ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
هل يدفع بوتين ثمن
تأييده الأسد؟ السبت, 17 ديسيمبر 2011 سليم نصار * الحياة استغلت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري
كلينتون موضوع الانتخابات في روسيا،
لتتهم فلاديمير بوتين بتزوير النتائج
لمصلحته وإضعاف شعبية منافسيه
السياسيين. كذلك وظفت التظاهرات
الضخمة التي حملت ألوف الشبان إلى
الساحات العامة مطالبة بإعادة
الانتخاب واستقالة رئيس الحكومة بوتين
ورئيس الجمهورية ديمتري ميدفيديف. وبدلاً من أن يتصدى وزير خارجية روسيا
سيرغي لافروف للرد على اتهامات تزوير
الانتخابات... ركز في دفاعه على إدانة
الدول الغربية وأساليب تعاطيها مع
الملف السوري. واعتبر لافروف أن الولايات المتحدة
بالتعاون مع حلفائها الأوروبيين، تقوم
بتحريض المعارضة السورية بهدف التسبب
بكارثة إنسانية دفعاً لتدخل خارجي.
وعليه وصف الضغط المتواصل بأنه موقف «لا
أخلاقي». هذا، وكان المندوب الروسي في مجلس الأمن،
بالتنسيق مع المندوب الصيني، قد
استخدما «الفيتو» لإسقاط مشروع قرار
إدانة سورية. لهذا رأى الأمين العام
للأمم المتحدة بان كي مون، أن الموقف
الروسي يطيل أمد معاناة الشعب السوري
الذي خسر في عشرة أشهر أكثر من خمسة
آلاف قتيل. في حال استمرت الولايات المتحدة في تشجيع
قوى المعارضة الداخلية، فان بوتين
سيضطر إلى نقض الاتفاق الذي عقده مع
أوباما حول تحديد شروط التعاون. أي
الشروط التي وضعها رئيس وزراء روسيا
كقاعدة لتنظيم التعاون بين البلدين.
وتتلخص هذه الشروط بثلاثة: أولاً – أن
تكف واشنطن عن التدخل في شؤون النظام
الذي أرسى بوتين دعائمه عقب سقوط يلتسن.
ثانياً – ألا تتعاطى الولايات المتحدة
أو أي دولة أخرى، في الأجزاء التي كانت
في السابق تابعة للاتحاد السوفياتي.
ثالثاً – أن تعترف الإدارة الأميركية
بمكانة روسيا الدولية، وتعتبرها قوة
عظمى مساوية لها في التأثير والقوة. إدارة أوباما تتهم بوتين بنقض هذا
الاتفاق لأنه في نظرها أيد نظام الرئيس
بشار الأسد، واستخدم تحالفه مع سورية
وإيران لمواجهة مواقف الأسرة الدولية
الداعمة ل «الربيع العربي». لذلك أرسل
حاملة الطائرات «كوزنتسوف» إلى المياه
الإقليمية السورية كنوع من التحدي
لحلف شمال الأطلسي. ومثل هذه
الإجراءات، في نظر القيادة الأطلسية،
تشكل عودة سريعة إلى مناخات الحرب
الباردة. خصوصاً بعدما أعلنت موسكو عن
إنشاء اتحاد جمركي – اقتصادي يضم
روسيا وكازاخستان وبيلاروسيا. وقد وعد الرئيس ديمتري ميدفيديف بتوسيع
الاتحاد كي يشمل دول آسيا الوسطى.
ومعنى هذا أن المرحلة المقبلة ستشهد
ولادة قوة جديدة بقيادة روسيا تضم دول
آسيا الوسطى الغنية بالثروات كالنفط
والمناجم والمطلة على بحر قزوين. يقول المراقبون إن الوفاق الأميركي –
الروسي تصدع عقب زيارة بوتين لطهران
عام 2007. وكان بتلك الزيارة يسجل سابقة
لأول رئيس روسي يزور طهران منذ اجتمع
ستالين في هذه العاصمة بروزفلت وتشرشل.
وبسبب عزلة إيران وضغوط العقوبات
الغربية، احتفل الرئيس أحمدي نجاد
بضيفه على نحو غير مألوف. وقد وصف بوتين
جاره الجنوبي بأنه يمثل سوقاً تجارية
واسعة. وعلى رغم اعتراض الدول الغربية، فإن
بوتين وقع عقوداً ببلايين الدولارات
ثمن صفقات عسكرية لإيران، إضافة إلى
تعهد بتنفيذ مفاعل «بوشهر». وعندما
اعترض الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي
على تفعيل المفاعلات الإيرانية، أبلغه
بوتين بأن من حق نجاد تطوير طاقة نووية
سلمية. الرد الغاضب من قبل بوتين على انتقاد
الوزيرة كلينتون، كان له ما يبرره في
نظر رئيس الحكومة الروسية. وهو يتطلع
إلى أداء بوش وأوباما كسياسة أميركية
منهجية للمس بنفوذه. ففي عام 2005 زار ديك
تشيني ليتوانيا، حيث ألقى خطاباً هاجم
فيه بوتين شخصياً لعدم وجود
ديموقراطية في بلاده. وبعد الحرب الأهلية في جورجيا، قام نائب
الرئيس الحالي جو بايدن بزيارة هذه
الدولة المتاخمة لروسيا، ووعدها
بالدعم السياسي والعسكري لمواجهة تسلط
الجارة الكبرى. في أحد اللقاءات السياسية بين أوباما
وبوتين، حاول الزعيم الروسي إنشاء
علاقة وثيقة مع الرئيس الأميركي من
طريق إبراز الفارق بين نظام الاتحاد
السوفياتي والنظام الذي يعمل بوتين
على نشره. وقال له إن النظام الشيوعي
السابق نشر عقيدته على حساب مصالح
أميركا المركزية. وأظهر له أن
خلافاتهما الحالية تبقى في حدود
المصالح القابلة للتسوية. ويبدو أن أوباما لم يأخذ بهذه النصيحة،
بدليل أنه ظل يتعامل مع العهد الجديد
بطريقة عدائية لا تختلف عن تعامل
أيزنهاور وكينيدي ونيكسون في عهود
ستالين وخروتشيف وبريجنيف. ولكن خصوم بوتين لا يتفقون معه حول هذا
الاستنتاج لاعتقادهم بأن روسيا في
عهده تخلت عن دورها السابق كدولة تدعم
حركات التحرر وتناصر الجماهير الشعبية.
والشاهد على ذلك أن حزب «روسيا الموحدة»
ناهض حركة «الربيع العربي» وأيد بقاء
القذافي. ولما حصل الاعتراف المتأخر
بالمجلس الانتقالي الليبي، أعلن ممثلو
شركة النفط الغاز الوطنية الليبية أن
روسيا والصين قد لا تحصلان على عقود
جديدة جراء دعمهما نظام القذافي. ومثلما تعثرت موسكو في حسم موضوع ليبيا،
فهي حالياً تظهر بعض التعثر والارتباك
في موضوع الدفاع عن الرئيس بشار الأسد.
علماً أن الوزير لافروف لم يخف قلقه من
رفض الدول الغربية ممارسة الضغط
المطلوب على الجانب المتطرف والمسلح
في المعارضة. وشدد في مؤتمره الصحافي
على الحاجة إلى معالجة الأزمة السورية
من خلال المبادرة العربية، ومن دون
إنذارات متواصلة للقيادة في دمشق. وأكد لافروف أن بلاده تعارض فرض عقوبات ضد
سورية، «لأن التجارب علمتنا أن مثل هذه
العقوبات لا تحقق النتائج المرجوة». والمعروف أن روسيا ترتبط مع سورية بعقود
ضخمة أبرزها في مجال التسلح. وقد ألغت
موسكو ديون سورية البالغة عشرة بلايين
دولار، مقابل عقد صفقة تقود إلى تطوير
سلاح الطيران والصواريخ. ولكن هذا لم
يمنع إبعاد سفيري روسيا في ليبيا ومصر.
كما لم يمنع لافروف من تقليد موقف
إيران الداعية إلى تلبية المطالب
المشروعة للمحتجين السوريين، والى
العدول عن سياسة إراقة الدماء. يجمع الديبلوماسيون في موسكو على القول
إن بوتين سيضطر إلى مراجعة مواقفه
السابقة المتصلبة، واعتماد
ديبلوماسية أكثر مرونة من
الديبلوماسية الصارمة التي يشرف على
تنفيذها الثلاثي: لافروف وبريخودكا
وأوشاكوف. والدافع إلى هذا التغيير –
بحسب المراقبين – حاجة بوتين إلى
الرئاسة لدورة ثالثة يحقق خلالها
أحلامه. واللافت أن رئيس الحكومة بدأ
يتصرف كرئيس جمهورية منذ أعلن شريكه في
المسرحية، ميدفيديف، ترشيحه
لانتخابات آذار (مارس) المقبل. ومعنى
هذا أن فترة التغيير المطلوب تحقيقها
عبر شهرين فقط، قد لا تكون كافية
لإقناع الشعب بأن الإنجازات التي تمت
في عهده تبرر لجهازه الانتخابي ما
اقترفه من تجاوزات. علماً أن آلاف
المتظاهرين رددوا شعارات طالبت برحيله
من الكرملين، والقضاء على حكم «حزب
اللصوص» الذي فاز ب 238 مقعداً من أصل 450
في مجلس الدوما. كتب غاري كاسباروف، رئيس جمعية دعاة
الديموقراطية، وبطل لعبة الشطرنج
سابقاً، مقالة في جريدة «التايمز»
اللندنية، دعا فيها الغرب إلى تأييد
الشعب في إسقاط الحاكم الذي استخدم
التسلط والتزوير للحفاظ على مكاسبه. ومثل هذا الاقتراح قابله الحزب الحاكم
باتهام الولايات المتحدة وحلفائها
بالتدخل في شؤون روسيا الداخلية. علماً
أن «جيل الإنترنت» في ليبيا ومصر
وسورية، ليس بحاجة إلى تدخل خارجي كي
يعبر عن مواقفه الجريئة. بعض كتاب سيرة حياة بوتين لا يأملون خيراً
في المرحلة المقبلة، كونه استخدم
العنف للتخلص من منافسيه وخصومه. وبما
أنه وصل إلى الحكم من مركز الاستخبارات
(كي جي بي)، فان تراجعه عن سياسته قد
يبدو صعباً. لذلك يتوقع دعاة التغيير
أن يقدم على اتخاذ خطوات حازمة بحق
مستشاريه الذين سيضحي بهم لإنقاذ حكمه.
في حين يرى خصومه أن هذا الإخراج لم يعد
ينطلي على المتظاهرين الذين قرروا
إسقاطه في الشارع من الآن حتى موعد
انتخابات الرئاسة في آذار. الملاحظ أن الشعب الروسي تعرف إلى ثورة
الألوان التي عصفت بجورجيا وأوكرانيا
وكيرغستان. وهو حالياً يحمل اللون
الأبيض كرمز لموسم الثلوج الذي يغطي
شوارع المدن الروسية ومنازلها. وقد تم
توزيع الأشرطة البيضاء على المحتجين
بغرض التدليل على لون «الثورة البيضاء»
التي يحملونها ضد بوتين وحزبه. واللون
الأبيض يخالف اللون الأحمر الذي تميزت
به ثورة لينين وتروتسكي وستالين،
والتي أقامت نظاماً استمر سبعين سنة.
وبما أن بوتين ولد من رحم تلك الثورة،
وتولى مهماتها في برلين، فإن شعوره
بخسارة «الامبراطورية» قد يدفعه إلى
القيام بمغامرة عسكرية كالتي قام بها
رئيس ال «كي جي بي» ضد غورباتشوف. عندئذ
تدخل يلتسن لإنقاذ «الثورة على الثورة».
ومثل هذا الوضع قد يتكرر إذا واصلت
الدول الغربية تأجيج المشاعر ضده،
الأمر الذي يشجعه على سحق المتظاهرين
مثلما فعل القيصر نيكولا في بداية
الثورة. المفكر الألماني ألكسندر راهر، كاتب
سيرتي غورباتشوف وبوتين، يقول إن
الروس أجبروا على تبني العقيدة
الشيوعية مدة طويلة من الزمن. ولما
انهار ذلك النظام، تبنوا النموذج
الرأسمالي الديموقراطي. ولكن هذه
النقلة النوعية لم ترسخ في أذهانهم
كنموذج وطني خاص منبثق من دورهم
الريادي، لذلك من المتوقع أن يكون
التغيير صعباً ودموياً، لأن أحفاد
إيفان الرهيب وستالين، لا يقبلون بأقل
من القبضة الفولاذية شعاراً لحكم أكبر
دولة مساحة في العالم! * كاتب وصحافي لبناني ================= لنقطف التفاحة السورية...
قبل أن تتعفن السبت, 17 ديسيمبر 2011 جمال خاشقجي * الحياة من الأفضل التعجيل بإسقاط النظام السوري
اليوم، قبل أن يتعفن الوضع هناك بحرب
أهلية واستقطاب طائفي ومزيد من
الكراهية والدم ما يحول سورية إلى عبء
على جيرانها كالعراق الحالي. سورية الدولة والشعب لا تزال سليمة
متماسكة حتى الآن على رغم الجراح، وعلى
رغم التشققات التي بدأ ظهورها، ولو سقط
نظامها اليوم يسهل ترميم نظامها
السياسي الخرب وانبعاث سورية قوية
مفيدة لشعبها ولجيرانها، مثل تونس
التي بدأت تتعافى. ولكن الوضع في سورية يتدهور بسرعة،
فالعنف ينتشر، وأصبح متبادلاً في بعض
المناطق، والمنشقون عن الجيش لا
يملكون غير الرد بالسلاح على من
سيصفيهم لو وقعوا في يده، والانتقام
بات ظاهرة. الجميع يرى أن النظام في دمشق «يشتري
الوقت» بلفه ودورانه كما يقول رئيس
الوزراء القطري. يوافق على بروتوكول
الجامعة العربية اليوم ثم يرسل
استفسارات غداً، ثم ننتظر جميعاً رد
الجامعة، ثم اجتماعاً لها في الدوحة
فاجتماعاً لمنظمة التعاون الإسلامي في
جدة وهكذا... بينما تستمر آلة القتل
تحصد الأرواح لعلها تنتصر على انتفاضة
الشعب. بقدر ما في ذلك من صحة فإن
المعنيين بالحالة السورية من عرب
وأتراك ومجتمع دولي هم أيضاً يشترون
الوقت. يعلمون أنه لم يبقَ أمامهم غير
آخر الدواء، الكي، وهو التدخل
المباشر، والذي سيأتي بأسماء عدة،
مناطق آمنة، عازلة، حماية المدنيين.
ولكن كل تلك الصيغ هي ترجمة ديبلوماسية
لتدخل عسكري، وهم لا يريدون ذلك ويخشون
تبعاته. يشترون الوقت لعل المعجزة تحصل
وينشق الجيش، أو النظام، أو الطائفة.
أي شيء ليكفيهم مؤونة إرسال دباباتهم
إلى درعا وحماة القريبتين من الأردن
وتركيا لحسم المعركة وإنهاء مأساة
سورية وشعبها الشجاع. مصلحة سورية وجيرانها تكمن في هذا الفعل
السريع والمحسوب على رغم كلفته، التي
إن لم ندفعها اليوم سندفعها مضاعفة بعد
أشهر، فالنظام خرب ولا يمكن إنقاذه بل
مستحيل أن ينتصر، حينها ستضاف إلى
الكلفة الحالية كلفة تسلم سورية خربة
متعفنة، مدمرة، وقد ساءت العلاقات بين
طوائفها وطبقاتها الاجتماعية،
ميليشيات وأسلحة منتشرة، مدن محاصرة،
تهجير وفرز طائفي. ستذهب بذلك المكاسب
السريعة المؤكدة من اختفاء نظام الأسد
الطارئ على تاريخ سورية والمنطقة الذي
دفع القلب الاستراتيجي الواقع بين
جزيرة العرب وتركيا ومصر والعراق،
بعيداً نحو الشرق، إلى عالم لا تنتمي
إليه، فأربك حسابات التاريخ
والجغرافيا والاقتصاد طوال أربعين
عاماً. فما هي المكاسب التي لو رأيناها لعجلنا
بنصرة الثورة السورية وحسم المعركة؟ سقوط النظام سيكون خبراً جيداً للجميع،
باستثناء إيران و»حزب الله» وإسرائيل،
وهذا بحد ذاته سبب كاف وحافز للتحرك
السريع. سيعود المجتمع السوري إلى طبيعته. ستحكم
الغالبية، وهذا مريح حتى للأقليات.
سيلغي حالة التوجس القائمة، ويؤسس
لثقافة الاحتكام للقانون وليس القوة،
ذلك أن حكم الغالبية المتصالحة مع
غيرها سيكون من خلال الديموقراطية.
حينها سيعود السوري إلى براعته في
التجارة والإنتاج، ستعود بلايين
الدولارات المهاجرة، وأيضاً العقول
المبدعة التي اضطرت إلى الغربة، تؤسس
لشراكة سورية تمتد من الخليج إلى
أميركا اللاتينية. لبنان بالتأكيد سيرتاح سياسياً وأكثر،
ينهض، ويتكامل اقتصادياً مع سورية
الجديدة، تجارة وملكية حرة، لا حاجة
إلى تهريب واستثناءات وإنما اقتصاد
وصناعة وخدمات تنمو في وضح النهار، «حزب
الله» سيتعرض لصدمة عنيفة في البداية،
من الصعب التنبؤ برد فعله، ولكنه سيدرك
الواقع الجديد، لا إمدادات سلاح، لا
دور إقليمياً، إلا أن يعود إلى دوره
الطبيعي ممثلاً لناخبه الشيعي، فيتحول
إلى حزب لبناني يعترك مع الحكومة أو
يشارك فيها مطالباً بخدمات وطرق
ووظائف. يسري ذلك على الأردن الذي يملك
موارد بشرية مؤهلة تبحث عن فرص. سيرتاح
من ضغط أمني كبس عليه عقوداً، سيمتد
اقتصادياً نحو الشمال وجنوباً نحو
السعودية ويحاول أن يكون جسراً بين
قوتين اقتصاديتين هائلتين، بالطبع
السعودية ودول الخليج ستكون حاضرة
بقوة، بما لديها من فوائض مالية تبحث
عن منافذ استثمارية، هل ستجد أقرب وأحب
إليها من سورية ولبنان؟ حتى العراق سيستفيد، ليس اقتصادياً فقط
وإنما سيجد نموذجاً يحتذي به بعيداً عن
عبثية الطائفية والاستقطاب والفساد،
ستخرج قوى وطنية عراقية تنظر غرباً نحو
محيطها الطبيعي بعدما ضاقت من
الاستغلال الإيراني السياسي
والاقتصادي. أما في إيران فهناك الحدث الكبير. سقوط
النظام في دمشق سيستقبله الشارع
الإيراني كهزيمة ساحقة لأحمدي نجاد
والطبقة المتطرفة هناك، لعلها ترتد
ثورة في الشارع و»ربيعاً عربياً» أو
على الأقل تغييراً من داخل نظام «الجمهورية
الإسلامية» نحو الاعتدال. كم سيكون ذلك
مريحاً لنا في المملكة، إذ لم يكن لنا
موقف ضد إيران كجار، وإنما موقف ضد
إيران الطائفية التوسعية؟ البحرين
ستشعر بالفرق أيضاً فتمضي في مصالحة
تاريخية بين مكونيها تنسجم مع تباشير
عهد جديد سعيد في المنطقة. تركيا الرابح الأكبر بالطبع، فهي الأنشط
وذات الاقتصاد الإنتاجي الأكثر حراكاً
(حققت نسبة نمو 8 في المئة في الربع
الثالث من هذا العام لتأتي بعد الصين
عالمياً)، ستنظر إلى سورية الجديدة
كسوق لمنتجاتها وشركاتها وبنوكها،
ومعبر لها إلى المملكة ودول الخليج. لا
ضرر أبداً في ذلك فليتنافس المتنافسون.
السوري بارع في الاقتصاد والصناعة،
سيستفيد من هذه الهجمة الاستثمارية
ويحولها لمصلحته، فدولة حرة
ديموقراطية لا يمكن استغلالها وإنما
تحول الظروف المحيطة بها إلى قوة وفرص
وبناء. هذه المكاسب تحتاج إلى بلد سليم معافى،
وسورية لا تزال كذلك... حتى الآن، ولكن
كلما تأخرنا تتعفن أكثر، النظام هناك
لا يهمه ما الذي يبقى منها، هو مستعد أن
يحرقها بالكامل ولا يخسر السلطة، إنه
هش جداً، تمدد فوق طاقته، من القامشلي
حتى بانياس يحاول أن يسيطر على أرض
تتفجر من تحته، لا يعرف من أين تأتيه
الضربة التالية لذلك يزداد توحشاً،
ولكن لا بد أنه متعب «فإن كنتم تألمون
فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من
الله ما لا يرجون». لن تكون معركة صعبة، فهناك شعب كامل ينتظر
بفارغ الصبر أول دبابة أردنية تمضي إلى
درعا وتلك التي تتوجه إلى حماة من
تركيا. حينها سيحصل الانشقاق الكبير
الذي تنتظرونه.. لقد حسمت المعركة
واتخذ الشعب السوري قراره. * كاتب سعودي ================ أيقونات الثورة السورية
وشعاراتها السبت, 17 ديسيمبر 2011 محيي الدين عيسو * الحياة لا يخفى على كلّ متابع للشأن السوريّ مدى
الخطورة التي وصلت إليها الحالة
الراهنة، والخوف على مستقبل بلد، ربما
يكون عرضة لكل الاحتمالات السيئة،
التي من شأنها أن تؤدي بالبلاد إلى
تدخل عسكري، أو حرب طائفية، تُدفع
فاتورتها، في كلتا الحالتين، من دماء
السوريين الذين يناضلون بسلمية، منذ
أكثر من ثمانية أشهر، لإسقاط نظام
انتهك كل القوانين والأعراف الدولية،
ومارس أبشع أنواع التنكيل بشعب خرج
ليحارب بحنجرته نظاماً استمرّ قرابة
الأربعين سنة، وهو يصمّ أذنيه عن مطالب
الناس، وغير قادر حتى على تحقيق «الإصلاح»
الذي ينادي به هو نفسه. شرارة الثورة بدأت من مدينة درعا جنوب
البلاد، ليرفع المتظاهرون شعار «الله،
سورية، حرية وبس»، التي كانت أولى
أيقونات الثورة السورية مع لاحقتها
المتمّمة لها «الموت ولا المذلّة»،
حين أقدمت الأجهزة الأمنية على اعتقال
مجموعة من الأطفال؛ الذين كتبوا
ببراءة على جدران مدارسهم، بعضَ
العبارات التي سمعوها من ثوّار مصر
وتونس، ومن ثمّ إهانة أهالي هؤلاء
الأطفال، والاستهتار بمطالبهم،
واستخدام الرصاص الحيّ في مواجهة
المتظاهرين، منذ اللحظات الأولى لخروج
الناس للمطالبة بالحرية والكرامة،
حرية أطفال انتزعت أظافرهم داخل
الأقبية الأمنية، وكرامة مواطنين
يحملون من القيم الاجتماعية التي
تجعلهم يرحبون بالموت ويرفضون الإذلال. لذا يتفق الكل أنّ النظام السوري لم يتصرف
بحكمة وعقلانية منذ بداية الاحتجاجات،
واستخدامه العنف المفرط لقمع
التظاهرات، ربما لاعتقاده بأن الشعب
السوري الذي تحمّل سياساته لأكثر من
أربعين سنة، ليس بمقدوره المطالبة
بحقوقه المهدورة، رغم التوقعات بدخول
نسمات الربيع العربي إلى داخل الحدود
السورية، بعد نجاح ثورتي مصر وتونس،
وخروج المواطنين في كل من ليبيا واليمن.
إلا إن النظام السوري لم يأخذ العبرة،
ولم يستخلص نتائج تلك التوقعات التي
راهنت على قدرة الشعب السوري، وطبيعته
في رفض الاستبداد والظلم. ومع ازدياد القمع، واستخدام الأسلحة
الثقيلة، وانتشار الدبابات في شوارع
المدن، وازدياد أعداد القتلى من
الأطفال والنساء بين صفوف المتظاهرين،
واعتقال كل من يتلفظ بعبارة الحرية
سواء كان مثقفاً أم مواطناً عادياً،
ارتفع - كنتيجة طبيعية لكل ذلك- سقف
مطالب الناس، فكانت الأيقونة الثانية
للثورة السورية التي رُفعت في كل المدن
والبلدات بشعار واحد «الشعب يريد
إسقاط النظام»، بحيث ابتكر المحتجون
أساليب جديدة بجانب التظاهر السلمي
لتحقيق أهداف أيقونتهم الثانية، ليقوم
النظام بدوره عبر كل وسائل إعلامه
بتشويه صورة المتظاهرين بنعتهم
بالمندسين أولاً وبالعصابات المسلحة
تالياً، ليختم حملته الإعلامية بوصف
المحتجين بالمجموعات الإرهابية، إلا
أنه لم ينجح لا داخلياً ولا خارجياً في
كسب الرأي العام، فاتّسعت الرقعة
الجغرافية المطالبة بإسقاطه وازدادت
معها الضغوط الدولية لوقف حمّام الدم
السوري، ومطالبة الرئيس السوري
بالتنحّي، لا سيّما أنّ الرئيس لم
يستطع إقناع المواطنين المحتجّين في
كل خطاباته وإطلالاته الإعلامية،
وإحساس المواطن المحتج بأنه يقف إلى
جانب طرف ضد الطرف الآخر. أيقونات الثورة السورية كثرت، وبدأت
باتّخاذ مناحٍ جديدة، كتلك التي رفعها
المتظاهرون تحت شعار «الشعب يريد
حماية دولية» وذلك في ظل ارتفاع أعداد
القتلى إلى أكثر من ثلاثة آلاف وخمسمئة
مواطن بحسب المنظمات الدولية، وتشكيل
المجلس الوطني السوري للتغيير
الديموقراطي في الخارج الذي طالب
صراحة بإسقاط النظام بكل أركانه
ورموزه، ومطالبته للمجتمع الدولي
بحماية المدنيين من آلة القتل، وكذلك
دخول الجامعة العربية، عبر ضغط دول
الخليج على الخط السوري، وتعليق
عضويتها من الجامعة، وظهور بوادر
الحرب الأهلية أو الطائفية في بعض
المدن «حمص مثالاً»، مع أنّ «الحماية
الدولية» ربما تأتي بالتدخل العسكري
الخارجي المرفوض من قبل الكثير من
أطراف المعارضة التقليدية في الداخل
السوري، إلا أنّ المتظاهرين رفعوا هذا
الشعار لإحساسهم بعدم قدرة المعارضة
السورية على تلبية مطالبهم، وشعورهم
بأن النظام الحاكم يملك كل مفاتيح
الدولة من جيش وأجهزة أمنية وطبقة
التجار والاقتصاديين، وغيرها من أدوات
القوة التي تؤهلها للبقاء في سدة الحكم
لفترة طويلة، وبالتالي ازدياد أعداد
القتلى وازدياد المعتقلين في السجون. أيقونات الثورة السورية التي تدرجت بين
المطالبة بالحرية والكرامة إلى
المطالبة بالحماية الدولية، لم تأتِ
من فراغ، بل كانت النتيجة الطبيعية لما
آلت إليه أحوال البشر على مدى أكثر من
ثمانية أشهر من القمع والقتل
والاعتقال التعسفي، واختيار النظام
السوري الحل الأمني بدلاً من الحل
السياسي، وعدم الاستماع إلى مطالب
مواطنين عانوا الأمرين على مدى عقود من
الزمن، على رغم المشاريع المقدّمة من
قبل أحزاب معارضة وشخصيات مستقلة في
الداخل السوري كأفكار أولية للمرحلة
الانتقالية، تضمن الانتقال السلمي
للدولة المدنية الديموقراطية
التعددية، وعدم اللجوء إلى الخيارات
الأخرى التي سترهق كل السوريين سواء
كانوا من المعارضة أو من الموالاة، لكن
تعنّت النظام وإصراره على الحل الأمني
حالا دون ذلك، لتصبح ورقة الحل السوري،
لا بيد النظام، وإنما بيد أطراف أخرى. * كاتب وصحافي سوري ================= أين تقف إسرائيل من
الثورة السورية؟ محمد العلي 2011-12-16 القدس العربي لا يعقل ولا يمكن
لإسرائيل أن تنأى بنفسها عما يجري في
سورية خلال الأشهر التسعة الماضية،
فالثورة تريد إسقاط النظام، والثورة
تريد إعادة الوطن السوري المختطف إلى
أهله وذويه، وهو الشعب السوري الذي
أوتي رشده، وهو شعب يزهو بروحه الوطنية
والدينية، ومشحون بكراهية إسرائيل
ويود لو يفتح له الطريق إلى تحرير بيت
المقدس ومسجده الأقصى الأسير، لكن حيل
بينه وبين أمنيته عبر عشرات السنين،
والعائق هو نظام الممانعة والمقاومة
نفسه! هل هذا يدعو للتعجب والدهشة؟
كلا، لا تعجب، فهذه هي الحقيقة التي
يعلمها السوريون جيداً، فهذا النظام
هو الجدار الذي يحمي دولة إسرائيل
ومشروعها التغريبي في المنطقة، وهو
جدار أقوى وأنجع بكثير من خط آلون أو
بارليف ومن كل الحواجز الحديدية
والجدر الإسمنتية، وهو من نجاعته
وقوته بحيث لا يجرؤ سوري أن يخطر في
باله بأن يمس حدود الدولة العبرية بسوء
أو حتى بكلمة سوء وبمجرد يحدث نفسه أو
يناجي صديقه باستباحة هذه الحدود
والتفكير بصنع مقاومة تشابه تلك
المتوافرة في جنوب لبنان، فإنه سيلاقي
جزاء همه بالفتك به والتنكيل نعم يحاسب
على نيته وما توسوس له نفسه! وهناك
حوادث ووقائع جرت من هذا القبيل أدخل
أصحابها غيابات السجن ولم يخرجوا بعد! إسرائيل إذن لا بد أن تهتم بسلامة وحماية
نظام الأسد بل تستنفر لهذا الغرض،
وتحشد كل قوتها وأوراق ضغطها باتجاه
الإبقاء على النظام السوري إلا إذا
تأكد لها طبعاً استحالة بقائه فلكل
حادث حديث. وهناك لا ريب أسرار خطيرة جداً في
العلاقات و التفاهمات ما بين النظام
السوري من ناحية، والحكومات
الإسرائيلية المتوالية من أي لون
كانت، حمائم أو صقور! وهنا نستحضر
التصريح الشهير المبكر لإمبراطور
الاقتصاد السوري رامي مخلوف ابن خال
الرئيس وقارون العائلة، الذي تحول
فيما بعد إلى فاعل خير، صرح مخلوف
لصحيفة 'نيويورك تايمز' الأمريكية
بتاريخ 10/ 5/2011 من أن أمن إسرائيل من أمن
سورية وأنه لن يكون هناك استقرار في
إسرائيل إذا لم يكن هناك استقرار في
سورية، وأن نظام الأسد سيقاتل حتى
النهاية، والاضطرابات لن تبقى محصورة
في الداخل السوري بل ستنتقل إلى قلب تل
أبيب.. إلخ، ومخلوف يدرك ما يقول، ويقصد
توصيل رسالة، ولم تكن أبدا زلة لسان،
فعلام يدل ذلك؟ وإلام يرمي رامي
المذكور؟ إن هذا الربط يجعل من المصلحة اليهودية
ضرورة الإبقاء على النظام السوري
الحالي، وعدم شطبه من الخريطة
السياسية للمنطقة. وقد تبع ذلك سماح
السلطات السورية للمتظاهرين بالعبور
إلى الجولان المحتل في مسيرات يوم
الأرض 15 / 5 / 2011 ، كتأكيد عملي بأننا
نتبع الأقوال بالأعمال. وعلى خلفية الأحداث المحتدمة في سورية
التي أخذت تزعزع عرش الأسد، وتهدد نظام
حكمه جاءت زيارة رئيس الوزراء
الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لواشنطن
في 20/ 5/ 2011 إبان اندلاع ثورة درعا،
لتظهر تجلياتها، من خلال تصريحات
وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري
كلينتون التي أعلنت حينذاك بأن الرئيس
بشار الأسد قدَّم من الإصلاحات ما لم
يقدمه أي زعيم عربي آخر! ومنذ ذلك الوقت رأينا موقفاً أمريكياً
متردداً متراخياً، تجاه ما يحدث في
سورية، طبع الموقف العربي والإقليمي
ومنه التركي بطابعه، معلقين تذبذبهم
وتراخيهم على شماعة الفيتو: الروسي
والصيني في أروقة مجلس الأمن، لتسويق و
تعليل مواقفهم المريبة المتأرجحة، ثم
بدأت بعد اشتداد الثورة وانتشارها
تخرج علينا بعقوباتها اللفظية
وتهديداتها العنترية التي لا توقف آلة
القتل الجهنمية التي تحصد أرواح
السوريين يومياً . لكن أخطر وأبرز تصريح إسرائيلي يدل على
مدى العلاقة الحميمة والوطيدة بين
الطرفين، وتفسر لغة التسويف و
المماطلة والتمييع طيلة الفترة
السابقة من الأسرة الدولية، رغم سقوط
عشرات الآلاف من القتلى و الجرحى و
الأسرى و المهجرين، هو تصريح رئيس
الهيئة الأمنية و السياسية بوزارة
الدفاع الإسرائيلية عاموس جلعاد، يوم
16 / 11 / 2011 م، حيث قال بأن سقوط نظام
الأسد يمثل كارثة كبيرة على إسرائيل،
وأن وجود هذا النظام مصلحة عليا
لإسرائيل وزواله يعني بداية النهاية
لها.. وهو لا ريب تصريح خطير وضع النقاط
على الحروف وكشف المستور عن العلاقة
الخفية المشتركة للطرفين معا، وهذا
يدعو المراقب للسطح السياسي وحرب
التصريحات والشعارات النارية للدهشة،
لكن تناقضات وتعقيدات منطقة الشرق
الأوسط الظاهرة لا غرابة فيها كما يقول
المحلل البريطاني باتريك سيل، والقول
ما قالت خزامي! محمد العلي- دمشق ================= رأي القدس 2011-12-16 القدس العربي يبرر المقربون من النظام السوري اصراره
على المضي قدما في حلوله الامنية
الدموية بالقول بان لديه، اي النظام،
قناعة راسخة، بان اي تنازل مهما كان
صغيرا لمطالب الشعب السوري في الحريات
يعني انهياره بالكامل، لانه يعرف جيدا
ان سلسلة هذه المطالب طويلة جدا، ولن
تنتهي الا بنهاية النظام، وتقديم كل
رموزه المتورطة في القتل وسفك الدماء
الى المحاكم بتهم اقلها ارتكاب جرائم
حرب. هذه القناعة الراسخة تظل افتراضية،
ويستخدمها الجناح المتطرف الموغل في
القتل كذريعة لتعطيل الاصلاحات
والاستمرار في سيطرته على مقدرات
البلاد بالتالي، بمعنى انها لم تتم
تجربتها على ارض الواقع لكي نسلم
بالنتائج المترتبة عليها وفق تصورات
هذا الجناح، اي انهيار النظام في نهاية
المطاف. نضرب مثلا بدولتين، او حاكمين، تجنبا
الاسوأ، وانقذا بلديهما، او نظاميهما
من مصاعب كثيرة، وربما الانهيار ايضا،
عندما بادرا فورا الى التجاوب مع مطالب
المحتجين امام قصريهما، ونفذا
الاصلاحات، ونقصد بذلك العاهلين
المغربي محمد السادس في اقصى الغرب،
والسلطان قابوس بن سعيد سلطان عمان في
اقصى الشرق. الاثنان بادرا فورا الى حل الحكومة،
والتنازل عن بعض الصلاحيات، واجراء
انتخابات حرة ونزيهة غيرت الخريطة
السياسية في البلاد، وادت الى فوز
اسلاميين بنسبة كبيرة من المقاعد في
البرلمان مثلما هو الحال في المغرب. قد يجادل البعض بان هذه الاصلاحات تظل
شكلية او سطحية، لان العاهلين،
المغربي والعماني، ما زالا يمسكان
بزمام الامور بقوة، ويركزان معظم او
جميع السلطات في ايديهما، وهذا الجدل
ينطوي على بعض الصحة، او حتى كلها،
ولكن العبرة تكمن في كونهما تنازلا،
ولو جزئيا، لمطالب شعبيهما، وهو تنازل
ادى الى تهدئة الاوضاع، ولو بشكل مؤقت. الشعبان المغربي والعماني سيواصلان
الضغوط من اجل الحصول على المزيد من
التنازلات والاصلاحات، وهذا من حقهما،
وقد يكون ما حصلا عليه حتى الآن، كافيا
في الوقت الراهن، انتظارا لجولة او
جولات اخرى في المستقبل، القريب او
البعيد، المهم انهما انتفضا مطالبين
بحقوقهما، ووجدا من يستجيب لهما بشكل
سريع. المقارنة بين سورية وهاتين المملكتين قد
تكون في غير محلها في نظر الكثيرين،
ولكن يغيب عن ذهن هؤلاء ان الحكمة من
هذه المقارنة تكمن في تسليط الاضواء
على كيفية ادارة الازمة، والمحاولات
المبذولة لايجاد الحلول لها، بهدف
تطويقها، وتقليص اضرارها، وهذا ليس
امتداحا للنظامين، لانهما ليسا خاليين
من العيوب والنواقص، وانما لتسليط
الاضواء على سوء ادارة النظام السوري
للازمة واصراره على العناد في رفض
المطالب الشعبية، واستخدام اسلوب
الحديد والنار لقمع بل وقتل كل من يشق
عصا الطاعة على هيمنته وديكتاتوريته. وبسبب هذا العناد طالت الازمة السورية،
واستعصت على الحلول، ودخلت منحى جديدا
بعد عشرة اشهر من انطلاق فعاليات
الانتفاضة، تمثل يوم امس في اعلان
المرصد السوري لحقوق الانسان عن مقتل 33
ضابطا وجنديا من عناصر الجيش الرسمي
اثناء مواجهات مع الجيش السوري الحر
والعناصر العسكرية المنشقة المنضوية
تحت لوائه. الازمة السورية تدخل مرحلة 'العسكرة'،
وربما الحرب الاهلية الطائفية ايضا،
والعسكرة هي بداية او التمهيد للتدخل
الدولي او الاقليمي في معظم الاحيان،
والمثال الليبي ما زال ماثلا في
الاذهان. الانباء القادمة من نيويورك تفيد بان
روسيا بدأت تدلو بدلوها لايجاد مخارج
من خلال تقدمها بمشروع قرار الى مجلس
الامن الدولي يستند الى مبدأ ادانة
جميع الاعمال المسلحة، والبدء في حوار
من اجل تطبيق الاصلاحات وفق رقابة
دولية. هذه مبادرة مكملة للمبادرة
العربية او داعمة لها، وبهدف حقن
الدماء وانهاء دوامة القتل المرعبة. النظام السوري الذي اضاع فرصا عديدة،
وابرزها الحلول العربية، لايجاد مخارج
من هذه الازمة، وتحقيق مطالب الشعب في
التغيير الديمقراطي، مطالب بالتخلي عن
حلوله الامنية التي بدأت تعطي نتائج
عكسية وتقود البلاد واهلها الى
الهلاك، والتعاطي بشكل ايجابي مع
المبادرات العربية والروسية، وابرزها
وقف القتل والافراج عن المعتقلين
جميعا، ومحاكمة كل من تورطوا في سفك
الدماء كمقدمة لاصلاح حقيقي ينقل
سورية الى المكان الذي تستحق وسط دول
وفرت الكرامة والحريات لشعبها واحترمت
حقوقه الاساسية. ================= قرابين النظام السوري
للاستمرار في الحكم محمود الزيبق 2011-12-16 القدس العربي ليست غريبة أبدا تلك المعلومات التي
سربها مصدر أمريكي عن لقاء رئيس
الوزراء العراقي نوري المالكي بالرئيس
الأمريكي باراك اوباما .. وتفيد بان
النظام السوري عرض عبر المالكي خدمات
للولايات المتحدة تتمثل في تنسيق أمني
واسع في المنطقة وتسليم مجموعات
عراقية مقاومة مقيمة بدمشق في مقابل
بقاء الأسد بالسلطة .. فمثل هذه الخدمات ليست جديدة على نظام
الأسد بل إنني أجزم بأن النظام السوري
لا يحتوي اللاجئين السياسيين في بلاده
إلا لمثل هذه الأوقات العصيبة.. في سورية مأوى لمعارضات عربية عدة كما
يقدم النظام فيها دعما ماديا ومعنويا
لمعارضات عربية اخرى خارج سورية ... في
دمشق ستجد معارضات لتركيا واثيوبية
وتشاد ودول آسيا الوسطى .. بل إن في
سورية من يعارض إيران أيضا وإن كانوا
بنشاط محدود ... الرابط الجامع لكل هذه
المعارضات كما يقول أحد ضباط
المخابرات الكبار أن تجد على أبوابها
حراسة من قبل عناصر أمنية .. لم ينس احد
بعد قصة عبد الله اوجلان زعيم حزب
العمال الكردستاني الذي كان لاجئا في
سورية لفترة قبل ان تقدمه المخابرات
السورية قربانا لايقاف الحشود
العسكرية التركية على حدودها .. قبل أيام قليلة تحدث ملك البحرين أيضا عن
قيام الاستخبارات السورية بتدريب
معارضين بحرينيين في دمشق وهم بلا شك
ورقة أخرى يلقي بها الأسد في مواجهة
ازمة رحيله. في لبنان أيضا كان لسورية علاقات مع بعض
المحسوبين على فتح الاسلام وجند الشام
لضمان بعض اوراق التأثير الداخلية على
الحكومات اللبنانية عقب انسحاب الجيش
السوري .. كذلك نستحضر هنا تصريحات نائب رئيس
الجمهورية فاروق الشرع قبل سنوات
والتي عتب فيها على إدارة الرئيس
الامريكي السابق جورج بوش لنسيانها
الخدمات التي قدمتها أجهزة الامن
السورية للاستخبارات المركزية
الأمريكية .. تعود القصة إلى عام 2001 عقب أحداث 11 أيلول
سبتمبر مباشرة يوم وجدت الولايات
المتحدة نفسها في معركة وجها لوجه مع
ما تصفه ب'الارهاب الاسلامي' وكان لا بد
لها من معلومات موسعة وتفصيلية عن
الاسلاميين في الغرب .. بالطبع كان جهاز
المخابرات السورية واحدا من أكثر
الأجهزة الأمنية جمعا لمثل هذه
المعلومات نظرا لخبرة النظام السوري
في قمع الاسلاميين في الثمانينات و
محاولاته لاغتيال بعضهم في الغرب
ومتابعة نشاطاتهم الأمر الذي يقتضي
جمع أكبر قدر من المعلومات .. في عام 2003 سهلت المخابرات السورية دخول
المقاتلين السوريين والعرب إلى العراق
للمشاركة في الدفاع عنه ضد الغزو
الامريكي .. من ينسى حكاية أبو القعقاع
في حلب ذلك الشيخ الذي اقام معسكرات
تدريب عسكرية اسلامية في سورية لتأهيل
مقاتلين عرب وسوريين للانخراط في صفوف
المقاومة العراقية .. بعد فترة تخلى أبو
القعقاع هذا عن لحيته الكثة وعاد لعمله
في المخابرات السورية قبل أن تنجح بعض
فصائل المقاومة العراقية باغتياله في
سورية عام 2007 نظرا لوقوع غالبية الذين
أدخلهم ابو القعقاع إلى العراق في قبضة
الاحتلال الأمريكي .. اكثر التفسيرات المنطقية لهذا الدور الذي
لعبته سورية مع المقاومة العراقية
انها ساعدت وربما اتفقت مع الولايات
المتحدة على ادخال أكبر قدر من
الاسلاميين إلى العراق ومن ثم تصفيتهم
من خلال تسريب معلومات مرورهم عبر
الأراضي السورية وذلك بلا شك واحد من
مصادر عتب الشرع على إدارة بوش التي
أغفلت هذا الجميل. كثير من الضباط الكبار في نظام الرئيس
العراقي السابق صدام حسين وقيادات حزب
البعث العراقي وجدوا في سورية أيض
ملاذا آمنا عقب سقوط نظام صدام حسين ..
وقد قابلت شخصيا الكثيرين منهم وقبل
حوالي 3 سنوات تم استدعائي إلى اجهزة
الامن بسبب لقاء إعلامي مع خضير
المرشدي الناطق باسم حزب البعث
العراقي تحدث فيه بلهجة حادة عن
المالكي في وقت كان النظام السوري يوطد
العلاقة مع المالكي ويتغنى بها .. قبلها بفترة قصيرة اجتمعت ببعض رموز
النظام العراقي السابق الموجودين في
سورية لغرض فيلم وثائقي عن سقوط نظام
صدام .. حدثني أحد الضباط العراقيين
الكبار عن مشروع كان قد طرحه على آصف
شوكت رئيس الاستخبارات العسكرية (يومها)
واخبرته بأن هناك آخرين حدثوني عن هذا
المشروع أيضا وهم ليسوا أصدقاء فتفاجأ
جدا وقال لي بالعراقي بصوت خافت (هذا
شكله يتاجر فينا آني ما حكيت الفكرة
لحد غيره) .. طبعا لم يخرج هذا الوثائقي
إلى العلن بسبب تحفظات أمنية وضعتها
الاستخبارات على التصوير لكنني ما زلت
احتفظ ببعض وثائق هذه اللقاءات لوقت
الحاجة. في عمان قابلت بعض شخصيات المعارضة
الأردنية في لقاء إعلامي وتحفظ أحدهم
على سؤال حول مصدر تمويله وطلب حذفه ..
أجبته بانني أقدم السؤال فقط .. وله
الحق بأي جواب يريده .. كرر اشتراطه حذف
السؤال .. طبعا هذا المعارض الاردني
وآخرون مثله يملكون مراكز بحثية
ووسائل اعلام ناشطة بتمويل ذاتي
ولمجرد المصادفة أنهم كانوا ضمن وفد 'شعبي'
مشارك في لقاء الاسد للتضامن مع نظامه
ضد المؤامرة. أضيف هنا أيضا أن الفصائل الفلسطينية
المقاومة لا تستبعد أن تكون في يوم ما
أضحية يقدمها نظام الأسد ثمنا لبقائه
وقد سبق أن أغلقت مكاتب هذه الفصائل في
2005 للسبب نفسه .. ولذلك تتسم علاقة هذه
الفصائل المقاومة مع النظام السوري
بالحذر في كثير من جوانبها كما نقل لي
يوما أحد المسؤولين في هذه الفصائل. بالتاكيد من يقدم لهم الأسد قرابينه
ليسوا قادرين على إيقاف انتفاضة شعبية
واسعة في سورية .. ولكنهم قادرون على غض
النظر عن جرائم الأسد وانتهاكاته
المستمرة بحق شعبه على الأقل. ================= بقلم محمد ابرهيم النهار 2011-12-17 مبادرة روسيا مع الصين الى طرح مشروع قرار
في مجلس الأمن يتضمن عناصر جديدة، قد
تعلن دخول الأزمة السورية مرحلة حاسمة.
المبادرة احتفظت بالكثير من الموقف
الروسي الأصلي لكنها اضافت بندين
يشكلان تحولا جوهريا: ادانة الإستخدام
المفرط للقوة من جانب النظام، وتبني
خطة الجامعة العربية للحل بكل بنودها. ما زالت روسيا تعارض التدخل العسكري
الخارجي، لكنها قطعت شوطا في الإقتراب
من موقع الجامعة العربية في تصور الحل:
الحل العربي كبديل من الحل الدولي،
والحوار بين الطرفين... بإشرافها. يمكن نسبة التطور في موقف روسيا الى
إقتناعها اخيرا بأن النظام فقد القدرة
على الاحتواء العسكري للتمرد الشعبي-العسكري.
وان الزمن بات يعمل لمصلحة نشوء مواقع
جغرافية خارجة عن سيطرة النظام، خصوصا
في محاذاة الجيران. كما يمكن نسبته الى ملاقاة الجامعة
العربية قبل ان تنتقل الى الضفة
الدولية الأخرى، معلنة فشلها في اقناع
سوريا بقبول مبادرتها الخاصة ببعثة
المراقبين كمدخل الى الحل، مما يضيف
وزنها الى وزن الدول الغربية في مجلس
الأمن ويجعل الموقف الروسي اشد حرجا. روسيا المتخوفة من حرب اهلية في سوريا،
باتت نذرها كثيرة، ربما تكون اختارت
بديلا ممكنا بين التدخل العسكري
الخارجي، والحرب الأهلية المعممة التي
تعود لتستدعي في مرحلة من مراحلها هذا
التدخل. هذا البديل الممكن هو نوع من الوصاية
الدولية المشتركة على سوريا انطلاقا
من التوافق في مجلس الأمن. وبما يشبه
المآل الذي وصل اليه الوضع اليمني، حيث
لعب مجلس التعاون الخليجي الدور الذي
تلعبه الجامعة العربية في سوريا، وادى
مجلس الأمن، بتوافق غربي - روسي، دور
الداعم للمبادرة الخليجية والرادع
لمحاولات تفلت نظام علي عبدالله صالح.
ويذكر هنا ان روسيا دعت اكثر من مرة الى
مساواة التعاطي الغربي مع سوريا
بالتعاطي مع اليمن. بذلك يصبح بديل
الحرب الأهلية الزاحفة في سوريا،
الإنتقال الهادىء للسلطة بما يحفظ
السلم الأهلي، المرغوب اقليميا ودوليا.
اذ ليس بين جيران سوريا، اذا استثنينا
اسرائيل، من قد يجد مصلحة في انقسامها
كيانات متقاتلة. وليس بين "المعسكرين"
الدوليين صاحب مصلحة في ترك الوضع
السوري يتدهور الى هذا الحد: لا الغرب
الراعي للتحولات العربية، ولا "الشرق"
الحريص على استقرار هذه المنطقة
الحساسة. النظام السوري اصبح اضعف من ان يترجم
تهديداته بإحراق المنطقة، والموقف
العربي - الدولي الموحّد يضعه امام
طريق واحد: اصلاحات حقيقية تعيد "توزيع"
السلطة بدون انفجار الاحتقانات التي
تتجمع منذ اكثر من اربعة عقود. ================= احتمال حصول نقلة نوعية
في الوضع السوري .. يكون لبنان
امتداداً لمتغيّراتها؟ النهار هيام القصيفي 2011-12-17 انصرفت اوساط
لبنانية متابعة منذ ايام الى تحليل
معطيات سياسية وامنية وردت اخيرا عن
جملة احداث مترابطة تنذر باحتمالات
حدوث تطور لافت في سوريا قد يكون مقدمة
لمتغيرات جوهرية تشمل سوريا ولبنان
معا. وتشير هذه المعطيات الى ان تأجيل
اجتماع وزراء الخارجية العرب الذي كان
مقررا اليوم، كان محتما في ضوء اضطرار
الدول العربية المعنية الى جلاء حصيلة
الاتصالات التي تقودها السعودية وقطر
عربيا مع دول القرار، لغربلة الخيارات
الموضوعة دوليا لمعالجة الملف السوري.
والتأجيل في هذا الاطار جاء استكمالا
للمشاورات التي اجراها وزير
الاستخبارات الإيراني حيدر مصلحي في
الرياض مع ولي العهد السعودي الأمير
نايف بن عبد العزيز وبحسب ما وصل من
معلومات، فان طهران التي اتهمتها
واشنطن والرياض بمحاولة اغتيال السفير
السعودي في واشنطن عرضت مقايضة على
السعودية لحل الازمة السورية ترافقها
عروض عن معالجات ملفات لبنان وسوريا
والعراق واليمن من ضمن تسوية ايرانية
– سعودية بعيدا عن تأثيرات واشنطن
والدور التركي . وتقاطعت هذه الزيارة
مع سلسلة زيارات على مستوى رفيع بين
انتقال رئيس الوزراء العراقي نوري
المالكي الى واشنطن، وزيارة وزير
الدفاع الاميركي ليون بانيتا الى
بغداد وانتقاله بعد ذلك الى تركيا،
التي وصل اليها ايضا رئيس الوزراء
الاردني عون الخصاونة. ومع تفاعل
اللقاءات الديبلوماسية، دخلت روسيا
على خط الازمة السورية، بعد تمهيد
استمر اسبوعين على الاقل، كانت ترسل
موسكو خلالهما جملة اشارات عن
اعتزامها الدخول بقوة الى الملعب
الدولي في الملف السوري. وتزامنت
الاشارات السياسية مع ارسال سفن حربية
الى المتوسط، وهو ما عدته تقارير غربية
رسالة اطمئنان الى ضباط الجيش السوري
ازاء أي تغيير محتمل في النظام. في حين
ان ثمة معلومات تفيد بان واشنطن لا
تزال هي الاخرى تتريث في دعم عسكري
متقدم ل"جيش سوريا الحر" محاولة
الحفاظ على الهيكلية الاساسية للجيش
السوري والافادة منه بعد سقوط النظام
على خلاف التجربة في العراق. من هنا جاء ارجاء الاجتماع العربي في
انتظار الانتهاء من بلورة المشاورات
الدولية، كي لا تأتي حصيلته اقل مما هو
متوقع. فبقدر التريث العربي ومحاولات تأخير
الاستحقاقات ، يلعب الرئيس السوري على
حد الهاوية، فلا وتيرة النظام تراجعت
في محاربة المتظاهرين، ولا هؤلاء
خففوا تحركهم الذي يودي يوميا
بالعشرات منهم. وبحسب معلومات الاوساط
اللبنانية، فان ثمة متغيرا ما يشق
طريقه الى الحدث السوري، وتؤكده
المعطيات، إذ يستمر الفرز الطائفي في
عدد من المحافظات التي تشهد توترا
مستمرا منذ آذار الفائت. وبحسب
المعطيات الجغرافية والاجتماعية التي
يعرفها المطلعون فان ثمة فرزا بدأ
يتركز في اللاذقية وبانياس وطرطوس
والتي تعرف تاريخا بجبل العلويين،
وهذه المنطقة تمتد نحو شمال لبنان.
وتضم من بين مناطقها جزءا اساسيا من
وادي النصارى، اذ ان اكثرية مسيحيي
سوريا موجودة في الوادي، الموجود بين
المنطقتين السنية والعلوية، رغم ان
اكثرية مناطقه المأهولة اقرب الى
المنطقة العلوية. في حين يسعى النظام
من خلال معركة حمص الممتدة محافظتها
نحو شمال لبنان الشرقي، الى فرض واقع
جديد، معزز بنشر قوات خاصة على الخط
الممتد من دمشق وتحويله ممراً آمناً.
وقد بدأ باحثون غربيون بالتواصل الجدي
مع خبراء امنيين لاستكشاف آفاق ما يمكن
ان يلجأ اليه النظام من خلال هذا
الفرز، بحيث تصبح المناطق مفروزة
تلقائيا بين الطوائف الدرزية الموجودة
اساسا في جبل الدروز، (من هنا يفهم نداء
النائب جنبلاط الى الدروز في سوريا
للانكفاء الى منطقتهم وعدم قمع
المتظاهرين)، والمناطق السنية الممتدة
على رقعة واسعة من حلب والقامشلي ودير
الزور ودمشق ودرعا وكل المدن بينها،
والتي تضم منطقة كردية. وبحسب خلاصات
تبدو مؤكدة، فان اقتناعات
الديبلوماسيين المعتمدين في دمشق هي
ان الرئيس السوري بشار الاسد لن يستسلم
بالسهولة التي يتوقعها البعض لبنانيا
او عربيا. بل ان اللبنانيين هم اكثر من
يعرف انه لا يمكن ان يستسلم لانه لا
يشكل حالة منعزلة بل حالة قوية في
طائفته وفي القوة العسكرية التي لا
تزال تدين له وتضم افضل الخبرات
العسكرية والامنية والمجهزة باحدث
انواع الاسلحة. والرهان على سقوط
النظام، وان يكن مرجحا، لا يعني تخلي
الاسد عن القتال حتى آخر لحظة. من هنا
الخشية ان يكون ما يستعد له داخل سوريا
يشكل في ذاته نقلة نوعية، تمثل وجها
جديدا للصراع في المنطقة. وحينها سيكون
لبنان امتدادا لهذه المتغيرات. ====================== مالك بن نبي يقرأ الربيع
العربي.. 2011.12.14 عزالدين ميهوبي الشروق الجزائرية لا أزعم أنني التقيت هذا الرجل.. لكنني
أذكر ملامحه جيّدا حين دُعيَ لإلقاء
محاضرة بإحدى قاعات السينما بباتنة
عام 1972 .. ولم أكن حينها أفهم معنى أن
يتحدث الانسان عن الحضارة والهوية
والزّمن والتاريخ.. وكنت أسمع في شوارع
المدينة الناس يتحدّثون عن الرجل
وفكره، ولم أكن أذكر
حينها سوى أن قاعات السينما أنشئت
لعرض أفلام مانغالا
بنت الهند، وجون
واين.. وفريد شوقي. مالك بن نبي عرفت قيمته أكثر بعد أن
التقيت المفكّر السوري اللاّعنفي جودت
سعيد الذي جمعتني به رحلة من دمشق إلى
بيروت عام 1998، فما أن عرف أنني جزائري،
حتى قال لي "أنا لا أقول إنك من بلد
المليون ونصف المليون شهيد.. ولكن أضيف
إليهم مالك بن نبي، هذا المفكّر العظيم
الذي أعادني
إلى طريق التفكير
السليم بعد أن انزلقت بعيدا.. إذ يكفي أنه صاحب
مقولة عندما تغيب
الفكرة ينمو الصّنم".. هو رجل
كلّما ابتعد عنّا
زمنيا صار أكبر
مما كنّا نعتقد.. من تلمسان يعود ابن نبي بعد 38 عاما على
رحيلة، وهو المفكر الاستشرافي، الذي
يقول بعض عتاة الفكر الغربي إنّهم
ثلاثة نجحوا في اختراق أسوار العقل
الأوروبي والغربي عموما، الجزائري
مالك بن نبي، والإيراني علي شريعتي
والباكستاني أبو الأعلى المودودي.
يعود في صورة أسئلة وأطروحات لم تمت،
وأفكار تحمل بذور استمراريتها في
عمقها وأصالتها. إنّه الرجل الذي رأى
الأشياء بعينين ثاقبتين، وكأنه سليل
زرقاء اليمامة. يعود مالك بن نبي
المتنبئ علمًا بما سيكون من أمر هذه
الأمة التي "وقفت أمام الغرب موقف
الزبون فأخذت منه الأشياء والمصنوعات
الجاهزة، وهذا عائد لطبيعة استهلاكية
في المجتمع العربي، على النقيض من
اليابان الذي وقف أمام الغرب موقف
التلميذ ليتعلّم، وهذا راجع لطبيعة
إنتاجية في المجتمع الياباني فاقتبس
منه المعارف".. تلك حقيقة أولى
دوّنها ابن نبي، قادته لاحقا إلى جملة
من الآراء التي تكرّست في الواقع
العربي، وهي أنّه "من عادة التاريخ
أن لا يلتفت للأمم التي تغط في نومها
وإنما يتركها لأحلامها التي تطربها
حينا وتزعجها حينا آخر"، وتلك أيضا
حقيقة أخرى، فالتاريخ اليوم لا يعني
الانغلاق في الماضي وأمجاده، والتباهي
بما حققه الأسلاف، إنّما صار مفهومه
مرتبطا بالمستقبل والحاضر، ألم يقل
بوش الإبن بعد11 سبتمبر 2001 "هناك أمم
تعتز بماضيها، فلها أن تفعل، أمّا نحن
فإننا سنصنع تاريخنا، وتاريخ غيرنا"،
لهذا لا غرابة أن يكون الأمريكان
موجودين في كلّ حدث، مهما كان نوعه أو
حجمه أو موقعه، ليضعوا بصمة الرجّل
القوي الشاهد على أحداث شارك فيها أو
باركها.. لهذا فإنّ رؤية ابن نبي،
تتقاطع مع فكرة أن هناك هامشا للتاريخ
يختاره الفاشلون في بناء الحضارة..
ويذهب المفكر الجزائري الفذّ إلى أنه
"ليس يكفي مجتمعاً لكي يصنع تاريخه
أن تكون له حاجات، بل ينبغي أن تكون له
مبادئ ووسائل تساعده على الخلق
والإبداع" وهنا مربط الفرس فيما
يسمى بثورات وانتفاضات الربيع العربي،
التي حرّكتها، بلا شكّ، حاجات مختلفة،
قد تكون الحرية والعدالة والكرامة
والمطالبة بتساوي الفرض ورفض الفساد..
ولكن ضمان بلوغ تلك المطالب لا يمكن أن
يكون إلاّ بتوفّر مناخ من القيّم
والمبادئ والقدرة في تجذيرها
وتأصيلها، حتى لا تنبت في بيئة النفاق
والديماغوجية.. ولا يمكن لثورة أن تنجح
إلا إذا كانت وطنية الانتماء، واضحة
الأهداف، صادقة الوعد، لأنّ كيمياء
الثورة هي الذات المؤمنة بالتغيير.
يقول مالك بن نبي "نحن لا نستطيع أن
نصنع التاريخ بتقليد خُطى الآخرين في
سائر الدروب التي طرقوها، بل بأن نفتح
دروباً جديد". لأنّ التقليد يفقد
الثورة هويّتها، ويجعلها أشبه بامرأة
تخدع غيرها بمساحيق مغشوشة. فالسر في
انتصار ثورات الجزائر والفيتنام وكوبا
هو أنّها لا تشبه غيرها، ولم تستلف
أدوات إنجازها من الآخرين.. فهل ثورات
الشارع العربي اليوم، وهي تختلف في
مضامين توجّهاتها، باعتبارها تهدف إلى
تغيير واقع لا إزالة استعمار غريب، هل
تمتلك هذه الرؤية، وهل هدفها إبدال
فكرة بفكرة، ونظام بآخر، وإحلال أشخاص
مكان آخرين أم أنها حجر في بركة ماء
آسن؟. يقول ابن نبي "إن ثورة
ما، لن تستطيع
تغيير الإنسان إن لم تكن لها
قاعدة أخلاقية قوية"، فهل أنتج
ميدان التحرير والساحات
الأخرى نموذجا لإنسان
يملك قابلية الانتقال
من مجتمع 24 يناير إلى 25 يناير، بفكر
يحمل القيمة المضافة لمصر، أو لبقية
البلدان التي شهدت أوضاعا شبيهة
بدرجات متفاوتة؟ لا أعتقد أن شيئا
كبيرا تحقق، لأن تراكمات التاريخ لا
يمكن تفكيكها بخطاب لا يتكئ على قاعدة
الإقناع والبديل والواقعي المقبول،
وقيم التسامح والمشاركة، لأن "من
سنن الله في خلقه، عندما تغيب الفكرة
يبرز الصنم" كما يقول مالك بن نبي،
ولا أعتقد أنّ الناس يخرجون من أجل
إنتاج نسخ منقّحة من الاستبداد
ورموزه، بل لتحسين أوضاعهم، وبناء
دولة الحق والعدل والقانون، لأنّ "الأفكار
التي تتعرض للخيانة تنتقم لنفسها"
كما خلُصَ إلى ذلك مالك بن نبي، أي أنّ
المجتمع عندما يشعر أنّ أمانته لدى
حكّامه قد تعرّضت إلى المصادرة
والتزييف، يمكنها أن تثأر لنفسها في
لحظة تاريخية، غير أنّ هذا الثأر لا
يكون بصواريخ الناتو لأنّ ذلك يدخل في
خانة.. القابلية للاستعمار. هكذا قرأ
مالك بن نبي أحداث العرب في 2011 .. ================= الثورات العربية
والاستراتيجيات الغربية (2) عبد
الرزاق
مقري 2011.12.14 الشروق الجزائرية أوضحت في المقال السابق بأن الأسس التي
تبني عليها أمريكا، زعيمة الغرب،
صداقاتها وتحالفاتها في المنطقة
العربية ثلاثة أسس، وهي المصالح
والسلام مع إسرائيل والتصرفات
الثقافية والحضارية كالديموقراطية
وحقوق الإنسان وحرية المرأة وغيرها.
وبيّنت بأن هذا الأساس الأخير هو مجرد
ادّعاء تستعمله أمريكا بمعايير مختلفة
وفق رضاها وسخطها على مدى التزام الدول
بالأساسين الأول والثاني اللذين
يبدوان متلازمين إلى الآن تلازما تاما.
والسؤال المحيِّر الذي طرحناه في آخر
أسطر محاولتنا في الأسبوع الماضي ولم
نجب عليه هو: أي الأساسين في
الاستراتيجية الغربية والأمريكية أسبق؟
أهو السلام مع إسرائيل أم المصالح؟
إن المتتبع للسياسة الخارجية الأمريكية
يدرك بأن هناك أساسا ثابتا في ما تريده
أمريكا في كل بقعة من العالم العربي
وهو المصالح، وأساسا آخر مرتبطا
بالموقع الجغرافي الذي يوجد فيه
الكيان الصهيوني. لا شك أن أمريكا
تتمنى لو أن جميع الدول العربية تكون
صديقة لإسرائيل، تقبل بوجودها
وتُطبِّع العلاقة معها. غير أن الذي
تريده بهذا الخصوص من الدول العربية
المحيطة بالوجود الإسرائيلي غير الذي
تريده من الدول العربية البعيدة عن
حدود الأرض الفلسطينية المحتلة. فالذي
تريده من مصر مثلا غير الذي تريده من
الجزائر، والذي تريده من الأردن
وسوريا ولبنان غير الذي تريده من تونس
والمغرب وليبيا واليمن والسعودية. لكي
تصبح هذه الدول البعيدة عن الأرض
الفلسطينية صديقة لأمريكا يكفيها أن
تتبع سياسات ضامنة للمصالح الأمريكية
والغربية، ولها بعد ذلك أن تعبر
بالخطابات والشعارات ما شاء لها أن
تعبر في معارضة إسرائيل والتنديد بها
شريطة أن لا تتدخل سياسيا في الملف
الفلسطيني بما يقلق إسرائيل، وأن لا
تطور قوة عسكرية يصل مداها إلى يافا أو
تل أبيب قد تُستعمل يوما ما في حال تغير
الأوضاع والظروف. وأما الدول ذات
الحدود اللصيقة بفلسطين فإن المطلوب
منها - بالإضافة إلى ضمان المصالح الغربية
- المشاركة في حماية
إسرئيل ذاتها، بتأمين
الحدود من كل هجوم أو تسلل
لداخلها بقصد الإضرار
بها، ثم السعي
لتطبيع وجودها والتعامل
الرسمي والشعبي معها. ليس مجال حديثنا في هذا المقال أسباب وجود
الكيان الصهيوني في الاستراتيجية
الغربية ودوافع التحالف المتين بين
الغرب وإسرائيل منذ وعد بلفور إلى
يومنا هذا، فقد وضَّحت هذا بشكل كاف في
كتاب قديم عنوانه "صدام الحضارات:
محاولة للفهم"، ولكن يكفي أن نذكر
هاهنا بأن زرع هذا الكيان في قلب الأمة
العربية والإسلامية هو في حد ذاته من
أجل المصالح الغربية. فبدل أن تبقى
القوى الإفرنجية ترسل حملاتها
الصليبية لمواجهة العالم العربي
والإسلامي (الذي تنظر إليه دوما بأنه
مناقض لحضارتها) وإيقاف مده وإضعاف
وجوده واستغلال خيراته وما يتطلب ذلك
من تضحيات وخسائر مادية وبشرية فإنه
يكفيها أن تُنبت في جسده كيانا غريبا
تعمل على تقويته وتفوُّقه ليقود
المنطقة كلها وفق حلم "مشروع الشرق
الأوسط الكبير" البائد، أو على
الأقل لكي يساهم في تشتيت المنطقة وضرب
استقرارها حتى لا تنهض أبدا. تماما مثل
أن يزرع طبيبٌ ماكرٌ في جسد شخصٍ غافلٍ
جسما غريبا عنه، يجعله في اضطراب دائم،
ويمنعه من النمو والتطور اللازم. لقد
أصبح الشعب اليهودي المُبْغَض أصلا من
قبل الغرب المسيحي - بهذه الاستراتيجية
- أداة لحماية المصالح الغربية في
المنطقة العربية من حيث يعتقد أنه يقيم
وجوده الديني والحضاري الموهوم على
أرض الميعاد، فهو من يخدم
الاستراتيجية الغربية ابتداء وليس
العكس كما يعتقد الكثير. ليست الأبعاد
الدينية والثقافية التي تفسر الترابط
الإسرائيلي الغربي سوى أدواة مساعدة
لخدمة المصالح المتبادلة بين نخب
وقادة الشعبين اليهودي والغربي لا غير.
إن تلك الأبعاد العقدية الحاضرة في
مخيلة عوام الشعبين لا ترقى، على
أهميتها، لأن تكون السبب الأول لقيام
الحلف "المدنس" بين الغرب
وإسرائيل، فقد أباد الغربيون بعضهم
بعضا من قبل وهم على دين واحد لما
اختلفت مصالحهم. لقد حاول الغرب أن يشيع ديمقراطية على
مقاسه في العالم العربي في بداية
التسعينيات، ليتخلص من حكام انتهى
دورهم وصاروا عبئا عليه لكثرة فسادهم
وعمق فشلهم وعدم قدرتهم على التحكم في
إفرازاتهم السلبية المتجاوزة للحد
المطلوب والمقبول، كالإرهاب والهجرة
غير الشرعية. فرصد في سبيل ذلك
ميزانيات كبيرة لإعداد أجيال جديدة
على تقنيات النضال الديمقراطي
المتعددة عبر شبكة عريضة من المنظمات
المدنية والإعلامية الحكومية وغير
الحكومية. غير أن استفادة الإسلاميين
من تلك التقنيات وفوزهم في مختلف
الانتخابات التي نُظمت آنذاك في
البلاد العربية أدى بالغرب إلى
التراجع تماما عن مشروعه وقفل راجعا
لشياطينه المعهودين لديه في مختلف
الحكومات الاستبدادية. لقد كان
الإسلاميون بحق هم الذين فضحوا الزعم
الغربي والأمريكي الكاذب بشأن
الديمقراطية. وها هم اليوم يصعدون مرة
أخرى بتدبيرٍ ساقته الأقدارُ ليس لهم
ولا لأميركا فيه شيء، فكيف سيكون معهم
مصيرُ أساسي المصالح والسلام مع
إسرائيل. هل سيكون تناقض تام بينهم
وبين هذين الأساسين؟ أم أنهم سيكونون
مثلهم مثل الحكام السابقين يخضعون
للإرادة والاستراتيجيات الغربية
ويتحالفون مع أصحابها تحالفا كليا
ويؤمنون بكل ما كفروا به من قبل في عالم
السياسة؟ أم أنهم سيفرقون بين المصالح
والموقف من إسرائيل فيُفلِحوا في
تفكيك هذا الترابط الذي وُجد ليبقى في
استراتيجيات الغرب، هذا الترابط الذي
وُجد لتكون فيه مصلحة إسرائيل هي مصلحة
أمريكا والغرب كله، ومصلحة الغرب
وأمريكا هي مصلحة إسرائيل؟ هل ستحدث
هذه المعجزة الكونية بيد الإسلاميين
كذلك، فيقع التباين بين مصلحة
الصهاينة والغربيين؟ ثم تُفحص بعد ذلك
قضية المصالح بين الغرب والمسلمين
لتكون على أساس العدل لا الظلم ، على
أساس السلم لا الحرب، على أساس حرية
الإرادة وكرامة الناس لا القهر
والاستبداد وهضم حقوق العباد، على
أساس التكامل وتبادل
المنافع لا التناقض
والسطو على خيرات
الخلائق. قبل الجواب على ذلك لا بد أن ننظر إلى
تصرفات الغرب تجاه الثورات العربية
حالة بحالة حتى يظهر لنا ما هو المهم
عنده في الواقع الجديد وما الذي يمكن
أن يحققه في ظل هذا الانقلاب الجذري
الذي وقع في أهم منطقة جيوستراتيجية في
العالم بالنسبة لديه. سنتحدث في المقال
المقبل عن تطور الاستراتيجيات الغربية
الجديدة في كل من تونس ومصر وليبيا
واليمن وسوريا، وسنحاول أن نبحث عن
دوافعه في كل قطر من هذه الأقطار وفي كل
ثورة من ثوراتها وفق نظرية الأسس
الثلاثة التي بنينا عليها موضوعنا حتى
نرى ما الذي سيبقى ثابتا في العلاقة
بين العرب والغرب بعد الثورات وما
الذي سيتغير. ================= ماذا بعد تحول الموقف
الروسي من سورية؟ الوطن
السعودية 17-12-2011 التحول الفجائي الذي طرأ على الموقف
الروسي من الأزمة السورية، يعني أن
روسيا فقدت الأمل فيما كانت تتوهمه من
وجود مخارج دبلوماسية بعيدة عن أساليب
الضغط على النظام السوري، أو أنها قرأت
مستقبل مصالحها قراءة جديدة، تنطلق من
إدراك حتمية سقوط النظام عاجلا أم
آجلا، فضلا عن أن هذا التحول يمكن أن
يكون ناجما عن المظاهرات الاحتجاجية
التي شهدتها موسكو بعد الانتخابات،
ولذا حرصت روسيا على تقديم نفسها
بوصفها الداعمة لحقوق الشعوب، عوضا عن
كونها الداعمة للأنظمة القمعية، في
محاولة لتحسين صورتها أمام مواطنيها
الغاضبين، في محاولة لإعادة الهدوء. إن دعوة روسيا، أول من أمس، إلى عقد جلسة
طارئة لمجلس الأمن، طرحت من خلالها
مشروع قرار يتعلق بالشأن السوري، يدل
على أن روسيا اختارت الحزم مع النظام
السوري، بعد أن أدركت أن خطها السياسي
السابق لم يكن متفقا مع مصالحها
الدولية، ولم يكن خادما لاستقرارها
الداخلي. مشروع القرار الروسي المقترح على مجلس
الأمن، يدين الاستخدام المفرط للقوة،
ويحذر من مغبة التدهور المتزايد
للأوضاع في سورية، سواء أكان ذلك على
المستوى الأمني، أم على المستوى
الإنساني. السفير الروسي في الأمم المتحدة، فيتالي
تشوركين قال: إن روسيا تريد لمجلس
الأمن أن يؤدي دوره المطلوب للتوصل إلى
حل للأزمة السورية، على الرغم من أن
المواقف السورية في أوقات سابقة كانت
أحد الأسباب المعطلة لوجود دور حقيقي
وفاعل لمجلس الأمن حيال ما يحدث في
سورية. التحرك أو التحول الروسي، يمكن أن يكون
إشارة البدء لإيجاد تحرك دولي، بشأن
الوضع السوري، بيد أن أي تحرك من هذا
النوع، يجب ألا يتم دون التنسيق مع
الطرف العربي، ودون التوافق والموافقة
على طريقة التحرك، التي يتحتم أن تكون
مسايرة للخطوات التي قطعتها الجامعة
العربية في هذا الصدد، وهو ما يبدو أن
المجتمع الدولي يدركه جيدا، ويعمل على
تحقيقه. إن أيسر الطرق وأقصرها، هو أن يتم تحويل
الجهد العربي إلى مجلس الأمن، بحيث
تتحول الخطة العربية نفسها إلى مجلس
الأمن، لتصدر بلغة الأمم المتحدة، وفي
ذلك حفاظ على الجهود السابقة، واختصار
للوقت، وتحقيق للهدف المشترك، لأن
المبادرة الوحيدة في الساحة الآن، هي
جهود الجامعة العربية. ====================== د . عبدالله تركماني التيار القومي العربي 17/12/2011 تصلح الثورات العربية، التي دشنتها
الثورة التونسية في 14 يناير/كانون
الثاني 2011، مدخلاً لعملية تقييم
وإعادة نظر في الكثير من الأفكار
والأحكام التي هيمنت على الثقافة
السياسية العربية في العقود الممتدة
منذ هزيمة يونيو/حزيران 1967 إلى اليوم. أوليس التعدّي على الحريات وانتهاك حقوق
الإنسان، والتوقيف الاعتباطي خارج
إطار القانون والتعذيب الذي تعرّض له
معتقلو الرأي والضمير، والهيمنة على
القضاء والتدخل الفاضح في شؤونه،
واحتكار الثروات الوطنية من قبل فئة
قليلة على حساب الأكثرية، وانتشار
الفساد والمحسوبية، وتقهقر التعليم،
وزيادة حدة التفاوت الاجتماعي وانحسار
دور الطبقات الوسطى، وتعثّر التنمية،
أوليست كل تلك الظواهر تشكل أسباباً
كافية لاندلاع الثورات في مجتمعاتنا ؟ إنّ مقاربتنا لمقدمات ربيع الثورات
العربية تريد القول بأولوية معركة
التقدم والارتقاء الحضاري على ما
عداها. فلو كانت إدارتنا لمواردنا
الاقتصادية والبشرية إدارة عقلانية،
وكانت مدارسنا وجامعاتنا من مستوى
لائق، وبرلماناتنا تنهض بأدوارها
التمثيلية والتشريعية والرقابية،
وسلطاتنا القضائية تضمن العدالة
للسكان، ومواطنونا يستطيعون انتقاد
حكامهم على نحو ما غدا شائعاً اليوم،
ولو كانت سجوننا خالية من سجناء الرأي
والضمير. لو كان كل ذلك لما لاحقتنا
الهزائم والانتكاسات منذ النكبة
الفلسطينية عام 1948 إلى اليوم. وهكذا، لعل أول ما يمكن قوله، بشأن ثورات
الربيع العربي، أنّ هذا الربيع سحب من
سوق التداول الإعلامي والتصنيف
السياسي تلك الصورة النمطية التي كانت
رائجة في الغرب المتعلقة بما كان يسمى
الاستعصاء الديمقراطي العربي. كما أنّ
الربيع العربي لم ينشأ من فراغ أو
لأسباب مثالية طوباوية مرتبطة فقط
بالتعلق بأشواق وسرديات لاهوت
الديمقراطية والإصلاح، وإنما هنالك
أسباب موضوعية ملموسة من واقع مفردات
الحياة اليومية للإنسان العادي هي
التي أدت إلى كل ما جرى. ففي سياق تفسير
ما جرى كانت كلمة السر هي الفشل
التنموي والانسداد السياسي، مما أدى
إلى تراكم الإحباط والاحتقان ومهّد
الظروف لسقوط آخر تبريرات تلك النظم
السياسية والاقتصادية أمام الاستياء
الشعبي العام. وبدءاً يحسن تأكيد أنّ هذه المقاربة لا
تدّعي احتكار حقيقة فهم مقدمات
الثورات العربية، ولكنها محاولة في
اتجاه ذلك الفهم. إذ أنّ انفجار
الثورات لم يأتِ من فراغ، بل هو جاء
استكمالاً لتاريخ سابق من النضالات
والانتفاضات والتضحيات على امتداد
عقود طويلة. لماذا الثورات الآن في العالم العربي ؟ تقاطعت عدة سلاسل سببية لتفجير الثورات:
أولها، شعور عام بالمهانة من دور
القرابة في السياسة العمومية ومشاريع
التوريث، فكأن الحكام مالكين لبلدانهم
وليسوا مجرد حاكمين، بتفويض محدود
ومؤقت. وثانيها، سخط قطاعات واسعة من
السكان على إدارة الشؤون العامة،
وبخاصة تلاحم احتكار السلطة مع
الاستئثار الواسع وغير الشرعي بالثروة.
وثالثها، تتصل بالمحرك الظرفي العارض
الذي يستحيل التنبؤ به وتقدير آثاره،
وقد تمثل في تونس بإشعال محمد بوعزيزي
جسده احتجاجاً على مهانة تعرّض لها. وهكذا، تتعدد أسباب ومقدمات الثورات
العربية، وفي مقاربتنا هذه سنتناولها
كما يلي: (1) – الفشل التنموي تجلى التعبير عن ذلك من خلال سوء توزيع
الدخل الوطني في الدول العربية، حيث
تتحكم أقلية من السكان بالقسم الأكبر
من هذا الدخل، في حين بقيت أكثرية
المجتمعات العربية عرضة لتفاقم ظاهرة
الفقر والبطالة، مما انطوى على تفاقم
الاحتقان السياسي والاجتماعي، واتساع
دائرة الإحباط، وارتفاع درجة التوتر
والاستعداد للانفجار والانفلات
والعنف لدى أغلب الأوساط الاجتماعية
وعلى جميع المستويات. لقد قدمت حصيلة السياسات العربية في مجال
التنمية فشلاً في نهوض المجتمعات
العربية، على رغم الموارد المادية
والبشرية التي تملكها. وتكفي الإشارة
إلى بعض المصائب التي تتخبط فيها
المجتمعات العربية: نسبة الأمية
العالية، والهوة السحيقة بين الأغنياء
والفقراء، واكتظاظ المدن بالسكان،
وهجوم التصحر على الأراضي الزراعية،
والأحياء شبه العشوائية، والطرق
الخالية من الأرصفة، والمرافق
والخدمات التي تُبنى وتُدار بلا تفكير
في رأي المواطن وراحته واحتياجاته. كما
أنّ ظاهرة البطالة تعتبر من التحديات
الكبرى التي تواجه العالم العربي، إذ
تزايد حجم القوى العاملة سنوياً بمعدل
2.511 مليون خلال تسعينيات القرن الماضي،
وقد ترتفع الزيادة خلال العقد الحالي
إلى 3.350 مليون سنوياً. ويبدو أنّ الفقر العالمي ليس كالفقر في
العالم العربي، فقد قال تقرير التنمية
البشرية لعام 2009: إنّ شعوب العالم
العربي من أكثر شعوب الأرض فقراً، حيث
متوسط دخل الفرد السنوي لا يزيد على
ألف دولار لنسبة تزيد على 70% من سكان
العالم العربي. كما أنّ أغلب الحكومات العربية لم تتمكن
من تحقيق أثر فعّال للتخفيف من الآثار
السلبية التي انتابت أريافها، وشكّل
سوء توزيع الدخل فى الأوساط الريفية
عنصراً مهماً فى تسخين الاحتقانات
الاجتماعية التي تصاعدت لدرجة لم تفلح
معها المسكّنات في تقليص أوجاعها. أما الملمح الآخر للفوات التاريخي
العربي، فقد تجلى في الضعف المعرفي،
فبالرغم من الانتشار والتوسع الكمي في
عدد المدارس والجامعات والمعاهد
العليا، فقد صاحب ذلك التوسع الكمي
تدنٍّ مريع في نوعية ومستوى التعليم في
كل المراحل. (2) – الانسداد السياسي ثمة عوامل ثلاثة تظل هي المحرك الأساسي
للثورات العربية: أولها، تآكل صلاحية
المشاريع الوطنية للدولة العربية،
وذلك إما بفعل الفشل السياسي والفساد
الاقتصادي والظلم الاجتماعي، أو
لانعدام القدرة على تحقيق التماسك
الداخلي. وثانيها، زيادة النزعة
الإقصائية والاستئصالية لسلطة الدولة
العربية، والتي تعبّر عن نفسها يومياً
في السلوك القمعي لأجهزتها ومؤسساتها
الأمنية، ما يوّلد احتقاناً مجتمعياً
يعزز نزعات التمرد ويدفع ببدائل
التفتت الداخلي إلى الواجهة. وثالثها،
وجود أدوار وقوى خارجية تسعى لاستثمار
ما سبق من أجل تعزيز حضورها في العالم
العربي. ومن نافلة القول أنّ أغلب النظم العربية
تفتقد لأية شرعية دستورية وتعاني في
مجملها من إشكالية في أدائها السياسي،
وتفتقر إلى الشفافية في طريقة تعاطيها
مع مواطنيها. (3) – تدهور الحياة الثقافية العربية المنظمة العربية للتربية والثقافة
والعلوم ” الكسو ” أعطت صورة سوداوية
أكثر تشاؤماً عندما أعلنت أنّ نسبة
الأمية وصلت إلى 30 % (ثلث سكان العالم
العربي)، أي حوالي 100 مليون أمي عربي
يرزحون تحت نير الأمية والفقر والتخلف
ويشكلون قنابل متفجرة داخل أوطانهم
وخارجها. وفي المقابل أُعلن أنّ 50 % من
الأدمغة العربية وأصحاب الخبرة، أطباء
ومهندسين وعلماء وأيدي عاملة من
المهرة والفنيين، أُجبروا على الهجرة
من أوطانهم لتستوعبهم الدول المتقدمة
وتستفيد من قدراتهم وإمكاناتهم
وخبراتهم. وعلى صعيد الثقافة السياسية العربية
تتعدد أوجه القصور: فمن جهة، تهيمن
الأدلجة العميقة على العقل السياسي
العربي المعاصر بصفة خاصة، مما جعله لا
يهتم إلا بالعموميات وينسى التفصيلات.
ومن جهة ثانية، لا يمتلك الوعي المطابق
لحاجات التقدم العربي. (4) – تعثّر الإصلاح العربي جرى الحديث عن الإصلاح لدى أغلب الحكومات
العربية من دون مضمون حقيقي أو اقتناع
كامل، إذ لم تبادر لتأسيس حياة
ديمقراطية دستورية تتجاوز حكم التسلط
وتكون قابلة للتطور حسب حاجة تقدم
المجتمع وتطلعاته، وحسب المعايير
العامة التي كرستها المواثيق العالمية.
كما لم تسعَ لتحقيق العدالة
الاجتماعية بين المواطنين، بما يتجاوز
معسكري الغنى الفاحش والفقر المدقع. بل أنها بدأت تساوم على خطوات وإجراءات
سطحية، من قبيل الاكتفاء بالإصلاح في
المجال الاقتصادي وتأجيل أي إصلاح
سياسي، أو إثارة مشكلة وهمية بين
قابلية المجتمعات للرضا ببعض الحريات
دون التداول السلمي للسلطة، باعتبار
أنّ المجتمعات العربية ” ليست ناضجة
بما فيه الكفاية ” لكي تقوم على شؤون
نفسها بكل كياسة وحكمة. (5) – التحولات الاجتماعية وبروز دور
الشباب إنّ ثورات الربيع العربي ذات الطابع
الجماهيري الواضح، كشفت سلسلة من
الحقائق التي لم تكن متوقعة بالحسابات
السياسية المجردة، ومنها على سبيل
المثال لا الحصر: التناقض الكبير بين
الوعي الاجتماعي والوجود الاجتماعي،
والحالة الشبابية المتطلعة للمستقبل،
والمُقيمة في جوهر القضية، وهو ما لم
يكن مرصوداً في أذهان النخب، ممن
أجمعوا دون حق على ركاكة وسطحية شباب
اليوم. فقد امتلكت هذه الثورات قوة
تعبوية هائلة بفضل التطور التكنولوجي،
فاقت في ذلك القدرة التي امتلكتها
الدولة واحتكرتها لسنين طويلة. ومن عناصر قوة الثورات الحالية أنها غير
” مؤدلجة “، أي أنها ليست مرتبطة بفكر
سياسي أو ديني. كذلك فهي ثورات غير
طبقية، بمعنى أنها لم تتولد إثر صراع
طبقي. وهي ليست ثورات طائفية أو عرقية،
فقد انضوت تحت لوائها أغلب مكوّنات
المجتمع. وأخيراً فإنّ من طبيعتها أنها
ثورات سلمية، سلاحها صدور عارية،
باستثناء الثورة الليبية التي فرض
عليها السلاح فرضاً، وإلى حدٍ ما
الثورة السورية التي عرفت ظاهرة ” جيش
سورية الحر “. وإذ نتحدث اليوم عن هذه الثورات في
بلداننا فلا بد لنا من أن نرى بأنها،
حين انطلقت في تونس ثم في مصر ثم في
البلدان العربية الأخرى، إنما كانت
العفوية طابعها الطاغي. وما أن سلكت
طريقها وكونت جمهورها حتى بدأ الوعي
الحقيقي يحتل مكان العفوية لدى أقسام
واسعة من جمهورها. والعفوية في هذه
الثورات إنما تتمثل في أنّ الحراك
الشعبي، الذي كان الشباب والعمال
والمهمّشون والفقراء والكثير من
المثقفين يشكلون قوته الأساسية، كان
في جوهره رد فعل غريزي على قهر دام
عقوداً، في ظل استبداد استخدم قادته كل
ما في ترسانة الاستبداد من عمل لتدمير
حياة البشر وتحويلهم إلى أدوات فاقدة
للوعي والإرادة ومستسلمة لواقعها
المرير. إنّ شباب الثورات العربية أكثر الماما
بتقنيات التواصل الحديثة، خاصة شبكات
التواصل الاجتماعي التي تمكن من ربط
العلاقة بين الأفراد بدون المرور من
الوسائط التقليدية كالأحزاب. وهذا هو حال معظم الشباب العربي ممن هم
دون الثلاثين من العمر، الذين يشكلون
أغلبية السكان في العالم العربي، وهذا
الشباب لم تتمكن المؤسسات الرسمية
العربية من تلبية تطلعاته ولم تستطع
النخب العربية المثقفة إشباع حاجاته،
مما أدى إلى أن يعتمد على نفسه ويتجه
نحو بناء عالمه الخاص الذي لا يقبل فيه
إملاءات من أحد. ولعلّ أهم أسباب تفجر هذه الثورات هو
تغيير علاقة السلطة مع منابع المعرفة،
أي انتقال الأفكار الإنسانية والقيم
الكونية والمبادئ المشتركة بشكل أفقي
تراكمي، مما ساهم تدريجياً في التأسيس
لوعي جمعي فعّال، بعد أن كانت هذه
الأفكار والحقائق محتكرة من قبل
الإعلام السلطوي لتخرج من السياقات
التي تولدت عنها وتلقّن بشكل عمودي
انتقائي وعظي بغية تمييع الإرادة
المستقلة والاختيار الحر. بهذه السياسة تحول المواطن من متلقٍ سلبي
مهمش ومسحوق إلى مساهم فعّال في صناعة
الحدث، إذ بدأ الفرد يتحسس دواخله
ويدرك أنّ الشعوب هي التي تصنع الأنظمة
التداولية وتفرض عليها محاسبتها
ورقابتها الشرعية، وليس الأنظمة
المطلقة هي التي تصنع الجماهير وتفرض
عليها رقابتها الأيديولوجية الخانقة
وتغرس قبضتها الأمنية في رقاب الناس. ملامح المستقبل العربي تتحدد ملامح المستقبل العربي على خطوط
صدع اجتماعي جديدة، وضمن توازن قوى
سياسي بازغ، وعلى نحو مختلف – إلى حد
بعيد – عما كان عليه الحال منذ ظهور
الدول الوطنية العربية خلال النصف
الثاني من القرن العشرين. إنّ ربيع الثورات العربية فتح أمالاً
كبيرة فيما يخص تحرر الأفراد والشعوب،
وأعطى فرصة تاريخية وغير مسبوقة لشعوب
المنطقة لربح رهان التحرر والتقدم من
خلال: تحقيق التنمية، ودعم دولة الحق
والقانون، واحترام حقوق الإنسان،
والقطع مع الفساد والاستبداد، وإعلاء
قيم الحرية والعدالة الاجتماعية،
وتجاوز هدر الثروات والطاقات. الانتقال الديمقراطي ليس مضموناً لا شك أنّ العالم العربي يعيش مخاضاً غير
مسبوق فيما بات يُعرف بربيع الثورات
العربية، ولكن ككل مخاض تبقى التخوفات
واردة، ليس بالضرورة من باب التشكيك
بالثورات بل من باب الخوف عليها
وأحياناً منها. إذ تدل الشواهد
التاريخية بأنّ الحكم على الثورات لا
يكون من خلال خروج الجماهير للشارع ضد
النظام، ولا من خلال إسقاط رأس النظام،
بل من خلال مخرجاتها النهائية، بمعنى
التغيير الجذري للنظام سياسياً
واجتماعياً واقتصادياً، وأيضا أنّ
الثورات لا تؤتي أكلها مباشرة، فقد
تحتاج لسنوات حتى تستقر أمورها ويشعر
الشعب بأنّ تغييراً إيجابياً قد حدث. وما نحتاج إليه اليوم هو ثقافة سياسية
جديدة، فلا يكفي تغيير حاكم أو ذهابه
لنحقق الهدف، وإنما يجب تغيير بنية
الثقافة السياسية في المنطقة. إذ أنّ
التحدي الأكبر أمام العقل السياسي
العربي يكمن في كيفية اشتقاق مناهج
وأدوات للموازنة بين الثورة والتغيير
من جانب والحفاظ على الاستقلال الوطني
من جانب آخر، وكيفية التوفيق بين
المأمول من ثورة تحرر الوطن من ربقة
عبودية الاستبداد والحفاظ على وحدة
الشعب من جانب و تجنيب البلاد من مخاطر
نزعات الهويات الفرعية ما قبل الوطنية. والأمل كبير بأنّ هذا الطور الانتقالي
سيفضي إلى قيام نظم تعيد إنتاج الدولة
والسلطة والمجتمع في حاضنة المواطنة
وحقوق الإنسان والمساواة والعدالة
والدولة المدنية، التي تكفل حريات
المواطنين بغض النظر عن دينهم أو
انتمائهم الطبقي أو أصلهم، وتعاملهم
كذوات قانونية حرة متساوية في الحقوق
والواجبات، وفي فرص العمل والتعليم
والتقدم. وكيفما ستجري الأمور، ستبقى
تونس في خاتمة المطاف هي المرجعية
الدستورية والديمقراطية الأولى التي
سترنو إليها الشعوب العربية. خاتمة إنّ الشباب العربي، التواق إلى نيل حريته
وكرامته المسلوبة والتمتع بالعدالة،
يرنو إلى دولة مدنية ديمقراطية تحترم
حرية وكرامة بناتها وأبنائها وتقف على
مسافة واحدة منهم جميعاً، على أساس
مبدأ المواطنة بصرف النظر عن الانتماء
للسياسة والدين والعرق واللون والجنس.
مما يستوجب أن تنتقل كل قوى الأمة
الفاعلة والنخب الفكرية والسياسية
منها، على وجه التحديد، من حالة
التنظير إلى حالة الفعل الإيجابي
بالسعي لتشكيل توافقات وطنية داخل كل
قطر عربي، أو ما يمكن تسميته ب ”
الكتلة العربية الواحدة من أجل
التغيير ” حيث يعطى هذا التجسيد
العربي من الصلاحيات ومن القدرات ما
يؤهله من القيام بعملية إصلاح سياسية
شاملة، تهدف إلى صياغة رؤى فكرية
معاصرة تتعايش مع ثوابت الأمة وتنطلق
مع العصر لبناء مؤسسات المجتمع المدني
وإرساء قواعد دولة الحق والقانون
وانتهاج الديمقراطية مساراً
والتعددية ثراء وإغناء للحياة
العربية، واعتماد الحرية متنفساً
إنسانياً للتعبير والنقد البنّاء
والمشاركة الخلاقة، وإشاعة روح البحث
العلمي في كل ميدان من الميادين وإتاحة
المناخات الصحية التي تفجر طاقات
المبدعين من أبناء الأمة. فهل سنتمكن من محو الأمية وتأمين مقعد
دراسي لكل تلميذ ؟ هل سنقضي على الرشوة
وأنواع الفساد ؟ هل سنعمل على تشكيل
رأي عام عربي فاعل ؟ هل سننعم
بانتخابات شفافة ونزيهة ؟ هل سنترك
للإعلام الحرية اللازمة ونسمح له
بالعمل حتى ولو تعارض مع مصلحة زعيم أو
رئيس ؟ هل سنضع قوانين عصرية تعطي
المرأة كامل حقوقها المدنية ؟ هل سنجهر
بانهيار حقبة عربية بأزمنتها ورموزها
لكي يكون بإمكاننا أن نرمم أو نعيد
بناء عروبة جديدة وإنسان عربي جديد،
بحيث لا نترك الإنسان العربي محبطاً
ويائساً ؟ ------------------------ المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |