ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الخميس 22/12/2011


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

الأزمة السورية وحسن النوايا

رأي البيان

التاريخ: 21 ديسمبر 2011

حسن النوايا، جملة مفتاحية في نجاح المبادرة العربية المتعلقة بسوريا، ففي غياب النية الحسنة تتحول المبادرة إلى مصيدة لكلا الطرفين، أي الحكومة السورية والجامعة العربية.

فالحكومة السورية قادرة على تحويل نصوص بروتوكول المراقبين إلى خارطة طريق للخروج من الأزمة التي طالت، والتي تكلف السوريين أغلى ما عندهم، من أرواح وممتلكات.

ونستطيع القول إن الكرة الآن في الملعب السوري، لأن الجامعة، ومنذ أن طرحت مبادرتها، وهي تحاول إقناع الحكومة السورية على التوقيع، وقد أكدت نظرياً وعملياً حرصها على عدم تدويل الأزمة السورية، عبر تبنيها هذه الخطة التي أجبرت الجميع على الاعتراف بأولويتها، وأسبقيتها على أي خطة أخرى، أو إجراء يمكن أن يؤدي إلى دخول المسألة السورية في كهوف لا يعلم سوى الله مآلاتها. وأيضاً عبر المهل الكثيرة التي أعطتها للحكومة السورية.

من المؤكد أن الوثائق والبروتوكولات هي مجرد أوراق لا قيمة لها إذا لم تقترن بنية حسنة لتنفيذ البنود، بالإضافة إلى أن الإحساس بأن هذا التوقيع أتى نتيجة ضغوط معينة، أو نتيجة رغبة للتفلت والتهرب من ضغط الوقت، كل ذلك يبعث عن القلق، خصوصاً إذا اقترن بإشارات غير مشجعة على أرض الواقع.. فالقتل لا يزال مستمراً على الأرض، وتبني نظرية المؤامرة الكونية لا يزال قائماً، على الرغم من اعتراف وزير الخارجية السوري وليد المعلم ربما للمرة الأولى بأن البلاد تمر بأزمة سياسية لابد من مخرج سياسي لحلها.

الاعتراف بالواقع هو بداية الحل، والقفز فوق الواقع نحو أبعاد أخرى، قد تكون وقد لا تكون، لا يقدم لسوريا شيئاً في هذه المرحلة سوى إطالة أمد الأزمة، وإزهاق أرواح المزيد من السوريين، هذه الأرواح التي هي أثمن شيء ممكن.

بإمكان الحكومة السورية الآن أن تثبت حسن نواياها، بأن تسمح لبعثة المراقبين بحرية العمل والحركة، دون أي معوقات أو تفاصيل غير مهمة، لأن السيادة السورية، التي حرص المعلم على التأكيد عليها في مؤتمره الصحافي تحققت، ولم يعد هناك ما يخيف على هذا الصعيد.

=========================

بطل الربيع العربي

رسمي أبو علي

الدستور

21-12-2011

بإصراره الذي لا يلين، وتضحياته اليومية الغالية يثبت الشعب السوري الشقيق أنه حقا بطل الربيع العربي.

فبعد تفجر الثورة في تونس ثم في مصر كان واضحاً أن دور الشعب السوري قد جاء، وقد تساءلت أيامها كيف يمكن أن يبدأ الشعب السوري ثورته في ظل نظام أمني قمعي لا يرحم يبلغ عدد أجهزة أمنه أكثر من خمسة عشرة جهاز.

لقد ادركنا جميعاً أن الثورة السورية المنتظرة هي ستكون، أن وقعت، واحدة من أصعب الثورات بسبب ظروف داخلية كما قلنا وبسبب ظروف اقليمية ودولية تتعلق بالموقع الجيوبوليتيكي الذي تحتله سوريا في منطقة الشرق الاوسط، كونها تشكل مجمعا مكثفا للأعصاب السياسية في المنطقة.. الأمر الذي كان واضحاً منذ البداية أن الغرب عموماً لم يكن متحمساً، ولا يزال، لممارسة ضغوط عسكرية كما حدث في ليبيا، كما أننا فهمنا أن إسرائيل غير متحمسة لاي تغير جدي في سوريا لانها تخاف من المجهول والفوضى التي قد تقع، ولأنها خبرت النظام السوري وكانت مرتاحة معه إلى حد كبير رغم كل ادعاءاته بالممانعة ودعم المقاومة.

لذلك بدا أن قدر الثورة السورية منذ البداية سيكون قدراً مأساويا، ومن هنا تنبع عظمة هذه الثورة التي كانت تدرك أنها وحيدة تقريباً في وجه آلة قمع وحشية لا ترحم أبدا..

ومع ذلك استمرت ولا تزال مقدمة كل يوم عددا من الضحايا الشهداء رجالا ونساء واطفالا.. وجبة يومية لا تقل عن عشرين ضحية لغول القمع الفاتح شدقيه دون أن يشبع..

لقد قرأت ذات مرة قولا لكازانتزاكي الروائي والشاعر اليوناني الكبير, يقول فيه أنه لأمر نبيل أن تناضل من أجل هدف حيث يحدوك الامل بالفوز, ولكن الأكثر نبلا أن تناضل وانت تعرف أنه لا أمل لك بالفوز.

لا نقول إن الأمل مستحيل في حالة الشعب السوري، ولكنه بالتأكيد أمل صعب ولا زلنا حتى الآن لا نرى أي شعاع ضوء حقيقا في نهاية هذا النفق الدموي الفظيع.

تحية حب واكبار للشعب السوري بطل الربيع العربي.

=================

من يوقف هذا الرجل عند حده؟!

ياسر الزعاترة

الدستور

21-12-2011

لم يتجاوز صالح المطلق، نائب رئيس الوزراء العراقي الحقيقة عندما قال لمحطة "سي أن أن" الأمريكية إن نوري "المالكي ديكتاتور أكبر من صدام حسين، لكون صدام كان يبني، أما هو فلم يقم بشيء".

وجاءت ردة فعل المالكي على كلام المطلق دليلا واضحا على دكتاتوريته، إذ طالب البرلمان في رسالة رسمية بسحب الثقة من المطلق، مع أننا إزاء تصريحات سياسية لا تستحق أكثر من بيان سياسي يتلوه أحد مستشاري المالكي (وما أكثرهم).

والحال أن حدة المالكي في الرد على تصريحات المطلق لا تعدو أن تكون مؤشرا على غرور القوة الذي يتلبسه بعد الانسحاب الأمريكي من العراق، والذي لم يتوقف عند حدود طلب سحب الثقة من نائبه، بل تجاوزه إلى إصدار مذكرة اعتقال بحق نائب الرئيس العراقي (طارق الهاشمي) بحجة التورط في تفجير استهدف البرلمان العراقي، مع إدراك المالكي لحقيقة أن الهاشمي لا يمكن أن يتورط في أمر كهذا، حتى لو كانت لبعض مرافقيه صلة بالأمر، مع العلم أن مثل هذه التهمة سبق أن تكررت في عمليات استهداف مبرمجة للعديد من رموز السنة خلال مراحل سابقة، أحيانا بسبب تواصل بعض مرافقيهم مع قوى المقاومة بهذا الشكل أو ذاك من دون علم مسؤوليهم، فيما يعلم الجميع أن حكاية الاعترافات المسجلة للمعتقلين ليست ذات قيمة من الناحية القضائية في أنظمة أمنية تمارس التعذيب بشكل منهجي.

كانت القائمة العراقية التي تمثل العرب السنة من الناحية العملية قد علقت مشاركتها في جلسات البرلمان ردا على التهميش الذي تتعرض له من قبل حكومة المالكي، الأمر الذي يشير إلى عمق الأزمة التي تعيشها البلاد، والتي دفعت العديد من رموز العرب السنة إلى التفكير الجدي في المطالبة بأقاليم لمناطق السنة (بدأ بذلك مجلس محافظة صلاح الدين)، في خطوة لا تخلو من رائحة الرغبة في الانفصال، الأمر الذي لا يمكن النظر إليه خارج مشاعر التهميش التي تعيشها الفئة المذكورة، والتي تدفع قطاعات كبيرة من أبنائها إلى تأييد مثل تلك الخطوة.

وفي حين كان أوباما يصف المالكي بأنه زعيم منتخب للعراق للإيحاء بأن الغزو قد أنتج ديمقراطية في العراق، وفي محاولة مكشوفة للتستر على بؤس الهزيمة التي تعرضت لها بلاده، فإن الرئيس الأمريكي يدرك تماما أنه قد سلم العراق (تسليم مفتاح) لإيران وحلفائها، فيما يدرك أيضا أن الديمقراطية في العراق ديمقراطية زائفة بامتياز، لأن وجود ديمقراطية برلمانية لن يخفي خضوع البلد لسطوة أمنية وعسكرية من طرف واحد، بينما يغيب الطرف الثاني، لاسيما أن الأكراد يعيشون ما يشبه الاستقلال.

هذا الوضع هو الذي دفع العرب السنة نحو تبني خيارات الانفصال، بينما يعلم الجميع أنهم هم الذين رفضوا مبدأ الفيدرالية في الدستور الذي أصرت عليه القوى الشيعية، أما اليوم فيرفض المالكي أية مطالب بتطبيق بند الأقاليم، وبالطبع بعدما أيقن أن البلد برمته قد بات رهن يديه بسيطرة شبه مطلقة على المؤسسة الأمنية والعسكرية وسائر مفاصل الدولة، بينما لا تعدو مشاركة العرب السنة شكلا من أشكال الديكور لا أكثر، بما في ذلك الوزارات التي يتولون حقائبها، والنتيجة أنهم يشاركون عمليا في البرلمان والحكومة من دون مشاركة حقيقية في السلطة، الأمر الذي ينبغي أن يردوا عليه بحراك شعبي يستلهم الربيع العربي، وبمواقف رجولية من ممثليهم.

وفي حين يمكن تفسير الموقف العراقي (موقف حكومة المالكي) من الثورة السورية بوصفه امتدادا للموقف الإيراني (حظيت جهوده بمباركة أمريكية!!)، فإن الجميع يدرك أنه موقف يتعلق أيضا بخوف المالكي ومن ورائه القوى الشيعية من تأثيرات سقوط نظام الأسد على الوضع في العراق، أعني لجهة تقوية الفريق الضعيف فيه ممثلا في العرب السنة في ظل استقلالية الأكراد من الناحية العملية.

في ضوء ذلك كله يمكن القول إن مستقبل الوضع في العراق سيكون مرتبطا بتأثيرات المعركة في سوريا، وبالضرورة تطورات الملف النووي الإيراني وعموم النفوذ الإيراني في المنطقة، ولما كان من شبه المستحيل بقاء الوضع على حاله في سوريا، فإن دكتاتورية المالكي لن تدوم طويلا، فإما عراق موحد لكل أبنائه دون إقصاء أو تهميش، وإما الانفصال أو الحرب الأهلية التي تتعب الجميع وتدفعهم نحو التفاهم على أسس للعيش المشترك كجزء من منظومة جديدة في المنطقة تعلي من شأن الإنسان وحق المواطنة بصرف النظر عن الانتماء العرقي أو الطائفي.

=================

الثورات العربية: طور شرعية جديدة

الاربعاء, 21 ديسيمبر 2011

إياد العبد الله *

الحياة

أنظمة ما بعد الاستقلال تحتضر، وقد فشلت في محاولاتها تجديد شبابها في العقدين الأخيرين، هذا ما أعلنته الثورات العربية. فهذه الأخيرة جاءت لتبني شرعية جديدة على أنقاض شرعية الأنظمة التي أخذت تتعفن منذ عقود. ولعل في طلب الحماية والتدخل من المجتمع الدولي (وهم من كانوا دول الاستعمار سابقاً) لوقف بطش الأنظمة بشعوبها، دلالة على تآكل الشرعية السابقة ومن يمثلها. ولا يعني هذا أن استقدام الاستعمار أو الارتهان له هو ما ترمي إليه الشرعية الجديدة، فهذه الشعوب حساسة تاريخياً تجاه أي «غريب» يحاول أن يسرق صوتها ويجعلها بلا شخصية. ولعل تأكيد هذا الأمر ليس عسيراً، فعودة إلى أدبيات القرن التاسع عشر كفيلة ببيان جذور «الممانعة» اللاحقة للغريب المستعمر. آنذاك كان الارتهان الى الغرب والدعوة للالتحاق به هو لسان حال نخب سياسية واقتصادية وثقافية، وكانت معزولة غالباً من جانب مجتمعاتها، لأجل هذا السبب. وليس أفضل حالاً بكثير مآل ذلك الخطاب الذي دعا إلى تمثل بعض القيم الغربية عبر نقد المجتمعات المحلية والتساؤل عن تأخرها، مع أن بعض هذا الخطاب لم يعدم تناول الوجه الاستعماري للغرب بالنقد أيضاً، والخطاب النهضوي هو المقصود في حالتنا الأخيرة. وليست هذه «الممانعة الأولى» المتشددة حيال «الآخر» بكليته، محط ترحيب في هذا المقال، وذكرها هنا للإشارة إلى حساسية هذه الشعوب السابقة على ما سيدعيه الاستبداد العربي في أزمان لاحقة من أنه حامي الحمى وأنه الوحيد المؤتمن على حماية قيم الاستقلال والتحرر والحذر من «الغريب». في الواقع، لقد بنى هذا الاستبداد شرعيته عبر استثمار هذه الحساسية الشعبية، وهو ما نشهد نهايته الآن.

كانت «العروبة الأولى» من أهم الخارجين على سرب «الممانعة الأولى» التي كان يغلب عليها المضمون الإسلامي. فهذه العروبة طرحت نفسها كمشروع هوية بديلة، وعرّفت ذاتها بعناصر لم يكن «الإسلام» إلا أحدها في أحسن الأحوال. لقد كانت محاولة لدخول عصر رسمه آخرون، «يسعون» إلى طمس «هويتنا» واحتلالنا، وهو ما قد يرفعها إلى درجة الخيانة في نظر «الممانعة الأولى». إذ لا يخفى أن هذه العروبة كانت تسعى في البداية إلى استقلال نسبي عن العثمانية الإسلامية، وهو ما يعني إضعاف هذه الأخيرة التي تحف بها الأخطار من كل جانب.

انزياح العروبة عن لحظتها الأولى باتجاه الممانعة، جاء إثر غدر «الغرباء» بها، الذين حالفتهم ضد القريب، وحرمانها من تحقيق ما وُعدت به. سيكون هذا في بداية العقد الثالث من القرن المنصرم، وهو عقد سيشهد ولادة الأيديولوجيات والقوى الجماهيرية التي ستتقاطع في عدائها للغرباء ووجوب التصدي لمؤامراتهم والتحرر منهم، مستعينة بما راكمته «الجماهير» من خبرات وعاطفة على هذا الصعيد.

«الممانعة» الأخيرة، السلطوية، والتي تعود جذورها إلى بضعة عقود، هي من طبيعة قومية - يسارية. وتآكل شرعيتها كان سابقاً على لحظة انتفاضة الشعوب الأخيرة. فالملايين التي كانت تسير تحت راية القومية العربية، الناصرية والبعثية، أو تحت راية لينين الحمراء، أخذت تحول رحلها، منذ السبعينات من القرن الماضي، نحو «الإسلامية» الممانعة بدورها، خصوصاً أن الخمينية ستشكل تجربة لن يتورع حتى «تقدميون» عن الإشادة بفرادتها. الممانعة الأخيرة، الإسلامية، أيديولوجية بطبيعتها، وستنتهي إلى استبداد مماثل إلى حد كبير لذلك الذي بنته العروبة السلطوية.

في مرحلتها الأخيرة، تعرت هذه الأخيرة من كل شيء إلا من البطش والاستئثار بثروات البلاد. وتحول مضمونها «الممانع» إلى أداة هيمنة وضبط تكتسب حضورها من قوة الطوارئ لا من إيمان الناس بها. وما المهازل التي كانت تجترحها في ملاحقة الناشطين والمثقفين وتوزيع تهم عليهم مستمدة من قاموس ممانعتها، كوهَن نفسية الأمة وإضعاف الشعور القومي مثلاً، إلا دليل على شرعية متآكلة، تجاهد لتبقى على قيد الحياة.

تشكك هذه الأنظمة، ومن يناصرها، بدوافع المنتفضين عليها. هذا التشكيك يستعير من عدة التخوين والممانعة والثوابت مفرداته. والمفارقة أن هذا الشعب المخوَّن هو الشعب ذاته الذي كثيراً ما رقص سادة الممانعة على أنغام وعيه الذي فوَّت على الأعداء نجاح مؤامراتهم. إذاً، الناس تثور عليهم لأنهم أهل ثوابت قومية وممانعون، وليس لأنهم مستبدون وناهبون! والمشكلة أنهم لا يقولون أي شيء عن هذين الأخيرين. فالاستبداد الممانع، وإن داس على كرامة شعوبه من جهة، إلا أنه من جهة أخرى حفظ ماء وجهها وكرامتها القومية أمام الآخرين؛ وفق هذا، تبدو انتفاضة الشعوب وكأنها ثورة لنزع ما تبقى لها من كرامة كانت باقية بفضل المستبد! فالشرعية الجديدة للشعوب، تلتقي فيها عناصر عدة، كانت الثورات العربية كفيلة بإبرازها. فهي أقل حساسية تجاه الغريب/ الخارج؛ ليس بالمعنى الذي تسوِّقه «الممانعة» السلطوية، بل بكونها أكثر انفتاحاً وقراءة لمصالحها في ضوء العلاقة معه، وهي في هذا، إذ تستعيد بعضاً - ربما - من حساسية «العروبة الأولى» حيال الخارج، فإنها في الوقت ذاته لن تكون «لينة» أمامه. فهذه الشعوب الثائرة، التي تموت في الساحات لأجل كرامتها وحريتها، لن تتهاون في نيل استقلالها الكامل.

إن الحرية التي تنشدها الثورات العربية، لم تعد معرّفة وحسب بدلالة الخارج، بل إنها ذات مضمون دستوري حقوقي وعادل، ربما يجد في انتخاب المنصف المرزوقي رئيساً لتونس، أهم دلالاته.

* كاتب سوري

=================

الحرب الأهلية ممر إجباري؟

الاربعاء, 21 ديسيمبر 2011

خالد غزال *

الحياة

بعد تسعة اشهر على اندلاع الانتفاضة السورية، وبروز تصميم الحراك الشعبي على التظاهر والإصرار على اسقاط النظام، وبعد فشل الخيار الامني في وضع حد لهذا الحراك، يبدو ان النظام السوري حسم خيار الحرب الأهلية ممراً إجبارياً للقضاء على الانتفاضة وعلى استمرار النظام بصيغته الراهنة، بعدما ظهرت استحالة إدخال إصلاحات على بناه.

فهو يتقن النظام السوري بشدة إدارة الحروب الأهلية، هو الذي مارسها في علاقته مع الكيانات المجاورة، ولا سيما من خلال هيمنته على لبنان على امتداد ثلاثة عقود من الزمن. عندما يجري استحضار الحرب الاهلية اللبنانية ومقارنتها بما هو جار حتى الآن على الأرض السورية، يتبين وجه الشبه في هذه الادارة. أتقن النظام السوري في لبنان تسعير الصراع بين الطوائف، وعمل على اللعب على الوتر المذهبي لتجييش القوى بعضها ضد بعض، من دعم لهذه القوى الطائفية في مرحلة محددة، الى الانقلاب عليها واحتضان أخصامها، ومن شق الأحزاب وإدارة الانقسامات بين أطرافها والتدخل في شؤونها العامة والداخلية. كان متيقَّناً ان سبيل احتفاظه بالهيمنة على الوضع اللبناني يمر عبر الحياكة اليومية للصراعات الاهلية والمذهبية. لا نبرئ المجتمع اللبناني من تسهيل هذا اللعب ببناه، فقواه السياسية قدمت كل الممرات اللازمة لهذا الاختراق السوري لهذه البنى، حيث استعانت جميعها بالنظام السوري في تصفية صراعات بعضها مع بعض. من هنا، يمكن القول ان هذا النظام يدير حرباً أهلية اليوم في بلده، وهو يحمل ذخيرة تجربة في ادارة هكذا الحرب كَسِبَها في لبنان من جهة، ومن اللعب ايضا بالساحة الفلسطينية عبر ادارة الانشقاقات والانقسامات بين صفوفها والتصفيات في قياداتها.

يتحمل النظام السوري المسؤولية الأساس في انزلاق الانتفاضة السورية الى الولوج في نفق الحرب الأهلية، فمنذ اندلاع الانتفاضة، كان صريحاً في تصريحاته بأن سقوط العصبية الحاكمة سيعني تدمير البلد، وكان صاحب شعار «إما انا او الانهيار». ومنذ الأسابيع الأولى خاض معركة شرسة في التحريض الطائفي والمذهبي، فصوّر الصراع الدائر على أنه بين حركات إسلامية متطرفة، من سلفية ووهابية وتنظيم القاعدة، الهادفة الى الهيمنة على الأقليات العلوية والمسيحية والدرزية والأشورية، التي باتت مهددة في وجودها، بما يوحي لهذه الاقليات ان دفاعها عن النظام القائم هو السبيل الوحيد لضمان هذا الوجود من التطهير والتهجير. في المقابل، كانت الحركة الشعبية، ومنذ اليوم الاول للحراك، مصرّة على سلمية الانتفاضة، وعلى التأكيد على شمولها كل مكونات الشعب السوري (الشعب السوري واحد واحد)، وخاضت قواها نقاشاً صريحاً ضد اي عسكرة لها، بل كان هناك وعي شديد بأن التحول العنفي في مسار الحراك هو مطمح أهل النظام، ومقتل للمعارضة. واذا كانت الانتفاضة قد بدأت تشهد عنفاً ليست قواها بعيدة عن بعض مظاهره، من قبيل عمليات رد فعل على فعل «الشبيحة»، وبعض عمليات القوى المنشقة في الجيش، فإنم يجب ان تقرأ هذه الافعال على كونها اضطراراً وليس خياراً. لكن هذا الاضطرار لا ينفي ان منطق الحرب الأهلية والانخراط في بعض اشكالها قد بدأ يغزو قوى الانتفاضة نفسها، تعبئة وممارسة.

ما يزيد من خطورة تصاعد الحرب الاهلية، ان الحديث في شأنها لم يعد محلياً ومقتصراً على القوى الداخلية، بل انتقل ليصبح حديثاً عربياً وإقليمياً ودولياً. لم يكن بالامكان للتدويل ان يأخذ مكانه في حسم الصراع ضد النظام، على غرار ما جرى في ليبيا، لاسباب تتصل بطبيعة الوضع السوري أولاً، وبعجز القوى الدولية والعربية عن تأمين الغطاء الضروري لمثل هذا التدخل. وأمام تعنت النظام وإصراره على العنف وعلى تدفق شلال الدم المتواصل ضد الشعب السوري، يبدو ان تشجيع تصاعد الحرب الأهلية بات مطلباً دولياً وعربياً الى امد غير محدود. خلال الاسابيع الماضية تقاطعت التصريحات العربية والدولية، من الامين العام للامم المتحدة، إلى الإدارات الأميركية والأوروبية، على القول بدخول سورية نفق الحرب الاهلية. المقلق في هذه التصريحات ان القوى الاقليمية والدولية، وامام العجز عن ايجاد حلول لوقف العنف نتيجة مسلك النظام السوري، ترى في تشجيع اندفاعة الحرب الاهلية وتغذية قواها، كما جرى في الساحة اللبنانية سابقاً، خيرَ وسيلة لإنهاك النظام والانتفاضة على السواء، بما يؤدي الى تعريبٍ وتدويلٍ «يلقي القبض» على الوضع السوري ويخضعه لاتفاق دولي–عربي، على غرار ما جرى في اتفاق الطائف اللبناني. سيحتاج هذا المسار الى فترة زمنية غير قصيرة تتم فيها الجراحة، ويتحقق من خلالها تدمير الكيان السوري وتفتتيت وحدته الوطنية، وانهيار مجتمعه واقتصاده وتمزق نسيجه الاجتماعي وتعميق انقساماته الطائفية والمذهبية والإثنية. لعل الطريق اللبناني بات نموذجا يحتذى لحل الأازمة السورية.

* كاتب لبناني

=================

سورية و«حماية» المراقبين

الثلاثاء, 20 ديسيمبر 2011

الياس حرفوش

الحياة

هناك مطبّات كثيرة على طريق المراقبين العرب إلى سورية. المهمة التي سيقومون بها يدور جدل في شأنها حتى قبل أن يصلوا. الجامعة العربية تعتبر أن إرسال المراقبين يهدف إلى التأكد من عدم إطلاق النار على المتظاهرين. أي أن جزءاً من عمل هؤلاء المراقبين سيكون لحماية المدنيين على أساس الافتراض أن وجودهم في الشوارع السورية سيخفف من «نشاط» القوات الأمنية. كما سيتأكد المراقبون من سحب المظاهر المسلحة ومن الإفراج عن المعتقلين. أما الحكومة السورية فترى أن الهدف من السماح للمراقبين بدخول أراضيها هو أن تثبت للعالم صدق روايتها التي تكررها منذ بدء هذه الأزمة في شأن «العصابات الإرهابية المسلحة»، وهو ما أكده وزير الخارجية السوري أمس عندما قال إن المراقبين سيرون بأنفسهم أن المتظاهرين في سورية ليسوا سلميين.

هذا الخلاف ينقل مهمة المراقبين إلى عقبة أخرى: ماذا ومن سيراقبون؟ وإلى أين سيُسمح لهم أن يذهبوا؟ من حيث المبدأ يفترض أن يتاح لهم الذهاب إلى حيث يشاؤون، وأن تتولى السلطة السورية تسهيل وصولهم. أما في الواقع فإن السلطة السورية، كما أشار الوزير وليد المعلم، لا يمكنها أن تسمح لهؤلاء بزيارة «مواقع عسكرية حساسة»، كما أن تحركهم سيكون «تحت حماية الحكومة السورية»، في الوقت الذي يشترط بروتوكول المراقبين أن تقوم دمشق ب «تسهيل» عملهم. ومعروف أن هناك فرقاً بين «التسهيل» و «الحماية»، بالمعنى الأمني، ويبدو أن هذا ما كان المعلم يشير إليه في معرض المزاح، عندما قال رداً على سؤال في شأن العراقيل التي يخشى أن توضع في طريقهم، إنه سيكون على المراقبين أن يتعلموا «السباحة». وهذا سيُدخل الجامعة في جدل مع الحكومة السورية حول طبيعة المواقع التي سيزورها المراقبون، يذكّر بالجدل الذي دار حول زيارة مراقبي الأمم المتحدة المواقع العراقية في عهد صدام حسين.

الحجة التي تتمسك بها الحكومة السورية والتي على أساسها تحاول فرض شروطها على مهمة الجامعة وعلى عمل المراقبين هي حجة سيادة الدولة على كامل أراضيها. غير أن الواقع هو أن مجرد قبول دمشق بالمبادرة العربية وبفكرة المراقبين، يتضمن تخلياً، ولو جزئياً، عن هذه السيادة. ذلك أن مهمة «المراقب» هي أن «يراقب». وعندما تسمح حكومة ما لفريق خارجي ب «مراقبة» ما يجري على أرضها، سواء من جانب أجهزتها، أو حتى من جانب فئات معارضة على أرضها، تكون قد اعترفت بالتشكيك الخارجي في رواياتها وفي أعمالها، كما تكون أتاحت المجال لجهة خارجية لتقرير ما هو سيئ وما هو مقبول من أعمال هذه الحكومة. وهذا بعينه هو انتقاص من السيادة.

حقيقة الأمر أن دمشق دُفعت دفعاً إلى التوقيع على بروتوكول المراقبين. لا يمكن إغفال الظرف الذي وافقت فيه على التوقيع، بعد تردد دام منذ موافقتها على المبادرة العربية في 2 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي. سبعة أسابيع مرت والرسائل بين دمشق والقاهرة والدوحة تذهب وتجيء والقتلى في سورية يسقطون. ولو اعتبرنا أن معدل القتل اليومي هو عشرون شخصاً، وهو حد أدنى، نستطيع القول إن حوالى ألف شخص قتلوا خلال هذه الفترة.

ما دفع دمشق إلى اكتشاف فضيلة «الحل السلمي» و «التعاون مع الجامعة» في هذا الوقت المتأخر، ليس بالتأكيد الحرص على حل الأزمة السورية من طريق الحوار مع المعارضة وإدخال الإصلاحات الضرورية. إنه التخوف من تهديد الجامعة بنقل الملف السوري إلى مجلس الأمن، والتخوف من تحول في الموقف الروسي، في ضوء مشروع القرار الذي عرضته موسكو على المجلس.

من اكثر الأمور تعبيراً عن مدى صدق دمشق عندما تتحدث عن رفضها التدخل في شؤونها الداخلية، ما أعلنه وليد المعلم أمس عن أن توقيع حكومته على بروتوكول المراقبين جاء بناء على نصيحة روسية، («نصحونا بالتوقيع واستمعنا إلى نصيحتهم») متجاوزة شروطها السابقة، وأهمها تراجع الجامعة العربية عن العقوبات التي فرضتها على دمشق في اللحظة التي يتم التوقيع السوري.

كسب الوقت على أمل تغيير المواقف وموازين القوى، جعل النظام السوري يتجاوز كل العراقيل والشروط السابقة التي كانت تسميها دمشق «شروط إذعان». إذعان ممكن أمام نصائح موسكو وتهديدات مجلس الأمن... وليس أمام الشعب السوري.

=================

ماذا تعني سوريا؟!

ميشيل كيلو

الشرق الاوسط

21-12-2011

هذا السؤال الغريب وغير المألوف كان يجب أن يناقش منذ عشرات السنين، أي منذ بدأ البعث يتحدث عن نظامه باعتباره سوريا. في المؤتمرات الصحافية التي يعقدها قادة الحزب والسلطة في سوريا، كما في الخطب التي يلقونها والتصريحات التي يدلون بها، ينسب كل ما هو جيد للبعث ونظامه، وتعتبر الانتقادات الموجهة إليهما انتقادا مرفوضا بالطبع لكل ما هو خير ونبيل في بلادنا. يحدث الشيء نفسه عندما يلحق أذى مادي أو معنوي بأحد من رجال السلطة والحزب، فيبادر النظام وإعلامه إلى اعتبار ما جرى موجها ضد سوريا وليس ضد الشخص المعني أو الجهة المقصودة، بينما يقال عن المشكلات والأزمات إنها ابنة الماضي الذي لم تنجح في التخلص منه بعد، وليست نتاج الحاضر، وإن بدت ظاهريا كذلك!

من المعلوم أن قادة النظم الشمولية يضفون طابعا شخصيا على أوطانهم، انطلاقا من فكرة مسبقة ترى أن هذه يعاد إنتاجها بطريقة صحيحة وتتفق مع هويتها الأصلية بفضلهم، والتي لم تقم قبلهم بسبب التباعد بين القادة والساسة السابقين وبين الوطن، وإذن، فإن وطنهم يستعيد من خلالهم حقيقته الأصلية، التي كانت ضائعة أو مضيعة قبلهم. من هنا، يحق للوطن أن يفخر بتماثله مع المستبد، كما يحق لهذا أن يعتبر نفسه الوطن أو القيمة العليا المتطابقة مع هويته الحقيقية. لا عجب أن قال حافظ الأسد في حديث مع المسرحي الراحل سعد الله ونوس: أنا أعتبر نفسي وطن السوريين، وأعتقد أن أي سوري يسمع نقدا موجها إلي سيدافع عني ضد ما يوجه إلي، باعتباري الرجل الذي يجسد وطنه. كما قال أحد كبار القادة السوريين ذات يوم: إن ما تتلقاه سوريا من معونات مالية خارجية يأتي إلى السيد الرئيس، الذي يحق له حجبها عن الشعب أو منحه جزءا منها. عندما اعترض أحد جلسائه على الفكرة، رد متسائلا بغضب: هل كانت هذه المعونات تمنح لسوريا قبل السيد الرئيس؟! ثم أجاب عن سؤاله دون انتظار رد محاوره: إنها تعطى إذن للسيد الرئيس وليس لسوريا. قال محدثي: إن المسؤول لفظ اسم الرئيس بإجلال وتعظيم، بينما نطق كلمة سوريا باحتقار وتهكم. من جانبه، كان الإعلام الرسمي يعتبر زيادات الرواتب والأجور «منحة أو منة» من «سيد الوطن» - لقب الرئيس شبه الرسمي - تؤكد رعايته للمواطن، بينما كان الوزراء يظهرون على شاشات التلفاز للتأكيد على أن الزيادات لم تكن ضرورية، لأن الشعب ينعم ببحبوحة ظاهرة، لكن السيد الرئيس، سيد الوطن ومجسده، لا يكف لحظة عن التفكير بأبنائه المواطنين، لأنه يحبهم أكثر مما يحبون أنفسهم، ويفكر فيهم أكثر مما يفكرون بذواتهم!

مرت مضاهاة سوريا مع النظام بطورين، بعد انقلاب عام 1963، الذي استولى عليه البعث:

- في الطور الأول اعتبر حزب البعث نفسه الجهة التي ستقيم وطنا يشبهها في سوريا سرعان ما سيصير قدوة للعرب جميعا، لذلك سيكون من حق الحزب إعادة إنتاج هؤلاء أيضا مهما كانت أقطارهم وأمصارهم. في هذا السياق، نشأ مفهوم الحزب القائد، الذي يتقدم التاريخ ولا همّ له غير أن يرتقي بالوطن كي يبلغ مستواه الخاص ويتماثل معه، فيقوم بينهما تطابق تام، ولا سيما أن الوطن ليس فقط أرض وشعب الدولة، بل هو قبل هذا وذاك مؤسسات تحدد كيفية وجود الشعب ووظيفة الأرض، أي هويتهما ودورهما. بما أن المؤسسات الصانعة للوطن ستقام انطلاقا من البعث، فإنه يجب أن تكون له بالضرورة أولوية مطلقة على أي شيء عداه، خاصة أنه هو الذي سيخرج الوطن من تأخره، وسيتيح له بلوغ مستوى نوعي لا يجارى، مماثل لمستواه الخاص كحزب ثوري/ طليعي، سيمكنه من أن يصير وطنا استعاد حقيقته الأصلية، التي كانت غائبة عنه بسبب غياب الحزب عن قيادته وسلطته، فلا عجب أن انقلب إلى وطن بعثي لا فكاك له عن البعث، وإلا فقد هويته ورسالته!

- في الطور الثاني نقلت هذه المهام إلى شخص بعينه، هو قائد انقلاب عام 1970 الرئيس الراحل حافظ الأسد، الذي تولى قيادة الحزب وناب عنه في قيادة سوريا، بحجة أنه شخص لا مثيل له، سبق زمنه إلى درجة تمكنه من جره وراءه نحو المجد والفرادة. بعد الحزب القائد، جاء «قائد المسيرة»، الذي سيتم انطلاقا منه إعادة إنتاج الوطن ليأتي على صورته ومثاله، وذلك بالتعاون مع البعث بعد تصحيح أوضاعه وجعله أداة تصلح لتأدية المهمة الجديدة وتستحق ثقة القائد. في هذا المنطق، تحول شخص القائد إلى جهة تضمر وطنية نقية ستصحح الوضع ما قبل الوطني الذي يعيشه الشعب، وستخرج الوطن من واقعه الزائف وترده إلى صفاء طبيعته الأصلية، وصولا إلى المواطن، الذي عليه التماهي مع قائده والذوبان فيه. وزاد من تعزيز هذا الاعتقاد الرسمي أن انقلاب الأسد أعقب هزيمة يونيو (حزيران)، التي بررها الحزب بفكرة تقول: إن النظام أهم من الوطن، فالوطن إن ضاع يمكن استعادته كليا أو جزئيا، أما النظام فلا يمكن تعويضه أو استعادته إن سقط، لذلك يجب إعطاء الأولوية في نظرة وطنية صحيحة إلى الحزب والنظام، اللذين يعد عدم سقوطهما انتصارا للوطن، رغم خسارته محافظة الجولان مع ما تتمتع به من ثروات مائية وزراعية كبيرة، وأهميتها الاستراتيجية بالنسبة إلى سوريا.

واليوم، وشعب سوريا يصرخ بصوت واحد: «حرية»، و«الشعب يريد إسقاط النظام»، فإن هذا يرى في موقف الشعب مطالبة بإسقاط الوطن، ويعلن بكل صراحة أن سقوطه يعني نهاية سوريا ودولتها، وإلا لما كان اعتبر حراكه السلمي مؤامرة على الوطن لا بد من قمعها بالقوة دفاعا عنه، وبالتالي دفاعا عن الرئيس، مجسد النظام وحامله، فإن سقط هو سقط الوطن معه، كما يقول الإعلام السوري يوميا بألف لسان، ويعلن من يصدقونه أنهم على استعداد لإحراق سوريا من أجل الرئيس، لأنها ليست بدونه وطنا لهم، في حين يمكن انطلاقا منه إعادة إنتاجها كوطن، بمعنى أنه لن يبقى وطنا إن لم يكن «هو» بالذات، ودون جميع خلق الله، رئيسه!

في العمق، تدور المعركة الراهنة في سوريا بين فكرتين: واحدة ترى في الرئيس الوطن وفي الوطن الرئيس.. بينما ترى الأخرى، المعارضة، أنه النفي التام للوطن، الذي لن يعود إلى الظهور وليس هناك من سبيل إلى استعادته من جديد بغير سقوط الرئيس.. أي بغير تحرير الوطن منه!

أدلج النظام الوطن وجعله بعثيا. واليوم، يفك الحراك المجتمعي هذه الرابطة الزائفة ويعيد إلى الوطن وجهه المجتمعي، الوطني والشعبي، الذي يعيده من جديد وطنا لجميع أبنائه، على عكس ما هو اليوم: وطن قلة متحكمة تنهبه وتدمر حياة مواطنيه، الذين فقدوا حريتهم وتحولوا إلى عبيد وأجراء أغراب في وطن تغرب بدوره عنهم، صار استرداده حتميا من أجل امتلاك فسحة مفتوحة تزدهر في ربوعها الحرية والعدالة والمساواة، والخروج منه كسجن عالي الجدران محكم الحراسة مغلق النوافذ والأبواب، يتمرد نزيله المظلوم، شعب سوريا، عليه، ويفضل الموت على البقاء فيه!

=================

هل الايرانيون.. عقلانيون ؟

رؤوبين بدهتسور- (المضمون: القيادة الايرانية ككل قيادة في العالم تتصرف تصرفا عقلانيا فليس معنى امتلاك ايران للسلاح الذري ان تستعمله على جاراتها أو على اسرائيل - المصدر).

الرأي الاردنية

21-12-2011

هآرتس

 السؤال الرئيس هو هل ستتصرف ايران المسلحة بسلاح ذري مثل دولة عقلانية. فانه اذا لم يكن ممكنا ردع قادة ايران عن اطلاق السلاح الذري على اسرائيل لأن تقديراتهم وقراراتهم ليست في الصعيد العقلاني، فان ايران الذرية ستكون حقا تهديدا وجوديا لا تستطيع اسرائيل التسليم به. ويبدو في هذه الحال انه لن يكون مناص من الهجوم ومحاولة القضاء على برنامج ايران الذري. وفي مقابلة هذا اذا كان الافتراض ان آيات الله في طهران عقلانيون فانه يمكن الاعتماد على ردع اسرائيلي ملائم ونستطيع ان نحيا ايضا في ظل القنبلة الايرانية.

 ان مقرري السياسة في اسرائيل يواجهون اليوم معضلة غير سهلة. هل الفروض الأساسية التي كان يقوم عليها الردع المتبادل في الحرب الباردة قابلة للتطبيق ايضا على الحالة الايرانية. وهل ستكون تقديرات زعيم مسلم في طهران تشبه تقديرات من كان يحل في الكرملين. وهل ورثة آية الله الخميني مستعدون للانتحار والافضاء الى القضاء على الشعب الايراني كي يقتلوا فقط بضع مئات آلاف من مواطني الكيان الصهيوني البغيض.

 تفحصت البروفيسورة أوبرا سلكتر من معهد غراتس في بنسلفانيا الأدبيات المتشعبة التي تتناول هذه القضية ووجدت ان نحوا من ثلثي الباحثين يعتبرون من «المتفائلين الذريين»، المقتنعين بأن ايران الذرية ستتصرف كدولة عقلانية وسيمكن لهذا ردعها عن استعمال سلاحها الذري. والباحثون الباقون هم «المتشائمون الذريون». وايران في تقديرهم ليست دولة عقلانية ولهذا لا يجوز الاعتماد على القدرة على ردعها.

 يُبين تحليل الدعاوى والتعليلات ان المتفائلين يدلون على موقفهم بصورة أكثر اقناعا. فهم يزعمون ان ايران تطور سلاحا ذريا بسبب التجربة المريرة التي جربتها في حرب العراق مع ايران في الثمانينيات لا كي تستعمله على جاراتها أو على اسرائيل. وتطوير السلاح الذري هو اختيار ايراني عقلاني لأن هذا هو رد دول في العالم الثالث على تهديدات قوى الغرب العظمى وحليفاتها (وليس عجبا ان قال وزير الدفاع اهود باراك انه لو كان ايرانيا لطمح هو ايضا الى تطوير سلاح ذري).

 ان مجرد امتلاك سلاح ذري قد يجعل النظام الايراني معتدلا كما أصبح النظام الصيني معتدلا وهو الذي كان يُرى متطرفا وخطيرا، في 1964 منذ اللحظة التي تسلح فيها بالقنبلة الذرية. والهدف الأساسي للقادة الايرانيين كما هي الحال في كل نظام هو البقاء في الحكم، والبقاء هو الغاية العليا ايضا لقادة دول عاصية. ويبدو ان المتشائمين يفرطون في عدم العقلانية الذي ينسبونه الى القيادة الايرانية. وينبغي لمن يتحدثون عن «الطغاة المجانين في طهران» ان يذكر الطاغيتين «المجنونين» في الحرب البادرة، ستالن وماو تسي تونغ اللذين تصرفا بعقلانية خالصة في الصعيد الذري.

 وتعلمنا التجربة التاريخية ايضا ان القيادة الايرانية تتصرف بصورة عقلانية تماما حينما يكون الحديث عن احتمال ان تدفع ثمنا باهظا عن استعمال قوة عسكرية، وهكذا فانه حتى آية الله الخميني الذي عُرض باعتباره زعيما غير عقلاني على نحو سافر، تصرف بعقلانية خالصة حينما بدأ العراقيون يطلقون صواريخ بالستية على طهران جبت حياة آلاف من المواطنين الايرانيين.

 ان الخميني الذي أعلن قبل ذلك أنه لن يوقع بأية حال من الاحوال على اتفاق هدنة مع العراق الى ان يستسلم بالكامل، اضطر الى التسليم للوضع الجديد الذي نشأ مع سقوط الصواريخ في قلب العاصمة الايرانية، وان يوقع على اتفاق هدنة مع صدام حسين.

 هذا هو موضع تأكيد الخطأ الاسرائيلي بتعظيم التهديد الايراني وعرضه بأنه تهديد وجودي لاسرائيل. فقدرة اسرائيل على الردع كافية لتثني كل حاكم ايراني عن ان يفكر حتى في اطلاق سلاح ذري عليها. فحان وقت الكف عن التلويح بفزاعة التهديد الوجودي والامتناع عن تصريحات قتالية تُحدث احيانا حراك تصعيد خطيرا.

=================

اتهام الهاشمي!

محمد كريشان

2011-12-20

القدس العربي

أشياء كثيرة غامضة ومريبة في قضية الاتهام المفاجئ لنائب الرئيس العراقي طارق الهاشمي بالتورط في عمليات تفجيرات واغتيالات متعددة. كيف يعقل أن يتحول مسؤول كبير بهذا المستوى من أحد أركان 'العملية السياسية'، كما تسمى في العراق، إلى مجرد زعيم عصابة إرهابية تشيع القتل والدمار في البلاد ؟!!.

القضية لا تتعلق بالدفاع عن الرجل في حد ذاته ولا بمساره السياسي المتقلب الذي أثار الكثير من الجدل واتهم بسببه بالانتهازية حين فضل مغادرة مربع مقاومة الاحتلال الأمريكي لبلاده لينعم بالدخول إلى مربع السلطة. الموضوع ليس هنا، بل في كيف اكتشف الحاكم بأمره رئيس الوزراء نوري المالكي بقدرة قادر هذا 'الوجه الحقيقي' لرجل يقيم معه في المنطقة الخضراء ويشاركه، وإن بشكل محدود، في تحديد بعض مواقف الدولة وتوجهاتها الكبرى!!

لنفترض أن اتهام الهاشمي يستحق على الأقل التحري والتحقيق فعلا، ولنفترض كذلك، على ما قال رئيس الوزراء السابق إبراهيم الجعفري، أن قضيته' قضائية شقت طريقها إلى العلن الآن بإجراء قضائي بعد أن حصل تحقيق مع بعض الشخصيات المكلفة بحمايته، ولا ينبغي أن تتحول إلى حالة عاطفية ومسيّسة، ولنسايره أيضا حتى حين يقول لتلفزيون 'المنار' اللبناني التابع لحزب الله بأن 'هذا ملف قضائي ولا نريد أن يتدخل أحد في الملفات القضائية فنحن نحترم القضاء أيا تكن ما دامت السياقات عادلة تستهدف استتباب الأمن وإعطاء كل ذي حق حقه'. لنفترض كل ذلك، ما الذي يدفع إذن والحالة تلك، أن تدفع الحكومة- والقضية ما زالت في طور التحقيق وستحال على قضاء 'مستقل'- بالعاملين في مكتب الهاشمي إلى الإدلاء باعترافات تلفزيونية ضده في تلفزيون 'العراقية' الرسمي.؟!

ومع الاستهجان المبدئي لعرض أناس على التلفزيون ليدلوا بشهادات الله أعلم بمصداقيتها والظروف التي حفت بتسجيلها، فإن قول الرائد أحمد شوقي عبد الكريم الجبوري المنتسب لفوج حماية مكتب نائب الرئيس العراقي بأن الهاشمي طلب منه عام 2007 تنفيذ مهمات خطيرة وهدده بإيذاء عائلته إذا لم يفعل وبأن سكرتير الهاشمي كان يزودهم بالعبوات الناسفة التي كان يتم إعدادها في بيت قديم للهاشمي كان يمررها عبر الحواجز الأمنية دون تفتيش مستغلا صفته كحارس للهاشمي، وكذلك قول الملازم أول غسان جاسم حميد بأنه كلف بعملية تفجير عام 2009، يطرح تساؤلا محيرا: كيف مضت كل هذه الأعوام ولم تكتشف السلطات الفاعلين والمدبرين وهم يجلسون بينهم ويعقدون معهم الاجتماعات ويفرش لهم السجاد الأحمر!؟ بل وكيف لمن عجز عن اكتشاف المجرمين حوله أن يثق الناس بقدرته على تعقب الفارين في البراري!؟

رغم ما يقال عن الطابع القضائي الصرف للقضية فإن رائحة السياسة تفوح بكل قوة وهي تتعلق بالأساس بما يجري في الجارة سورية. حين يقول أحد المقبوض عليهم، أو دفع إلى القول إنه يريد أن 'يريح ضميره ويكشف حقيقة طارق الهاشمي المجرم أمام كل العراقيين الذين انغشوا وانخدعوا به وصوتوا له'، وحين تتسارع تصريحات أخرى لإعلاميين وسياسيين من جماعة المالكي وبعضها لتلفزيون 'العالم' الإيراني بأن السعودية هي من تقف وراء توجه الهاشمي لضرب الأوضاع السياسية في البلاد، وهو ما قاله علنا أيضا سفير إيران في العراق، وحين يقال بأن بعض المتهمين بتنفيذ عمليات تفجير واغتيالات تلقوا تدريبات في تركيا وبأن خططهم تشمل الهجوم على مقر مجلس الوزراء وتصفية المالكي وأيضا نواب البرلمان من معارضيهم. حين يقال كل ذلك فمن الصعب أخذ الموضوع كله بحسن نية.

إيراد اسمي السعودية وتركيا بالتحديد لا يمكن عزله أبدا عما يجري في سوريا. يبدو أن المالكي الذي تحول فجأة في نظر دمشق من عميل للاحتلال إلى نصير دولة الممانعة حليفة إيران قرر أن يساعد دمشق وإيران في محنتيهما بفتح النار على السعودية وتركيا بالنيابة عنهما. هنا لم يكن الهاشمي وجماعته، إن بالتصنيف السياسي أو الطائفي المقيت، سوى حطب هذه المواجهة الجديدة بالوكالة.

=================

كيف يستثمر المالكي الانسحاب؟

الاربعاء, 21 ديسيمبر 2011

عبدالله إسكندر

الحياة

قبل ايام من الانسحاب الكامل للقوات الاميركية المقاتلة من العراق، عمدت حكومة نوري المالكي الى حملة اعتقال واسعة طاولت المئات في مناطق مختلفة. وذريعة الحملة هي ان هؤلاء بعثيون كانوا يخططون لانقلاب لتغيير الحكم.

بغض النظر عن ملابسات هذه الحملة وصدقيتها، وبغض النظر عن التعتيم الرسمي على المعتقلين وكيفية التعامل معهم وتحويلهم على قضاء نزيه ليكون كلمة الفصل في ادانة هؤلاء، كان يُفترض بالمالكي وحكومته ان يستخلص معنى مثل هذا التحرك، إن كان صحيحاً. والخلاصة الأساسية هي ان مزيداً من المشاركة من الاطياف العراقية كافة في العملية السياسية والحكومة والادارة وحدها يمكن ان تقطع الطريق على الذين يحنون الى النظام السابق، ويعملون على إعادة احيائه. او على الاقل الحد من قدرة هؤلاء على التجييش والتحريض عبر توسيع المشاركة.

وهذا ما لم يفعله المالكي، لا بل فعل العكس تماماً بلجوئه الى التصعيد ضد الطيف العراقي المنخرط في العملية السياسية، خصوصاً اركان «القائمة العراقية»، وصولاً الى اتهام مباشر لنائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي ونائب رئيس الحكومة صالح المطلك.

هكذا يكون المالكي تعمد ان يوجه اتهامات بالإرهاب والتآمر على الحكم، ليس لفئة من طيف مذهبي قد تكون متورطة فعلا بمثل هذه الاعمال والتي ينبغي ان يثبتها حكم قضائي نزيه، وانما تعمد اتهام قادة في هذا الطيف. ما يشكل ضربة للعملية السياسية، كما توافق عليها العراقيون في الدستور الجديد.

لماذا توجيه هذه الضربة في هذا التوقيت؟ ان التوقيت يهدف الى إحداث قطيعة بين العملية السياسية التي اشرف عليها الاميركيون خلال فترة الاحتلال وبين العملية السياسية التي يريدها المالكي، ويسوق فيها معه التكتلات الشيعية الاخرى، في مرحلة ما بعد الانسحاب الاميركي والانحسار المفترض لنفوذ واشنطن في الداخل العراقي.

اي ان رئيس الحكومة العراقي اراد ان يستثمر انسحاب القوات الاميركية المقاتلة من العراق لادخال تعديل جوهري على العملية السياسية ومكوناتها، بما يتيح له ابعاد النفوذ السياسي ل «العراقية»، رغم قوتها البرلمانية، اي شعبيتها، وبعدما اتهم جمهورها، عبر الاعتقالات الواسعة، بالتآمر والارهاب. لتكون ملامح العملية السياسية الجديدة طائفية بامتياز.

لقد التقط الشريك الثالث في المعادلة العراقية، اي الاكراد، خطورة هذا النهج الجديد للمالكي. فحذر عبر رئيس الجمهورية جلال طالباني من الطابع الانفرادي، خصوصاً ان المالكي لم يزعج نفسه بابلاغ طالباني بالاتهام الكبير الموجه الى نائب الرئيس. كما حذر الشريك الثالث عبر رئيس اقليم كردستان مسعود بارزاني من انهيار العملية السياسية برمتها.

وقد ينجح عقلاء في العراق في اقناع المالكي بانه ذهب بعيداً في ضرب مكون اساسي في البلاد، وبانه ينبغي تصحيح هذا الاتجاه، عبر مؤتمر جديد او اجتماع جديد للقادة السياسيين لمناقشة الخروج من هذا الوضع الخطر. لكن كل التجارب السابقة اظهرت ان الرجل يناور في كل الاتجاهات ليبقى ممسكاً بالسلطات كلها، وتالياً ليبقى قادراً على الاستمرار في العملية السياسية التي يريدها. وهذا ما أظهره مآل اتفاق اربيل، خصوصاً في شأن الوزراء الامنيين الذين مازال يتولى حقائبهم بالوكالة، ما اتاح له فِعْلَ ما فَعَل.

قد تكون العلاقات الاقليمية للمالكي، خصوصا مع طهران، وراء خطوته في تغيير وجهة العملية السياسية فور انسحاب القوات الاميركية، وهو انسحاب تعتبره ايران انتصاراً لها ينبغي استثماره سريعاً في العراق وخلق وقائع جديدة، قبل تبدل المعطيات، خصوصاً في سورية التي انحازت حكومة المالكي الى الحكم البعثي فيها، رغم ما يردده عن كرهه لحزب البعث و»المؤامرة البعثية» في العراق.

=================

الحرب المشتعلة في إيران

عثمان ميرغني

الشرق الاوسط

21-12-2011

بعيدا عن الأنظار.. هناك حرب تدور في إيران منذ أشهر إن لم يكن منذ سنوات، لكن وتيرتها تسارعت في الآونة الأخيرة. الخبراء يصفونها بالحرب السرية، لأنه لم يصدر بها إعلان رسمي، ولا يتبنى أي من الأطراف المعنية عملياتها، ولا يظهر الجنود الذين يقومون بها على شاشات التلفزيون. لكنها تبقى حربا حقيقية تستخدم فيها أعقد التقنيات وأكثرها تطورا في مجال الحرب الإلكترونية، إلى جانب بعض أقدم وسائل الحروب الاستخباراتية. وتسارع خطوات هذه الحرب، ربما يوحي بأن المنطقة مقبلة على مواجهة ساخنة مع تراكم المؤشرات على احتمال توجيه ضربة إلى المنشآت النووية الإيرانية.

قصة طائرة التجسس التابعة لوكالة الاستخبارات الأميركية التي أعلنت إيران إسقاطها في أوائل الشهر الحالي، بينما قالت دوائر أميركية إنها سقطت بفعل خلل عندما كانت تقوم بمهمة داخل إيران، هي أحدث فصل في هذه الحرب. فالطائرة من طراز «آر. كيو 170 سنتينيل» تعتبر من الجيل المتقدم من طائرات التجسس والاستطلاع التي تعمل بلا طيار، ومزودة بتقنيات حديثة بالغة السرية بالنسبة للأميركيين، لذلك جرى التفكير في محاولة تدميرها بعد فقدانها بوقت قصير، لكن الإيرانيين عثروا عليها أولا، وفقا للمصادر الأميركية. الطائرة التي قيل إنها دخلت الأجواء الإيرانية من جهة الحدود الأفغانية، كانت تقوم بمهمة متعلقة بالبرنامج النووي الإيراني وفق تقرير نسبته شبكة تلفزيون «سي إن إن» لمصادر عسكرية أميركية. وقبل أن تهدأ الضجة حول موضوع الطائرة، عرضت إيران ما وصفته بأنه اعترافات «جاسوس» أميركي من أصل إيراني اعتقل بعد عبوره من أفغانستان إلى إيران، وذلك في مؤشر آخر على تصاعد وتيرة الحرب السرية واحتمال أن تكون هناك خطوات متسارعة نحو توجيه ضربة إلى المنشآت النووية الإيرانية.

ليس معروفا متى بدأت هذه الحرب السرية بالتحديد، لكن عملية جرت في يونيو (حزيران) 2010 دفعت بأخبارها إلى الواجهة. ففي ذلك التاريخ كشف عن تعرض منشأة نووية إيرانية لأكبر هجوم إلكتروني من نوعه، من خلال زرع دودة إلكترونية أطلق عليها «ستكسنت» عطلت برامج التشغيل في الكومبيوترات التي تستخدمها إيران. أثار الأمر ضجة واسعة لأنه دشن مرحلة جديدة في حروب المستقبل الإلكترونية، حيث تستخدم الدول الفيروسات الكومبيوترية لتخريب قدرات الخصم وتعطيل منشآته. ويعتقد الخبراء أن أميركا وإسرائيل وربما ألمانيا كانت ضالعة في تطوير دودة «ستكسنت» وزرعها لتعطيل العمل في منشآت إيران النووية.

الحرب السرية شملت أيضا عمليات تجسسية، واغتيالات وتفجيرات وعمليات تخريب وحربا نفسية. فقد أعلن عن استهداف واغتيال علماء إيرانيين على صلة بالبرنامج النووي، بينما وقعت انفجارات في منشآت أخرى كان أكبرها الانفجار الذي استهدف الشهر الماضي منشأة للصواريخ طويلة المدى قرب طهران، قتل فيه أحد مؤسسي برنامج إيران الصاروخي وهو اللواء حسن مقدم و16 من الضباط.

إسرائيل على ما يبدو تضغط على واشنطن للانتقال من مرحلة الحرب السرية إلى توجيه ضربة عسكرية لتدمير منشآت إيران النووية. فهي ترى أن التغييرات الإقليمية بعد الربيع العربي تستدعي هذا التعجيل، خصوصا مع الصعود الانتخابي للحركات الإسلامية والمزاج الثوري في الشارع الذي جعل مشهد المظاهرات الحاشدة أمرا مألوفا في العديد من العواصم. ويتخوف دعاة التعجيل بالضربة العسكرية من أن تأخيرها سيجعلها أكثر صعوبة، وربما يزيد من كلفة ردود الفعل الشعبية العربية خصوصا في دولة مثل مصر التي شهدت مظاهرات ضد إسرائيل واقتحاما لمقر سفارتها بعد مقتل جنود مصريين برصاص إسرائيلي على الحدود.

من ناحية أخرى يبدو نظام الأسد، الحليف الاستراتيجي لإيران، مشغولا بمحاولة إنقاذ نفسه أمام الانتفاضة الداخلية المستمرة والمتصاعدة. وعلى الرغم من المناورات العسكرية الكبيرة التي نفذتها سوريا أخيرا وحرصت على الإعلان عنها فيما بدا أنه رسالة تحذيرية موجهة للخارج، فإن المحللين يستبعدون دخول نظام الأسد في مواجهة مع إسرائيل لأن جيشه مشغول بمواجهة الانتفاضة الشعبية. ورغم ذلك فقد كان لافتا أن مسؤولين إسرائيليين أطلقوا تصريحات من احتمال وقوع مواجهة عسكرية مع سوريا ضمن مواجهة أكبر في المنطقة تستهدف فيها منشآت إيران النووية بضربة عسكرية، وهي تصريحات فسرت على أنها رسالة تحذير للنظام السوري من الانجرار إلى عمل عسكري إذا تعرضت إيران لضربة. فإسرائيل على ما يبدو لا تسقط من حساباتها احتمال مخاطرة نظام الأسد بالحرب إذا رأى أن ذلك يمكن أن يخلط أوراق معارضيه ويخفف الضغط الداخلي عليه ويحرك الشارع العربي للتعاطف معه.

ما يحدث في إيران وسوريا ينعكس على حزب الله الذي سيتأثر مباشرة بما يحدث في البلدين. فسوريا هي الحبل السري الذي يتغذى عن طريقه حزب الله من إيران، لذلك رمى الحزب بثقله وراء نظام الأسد واصفا ما يتعرض له النظام بالمؤامرة التي تستهدف «الممانعة والمقاومة». وفي حكم المؤكد أن حزب الله سيقوم بعمل في جبهة الجنوب اللبناني لدعم إيران إذا تعرضت لضربة، وفي هذا الإطار جاءت تصريحات حسن نصر الله الأخيرة عن قدرات المقاومة واستعداداتها، مما يعني انتقال التسخين من جبهة إيران إلى لبنان.

موسم حملات انتخابات الرئاسة الأميركية يبدو عاملا آخر في بورصة التصعيد. فالمتنافسون يتبارون تقليديا في هذا الموسم على كسب تأييد اللوبي الإسرائيلي والصوت اليهودي، وهذه المرة يكثر الحديث عن تصعيد الجهود لتدمير قدرات إيران النووية. وبينما يتحدث المرشحون الجمهوريون عن ضرورة تصعيد الحرب السرية على إيران، فإن أوباما يقوم بذلك فعليا حسب ما أثبتته العمليات الأخيرة التي تكشفت إما بسبب حوادث أو اعتقالات، وهي لا تمثل بالتأكيد سوى جزء قليل من العمليات السرية الجارية.

تصاعد وتيرة هذه العمليات يعني أن المنطقة ربما تقف الآن على شفا مواجهة جديدة في إطار التداعيات المحتملة للضربة المتوقعة لإيران.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ