ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
جواد البشيتي العرب اليوم 2011-12-18 العداء (الشعبي العربي المتأصل في النفوس)
لإسرائيل هو دائما الكامن المستتر في
كثير من دوافع وحوافز وأسباب وقوى "الحراك
الشعبي الديمقراطي" في كل البلاد
العربية التي عرفته وشهدته; وهذا
العداء (المبرر واقعيا, والمفيد
والضروري لشعوبنا العربية كافة) هو
أيضا السبب لهذا العداء الشعبي العربي
للولايات المتحدة ولسائر حلفاء
إسرائيل الغربيين. قلت إن الاحتفاظ بجذوة العداء لإسرائيل
هو أمر ضروري ومفيد للشعوب العربية;
لكن هذه "القاعدة" لها أيضا
استثناء; فإنَّ بعضا من العداء لهذا
العدو القومي الأول للعرب يعمي
الأبصار والبصائر, وقد يجعلنا معادين
حتى لأنفسنا, أي لحقوقنا الديمقراطية;
ولقد رأينا هذا واضحا جليا في مواقف
بعض قوى وأحزاب المعارضة العربية من
نظام الحكم في سورية. رأينا هؤلاء يقفون مع ثورتي تونس ومصر,
وضد ثورة الشعب في سورية على نظام
الحكم الدكتاتوري; فالثورة في مصر "حلال";
لأنها ضد نظام حكم ترضى عنه إسرائيل
والولايات المتحدة; أما في سورية فهي
"حرام"; لأنها ضد نظام حكم "معاد"
لإسرائيل, يقف إلى جانب "قوى
المقاومة العربية" في فلسطين ولبنان. بعض من هؤلاء الحزبيين "القوميين",
"المعادين" لإسرائيل, ولحليفها
الدولي الأول, قد يتفق معك على أن نظام
الحكم في سورية هو, في طبيعته وجوهره,
نفي للديمقراطية بأوجهها كافة; لكن ثمة
"ضرورة", هي "العداء"
لإسرائيل, تبيح هذا "المحظور", أي
نفي الديمقراطية; وبعض آخر يحسن الظن,
ديمقراطيا, في نظام الحكم السوري,
فيزعم أن نظام الحكم هذا ليس في طبيعته
منافيا للديمقراطية, ويمكنه أن يأتي
للشعب السوري بكثير من الإصلاح
السياسي والديمقراطي; لكن "ضرورات
الصراع (القومي بينه وبين إسرائيل)"
تمنعه من ذلك. ثورة الشعب السوري عكَّرت المياه السورية;
وليس ثمة ما يمنع قوى عدة, إقليمية
ودولية, ومن داخل سورية أيضا, معادية,
بمصالحها وأهدافها, لسورية, ولثورة
شعبها على وجه الخصوص, من الاصطياد في
هذه المياه; لكن, هل هذا يعني أن نقف ضد
ثورة الشعب السوري على نظام الحكم
الدكتاتوري, أو أن نقف مع نظام الحكم
هذا ضد ثورة شعبه عليه?! لا بد لنا من أن نميز هذا من ذاك, ومن أن
نبتني موقفا من هذا التمييز, وإلا
أسأنا الفهم; فإنَّ بعض "القوميين
العرب" ظل في خطابه ومنطقه وموقفه,
خير دليل على أنه لم يخرج من تجربة
صراعنا القومي المديد ضد إسرائيل
بالدروس والعبر الأساسية والجوهرية,
والتي في مقدمها أن "العداء
الدكتاتوري", أي الذي تظهره أنظمة
الحكم الدكتاتورية العربية, لإسرائيل
هو عداء زائف, عاجز, وغير مُجْدٍ
لشعوبنا في صراعها القومي ضد هذا العدو;
فأنت لا يمكنك أن تكون صادقا في عدائك
القومي لإسرائيل إذا لم تقف, في الوقت
نفسه, ضد أنظمة الحكم الدكتاتورية
العربية, ومع الحقوق الديمقراطية لكل
شعب عربي; وليس من "التزام قومي",
أو "التزام ديني إسلامي", يحق
لأصحابه أن يتخذوه سببا, أو مبررا,
للتصالح مع أنظمة الحكم الدكتاتورية
العربية, وللوقوف ضد الثورات الشعبية
الديمقراطية عليها, مهما كثر, وتكاثر,
المصطادون, أو الذين لديهم الرغبة في
الاصطياد, في المياه العربية التي
عكرتها, وتعكرها, هذه الثورات. إنَّ نظرية "المياه العكرة والمصطادين
فيها" هي نظرية لتبرير التصالح مع
الدكتاتورية العربية, وتتنافى تماما
مع حقيقة موضوعية بسيطة هي أن لدى
الشعب السوري من أسباب العداء لدولته
الأمنية الاستبدادية ("المعادية",
لسانا, لإسرائيل) ما يشدد الحاجة لديه
إلى "ثورة تلد ثورة" ضد هذه الدولة;
وإنَّ من ألفباء السياسة الثورية في
وضع معقد كهذا الوضع السوري أن يتمثل
الثوريون مبدأ "السير على حدة,
والضرب معا"; فلا مانع يمنع من أن
يأتي الضرب على رأس نظام الحكم السوري
من قوى وأطراف عدة مختلفة متباينة
متناقضة, على أن تظل ثورة الشعب السوري
تسير على حدة, مميزة دائما رايتها من
راياتهم; فهم لهم أجنداتهم, وللثورة
السورية أجندتها; وإن كثيرا مما تتضمنه
أجنداتهم لن تنزل بردا وسلاما على ثورة
الشعب السوري; فعدو عدوي ليس دائما, أو
ليس بالضرورة, صديقي أو حليفي. إنَّ رياحا دولية وإقليمية وعربية كثيرة
تهب على سورية, وكأن كل ريح منها تسعى
في تسيير الصراع فيها بما تشتهي هي;
فلتعرف سفينة الثورة السورية كيف
تستفيد من هذه الرياح, وكيف تدرأ
مخاطرها عنها, في آن; فإن ثورات الربيع
العربي لن تتأكد معانيها ومراميها
الحقيقية إلا إذا عرفت كيف تزاوج بين
شرعيتيها: "الشرعية الديمقراطية",
المستمدة من العداء لنظام الحكم
الدكتاتوري, ومن الصراع من أجل "الدولة
المدنية", و"الشرعية القومية",
المستمدة من العداء لإسرائيل, وللقوة
الإمبريالية العظمى في العالم. ولو كان لأنصار نظام الحكم السوري من
العرب من قوة البصر والبصيرة, أو مما
يجعلهم في حاجة إلى قوة البصر والبصيرة,
لرأوا نظام الحكم هذا على حقيقته
القومية العارية تماما من الأوهام,
فحقائق الواقع ما انفكت تحاول إقناعنا
بأن "الالتزام القومي" لنظام
الحكم السوري لا يعدو كونه "موقفا
قوميا" يقفه نظام الحكم هذا إذا ما
تبين له, وتأكد, أن هذا الموقف, مع
نتائجه وعواقبه التي يتوقع, يمكن أن
يفيده كثيرا في تقوية, وإطالة عمر,
الدولة الأمنية الدكتاتورية في سورية;
فبقاء هذه الدولة (ولو لم يبقِ على
الشعب السوري نفسه) هو وحده التفسير
والتعليل لسياسة نظام الحكم السوري في
مدها, أو جزرها, القومي. ولأولئك الذين التبس عليهم معنى "الربيع
العربي" أقول إن كل ثورة عربية تظل
ناقصة, مشوهة, عرضة للهلاك, إنْ هي
أفرطت في انتصارها ل¯ "الحق
الديمقراطي", لتفرَّط في "الحق
القومي", أو إنْ هي أفرطت في
انتصارها ل¯ "الحق القومي",
لتفرِّط في "الحق الديمقراطي";
فشعوبنا, في ربيعها الثوري, تحتاج إلى
فولتير ومونتسكيو وجون لوك وتوماس
هوبز وجان جاك روسو; لكن من غير أن
تنتفي, أو تتضاءل, حاجتها إلى بيسمارك. وثمة ثلاثة أشياء ينبغي لشعوبنا, في
ربيعها الديمقراطي الثوري, وللشعب
السوري الشقيق على وجه الخصوص, نبذها,
واجتنابها ما استطاع إلى ذلك سبيلا;
لأنَّ نظام الحكم الدكتاتوري لا يمارس
كل هذا الذي يمارسه من بطش وقمع وإرهاب
وتقتيل إلا توصلا إلى إيقاع الحراك
الشعبي في أفخاخها. وهذه الأشياء, أو المحاذير, الثلاثة إنما
هي: مقارعة السلاح بالسلاح, أو مبادلة
عنف الدكتاتور بعنف شعبي, وترجمة
الصراع (الذي هو صراع سياسي واجتماعي,
ومن أجل الحرية والديمقراطية) بلغة
دينية, أو بما يشوهه ويمسخه من طريق هذه
العصبية التافهة, أو تلك, والتصالح مع
الدعوات إلى الاستنجاد والاستغاثة
بقوى دولية وإقليمية (وعربية) هي
موضوعيا, على الأقل, ضد المعاني
الحقيقية ل¯ "الربيع العربي".0 ================= الأزمة السورية... كل
الطرق تؤدي إلى «التدويل» سلمان الشيخ مدير مركز «بروكينجز» في
الدوحة ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور» الاتحاد تاريخ النشر: الأحد 18 ديسمبر 2011 شكل يوم 4 أكتوبر الماضي لحظة حاسمة في
مسار التطورات الجارية في سوريا عندما
فشل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة
في التصدي للأزمة المتفاقمة هناك
والعنف المتزايد الذي يعصف بالمدنيين
والمتظاهرين السلميين الذين خرجوا
احتجاجاً على نظام الأسد، وذلك بسبب
استخدام الصين وروسيا لحق النقض "الفيتو"
وإبطالهما قراراً أمميّاً يدين النظام
في دمشق، ويحذره من إجراءات عقابية
مقبلة إذا لم يغير المسار ويوقف القمع
الوحشي ضد المنتفضين، ومنذ ذلك الوقت
حصلت جملة من التطورات في المشهد
السوري كان أبرزها دخول "الجيش
السوري الحر" على الخط واتجاه
الانتفاضة السلمية نحو العسكرة مع
احتمال اندلاع حرب أهلية على أسس
طائفية قد تقوض الانتفاضة وتدخل البلد
في نفق مظلم. ولذا بات من الضروري البحث
في سبل وقف العنف وحل الأزمة التي لن
تخرج في جميع الأحوال عن الأمم المتحدة
والمجتمع الدولي وقد أصبح مسؤولاً
مسؤولية قانونية وأخلاقية عما يجري من
اضطرابات في سوريا ربما يمتد لهيبها
إلى خارج حدودها في حال تقاعس المنتظم
الدولي عن الاضطلاع بمهامه. وحسب إحصاءات الأمم المتحدة الأخيرة فقد
وصل عدد القتلى في سوريا إلى ما يفوق
خمسة آلاف شخص بينهم 300 طفل، وذلك منذ
اندلاع الاحتجاجات الأولى ضد نظام
الأسد قبل عام تقريباً، هذا في الوقت
الذي اعتقل فيه الآلاف من السوريين
وتعرض مئات آخرون منهم لإصابات وجروح
متنوعة. كما أن الصدامات بين "الجيش
السوري الحر"، الذي يتكون أساساً من
الجنود والضباط المنشقين عن الجيش
الرسمي، وبين القوات النظامية
وأجهزتها الأمنية باتت أكثر حدة، وهو
ما يعقد الوضع أكثر في سوريا. وعلى رغم
المحاولات التي بذلتها الجامعة
العربية لحل الأزمة وإبقاء التسوية
بين أيدٍ عربية، فقد فشلت في إقناع
النظام بالموافقة على المبادرة
العربية وقبول مراقبين لاستطلاع
الأوضاع. وهذا التعنت الذي يبديه
النظام ومراهنته على الوقت، وفي
المقابل عجز الجامعة العربية عن الدفع
بتسوية مقبولة توقف القتل والعنف،
يخرج الحل بالضرورة من الأيدي العربية
ويضعه على عاتق المجتمع الدولي. ومع بروز قضايا ضاغطة مثل حماية المدنيين
والمحتجين السلميين وتصدرها الانشغال
الإقليمي والدولي فإن جميع الطرق باتت
اليوم تقود إلى مجلس الأمن، ولكن حتى
يبدي مجلس الأمن فعالية أكبر فإن عليه،
كما في الحالة الليبية، إظهار عزيمة لا
تلين في تطبيق توصياته، بما فيها اتخاذ
الإجراءات اللازمة لكسر تأييد النظام
في الداخل. ومع أن المهمة لن تكون سهلة
بالنظر إلى المعارضة الروسية القوية
لأي قرار يدين النظام مخافة تمهيد
الطريق للتدخل العسكري على الطريقة
الليبية يبقى من الضروري مواصلة الضغط
على موسكو. وربما يكون اللقاء الأخير
الذي جمع روسيا بدول الاتحاد الأوروبي
في بروكسل الأسبوع الماضي يندرج في
إطار المشاورات المستمرة بين الأطراف
الفاعلة بشأن ما يجري في سوريا. وعلى مجلس الأمن والأمم المتحدة
الاستفادة من تحركات الجامعة العربية
غير المسبوقة بتعليقها عضوية سوريا في
مجالس وفعاليات الجامعة، وفرض عقوبات
اقتصادية على النظام، الأمر الذي دفع
في اتجاه رسم ملامح تحالف إقليمي يجمع
بين الدول العربية من جهة وتركيا من
جهة الأخرى يشبه إلى حد كبير التحالف
الذي نزع الغطاء عن النظام السياسي في
ليبيا ومهد للإطاحة به. وتلعب تركيا
هنا دوراً مهمّاً للعلاقات التقليدية
بينها وبين النظام ولتصريحاتها
السابقة بإمكان فرض منطقة عازلة على
الحدود بين البلدين. وتتزايد الضغوط على النظام في دمشق
متجسدة في التقرير الأخير للأمم
المتحدة الذي يوثق جرائم ضد الإنسانية
اقترفتها قوات الأمن ضد المتظاهرين
ومارستها على نحو ممنهج ومستمر، حيث
يصف التقرير الذي أعدته لجنة تقصي
الحقائق التي شكلها مجلس حقوق الإنسان
التابع للأمم المتحدة جرائم الإعدام
العشوائية والاعتقالات التعسفية،
فضلاً عن الاختطاف والتعذيب والعنف
الجنسي، وانتهاكات جسيمة ضد حقوق
الأطفال، وهو ما يشكل إدانة واضحة
للنظام وتجريده من الشرعية. كما أن توصيات التقرير القاضية بإحالة
الأمر إلى مجلس الأمن وإلى محكمة
الجنايات الدولية تضع مسؤولية كبيرة
على مجلس حقوق الإنسان للتعامل مع
الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان
التي تتم في سوريا والتجاوزات السافرة
التي يرتكبها النظام السوري من خلال
نظامه الأمني البعيد عن المحاسبة
والخارج عن سلطة القانون. ومن الضغوط أيضاً ضد النظام في دمشق
العقوبات الاقتصادية المتنوعة التي
فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد
الأوروبي وجامعة الدول العربية على
السلطة، وهو ما بدأ بالفعل في إلحاق
الضرر بالقاعدة الاقتصادية للنظام،
حيث فقدت العملة السورية أكثر من 25 في
المئة من قيمتها مقارنة بالدولار، ما
يعني احتمال انخفاضها أكثر إذا ما سارع
السوريون المتخوفون إلى بيع الليرة
للحصول على العملة الصعبة. هذا ناهيك
عن عقوبات أخرى مثل تجميد الأصول
التابعة للنظام في الخارج وفرض حظر
السفر على الأسد وعائلته وبعض
الشخصيات البارزة في النظام، فضلاً عن
حظر الطيران التجاري على سوريا الذي
فرضته الجامعة العربية، وهي أمور كلها
بدأت تضغط سياسيّاً على النظام وتدفعه
إلى تقديم تنازلات، ولاسيما في ظل
التقارير الموثوقة التي تشير إلى
مغادرة رجال الأعمال الذين وقفوا إلى
جانب النظام ودافعوا عنه للبلاد خوفاً
على مصالحهم وأموالهم. والأمر لا يقتصر فقط على طبقة رجال
الأعمال وأصحاب المصالح، بل لقد امتد
التوتر والخوف إلى عناصر بارزة داخل
النظام السياسي والأمني مع وجود أنباء
عن انشقاقات محتملة في الصفوف
الأمامية للنظام، وربما تكون تلك
الانشقاقات أكثر وضوحاً في سلك كبار
الضباط المسيطرين على النظام الأمني
والمنحدرين من الطائفة العلوية في ظل
وجهات النظر المختلفة للتعامل مع
الأزمة وسبل إخماد الانتفاضة الشعبية،
بل حتى بشأن كيفية ضمان مصالح الطائفة
العلوية وحماية وجودها. ولكن على رغم هذه المخاوف داخل النظام
تبقى الحقيقة أن نسبة الانشقاقات
الفعلية وعمليات المغادرة والهروب من
سفينة النظام قليلة حتى هذه اللحظة ولا
يمكن التعويل عليها لإحداث اختراق
حقيقي في سير الأمور، كما أن تحفظ كل من
العراق ولبنان على الانضمام إلى
الجامعة العربية في فرض العقوبات
وتشديد الضغوط على النظام، وتخوف
الأردن من تداعيات تلك العقوبات على
اقتصاده المرتبط جغرافيّاً بسوريا قد
لا يعجل بظهور نتائج العقوبات
الاقتصادية على النظام السوري، وهو ما
يرجعنا مرة أخرى إلى المجتمع الدولي من
خلال هيئاته الرسمية وضرورة تضافر
جهوده لتنسيق العقوبات والتحركات
السياسية التي لاشك أنها ستكون مؤلمة
أكثر للنظام في دمشق. وحتى يبدي مجلس الأمن فعالية أكبر في
التعامل مع الأزمة السورية عليه صياغة
قرار وفق البند السابع لميثاق الأمم
المتحدة الذي يتيح اتخاذ إجراءات
عسكرية، أو غير عسكرية "لاستعادة
السلم والأمن الدوليين"، على أن
يرتكز القرار على أهداف محددة:
المطالبة بوقف فوري للعنف، وضمان
حماية المدنيين، وفتح سوريا أمام دخول
الشهود لنقل ما يجري داخل البلاد،
وممارسة ضغوط على من يساند النظام، كما
يتعين على القرار إدماج الإجراءات
التي تضمنتها توصيات الجامعة العربية
ولجنة تقصي الحقائق التابعة للأمم
المتحدة، كما أن عليه، في نظري، إحالة
ملف الرئيس الأسد وعناصر مهمة من جهازه
الأمني إلى محكمة الجنايات الدولية
لمسؤوليتهم المباشرة، أو غير
المباشرة، على الانتهاكات الخطيرة
لحقوق الإنسان كما وثقها تقرير مجلس
حقوق الإنسان. وأخيراً فإن عمليات إطلاق النار والقتل
التي تعرض لها المدنيون السوريون من
قبل الجيش وهم يفرون عبر الحدود إلى
الدول المجاورة تعزز مطلب إقامة مناطق
إنسانية، أو ممرات آمنة تحمي
المدنيين، ولأن المعارضة الروسية
والصينية من شأنها نسف مثل هذا القرار
فإنه يتعين على الدول العربية
الرئيسية، وإلى جانبها الولايات
المتحدة وأوروبا، تكثيف الحوار مع
هذين البلدين وعدم إغفال المصالح
الاقتصادية والاستراتيجية لموسكو
وبكين في سوريا وتهدئة مخاوفهما بهذا
الشأن. وعلى الدول العربية بشكل خاص البحث عن سبل
الاستجابة لتلك المصالح وفي الوقت
نفسه التحذير من خطورة الوضع على الشرق
الأوسط في حال استمرت روسيا والصين في
تعنتهما. ================= هل تنجح المبادرة
العربية في سوريا؟ د. رضوان السيد الاتحاد تاريخ النشر: الأحد 18 ديسمبر 2011 كنتُ أَكتب عن التوقُّعات التي يستشرفُها
الجميع من وراء اجتماع الجامعة
العربية بالقاهرة بشأن سوريا يوم
السبت 17 ديسمبر. وكانت الأمور قد تعقدت
بين النظام السوري والجامعة العربية
كما هو معروف، وتحولت إلى لعبة شروط
وشروط مُضادّة. وعندما انتظر الجميع أن
تُصدر اللجنة الوزارية العربية قرارها
النهائي الذي تُعلنُ فيه نجاح
المفاوضات أو فشَلَها، وكان إعلان
الفشل وزيادة العقوبات هو المُرجَّح،
أصدر الأمين العام للجامعة بيانه
المشهور، والذي يعلنُ فيه تأجيلَ
اجتماع الجامعة وقرارها إلى يوم السبت
17 ديسمبر. ولأني كنتُ وقتَها في
الخليج، فقد سألْتُ وسُئلْت، وما كان
لدى أحدٍ ممن قابلتُهم تفسيرٌ شافٍ
لذاك التأجيل دونما إظهار قلقٍ كبير(!).
وقد عنى ذلك أنّ هناك قُطبة مخْفيّة
كما يقال، وبخاصةٍ أنّ أعضاء المجلس
الوطني الذين سألتُهم مُرتاعاً ما
أَبْدَوا قلقاً كبيراً بل قال بعضهم لي
إنّ الهيئة العامة للمجلس الوطني سوف
تجتمع بتونس بين يومي 16 و18 ديسمبر، وهو
اجتماعُها الأول، لتخرُجَ ببرنامجها
الوطني للتغيير. أقبلْتُ على الكتابة
إذن تعبيراً عن هذه الحيرة،
واستشرافاً للتوقُّعات يوم السبت وما
بعده؛ فإذا بالروس يتقدمون بمشروعهم
حول سوريا إلى مجلس الأمن يومَ الخميس
الماضي. ومما تسرب من المشروع المفاجئ
لنا نحن المعلّقين على الأقلّ،
أدركْتُ لماذا رحَّب به الفرنسيون
بحرارة. فطوال الأيام الماضية، كان
الروس والفرنسيون يتجادلون عَلَناً
بشأن سوريا. يقول الفرنسيون الساخطون
على مَنْع روسيا والصين للعالم الغربي
من اتخاذ قرار بمجلس الأمن يُدين العنف
الذي يمارسُهُ النظامُ السوري: إنّ
الموقف الروسي غير أخلاقي، لأنه لا
يهتمُّ للعنف الهائل الذي يمارسُهُ
النظامُ على شعبه. ويقول الروس: بل إنّ
الموقف الفرنسي والأميركي هو
اللاأخلاقي، لأنه لا يقبلُ إدانة
العنف بطريقةٍ متوازنة، أي من النظام
السوري ومعارضيه! بيد أنّ الروس ظلُّوا
يقولون دائماً إنهم مع المبادرة
العربية، وإنّ حلَّ الأزمة يتطلب
حواراً بين سائر الأطراف. والمشروع
الروسي أو ما تسرَّب منه يُدينُ العنف
من سائر الأطراف، لكنه يُدينُ أكثر
العنف غير المتكافئ الذي يُمارسُهُ
النظام على مُعارضيه. وهو يدعو إلى
وقْف العنف فوراً، ومسارعة النظام إلى
إجراء إصلاحات حقيقية، وإجراء حوار
وطني. أمّا خريطةُ الطريق لبلوغ ذلك
فيعتبرها الروس، كما قالوا دائماً،
مبادرة الجامعة العربية ببنودها
المعروفة. وهذا يعني أنّ الجامعة كانت
على عِلْمٍ بالخطوة الروسية أو أنها
تشاورت مع الروس عليها، لذلك أعْطت
المُهْلَةَ، وأجَّلت الاجتماع، لكي
يُقنع الروس النظام السوريَّ بقبول
المبادرة العربية. ويبدو أنّ الجانب
الروسيَّ ما استطاع إقناع الجانب
السوري فوفى للعرب بوعده، وتقدم
بمشروع القرار المذكور إلى مجلس الأمن.
وقد جاء في آخِر الأخبار ليل الخميس 15
ديسمبر أنّ النظام السوري أرسل فاروق
الشرع نائب الرئيس للاجتماع بوزير
الخارجية الروسي. ما الذي سوف يحصل الآن، أو بعد أن تُصبح
المبادرةُ العربية -ومن ضمنها إيقاف
العنف وإرسال المراقبين- قراراً
دولياً؟ أول ما سيحصل فيما يبدو تأجيل
اجتماع الجامعة لحين صدور القرار مطلع
الأُسبوع المقبل، وحينها يكون المجلس
الوطني السوري قد وضع برنامجه
للتفاوُض وليس للحوار. فإذا وافق
النظام السوري على المبادرة، فسيمضي
المراقبون العرب إلى دمشق، ويمكن أن
يكونَ معهم مراقبون دوليون هذه المرة.
وإذا تمت الإجراءات الأُولى، وصار
المتظاهرون يخرجون إلى الشارع بدون
مواجهةٍ بالرصاص، فإنّ التفاوُض على
خطوات البرنامج الإصلاحي يمكن أن يجري
بالجامعة العربية، وتتشكّل حكومةُ
وفاقٍ وطني لتنفيذ البرنامج الإصلاحي
الذي يجري الاتفاق عليه بالجامعة. أمّا إذا لم يوافق النظام السوري على
القرار والمبادرة أو عمد إلى المماطلة
وزيادة العنف، فإن مجلس الأمن سيجتمع
مرةً أُخرى ويفرض عقوبات، ويتخذ
قراراً بشأن حماية المدنيين السوريين
عبر الملاذات الآمنة وحَظْر الطيران.
وفي المدى المنظور ربما يظلُّ من غير
الممكن إقرار التدخُّل العسكري لإسقاط
النظام. لماذا وافق الروس أخيراً؟ كانت للروس ولا
تزال مصالح استراتيجية بسوريا، وما
كان من المتوقَّع أن يتخلَّوا عنها
بسهولةٍ وبدون صفقةٍ مع الولايات
المتحدة. وعندما كنا نقابل
دبلوماسييهم كانوا يقولون لنا: إن
بينهم وبين الولايات المتحدة الكثير
من مناطق الصِدام في سوريا والمنطقة
والعالَم. فكما تعتبر الولايات
المتحدةُ سياساتها تجاه سوريا جزءاً
من استراتيجيتها الشاملة بالمنطقة
والعالم، فكذلك روسيا. وكنا نقول: إن
هذا الأمر غير منطقي، لأن الشعب السوري
لا يستطيع الانتظار حتى تتفقوا مع
الولايات المتحدة على كل القضايا
العالقة، وأن لدى الدول الكبرى ذات
الحق في الفيتو بالمجلس مسؤوليات تجاه
الأمن الدولي، والحالة في سوريا تهدد
هذا الأمن. ثم حصلت الانتخابات
النيابية الروسية في 4 ديسمبر، فخرج
منها الحزب الحاكم فائزاً، لكنه
مُثْخن بالجراح. فأرسل الروس مبعوثاً
إلى سوريا يوم 5 ديسمبر، وما أُعلن
الكثير عما جرى من محادثات، إنما
المفهوم أن الروس طالبوا الرئيس
السوري بوقف العنف، والدخول في
الإصلاحات. وأعاد الروس الاتصال مع
المجموعة العربية، ويبدو أنهم اتفقوا
معهم على هذا السيناريو الذي تحققت
الخطوة الأُولى فيه، وستتلو ذلك
بالطبع خطوات. والروسي كما حصل معه
اتصال من جانب العرب، لا شكّ أنه حصلت
معه اتصالات من جانب الأميركيين الذين
سارعوا أيضاً للترحيب بمبادرة روسيا
الجديدة. ومن الصعب الحديث عن صفقة تمت
أو لم تتم، لكن توافقاً من نوع ما قد
تحقق مع الأميركيين، وربما جرى فيه
تجاوُز الفرنسيين الذين كانوا ولا
يزالون ساخطين على الروس حتى يوم
الخميس الماضي، بينما كان الأميركيون
ساكتين وكأنهم غير معنيين! لقد أظهرت الأزمة عدة أمورٍ، أولها أن
العرب كانوا ولا يزالون هم الأحرَص على
أمن الشعب السوري وأمانه، وعلى دور
سوريا في المنطقة. وثانيها أن الروس
والإيرانيين و"حزب الله" وحكومة
المالكي بالعراق، وحكومة ميقاتي
بلبنان، ظلوا مع النظام السوري، وما
فتَّ في عضُدهم القتل الذريع الجاري.
لذلك فقد راهن هؤلاء على صمود النظام،
كما راهنوا على أن الروس لن يغيروا
موقفهم، ويكونون هم الذين يدفعون
بالقضية إلى مجلس الأمن! وهذا يعني أنّ
الدوليين -ومن ضمنهم روسيا- سوف تبدو
فعاليتهم في إدارة الأزمة أكثر الآن.
وثالثاً أنّ استقرار النظام السوري
وبقاءه ما كان مؤسَّساً على رضا الشعب
السوري عنه، بل على العلاقات الدولية
والإقليمية. وها هي تلك العلاقات تتقطع
أو تنقلب ضده، وقد خرج خالي الوفاض من
الوظائف والتكليفات. ورابعها أن أي
ترتيبات تحصُل بالمنطقة بعد رحيل
النظام أو تغيره سيستفيد منها العراق
ولبنان والأردن وتركيا، لأنّ وظائف
النظام كانت تعني إيذاءً بسائر تلك
الدول، وابتزازاً لها. وخامسها أن
الإيرانيين سوف يتضررون ومعهم "حزب
الله" بالطبع، والمالكي وحكومته،
وهم لن يسلموا بذلك بسهولة، وإنما بعد
جهد ومماحكات ونزاعات، وكثير من
الاجتماعات والنقاشات. لقد انهار
النظام السوري ونحن نشهد تداعياته،
وستستمر هذه التداعيات إن لم يحدث سلام
بالمنطقة عطلته إسرائيل حتى الآن. إنها نضالات الشعب السوري ودماؤه التي
أنتجت هذا القَدْر من الاهتمام وتقع
على عاتق المجلس الوطني الآن مهام كبرى
لإعادة ترميم الخراب الذي يعيش النظام
على أنقاضه، وإحداث التحول الديمقراطي
من أجل وحدة الناس وحرياتهم
واستقرارهم وصَون مصالحهم الوطنية
والقومية. ================= عن العصيان المدنيّ
وانبعاث "المَهَاتما" في وجدان
السُوريين أيمن عويضة المستقبل 18-12-2011 يُمكن اعتبار الدعوة للإضراب العام في
سوريا تمهيداً لعصيان مدنيّ شامل،
خطوةٌ متوقعة من طرفٍ امتلك حصراً منذ
بداية المواجهة زِمام المبادرة،
واضعاً الطرف الآخر في خانة ردّ الفعل
القاصرة. كما يمكن اعتبارها محاولةً
لكسر حالة التصلّب التي شابت تلك
المواجهة طِوال تسعة أشهر من عُمرها،
في غمرة إصرار المحتجين على مطالبهم
المشروعة دون مساومة، ومُضيّ السلطة
حتى النهاية في قمعها الوحشيّ
للاحتجاجات، واضطراب المواقف
الإقليمية والدولية مما يجري في دولةٍ
تمثل حجراً استراتيجياً على رقعة
المصالح في المنطقة. وتأسيساً على
السياقات السابقة، يُطرح السؤال حول
تأثير العصيان المدنيّ على مسار
المواجهة، بِوصفه بديلاً لحسم الموقف
من قِبل المحتجين، خاصةً مع احتدام
المخاوف بشأن المصير الذي ينتظر
السوريين إذا تُركوا وحدهم في مواجهة
سلطةٍ مستبدة من جهة، وبشأن مآلات
المواجهة في حالِ تدخل القوى الخارجية
لحسم الموقف من جهة أخرى. تُعدّ مقالة "منهج العبودية
الاختيارية" التي كتبها القاضي
الفرنسي إتيّن لابوّتي عام 1553 ونُشرت
عام 1576 من التنظيرات المبكّرة لفكر
العصيان المدنيّ، إذ اعتبرَ فيها أن
"الطغاة يحوزون القوةَ لأن الناس
يمنحونها لهم، وأن هجرَ المجتمعِ
الحريةَ يتركه فاسداً، مفضلاً عبودية
المحظيات على حرية من يرفض التسلط
ويأبى الخضوع"، وبمقالة "العصيان
المدني" _وكان عنوانها الأصلي "مقاومة
السلطة المدنية"_ المنشورة عام 1849،
دشّن الكاتب الأميركي هنري ديفيد ثورو
فكرة "الاعتماد على الذات وكيف يكون
الموقف الأخلاقيّ للفرد سليماً إذا
كان بوسعه "مفارقة غيره" عند
اختلافه معه؛ بمعنى أنه ليس على الفرد
محاربة الحكومة، لكن عليهِ أن لا
يدعمها في شيء، وأن لا يستفيد من دعمها
له في شيء إن كان معارضا لها". وفي مِضمار الممارسة كان المهاتما غاندي
صاحب التجربة الأبرز في تجسيد العصيان
المدنيّ، إذ بدأ كفاحه السلميّ في جنوب
أفريقيا مُدافعاً عن حقوق العمال
الهنود بمناهضة العديد من التشريعات
المجحفة، مستفيداً من دراسته للقانون،
ومعتمداً على تحرير آلاف العرائض
وتوجيهها إلى السلطة، وتنظيم المؤتمر
الهنديّ في الناتال، وتأسيس صحيفة
الرأي الهنديّ باللغة الإنجليزية
وثلاث لغات هندية أخرى. وبعد عودته
للهند عام 1915 اتسمت آليات المقاومة
السلمية التي قادها ضد الظلم
الاجتماعيّ والاستعمار البريطانيّ
بصلابة مبدئية لا تُلغي أحياناً
المرونة التكتيكية، فتارةً نجده يقود
حملةً للصيام حتى الموت اعتراضاً على
قانون يكرّس التمييز في الانتخابات ضد
المنبوذين الهنود، وتارةً نراهُ
يتعاون مع بريطانيا في الحرب العالمية
الأولى ضدّ دول المحور، ويشارك عام 1918
بناء على طلب من الحاكم البريطانيّ في
الهند بمؤتمر دِلهي الحربيّ، وتارةً
يتحول للمعارضة المباشرة للسياسة
البريطانية مُطالباً بالاستقلال
التامّ للهند في الفترة ما بين 1918_1922،
مُتوّجاً خطوته تلك بقيادة حركة عصيان
مدنيّ صعّدت من الغضب الشعبيّ الذي وصل
في بعض الأحيان إلى صدامٍ بين الجماهير
وقوات الأمن والشرطة البريطانية، كما
نجده أخيراً يتحدى القوانين التي
تحتكر لبريطانيا تجارة الملح، بقيادة
مسيرةٍ شعبية توجهّت لمسافة أربعمائة
كيلو متر نحو البحر لاستخراج الملح،
فيما عُرف بمسيرة الملح عام 1930. ووِفقاً لتناغم قضيتهم الواضح مع الجوهر
الفكريّ والتطبيقيّ للعصيان المدنيّ،
كيف يمكِن للسوريين أن يتمثلّوا
عصيانهم المدنيّ، مُراعين في الوقت
نفسه الخصوصية الزمانية والمكانية
لتجربتهم؟، إن الإجابة مرهونةٌ
بالناشطين الميدانيين على الأرض، فهم
من يُلمّ بالتفاصيل المميِزة لمُدنهم
وقُراهم عن غيرها، وهم من يتحمّلُ عبء
التواصل مع جمهور المواطنين، الذين
يشكّلون بدورهم الجزء الأهم في جماعة
العصيان المدنيّ. وسعياً لإرساء ثقافة
الرفض في نفوس الجمهور، واستقطاب
شرائح جديدة لم تتمكن بعد من كسر جدار
الخوف، يمكِن أن يستفيد الناشطون من
جملة أساليب باتت متداولةً في عُرف
العصيان المدنيّ، تبيّن أن اكتساب
الجماهير يتمّ من خلال اكتساب النموذج
الذي يرفض الانصياع للأوامر، إذ يضمن
صمود هذا النموذج أمام العقوبات
ازدياد عدد المنضمين للعصيان، وتدعو
لوجوب أن يرى الناس أفراداً من الشعب
يمارسون العصيان جهاراً ويتحمّلون
عواقبه، وتقرّ أن العصيان فضلاً عن
كونه حواراً مع الخصم، فهو أيضاً حوار
مع المواطنين من خلال تحفيزهم
للمشاركة في أنشطة المقاومة، وتُشدد
على ضرورة استمرار هذا الحوار
واستهدافه لِجرّ المجتمع بأكمله إليه. وتَطالُ تلك الأساليب التي طورها العديد
من الكُتّاب إثرَ امتداد تجربة
العصيان المدنيّ لمعظم مجتمعات العالم
كافة الحقول في العصيان المدنيّ، على
نحوٍ تبدو فيه مُستقاة من مبادئ علم
الإدارة وأبحاث تطوير المهارات
الذاتية. وبحسب خطة العصيان المدنيّ
التي أعلن عنها الناشطون السوريون
فإنها تتضمن مراحل متدحرجة، تشملُ
الأولى منها الاستعداد للإضراب،
وإغلاقاً جزئياً للحارات الفرعية،
وإغلاقاً للهاتف المحمول لعدة ساعات
في اليوم، مع إضراب جزئيّ عن العمل،
وهي خطواتٌ تهدف كما يبدو إلى تهيئة
الجمهور لخوض تجربة العصيان، وتتطلّب
من خطاب الناشطين إيضاح جملة من
الأساسيات التي يرتكز عليها العصيان
المدنيّ، متمثلةً في أن جوهر العمل هو
استراتيجية اللاعنف، وأن استجابة
الخصم تكون مرهونة بطبيعة النشاط. وتشمل المرحلتين الثانية والثالثة إغلاق
المحالْ التجارية أبوابها، وإضراباً
في الجامعات الرسمية والخاصة، وفي
لحظاتٍ كهذه يُصبح الصدامَ مع السلطات
أكثر ضراوة، لذا يمكن لخطاب الناشطين
أن يتجه للتركيز على أن وسائل العصيان
لا تعرفُ السرية، وأن النشاط وحدَه لا
يكفي لتحقيق هدف العصيان، وأن امتزاج
عنصر الأنشطة بعنصر العقوبة يُحدث
الحافز القويّ للعصيان والتغلب على
الخوف من العقوبات، وأن قوة النشاط
تكمن في العقوبة التي ستوجّه إلى
المقاومين، وأن العصيان ينبغي أن
يُنظر له كوحدةً متكاملة، حيث تكون
العقوبة بنفس أهمية الأنشطة، وأن
التغلّب على الخوف من العقوبة هو أساسٌ
رئيسيّ في مبدأ العصيان المدنيّ،
عِلاوةً على استفادة كل من الجمهور
والناشطين من أخطاء النظام في قمع
العصيان وتوظفيها بشكلٍ دقيق لجذب
المزيد من الجمهور. وتتصاعدُ المرحلةُ الرابعة والخامسة
والسادسة لتشملَ إغلاق الطُرق بين
المدن والأرياف، وإضراب موظفي الدولة،
وإغلاق الطرق الدولية مع دول الجوار،
مع ضمان استمرار تنفيذ المراحل
السابقة، وهي خطواتٌ على مستوىً لافت
من اتساع قاعدة جمهور العصيان،
وانتشار رُقعته الجغرافية، واحتدام
المواجهة مع السلطة، وهذا ما يُشير إلى
أهمية نجاح المراحل السابقة في تمهيد
الطريق لمُضي المراحل الحالية قدماً
حتى النهاية، كما سيجدُ الناشطون
أنفسَهم مدفوعين لتعزيزِ ثقافة العمل
الجماعيّ اللامركزيّ، مُستفيدين من
حجم الجمهور الذي كَسِبوه، ومُتطلعين
لتجسيد مناخ عملٍ على نحو من الشُمول،
ستكونُ ضمانة نجاحه الأبرز فِرَق
العَمل، ففرق العمل تستقي تأثيرها من
قلة عدد أفرادها، ومُرونة حركتها،
وتجديد إستراتيجيتها تِبعاً لمتطلبات
العمل، كما تنطوي على ضمان التعاون
والتواصل، وجودة وسرعة الإنتاج،
وجَعْل الفريق كلّه مسؤولاً عن العمل
والنجاح والفشل، ومَنْح الثقة لكلّ
أفراد المجموعة، وتعزيز قدرتهم على
اتخاذِ القرارات فيها، ورفعِ مستوى
حرية العمل داخلها، وضمانِ الكفاءةَ
والنوعية للنشاط الذي تقدمه. ومع
تركيزِ الناشطين على أن تشكيلَ
مجموعات العمل عادةً ما يتم بشكلٍ
طبيعيّ عبرَ العلاقات في مجتمعات
الأصدقاء والجيران وزملاء العمل
والأقارب، بما تتخلله هذه المجتمعات
من تفاهمٍ طبيعيّ وغير مُفتعل بين
أعضائها، وإدراكهم لاستحالة أن تُحبط
السلطة عملاً لا يقومُ أساساً على
تنظيمٍ هرميّ، وتسويقِ خطابهم لضآلة
التكلفة الأمنية نتيجة لذلك، وترويجهم
لدورِ فرق العمل الفارق في منعِ تكدّس
حركات العصيان بالكم البشريّ غير
الفعال، يُمكن لهم أن يُحدثوا
اختراقاتٍ واضحةٍ في منظومة المواجهة
على المدى الطويل. قد يقولُ البعض، وهم
على حق في وجه ما، أن آلياتٍ كتبَها
أصحابها بهدوءٍ في أماكن بعيدة، قد لا
تستقيمُ في بقعةٍ أخرى من العالم خَرج
الحُكم فيها عن كلّ ما هو بشريّ، وبَلغ
إجرامه حداً لا يتصوره عقل. لكن الفِكر
وليدَ الظواهِر، واختلافُ الظواهر في
الشكل لا ينفي دائماً اتساقها في
الجوهر، وما ألَمّ بغاندي من تخوينٍ
وتشكيكٍ على امتدادِ كفاحه الطويل
وانتهى بقتلهِ على يدِ أحد المتشددين
عام 1948، لم ينفِ رمزيته كمُلهمٍ لكلّ
حركات التحرر السلميّة اللاحقة، ولم
يُقلل من جدارته بلقب "المهاتما"
الذي أطلَقهُ رابندرناث طاغور عليه،
"فالروح العظيمة" تتخطى دائماً
الموت، بانبعاثها من جديد في وِجدان
المُقاتلين من أجل الحياة. ================= علي حماده النهار 2011-12-18 قد يكون الاقتراح الذي أدلى به الرئيس
التونسي الجديد المنصف المرزوقي قبل
يومين بايجاد حل سلمي للازمة في سوريا
تقضي بأن يتنحى بشار الاسد عن منصبه،
على ان يتم تأمين اللجوء له ولعائلته
ولمن يرغب ربما الى روسيا الاتحادية او
روسيا البيضاء - قد يكون الاقتراح جيدا
وعلى بشار الاسد والعائلة والبطانة ان
يلتقطوا الفرص الاخيرة المتبقية
للخروج من البلاد احياء. فالحق يقال ان
لا مستقبل لآل الاسد على ارض سوريا بعد
مرور اربعة عقود على اقامة جمهورية
حافظ الاسد" التي وصفها ذات يوم اول
الشهداء كمال جنبلاط بـ"السجن
العربي الكبير". لا مستقبل لآل الاسد
لأن الفرص الذهبية التي منحت للابن منذ
ان اورثه ابوه البلاد لا تعد ولا تحصى،
وقد جرى تفويتها كلها واحدة بعد الاخرى
بطريقة غريبة. فبدءا من لبنان عندما
خاض بشار في خريف 2004 حرب التمديد
للرئيس السابق اميل لحود ضد كل
اللبنانيين، حتى ضد أقرب الحلفاء، ثم
تورط في مسلسل الاغتيالات : خسر بشار
الاسد لبنان وصارت العلاقة معه عبئا
على الحلفاء قبل الخصوم. ومع اننا
اخطأنا يوم جزمنا مع وصول نيكولا
ساركوزي الى الرئاسة في فرنسا خلفا
لجاك شيراك بأنه سوف ينطلق في مقاربته
للعلاقة مع النظام في سوريا ولنظرته
الى بشار الاسد من حيث انتهى سلفه،
بمعنى انه سيكمل المنهج المتصلب
ازاءه، فقد تبين بعد عامين ان ساركوزي
الذي فتح للاسد الابن ابواب اوروبا على
مصراعيها عاد ليتبنى الموقف الاكثر
تصلبا وتطرفا ضد بشار، وخصوصا عندما
اكتشف وحشية النظام في التعامل مع
المواطنين السوريين العزّل. بدّد بشار الاسد فرصا ذهبية مع العرب. كان
ذلك في بداية عهده حيث اعتبر رئيسا
واعدا، ثم بنهاية 2009 عندما انطلق
العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد
العزيز بمصالحات عربية، فتح ابواب
التعاون والتنسيق مع بشار الاسد في
العراق ولبنان، فخانه الاخير في
الانتخابات العراقية وناصر
الايرانيين فجيء بنوري المالكي
رئيسا للوزراء بعدما كان الوعد ان
يكون اياد علاوي من يتبوأ المنصب. اما
في لبنان مكان ما سمي مشروع "السين –
سين" الذي اضطر بموجبه سعد الحريري
ان يزور قاتل والده في دمشق ويصافحه،
ثم ينام في
أحد اجنحة "قصر الشعب " الذي بناه
رفيق الحريري واهداه لحافظ الاسد في
التسعينات من القرن الماضي اي قبل ان
يقتلوه. لقد قيل الكثير في بشار الاسد، وفي
سيكولوجيا "ضياع المُلك"، وقيل
الكثير في سيكولوجيا
البديل التي عانى بسببها ردحا من الزمن:
اختير بديلا من اخيه باسل، وثم رئيسا
بديلا برحيل والده. في المرة الاولى
قارنوه بباسل، وفي المرة الثانية
بحافظ الاسد! عام 2000 ورث سوريا ولبنان
معا، وفي 2005 اخرجته دماء رفيق الحريري
من بلاد الارز. اما اليوم فإنه يهم
بالخروج من سوريا نفسها، ولسوف يخرج
منها. ان اقتراح المرزوقي معتدل ومعقول، وان من
غير الجائز حرمان الشعب السوري الحق في
ملاحقة قتلة الاطفال اينما حلّوا. ================= ياسر الزعاترة الدستور 18-12-2011 لعل أكثر سؤال يواجهك ككاتب سياسي أينما
ذهبت هو ذلك المتعلق بنظام الأسد
وتوقيت انهياره، وهو سؤال تصعب
الإجابة عليه على نحو جازم بسبب جملة
من الاعتبارات لعل أهمها استحالة
الجزم بطريقة انهيار الأنظمة الأمنية
المغلقة، إذ يمكن أن تنهار بين عشية
وضحاها، فيما يمكن أن تصمد لزمن أطول
تبعا لتماسكها الداخلي، وبسبب
قابليتها لممارسة أقصى درجات البطش
التي تبث الرعب في صفوف الجماهير وتحول
دون نزول أكبر عدد منهم إلى الشوارع
على نحو يزلزل أركان النخبة الحاكمة،
لكن لحظة السقوط تبقى ممكنة بين يوم
وآخر، وقد قيل الكثير عن معركة طرابلس
في حالة النظام الليبي، وإذ بها تنهار
في زمن أسرع مما توقع الجميع. الأهم من البعد الأمني في الحالة السورية
هي استناد النظام إلى دعم الأقليات كما
ذهب السيد نصر الله في إحدى “تجلياته”
المؤسفة، إلى جانب سيطرة شبه مطلقة
لتلك الأقليات (تحديدا العلوية) على
الجيش والأجهزة الأمنية، وشعورها بأن
مستقبلها مرهون ببقاء النظام (مستقبلها
كقوة مسيطرة وليس مستقبل أبنائها
كمواطنين، لأن الثورة السورية لن
تتورط في عمليات انتقام في حال
انتصارها). على أن ذلك لا يلغي حقيقة باتت أكثر من
واضحة تتمثل في أن غالبية السوريين لم
يعودوا يريدون النظام بأي حال من
الأحوال، وهم يلعنونه آناء الليل
وأطراف النهار، سواءً فعلوا ذلك بصمت،
أم بطرق أخرى، والأهم من ذلك أن الثوار
السوريين ورغم ارتفاع حدة البطش ليسوا
في وارد التراجع بأي حال. هذا ما تقوله الأحداث اليومية التي نتابع
جزءًا منها في وسائل الإعلام، خلافا
لما يزعمه النظام من أنها تتعرض للكثير
من التضخيم عبر “وسائل الإعلام
المعادية”، لاسيما أن جزءًا أسياسيا
من المشهد بات يُنقل من خلال صحفيين
أجانب يتسللون خفية ويتابعون الأحداث
عن قرب. من المؤكد أن الحرب الأهلية لا تزال خطرا
ماثلا أمام الأعين، وأن العسكرة باتت
خيارا مفضلا لفريق من السوريين ممن
ملوا بقاء النظام وسياسة القتل
والاعتقال والتعذيب بالتقسيط. بل إن
دولا ومحاور لا زالت تدعمها لاعتبارات
مختلفة. لكن المواقف الجديدة التي باتت
سائدة في أوساط المعارضة لم تعد تميل
لذلك الخيار الذي دعمته لبعض الوقت في
خطابها، وأقله سكتت عليه أو شجعته من
طرف خفي. في هذا السياق جاءت “بروفا” العصيان
المدني الذي نفذته العديد من المدن
بشكل ناجح، وهو “بروفا” بالغة
الأهمية وأثبتت نجاحا أكبر بكثير من
المتوقع، ولنتخيل حجم الجرأة والشجاعة
التي أبداها المضربون في تلك المدن في
ظل سطوة الجيش والشبيحة، واستهدافهم
لمحلات المضربين وممتلكاتهم، بل
ولشخوصهم وعائلاتهم أيضا. كل ذلك يؤكد تنامي شعور الناس باقتراب
سقوط النظام وحاجتهم بالتالي إلى مزيد
من التصعيد من أجل الوصول إلى الهدف
النهائي، وربما قناعتهم بأن دفع
الأمور نحو العصيان المدني الشامل أو
شبه الشامل قد بات ممكنا إلى حد كبير،
ولا شك أن ذلك سيدفع بعض المرتمين في
حضن النظام، وبعض المحسوبين عليه إلى
إعادة حساباتهم وتركه يسقط من دون
التورط في حرب أهلية سيكونون هم أكثر
من سيكتوي بنارها. وحين ينأى بشار الأسد بنفسه عن آلة القتل
في مقابلته (المفبركة!!) مع محطة “إي بي
سي”، ففي ذلك ما يشير إلى شعوره هو
شخصيا باقتراب النهاية، وأقله بتصاعد
احتمالاتها، الأمر الذي سيدفع بعض
أركان نظامه إلى تفضيل السقوط المدني
على التورط في حرب أهلية ستجعل مصيرهم
بعدها سيئا، حتى لو كان حجم الضحايا
كبيرا في صفوف الثوار ومؤيديهم. في ضوء ذلك تبدو تجربة العصيان المدني في
محاولتها الأولى بالغة الأهمية، وهي
تشير بدورها إلى إمكانية تحقيق نجاحات
متوالية وصولا إلى الانتصار الأكبر،
لاسيما أن قدرة النظام على استمرار ضبط
دمشق وحلب لن تتواصل، مع العلم أن
أزلام النظام وأبواقه هم وحدهم من
يروجون حكاية أن المدينتين غير
مقتنعتين بالثورة، في حين يعلم
المنصفون أنهما تعيشان حالة رعب
استثنائية بسبب تركيز الأمن والشبيحة
المفرط عليهما. انتصار الثورة السورية بعد كل الذي جرى لم
يعد أمرا قابلا للنقاش، مع أن تأييدنا
لا يستند إلى ذلك، وإنما إلى أسس
مبدأية يجهلها أصحاب القلوب المغلقة
التي لا تعرف لغة القيم والمبادئ
وكرامة البشر، ولذلك لا بأس من التصعيد
المتدرج وابتكار وسائل جديدة في
التصعيد ودفع المترددين إلى الانخراط
في الثورة حتى العصيان المدني الشامل
الذي سيطيح بالنظام. بعد خمسة آلاف شهيد، ومئات الآلاف من
المعتقلين والمعذبين لم يعد أمام بشار
الأسد سوى الرحيل إذا أراد أن يتجنب
مصير القذافي، وإذا ما ذهبت الأوضاع
نحو الحرب الأهلية، فهو وحده ومن
يصطفون معه في الداخل والخارج
سيتحملون مسؤوليتها أمام الله
والتاريخ، وأيضا أمام الشعب الذي
سيعرف بدوره كيف يقتص منهم. ================= حوار مع مسؤول في النظام
السوري حسين الرواشدة الدستور 18-12-2011 احد المسؤولين في النظام السوري خرج عن “حرجه”
وقال لي بصراحة: سوريا تمضي نحو
المجهول، ومن يتحمل مسؤولية ذلك هو
النظام الذي ما زال يرفض ما قدمناه له
من نصائح، ويصر على الخيار “العسكري”
وعلى “وهم” ان ما يحدث في سوريا
مؤامرة.. وليس “ثورة” لشعب يريد ان
يتحرر من الظلم والاستعباد. فاجأني الرجل الذي التقيته قبل مدة في
عاصمة عربية بهذه المواقف، وقلت له:
لدينا في الاردن من لا يزال يرى فيما
يحدث في سوريا “مؤامرة” ويدافع
بشراسة عن النظام فابتسم –بمرارة-
وقال: ما يصلكم من اخبار عن “المأساة”
التي يتعرض لها الشعب السوري لا يتجاوز
20% من الواقع، ولو سمح لوسائل الاعلام
العالمية او لمراقبين محايدين ان
يدخلوا الى المناطق الملتهبة لكان
الامر مختلفا، والصدمة اشد، لكن -للاسف-
ما زال البعض مقتنعا بالرواية التي
يقدمها النظام فيما لا يوجد لدى “الناس”
الا وسائل بسيطة لتصوير الاحداث
ونقلها او احصاء عدد الشهداء او
المعتقلين وغير ذلك من تفاصيل. قلت له: ارجوك، ضعني في الصورة الحقيقية،
هل ما يحدث مؤامرة؟ وهل هناك عصابات
مسلحة؟ وما هي توقعاتك للمستقبل؟ اخذ
الرجل نفسا عميقا وقال: منذ بداية
الاحداث في “درعا” وما حصل من تجاوزات
من قبل المسؤولين الامنيين ونحن نحاول
مع “النظام” ان يتقدم خطوات عملية
وحقيقية لارضاء الناس وتحقيق مطالبهم،
قلنا للرئيس: اذهب الى انتخابات رئاسية
مبكرة وستكون فرصة “انتخابك” مرة
اخرى كبيرة، فرفض، قلنا له: اسحب
القوات العسكرية من المدن والارياف،
فرفض، نصحناه بان يحاسب المسؤولين
الذين “قتلوا” الناس فقال لنا: لم
يقدم ضد احدهم اي شكوى.. الآن نحن ندرك
تماما ان النظام وصل الى طريق مسدود،
وان كثيرا من المناطق اصبحت خارج
السيطرة، وان الضحايا الذين يسقطون
بالعشرات كل يوم يدفعون الناس الى
الاصرار على الثورة. اضاف: قبل شهور كانت نسبة المتعاطفين مع
النظام تصل الى 40% معظمهم من “الاقليات”
ومن الاغلبية السنية ايضا، اما الآن
فقد تراجعت كثيرا وحتى المدن التي لم
تخرج مثل دمشق وحلب اصبحت تغلي من
الداخل، ربما ينتظرون اللحظة المناسبة
للانضمام الى الثورة، وهذه اللحظة
مرتبطة بموقف “الجيش” وما يمكن ان
يحدث فيه من انشقاقات.. وهي –للعلم-
تتصاعد بشكل متسارع وربما تسمع قريبا
عن انشقاقات على المستوى السياسي، فلا
احد في سوريا –حتى نحن المحسوبين على
النظام- لديه اي امل بنهاية “الازمة”
وفق حسابات النظام وتصوراته بل اننا
بتنا مقتنعين تماما بان الطريق الذي
يسير فيه النظام الان سيفضي بنا الى “المجهول”
وبالتالي لا مصلحة لسوريا في
الاستمرار بهذه المواجهة او المفاصلة
واعتقد –قال الرجل- بان الرهان الآن
على الشعب لا على النظام. لم يُخف المسؤول “خوفه” من حرب اهلية
لكنه اكد انه لا مصلحة للنظام فيها
الآن، نظرا لما ستشكله من خطر عليه،
كما ان الناس اكثر تماسكا وحذرا من
التورط فيها، وفيما يتعلق بامكانية “التدويل”
قال: هذا وارد، ولكن ليس في المدى
القريب فالظروف الدولية لم تنضج بعد
للتخدل مع تأكيده –دائما- على رفض هذا
الخيار. فهمت مما قاله المسؤول ان النظام اوشك ان
يفقد تأييد اغلبية السوريين. وحتى “المتعاطفون”
معه تراجعوا فيما بقي المقربون منه
والمستفيدون من بقاء الوضع على
مواقفهم، اما خوفا منه او انتظارا لما
ستؤول اليه الاحداث مستقبلا، كما فهمت
منه ان احدا لا يستطيع الآن ان يدافع عن
النظام، وان الوجوه القليلة التي
نراها ونسمعها على الشاشات تتحدث
باسمه هي كل ما يستطيع ان يقدمه بعد ان
نأى اغلبية “المؤيدين” له سابقا عن
هذا الطابق المخجل.. قلت في نفسي: يا ليت
اخواننا من جماعة “المؤامرة” يسمعون
ويعتبرون ايضا. ================= الأحد, 18 ديسيمبر 2011 عبدالله إسكندر الحياة أسقط تبدل الموقف الروسي من الوضع السوري
وهماً، أو ادعاء وهم، لدى السلطات في
دمشق مفاده أنها تستند إلى جبهة من
الأصدقاء الخارجيين قوية ولا تتغير.
بما يتيح لها الاستمرار في تكرار
روايتها عن الاحتجاجات وطريقتها في
معالجتها، ويحميها من قرار دولي في
الوقت نفسه. المهم في الموقف الروسي الجديد أنه ارتبط
بدوافع وأسباب روسية بحتة (قبول عضوية
موسكو في المنظمة العالمية للتجارة
وتمتين علاقاتها الأوروبية عبر دعم
منطقة اليورو بـ10 بلايين دولار إضافة
إلى الوضع الداخلي الروسي موضع
الانتقاد بعد الانتخابات البرلمانية)،
كما أنه ارتبط بحجم الارتكابات ضد
المتظاهرين في سورية (خصوصاً تقريري
نافي بيلاي أمام مجلس الأمن ومنظمة
هيومن رايتس ووتش). بكلام آخر، لم يحصل
التبدل الروسي في إطار الصداقة
الأبدية والدفاع الأعمى عن السلطات
السورية كما تحاول دمشق أن تشيع عن
علاقاتها الخارجية. صحيح أن الموقف الروسي الجديد لم يصل إلى
حدود تبني وجهة نظر المعارضة
ومطالبها، لكن الأساسي فيه أنه قابل
للتبدل استناداً إلى رواية جديدة وليس
رواية النظام وحده. بما يضعه على سكة
جديدة ليست تلك التي سلكها حتى الآن. أي
أنه قابل للتوجه نحو فهم جديد للأزمة
السورية وربما التقارب مع الموقف
الأوروبي - الأميركي منها. بما يشكل
خسارة أساسية للديبلوماسية السورية
التي تعول على موقف روسي لا يحول ولا
يزول، ويقود مواقف دول أخرى مثل الصين
والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا. قد يكون الجدل في مجلس الأمن صعباً لدى
مناقشة مشروع القرار الروسي، لكن
المحور الدولي الذي راهنت عليه دمشق
بدأ بالتصدع. أولاً، لجهة عدم التطابق
مع الرواية السورية الرسمية. وثانياً،
لجهة الحلول المقترحة. وهنا تكمن أهمية
التشديد على عناصر المبادرة العربية
في مشروع القرار الروسي، سواء لجهة
المراقبين أو لجهة العقوبات. هكذا يصبح المسعى السوري الرسمي لإدخال
تعديلات على المبادرة العربية، بما
يفرغها من مضمون حماية المدنيين
وإخضاع هذه الحماية للرقابة، والسعي
إلى كسب الوقت، ريثما يتم القضاء على
الحركة الاحتجاجية، من العوامل
المسهّلة لتدويل طالما رفضته موسكو في
السابق. مع كل ما يعنيه ذلك من احتمالات
لفرض هذه الحماية. لقد أدى استمرار الحل الأمني في سورية إلى
تصدع جبهة الحلفاء الدوليين، ربما
بعدما أحرجهم اتساع الارتكابات
وعمليات القتل التي وصلت إلى حدود
الجرائم ضد الإنسانية بحسب وصف
التقارير الدولية. أما الرهان الرسمي السوري على جبهة
الحلفاء الإقليميين، فإنه قد يصطدم
أيضاً بالحسابات والمصالح الخاصة لكل
من أطراف هذه الجبهة وقدرته على تحمل
السلوك العنفي المحض الذي تعتمده
السلطات في دمشق. معلوم أن إيران تشكل العماد الأساسي لهذه
الجبهة. ومعلوم أيضاً حجم الاستثمار
الإيراني السياسي والاقتصادي في سورية.
ونظراً إلى حجم هذا الاستثمار والحاجة
الإيرانية إلى موقع على المتوسط مثل
سورية (ومعها لبنان)، ستكون إيران
معنية بإنقاذ هذا الرصيد، بغض النظر عن
مآلات الحلول في سورية. وهذا ما يبدو أن
طهران تحاول القيام به، خصوصاً في ظل
إعلاناتها المتكررة عن وجوب الإصلاحات
في سورية، وفي ظل معلومات عن الدفع في
التعامل إيجابياً مع المبادرة
العربية، ريثما تتبلور الأوضاع. وإذا
كانت إيران ترغب في إنقاذ حليفها
الاستراتيجي في دمشق، فإنها تعتمد
سياسة براغماتية تسعى من خلالها إلى
إنقاذ مصالحها واستثماراتها، وتعد
نفسها للتأقلم، في حال وقوع أي مفاجأة.
خصوصاً مع انهيار صدقية النظام واتساع
حركة الاحتجاج وتنظيم المعارضة
لصفوفها وخطابها السياسي. أما بالنسبة إلى العراق ولبنان، طرفي
الرهان في المعادلة الإقليمية، فهما
يتشابهان عموماً لجهة التطابق مع
الموقف الإيراني صاحب التأثير الفعلي
على المستوى الرسمي في البلدين. إضافة
إلى ذلك، تعارض قوى سياسية فاعلة في
البلدين، انطلاقاً من انقسامات
اجتماعية - طائفية، الموقف الرسمي من
الوضع السوري، بما يجعل التأييد
الكامل لدمشق مكلفاً على المستوى
الداخلي. في هذا المعنى يؤشر التبدل الروسي، ومعه
الحسابات الإقليمية، إلى تصدع الجبهة
التي راهنت عليها دمشق، إقليمياً
ودولياً. فهل يعيد الحكم السوري قراءة
هذه المعطيات ويعيد النظر في نهجه، مع
بدء سقوط أوهام حمايته الخارجية؟ ================= سوريا: من الدوحة إلى
مجلس الأمن؟ طارق الحميد الشرق الاوسط 18-12-2011 يقول رئيس الوزراء القطري الشيخ حمد بن
جاسم إنه طالما قدمت روسيا مشروعا خاصا
بسوريا لمجلس الأمن فإن العرب سيفعلون
الأمر نفسه ويرفعون مبادرتهم تجاه
سوريا لمجلس الأمن، فهل نحن أمام تنافس
«مبادرات» عربية – روسية وعراقية، أم
أن العرب، وتحديدا اللجنة الوزارية،
قد توصلوا لقناعة أن النظام الأسدي لا
يجيد إلا المراوغة؟ بالطبع لا أحد يملك إجابة قاطعة، لكن بعض
التفاصيل قد تساعد على الوصول لتحليل
مفيد. ففي الدوحة، مثلا، يوم أمس، كان
الاجتماع الوزاري العربي الخاص بسوريا
أشبه بعملية تضييع وقت وتسويف، من قبل
النظام الأسدي. صحيح أن أحدا لم يحضر من
النظام، لكن كان هناك من يدافع عنهم
بضراوة، وهو الطرف الجزائري، الذي
تشير المعلومات إلى أنه لوح
بالانسحاب، مثلما فعل مرارا، وعندما
قيل له لماذا لا تتحفظ بدلا من
الانسحاب، تراجع عن تهديده! وهذا ليس
كل شيء بالطبع، فقد صُرف وقت طويل من
الاجتماع في النقاش حول تغيير عبارة «حماية
المدنيين» الواردة بالقرار العربي
تجاه سوريا، إلى «حماية المواطنين»،
وبعد جدال طويل، واتصالين من وليد
المعلم على الأمين العام للجامعة
العربية، إضافة إلى اتصال من محام دولي
قال إنه يمثل النظام الأسدي، فقد طرح
بالاجتماع صيغة أخرى وهي «حماية
المواطنين العزل» إلا أن النظام
الأسدي قام برفض ذلك أيضا! وهذه الجزئية بحد ذاتها، أي الجدل على
عبارة «مدنيين»، و«مواطنين» و«مواطنين
عزل» تدل على أن النظام الأسدي غير
جاد، خصوصا أن آلة القتل لم تتوقف، بل
هي بازدياد، ومنذ التحرك العربي تجاه
سوريا، حيث يقع يوميا قرابة 50 قتيلا،
مما يوحي بأن النظام الأسدي يخطط
للمزيد من المماطلة، والتسويف، وإن
وقّع في آخر لحظة فإنه سيقوم بنفس
المماطلة عند التنفيذ. والأكيد أن حمام
الدم السوري لن يتوقف، خصوصا أن مماطلة
النظام الأسدي مستمرة، وليست مع العرب
وحدهم. فبحسب مصادر مطلعة فإن الروس
حاولوا في آخر الأيام الضغط على
السوريين لتوقيع المبادرة العربية،
وكان من المفترض أن يقوم فاروق الشرع
بزيارة موسكو لكن الزيارة ألغيت، أو
أرجئت، لأن النظام الأسدي أصر على أن
يكون اللقاء بموسكو مع الرئيس الروسي،
أو رئيس الوزراء، لكن الروس أصروا على
أن يكون اللقاء مع وزير الخارجية
الروسي، وهو ما لم يوافق عليه النظام
الأسدي! كل ذلك يقول لنا حقيقة واحدة؛ هي أن مجرد
التفكير في الوصول لحلول عملية تضمن
حلا عربيا للأوضاع في سوريا وبموافقة،
وتعاون، النظام الأسدي ما هي إلا
أوهام، ولذا فيجب ألا يكتفى بإرسال
المبادرة العربية من الدوحة إلى مجلس
الأمن، بل وبإطلاق حملة دبلوماسية
حقيقية تضمن أن يتحرك مجلس الأمن،
وبأسرع وقت ممكن، وذلك حقنا لدماء
المدنيين السوريين من آلة قتل النظام
الأسدي، وهذا دور مجلس التعاون
الخليجي، وتركيا، وفرنسا، وأميركا. ================= العقوبات الاقتصادية
على سوريا وأثرها على الشعب السوري الشرق الاوسط منذر خدام 18-12-2011 في إطار اهتمامي كباحث اقتصادي قمت بجولة
على المصارف السورية والأجنبية
العاملة في اللاذقية، ومراكز الصيرفة،
وكذلك على أسواق سلع التجزئة ذات الصلة
بحياة المواطنين السوريين، وقد لفت
انتباهي مجموعة من الظواهر التي تؤشر
بمجملها إلى ردود فعل السوريين على
العقوبات الاقتصادية التي فرضتها
الجامعة العربية وتركيا ودول أخرى،
على سوريا كنوع من الضغط على النظام
السوري ليتراجع عن خياره الأمني في قمع
الاحتجاجات الشعبية. لفت انتباهي،
مثلا، أن القسم الذي يستقبل المودعين
في مصرف الادخار خال تماما من
المتعاملين، في حين كانت الصالة أمام
نوافذ قسم السحب مزدحمة بهم. وعندما
سألت البعض منهم عن سبب سحبهم
لمدخراتهم أجاب قسم منهم بأنه يريد
أمواله في بيته في متناول اليد، لأنه
ليس واثقا من عدم تعرضها لمخاطر في حال
بقيت في المصرف. وقسم آخر أجاب بلا تردد
بأنه يريد تبديلها بعملة صعبة أو ذهب
حفاظا على قيمتها. تكاد تكون الصورة مقلوبة تقريبا تلك التي
شاهدتها في أحد فروع المصارف
الأجنبية، حيث المودعون كثر في حين
تكاد تخلو نوافذ السحب من المتعاملين،
والإجابة التي حصلت عليها عن سؤالي
لبعض المتعاملين عن سبب تفضيله للبنوك
الأجنبية على السورية لإيداع نقوده،
هي أن أمواله تكون محفوظة أكثر،
ويستطيع سحبها من الخارج، لكن مدير أحد
الفروع التي زرتها سألته عن صحة ذلك،
فأجاب «بأننا نعمل وفق القوانين
السورية، وما ينطبق على البنوك
السورية ينطبق علينا». هذا يعني أن
الأموال المودعة في هذه البنوك لا يمكن
سحبها أو تحويلها إلى أي جهة كانت إلا
وفق القوانين السورية النافذة. ومن
المعلوم أنه صدرت تعليمات لجميع
البنوك الحكومية بإيقاف عمليات
الإقراض لكل أنواع القروض حتى مطلع
العام المقبل 2012، كإجراء احتياطي،
إضافة إلى إجراء المراجعات والحسابات
المصرفية المعتادة. من جهة أخرى فإن أسواق الصيرفة الرسمية
يقتصر عملها هذه الأيام على شراء
العملات الصعبة فقط، وهي نادرة جدا،
على عكس محلات الصيرفة غير الرسمية،
فهي تشتري وتبيع العملات الصعبة لكن
بأسعار عالية. فخلال نحو شهرين فقط قفز
سعر بيع الدولار من نحو 46 ليرة سورية
إلى أكثر من 60 ليرة سورية، بل خلال
يومين فقط قفز سعره من نحو 57 ليرة سورية
إلى 61 ليرة سورية في أسواق اللاذقية،
وفي كل يوم يمر تنخفض قيمة العملة
السورية إزاء الدولار وغيره من عملات
التحويل الأخرى. في أسواق سلع التجزئة يلفت الانتباه
تزاحم الناس على شراء السلع
الاستهلاكية، وخصوصا الغذائية منها،
وذلك من أجل تخزينها. الجميع يتحدث
بخوف من المجهول المقبل، وينسجون حوله
قصصا، هي في الغالب الأعم حكايات مبالغ
فيها، لكن الذعر هو الذعر الذي يدفع
الناس إلى القيام بسلوكيات اقتصادية
ضارة، خصوصا في غياب أي علامات على
انفراج الأزمة التي تعصف بسوريا منذ
تسعة أشهر. لقد أدى التزاحم المفرط على
السلع الاستهلاكية خلال الأيام
القليلة الماضية التي تلت صدور
العقوبات العربية على سوريا، إلى
ارتفاع أسعارها بصورة جنونية وغير
مبررة، وقد ساهم بذلك غياب أي شبكة
أمان حكومية، مما دفع التجار إلى
استغلال الأوضاع ورفع أسعار سلعهم
أيضا. على صعيد الاقتصاد الكلي أشار أحد
التقارير الاقتصادية الدولية إلى أن
الاقتصاد السوري قد خسر نحو 27 مليار
دولار خلال الأشهر التسعة الماضية. وبغض النظر عن دقة هذا الرقم، فإنه يمكن
القول إن قطاع السياحة قد توقف بصورة
شبه كاملة، وتأثرت نتيجة لذلك جميع
الفروع والنشاطات الاقتصادية
التكميلية، إضافة إلى ذلك فقد تراجع
حجم التبادل التجاري الخارجي بنحو30 في
المائة، بحسب بعض المصادر شبه
الرسمية، وتقلص الادخار نتيجة ميل
الناس للاكتناز، وتراجع بالتالي
الاستثمار كثيرا، ليتوقف تقريبا في
المشاريع المكثفة لرأس المال، في حين
حافظ الاستثمار الحكومي على نشاط
ملحوظ في مشاريع البنية التحتية، مثل
الطرق والمواصلات. ويواجه قطاع النفط،
إنتاجا وتسويقا واستثمارا، صعوبات
حقيقية أثرت كثيرا على حصيلة النقد
الأجنبي الذي كانت تجنيه الحكومة
السورية من وراء تصديره، وأخذت السوق
الداخلية لمنتجاته تعاني من تقلص
نتيجة ضعف الإمدادات، فظهرت طوابير
السيارات والمواطنين أمام مراكز توزيع
الوقود. بكلام آخر ثمة ملامح أزمة
اقتصادية حقيقية بدأت تظهر في سوريا
وهي لن تستثني أحدا، مع أن العقوبات
الاقتصادية المفروضة لا تزال في
بدايتها، وهناك شك في جدية تطبيقها من
قبل بعض الدول على الأقل في المدى
القريب. لقد قيل إن العقوبات الاقتصادية التي
أقرتها جامعة الدول العربية وتركيا
وغيرها من الدول الأوروبية، تم
انتقاؤها بذكاء حتى لا تؤثر على الشعب
السوري، وهذا قول مجاف للحقيقة، فلا
توجد عقوبات موجهة وانتقائية الهدف في
المجال الاقتصادي. إضافة إلى ذلك من
المشكوك فيه أن ترغم العقوبات
الاقتصادية النظام السوري على تغيير
سلوكه ومواقفه تجاه الحركات
الاحتجاجية الشعبية في بلاده، وهي
عموما سلاح ذو حدين، فكما تؤثر على
الطرف المفروضة عليه، فهي تؤثر على
الطرف الآخر الذي يفرضها. من جهة أخرى
لا يعرف في التاريخ المعاصر أن
العقوبات الاقتصادية أسقطت نظاما،
وخير مثال على ذلك العراق المجاور، بل
الشعوب هي من تدفع الثمن دائما. هذا لا
يعني أبدا أن النظام لن يتأثر بها
مطلقا، على العكس تماما، فهو بدأ يتأثر
فعلا. والتأثير للأسف ليس دائما سلبيا،
بل له وجه إيجابي بالنسبة لنظام يشتغل
كثير من رجالاته وحواشيه على التهريب
والفساد. لقد بدأت تنشط كثيرا حركة
التهريب بين سوريا والدول المجاورة،
ليس فقط تلك المتعلقة بالسلع
الاستهلاكية المنزلية، بل بتهريب
النفط ورؤوس الأموال وغيرها. ثم ينبغي
ألا ننسى أن خط سوريا على العراق
وإيران مفتوح، وكذلك على لبنان، وهناك
دول مثل روسيا لا تزال تقف إلى جانب
النظام بقوة. وثمة خشية حقيقية من أن
يوظف النظام قصة العقوبات الاقتصادية
لصالحه لشد أزر مناصريه وجذب القوى
الاجتماعية المترددة إلى جانبه، من
خلال تحميل المعارضة والحراك الشعبي
المسؤولية عن آثارها عليهم. ومع ذلك
ثمة قوة رمزية للعقوبات الاقتصادية لا
بد أن تولد مزيدا من الأسئلة لدى
السوريين، خصوصا في الأسابيع المقبلة،
إذا أصر النظام على نهجه الأمني في قمع
انتفاضة شعبه في سبيل الحرية والكرامة
والديمقراطية. الشعب السوري حقيقة لا
يستحق كل هذه الامتحانات القاسية التي
يعرضه لها نظامه. ================= لو بقي القذافي وصدام
فسيبقى الأسد أسامة الرنتيسي الغد الاردنية 18-12-2011 انفصل الشريكان الروسي والسوري كما
توقعنا منذ مدة، وكما كانت الأحداث
تظهر للمتابعين، حيث إن المقدمات
غالباً ما تقود إلى النتائج، وروسيا لم
تكن لتستطيع الصمود في وجه العالم أكثر
من تسعة أشهر، تدافع فيها عن نظام
الأسد بطريقة عمياء لا تعكس دبلوماسية
أو ذكاء سياسياً عند دولة محسوبة في
مصاف القوى الكبرى، ولكن آلة القمع
التي لم يعرف لها التاريخ مثيلاً ألجمت
الدب الروسي عن الكلام الذي كان يتحفنا
به، إذ إن وزير الخارجية الروسي سيرغي
لافروف أصبح وكأنه ناطق رسمي للنظام
الأسدي، يقدم المبررات لقتل الشعب
السوري بدم بارد على يد الشبيحة
وميليشيات الأمن، متذرعاً بوجود قوى
مندسة وعصابات مسلحة وجراثيم خطيرة هي
التي تقوم بجرائم ضد المواطنين العزل،
ولم يقف الأمر عند لافروف، بل أصبحنا
نشاهد على شاشات التلفزيون شبيحة
إعلاميين روساً أكثر تشبيحاً من طالب
إبراهيم وبسام أبوعبدالله وشريف
شحادة، ولولا صعوبة الأسماء الروسية
لذكرت عدداً منهم. الانتخابات الروسية كشفت عورة الحزب
الحاكم هناك بقيادة فلاديمير بوتين
وصاحبه ميدفيديف، وهو ما أشار إلى
احتمالية التصعيد الداخلي الروسي
بالمظاهرات اعتراضاً على نتائج
الانتخابات وعمليات التزوير التي
شابتها، والغرب لم يكن ليقف متفرجاً
إزاء ما يحدث في روسيا، بل بلغت
انتقاداته إلى مديات بعيدة، حتى كانت
المخاوف تصل إلى حد المطالبة بتحقيق
دولي ومراقبة خارجية أو إعادة
للانتخابات، وهو ما لا ترضاه الكرامة
الروسية على نفسها. في جميع الأحوال فإن التراجع الروسي عن
الموقف المتصلب المنحاز إلى جانب
القتل الذي يقوم به بشار الأسد ونظامه
القمعي له علاقة من بعيد أو قريب بما
حدث في موسكو أثناء الانتخابات
وبعدها، ولعل صفقة دبلوماسية غير
مباشرة تمت بين الغرب وروسيا لتقوم
الأخيرة بتقديم مشروع قرار في مجلس
الأمن ضد سورية مقابل الصمت عما جرى من
تزوير وانتهاكات ديمقراطية صارخة هناك. روسيا تقدمت بمشروع القرار المذكور إلى
مجلس الأمن، وعلى الرغم من أنه لا يلبي
طموحات الشعب السوري وتضحياته العتيدة
على مر الأشهر العشرة الأخيرة، ولكنه
يشكل نواة جيدة لتململ الدب الروسي
وتصحيح بوصلته السياسية نحو المصالح
الشعبية المستقبلية بين البلدين،
وخصوصاً أن الدول دائمة العضوية في
مجلس الأمن أبدت ارتياحاً كبيراً
وتفاعلاً معقولاً مع القرار الروسي
شريطة إدخال تعديلات مناسبة عليه،
بحيث لا يساوي بين الضحية والجلاد. عيوب مشروع القرار الروسي كثيرة، فهو من
جانب يدين العنف من جميع الأطراف،
وبذلك يتساوى الشبيحة مع حمزة الخطيب
وعلي فرزات وإبراهيم قاشوش وغيرهم،
ومن جانب آخر لا يدع أي مجال لإقامة
منطقة عازلة أو ممرات آمنة أو نحو ذلك،
ومع كل هذا فهو جيد جداً من عدة نواحٍ؛
كالإشارة إلى انفصال المصالح الروسية
الأسدية بالتدريج، وإمكانية إلقاء دول
العالم بثقلها لتغيير صيغة القرار
وإصداره بما يناسب الوضع على الأرض،
وبالتالي يمكن أن نرى المحكمة
الجنائية الدولية تقوم بدورها المنتظر
في محاسبة المجرمين السوريين الذين
وصل عددهم حسب المنظمات الدولية
الرسمية إلى 74 مجرم حرب على أقل تقدير. قلنا المقدمات تقود إلى النتائج، وروسيا
من قبل وقفت مع صدام حسين ثم خذلته،
ووقفت مع معمر القذافي ثم خذلته، ووقفت
قبل ذلك مع سلوفودان ميلوزوفيتش ثم
خذلته، ولن يكون بشار الأسد أحسن حالاً
من غيره عند روسيا. ------------------------ المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |