ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
يوسف الكويليت الرياض 19-12-2011 نحن على أعتاب
نهاية عامٍ عاصفٍ عالمياً وعربياً،
انهيارات مالية، وعواصف هبت على عواصم
عربية اقتلعت زعامات، وغيّرت خرائط
سياسية واجتماعية، ولم يكن الخليج
العربي بعيداً عن بعض الشرر من الحريق
الكبير، في هذه الأجواء تنعقد القمة (٣٢)
أي مرور أكثر من ثلث قرن، والخطوات لا
تزال بطيئة إذ كل هذه الأعوام لم تجعل
المواطن الخليجي يشعر بملامسة
القرارات التاريخية المطبقة،
والمرحلة الراهنة لا خيار فيها
للتباطؤ، أي أن أولويات الأمن لايمكن
وضعها على اللائحة الأخرى من الأهميات.. فنحن، وبدون مواربة، نواجه دولة إقليمية
مدججة بالأسلحة وتريد امتلاك قنبلتها
النووية، ولا تخفي مطامعها بهذه
الدول، وليس لدينا طريق ثالث غير إدراك
ما هو مطلوب منا، أي إنشاء جيش محترف
بعقول وأسلحة متطورة، وترك العلل التي
طالما جعلتنا نقدم خطوة ونؤخر أخرى،
بينما لا يتفق ذلك مع الواقع المستجد
بتداعيات تنذرنا بالخطر.. الظرف الراهن هو فرصة لأنْ نقوّم
مسيرتنا، ونضع الجانب العسكري
والاقتصادي في مركز واحد، لأنهما
متداخلان، وخاصة أن الدول الخليجية
الثرية تتمتع بعوائد مادية غير
مسبوقة، وهذا يعزز جوانب التنمية
والحماية الذاتية، بشرط أن نؤكد إرادة
العمل الواحد، قبل أن تتجه بوصلة هذه
الدول إلى المزالق المحتملة.. الصورة أمامنا واضحة، فنحن قادرون على
تجييش أكثر من نصف مليون شاب في كل
القطاعات، فقط لننسَ الأحجام
الجغرافية، والعقدة السكانية التي
تصور الدولة الكبرى أنها ستلتهم
الأصغر، وهي كوابيس نوم ليس لها أي
منطق صحيح، طالما نحن في القارب
الواحد، وأكبر تجربة احتلال الكويت،
واضطرابات البحرين، وهما يؤكدان طبيعة
تلاحم هذه الأنظمة مع بعضها.. الواقع الداخلي له تعقيداته الخاصة، فنحن
أمامنا معضلة السكن والبطالة، وشباب
ينمو بوتيرة عالمية لا محلية أو
إقليمية، بمعنى أن الجيل الراهن يريد
رسم طريقه بتناغم مع كل الدول
المتقدمة، وهي اشتراطات لابد من
توفيرها، إذ ليست أماني بل هي مطالب
واقعية تفرض علينا الوقوف عليها
كحقيقة، والتعامل معها كمفهوم عام.. الوضع العربي مقلق، إذ إن الثورات لم تأخذ
اتجاهاً واضحاً، وتحولت إلى أعباء
اقتصادية وأمنية، ودول الخليج في قلب
الحدث، والتفكير بإطار جماعي خليجي
بتنسيق السياسات، والتحرك وفقاً
لمستجدات كلّ بلد، والعبء ليس مادياً
فقط بل أمني وسياسي، لأن حالة اليمن
تحديداً، هي التي ترفع الضغط على هذه
الدول، لأنها بيئة الاحتمالات غير
المتوقعة، ولابد من معالجات سريعة
وبعيدة المدى.. بقية الدول العربية تريد أن تخرج من ظروف
لظرف جديد، والإسلام السياسي يأخذ
قوته، وهي رغبة شعبية لا تقهر، لكن
الطريق لا يزال في أوله، وكل ما يجري هو
مقدمات لحل أعباء كبرى، أما العالم
الخارجي فهو يقيس مكاسبه والحصول
عليها من حالات اضطراب الدول وحروبها،
وعدم استقرارها، والتعويل على حمايته
هو ضربٌ من الوهم الكبير الذي يجب أن لا
يقنعنا، أو يربطنا بدائرة سريعاً ما
تتفكك لصالحه.. عموماً القمة أمامها ملفات دقيقة وحساسة،
لكنها فاصل في مصيرنا الوطني والقومي.. ================= مخاطر التدويل كبيرة
والحل بيد دمشق اساسا القدس 18 كانون الأول 2011 منذ انطلاق
الانتفاضة الشعبية في سوريا وتواصل
سقوط الضحايا باعداد متزايدة ومستمرة،
اخذت تتضح ملامح تدويل الوضع، سواء من
خلال المواقف الدولية المختلفة او
بالتحرك العربي من خلال الجامعة التي
فرضت عقوبات ومقاطعة محدودة، حتى وصلت
الى المبادرة لارسال مراقبين وكانت
فيها منذ البداية اشارة الى احتمال
اللجوء الى الامم المتحدة. ماطل النظام السوري وناور في موضوع
المراقبين ولم يتجاوب التجاوب الكامل
والمطلوب مع المبادرة، حتى وصلنا
بالامس الى اقتراح لجنة المتابعة
بتحويل القضية الى مجلس الامن، ومن
المقرر أن يبحث الوزراء العرب هذا
الاقتراح او التوصية في اجتماع مقرر
يوم الاربعاء القادم. ان اللجوء العربي الرسمي الى مجلس الامن
يذكرنا ببداية التحرك الذي حدث في
ليبيا، ومن يقول ان هذه التوصية لا
تعني التدخل العسكري في النهاية، هو
اما يتجاهل الحقائق والاحتمالات، او
هو جاهل فعلا . ان اللجوء المقترح الى
مجلس الامن جاء بعد عدم قدرة الجامعة
على اقناع سوريا بقبول المراقبين، فما
الذي سيحدث اذا تدخل مجلس الامن ولم
يستطع هو الآخر اقناع سوريا بالتي هي
احسن؟ إلا تكون الخطوة التالية تدخلا
عسكريا بشكل او بآخر؟ الا يعني ذلك،
مثلا، فرض حصار جوي وبحري وبري على
سوريا؟ الا يعني احتمال اقامة مناطق
عازلة او "محررة"؟ الا يعني تزويد
المعترضين بالاسلحة اكثر مما هو حاصل
اليوم، مما سيؤدي الى حرب اهلية يبدو
انها ابتدأت فعلا بصورة او باخرى/ الا
يؤدي ذلك الى تمزيق سوريا وزعزعة
الاوضاع في المنطقة، من اساسها؟ ان
الوضع الحالي في سوريا مأساوي ومحزن،
والتدويل لا يعني بالضرورة تصحيح هذه
الاوضاع ولكن زيادة تعقيدها على
الارجح. ولهذا كله نجد قوى عربية عديدة
واطرافا واسعة من المعارضة وحتى منظمة
التعاون الاسلامي تعارض أي تدخل اجنبي. إلا أن للقضية جانبا آخر لا يقل اهمية. ان
استمرار القتل واسالة الدماء وقمع
المتظاهرين وكل الممارسات الاخرى التي
تجري في سوريا، أمر لا يمكن قبوله او
التسليم به، ولا بد من وضع حد له، كما
لا بد من الاستجابة لمطالب الحشود
المتظاهرة في الاصلاح والديمقراطية،
وهذا كله يتوقف على دمشق وحدها، وعلى
النظام الذي يقوده الرئيس بشار الاسد.
وأول خطوة في هذا الاتجاه يجب أن تكون
بالتوقيع على المبادرة العربية وقبول
ايفاد المراقبين لقطع الطريق على
التدويل المرفوض بكل احتمالاته. ولا بد من الاشارة في هذا المجال الى
المساعي الايجابية التي يقوم بها
العراق لايجاد مخرج مقبول، ويجب اعطاء
هذه المساعي الوقت الكافي وغير
الطويل، ولا سيما ان في العراق اطرافا
مؤيدة لسوريا وصوتها مسموع لدى النظام
في دمشق، وهي الاطراف الشيعية تحديدا،
كما أن العراق سيكون اكبر المتضررين في
حال تعرض سوريا لتدخل خارجي وهو الذي
يحتفل هذه الايام بخروج آخر جندي اجنبي
من ارضه. ================= نايلة تويني 2011-12-19 النهار يسألونني باستمرار عن الموقف من سوريا،
وأجيب ترداداً ان شيئاً لا يدعو الى
تبديل اي موقف من النظام السوري، كما
ليس ما يدعو الى الشماتة اذ ليس الأمر
من شيم الكبار، واللبنانيون كانوا
كباراً على الدوام، حتى عندما كانوا
يُضربون بالحذاء السوري، اذ قاوموا
المخرز بالعين، ولو ضعف بعضهم أمام
إغراء السلطة والمكاسب، فيما افاق عدد
منهم فانتفض ولو متأخراً. وعلينا كلبنانيين ان نميز بين النظام
السوري والشعب السوري. فنظام الأسد،
الأب والإبن، اضطهد مواطنيه قبل
غيرهم، والشواهد كثيرة على ذلك، وما
زالت امهات كثيرات ينتحبن على أزواج
وابناء فقدوا او قتلوا او اقتيدوا الى
سجون الداخل اليها مفقود والخارج منها
مولود. ونظام الاسد تدخل سلباً في
لبنان والعراق والكويت ودول اخرى
بمخابراته المباشرة او بواسطة عملاء،
ودائما بحجة مقاومة اسرائيل، مع ان
جبهة الجولان لم تفتح يوما، ولم تخض
دمشق اي مواجهة حقيقية مباشرة مع
اسرائيل. حتى اتفاق الدفاع المشترك مع
لبنان لم يترجم على ارض الواقع، بل
سبقه اتفاق مع اسرائيل سمح للطيران
الحربي السوري بالتحليق في سماء لبنان
ودك قصر بعبدا ووزارة الدفاع
بالصواريخ على رأس العماد ميشال عون
الذي لجأ انذاك الى السفارة الفرنسية
ونفي الى باريس قبل ان يعود منتصرا
للدبابة السورية. هذا النظام الذي قصف الأشرفية وحاصر
زحلة، هذا النظام الذي قتل كمال جنبلاط
ورينه معوض ورفيق الحريري، ولاحق، مع
أزلامه، الطلاب والشباب والصحافيين
والسياسيين، وصولاً الى رعاية قتلة
ابطال انتفاضة الاستقلال، لا يكفيه
العزل، بل يستحق المحاكمة الدولية
العادلة، اذ ليس رأسه اهم من جاك شيراك
او حسني مبارك وغيرهما. أما الشعب السوري، فاني وبقلب صادق لا
أتمنى له الحرب الاهلية ولا الانقسام
المذهبي الطائفي، ولا التدخل الخارجي
لفرض التغيير، لأننا عانينا ويلات هذه
الامور وعشنا التجارب المرة من
جرائها، ولا نطلبها لعدو، فكيف والشعب
السوري مظلوم مثلنا ومضطهد؟ لكننا في المقابل لا نريد للشعب السوري ان
يعيش عقدة الخوف من التغيير، والتخوف
من تجارب أخرى محيطة لم تحقق النجاح
المطلوب الى حينه، او الاقتناع بأن
الرئيس الاسد قد تحول ضحية يستدعي وضعه
الجديد تضامنا من الضحية الحقيقية مع
الجاني الذي يوهم الناس انه ضحية، لأن
الفرصة اذا ما ضاعت اليوم فلربما لن
تكون متاحة في الزمن الآتي القريب. ================= هل الجامعة وحدها التي
تقتلهم ؟ الرأي الاردنية د. عبد الحميد مسلم المجالي 19-12-2011 هناك من فرمل حركة الجامعة العربية تجاه
سوريا خلال الاسابيع الماضية، بعد ان
تصور البعض ان الجامعة تندفع نحو
الازمة السورية بسرعة قياسية لن
تتوقف، الا وقد انجزت مهمتها بوضع ما
اسمته بالحل العربي في مساره الناجز،
كبديل عن الحلول الاخرى. بطء الجامعة او فرملة حركتها، كان واضحا،
بمنح المهل المتعاقبة حول العقوبات
احيانا، وحول لاشئ احيانا اخرى، ثم
بحجة استمرار المشاورات التي لانهاية
زمنية لها، بحيث دخلت الجامعة في مرحلة
غياب قد تمهد لرفع يدها عن القضية
السورية قريبا. الاتصالات الاقليمية والدولية التي تلت
اندفاعة الجامعة، هي التي اصابت
حماستها بالاحباط، بعد ان اصطدمت
بفتور من قوى اقليمية ودولية مؤثرة،
لاترى ان تكتيك الجامعة لحل الازمة،
سيؤدي الى نتائج حاسمة، خاصة وان
قدرتها على الفعل في هذه القضية وفي
غيرها محدودة وهشة. اي ان الجامعة تلقت
نصائح خلال هذه الاتصالات بان القضية
السورية اكبر من ان يتصدى لها جزء من
العرب وحدهم، بعد ان دخلت القضية في
دهاليز اللعبة الدولية المعقدة التي
تجري فصولها حاليا بين الغرب وكل من
الصين وروسيا وقوى صاعدة اخرى. المشترك في هذه اللعبة، هو ان اطرافها
الرئيسيين، يتفقون على ان سقوط النظام
السوري، سيؤدي الى وقوع مشكلات خطيرة
في الاقليم. فلو كان الامر يتعلق
بسوريا وحدها لامكن تحمل النتائج،
ولكن المشكلات المتوقعة ستمتد الى
العراق ولبنان والى الحدود مع اسرائيل
والخليج، وقد تتفاعل لتؤدي الى وقوع
نزاعات عرقية وطائفية وفوضى، ستجبر
القوى الكبرى على الدخول في مستنقع
يعني تحمل كلفة اكبر بكثير من كلفة
بقاء النظام السوري. وبالتاكيد فان هذا
هو ما يفسر بطء الاجراءات والمواقف
الدولية تجاه الازمة السورية، على
الرغم من مرور نحو عشرة اشهر على
بدئها، اذا ما قيست بسرعة الاجراءات في
الازمة الليبية، التي كانت قد بدات
عجلتها تدور، بعد نحو ثلاثة اسابيع من
الثورة الليبية، في حين تم انجاز
المهمة في الازمة المصرية خلال ثمانية
عشر يوما فقط. الازمة السورية بعد ان اتضح الكثير من
معطياتها، وجرت دراسة هذه المعطيات من
قبل الدول الكبرى المؤثرة، ربما يحتاج
حلها الى اتفاق متأن وعلى نار هادئة من
قبل هذه القوى، يجري اخراجه بكثير من
الحذر واليقظة، لكي لايؤدي تنفيذه الى
التورط في مشكلات لا تزال تعبر عنها
هواجس ومخاوف تتحدث عنها الدوائر
الاقليمية والدولية. وفي ضوء هذه الحقائق جرت مراجعة المواقف
والحدود الزمنية التي كانت تتحدث عنها
الجامعة العربية، التي ربما تبين لها
بعد كل ما اتخذته من مواقف، ان تحليلها
ورؤيتها للازمة السورية، رؤية سطحية
لاتتعدى مسألة ان هناك نظاما يقتل شعبه
ورايا عاما عربيا ساخطا على ذلك، في
حين ان القوى الدولية ترى في هذه
الازمة اكثر واعمق من ذلك، ولابد
للجامعة العربية ان تحدد خطواتها بما
ينسجم مع هذا الاكثر والاعمق. الشعب السوري المنكوب وقادة المعارضة،
ربما لم تكن رؤيتهم لابعاد الازمة
بعيدة عن رؤية الجامعة العربية لها.
وقد يتبين لهم في لحظة ما، ان
الفسيفساء السورية وموقع بلدهم
الاستراتيجي، هما السببان الرئيسان
لهذا الحظ العاثر، ولذا عليهم ان
ينتظروا طويلا قبل ان تطلع الشمس،
ويعرفوا بالضبط لماذا يستمر كل هذا
القتل. ================= حازم مبيضين الرأي الاردنية 19-12-2011 تتدحرج كرة الثلج السورية بسرعة هائلة,
مثيرة المخاوف بأن تطغى على كل ماعداها,
وأن تغطي بصقيعها بلاد الشام, وهاهي
روسيا التي راهنت دمشق طويلاً على
دعمها, تتقدم بمشروع قرار إلى مجلس
الأمن الدولي لبحث الأزمة السورية, وهي
خطوة لم تكن منتظرة, وفي خط مواز تعتزم
الجامعة العربية الطلب من مجلس الأمن
تبني القرارات الخاصة بسورية، وينتظر
اتخاذ قرار بهذا الشأن الاربعاء إن لم
توقع سورية على البروتوكول الخاص
ببعثة المراقبين العرب, وإذا كان
المشروع الروسي يضع كل من يمارس العنف,
سواء من قوى السلطة أو المحتجين على
قدم المساواة من حيث المسؤولية, فإن
الجامعة العربية تتخذ موقفاً مغايراً,
وهي تؤكد أن العنف صناعة رسمية خالصة,
وموقفها هذا سيؤخذ بعين الإعتبار عند
مناقشة المشروع الروسي. لم يتوقف تدحرج كرة الثلج عند مشروع
القرار الروسي, وإنما تعدى إلى إلغاء
زيارة نائب الرئيس السوري فاروق الشرع
إلى موسكو, بعد رفض طلبه لقاء الرئيسين
ميدفيديف وبوتين، وإبلاغه حصر مستوى
لقاءاته بوزير الخارجية سيرغي لافروف،
وهو ما يعتبره البعض رسالةً أكثر
وضوحاً لدمشق تؤكد حزم موسكو وعدم جدوى
أي محاولة لثنيها عن إحالة الملف
السوري إلى مجلس الأمن, سعياً لوضع حد
للعنف المنفلت من عقاله على الأرض
السورية، وبما يشي بأن خطوات الطلاق
بين موسكو ودمشق أخذت الطابع العملي,
بعد فشل الجهود الروسية لمساعدة
النظام السوري، بفعل عدم استجابة هذا
النظام لكافة المقترحات التي سعت
روسيا لبلورتها في سبيل حل الأزمة، قبل
أن تتغيّر الأمور جذريًا ويفوت الأوان. ندرك أن الموقف الروسي الجديد لايعني
موافقتها على أي تدخل عسكري خارجي, على
غرار ما جرى في ليبيا, بعكس موقف
الكثيرين من أعضاء الجامعة العربية,
لكن على دمشق أن تدرك أن المشروع
الروسي ليس نهائياً, وأن موسكو ستكون
مرنةً ومستعدةً للتفاوض مع الدول
الغربية والجامعة التي تتبنى وجهة نظر
المعارضة, حول التعديلات المقترحة على
مشروعها, خصوصاً وهي ترى أن العقوبات
الدولية والعربية, إذا تم تشديدها
وفرضها بصرامة, كفيلة بنجاح الضغط لوقف
دوامة العنف وحل الأزمة, ولايبدو أن
التحرك العراقي المتأخر كثيراً يثير
اهتمام أحد غير الحكومة السورية, وهو
متهم منذ البداية بالإنحياز لوجهة نظر
النظام السوري. وإذا كانت المعارضة السورية تأخذ على
الجامعة العربية أنها منحت دمشق مهلاً
متتاليةً, بدت وكأنها فرص حقيقية كي
يستكمل النظام قمع الانتفاضة,
وطالبتها مراراً بأن ترفع الملف إلى
مجلس الأمن, وتطالب بتأمين الحماية
الدولية للمدنيين, حتى ولو أدى ذلك الى
تدخل عسكري خارجي, فإن الجامعة بعد
الموقف الروسي تستجيب لمطلب بعض
المعارضين, حيث أن هناك الكثير من
معارضي الداخل كما يطلق عليهم, يرفضون
إحالة ملف الأزمة إلى مجلس الأمن خشية
أن يكون ذلك مقدمة لتدخل عسكري أجنبي,
ولعل في هذا التطور ما يستدعي من دمشق
موقفاً عملياً, لتجنيب البلاد المزيد
من الويلات والكوارث, بعد أن بات
واضحاً أن من ساندها بالأمس لن يظل على
موقفه, في حال استمر نزيف الدم السوري,
وهو ما يرفضه العرب والمجتمع الدولي. ================= الوساطة العراقية..
لماذا وما هو مصيرها؟! رجا طلب الرأي الاردنية 19-12-2011 لا اعتقد ان ذاكرتنا «مخرومة» على حد
التعبير المصري فأي مهتم او متابع
للشأن السياسي يذكر تلك الاتهامات
المدوية والخطيرة التى وجهها نوري
المالكي رئيس الوزراء العراقي للنظام
في سوريا بانه يقف وراء التفجيرات
الدموية التي استهدفت مباني حكومية
واوقعت قرابة 250 قتيلا في نوفمبر من عام
2009، وعمل جاهدا لنقل ملف الخصومة
والاتهام الى مجلس الامن لادانة سوريا
وتحميلها المسؤولية وتشكيل محكمة
دولية للاسد على غرار محكمة الحريري،
هذا بالاضافة الى اتهام دمشق بايواء
القيادات البعثية التي تنسق وتخطط
لهذه الاعمال الارهابية.. من يتذكر
ويقارن بين موقف المالكي هذا وموقفه
الان من النظام في سوريا لابد ان يصاب
بالصداع والدوار ويعجز عن تفسير هذا
السلوك المتناقض، فالمالكي الذي مارس
اقسى انواع التنكيل السياسي بخصومه
بحجة انهم «بعثيون» يتناسى انه يدافع
اليوم عن نظام بعثي، ويتناسى ان دمشق
الى هذه اللحظة توفر ملاذا امنا
لمجموعة يونس الاحمد البعثية التي
اتهمت من قبله باعمال ارهابية داخل
العراق. الامر الواضح وضوح الشمس في هذا الامر
والذي يبدو متناقضا ان المالكي حاول في
عام 2009 شراء الشعبية قبل الانتخابات
النيابية وليخلق مسافة بينه وبين
ايران وسوريا وليبدو على انه شخصية
وطنية عراقية ُتغلبُ الهم الوطني على
الاعتبارات الطائفية، لكن تطورات
الاحداث في سوريا فاجأت الجميع وفرضت
بحكم قوتها على معسكر « الهلال الشيعي
« اعادة التموضع وتصليب التحالف وهو ما
جعل الصورة تبدو اكثر وضوحا، فالنظام
الممانع في سوريا يتحالف مع النظام
الذي صنعته الولايات المتحدة في
العراق مع الحزب المقاوم الذي لاذ
بالصمت المطبق حيال الاحتلال الاميركي
للعراق واسقاط نظام صدام حسين، فبدا
التحالف هنا مذهبيا وطائفيا لا مجال
لتجميله او تخفيف حدة بشاعته. ومن هذا المنطلق ومن اجل انقاذ النظام
السوري جاءت المبادرة العراقية حيال
الوضع في سوريا، والمضحك بكل ما يتعلق
بهذه الوساطة ان الحكومة العراقية
ليست طرفا محايدا فهي منحازة تماما
للنظام على حساب الدماء السورية
البريئة وهذا الحياد هو اول عنصر من
عناصر الاهلية لاي وسيط في اية قضية
سياسية، كما ان الحكومة العراقية بحد
ذاتها هي حالة اشكالية داخل النظام
الرسمي العربي ولا ُينظر لها بانها طرف
محايد في المسالة السورية، هذا علاوة
على انها لا تملك من الناحية العملية
اية اوراق سياسية يمكن من خلالها ان
تقرب المسافة بين متناقضين وصل حد
التناقض بينهما الى درجة الموت
والدماء واقصد هنا النظام من جهة
والمعارضة والشارع السوري من جهة
ثانية والشارع تحديدا هو صاحب الكلمة
النهائية حيال اية تسوية والذي يرفع
بوضوح ومنذ تسعة شهور دامية شعار رحيل
الرئيس ونظامه ويلتف حول هذا الشعار
ولا يقبل اي تنازل عنه. في اطار المعلومات حمل المالكي وبتكليف
ايراني صرف الملف السوري الى البيت
الابيض باعتبار انها فرصة ان يكون احد
اطراف الهلال الشيعي جالسا الى جوار
الرئيس الاميركي، وان من الواجب
استثمار هذه الفرصة، وفي المعلومات
ايضا حاول المالكي اثارة مخاوف الرئيس
الاميركي من نتائج غياب الرئيس الاسد
ونظامه وشدد على ان البديل للاسد
ونظامه هو حرب اهلية وان نيرانها
ستنتقل للعراق ولبنان وحاول المالكي
اغراء اوباما من خلال الرسالة التي
نقلها له من الاسد والتي مفادها ان
سوريا سوف تتعامل استخباريا مع واشنطن
في مجال مقاومة الارهاب وسوف تقوم
بتسليم اية شخصيات تقيم في سوريا
وتصنفها واشنطن على انها ارهابية
علاوة على منح واشنطن تسهيلات عسكرية
في داخل الاراضي السورية، والتعاون
الى اقصى درجة في موضوع محكمة الحريري
وضبط سلوك حزب الله العسكري والسياسي
في لبنان، وفي المعلومات كان الرئيس
اوباما صريحا عندما ابلغ المالكي ان
العراق غير مؤهل للوساطة وان بقاء
الرئيس الاسد بات امرا غير مقبول. انها مبادرة مفصلة لانقاذ النظام وليست
مبادرة لانقاذ سوريا والشعب السوري. ================= صبحي حديدي 2011-12-18 القدس العربي زائر عمّان، وسائر الأراضي الأردنية أغلب
الظنّ، يلحظ دون عناء مقدار حضور
الانتفاضة السورية في أذهان، كما في
وجدان، وعلى لسان، مواطنين تختلف
أعمارهم وانتماءاتهم الطبقية أو
المهنية أو العقائدية. ومنذ إجراءات
المطار، حيث تُطرح على السوري أسئلة 'روتينية'
كما يصفها السائل، تأدباً بالطبع! لم
تكن الإجابات عليها مطلوبة، أو حتى ذات
معنى، قبل الانتفاضة؛ وصولاً إلى سائق
التاكسي، أو موظف الاستقبال في
الفندق، أو النادل في مقهى؛ ثمة تعاطف
عارم مع الشعب السوري، وإدانة قصوى
للنظام، فضلاً عن هذا المقدار أو ذاك
من القلق على سورية المستقبل. تصحب أصدقاء إلى 'مطعم هاشم' الأشهر، في
وسط البلد، تكريماً لذلك الطقس
العمّاني البديع: تناول الفول والحمّص
والفلافل، في ساعة متأخرة من الليل، بل
أوّل الفجر كما يتوجب القول. على طاولة
مجاورة يتحلّق ثمانية من الشبّان، فلا
تملك إلا الإصغاء إلى سجالاتهم
الساخنة حول الشأن السوري؛ ليس بين
مؤيد للانتفاضة ومعارض لها، والحقّ
يُقال، بل بين جازم بأنّ النظام سقط
لتوّه، وآخر يرى أنه ما يزال يقاوم
بشراسة وإنْ كان يوشك على السقوط؛ وبين
ساخط يعترض على أخطاء 'المجلس الوطني
السوري' وتصريحات برهان غليون إلى
صحيفة 'وول ستريت جورنال'، (لا سيما
العاثرة منها بصفة خاصة، حول مستقبل
العلاقات السورية مع 'حزب الله' وإيران)،
وراضٍ متسامح يتفهم أداء المعارضة
السورية ويطالب بمنحها الصبر والفرصة. في مناسبة أخرى تصغي إلى صديق عربي مؤمن
بالانتصار الحتمي للانتفاضة، ولكنه
يريد حقن دماء السوريين دون إبطاء،
فيساجلك حول ضرورة التدخل العسكري
الخارجي، ويروي كيف أنّ وحشية معمّر
القذافي أجبرته هو المناهض للحلف
الأطلسي، العارف بمطامع القوى
الغربية، المتأكد من رائحة النفط خلف
مزاعم حماية المدنيين على الترحيب
بالتدخّل الأطلسي في ليبيا. وحين
تناشده أن يثق، أكثر وأعمق، بسلمية
الانتفاضة، وأنّ يتبصّر في أخطار
عسكرتها أو تسليحها أو ركونها إلى
أجندات سياسية عسكرية خارجية؛ يطلق
الصديق الطيب زفرة أسى، ويقول: يا أخي
أنت تحلل عقلانياً، وأنا أفكّر
عاطفياً! مناسبة ثالثة تتيح لك الإصغاء، على مبعدة
نصف متر، إلى مثقف أردني 'ممانع' يسرف
في امتداح الحياة الثقافية السورية
كما صنعها حزب البعث، وخاصة في جوانبها
'الديمقراطية' و'العلمانية' و'التعددية'،
فلا تكاد تصدّق أذنيك! ثم يشدّك الفضول
أكثر، حين ينتقل صاحبنا إلى تعداد 'التحسينات'
العمرانية والسياحية التي أدخلها
النظام على أحياء دمشق القديمة،
فيراودك إحساس بأنه لم يزر العاصمة منذ
عقود، ولم يسمع بما اقترفه رامي مخلوف
وشركاه من جرائم بحقّ الشام الأموية
والأيوبية والفاطمية. وحين يبلغ
الجهبذ مرحلة التنظير للانتفاضة، لا
تملك سوى الإشفاق عليه إذْ يتوقّع أن
يزحف المثقفون العرب، زرافات
ووحداناً، إلى دمشق قريباً، للاعتذار
من... النظام السوري! ويردّك مؤتمر صحفي، في مناسبة إطلاق 'الهيئة
العربية لنصرة الشعب السوري'، إلى مزيج
من الامتنان لأصالة الأشقاء في الهيئة
الأردنية الأمّ، صحبة أشقاء قدموا من
الكويت وليبيا؛ والحزن العميق على
مكابدات النازحين السوريين، رغم سخاء
أهلهم في أرجاء الأردن كافة؛ والحقد
العارم على نظام همجي يقصف ويقتل
ويعتقل ويغيّب ويعذّب ويمثّل
بالشهداء، كما يشرّدهم في أربع رياح
الأرض. تغالبك دمعة، لم تغلبك منذ زمن
طويل، حين تصغي إلى شهادة مؤثرة عن
نازحين سوريين اضطروا إلى النوم على
أرصفة عمّان، فتستذكر بعد أن تحبس
الدمعة، وتتماسك ما استطعت إلى هذا
سبيلاً تلك الأيقونة المبكّرة: الشعب
السوري ما بينذلّ! وفي الرمثا، حين تزور ما صار يُعرف باسم 'مخيّم
النازحين السوريين'، على أطراف
المدينة وغير بعيد عن الحدود السورية،
يصلك التعاطف صريحاً صارخاً من أستاذ
في الأنثروبولوجيا، وشيخ عابر طريق
يرتدي الزيّ البدوي، ومتبرّع قدّم
السكن لعائلة سورية؛ كما تقرأ
التعاطف، صامتاً مكتوماً لاعتبارات
رسمية، لدى عنصر الأمن الذي يرافق
خطواتك، وضابط الجيش المكلّف بحراسة
المخيّم. تسمع سيناريوهات شتى عن طرائق
نشطاء سوريين (بينهم أصدقاء لك،
وصديقات) في عبور الساتر الترابي، ولكن
القاسم المشترك الواحد هو أنّ وابل
الرصاص من الجهة السورية كان دائماً
قرين الزحف في الليل البهيم. وإذْ تحرص على عدم ذكر الأسماء هنا،
تفادياً لأيّ حرج محتمل، رغم ما يلحق
من إجحاف بخيّرين كثر يستحقون
الامتنان الإسمي، فإنك عاجز تماماً عن
إغفال اسم واحد محدد: الطفلة الحورانية
سبأ، ابنة السنوات الثلاث، التي
التقيت بها في مخيّم الرمثا، وأمدّتك
بجمهرة أسباب إضافية للإيمان بأنّ هذا
النظام الشقي سقط منذ شهر الانتفاضة
الأوّل، في درعا على الأقلّ. كانت سبأ
تلتصق بحضن أبيها، ولكنها خلافاً
لعشرات الأطفال الذين يلقّنهم أهلهم
هتافات الحراك الشعبي المألوفة كانت
ترتجل بيسر وطلاقة، وتستبق أباها في
سرد وقائع التنكيل بالناس، فتروي عن
اقتحام الدبابات، وتردّد مقطعاً من
أهزوجة، ولا تتعثر في تعداد أسماء
الشهداء! وها أنك، إزاء أردنّ كهذا، لا تتحرّج
البتة في اختيار عنوان العمود؛
فللانتفاضة أردنّها الشعبي الأصيل،
وللنظام زبانيته العابرون... في نفاق
عابر! ================= سورية عندما توقع
المبادرة العربية رأي القدس 2011-12-18 القدس العربي تتضارب الانباء حول استعداد السلطات
السورية لتوقيع المبادرة العربية التي
تهدف الى حقن الدماء والافراج عن
المعتقلين وارسال بعثة من المراقبين
لمراقبة وقف اعمال القتل باطلاق النار
على المتظاهرين، فقد تصاعدت الآمال
يوم امس بعد ورود انباء عن حصول
التوقيع في غضون ساعات، ولكن هناك من
يرى، وبحكم تجارب سابقة، ان السلطات
السورية اوحت اكثر من مرة باستعدادها
للقبول بالحلول العربية، لتعود وترهن
موافقتها بتنفيذ شروط وتعديلات تقابل
بالرفض من قبل الجامعة العربية ووزراء
خارجيتها. الوضع ربما يكون مختلفا هذه المرة لسببين
رئيسيين، الاول: نفاد صبر وزراء
الخارجية العرب المتابعين للشأن
السوري من المناورات الرسمية السورية،
واعطاؤهم اكثر من مهلة دون جدوى.
والثاني: ان الانباء 'المطمئنة' حول
احتمالية حدوث التوقيع اليوم، جاءت من
فالح الفياض مستشار الامن القومي وزير
الامن الوطني العراقي الذي توجه من
دمشق الى القاهرة بعد زيارة للعاصمة
السورية في اطار جهد حكومته لاقناع
السلطات السورية بالتوقيع على
المبادرة العربية. فالحكومة العراقية
من اقرب حلفاء النظام في دمشق، وكانت
امتنعت عن التصويت لصالح قرار بتجميد
عضوية سورية في جامعة الدول العربية
الى جانب اليمن بينما كان لبنان هو
الدولة الوحيدة التي عارضت القرار. من المؤكد ان المعارضة السورية، التي
تتهم الجامعة العربية بدعم النظام
السوري، وتشجيعه على قتل السوريين
بالتقدم بمثل هذه المبادرة، والامتناع
عن المطالبة بالاطاحة به، ستكون في قمة
خيبة الامل اذا ما وقع النظام، وتجنب
جهدا عربيا بالذهاب بالملف السوري الى
مجلس الامن الدولي مثلما هدد وزراء
الخارجية في اجتماعهم الاخير. ويظل لزاما علينا القول بان توقيع هذا
البروتوكول المبادرة شيء، وتنفيذه شيء
آخر، فالسلطات السورية وقعت مبادرات
بوقف اطلاق النار في السابق، وتعهدت
بتطبيق اصلاحات ديمقراطية، بما في ذلك
تعديل الدستور والافراج عن المعتقلين،
وانهاء سيطرة حزب البعث على مقدرات
الحياة السياسية في البلد، ولكن لم تحظ
مثل هذه العهود بالتطبيق الفعلي او
الكلي على الارض. نتمنى ان تقبل السلطات السورية المبادرة
العربية بالكامل، وان لا تمارس عادتها
القديمة في طرح شروط او المطالبة
بتعديلات، طالما ان هذه المبادرة تمنع
التدويل، وتغلق الابواب كليا امام
التدخل العسكري الخارجي الذي لو حصل
سيكون كارثة على المنطقة برمتها
وسيفجر حروبا يصعب وقفها، ولن تكون
الانظمة العربية والخليجية منها
بالذات في منأى عنها ================= مَن ينجح: الجامعة أم
موسكو أم بغداد - طهران؟ الإثنين, 19 ديسيمبر 2011 جورج سمعان الحياة سواء وافقت دمشق على توقيع «وثيقة
المراقبين» في الساعات المقبلة أو
امتنعت، نجحت المبادرة العراقية أو
أخفقت، حقق المشروع الروسي اختراقاً
أو فشل... تبقى الطريق أمام التغيير في
سورية طويلة، ما دام كل من الأطراف
المعنيين يدرك عمق المأزق الذي
يواجهه، فميزان القوى الداخلي لم
ترجَّح فيه كفة على أخرى حتى الآن،
ومثله ميزان القوى بين اللاعبين
الإقليميين والدوليين، وطريق
المفاوضات تبدو طويلة، فقد مددت
الجامعة العربية مهلها لنظام الرئيس
بشار الأسد، وتترجح مواقف تركيا
وتتبدل كل يوم، ومثلها مواقف روسيا
المحرَجة، وإيران المرتبكة. في الأيام الأخيرة، نشطت بوضوح المحاور
الثلاثة التي تنشد «تسوية» الأزمة، في
ما يشبه المحاولة الأخيرة لممارسة
النفوذ على دمشق والسعي إلى حماية
المصالح في آن، علماً أن هذا النشاط
ترافَقَ مع أحداث لها دلالاتها في
الخريطة السياسية للإقليم، لعل أبرزها
خروج القوات الأميركية من العراق، و «الربيع»
الذي بدأ يطرق أبواب موسكو وما يحمل من
تحديات للثنائي بوتين-ميدفيديف، وكذلك
دخول روسيا منظمة التجارة الدولية بعد
عقدين من المفاوضات الشاقة. لعلها دفعة
مقدمة على الحساب، أو هدية ليست مجانية
في خضم تبادل الاتهامات بين موسكو وكل
من واشنطن وباريس، على خلفية ما يجري
من أحداث في سورية. رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي حمل
بالتأكيد رسائل من طهران إلى واشنطن،
فالرسائل المتبادلة بين الطرفين لم
تتوقف منذ أيام الرئيس جورج بوش الابن،
حين حمل الرئيس جلال طالباني رسائل
مشابهة. كانت توصيات تقرير بايكر-هاملتون
نوعاً من المقاربة حيال طهران، لكن
الظروف لم تكن نضجت بعد، لا أميركياً
ولا إيرانياً، ولا عربياً على وجه
الخصوص، ذلك أن النظام العربي وقتها،
ولا سيما دول الخليج، وعلى رأسها
المملكة العربية السعودية، لم يكن
مستعداً لصفقة بين أميركا وإيران تقلل
من موقع مجلس التعاون ودوره في رسم
سياسات المنطقة. المجلس لا يزال إلى
اليوم يتحفظ عن إحياء صيغة التفاهم
الثلاثية الأميركية-الإيرانية-العربية
التي سادت أيام الشاه، والتي تمنح
دوراً راجحاً للجمهورية الإسلامية في
المنطقة، ومن هنا ينبع الموقف الخليجي
المستمر من حكومتي المالكي في بغداد،
الحالية والتي سبقت. ومن الجدير بالذكر
أن ثمة طرفاً مستجداً في المعادلة يجب
أخذه في الاعتبار، هو تركيا، التي صارت
جزءاً من أي ترتيبات تتناول الشرق
الأوسط برمته ونظامه الأمني والسياسي. بدت واضحةً مباركة الرئيس باراك أوباما
التحرك العراقي الحالي حيال دمشق،
وكأني به يبعث رسالة إلى طهران،
المعنية هي الأخرى استراتيجياً
بمستقبل الوضع في سورية، لأنها لا تريد
أن تخسر هذا الجسر الإستراتيجي إلى
لبنان وحدود فلسطين، وكأن لا مانع
أميركياً أيضاً من تكليف إيران، عبر
بغداد، بعد مبادرة الجامعة العربية
وتركيا، بإيجاد مخرج مقبول للأزمة،
خصوصاً إذا كان التكليف يصب في مجرى
المبادرة العربية، التي يرغب المجتمع
الدولي في تحويلها شبيهة بالمبادرة
الخليجية التي رسمت خارطة طريق لإنهاء
الأزمة اليمنية، أي أنها ترسم تسوية
تراعي -مرحلياً- رأس النظام وحزبه و «حاشيته»،
وتوزع مواقع السلطة بين الأطراف
المتناحرين، تمهيداً لإصلاحات يساهم
في إرسائها هؤلاء الأطراف جميعاً. بالطبع تختلف التركيبة المجتمعية
السورية عن تلك التي في اليمن وغيرها
من أراضي «الربيع العربي»، فالخريطة
الديموغرافية في سورية تقترب إلى حد
كبير من خريطة لبنان والعراق، ولذلك قد
ينتهي المطاف إلى «طائفٍ» ما يوزِّع
على الطوائف والإتنيات حصصها،
وبالتالي... نصبح أمام دولة ثالثة
تحكمها المحاصصة، التي لا ترسي
تعايشاً بقدر ما ترسي نوعاً من إدارة
مستدامة للأزمات المرشحة كل حين لأن
تتحول حروباً مفتوحة! لا حاجة في هذا المجال إلى التذكير بأن
المبادرة العراقية تحظى حتماً بتأييد
إيران إذا كانت الغاية منها إطلاق حوار
بين نظام بشار الأسد ومعارضيه... وإنْ
على قاعدة ما رسمته المبادرة العربية،
ولكن إذا كان بين النتائج أن تضمن
إيران ألاّ تخسر هذا البلد وتخسر معه
لبنان، وتضمن -وهذا هو الأهم- «حضورَها»
الآمن في بغداد بعد رحيل الأميركيين،
فإنها تدرك أن أخطر ما ستواجهه ليس عبء
إدارة الأزمات التي ستنشأ في العراق
بعد هذا الرحيل، بل مستقبل الوضع في
سورية، سواء سقط النظام أو استمرت
الفوضى أو اندلعت حرب أهلية واسعة. لذلك، قد لا يكون لقاء وزير الأمن
والاستخبارات الإيرانية حيدر مصلحي
وليَّ العهد نائب رئيس الوزراء وزير
الداخلية الأمير نايف بن عبد العزيز،
مجردَ لقاء بروتوكولي، بل لعله مقدمة
لإدراك طهران حراجة الوضع الذي تواجه،
سواء في موقفها من الأزمة السورية أو
في الآثار المترتبة على كشف واشنطن خطة
إيرانية لاغتيال السفير السعودي لدى
العاصمة الأميركية والتداعيات التي
تلت ذلك، أو في المواجهة المستمرة على
ملفها النووي، لأنها تعي تماماً أنها
لا يمكن أن توفر تضامناً إسلامياً مع
مواقفها ما لم تحظَ بمثل هذا التضامن
من المملكة العربية السعودية أولاً،
وتعي أيضاً استحالة القفز فوق نفوذ
الرياض في العراق وغير العراق. هذا التحرك العراقي-الإيراني للإمساك
بمفتاح الحل في سورية، ربما كان أحد
أسباب تبدل موقف روسيا، التي لا تشعر
بأن «الربيع» بات يدق أبوابها فحسب، بل
بأن النظام في دمشق لا يمكن أن يصمد حتى
النهاية في مواجهة كل هذه الضغوط.
وأياً كان مشروع القرار الروسي في مجلس
الأمن، فإنه بالتأكيد سيزيد في عزلة
سورية، رغم أن بعض القوى عَدَّه فارغاً
من أي مضمون لأنه لا يدعو إلى فرض
عقوبات... مشروع القرار هذا يعكس خشية
موسكو من تراخي قبضة الرئيس الأسد
واستحالة انتصاره على إرادة الناس
أولاً، ومن احتمال فتح المبادرة
العربية -التي تلقى دعماً إسلامياً
ودولياً واسعاً- الطريقَ إلى حل إقليمي-دولي
يعرض مصالحها الحيوية للخطر ثانياً،
كما كانت حالها في الأزمة الليبية... في
حين تتعزز مصالح أميركا وأوروبا،
وقبلهما تركيا وبعض العرب. وستحدد
الأيام المقبلة هل الموقف الجديد
لروسيا هو المحاولة الأخيرة لممارسة
نفوذها في هذا البلد، أم أنه مجرد سعي
إلى انتزاع مفتاح الحل من الآخرين، أم
رفع الإحراج الذي تواجهه من منظمات
حقوق الإنسان. في هذا السباق، أو الصراع المحموم على
سورية، لا تزال تركيا حتى الآن الأكثر
قدرة على التأثير وشق طريق الحل، ولا
جدال في أن أي عمل عسكري مباشر قد تلجأ
إليه يمكن أن ينهي الأزمة سريعاً، لكن
دون هذه المغامرة حسابات إيرانية و...
عربية أيضاً، وحتى الملاذات الآمنة
التي تبدي أنقرة استعداداً لها شرط
توافر الغطاء العربي، ليست طريقها
آمنة. في خضم هذا الصراع على سورية، هناك من
يرسم احتمالات مؤلمة لنهاية الأزمة
السورية، أسوأها وأخطرها أن تذهب
البلاد نحو تقسيم خطير يفرضه ميزان قوى
يكاد يكون متكافئاً. ومثل هذا التقسيم
سيهدد دولاً أخرى في المنطقة. أما
الأقل خطراً والأكثر إيلاماً في آن،
فأن تنزلق سورية إلى حرب أهلية طويلة
لا تبقي ولا تذر، وما تشهده بعض المدن
في الوسط والشمال الغربي ينذر بذلك.
مثل هذه الحرب ستطاول شرارتها دول
الجوار، الأمر الذي يعني انشغال
المنطقة من العراق إلى لبنان مروراً
بالأردن بقلاقل وأعمال عنف وتوترات،
فضلاً عن أزمات سياسية واقتصادية
واجتماعية. أما إذا نجح نظام بشار
الأسد في وجه كل الضغوط، مستنداً إلى
تماسك مؤسساته العسكرية والأمنية
وأجهزته، فإن سورية قد تتحول إلى «كوريا
شمالية ثانية»، ومثل هذا الوضع أيضاً
سيلحق ضرراً كبيراً بلبنان قبل غيره من
دول الجوار، لأنه سيتحول الباب الوحيد
في الحصار المضروب على دمشق، أياً كان
موقف العراق، وحتى الأردن، وسيكون تحت
المجهر الدولي في الشاردة والواردة...
وربما شمله الحصار. ================= الثورة - القضية السورية
والخلاف على المستقبل الإثنين, 19 ديسيمبر 2011 ماهر مسعود * الحياة بدأت الأحداث الجارية في سورية على هيئة
تمرُّد يحمل إمكان الثورة، وتردد
العديد من المثقفين «الاستشرافيين»،
بنوع من الحفاظ على «واقعيتهم»
وانعدام الثقة التاريخية لديهم
بالشعب، في تسمية ما يحصل على أنه ثورة. لكن التمرُّد ما لبث أن أصبح احتجاجاً
موسعاً، والاحتجاج أصبح انتفاضة،
والانتفاضة تحولت بجدارة الدَّم
وإصرار المنتفضين، إلى ثورة. ثورة
غايتها التخلص من «استعباد البرية»
وهدفها «استرداد الحرية» وتطمح لتغيير
وجه سورية «الأسدي» نحو وجه «إنساني»
بأقل تقدير. وفضَّاً لكل التباس، عنت
الحرية للمنتفضين السوريين شيئاً
واحداً، كليَّاً وأساسياً، هو إسقاط
النظام برموزه كافة، والبقية تأتي... لكن الثورة، التي استدخلت جميع المفاهيم
السابقة ضمن سياقها وصيرورتها
المستمرة، بدأت بعد تسعة أشهر على
انطلاقها تتحول إلى قضيَّة، وأصبح
لدينا «القضيَّة السورية». فالشروط
اكتملت لتحوُّل النظام إلى كيان
مُحتلّْ بكل تصرفات المُحتَّل
الميدانية وسماته النفسية، فهو
ميدانياً يجتاح المدن والبلدات
السورية المنتفضة أو من هي قيد
الانتفاض، ونفسياً يمارس العنجهية
والشوفينية والعنصرية التي تمارسها
جميع النظم المحتلة عبر معاملة
المنتفضين على أنهم رعاع و «حثالة»
ودهماء، بينما يدّعي حماية أتباعه
ومواليه «المتفوقين» إنسانياً على
هؤلاء البشر الثائرين. وبالمقابل نجد التعقيد الذي تشهده الأزمة
السورية وتجمعه الظروف الدولية
والإقليمية والعربية والداخلية، بدأ
يرسم ملامحه على الواقع السوري ويحول
ثورته إلى «قضيَّة»، تتنازع فيها
وحولها «الأمم» وتدلي كلٌّ منها
بدلوها لتتحول المسألة إلى وجهات نظر
متباينة تجاه «الأطراف» المتنازعة،
ويمضي الأخذ والردِّ والمُهل، و «الإشارات
والتنبيهات»، ليدفع ثمنها المبدئي
والأولي شعباً أعزل يواجه الموت
اليومي من دون أن يستطيع إيقافه أو
التوقف عنده. استدرك النظام السوري أخطاء الأنظمة التي
سبقته نحو الهاوية، فأدخل الجيش، قبل
أجهزة الأمن وتحت رقابتها، في لعبة
القتل والقمع. حيث تعلَّم أن الجيش لن
يستطيع التدخل ولن يبقى بخدمته إذا
تطورت الاحتجاجات بسرعة وتكاثفت على
الطريقة المصرية والتونسية، والأمن
وحده لن يكفي رغم أرقامه القياسية في
سورية. إضافة بالطبع إلى منع الإعلام
العربي والأجنبي بشكل كلّي من العمل
على الأرض السورية لكي يحافظ على
الصورة التي يريد تقديمها للداخل
والخارج معاً، ولكي ينشر الشك والريبة
في ما تقدمه الفضائيات «المغرضة»،
الأمر الذي جعله يحتكر تصدير الواقع. التماسك الأمني والإعلامي والسياسي لعب
الدور الأبرز في ساحة الخوف السورية،
ونجح إلى حد كبير في إبراز المخاوف
الشعبية لدى الأقليات والفئات
الصامتة، وفجر انقسامات مختبئة تحت
الرماد، قد تلعب دوراً كبيراً في
المستقبل السياسي لسورية، تماماً كما
تلعب دورها في انقسامات المعارضة
اليوم، مع أن مصدر الخلاف الأساسي ليس
هو الاستبداد الذي يجتمع السوريون
بأغلبيتهم العظمى على ضرورة التخلص
منه وإسقاطه، بل ما بعد الاستبداد
ومستقبل البلاد بعد إسقاطه، وهذا ما
نجح النظام في تحضيره ومتابعته عبر
سنوات حكمه واحتكاره المطلق للسلطة،
وهو ما يجعل التهديد بالزلازل مأخوذاً
في الاعتبار لدى القوى الإقليمية
والدولية التي لا تريد الدخول في لعبة
النظام المكشوفة قبل أن تقصقص أجنحته
الإقليمية وتزيد من عزله وعزلته،
وتضمن عدم الانجرار نحو ما يدفع إليه
ويهدد به. على اعتبار أن الثورة السورية كانت آخر
الثورات العربية الكبرى المعلنة (حتى
الآن)، فقد استفاد المجتمع الدولي
أيضاً مما سبقها، في كيفية التعامل
معها، وهذا ما ساهم ويساهم في تحويلها
إلى قضية تنازُع، تتوعد بالمفاجآت
بقدر ما كانت هي نفسها غير مفاجئة ضمن
السياق الثوري العربي. فالزمن المتوقف
في سورية عند ثابتين: ثابت الثورة غير
القادرة على إسقاط النظام سلمياً،
وثابت النظام غير القادر على إسقاط
الثورة عنفياً، هو زمن متحرك خارج
سورية ويمضي باتجاه تحويل الثورة من
ثورة وطنية ضد الاستبداد إلى ثورة
تابعة أو مساهِمة في الصراع الإقليمي
بين محورين أساسيين «السنّي» و «الشيعي»
وامتداداتهما، وذلك كلّه بمساعدة
النظام الذي يأبى أن يخسر السلطة قبل
أن يخسِّرنا الدولة، ويجعل من كلفة
سقوطه تتجاوز قدرة السوريين مستقبلاً
على بناء الدولة المستقلة والوطن
السيد الحر والموحد بأبنائه
المختلفين، من دون الدخول في أوحال
الاصطفافات الدولية الساخنة
والمساعدات المأجورة، المجهولة الثمن. إن مستقبل القضية السورية الذي بات
مُرتهناً في جزئه الأكبر للصراعات
والتوازنات الإقليمية والدولية،
يجافي ربما حلم الشعب السوري ب «الثورة
النظيفة» والسلمية التي رافقت شعاراته
ولافتاته منذ بداياتها الأولى. ومن هنا
نرى الدلالة الرمزية التي حملها خروج
الكتاب والمثقفين والسياسيين في 16
آذار (مارس) من ساحة المرجة أمام وزارة
الداخلية، تلقي بظلالها على الثورة
السورية بكاملها. فالساحة التي هي ساحة
للشهداء، الذين «زيَّنوا المرجة»
بأجسادهم المتدلية من المشانق في
أواخر أيام الحكم العثماني، وتحوَّلت
إلى «ساحة للعهر» إبان حكم الأسدين (حولها
فنادق رخيصة، تشكل مرتعاً للقوادين
والمومسات...)، أصبحت هي نفسها رمزاً
لسورية التي باتت أرضها بالكامل ساحة
للشهداء، ويصر النظام على تحويلها الى
ساحة للعهر السياسي الذي يمارسه من دون
كلل أو ملل عبر المتاجرة بمشاعر
السوريين ودمائهم، وإظهار الحراك
الشعبي على أنه حراك سني وسلفي وطائفي،
ونزع الصفة الوطنية عن الثورة
بإدراجها في مخططات ومؤامرات كونية ضد
نظام «الممانعة» الذي لم يمنع إلى
اليوم سوى أنفاس الحرية والكرامة عن
الشعب، ولم يقاوم إلى اليوم سوى رغبة
السوريين التاريخية بالعدالة
الاجتماعية والسياسية والعيش الكريم. * كاتب سوري ================== محمد جميل الرنتيسي الغد الاردنية 19-12-2011 أكثر من تسعة أشهر مضت وما يزال السوريون
يدفعون من دمائهم ثمن حقهم في الحرية
والكرامة. فالحصيلة الجديدة للأمم
المتحدة تتحدث الآن عن أكثر من خمسة
آلاف "شهيد"، ناهيك عن عشرات
الآلاف من المعتقلين والمشردين، ما
يعني أن استمرار تذبذب المواقف
السياسية، العربية والدولية، وتراجع
بعضها في الضغط على النظام هناك، يزيد
من إجرامه، وليس مستبعداً أن يرتكب
مجزرة بحجم حماة 1982. وهو بالمناسبة
مستمر في حفر الخنادق في محيط حمص
وبلداتها. من ناحية النظام، فالمؤشرات تؤكد يوماً
بعد يوم عمق ورطته بفعل إصرار الثوار
وحجم التعاطف الممتد على طول العالم مع
ثورتهم، ولا أدل على ذلك من تصريحات
بشار الأسد للإعلامية الأميركية
باربره والترز حول عدم مسؤوليته عما
يحدث في البلاد من تعذيب وقتل وترهيب
وتشريد، والتي ظهر فيها وكأنه يهرب من
الغابة إلى القفص. وكان يمكن فهم هذه
التصريحات لو أنه قالها بوصفه طبيب
عيون وليس رئيس الدولة وقائد جيشها
وقواتها المسلحة، لكن السذاجة التي
تعامل بها القذافي في مقابلة
تلفزيونية لمحطة أجنبية، تعيد نفسها. كيف للرئيس أن يشعر بالمسؤولية وهو الذي
وجد نفسه حاكماً ب"جرة قلم" بعد أن
عدّل "مجلس التصفيق السوري" دستور
البلاد في العام 2000، ليتسنى للأسد
الابن وراثة الحكم عن أبيه عقب وفاته
مباشرة، وبشكل فاضح لا يليق ببلد أنتج
وينتج للعرب والعالم نخبا وكفاءات
مشهود لها في المجالات كافة، فهو ابن
الطبقة الحاكمة وليس ابن الشارع
السوري، ولا جاء بانتخابات أو باع
نضالي أو حتى مجرد خبرة في دهاليز
العمل السياسي والدبلوماسي
والاستراتيجي. الواضح أن النظام السوري دخل في مرحلة
انقسام ستنتهي بأن يأكل نفسه. وقبل أن
تقع الفأس بالرأس، ستنتهز واجهات
النظام أي فرصة كي تبرئ نفسها من دماء
الشعب وأوجاعه، هذا للإعلام واستجداء
التعاطف، لكن على الأرض ما تزال عمليات
التصفية حاضرة بقوة لكل من يخرج رأسه
من جيب قميصه أو لسانه من فمه. ولما
أعلن الجيش السوري الحر عن بدء عملياته
ضد أمن النظام وشبيحته، قلنا الحمد لله
أنه أصبح هناك بوصلة يوجه النظام
أسلحته إليها، وأصبحت وكالة أنباء
النظام "سانا" وتلفزيونه الرسمي
وقناة الدنيا يمطروننا بالأخبار
المتعلقة ببطولات الجيش والأمن في
مواجهة أولئك "المسلحين والمنشقين"،
لكن بماذا نفسر الاستمرار في قمع
التظاهرات السلمية والمدنيين، سوى أن
النظام يضع الجميع في كفة واحدة ولا
يفرق من خوفه، بين صوت الحناجر وصوت
البارود. في مدن الثورة، كل يوم تنقل التقارير أن
هناك شهداء مدنيين بينهم نساء وأطفال،
وأن هناك اعتقالات منظمة وعشوائية في
كل مكان ولا يمكن حصرها. والعاصمة دمشق
مخنوقة أمنياً، وكل شيء فيها مراقب من
قبل رجال الأمن بالزي المدني، والذي
ينتشرون في الشوارع والأسواق والأحياء
السكنية أكثر من القطط. الخميس الماضي اعتقل الممثل والمخرج
السوري محمد آل رشي من منزله وأمام
زوجته وأولاده الصغار، فقط لأنه هتف
للحرية وطالب بدولة ديمقراطية، ولم
يعتقل على الجبهة وبيده سلاح. وقبله
بأيام اعتقلت المدونة الشابة رزان
المغربي التي كان آخر كلامها قبل
اعتقالها: "لو أصابني مكروه،
فأريدكم أن تعرفوا أن النظام لا يخشى
المعتقلين، بل يخاف هؤلاء الذين لا
ينسون المعتقلين". والقائمة لا
تنتهي عند محمد ورزان، ولن تنتهي إلا
بانتهاء النظام، والانتقال إلى سورية
يتسع حضنها لجميع أبنائها، فالحرية
كقيمة إنسانية للشعب هناك هي التي تعزز
ممانعتهم وثوابتهم ومواقفهم من كل
الأحداث العربية والإقليمية
والدولية، بمناخ سياسي متنوع وقابل
للحياة والاستمرار، وليس نظام
ديناصوري. ======================= المثنى الشيخ عطية القدس العربي 2011-12-13 في مقاربة مذهلة، بين أسطورة سيزيف كما
عرضها ألبير كامو في دراسته لفلسفة
اللاجدوى بكتابه "أسطورة سيزيف"،
وواقع سجين رأي سوري كان قد اتخذ
موقفاً صعباً يعرف أنه يودي به إلى
السجن إن لم يكن الموت، وتساءل
الكثيرون عن جدوى هذه التضحية "المجانية"
في رأيهم.. يروي سجين الرأي السابق رياض
الترك، في فيلم "ابن العم" الذي
أخرجه محمد علي أتاسي عام 2001 وعرضته
قناة العربية مؤخراً، تجربة سجنه
المذهلة دون محاكمة، طيلة ثمانية عشر
عاماً في عهد حافظ الأسد، قضاها في
زنزانة منفردة لم يعرف العالم مكانها
في مبنى المخابرات العسكرية المرعب
المسمى فرع فلسطين، والمرقّم ب 235، إلا
بعد خروج الرجل من السجن، ويحدّد
السجين مسألة حساسة ومرعبة في معايشة
الواقع ومعالجات الفن هي مسألة الزمن
الذي يتوقف بالنسبة لسجين الانفرادي،
ويودي به وفقاً لتقديرات علماء نفس إلى
الخلل العقلي بعد السنوات العشر من
وجوده في هذه الحالة... ومثلما حددت الآلهة عقاب سيزيف الذي سرق
نار المعرفة وقدّمها للإنسان، بانتهاء
الزمن الذي يدور على نفسه حيث على
سيزيف أن يدحرج صخرةً صعوداً إلى أعلى
الجبل لتنحدر إلى مكانها في الأسفل عند
بلوغها الذروة ويعود لرفعها مرة أخرى
وإلى ما لانهاية.. ابتكر رياض الترك كما
يروي صخرته التي تضعه على صراط معنى
دوران الزمن، في سكون السجن الذي وضعوه
فيه، من أجل استبدال موت المعنى بخلقه
لقهر هذا الموت، وياللمصادفة!.. أن تكون
صخرة رياض الترك حبات العدس الصغيرة
السوداء المتحجرة التي تشوب شوربة عدس
السجون السورية، والتي حوّلها السجين
من عامل إذلال له بتقديم طعام رديء غير
نظيف إلى عنصر مقاومة، صغير لكنه هائل
الفعل، إذ وقاه من الاختلال طيلة سبعة
عشر عاماً بتجاوز سبع سنوات لما يفترض
أن يحدث لسجين الانفرادي... بعد تنحيته، كما يروي، لتساؤلات ما يحدث
في العالم الخارجي من ذهنه كي لا تقتله
كوابيس القلق على عائلته ورفاقه، ركّز
السجين على سؤال واحد هو: ماذا أفعل
لقهر هذا السكون؟.. وابتدأ البحث في
داخله وفي ما بين يديه من مكونات
الزنزانة... في داخله وجد السجين موهبة رسم أبعدته
عنها السياسة ومشاغل الحياة، وفي ما
بين يديه وجد السجين الحبات المتحجرة
الصغيرة في شوربة العدس. قام بجمعها
وإكثار عددها لقمة بعد لقمة، ومع عدم
وجود حامل للرسم أو لاصق، بدأ بصفّها
على سرير الزنزانة/ قماش لوحته الوحيد،
مشكلاً منها لوحةً تبقى ما بين وجبة
الطعام والوجبة القادمة، حيث لا مكان
على السرير ولا غراء للصق وتثبيت حبات
الحجر، وكأن القدر، ولا شرط أن يكون
مدرَكاً، يعيد إحياء أسطورة صخرة
سيزيف التي تهوي من علٍ حال وصولها إلى
الذروة، بلوحات حبات الحجر التي تزول
حال قدوم الوجبة التالية، وحال هجوع
السجين إلى النوم، مع حسرة الفنان
وتمنّيه أن لا تأتي وجبة الغداء كي
يستمرّ في تشكيل لوحته، لكنه القدر،
قدر سكون السجن والقدر الذي صنعه
السجين لمقاومة هذا السكون، بزوال
تشكيلات اللوحة والبدء من جديد برفع
صخرة سيزيف التي تحط لتستمرّ أسطورة
الإنسان في مقاومته للفناء... في حالة مقاومة عطالة السكون التي يعرضها
رياض الترك ببساطة، تلتقي عوالم
الواقع والفن بصورة غريبة تسعد
الحالمين وتعطيهم مبرراً للقناعة بأن
كل شيء مرتّب لغاية، كما تسعد النقاد
المولعين باكتشاف تشابك وتقارب
العلاقات الغريبة وتعطيهم فرصة اكتشاف
تأثير الفن في الواقع مع إسباغ متعة
الاكتشاف على النقد والتذوّق... فمن جهة الموقف وجدواه.. خاض رياض الترك مع
حزبه تجربة مهمة في محاولة نقل هذا
الحزب مع اليسار السوري إلى تبني
الديمقراطية، وبلور على هذا الأساس مع
القوى الوطنية الديمقراطية في نهاية
السبعينات برنامجاً سياسياً يهدف إلى
إقامة نظام وطني ديمقراطي في سورية،
ولأن هذا هو مقتل النظام الاستبدادي
الشمولي، قام حافظ الأسد بضرب هذه
القوى، مستغلاً صراعه المسلّح الذي
اختلقه مع الإخوان المسلمين، واعتقل
معظم أفراد اللجنة المركزية للحزب
الشيوعي السوري/ المكتب السياسي، وعلى
رأسهم رياض الترك الذي طلب منه النظام
إصدار بيان يدين فيه الإخوان
المسلمين، وكان هذا يعني خياراً صعباً
أمام طريقين يودي أولهما بانتهاء
الحزب وتجربته في الكفاح لإقامة نظام
وطني ديمقراطي، ويودي الثاني بصاحب
الموقف إلى السجن وربما الموت، واختار
الرجل العلماني بتضحية نادرة رفض
إصدار هذا البيان بحق حزب ديني
والاستمرار في السجن والموت ضارباً
مثلاً في التضحية من أجل التعددية و"الاستعداد
للموت دفاعاً عن حق الآخر في تعبيره عن
رأيه مهما كان الاختلاف"... ومن جهة العقاب وجدواه، ترتّب على موقف
هذا الرجل أن يتحمّل مرارة اتهامه
وحزبه تلفيقاً من قبل حافظ الأسد
بالتعاون مع الإخوان المسلمين
لتصفيتهم نفياً وسجناً وقتلاً داخل
السجون، مع مرارة خذلان بعض قوى اليسار
بتبنيهم لهذا الاتهام واتهام رفاقهم ب
"المغامرة المجانية"، إضافة إلى
سجنه وإخفاء مكانه عن العالم.. وكان
عليه مقاومة هذا القتل بالبحث عن عناصر
المقاومة في داخله وفي ما حوله، ليكتشف
بممارسة بسيطة لا تحتاج إلى ابتكار إذ
هي موجودة داخل الإنسان فعل الفن في
إعلاء الروح وإنقاذ الفنان من الجنون
أو الانتحار، وليعيد دون تخطيط منه إذ
تتضافر قوى التاريخ والثقافة الجمعية
الإنسانية بصورة توحي بالقدرية إحياء
أسطورة مقاومة الإنسان للفناء،
باستخدام أسلحة الفناء نفسها في هذه
المقاومة، وكأن العقل والجسد الإنساني
يجمدان الزمن بالفن من أجل هزيمة تجميد
الزمن... ومن جهة القيمة وجدواها.. منع الموقف
الصامد لهذا الرجل خوف المترددين من أن
يؤثر على وحدة حزبه أمام الضربة
العنيفة التي طالت قيادته الأولى،
ودفع المنظمات الإنسانية ولجان حقوق
الإنسان أن تطالب السلطات السورية
بالكشف عن مصيره وإطلاق سراح معتقلي
الرأي، وأثر في تغير مواقف وبرامج
العديد من القوى الشمولية ومنها
الإخوان المسلمون الذين عرفوا قيمة
التعددية والقبول بالآخر، كما ساهم في
دفع توجهات الأدب والفن للارتباط
بالدفاع عن الإنسان، ليضفي هذا الموقف
في النتيجة بعداً إنسانياً على قوانين
الديالكتيك، التي لاتعترف بوجود ماهو
مجاني في حركة الحياة، فكل شيء يخضع
للتراكم الكمي، ويخلق بهذا التراكم في
لحظة بلوغه ذروته تغيّر الكمّي إلى
نوعي، ويبدو أن مراكمة القهر من قبل
النظام والأفعال النبيلة من قبل شهداء
ورجال المعارضة والتفاعل الإنساني مع
المقهورين، بلغت ذروتها عبر امتداد
تاريخ القهر والتضحيات، في صوت ضربة كف
شرطي على خدّ شاب سوري في الحريقة
بدمشق، لتشعل نار الهتاف الصارخ أن "الشعب
السوري ماينهان"، ولتنطلق مظاهرات
ثورة الحرية والكرامة التي فاجأت من
اتهموا الرجل وحزبه بالمغامرة... ومن جهة سؤال الفلسفة الذي طرحه ألبير
كامو في نهاية كتابه حول موقف سيزيف
الظاهر من لا جدوى عمله: هل يمكننا
التصور أن سيزيف سعيد!؟ نشهد ملامح "ابن
العم" رياض الترك المليئة بالرضا
وهو يروي تجربته في دخول العالم
السفلي، لنشعر بالاطمئنان على رضا
وسعادة الرجل مما فعل حتى وهو يروي عن
نفسه أنه شخصية لا تشعر بالرضا عن
المنجز ولابد من استمرار العمل، مع
حزننا معه وربما سقوط دمعة من عين
أحدنا على حيرته في الإجابة على سؤال
موقف ابنته الصغيرة التي حرمت من الأب
لمدة ثمانية عشر عاماً من أبيها الذي
غاب عنها ورأته يستقبلها في المطار
سعيداً ودامعاً لرؤيتها تقدم له
أحفاده... ------------------------ المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |