يعلموه كيف يعالج المقابلات الاعلامية. الاعلام سلاح خطير واذا تم اساءة استعماله سيأتي بنتيجة عكسية ويكون أكثر تدميرا من السلاح العسكري.

 

 كانت هذه المقابلة فرصة رائعة له للاعتراف بالاخطاء والاعتذار للشعب السوري وطرح مبادرة للتغيير السلمي والتنحي بطريقة مشرفة ووضع برنامجه الاصلاحي على الطاولة وامام الملأ. ولكن ما سمعه العالم هو سلسلة من الأكاذيب والانكار والتهرب والتنصل مما دعى المراقبون الى الاستنتاج انه فقد السيطرة ولا يريد ان يقبل او يصدق ما يحدث في سوريا من اراقة دماء وتعذيب وقتل وحصار للمدن والاحياء السكنية. هذه استراتيجية النعامة ونعرف ما يحدث للنعامة عندما تضع رأسها في الرمال.

 

وعندما أدرك النظام في دمشق خطورة السقطة الاعلامية الناتجة عن مقابلته التلفزيونية الفاشلة بادر الناطقون باسم النظام باعادة تفسير ما قاله لتخفيف وطأة الضرر وكيل الاتهامات للمحطة الأميركية بتحريف ما قاله رغم تواجد اشرطة تسجيلية لما قال وتثبت انه وقع في فخ ما يسمى "كارثة العلاقات العامة” وما يطلق عليه باللغة الانجليزية Public Relations Disaster

لا يزال بشار الأسد يواصل منهج الكذب والخداع والمراوغة. ورأينا كيف تنصل بشار الأسد بكل وقاحة من مسؤوليته عن العنف والقتل في سوريا وقال انه لم يصدر اي اوامر بقتل المحتجين وقال ان قوات الأمن ليست ملكا له. اذا كان هذا الكلام صحيح فمن هو المسؤول؟ هل رئيس الجمهورية مجرد صنم او متفرج عاجزعلى هامش الأحداث؟ فاذا كان الأمر كذلك فقد أدان رئيس الجمهورية السورية العربية نفسه وأعلن عن عدم صلاحيته لرئاسة الدولة وعليه ان يتنحى. ونسأل هل هذا التصرف استغباء لعقول الناس ام ان بشار الأسد كاذب وناكر للحقائق من اجل الهروب من المحكمة الدولية ومن محكمة الشعب. وحتى الناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية وصف كلام بشار الكاذب بأنه استخفاف في عقول الناس. بشار يهرب للأمام للتبرؤ من دم السوريين قائلا انا لست المسؤول عما يجري. وقد تهكم الاعلام البريطاني على اجوبة الرئيس السوري الغير مقنعة. سكاي نيوز وصفت قوله ان القوات التي تقتل المحتجين ليست تابعة له بالستار الدخاني ((smoke-screen ووصفت الصحف كلامه بالأكاذيب من كاذب متمرس على المراوغة والتضليل. وفي المقابلة ذاتها وصف الرئيس السوري الأمم المتحدة بمؤسسة فاقدة للمصداقية ونسأل الرئيس هل يتمتع نظامكم بذرة مجهرية واحدة من المصداقية الذي كذب على الاتراك وعلى الروس والصينيين والأمين العام للأمم المتحدة بانكي مون وكذب على فرنسا والولايات المتحدة وعلى الجامعة العربية وعلى الاعلام وعلى الشعب السوري.

بدأت اشك في مقدرة بشار الأسد العقلية على التمييز بين الخطأ والصحيح. واستغرب انه لم يستوعب الدرس من خبرة زملاءه في الدكتاتورية صدام حسين ومعمر القذافي اللذان كذبا وهددا وتوعدا وسقطا وهلكا وانتهى بهما المطاف في حفر ومجاري. بشار الذي اعتمد على الكذب كمنهج واستراتيجية سياسية يسيء قراءة نوايا المجتمع الدولي. وها هو يكرر نفس الاخطاء تارة بالكذب العلني كما فعل في المقابلة التلفزيونية الأخيرة وتارة بالابتزاز والتهويل مما يشير الى انه وصل حافة الهاوية وليس امامه سوى خيارين الأول مواصلة الكذب والتضليل والخداع والمراوغة والتعنت وحملة القمع والقتل اي الحل العسكري العنيف وهذا خيار الانتحار والخيار الآخر التنحي والاستقالة وافساح المجال للمعارضة بأن تشكل حكومة جديدة تشرف على انتخابات نزيهة والانتقال الى الديمقراطية.

هناك من يعتقد ان بشار الأسد لا يكذب ويراوغ فقط بل يسعى لاشعال الفتنة لتأجيج حرب اهلية لكي يشتري الوقت ويبرر استعمال المزيد من القوة العسكرية وارتكاب المجازر من اجل اخماد الاحتجاجات بقوة عسكرية مفرطة واخضاع الشعب السوري لأربعين عام اخرى من الحكم البعثي الارهابي. هذا ما يقوله محللون ومعارضون سوريون.

 

بشار يكذب ليحمي نفسه من غضب الشعب ومن المحاسبة الدولية فهو محشور في زاوية ضيقة ويشعر باليأس والاحباط والغضب لذا سيهدد ويبتز ويكذب. بشار الأسد يريد البقاء في السلطة لأربعين عام اخرى ولكي يحقق هذا الهدف يطلب من العالم أن يسكت ويترك بشار وعصابته لتسحق الاحتجاجات بالقوة العسكرية وقتل عشرات الالوف من السوريين. بالنسبة له البقاء في السلطة هو اهم من سوريا وأهم من الشعب السوري.

 

بشار في أزمة وفي مأزق ومحاصر ولا يدري ماذا يفعل. لذا خرج علينا قبل عدة اسابيع ليخيف العالم من افغانستان جديدة وأنه ينوي ان يحرق المنطقة ويخلق زلزازل ودمار. الكذب والمراوغة ليس حكرا على بشار الأسد بل وزير خارجيته الظريف وليد المعلم راوغ وكذب وهدد ووعد بمسح اوروبا من الخارطة وعرض على الملأ فيديوهات مفبركة ولا شك انه سيهدد بمسح اميركا الشمالية من الخارطة ايضا رغم عجز نظامه عن اطلاق رصاصة واحدة عبر حدود الجولان السورية المحتلة منذ 1973.

 لغة بشار الأسد مع المحطة الأميركية هي لغة الانتحاري اليائس الذي وضع نفسه في حيز محكم لا يستطيع الخروج منه. لا شك ان النظام في أزمة عميقة وأوقع نفسه في حفرة ولكنه غير قادر على الخروج منها لذا يتخبط ويحفر بعشوائية لايجاد مخرج. هناك مثل انجليزي يقول "اذا وجدت نفسك في حفرة عليك ان تتوقف عن الحفر". الكذب والمزيد من الكذب سوف لا ينقذ بشار وعصابته من مصير مظلم. وعليه ان يختار حل الاستقالة والخروج من سوريا ام يبقى ويواجه مصير معمر القذافي.

 

اذا كان بشار الأسد يعول على ايران فهو مخطيء. حيث من غير المحتمل ان تجازف ايران بأي عمل عسكري يعرض مصلحتها للخطر علما انها لا تزال مستهدفة اميركيا واسرائيليا بسبب برنامجها النووي. اما حزب الله فهو ليس من الغباء ان يجازف بحرب مع اسرائيل قد تؤدي الى حرب تدمر لبنان وحزب الله معا من اجل حماية عصابة البعث الحاكمة في دمشق.

 

التلاعب والكذب واللف والدوران لم يعد ينطلي على أحد حتى ان نبيل العربي الأمين العام للجامعة العربية سئم وضجر من مناورات دمشق. لا أحد يصدق النظام ولا احد يصدق بشار او وليد المعلم حتى لو قاما بتأدية القسم على جميع الكتب السماوية. الكاذب سيقى كاذب ولا يتغير والمجرم سيبقى مجرم وسوف لا يتغير. وأنهي بالمثل الأميركي الذي استخدمه باراك اوباما اثناء الحملة الانتخابية عام 2008 ليصف منافسته الجمهورية سارة بالين عندما قال "وحتى اذا تم تطبيق كميات كبيرة من الماكياج على وجه الخنزير واحمر الشفاه على شفتيه سيبقى خنزيرا." ومهما فعل بشار الاسد وقال سيبقى مجرما وملاحقا وعليه ان لا يلوم احد سوى نفسه وغروره.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ