ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
رأي الراية الراية 22-12-2011 تصاعد أعداد الضحايا في المدن السورية
خلال اليومين الماضيين بشكل غير مسبوق
بعد توقيع النظام السوري على بروتوكول
بعثة المراقبين التي قررت الجامعة
العربية إرسالهم إلى دمشق يطرح إشارات
استفهام كبيرة وعديدة عن صدق التزام
الحكومة السورية بوقف العنف ووقف قتل
المدنيين وتطبيق المبادرة العربية
بشأن الأزمة في سورية. ففي أحد أكثر الأيام دموية منذ اندلاع
الانتفاضة في سوريا أرسل النظام
السوري رسالة واضحة لا لبس فيها عن
تمسكه بالحل العسكري لوأد الانتفاضة
الشعبية حينما سقط أكثر من مائة وعشرين
مدنياً وجندياً منشقاً بين قتيل وجريح
برصاص القوات النظامية، غالبيتهم في
محافظتي إدلب وحمص وأتبعها بتنفيذ
مناورات عسكرية برية وجوية وبحرية
للمرة الثانية في ظرف أسبوعين!!. المرصد السوري لحقوق الإنسان يتحدث في
تقاريره وإحصائياته عن مئات القتلى
والجرحى وعن مجزرة حقيقية وقعت في
محافظة إدلب ضد المدنيين محاولة
الفرار من المنطقة بعد مواجهات بين
الجيش السوري وجنود انشقوا عنه لرفضهم
إطلاق الرصاص على مواطنيهم المدنيين. ليس معروفا بعد فيما إذا كان المراقبون
العرب الذين ستصل طلائعهم إلى سوريا
اليوم الخميس سيطلبون التحقيق في
المجزرة التي وقعت في محافظة إدلب وفي
جبل الزاوية لكن ما يمكن قوله أن مهمة
المراقبين العرب وهم الذين قدموا إلى
سوريا بهدف توفير الحماية للمدنيين
تبدو عسيرة ومهددة بالفشل إن استمر
النظام السوري على نفس المنوال في
مواجهة الاحتجاجات الشعبية بالرصاص
وإغراق البلاد في حمام دماء. إن توقيع الحكومة السورية على بروتوكول
بعثة المراقبين وقبل ذلك موافقتها على
المبادرة العربية يقتضي منها البدء
الفوري في تطبيق بنودها وأهمها وقف
القتال والعنف وسحب الآليات العسكرية
من المدن والبلدات السورية وإطلاق
سراح المعتقلين السياسيين وعودة الجيش
إلى ثكناته والسماح لوسائل الإعلام
بالدخول إلى سوريا وتغطية الأحداث
فيها. لقد صادقت الجمعية العامة للأمم المتحدة
بأغلبية كبيرة على قرار يدين انتهاكات
حقوق الإنسان في سوريا قبل يومين الأمر
الذي يؤشر إلى مدى العزلة التي بات
يعيشها النظام السوري ويؤشر أيضا إلى
حجم الضغوط الدولية التي بات يواجهها
والتي قد تنتهي بإصدار مجلس الأمن
الدولي قراراً بإدانته وفرض عقوبات
مشددة عليه. الحكومة السورية مطالبة بالالتزام
بتعهداتها وإنجاح مهمة المراقبين
العرب من خلال تعاونها معهم وضمان حرية
تحركاتهم ومباشرتها بتطبيق بنود
المبادرة العربية وإلا فإنها تكون قد
اشترت الوقت فقط .. والوقت مع استمرارها
في استخدام العنف وإراقة الدماء في
مواجهة الاحتجاجات الشعبية ليس في
صالحها بالتأكيد. ================= يوسف الكويليت الرياض 22-12-2011 من الفراغ
العسكري بعد جلاء قوات الاحتلال
الأمريكي، إلى الفراغ السياسي
والدستوري، فقد برزت صراعات القيادات
العراقية بشكل مكشوف، ولا محل لثلاثة
رؤوس تختلف على كل شيء، وصلت للحكم من
خلال اقتراع قوى محلية، وقد ظهر
المالكي ليكون الرجل الأول، وهي صيغة
الانقلابات العسكرية التي أخذها صدام
ذريعة بتصفية خصومه على طريقة الوجبات
بسوْقهم إلى التصفيات الجسدية، ومع
المالكي حاول أن يستخدم منطق دولة
القانون بأن يتهم الهاشمي بتدبير
تفجيرات، والمطلق بأن تعرض لمقام رئيس
الوزراء باتهامه بأنه دكتاتور أسوأ من
صدام حسين، في حين أن أعضاء برلمانات
عالمية يصل خلافهم إلى المضاربة
بالكراسي، ومع ذلك لا نجد رئيس وزراء
أي دولة يتخذ قراراً تلقائياً حاسماً
بفصل أو منع دخول الأعضاء برلمانهم.. لا أحد يحتقر أو يتهم القضاء العادل، لكنه
في بلدان شبه دكتاتورية يبقى في قبضة
السلطة، ومن يقول إن القضاء في العديد
من البلدان التي يهيمن عليها حكمٌ مطلق
هو قضاء مستقل فهو يقايض الحقيقة
بالوهم، وليس هذا دفاعاً عن أي شخص
مهما كان وزنه داخل السلطة.. فالمالكي منذ البدايات، وهو يسعى للهيمنة
على مفاصل اقتصاد الدولة وأجهزتها
الأمنية والقضائية ليتصرف بمعزل عن
القانون، لأنه يعيش عقلية تمثيل
الطائفة وليس الوطن، وهذه الازدواجية
في السلوك، عزلته عن بقية العراقيين،
وعزل العراق عن محيطه العربي لصالح
إيران، وكلّ من يرفع شعار العروبة هو
عدو، فيما يبقى التحالف مع السلطة
السورية بإيعاز إيراني، لأن تمثيلها
داخل العراق جاء كبديل بعد أمريكا لملء
الفراغ وبواسطة قنوات التواصل التي
يرأسها المالكي.. لنفترض أن الاتهامات تحظى بنسبة صحيحة
للهاشمي رغم دفاعه واستعداده
للمحاكمة، فهل يقبل المالكي بقضاء
تشرف عليه جهات محايدة إسلامية أو
عربية أو دولية لضمان حياد المحكمة، أم
أن محكمته نزيهة؟، ونحن شهدنا كيف كان
القتل على الهوية، وسفك دماء السجناء
دون محاكمة يجري في العراق لمجرد الشك،
وهذا ما يبرر لأي متهم بأن يشكّ في
نزاهة القضاء إذا كان الشعب العراقي
بكل أطيافه بما فيه بعض الشيعة يُساق
للسجون بمبررات لا ترقى إلى العدالة
المطلوبة؟ وحزب البعث حاضر على الدوام، مرة يلعب دور
القاعدة، وأخرى سيقوم بتغيير النظام
بانقلاب عسكري، بينما الجيش طائفي
برئاسة شيعية، وقد سبق أن اعتبر
المالكي أكثر من شخص شردهم صدام حسين،
ودخلوا السلطة بواسطة أحزاب أو
تجمعات، بأنهم من فلول البعث بمن فيهم
المطلك وعلاوي وغيرهما.. حكومة المالكي خلقت خصومات داخلية
وخارجية، وهذا لا يخدم استقرار بلد
لازال يعاني نتائج الحروب والانقسامات
والفساد المالي المستشري، وقتل النخب
العلمية أو تهجيرها أسوة بالملايين من
المهجّرين الذين يعانون الفقر
والغربة، وظلت العودة للوطن حلماً
مستحيلاً وسط ظروف غير آمنة، إذاً ماذا
يعني خلق صدامات مع رموز الدولة، وهل
هو في مصلحة عراق يريد أن يبني نفسه من
جديد؟ تكلّم المالكي، لكنه تجاهل جهودَ غيره،
أو إخفاءهم، وجعل الدستور عذره الذي
يهدد به خصومه، لكن هل العراق يملك
قراره؟ هذا هو التحدي والذي إما أن
يفجر الوضع، أو يحكم (بتقية) جديدة باسم
الوضع الحرج، أي تصعيد قوة السلطة على
حساب الشرعية. ================= الثورات العربية
والاستراتيجيات الغربية (3) 2011.12.21 عبد الرزاق مقري الشروق أوضحت في المقال السابق بأن الأسس التي
تبنى عليها أمريكا، زعيمة الغرب،
صداقاتها وتحالفاتها في المنطقة
العربية ثلاثة أسس، وهي المصالح
والسلام مع إسرائيل، والتصرفات
الثقافية والحضارية كالديموقراطية
وحقوق الإنسان وحرية المرأة وغيرها.
وبيّنت بأن هذا الأساس الأخير هو مجرد
ادّعاء تستعمله أمريكا بمعايير مختلفة
وفق رضاها وسخطها على مدى التزام الدول
بالأساسين، الأول والثاني، اللذين
يبدوان متلازمين إلى الآن تلازما تاما.
والسؤال المحيِّر الذي طرحناه في آخر
أسطر محاولتنا في الأسبوع الماضي ولم
نجب عنه هو: أي الأساسين في الاستراتيجية الغربية والأمريكية
أسبق؟ أهو السلام
مع إسرائيل أم المصالح؟ إن المتتبع للسياسة الخارجية الأمريكية
يدرك بأن ثمة أساسا ثابتا في ما تريده
أمريكا في كل بقعة من العالم العربي
وهو المصالح، وأساسا آخر مرتبطا
بالموقع الجغرافي الذي يوجد فيه
الكيان الصهيوني. لا شك أن أمريكا
تتمنى لو أن جميع الدول العربية تكون
صديقة لإسرائيل، تقبل بوجودها
وتُطبِّع العلاقة معها. غير أن الذي
تريده بهذا الخصوص من الدول العربية
المحيطة بالوجود الإسرائيلي غير الذي
تريده من الدول العربية البعيدة عن
حدود الأرض الفلسطينية المحتلة. فالذي
تريده من مصر مثلا غير الذي تريده من
الجزائر، والذي تريده من الأردن
وسوريا ولبنان غير الذي تريده من تونس
والمغرب وليبيا واليمن والسعودية. لكي
تصبح هذه الدول البعيدة عن الأرض
الفلسطينية صديقة لأمريكا، يكفيها أن
تتبع سياسات ضامنة للمصالح الأمريكية
والغربية، ولها بعد ذلك أن تعبّر
بالخطابات والشعارات ما شاء لها أن
تعبّر في معارضة إسرائيل والتنديد
بها، شريطة أن لا تتدخل سياسيا في
الملف الفلسطيني بما يقلق إسرائيل،
وأن لا تطور قوة عسكرية يصل مداها إلى
يافا أو تل أبيب قد تُستعمل يوما ما في
حال تغير الأوضاع والظروف. وأما الدول
ذات الحدود اللصيقة بفلسطين فإن
المطلوب منها- بالإضافة إلى ضمان المصالح
الغربية- المشاركة في حماية إسرائيل ذاتها،
بتأمين الحدود من كل هجوم أو تسلل لداخلها بقصد
الإضرار بها، ثم السعي لتطبيع وجودها
والتعامل الرسمي والشعبي
معها. ليس مجال حديثنا في هذا المقال أسباب وجود
الكيان الصهيوني في الاستراتيجية
الغربية ودوافع التحالف المتين بين
الغرب وإسرائيل منذ وعد بلفور إلى
يومنا هذا، فقد وضَّحت هذا بشكل كاف في
كتاب قديم عنوانه "صدام الحضارات:
محاولة للفهم"، ولكن يكفي أن نذكر
هاهنا بأن زرع هذا الكيان في قلب الأمة
العربية والإسلامية هو في حد ذاته من
أجل المصالح الغربية. فبدل أن تبقى
القوى الإفرنجية ترسل حملاتها
الصليبية لمواجهة العالم العربي
والإسلامي (الذي تنظر إليه دوما بأنه
مناقض لحضارتها)، وإيقاف مده وإضعاف
وجوده واستغلال خيراته، وما يتطلب ذلك
من تضحيات وخسائر مادية وبشرية، فإنه
يكفيها أن تُنبت في جسده كيانا غريبا
تعمل على تقويته وتفوُّقه ليقود
المنطقة كلها وفق حلم "مشروع الشرق
الأوسط الكبير" البائد، أو على
الأقل لكي يساهم في تشتيت المنطقة وضرب
استقرارها حتى لا تنهض أبدا. تماما مثل
أن يزرع طبيب ماكر في جسد شخصٍ غافلٍ
جسما غريبا عنه، يجعله في اضطراب دائم،
ويمنعه من النمو والتطور اللازم. لقد
أصبح الشعب اليهودي المُبْغَض أصلا من
قبل الغرب المسيحي- بهذه الاستراتيجية-
أداة لحماية المصالح الغربية في
المنطقة العربية، من حيث يعتقد أنه
يقيم وجوده الديني والحضاري الموهوم
على أرض الميعاد، فهو من يخدم
الاستراتيجية الغربية ابتداء وليس
العكس كما يعتقد الكثير. ليست الأبعاد
الدينية والثقافية التي تفسّر الترابط
الإسرائيلي الغربي سوى أدوات مساعدة
لخدمة المصالح المتبادلة بين نخب
وقادة الشعبين اليهودي والغربي لا غير.
إن تلك الأبعاد العقدية الحاضرة في
مخيلة عوام الشعبين لا ترقى، على
أهميتها، لأن تكون السبب الأول لقيام
الحلف "المدنس" بين الغرب
وإسرائيل، فقد أباد الغربيون بعضهم
بعضا من قبل وهم على دين واحد لما
اختلفت مصالحهم. لقد حاول الغرب أن يشيع ديمقراطية على
مقاسه في العالم العربي في بداية
التسعينيات، ليتخلص من حكام انتهى
دورهم وصاروا عبئا عليه لكثرة فسادهم
وعمق فشلهم وعدم قدرتهم على التحكم في
إفرازاتهم السلبية المتجاوزة للحد
المطلوب والمقبول، كالإرهاب والهجرة
غير الشرعية. فرصد في سبيل ذلك
ميزانيات كبيرة لإعداد أجيال جديدة
على تقنيات النضال الديمقراطي
المتعددة عبر شبكة عريضة من المنظمات
المدنية والإعلامية الحكومية وغير
الحكومية. غير أن استفادة الإسلاميين
من تلك التقنيات وفوزهم في مختلف
الانتخابات التي نُظمت آنذاك في
البلاد العربية أدى بالغرب إلى
التراجع تماما عن مشروعه. وقفل راجعا
لشياطينه المعهودين لديه في مختلف
الحكومات الاستبدادية. لقد كان
الإسلاميون بحق هم الذين فضحوا الزعم
الغربي والأمريكي الكاذب بشأن
الديمقراطية. وها هم اليوم يصعدون مرة
أخرى بتدبيرٍ ساقته الأقدارُ ليس لهم
ولا لأمريكا فيه شيء، فكيف سيكون معهم
مصيرُ أسَاسَيِ المصالح والسلام مع
إسرائيل. هل سيكون تناقض تام بينهم
وبين هاذين الأساسين؟ أم أنهم سيكونون
مثلهم مثل الحكام السابقين يخضعون
للإرادة والاستراتيجيات الغربية
ويتحالفون مع أصحابها تحالفا كليا
ويؤمنون بكل ما كفروا به من قبل في عالم
السياسة؟ أم أنهم سيفرقون بين المصالح
والموقف من إسرائيل فيُفلِحوا في
تفكيك هذا الترابط الذي وُجد ليبقى في
استراتيجيات الغرب؟ هذا الترابط الذي
وُجد لتكون فيه مصلحة إسرائيل هي مصلحة
أمريكا والغرب كله، ومصلحة الغرب
وأمريكا هي مصلحة إسرائيل؟ هل ستحدث
هذه المعجزة الكونية بيد الإسلاميين
كذلك، فيقع التباين بين مصلحة
الصهاينة والغربيين؟ ثم تُفحص بعد ذلك
قضية المصالح بين الغرب والمسلمين
لتكون على أساس العدل لا الظلم، على
أساس السلم لا الحرب، على أساس حرية
الإرادة وكرامة الناس لا القهر
والاستبداد وهضم حقوق العباد، على
أساس التكامل وتبادل
المنافع لا التناقض
والسطو على خيرات
الخلائق؟ قبل الجواب عن ذلك لا بد أن ننظر إلى
تصرفات الغرب تجاه الثورات العربية
حالة بحالة حتى يظهر لنا ما هو المهم
عنده في الواقع الجديد، وما الذي يمكن
أن يحققه في ظل هذا الانقلاب الجذري
الذي وقع في أهم منطقة جيوستراتيجية في
العالم بالنسبة لديه؟، سنتحدث في
المقال المقبل عن تطور الاستراتيجيات
الغربية الجديدة في كل من تونس ومصر
وليبيا واليمن وسوريا، وسنحاول أن
نبحث عن دوافعه في كل قطر من هذه
الأقطار، وفي كل ثورة من ثوراتها وفق
نظرية الأسس الثلاثة التي بنينا عليها
موضوعنا حتى نرى ما الذي سيبقى ثابتا
في العلاقة بين العرب والغرب بعد الثورات
وما الذي سيتغير؟
================= الشرق القطرية التاريخ: 22 ديسمبر 2011 لا يبدو أن نظام الأسد قد وعى الدرس من أن
الحل العربي انما أقرّ لحماية سوريا من
التشطير الطائفي والعرقي، وحماية
الشعب مما يتعرض له من قتل ممنهج
واعتقالات، لكن هذا النظام بدا واضحا
انه لا تهمه دماء المدنيين التي تسيل
منذ أكثر من عشرة أشهر، وفعلا لا تهمه
هذه الدماء ولا يقلقه الاصطفاف
الاقليمي والدولي الى جانب انتفاضة
الشعب السلمية، والأهم هو أن تبقى
عائلة الأسد في الحكم ولو على جماجم
الشعب. ماطل الأسد وناور وما يزال، في تنفيذ
استحقاقات الحل العربي، وراهن حتى
اللحظة على الحل العسكري، وبأن كتائبه
"حماة الديار" وشبيحته من
ميليشيات البعث قد تتمكن من سحق ثورة
الشعب بسفك المزيد من الدماء السورية
الطاهرة التي تطالب بالحريات والعدالة
الاجتماعية، واستمر المنتفعون
والمهللون له في قيادة الدفة
الإعلامية وتزييف الحقائق، فاستمر
وحتى عشية انطلاق بعثة المراقبين
العرب الى دمشق يمارس القمع والتستر
خلف قناع استهداف النظام المقاوم
والممانع بمؤامرة عالمية لإسقاطه
واستبداله بنظام آخر يمرر مشروع
الانبطاح للمخطط الأمريكي الاسرائيلي
وبالتالي التخلص من قضية الشعب
الفلسطيني. يومان فقط مرّا بعد أن وقع مبعوث النظام
السوري "لم يكن وزير الخارجية"
على بروتوكول المراقبين، انتهك في شكل
صارخ التزامه بوضع حد للعنف وسحب قوات
الامن من المناطق السكنية في المدن
والقرى والأرياف، فكيف يمكن الوثوق
بهكذا نظام؟!. ألم يحن الوقت لإنهاء المعاناة والمجازر،
ألم يحن الوقت أيضا لتطبيق كل بنود
الخطة العربية في شكل كامل وفوري،
وبينها الانسحاب الكامل لقوات الجيش
والافراج عن المعتقلين السياسيين
وتسهيل وصول المراقبين ووسائل الاعلام
الدولية الى كل انحاء سوريا؟ هذا السؤال وغيره الكثير من الأسئلة،
نلتمس لها جواباً من هذه الطغمة
الحاكمة في دمشق، والا فان المجتمع
الدولي سيتخذ تدابير جديدة ضد النظام،
وليس تحويل ملف الازمة الى مجلس الامن
ببعيد،اذا لم يتم تطبيق مبادرة
الجامعة العربية في شكل تام ودقيق. ================= علي حماده 2011-12-22 النهار لم يَحُلْ توقيع النظام في سوريا
بروتوكول المراقبين العرب مع الجامعة
العربية دون تكثيفه عمليات القتل
الواسعة في انحاء عدة من سوريا الثائرة.
فسياسة القتل المنظم مستمرة، ودخول
المراقبين سوريا ابتداء من اليوم لن
يوقف القتل بل انه سيحرف مساره قليلا.
فالنظام لا يبتغي الحوار حول التغيير
الشامل ودفن "جمهورية حافظ الاسد"،
كما لا يسعى الى نقاش حقيقي يفضي الى
تنحي بشار الاسد عن السلطة ورحيل
البطانة المحيطة به بما يفتح آفاقا
جديدة لسوريا حرة وديموقراطية. انه
نظام لا يختلف كثيرا عن نظام كيم ايل
سونغ في كوريا الشمالية الذي اورث ابنه
كيم جونغ ايل القيادة، وبوفاة الاخير
قبل يومين ورثها الحفيد كيم جونع اون
ابن الثمانية والعشرين لتكون
الجمهورية الاشتراكية او آخر الكيانات
الستالينية وأشدها التزاما للوراثة
الذرية. وحدها بخلاف كوريا الشمالية
نظمت الجمهورية العربية السورية "الاشتراكية"
النهج وراثة الابن لابيه، فعين بشار
الاسد خلفا لحافظ الاسد رئيسا وقائدا. في كوريا الشمالية المغلقة على العالم
الخارجي، صارت الجمهورية سجنا كبيرا،
وبلغ حد الخناق الامني ان جرى تجويع
ملايين الكوريين حتى الموت في السنوات
الاولى من القرن الحالي في سبيل تمويل
البرنامج النووي الركن الذي يعقد من
المساعي لإسقاط هذه الجمهورية
الظلامية الواقعة على تخوم العالم. اما
في سوريا التي وصفها اول الشهداء كمال
جنبلاط بالسجن الكبير، فيقتل الآلاف،
وبينهم مئات الاطفال كي يستتب ارث حافظ
الاسد بين يدي ابنه، وكي يأتي يوم يرث
فيه حافظ الحفيد بدوره سوريا! ومع ذلك،
فإن جمهوريتي كيم ايل سونغ وحافظ الاسد
النموذجين الوحيدين في العالم
للجمهوريات الوراثية تتقاسمان سمات
الموت. فإلى اي مدى تحاكي جمهوريتا كيم
ايل سونغ وحافظ الاسد سمات العصر
الحالي؟ في اي حال، وبالعودة الى توقيع برتوكول
المراقبين العرب، نقول ان العالم لا
يحمل اوهاماً حول نيات النظام،
فالمجازر التي ترتكب منذ شهور عدة،
والتي تفاقمت في الايام الاخيرة تشي
بحقيقة النظام وطبيعته. فالكلام عن
اعادة تأهيله ضرب من الخيال، والكلام
عن حوار جدي معه يضع سوريا على سكة الحل
وهم كبير. وتصوير بشار الاسد على انه
جزء من الحل نقيض للواقع المحسوس. ان الثورة في سوريا حقيقة دامغة. والعودة
الى ما قبل 15 آذار غير ممكنة. وبعد ما
حصل في الشهور التسعة الماضية من قتل
منظم، وثورة عارمة على الظلم، فإن بقاء
النظام نفسه صار مستحيلا. وكما قلنا في
اكثر من مناسبة، فإن بشار الاسد لن
يكون جزءا من مستقبل سوريا ولو بلغ
الشهداء المئة الف. من هنا اهمية
استمرار الثورة على وتيرتها العالية،
من عمل داخلي واسع، الى حراك خارجي
هادف، فمقاومة على الارض حماية لسلمية
الثورة. جل ما نعرفه هو ان سوريا لن تكون بعد اليوم
الطبعة العربية لكوريا كيم ايل سونغ
وذريته. ================= راجح الخوري 2011-12-22 النهار يحتاج المراقبون العرب الذين سيتوجهون
الى سوريا الى اكثر من شهر كي يتعلموا
السباحة، ليس نزولاً عند نصيحة وليد
المعلم الذي حذرهم من الغرق في
التفاصيل فحسب، بل لأنه صار هناك طوفان
من الدم عشية وصولهم فبلغ عدد القتلى
اكثر من 200 في يومين! واذا كانت مدة البروتوكول الذي وقعته
دمشق، شهرا قابلا للتمديد شهراً
ثانياً فإن وقف القتال وسحب المظاهر
المسلحة واطلاق سراح المعتقلين، عملية
تحتاج الى اكثر من شهرين بكثير بعد
عشرة اشهر من الاضطرابات والعمليات
العسكرية والتدشيم التي شملت اجزاء
كبيرة ومترامية من المحافظات السورية،
ولهذا من المبكر التفكير بانفراج قريب
في الازمة المتعاظمة. وعندما تقول
دمشق انها قبلت التوقيع على
البروتوكول بناء على نصيحة روسيا،
التي قدمت مشروعاً في شأن الازمة الى
مجلس الأمن، فإن هذا قد يفتح الباب
امام المطالبات بتدويل العقوبات.
وعندما تقول إنها ألحقت تعديلاتها
بالمبادرة العربية، فذلك يعطي حججاً
الى المعارضين الذين وجدوا في التوقيع
مجرد فرصة اضافية حصل عليها النظام
للمضي في قمع المعارضين. ان القراءة المدققة في بنود البروتوكول
تدفع الى الشك في امكان نجاح المراقبين
في وقف العنف والدم بعد اشهر من
الاحقاد والكراهيات وتأجيج الرغبة في
الثأر. فالبند الاول يقول ان بعثة
المراقبين التي يؤمل ان يصل عدد
افرادها الى مئة، ستقوم بالمراقبة
والرصد لوقف كل اعمال العنف من اي مصدر
كان، ولكن ليس واضحاً كيف سيتمكنون من
الرصد والمراقبة وهم ليسوا بقادرين
على تغطية محافظة درعا مثلاً! اما البند
الثاني فيقول ان على البعثة ان تتأكد
من عدم تعرض اجهزة الامن السورية وما
يسمى الشبيحة للتظاهرات السلمية، بما
يعني ان النظام سيسمح فعلاً باستمرار
التظاهرات التي قد تأخذ حجماً كبيراً
بعد السماح بالتظاهر بحيث يظهر الحجم
الحقيقي للمعارضة، التي طالما قالت
انها قادرة على تسيير المليونيات اذا
لم يتعرض المتظاهرون للنار! اما عندما يقول المعلم ان للبعثة حرية
الحركة والاتصال والتنسيق مع من تريد
من الافراد والجماعات لكن الحكومة لن
تكون مسؤولة عما قد يتعرض له افرادها
اذا دخلوا الى مناطق خطرة، فإن ذلك
يعني ان هؤلاء قد يجدون انفسهم وسط
دائرة الخطر والنار ومن دون حماية! وعندما ينص البروتوكول على ان للبعثة حق
الوصول الى "الاماكن الساخنة"
وليس الى "الاماكن العسكرية الحساسة"
فلن يكون من الواضح للبعثة ما الفرق
بين حساسية الاماكن وسخونتها! في اي حال، هناك شهر سيكون بمثابة مكتوب
يقرأ من عنوانه، لكن المراقبين قد
يتعلمون مأساة السباحة في الدم وفن
الهرب من النار ايضاً لأن الازمة طويلة
على ما يبدو! ================= هل ينجو النظام السوري
من السقوط؟! ياسر الزعاترة الدستور 22-12-2011 من حق أبواق النظام السوري أن يأخذوا قسطا
من الراحة بعد توقيع مندوب زعيمهم “الثوري”
على “بروتوكول الجامعة العربية”،
لاسيما أن وزير خارجيته لم يعلن
التوقيع وحسب، بل أضاف إليه القول إن
شروط نظامه قد لبيت بالكامل، ولو لم
يحدث ذلك لما تم التوقيع، في محاولة
للإيحاء بأن الأمر قد تم من موقع قوة
وليس من موقع ضعف!! كان يوم توقيع البرتوكول (الاثنين) واحدا
من أكثر الأيام دموية في تاريخ انتفاضة
السوريين، إذ سقط حوالي 120 شهيدا
معظمهم من جنود الجيش المنشقين الذين
وقع العشرات منهم (كما يبدو) ضحية
اختراق أدى إلى إبادتهم من قبل جنود
النظام، وهو ما تكرر في اليوم التالي (الثلاثاء)
أيضا. من الواضح أن جملة من التطورات قد أدت إلى
هذه النقلة في الملف السوري، لعل
أبرزها تراجع الموقف العربي، وميل بعض
أطرافه الفاعلة إلى مسار آخر في معالجة
الأزمة يقترب من السيناريو اليمني. وقد
أشرنا من قبل إلى مواقف تلك الأطراف،
ليس من الملف السوري وحسب، وإنما من
سائر الثورات العربية ، وإن كان لذلك
الوضع تفسيراته التي لا مجال للخوض
فيها هنا. لا خلاف على أن الموقف الروسي والصيني
كانا حاضرين في السياق، إضافة إلى عدم
رغبة الأمريكان والأوروبيين في التدخل
المباشر (دعم واشنطن للمبادرة
العراقية دليل على ذلك)، الأمر الذي لا
يمكن إبعاده عن الموقف الإسرائيلي
الذي مالت معظم مقارباته السياسية
خلال الأسابيع الأخيرة إلى التحذير من
خطورة الوضع العربي برمته بعد
الثورات، الأمر الذي يستدعي وقف
مسلسلها بأي شكل من الأشكال حتى لا
يأتي بمرور الوقت على النظام العربي
القديم برمته، وينتج تبعا لذلك وضعا
جديدا يعبر عن الشعوب التي لا يمكن أن
تعرف بالكيان الصهيوني أو تقبل أي شكل
من أشكال السلام معه، أقله بعد تجاوزها
المحطة الأولى من ثورتها. لن يعترف مناصرو النظام السوري بذلك،
وبالطبع لأنه ينسف مقولة المؤامرة “النفطية
الصهيونية الإمبريالية على نظام
الممانعة”، وسيردون ما جرى إلى عامل
واحد هو تماسك النظام، وقد يضيفون إليه
مع قليل من التردد، دعم إيران ومعها
اتباعها في بغداد وبيروت (حزب الله
تحديدا)، إلى جانب الموقفين الروسي
والصيني اللذين يعيقان أي قرار يمكن أن
يصدر عن مجلس الأمن. في مقابل التحول الجديد ممثلا في توقيع
النظام على المبادرة العربية، كان
المجلس الوطني الانتقالي المعارض يخطو
خطوة إلى الأمام نحو لملمة صفوف
المعارضة عبر ضم شخصيات مهمة إليه،
وذلك في الاجتماع الذي استضافته تونس (الثورة)،
فيما قدم المجلس دعما للجيش السوري
الحر، ليس على قاعدة تأييد عسكرة
الانتفاضة الشعبية، بل على قاعدة
قيامه (أي الجيش الحر) بحماية
المتظاهرين السوريين من رصاص النظام
ما أمكنه ذلك. قبل ذلك كانت تجربة الإضراب تحرز قدرا
لافتا من النجاح، الأمر الذي يبشر
بإمكانية نجاحه بشكل أوسع خلال
الجولات التالية كمقدمة لعصيان مدني
شامل يؤدي إلى إسقاط النظام. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو ذلك
المتعلق بمسار التطبيق فيما يتعلق
بالمبادرة العربية، وما إذا كان بوسع
النظام الالتزام الفعلي بتطبيق بنودها
الرئيسة ممثلة في سحب الجيش من الشوارع
ووقف العنف ضد المحتجين والسماح
بالاحتجاج السلمي. الأرجح بالطبع أن يعجز النظام عن تنفيذ
تلك البنود؛ هو الذي يدرك أن سحب الجيش
من الشوارع ووقف عمليات القتل
والاعتقال والتعذيب، فضلا عن الإفراج
عن المعتقلين سيؤدي إلى تصاعد
الاحتجاجات على نحو تصعب السيطرة
عليه، لاسيما أن أحدا في الشارع (باستثناء
الكتلة المؤيدة للنظام) لا يبدو مقتنعا
بإمكانية التعايش مع نظام فقد شرعيته
الأخلاقية والسياسية بعد كل الذي جرى
منذ اندلاع الثورة. بل إن القائلين
بتوفر تلك الإمكانية ممن يوصفون بأنهم
معارضة الداخل لم يجدوا سوى الرفض من
قبل المحتجين في الشارع. الشارع السوري كسر حاجز الخوف، وبوسعه
الاعتماد على نفسه في مسار إسقاط
النظام مع بعض الدعم من قبل أطراف لا
تجد لها مصلحة في بقائه كما هو حال
تركيا (رغم التراجع الواضح في موقفها
هي الأخرى)، فضلا عن الغالبية الساحقة
من الجماهير العربية، من دون استبعاد
التعويل على موقف عربي وتركي ودولي
جديد ينتج عن استمرار عمليات القتل
والاعتقال. والخلاصة أن النظام ساقط لا
محالة بصرف النظر عن توقيت سقوطه أو
السيناريو الذي سيؤدي إلى ذلك، مع
دعائنا بألاّ تكون الثورة المسلحة أو
الحرب الأهلية هي ذلك السيناريو،
وبالطبع لما يمكن أن تفضي إليه من
دمار، وقبل ذلك من ضحايا لا يبدو أن
الأسد و جماعته معنيون بسقوطها بحال من
الأحوال. ================= العدالة ونظام الحكم
العربي القادم د. علي محمد فخرو 2011-12-21 القدس العربي هناك لغط كثير حول إيديولوجية نظام الحكم
وانتمائه السياسي الذي ستأتي به
انتخابات ما بعد ثورات وحراكات الربيع
العربي في هذا القطر أو ذاك لكن دعنا
نطرح السؤال التالي: هل أن مشكلة الحكم
الأساسية في بلاد العرب تكمن في مسألة
الاختيار بين حكم الليبراليين أم
اليساريِّين أم الإسلامٍّيين ؟ إذ أن
التجربة الإنسانية عبر التاريخ تظهر
أن الشعارات والبرامج التي يطرحها هذا
الحزب أو تعد بتنفيذها تلك الجهة،
بالرِّغم من أهميتها، لا تكفي لضمان
قيام حكم رشيد يرضى عنه الناس. تحتاج تلك الشعارات والبرامج إلى أساس
قيمي أخلاقي تنطلق منه من أجل ضمان
تطبيق تلك الشعارات والبرامج في
الواقع ومن أجل تجنُّب أن تبنى وعود
فارغة أو أكاذيب علاقات عامة سياسية في
فترات الانتخابات. فهتلر طرح شعارات قومية ليبرالية وبرامج
حداثية في الصناعة والعلم
والتكنولوجيا ولكنه كان مستبداً
فاشياً عنصرياً. وستالين أيضاً طرح
شعارات ماركسية وبرامج تغييرات
اقتصادية وعلمية ولكنه كان دموياً
قاسياً بلا ضمير ولا إحساس بعذابات
الآخرين. وكانت النتيجة أن تسبّب الإثنان في موت
الملايين من البشر الأبرياء. ذلك أن
برامجها وشعاراتها، سواء باسم الحزب
النازي في المانيا والحزب الشيوعي في
الإتحاد السوفييتي السابق، لم تكن
موجَّهة ومقيِّدة بالأساس القيمي
الأخلاقي الذي ينبغي أن يقوم عليه كل
نظام حكم. وإذن فالحكم على أيٍّ نظام حكم ستأتي به
انتخابات مابعد ثورات وحراكات الربيع
العربي يجب أن يتجاوز المقارنات
والتفضيلات فيما بين القوميين أو
اليساريين أو الليبراليين أو
الإسلاميين ليطرح السؤال المفصلي : ما
هي القيمة الأخلاقية الكبرى التي
ستهيمن على روح ومنهجية وتنفيذ
الشعارات والبرامج التي طرحها هذا
الحزب أو ذاك إبَّان الانتخابات. هذه القيمة الأخلاقية اختلف من حولها
منظٍّرو علم السياسة عبر القرون، ولكن
على الأخصٍّ خلال القرن المنصرم. وإلى
يومنا هذا فانَّ نقاشات كثيرة وكتب
عديدة تطرح حول هذا الموضوع الشَّائك،
خصوصاً بعد أن تبيَّن مقدار الأخطاء
ونقاط الضَّعف والخطايا المتواجدة في
مختلف أشكال الأنظمة الديمقراطية في
الغرب الرأسمالي. إذ لا يكفي أن يوجد النظام الديمقراطي
ليقوم حكم رشيد، فحتَّى النظام
الديمقراطي يجب أن تحكمه قيمة أخلاقية
مفصلية حتى يتجنَّب في الممارسة
ارتكاب الكثير من الخطايا المظلمة
كالسَّماح بوجود جيوب فقر مفجعة أو
هيمنة أصحاب المال والجاه على حياة
المجتمعات أو وجود انحيازات ضدَّ
المرأة أو تقديم تعليم سيٍّئ للفقراء
وحسن للأغنياء إلخ. .. مما هو موجود في
مجتمعات الغرب الديمقراطي بصورة
يعرفها القاصي والدَّاني وتهدِّد تلك
المجتمعات بالحروب الأهلية
والصٍّراعات الفئوية والطبقيَّة. من يعرفون بالنفعيين يعتقدون بأن هذه
القيمة الأخلاقية يجب أن تكون المنفعة.
فما يعتقد نظام الحكم أنه سيكون نافعاً
ولا يضرُّ أحداً فهو الذي يجب أن يحكم
الشعارات والبرامج. الليبراليون بصورة عامة يعتقدون تساوي
الفرص وحريَّة الإختيار هي القيمة
المطلوبة. فما دام الناس أحراراً في أن
يختاروا لأنفسهم ولنمط حياتهم ومادامت
الفرص مفتوحة أمامهم فانَّ نظام الحكم
معقول. في أرض العرب نحتاج أن نناقش هذا الموضوع
بجديَّة وعمق خصوصاً وأننا على أبواب
الانتقال من أوضاعنا الحالية،
المحكومة بالاستبداد والفساد، إلى نوع
من الأنظمة الديمقراطية. من الضروري أن يعرف الإنسان العربي بأن
مجرِّد الانتقال الى نظام ديمقراطي لن
يكفي، إذ لا بدَّ من قيمة أخلاقية
مهيمنة تحكم تلك الديمقراطية
وتجنُّبنا خيبات الأمل التي واجهت
إنسان الغرب على سبيل المثال. لعلَّنا ونحن تفتِّش عن القيمة الأخلاقية
التي تأخذ دروساً من تاريخنا وتستعين
بثقافتنا الإسلامية المهيمنة على واقع
الإنسان العربي نستفيد من توُّجه
عالمي، بما فيه الغرب الديمقراطي، على
اعتبار أن القيمة الأخلاقية التي يجب
أن تحكم أفكار ومشاريع ومنهجيات كل
نظام حكم هي قيمة العدالة والإنصاف. هذه الحساسيًّة للعدالة لن تكون بالطبع،
عقيدياً غريبة على العرب الذين حملوا
رسالة الإسلام المعروف بدين الحق
والقسط والميزان. المفروض أن العكس هو الصحيح، إذ من
المفروض أن تكون مساهمة العرب، من
منطلق حساسية الإسلام للقسط والميزان
والحق، في النقاشات الدائرة حول قيمة
العدالة المطروحة بقوة في الأدبيات
السياسية العالمية المعاصرة، أن تكون
مساهمتهم كبيرة وغنيَّة. وهذا موضوع سنحاول بتواضع أن نطرقه في
المستقبل ونكتفي اليوم بالتوجًّه
لمفكري الأمة العربية، خصوصاً في حقل
السياسة، بأن يولوا هذا الموضوع،
موضوع القيمة الأخلاقية التي يجب أن
تحكم وتهيمن على نظام الحكم العربي في
كل الوطن العربي، يولوه أهمية كبرى. ======================== الحل العربي الوحيد
الممكن لسورية د. بشير موسى نافع 2011-12-21 القدس العربي في عرف وزير الخارجية الروسي، يعتبر
الموقف الغربي من سورية موقفاً غير
أخلاقي. مشكلة الوزير، الذي تثار حول
انتخابات بلاده البرلمانية الشبهات،
والذي خاضت حكومة بلاده حرب إبادة قبل
سنوات في شمال القوقاز للقضاء على
الجماعات القومية المتمردة على حكم
موسكو، أن الدول الغربية تدين العنف
الذي يمارسه النظام السوري ضد شعبه
وتتجاهل في الوقت نفسه العنف الموجه ضد
النظام. بعد تسعة شهور من اندلاع
الثورة السورية، ثمة عنف متبادل في
سورية الآن. هذه مسألة لم يعد من الممكن إنكارها. ولكن
افتراض التكافؤ بين عنف الدولة وعنف
معارضيها، سواء من حيث الأسباب
والدوافع أو من حيث الدرجة والأهداف،
هو افتراض زائف ومضلل. كان على وزير
الخارجية الروسي، ومن يتحدثون بلغته
ويتبنون خطاباً مشابهاً، أن يتذكروا
أن شهوراً مرت على الثورة السورية كان
فيها العنف من جانب واحد، جانب النظام،
وكان فيها القتلى والمصابون من جانب
واحد، جانب الشعب السوري. طوال تلك الشهور، لم تسمع إدانة صريحة
واحدة للنظام، لا من الخارجية الروسية
ولا من أنصار النظام الآخرين، الذين
يحزنهم اليوم ما يسمى 'عنف الجانبين' في
سورية. وهذا ما يستدعي السؤال حول
حقيقة الدوافع خلف لغة إدانة عنف
الطرفين المتصاعدة. التطور الرئيسي في الأزمة السورية اليوم
هو حركة الانشقاق المتسعة عن صفوف
الجيش السورية. كانت الانشقاقات في
البداية صغيرة ومحدودة، واقتصرت في
أغلب الأحيان على الجنود وضباط الصف
وعدد قليل من الضباط الصغار. ما نشهده في الأسابيع القليلة الماضية هو
انشقاقات كبيرة، تعد بعشرات ومئات
الجنود، وتضم ضباطاً من كافة المراتب
العسكرية، بمن في ذلك ضباط كبار. صحيح
أن حركة الانشقاق عن الجيش العربي
السوري تقتصر في أغلبيتها الساحقة على
الجنود والضباط السنة، وأن أولئك
الذين التحقوا بالجيش السوري الحر هم
كلهم على الأرجح من السنة. ولكن هذه
الظاهرة قد لا تستمر طويلاً، سيما إن
اتضح عجز قوات النظام عن إيقاف حركة
الانشقاق ومحاصرة الدور الذي تقوم به
مجموعات الجيش الحر لحماية المتظاهرين
وأحياء المدن الثائرة. هذا المتغير،
الذي يتجلى في بروز الدور الذي تتعهده
مجاميع الجيش الحر في مختلف أنحاء
البلاد، من حمص وإدلب إلى درعا، ومن
ريف حلب إلى دير الزور، في مواجهة قوات
الأمن وميليشيات النظام ومنع أو تعطيل
مساعيها لإخماد الحراك الشعبي
والاعتداء على الممتلكات، هو السبب
الرئيسي خلف القلق المتزايد في صفوف
النظام وأنصاره. وبالرغم من الاحتمالات المتعددة التي
يحملها هذا التطور لمستقبل الثورة
السورية، فليس ثمة شك أنه يعيد التوكيد
على عجز النظام عن إخماد رياح الثورة،
بعد أن عجز طوال شهور من القمع الدموي
عن محاصرة الحراك الشعبي ومنعه من
الاتساع. أحد الاحتمالات التي يحملها بروز دور
الجيش الحر هو بالطبع أن تصل حركة
الانشقاق إلى انهيار أداة النظام
العسكرية أو إضعافها إلى حد كبير، بحيث
يصبح من الممكن أن تتصاعد الحركة
الشعبية، حجماً وجغرافية، إلى أن تؤدي
في النهاية إلى سقوط النظام. ما يتضح في سورية، كما سبق أن اتضح في معظم
دول أوروبا الشرقية في مطلع
التسعينات، وعدد من الدول العربية
التي خاضت تجربة التغيير في الشهور
القليلة الماضية، أن المؤسسة الأمنية،
مهما بلغت من عدد وعدة ووسائل، لا يمكن
أن تصمد طويلاً أمام ثورة شعبية.
المؤسسة العسكرية هي جدار أنظمة
الاستبداد الأخير وهي أداته الصلبة في
مواجهة شعبه، وعلى نمط سلوكها وتصرفها
يعتمد مصير الثورة. وكلما كان الانحياز
للجيش السوري الحر أكبر، كلما اقتربت
لحظة انهيار النظام وانتصار الشعب.
ولكن مخاطر انهيار الآلة العسكرية لا
تقل عن الوعود التي يحملها هذا
الانهيار. فسورية دولة مواجهة عربية،
ومهما كان سجل الجيش العربي السوري في
الشهور التسعة الماضية، فسورية في
حاجة ملحة للحفاظ على مقدراتها
العسكرية بعد انهيار النظام وتولي
الشعب مقاليد أمره. سورية الحرة لن
تغادر جغرافيتها، وستترتب على الدولة
السورية الجديدة من المسؤوليات ما
يتطلب أن تحافظ البلاد على مستوى ضروري
من الاستعداد العسكري لإيقاف من تسول
له نفسه باستغلال فترة الانتقال
القلقة. ومن الصعب في مثل هذا المناخ من
العنف الهمجي الذي تمارسه أجهزة
النظام توقع المصائر التي يمكن أن يفضي
إليها انهيار آلة النظام العسكري فيما
يتعلق بمقدرات الجيش السوري، خاصة
الأسلحة التقليدية المتطورة منها،
إضافة إلى سلاح الجو. في حالات سابقة،
مثل الثورة الإيرانية في 1979، ورث
النظام الثوري الجديد المقدرات
العسكرية للنظام السابق كما هي
تقريباً، نظراً لأن فترة انهيار الآلة
العسكرية لنظام الشاه وشللها كانت
قصيرة جداً. الاحتمال الثاني أن تصل حركة الانشقاق
إلى سقفها بدون أن تؤدي إلى انهيار أو
شلل آلة النظام العسكرية، وأن يسعى
الجيش السوري الحر إلى تعويض الخلل
الكبير في ميزان القوة باللجوء إلى
تجنيد أعداد كبيرة من المتطوعين؛
بمعنى تسارع عجلة تسلح الشعب السوري في
مناطق الثورة الرئيسية، التي تتعرض
لهجمات مستمرة من قوات النظام وأجهزة
أمنه. سينجم عن مثل هذا التطور تصاعد
مطرد في معدلات العنف المتبادل. ولأن
للأزمات منطقها الخاص، الذي سرعان ما
ينفصل عن إرادات أطراف الأزمة
الفعالة، فليس من المستبعد أن يتحول
هذا العنف إلى عنف أهلي واسع النطاق.
نظام يسيطر على مقدرات سورية منذ أربعة
عقود لا يمكن أن يكون بلا أنصار،
وبأعداد ملموسة، يقاتلون دفاعاً عن
بقاء النظام بدوافع طائفية أو مصلحية،
أو خشية من حساب محتمل على سجل ثقيل
الوطأة. هذا هو الاحتمال الأكثر خطراً
على مستقبل سورية والثورة السورية،
ليس فقط لأنه الاحتمال الذي يستبطن
انقساماً أهلياً، سيصعب تجاوزه حتى
بعد مرور سنوات عديدة، بل لأنه أيضاً
الاحتمال الذي يفتح أبواب سورية
للتدخل الخارجي. ثمة جدل كبير، داخل سورية وخارجها، يدور
الآن حول سيناريوهات التدخل الدولي في
الأزمة السورية، جدل يطلقه النظام
وأنصاره، وآخر تطلقه بعض الشخصيات
المعارضة. الحقيقة التي لا يجب تجاهلها في تقدير
الموقف من الأزمة السورية أن طرفاً
إقليمياً أو دولياً لم يقرر حتى الآن،
ولا يبدو أنه يستعد، للتدخل العسكري
المباشر في الشأن السوري؛ لا
الأمريكيين ولا الأتراك ولا أيا من
الدول الأوروبية الرئيسة، بالرغم
الشائعات والتوقعات المتداولة. الأسباب خلف هذا الإحجام عن التدخل
العسكري المباشر عديدة، ولكن السبب
الأهم أن الثورات الشعبية لا يجب أن
تستدعي أصلاً تدخلاً عسكرياً دولياً.
ما تبقى من سيناريوهات التدخل يتعلق
بدعوة المجلس الوطني السوري المجتمع
الدولي للقيام بواجبه في حماية
المدنيين من القتل اليومي ووحشية
أجهزة النظام الفاشستية. هل ثمة طريقة لحماية المدنيين بدون تدخل
خارجي عسكري؟ وهل يمكن بالفعل التوصل
إلى توافق دولي على هذه الطريقة؟ هذه
على الأرجح بعض من الأسئلة التي
تتداولها الأطراف المعنية الآن، والتي
لا يبدو أن من الممكن التوصل إلى إجابة
سريعة عليها. اندلاع حرب أهلية هو شأن آخر مختلف
تماماً؛ إذ أن انحدار الوضع السوري نحو
هذا الاتجاه، سيدفع العديد من الأطراف
للتدخل بدون أن تضطر إلى التعامل مع
هذه الأسئلة، ابتداء من دول محيط سورية
العربي، من تركيا وإيران، وصولاً إلى
أطراف دولية تسعى لتعزيز نفوذها في
سورية ما بعد النظام والحرب الأهلية. ووسائل التدخل في الحروب الأهلية لا تعد
ولا تحصى، كما أظهرت الحرب الأهلية
اللبنانية من قبل. ولأن سورية مفتاح
الشرق وفي القلب منه، فإن عدد
المتدخلين قد يفوق كل تصور. وتعود
سورية مرة أخرى، ولسنوات طويلة ربما،
إلى مجرد ساحة لصراعات القوى، بدون أي
دور أو فعالية تذكر. هذا، إن لم تؤد
الأزمة السورية حينها إلى حرب إقليمية
واسعة النطاق، يتداخل فيها الطائفي
والقومي، والمطامع والمثل. بالرغم من أن أحدهما قد يقل سوءاً وخطراً
عن الآخر، لابد أن يطلق كلا الاحتمالين
مخاوف عربية جمة، وأن يحمل العرب
مسؤوليات مضاعفة تجاه سورية والشعب
السوري. وليس ثمة شك، بالرغم من اتهامات النظام
المتكررة، أن الدول العربية لا تريد
لسورية أن تنتهي ساحة للتدخل الأجنبي
أو أن تخرج، لزمن طال أو قصر، من معادلة
القوة العربية والإقليمية. ولكن
التحرك العربي حتى الآن لم يصل بعد إلى
مستوى المخاطر التي تستبطنها الأزمة
السورية أو المخاوف التي يمكن أن تنجم
عن تفاقمها. من أجل حل عربي جاد وفعال، لابد أن ترى
الدول العربية حجم العنف الهمجي الذي
أطلقه النظام ضد شعبه طوال الشهور
التسعة الماضية، وأن ترى تصميم النظام
على المضي في طريق مغالبة شعبه بدون أي
اعتبار لمسؤولياته أو للقيم المتعارف
عليها في عالم اليوم. لابد أن تدرك
الدول العربية أن هذا النظام قد فقد كل
شرعية ممكنة لأي حكم حديث، وأن من
المستحيل أن يستمر في السيطرة على شؤون
سورية والشعب السوري. الحل العربي الوحيد الممكن للأزمة
السورية لم يعد البحث عن كيفية عقد
حوار بين النظام والمعارضة، بل تهيئة
الظروف لبدء مفاوضات جادة وسريعة حول
أسلم وأقصر وأنسب الطرق لانتقال
السلطة إلى حكومة تمثل الشعب السوري
وتعكس إرادته. بهذا فقط يمكن حماية
سورية، وجوارها العربي، من الخطر،
والحفاظ على دور سورية من الانهيار. ' كاتب وباحث عربي في التاريخ
الحديث ================= الحراك الشعبي في
الانتفاضات العربية: مثقف فارغ..
تابع.. خائف من التغيير هشام البستاني 2011-12-21 القدس العربي اتسم الموقف من احداث الانتفاضة السورية
لدى البعض من جمهور المثقفين، وخصوصاً
البعض من قياديي رابطة الكتاب
الاردنيين، بالانفصام والتبعية. فهم
لطالما شخصوا النظام الرسمي العربي (وبدون
استثناءات) على أنه العقبة الرئيسية في
وجه مشروع التحرر العربي، ولطالما
حلموا بلحظة تاريخية تنتفض فيها
الشعوب العربية على حكامها غير
الشرعيين، آخذة زمام المبادرة بيدها،
كاسرة اللعنة التاريخية التي لاحقت
هذه الشعوب في ماضيها البعيد والقريب
بأنها شعوب لا تثور وبأنها خانعة
بطبيعتها. وعندما انتفضت هذه الشعوب
كاسرةً أغلالها، صار هؤلاء أنفسهم
يُنظّرون بأن الشعوب ليست إلا كتلةً من
الدمى التي تنفذ مشاريع لقوى خارجية. المنطقة العربية (طبعاً) غير معلقة في
الفراغ، وهي جزء من العالم الذي تسوده
قوى كبرى لها مصالح وتتدخل في العالم
طوال الوقت: منذ خروج الرجل الابيض في
مشروعه الاستيطاني في 'العالم الجديد'،
إلى تقسيم المستعمرات القديمة، وحتى
حروب التدخل في فيتنام وكولومبيا
وهاييتي والانقلابات الدموية على
الانظمة التقدمية المنتخبة
ديمقراطياً في أميركا الجنوبية وصولاً
إلى العراق. الانتفاضات العربية لم تخترع القوى
العظمى، ولم تخترع التدخل الخارجي.
هذان العاملان كانا موجودين طوال
الوقت قبل الانتفاضات وبعدها، بل أخذا
شكلهما الأكثر تركيزاً وتكثيفاً في
صيغة النظام الرسمي العربي التابع
بالكامل للخارج والممثل الأكثر حدة
لمفهوم التدخل الخارجي. النظام السوري (مثلاً) لا يخرج أبداً عن
هذه القاعدة: فهو يعترف بشرعية 'إسرائيل'
على حدود ال67، وذهب الى مؤتمر مدريد
للسلام مع الصهاينة، ولا مانع لديه من
توقيع معاهدة سلام معهم، وشارك في غزو
العراق تحت القيادة الأمريكية في حفر
الباطن عام 1991، وشارك في مجزرة مخيم تل
الزعتر في لبنان، وتحالف مع إيران (وهو
النظام القومي العربي كما يعرّف نفسه)
ضد العراق في الحرب العراقية
الايرانية، وتحالف كثيراً مع القوى
الانعزالية اللبنانية المتحالفة مع
اسرائيل ضد القوى التقدمية ومنظمة
التحرير الفلسطينية في الحرب الأهلية
اللبنانية، ومثل هذه الأمثلة الكثير
الكثير. كيف لمثقف أن يقفز فوق كل هذه
الحقائق، ويقفز فوق مواقفه السابقة،
وتحليلاته الموضوعية، ومشروعه
التاريخي، ليصبح مدافعاً عن نظام هو
فوق ذلك كله: طائفي، وفاسد، وقمعي؟. مثل هذا المثقف المدّعي خائف. خائف لأنه
فارغ. خائف لأن لا شيء لديه ليقدمه بعد
أن انهار العالم المحيط به كما خبره
وعرفه في ظل النظام العربي الرسمي، ولا
إجابات لديه ليقدمها. ولأنه خائف وفارغ:
فهو يريد أن يوقف حركة التاريخ، ويوقف
الجماهير المتقدمة عليه باستمرار،
لذلك فهو يشدّها باستمرار الى الوراء
بدلا من أن يُعمل عقله للارتقاء
بالواقع الجديد الذي لطالما حلم به،
ويريد أن يبيعنا أن رجعيته هذه هي
تقدمية. المثقف هو حالة ضميرية، حالة كاملة
الاستقلال عن الانظمة، حالة تتجسد فيه
الحرية ككلية لا تتجزأ. ومثل اولئك
الذين ارتضوا لأنفسهم مواقع التبعية
والتلوّن والتبرير والتحوّل إلى أبواق
ليسوا 'مثقفين' بهذا المعنى. والمضحك
أنهم يفذلكون مواقفهم باسم 'الواقعية
السياسية' نفسها التي أدانوا الأنظمة
على أساسها عندما ذهبت هذه الأخيرة (أي
الأنظمة) لتوقيع معاهدات الاستسلام مع
الكيان الصهيوني. المثقف حالة استشرافية، مستقبلية، لا
تلعب السبع ورقات، ولا تقدم التنازلات
التكتيكية، تلك يفعلها السياسي الباحث
عن موقع. المثقف لا يبحث عن انسجام مع 'الرأي
العام'، تلك يفعلها السياسي الباحث عن
الأصوات، والمثقف غالباً ما يكون
متصادماً مع الرأي العام لأنه يتحدث عن
مستقبل: عن عدالة اقتصادية واجتماعية،
عن حريّات اجتماعية وسياسية كاملة غير
منقوصة، عن بنى جديدة تقام على أنقاض
القديم. فليراجع جرامشي اولئك الذين يكذبون باسمه
كل يوم. المثقف لا يكذب. المثقف ينسجم
مع نفسه: لا يقول أنه معارض للحكومة
الفاسدة ومن ثم يأخذ أموالاً بمئات
آلاف الدنانير من نفس الحكومة الفاسدة
ما بين دعم نشر ومكافآت لجان وإيجار
مقر ودعم مؤتمرات، ويجتمع ليل نهار مع
رموزها وقياداتها. فليجيبنا هؤلاء 'المثقفون العضويون': من
يدفع أجرة مقر رابطة الكتاب الأردنيين
(التي يرأسها حالياً أحد عُتاة 'المعارضين')
البالغة ما يقارب الثلاثين ألفاً من
الدنانير؟ من يموّل مجلة الرابطة
ومؤتمراتها؟ كيف يقبل رئيس سابق
للرابطة خمسة عشر ألف دينار أردني هي
قيمة جائزة التفرغ الابداعي من
الحكومة التي يقول أنه 'يعارضها' لأنها
فاسدة؟ بل كيف يقبل هذا المبلغ وهو على
رأس موقعه رئيساً للرابطة؟ وكيف تقبل
إحدى العضوات السابقات للهيئة
الإدارية أموال نفس تلك الجائزة وهي
تدّعي أنها مُعارِضة، وفوق كل ذلك تأخذ
تلك الأموال وهي لا تزال على رأس عملها
في عيادتها الخاصة بينما تنص تعليمات
التفرّغ الابداعي بوضوح على ضرورة
التفرّغ وعدم ممارسة أي عمل يدرّ دخلاً
ثابتاً؟ أليس في تلك الأمور شبهات فساد
واضحة؟ صدّع رؤوسنا أولئك المدّعون عن علاقة
الثقافة بالسياسة، وهم ليسوا إلا
مناورين على الكلمات والمفاهيم،
فعلاقة الثقافة بالسياسة هي علاقة
كاملة، مثل علاقة الثقافة بكل شيء آخر.
فالثقافة ترتبط ب وتتفاعل مع كل
الظواهر والمفاهيم مع العلوم
والاقتصاد والاجتماع والجنس والدين
وبالتأكيد: السياسة. لكن علاقة الثقافة
مع السياسة لا يجب أن تكون علاقة
تبعية، ولا يجب أن تكون علاقة نفعية أو
انتهازية كما يحصل الآن، بل هي علاقة
ضميرية كما قلت سابقاً، علاقة
استشرافية مستقبلية، تصادمية مع الوضع
القائم. قد يكون من خطايا السياسي الكبرى تعامله
مع 'الأمر الواقع'، وتغيّره 'التكتيكي'،
ومحاولة وصوله إلى أكبر قدر من
التوافقات مع الآخرين، وحصوله على
القبول العام، المثقف لا علاقة له بكل
ذلك: المثقف يعبر عن موقف حاد وضميري،
وهو معنيّ بإحداث التغيرات الاجتماعية
الكبرى لا الانسجام مع ما هو قائم،
معني بالنقد لا بالتوافق. ولهذا فإن ما
نشهده في ساحتنا الثقافية يؤشر الى أن
لا علاقة لها بالثقافة (أو على الاقل:
بهذا المفهوم عن الثقافة) لا من قريب
ولا من بعيد، وأغلب مدّعي الثقافة هم
انتهازيون متلوّنون لا ينسجمون مع
ذواتهم. ولأن المثقف الضميري غائب، ولأن من يحل
محله الآن هو السياسي الانتهازي، فأن
ما يسمى ب'الحراك الاصلاحي' في الأردن
قد أخذ هذا الشكل بلا مواربات في إطاره
العام، لأن من يقوده (بوضوح أحياناً
وبمواربة أحياناً أخرى) هو السياسي
الانتهازي، لا الايديولوجيا ولا البنى
المعرفية ولا الدافع الطبقي ولا الحزب
الثوري ولا المثقف الضميري الثوري. الحراك في الانتفاضات العربية، وتحديداً
في تونس ومصر واليمن وسورية، جاء
شعبياً، ورفع شعاراً واحداً واضحاً لا
لبس فيه هو: إسقاط النظام. الحال في
الأردن لا يشبه هذا، فالحراك الشعبي
ليس شعبياً في حقيقته، بل هو نخبوي:
مجموعة من النخب التي تحاول ان تصنع
لها شارعاً أو تدفع الشارع الى السير
خلفها. من جانب آخر فإن هذه النخب لا
ترفع شعارات واضحة، بل تنادي بشعارات
ملتبسة لها أكثر من تعريف أو تأويل،
وتتقاطع أغلبها مع الخطاب الرسمي
للسلطة السياسية: فالاصلاح السياسي
تفسره كل مجموعة بشكل مختلف، وكذلك
الامر في موضوع مكافحة الفساد وتعريف
الفاسدين، وكذلك موضوع الهوية (أردني/فلسطيني)
الذي يُنتَج مرّة بعد مرّة للعمل على
استمرارية شرخ الجسم الاجتماعي داخل
الاردن لمصلحة استمرار هيمنة السلطة
السياسية بصفتها حاجزاً وضامناً لجميع
'الأجزاء'. هذا ليس حراكاً للتغيير ولا يمكن أن يكون
كذلك وهذه أبجدياته، وما يحصل في
الأردن على مستوى الشارع هو صراع على
الكراسي لن يؤدي الا الى تغيير في
اسماء الجالسين عليها. هذا ليس حراكاً
شعبياً للتغيير الحقيقي بل هو حراك
نخبوي لاستعادة مقاعد في السلطة مع
الحصول على حزمة قليلة من 'المكتسبات'
التي ستعمل على المزيد من التنفيس
الشعبي لفترة قادمة كما حصل بعد هبة
نيسان 89 واحداث الخبز 96. ================= سورية: مؤشرات نهاية
العهد وإشكالات المبادرة العربية الخميس, 22 ديسيمبر 2011 عبدالوهاب بدرخان * الحياة خلال الشهور الماضية، تداخلت مسارات عدة
في السعي الى معالجة الأزمة السورية،
تدافَعَ أشقاء وأصدقاء لإيجاد مخارج،
فكان أن لمسوا ما لم يكونوا يعرفونه عن
نظام دمشق، ثم أدركوا أنه أغلق كل
السبل والمنافذ أمامهم، ليس لديه سوى
القتل اليومي وبعضٍ من كلام في كلام
ينثره رئيسه ليقول الأشياء نفسها التي
لا يصدّقها أحد. كان المسعى العربي انطلق من توافق على
تجنب التدويل، لئلا يقود الى سيناريو
ليبي، أي الى تدخل عسكري خارجي بحكم
الأمر الواقع. لكن النظام، المطمئن الى
إقفاله باب التدويل عبر الفيتوين
الروسي والصيني في مجلس الأمن، أراد
أيضاً أن يعطّل التعريب أو يفرغه من أي
فاعلية، فانخرط في مراسلات التسويف
والثرثرة، الى أن جاءه الإنذار،
فالعرب لن يستقيلوا من الملف بل قد
يحيلونه الى مجلس الأمن. لم يعد للنظام
وقت يربحه بالمماطلة، لكنه قد يشتري
بعض الوقت بإظهار الرضوخ وقبول
المبادرة العربية ثم إغراقها في
التفاصيل بغية احتوائها. يوم الجمعة الماضي استهلّ الشهر العاشر
للانتفاضة بحشود استثنائية. كانت
الرسالة أن الشعب لم يتعب، ولم يعد
لديه «ترف» أن يتعب. على العكس، أبان
النظام علامات إنهاك ووهن، إذ يجرجر
الحل الأمني ويتنقل به، مؤكداً فشله
الراسخ في إنهاء المأزق. وبات المشهد
واضح البلاغة: جموع تهتف وتغني وترقص
لتستهين بالموت وتعمّق تضامن أفرادها
مقابل فرق الأمن و «الشبيحة» وهي تستعد
لوجبة دموية أخرى. لم يستطع النظام طوال الشهور العشرة أن
يمرر اسبوعاً أو يوماً واحداً من دون
اراقة دماء وتنكيل بالمواطنين، وإلا
لكان تأهل واستحق أن يفتح معه حوار.
كلما قتل تدنو نهايته، وكلما توحّش يضع
نفسه على سكة الرحيل. في الأيام
الأخيرة ازداد الانطباع بأن النظام
يعيش نهاية عهده. حاول البعض، وبينهم
من يعتبرهم النظام أعداءً، انقاذه فلم
يسهِّل الأمر عليهم، وحاول القريبون
ولم يُفلحوا. لم يعد يوجد من يتصوّره
جزءاً من الحل، أما أن يكون الطرفَ
الذي يدمّر البلد فهذا كل ما يستطيعه. من الواضح أن هذا النظام فقد بوصلته
السياسية وأقفل عقله دون أي مساومة على
بقائه أو على شيء من البقاء تقليصاً
للخسائر والمخاطر. يئس المجتمع الدولي
من مخاطبته، فيما تدير شعارات يوم
الجمعة تواصلاً وتفاعلاً بين الداخل
والخارج. آخرها كان «الجامعة العربية
تقتلنا»، وقبلها «المهلة العربية
تقتلنا»، وفي المرّتين استجابت
الجامعة، أولاً بتجميد عضوية سورية،
وثانياً بالتأهب لإحالة الملف السوري
الى مجلس الأمن. ما عنى أن التخاطب مع
النظام بلغ نهايته، مع مهلة نهائية
لتوقيع «بروتوكول المراقبين» الذي
يشكل مجرد عنوان لرزمة خطوات، من وقف
القتل الى سحب الآليات العسكرية الى
اطلاق المعتقلين الى دخول الاعلام
الخارجي، فالمبادرة العربية ليست «مراقبين»
فحسب، بل هي تتوّج إجازة التظاهر
السلمي الحرّ الذي من شأنه أن ينهي
النظام، فهذا هو منطقها وإن لم يكن
هدفَها المعلن. ثم إنها تريد الانتقال
بسرعة، اذا تحقق «وقف العنف»، الى حوار
وطني يستلزم أن تكون المعارضة قد
تبلورت أكثر وتزودت ببرنامج سياسي
واضح المعالم. شكّل لقاء أطياف المعارضة في تونس، عدا
رمزية المكان وصدفة مرور عام على غضبة
محمد البوعزيزي، محاولة حاسمة لتوحيد
الصفوف. كان الكل مقتنعاً بأن هذا
اللقاء مفتاحياً، لأن الاستمرار مع
التشرذم يضيّع تضحيات الناس على الأرض
والفرصة السانحة للتغيير، ولأن
استعصاء «البديل» الوطني-الشعبي يوطّد
مكانة النظام بديلاً لنفسه، وأخيراً
لأن غياب البديل يحبط كل المساعي
الدولية. لم يشعر المعارضون يوماً كما
شعروا في تونس بأن ساعة النظام صارت
وشيكة. فإذا استحال عليهم أن يستعدّوا
لتلك اللحظة فإن أقل ما يقال عندئذ
أنهم ليسوا على مستوى المهمة، اذ ان
العالم الذي يعاملهم كما لو أنه اعترف
بهم يريد أن يصدّقهم ويعتمدهم ويجهر
بهذا الاعتراف. أجواء الأمل والجدية التي هيمنت على لقاء
المعارضة كانت على طرف نقيض من المناخ
الثقيل الذي أرخى بأخباره السيئة على
الحلقة الضيقة للنظام، هنا جلست شلّة
القتلة تتداول في حصيلة الدم لذلك
اليوم وتتكهّن في ما يعنيه تململ موسكو
في موقفها المؤيد للنظام أو في
احتمالات «مفاجأة» قد تكون اللجنة
الوزارية العربية بصدد طبخها. كل
المعلومات تدعو الى القلق، ويجب
التهيؤ لخسارة روسيا، ولا بدّ من تفعيل
الدور الجزائري لإقصاء أي تصعيد عربي،
ولا بأس بتوظيف «الوساطة العراقية»
ذاك الوافد الجديد الى أوحال الأزمة.
بالنسبة الى هؤلاء، لا خوف على النظام
طالما أنه لا يزال يقتل... أما هناك، في
تونس، فلمّت القاعة شمل سوريين لم يسبق
ولم يتح لهم أن يلتقوا ولا مرة تحت أي
سقف في الوطن أو في المنفى طوال ما يقرب
من نيّف وأربعين عاماً. مهما تعارفوا
سيظلّون يتعارفون الى حين، ومهما
اتفقوا سيظلّون يختلفون الى حين،
فهؤلاء يتعرّفون الى أنفسهم والآخرين
فيما هم يصنعون لبلادهم مستقبلاً.
كانوا هناك جميعاً، من كل طائفة أو
مذهب أو ملّة، وكانوا يتحادثون بحرّية
وبلا خوف من عسس أو مخبرين. بالنسبة الى
هؤلاء لا خوف على الانتفاضة طالما انهم
اجتمعوا ليعلنوا أن الشعب يقرر مصيره
بنفسه مثلما هو ماض في رسم مصير النظام. في القريب العاجل لن يبقى، بل لعله لم
يبقَ لهذا النظام من يراسله سوى «الحليف»
الايراني الذي بدأ يبحث هو الآخر عن
مخارج وصيغ للتعامل مع الخسارة الآتية
لا محالة. أما «الصديق» الروسي فيبدو
أنه بلغ حال الضيق والملل من صديق لا
يريد أن يساعد نفسه رغم أنه لم يعد يملك
عوامل تمكِّنه من العناد. وأما العراق،
فدعك من العراق، انه يتخذ متأخراً
وضعية من يريد احتضان النظام السوري
فيما ينفضّ عنه الجميع، وهو مثل روسيا،
يتبنى المبادرة العربية لكنه يحاول
تزويجها الى سيناريو يقتبسه من
المبادرة الخليجية لليمن، ولا يستطيع
ادارته وحده. قد يكون حصل على ضوء
اميركي أخضر للمضي بهذا السيناريو،
وربما ايضاً على موافقة ضمنية
ايرانية، لكن دمشق برهنت أنها لا
تتعامل إلا مع ما يضمن بقاء النظام ولا
تقارب أي بحث في خروجٍ أو لجوءٍ أو حتى
رحيلٍ «آمن» للنظام ولرأسه، ليس بعد،
وقد تضطر قريباً الى ذلك لكن بعد فوات
الأوان. في أي حال، تبدو المبادرة العربية
الوحيدة المتكاملة، بنصّيها الأصلي
المفصّل والآخر المعدّل والمختصر،
سواء بقيت عربية ومال النظام الى
التعامل معها آملاً باحتوائها لاحقاً،
أو اذا لبست ثوب التدويل ليصبح رفضها
مبرراً في نظر النظام، من قبيل
الاستمرار في ما يسمى «الممانعة». * كاتب وصحافي لبناني ========================= د. عمّار علي حسن الاتحاد تاريخ النشر: الجمعة 23 ديسمبر
2011 يلملم عام 2011 أوراقه، لكنه لن يضعها هذه
المرة على أرفف الزمن، ولا في سلة
المهملات التي طالما جمعت نثار أعوام
وسنين عربية عجاف، كانت كئيبة ومقبضة
إلى درجة أن شاعراً عربياً كبيراً
وشهيراً هو نزار قباني وجد نفسه يصرخ
ذات يوم في بكائية طويلة حملتها قصيدة
"متى يعلنون وفاة العرب". الآن
يولد العرب من جديد، أو لنقل إنهم
يثبتون للبشرية كلها أنهم لا يزالون
أحياء، وأن بوسعهم أن يقدموا
للإنسانية شيئاً جديداً. والجديد هذه المرة ليس نكبة ولا نكسة أو
هزيمة ولا جريمة تلصق بهم كما حدث في 11
سبتمبر وإنما هو حركة تعيد صياغة
التاريخ وتسقط الكثير من المقولات
الجاهزة والمعلبة والصور النمطية
الكاذبة والمغلوطة التي طالما رسمها
أعداء العرب باقتدار في مخيلة الناس
ابتداء من الحروب الصليبية، وانتهاء
بموجات الإرهاب التي بلغت مداها مع
تنظيم "القاعدة"، مروراً
بالدراسات الاستشراقية التي إن رامت
علماً ومعرفة تارة أو مرة فقد استهدفت
التمهيد والتجهيز لحركات الاستعمار
مرات وأطواراً. الجديد هذه المرة هو "الثورات" التي
لفتت انتباه العالم إلى العرب، وأسقطت
الكثير من الأوهام والخرافات حول "الثقافة
الإسلامية"، فالكثيرون أشاعوا أن
سلبية العرب تعود إلى ما خلفته الثقافة
المستمدة من الإسلام في عقولهم
ونفوسهم من رواسب تحض على الخضوع
والخنوع، مرة نتيجة الاستسلام
للغيبيات وإعطاء القدر مساحة أكبر في
تقرير المصائر وتحديد المسارات، ومرة
نتيجة الأحكام والمقولات الفقهية التي
توجب "طاعة ولي الأمر" حتى ولو "جلد
ظهر الرعية"، ومرة بفعل الخوف من
الفتنة بفهم يعود إلى مقولة "ستون
عاماً من سلطان جائر خير من ليلة واحدة
بلا حاكم" أو "سلطان غشوم ولا فتنة
تدوم"، ومرات بفعل تاريخ من القهر
أوصل شاعراً عربياً عظيماً مثل محمود
درويش، أن يقول ذات مرة "حريتي أن
أوسع زنزانتي". والثورات العربية ليست بدعة ولا شيئاً
جديداً في تاريخ الإنسانية، فالبشر
عرفوا الثورات منذ تلك التي وقعت ضد
الملك بيبي الثاني في مصر القديمة وحتى
الثورات البرتقالية في دول أوروبا
الشرقية، ولكن الجديد هو أن العرب
ثاروا هذه المرة على حطام مستبدين
فاسدين طلباً للحرية والعدالة
والكفاية، وليس على غزاة احتلوا
العالم العربي وكان لابد من إجبارهم
على أن يحملوا كل عصيهم ويرحلوا.
والجديد أيضاً هو النموذج الذي قدمته
الثورتان التونسية والمصرية على وجه
التحديد. فالأولى جرت بعيداً عن أعين
الكاميرات ولم يكن أحد يصدق أنها ستنجح
وتبلغ أهدافها. والثانية أهدت البشرية
تكتيكاً مغايراً في فن الاحتجاج
السلمي، يختلف اختلافاً جذريّاً عن كل
الأساليب التي وضعها عالم السياسة
الأميركي جين شارب، والتي ظلت وستظل
تقدم إرشادات للبشر في كيفية تحويل
الغضب المنظم إلى طاقة إيجابية هائلة
من أجل التحرر والتقدم. ولهذا يبدو هزيلاً وهزليّاً ذلك القول
بأن الثورات العربية صناعة أجنبية، أو
تم تدبيرها في معامل المخابرات
الغربية أو أنها جزء من سياسة "الفوضى
الخلاقة" التي بشرتنا بها وزيرة
الخارجية الأميركية السابقة
كوندوليزا رايس. ويبدو سخيفاً ذلك
الحديث المغرض الذي يقول أصحابه إن
الطليعة الثورية العربية تدربت وتجهزت
في الغرب وكان ما تقوم به مدروساً
ومخططاً له. وفي الوقت ذاته يبدو
تحاملاً وجهلاً ما يسوقه البعض عن
ارتباط هذه الثورات بمنظومة القيم
الغربية أو بوسائط التقنية الحديثة
والاتصالات العصرية التي اخترعها
الغرب. فالحرية والكفاية والعدالة
ليست قيماً غربية وإنما هي قيم إنسانية
عامة تحملها الأديان والمذاهب
والفلسفات والتيارات الفكرية
والحركات السياسية والاجتماعية في كل
زمان ومكان. واستخدام العرب لوسائل
الاتصال الحديثة "الفيسبوك" و"التويتر"
و"اليوتوب" في التعبئة والحشد
لهذه الثورات هو أمر لم يعتقد فيه أو
يتوقعه حتى أولئك الذين اخترعوا هذه
الشبكات الاجتماعية الافتراضية. لقد أسقطت الثورات العربية أيضاً بعض
التصورات التي شاعت في العلوم
السياسية والاجتماعية عن "نهاية عهد
الثورات"، والتي قامت على مقولات
متسرعة رأى أصحابها أن "صندوق
الانتخاب" بات بديلاً للثورة، لأن
الشعوب بوسعها أن تغير حكامها في
عمليات منتظمة ومحددة إذا وجدت فيهم
تقاعساً عن الإنجاز أو فساداً
واستبداداً، ونسي هؤلاء الدول التي
تعرف الانتخابات الشكلية المزورة وتلك
التي تعاني شعوبها من الفقر والذل
والحرمان، كما نسوا أو تناسوا حالة
الغبن المتصاعدة حتى في الدول
الديمقراطية من توحش الرأسمالية
وتجبرها وتغول العولمة وسطوتها وتشيؤ
الإنسان وضياعه وسيطرة الشركات
والتجمعات وشبكات المنافع والمصالح
على الحياة السياسية. فكل هذه الظروف
تخلق أسباباً متصاعدة للاحتجاج، وتجعل
رغبة البشر في التمرد متجددة لا تسقط
بالتقادم، بل تبدو ضرورية في ظل الحق
الأصيل والحيوي للنقد والتصحيح
الدائم، وفي ظل ما يفرضه "التدافع
الإنساني" من واجبات حيال الناس بأن
ينزعوا دائماً إلى مقاومة القبح
والظلم والقهر. وعلى سبيل المثال فإن النموذج الذي قدمته
الثورة المصرية لا يزال محل فحص ودرس
عميقين في مراكز الدراسات وبيوت
الخبرة ومؤسسات صناعة القرار في
الغرب، ولا يزال موضع انبهار من الشعوب
الغربية ذاتها، ونجد صدى لهذا في شعار
"الشعب يريد إسقاط وول ستريت"
الذي انطلق تحت رغبة في احتلال الشارع
والاعتصام فيه، والمفكر الإنجليزي
الذي خطب في جمهور حاشد بقلب لندن "لا
تكلموني بعد اليوم عن القيم
الإنجليزية وإنما حدثوني عن القيم
المصرية"، أو ذلك الثائر الأميركي
الذي يقول لأصحابه الغاضبين "قاتلوا
كمصريين" أو حتى الرئيس أوباما نفسه
الذي قال في خطاب له عقب الإطاحة بحسني
مبارك مباشرة "يجب أن ندرس الثورة
المصرية لأولادنا"، أو تلك السيدة
الأميركية أيضاً التي اضطرت إلى أن تضع
صور ميدان التحرير وتهتف مع أولادها
"الشعب يريد إسقاط النظام" حتى
يمكنهم الذهاب إلى مخادعهم بعد أن طار
النوم من عيونهم ليالي وهم يتابعون
وقائع الثورة المصرية على شاشة "سي.
إن. إن". والآن يقف العرب على باب تحدٍّ جديد
وعليهم ألا يسمحوا لثوراتهم تلك
بالسقوط حتى يمكن للنموذج أن يكتمل،
ودون ذلك فقد يتهاوى كل هذا الجديد
الذي صنعته تلك الثورات، لتعود الصور
النمطية والأحكام القطعية الجاهزة
والظالمة والفاسدة عن العقلية
والنفسية العربية لتطل برأسها مرة
أخرى، وربما إلى الأبد. حقاً لقد كان عام 2011 مختلفاً عند العرب،
ويجب أن يجعلوا من العام الذي بات على
الأبواب عاماً للانطلاق من الذل إلى
الكرامة ومن العوز إلى الكفاية ومن
الإكراه إلى الحرية ومن القهر إلى
العزة، حتى لا يأتي شاعر آخر مثل نزار
قباني وبنشد بعد سنين "متى يعلنون
وفاة العرب". ================= مجلس الأمن وقرار ضد
بشار تحت الفصل السابع؟ سركيس نعوم 2011-12-23 النهار غالبية الشعب السوري الثائرة على نظام
الرئيس بشار الاسد تشعر بالقلق
وأحياناً بالإحباط جراء تباطؤ جامعة
الدول العربية في اتخاذ قرار نهائي
سلبي في حقه، مثل الطلب من مجلس الامن
وضع الازمة السورية على جدول اعماله
بغية ايجاد حل لها، او بالأحرى بغية
منع القوى النظامية من عسكرية وأمنية
من الاستمرار في القمع والقتل
والاضطهاد الذي يكاد ان لا يوفر احداً
في سوريا. وقد عبّرت المسيرات الشعبية
الاحتجاجية داخل سوريا، التي لا تزال
سلمية، عن شعورها هذا بتوجيه اتهامات
الى "الجامعة" بتشجيع النظام
الاسدي على متابعة اعمال القتل من خلال
تجديدها المهل التي تعطيها له لتنفيذ
مطالب معينة توقف الاحتقان والعنف،
وتحول دون الانزلاق في حرب اهلية بدأت
عملياً، وتمهّد لحل يحقق الاصلاح
الفعلي لا الوهمي الذي يقول اركان
النظام انهم أنجزوه. هل القلق والاحباط المشار اليهما اعلاه
في محلهما؟ تخشى اوساط سياسية لبنانية، لها علاقات
عربية مهمة واطلاع على مجريات خارجية
معينة، ان يكونا في محلهما وذلك
لاعتقادها ان الدول العربية الاساسية
وفي مقدمها المملكة العربية السعودية
وربما مصر فضلاً عن الجزائر قد تكون
تخلت عن المطالبة برحيل الاسد او
بتنحّيه وباقامة نظام ديموقراطي مقبول
من غالبية شعبه. ومن اسباب هذا التخلي
في حال صحته ادراك حقائق اساسية، منها
ان ثورة الشعب السوري لن تنتصر على
نظام الاسد في سرعة وبالضربة القاضية
كما حصل في تونس ومصر وحتى في ليبيا، بل
يلزمها سنوات من القتل والدم والدموع
والدمار، وذلك بسبب امساكه بالقوى
الامنية والعسكرية وعدم قدرة الثائرين
عليه على إحداث شرخ حقيقي داخلها يؤدي
الى قلبه. ومنها ان نظام الاسد لن ينجح
في انهاء الثورة ضده لأن غالبية الشعب
معها، ولأنها تحظى وستحظى بدعم غالبية
العالم العربي والمجتمع الدولي
وتأييدهما العملي وليس السياسي فقط.
ومنها ان الامرين المذكورين يعنيان
دمار سوريا خلال سنوات، وفتح ابواب
الكانتونات او التقسيم او التفتيت
للكيان السوري، وخصوصاً إذا احرز
الثوار انتصارات معينة فرضت انكفاء
جغرافياً على النظام، على الطريقة
اللبنانية بين عامي 1975 و1990. ومنها
الخوف من ان تُحيي الازمة السورية
الحروب المذهبية في الدول التي عاشتها
عملياً قبل سنوات، وان تطلق حروباً
مماثلة في دول عربية واسلامية اخرى.
ومن شأن ذلك تفجير المنطقة وتعريضها
لكل انواع الاخطار وجعلها لقمة سائغة
بل لعبة بين ايدي كبار المجتمع الدولي
وربما ضحية لتناقضاتهم. انطلاقاً من
ذلك تعتقد الاوساط اياها ان "الحل"
للأزمة اليمنية اذا جازت تسميته كذلك
يمكن تكراره في سوريا مع بعض الفوارق.
وتعتقد ايضاً ان النظام السوري لا
يمانع في ذلك وخصوصاً انه رأى ان "زميله"
النظام في اليمن برأسه علي عبد الله
صالح قد خرج منتصراً بواسطة الحل
المذكور حتى الآن على الاقل. هل الخشية المذكورة في محلها؟ المصادر الديبلوماسية المطلعة من عربية
وغربية ترى في بعض المعطيات المسببة
للخشية شيئاً قليلاً من الواقعية او
الصحة. لكنها لا تعتقد ان الوضع السوري
سيسير وفق "السيناريو" المفصل
اعلاه. والاسباب كثيرة، منها ان
السعودية لا تزال على موقفها السلبي من
ايران الاسلامية ومعها مجلس التعاون
الخليجي. وقد كررته في آخر اجتماع لها
قبل ايام. وان ايران لا تزال تدعم نظام
سوريا وإن هذا الاخير لا يريد او لا
يستطيع التخلي عن ايران وحلفائها
وخصوصاً في لبنان. وهو المقابل الوحيد
الذي قد تقبله (اي المملكة) لمساعدة
بشار على بقاء نظامه ولكن معدلاً بل
مصححاً وعلى نحو جدي. ومنها ايضاً ان
دولاً عربية عدة تشاطر "مجلس
التعاون" موقفه ورأيه. ومنها ثالثاً
ان اميركا واوروبا ومعهما تركيا لم تعد
قادرة على التساهل مع الرئيس بشار على
رغم ادراكها ان ظروفها وظروف العالم لا
تسمح لها بحرب عليه تقضي على نظامه،
فضلاً عن أن الاعتماد في صورة مطلقة
على روسيا من سوريا قد يكون في غير محله. في اختصار، تعتقد المصادر اياها ان
السيناريو الاقرب الى التنفيذ في موعد
لا يزال مجهولاً هو انتقال القضية الى
مجلس الامن لا بد ان يفرضه حدث جلل ما،
او تفاهم ما مفاجئ للكبار في العالم،
واصدار هذا المجلس قراراً تحت الفصل
السابع يدين نظام الاسد. علماً ان
تنفيذه قد لا يكون سهلاً او سريعاً،
لكنه يسمح باستمرار الثورة ودعمها الى
ان تنهار سوريا بثوارها والنظام. ================= ممانعة النظام السوري:
مأساة أم ملهاة؟ عبده حقي 2011-12-22 القدس العربي في ناموس الطبيعة ليس هناك خياران لضمان
البقاء .. إما أن يقبل الكائن الحي
بالتطور والتكيف مع قوانين وقواعد
فصولها، وإما المآل إلى النهاية
بالتدمير الذاتي .. فلكل فصل طبيعي
خصوصياته البيولوجية والمعنوية التي
تتفاعل بحسب قانون التكوين .. النشوء ..
والإرتقاء ثم النهاية الطبيعية
المحتومة التي تعني بشكل من الأشكال
إنتقال الكائن إلى حياة أخرى متجددة،
مليئة بالحيوية .. مشبعة بالنشاط
والتطور. ومما لاشك فيه ليس هناك كائن يدب على هذا
الكوكب الأزرق .. كائن حي وعاقل لايقبل
تلقائيا إن لم نقل فطريا بشروط هذه
الحياة في تطورها وارتقائها .. وهذا
أيضا هوحال الدول والأمم والحضارات ...
تنطلق من برعم فكرة (فلسفة أوعقيدة
أومذهب) أو قد تنطلق من حدث (حرب أوثورة)
ثم تشكل واكتمال وأخيرا أفول لكي يشرق
من جديد فجرآخر بديل .. بطقس جديد ..
برجال جدد .. بمؤسسات جديدة .. وبفلسفة
تدبير جديدة للحياة أيضا ... ما يبررإستهلالنا بهذه العتبة المكرورة
والتي توغل في منطق دورة الطبيعة هوعدم
قبول بعض بني البشرككائنات حية بقانون
التطور.. تطورالكائن وقبوله بمنطق
الزوال الذي ليس بالضرورة أن يكون
زوالا ماديا .. جسديا وإنما نقصد به
زوالا فكريا ومعنويا إلتأمت في
كينونته الماضوية جميع القيم والأنساق
الفكرية والسياسية والمؤسساتية
القديمة ..إلخ مايعني تشبثه بالبقاء
على أرض جليدية تشرف على شفيرالطوفان. مايعتمل في الخارطة العربية راهنا
لايجعلنا نتعب ذهنيتنا لماذا نستهل
مقالتنا بهذه المقدمة المكرورة لنطرح
أكثر من سؤال .. لماذا كل هذا العناد
الديكتاتوري والقمعي ضدا على الرغبة
الطبيعية للشعوب العربية في التطورمع
الفصل الربيعي وحقها في التمتع بلذة
حريتها في مختلف تجليات الحياة
اليومية .. أليست هذه الشعوب العربية
ككل الشعوب في أرض الله جديرة بأن تحيى
دورتها الطبيعة .. لتختارطقسها السياسي
والمؤسساتي الذي يخول لها تكريس
إختياراتها من أجل أن تتطور... ماينهرق وينسفك من دماء في الشوارع
العربية وبسلاح الحكام العرب يجعلنا
نجزم كما لوأن هؤلاء الطواغيث قد بوؤا
قسرا على أرائك حمكهم بدعم من جهات
غيرعربية بقصد تركيع الشعوب ولجم
أصواتها وقص أجنحتها لحرمانها من
التحليق في سماوات الحرية، وللحاكم
العربي في أشكال هذا القمع كل العبقرية
على إبتداع المبررات في النزول إلى
الشارع بمدرعاته ومدفعيته وفيالقه ..
فإن لم يكن خطرالقاعدة فهناك
خطرالعدوالخارجي المفترض، وإن لم يكن
هذا وذاك تكون الممانعة والإصطفاف
الكركوزي في ما يسمى بجبهة الصمود
العربية، ظاهرها التصدي
للعدوالصهيوني وباطنها المستتر تكريس
وضع استاتيكو سياسي يخدم مصالح خارجية
أكثرمنها ذريعة لحماية الأمن الداخلي
من الخطرالخارجي .. هكذا رأينا كيف أن الديكتاتورالقذافي صنع
من المد الإمبريالي غولا لتخويف شعبه،
تخويفا أمن له البقاء في حكمه المستبد
لأزيد من أربعة عقود وسمت بتورطه
الواضح في خلق قلاقل وتوترات
وانقلابات وتصدعات في الصف العربي
خدمة للآخروليس دفاعا عن الأممية
العربية كما كان يدعي في خطبه وخرجاته
السياسية المسعورة ... وكانت نهاية هذه
المسرحية القذافية رفع ستارها على
تواطؤ مكشوف لعل أقل مظاهره العلنية
ضخه لآلاف الملاييرمن الدولارات من
عرق الشعب الليبي في حساب القائد (البطل)
وأبنائه في بنوك (أعدئه الإمبرياليين) . وها هو حاكم فرعوني يصنع من ذريعة التطرف
الإسلامي ومن الإرهاب بعبعا يرهب به
الغرب ويهدد به الإستقرارالمصري من
أجل بقائه في الحكم، كما عمد وذاك
ديدنه إلى توظيف جميع الآليات
والأحابيل الديكتاتورية الدنيئة
لتزييف إنتخابات مجلس الشعب وجعل
صناديق الإقتراع خزائن في ملكه الخاص
تذرعليه 99 ' من الأصوات أي مزيدا من
بقشيش الدولارات وتحويلها إلى حسابه
أيضا في المصاريف الأوروبية
والأمريكية ... في الوقت الذي تصطف فيه
طوابيرالشعب المصري الغلبان من أجل
كسرة خبز(عيش)، لكن الله يمهل ولايهمل
وهاهي رياح الربيع العربي تعصف به
لتعري فداحة وحجم الفساد في بطانة
السيد الرايس وأزلامه ... وهاهو الحاكم الصوري وليس السوري يختلق
وصفة الممانعة ضد شعبه وليس ضد إسرائيل
يكشف بما لايدع مجالا للشك أن هذه
الممانعة ليست إلا فذلكة ديبلوماسية
ومؤامرة ذكية على الشعب السوري الذي
يحمل في جيناته الطبيعية وإرثه
التاريخي وذاكرته الثقافية كل مقومات
الإقلاع نحوالتقدم والإنعتاق من طقوس
البيات السياسي الذي تطوقه به هذه
الممانعة البغيضة ... وهكذا نرى أنه في
الوقت الذي تتجه إختيارات الإنسانية
قاطبة إلى عصرالتعددية الديموقراطية
ورحمة الإختلاف، نرى أن الطغمة
الحاكمة في سوريا مازالت تجترما تبقى
من عبث بعثيتها الستالينية البائدة
والتي لايعني كل هذا العض العصابي
عليها بنواجد الديكتاتورية سوى الشجرة
التي تخفي غابة التواطؤ.. ومن اليقين أن قطارالديموقراطية الذي
يعبرحاليا قرى، مدن وعواصم العالم
العربي لابد إن عاجلا أم آجلا أن
يمرعلى دمشق عبر درعا وحمص وغيرهما
سواء إعترض سكته جمرك الممانعة أو بأية
ذريعة جديدة من قبيل المؤامرة
الخارجية على وحدة سورية باعتبارها (الدرع
العربي القوي في مواجهة الخطرالصهيوني)
كما يتشدق بذلك حكامها. وهذه الممانعة هي أشبه ماتكون ببورصة
أسلحة يعتاش عليها النظام وأزلامه
بدعم من النظام الموسكوفي .. هذا
الأخيرالذي لم يتخلص وبعد مرورزهاء
ربع قرن على الكلاسنوست والترويكا من
عقلية التآمرعلى الشعوب العربية (الحليفة)
بتحريضها على الرفض والممانعة
كآخرالإختيارات السياسية من أجل تكريس
وضع الستاتيكوفي منطقة إستراتيجية
ملتهبة كان من الأولى أن تكون منطقة
لتعايش الأديان والتسامح وتكريس القيم
الكونية الديموقراطية ... لكن مع الأسف
هي منطقة كانت ومازالت ومنذ النكبة
الفلسطينية المحرك الأساسي لمصانع
الأسلحة في الشرق الأوسط، بمعنى
الإصرارعلى أن يبقى قدرها الأزلي
منطقة لصناعة الموت العربي بمختلف
أشكاله وأسبابه. إنه نفس السلاح السوري عفوا الروسي الذي
مازال يفتك بأرواح الأبرياء والذين
بلغ عدد ضحاياهم إلى حدود هذه اللحظة
5000 قتيل من بينهم قرابة 400 طفل وهو رقم
رغم فداحته الإنسانية لم يحرك مع الأسف
البالغ ولوكرسيا واحدا في مجلس منظمة
حماية الطفولة العالمية (اليونيسيف). لقد عرى الربيع العربي عن خريف السياسة
الكامن في ثنايا عقليات بعض الحكام
العرب والتي تقوم على منطق إطلاقي
لايختلف عن عناوين بعض المسلسلات
المكسيكية مثل (المستبد) و(أنا أولاأحد)
و(السجينة) و(الخيانة) ..إلخ من يصدق اليوم تصريحات الرئيس السوري
وجرأته البلقاء في عدم مسؤوليته
الواضحة علن كل رصاصة تطلق على
صدرالمواطن السوري الذي لايطالب
أكثرمن فتح كوة أوكسجين في
سورالممانعة الحديدي ليشتم هواء
التعددية الحزبية والإعلامية
والبرلمانية والحقوقية ... وأخيرا دعوني أسرد عليكم هذه القصة
الواقعية من زمن القمع السوري، فقد حكى
لي أحد الكتاب المغاربة أنه وخلال
فعاليات إحدى الملتقيات الثقافية في
المغرب إستضاف في غرفته بالفندق أحد
الكتاب السوريين .. وبعد تطور ودفئ
علاقة الصداقة بينهما خلال تلك المدة
القصيرة من الملتقى طلب هذا الكاتب
المغربي من شقيقه السوري أن يتحدث له
عن المشهد السياسي والحقوقي في سورية ..
فبدت على محيا هذا الأخيرعلامات
التردد والتوجس ثم في لحظة قام صديقي
وأغلق باب الغرفة بالمزلاج إلى آخرلفة
.. ورغم ذلك لم يسلم صاحبنا من
إحمرارالتردد والتوجس .. ثم قام وجال
ببصره في كل أركان الغرفة وتفحصها
زاوية زاوية إلى أن تأكد بأن المكان
آمن وأن ليس به لاكاميرا ولاميكروفون
مدسوس يتربص به .. ولاعين جاسوس تتلصص
عليهما من فتحة ما .. وبالرغم من كل شروط
الأمان والثقة الزائدة التي وفرها
صديقي الكاتب فإن صاحبنا المثقف
السوري الغلبان لم يجرؤعلى أن ينبس
ولوبكلمة واحدة في حق النظام في سورية
ثم فجأة قام وانصرف. ألهذه الدرجة أيها السادة يسكن رقيب
الممانعة في تلافيف سيكولوجية بعض
المثقفين السوريين، فمابالكم
بالمواطن العادي الذي لايطمح سوى
لحياة كريمة ؟ أهذا أقصى ما استطاع
الحكام في سورية أن يحققوه .. مواطن
لايفتح فمه إلا عند التثاؤب. ================= سورية 2011: عام العجائب
وخاتم الاحزان صبحي حديدي 2011-12-22 القدس العربي يوم 5 شباط (فبراير) الماضي، كان السينمائي
السوري الكبير عمر أميرالاي (1944 2011) قد
أغمض عينيه، للمرّة الأخيرة، دون أن
تكتحلا بالمشاهد الأولى لانتفاضة
الشعب السوري: اعتصامات الشموع
الصامتة أمام سفارات تونس ومصر
وليبيا، واعتصام ذوي المعتقلين
السياسيين في ساحة المرجة، أمام وزارة
الداخلية، والتظاهرة الأولى الصاعقة
في سوق الحريقة، حين تعالى شعار 'الشعب
السوري ما بينذلّ'. بيد أنّ رحيل أميرالاي، على نحو مفاجىء
باغت الحياة الثقافية السورية
والعربية والعالمية، كان في جانب آخر
يسجّل واقعة أولى فارقة في مستهلّ عام
فارق، لن يطول الوقت حتى يتضح أنه عام
الفوارق جمعاء، بل عام العجائب
والمعجزات Annus
Mirabilis بالمعنى التامّ الذي يتعارف
عليه المصطلح اللاتيني العتيق. من جانبه كان نظام 'الحركة التصحيحية'،
الذي دشّنه حافظ الأسد في انقلاب 1970،
ثمّ ورّثه إلى نجله بشار بعد وفاته سنة
2000، يعيش العام ذاته بمنطق ظلّ على
الدوام سمة لصيقة بالنظام طيلة 41 سنة:
أنّ سورية مزرعة توريث ونهب وسلب وفساد
وإفساد، كما أنها مملكة صمت وخوف
وارتهان واستسلام، وقمع بناتها
وأبنائها ليس ممارسة دكتاتورية
استبدادية فحسب، بل هو خيار وجودي
وركيزة بنيوية. رأس النظام كان على ثقة
مطلقة، أو تكاد، بأنّ أكذوبة 'الممانعة'،
إسوة بتحالفاته الوطيدة مع رهط 'الممانعين'،
دولاً ومنظمات وأفراداً، كفيلة بأن
تبعد عن نظامه 'ميكروبات' الحراك
الشعبي في تونس أو مصر أو البحرين أو
اليمن أو ليبيا، فأعلن هذه 'الثقة' على
الملأ، بل تفاخر بها في حوار شهير مع
صحيفة 'وول ستريت جورنال'. كانت مطالع
2011 حبلى بكلّ ما يوحي بأنّ العام سوف
يُنزِل بالنظام الكوارث والنوائب
والأهوال، على غرار ال Annus
Horibilis
حسب تسمية لاتينية أخرى معاكسة؛
فاستقبله الأسد بمزيج من التهكم
والغطرسة والاستعلاء، فضلاً عن نوبات
القهقهة المعتادة، بالطبع، والجرعات
ذاتها من 'الثقة' بأنّ نظامه ليس شبيهاً
بأي بلد عربي شهد، أو سيشهد، انتفاضة
شعبية. في دخيلة نفسه كان الأسد يدرك، ما يدركه
السواد الأعظم من بنات وأبناء سورية في
الواقع، أنّ أي إصلاح حقيقي وذي معنى
ملموس سوف يلحق الضرر الشديد بذلك
المنطق اللصيق الذي حكم سلوك النظام
طيلة أربعة عقود ونيف؛ وأنّ ذلك الضرر
لن يقتصر على ركن دون آخر من أركان 'الحركة
التصحيحية'، إذْ لن يكون أقلّ من صدع
بنيوي، يتضافر مع شقوق وكسور بنيوية
أخرة كفيلة بتقويض المنظومة بأكملها.
ولهذا لم يكن مستغرباً أنّ أقصى ما
فعله الأسد، إزاء تعاظم المدّ الشعبي
الديمقراطي في عدد من البلدان
العربية، وبروز مظاهر أولى خجولة
لانتقال تأثيراته على الداخل السوري،
كان مواصلة الزعم بأنّ نظامه محصّن
لأنه 'ممانع'؛ ثمّ تشديد الخناق، أكثر
فأكثر، على أيّ مظهر احتجاج أو تظاهر
أو حتى تضامن مع الأشقاء. كذلك اختار
الأسد تنفيذ مسرحية هنا (كما في مشهد 'السباحة
في بحر من الجماهير'، بعد صلاة عيد
المولد النبوي)، أو 'مكرمة' هناك (كما في
إصدار عفو عن جرائم وجنح شتى، لكنها لا
تشمل معتقلي الرأي... إلا إذا كانوا قد
تجاوزوا سنّ السبعين!). في جانب عسكري صرف، كان الأسد يدرك أنّ
نموذج الجنرال رشيد عمار، رئيس هيئة
أركان الجيوش في تونس، الذي تردد أنه
رفض بالفعل تنفيذ تعليمات زين
العابدين بن علي بإطلاق الرصاص على
المتظاهرين، ليس متوفراً في الجيش
السوري؛ وعلى الأقلّ، ليس في تلك 'الجيوش'
الخاصة، الصغيرة أو الكبيرة، التي
أنشأتها 'الحركة التصحيحية' لحماية
النظام أوّلاً، ثمّ السهر على تأمين
مصالح المركب الأمني العسكري المالي
الذي يستبدّ بسورية وينهب خيراتها
ويدمّر اجتماعها الوطني والسياسي،
ثانياً. كان يسيراً على الأسد أن يتذكّر ذلك النفر
من كبار ضباط النظام الذين قادوا تنفيذ
العديد من المجازر الجماعية، ضدّ
أطفال ونساء وشيوخ عزّل أبرياء، في
عشرات المدن والبلدات والقرى السورية (رفعت
الأسد، قائد 'سرايا الدفاع'؛ علي حيدر،
قائد 'الوحدات الخاصة، وهاشم معلا أحد
كبار معاونيه؛ شفيق فياض، قائد الفرقة
الثالثة؛ إبراهيم صافي، قائد الفرقة
الأولى؛ بدر حسن، قائد الفرقة
التاسعة؛ والصفوة العليا من ضبّاط
أجهزة الإستخبارات المختلفة...). وكان أمراً بالغ الإغواء للأسد أنّ
التاريخ لم يسجّل واقعة واحدة عن ضابط
كبير من أهل النظام تلقى أوامر
باستخدام الأسلحة، الخفيف منها
والثقيل، فتردد في التنفيذ، أو توانى،
أو نفّذ وهو غير سعيد بالذبح، غير شغوف
بسفك الدماء! كبير ضباطه، شقيقه ماهر الأسد، باشر 'ستراتيجية'
كسر الانتفاضة من أبجدية متناهية في
البساطة، تناسب ملكاته العسكرية،
ولكنها في المقابل تتماشى مع مزاجه
الدموي العنيف (الذي قاده، ذات يوم،
إلى إطلاق النار على صهره آصف شوكت): لا
يفلّ الانتفاضة إلا الحديد والنار
والعنف الأقصى، واستخدام صنوف الأسلحة
كافة، من راجمة الصواريخ والمدفعية
الثقيلة والدبابة، إلى الحوامة
والقاذفة والزوارق الحربية؛ ولا ينفّذ
مهمات كهذه إلا الفرقة الرابعة،
النخبوية تماماً في تسليحها وامتيازات
ضباطها، التي تعادل أكثر من ثلاث فرق
في العديد والعدّة، وريثة 'جيوش' سالفة
خدمت 'الحركة التصحيحية' مراراً ('سرايا
الدفاع' و'الوحدات الخاصة' و'سرايا
الصراع' و'الحرس الجمهوري'...)؛ وليس
لهذا الجيش المدجج أن يتحلى بالولاء
الأعمى للنظام إلا إذا تمّت غربلته
وتنقيته وتطهيره، فرداً فرداً وضابطاً
ضابطاً، ليس على أساس طائفي محض،
ومناطقي ضيّق في حالات استثنائية،
فحسب، بل على أسس عشائرية صرفة تستهدف
استقطاب عشيرة الضابط وقريته ومحيطها،
قبل أن تُعنى بمزايا الضابط نفسه! في مستوى آخر، أمني عسكري، لم يتردد أمثال
العميد عاطف نجيب (ابن خالة الأسد،
مسؤول الأمن السياسي في محافظة درعا)؛
والعميد ذو الهمة شاليش (ابن عمّة
الأسد، ورئيس حرسه الشخصي، والمشرف
الفعلي على جهاز أمن الرئاسة)؛ والعميد
حافظ مخلوف (ابن خالة الأسد، والضابط
الأبرز في الفرع 251 والأقوى نفوذاً في
جهاز المخابرات العامة بأسره)؛
واللواء علي مملوك (المدير الرسمي
للجهاز ذاته)؛ في ترجمة 'الثقة'، التي
يزعم الأسد أنها سند نظامه 'الممانع'،
إلى رصاص حيّ وإراقة دماء. كان هذا خيار العميد نجيب في درعا، حين
منح نفسه الحقّ في إطلاق النار دون
إبطاء، منذ التظاهرة النوعية الأولى،
ودون استشارة رؤسائه المباشرين، وذلك
بعد أن أمر بقلع أظافر الأطفال، وأهان
وجهاء المدينة في عرضهم. وكان نجيب
مجرّد نموذج مطابق لعشرات من زملائه
ضباط الأمن، ممّن سوف يسهرون على تعذيب
المتظاهرين حتى الموت، والتفاخر بأنّ
هذا الشهيد أو ذاك لفظ أنفسه الأخيرة
عند أحذية جنرالات مثل جميل حسن، جمعة
الأحمد، فهد جاسم الفريج، غسان بلال،
أوس أصلان، محمد ديب زيتون، عبد الفتاح
قدسية، علي يونس، ثائر العمر، جامع
جامع، محمد خلوف، أو زهير حمد... في المستوى العقائدي أوكل النظام إلى
قيادة حزب البعث أمر استكمال الخديعة
بالوسيلة المثلى التي أتقنها الرفاق
البعثيون أبد الدهر: الجعجعة بلا طحن!
وهكذا، حين كان الرصاص يحصد
المتظاهرين المسالمين العزّل،
والدبابات تزحف على درعا، وعناصر
الأمن في بانياس تطأ رؤوس المواطنين
بالأحذية... كانت قيادة الحزب تصدر
بيانات حماسية مؤيدة للتحركات
الديمقراطية في الشوارع العربية، حتى
يكاد المرء يخال انه يقرأ بياناً
صادراً عن القوى الثورية في تونس أو
مصر أو اليمن! كذلك ارتدّ الخطاب إلى 'السنوات
الذهبية' للحزب، حين كانت بياناته ترطن
بشعارات الوحدة والحرية والإشتراكية،
والأمة العربية الواحدة ذات الرسالة
الخالدة: 'ما يشهده الشارع العربي
اليوم غير محصور بعجز النظام الرسمي عن
تحسين الأوضاع المعيشية فقط داخل
الدولة الوطنية، أو بتعثر تجربة
الإصلاح والديمقراطية، بل هو مرتبط
بالأذى النفسي الذي يشعر أجيال اليوم
بضرورة تحقيق الذات الوطنية وإسهامها
في التحرر الداخلي والخارجي مع
استمرار الاحتلال وتحديات الهوية
والإنتماء'... نعم، صدّقوا أنّ الكلام
صادر عن حزب البعث السوري! في الجانب الآخر، 'السياسي' بدوره كما
يفترض أهل النظام، ولكن المكمّل
لخيارات قمع الإنتفاضة بالمدفع
والدبابة والرصاص الحيّ وإطلاق قطعان
القنّاصة والشبّيحة واعتقال
المتظاهرين بالآلاف وليس بالمئات،
أصدر الأسد قراراً جمهورياً بتشكيل 'هيئة
الحوار الوطني'، التي 'تكون مهمتها وضع
الأسس لحوار وطني وتحديد آلية عمله
وبرنامجه الزمني'. ماتت المبادرة في
المهد، بالطبع، أو تحوّلت إلى جثة
هامدة شاهدة على 'الإصلاح' الأقصى الذي
يمكن للنظام أن يقترحه؛ إلى جانب أنّ
بعض المرضيّ عنهم من قيادة الهيئة (حنين
نمر، الأمين العام للحزب الشيوعي
السوري جناح يوسف فيصل، على سبيل
المثال)، صاروا اليوم من المغضوب عليهم! ويبقى أنّ رامي مخلوف، ابن خال الأسد
وصيرفي النظام الأول، غازل إسرائيل في
حوار مشهود مع صحيفة 'نيويورك تايمز'،
ثمّ خلط الغزل بالعتبى وبعض الوعيد حين
ذكّر بأنّ أمن النظام من أمن إسرائيل،
فأحرج صفّ 'الممانعة' في أربع رياح
الأرض، وتلعثم الرفاق والأخوة 'الممانعون'
وهم يبحثون للصيرفي عن عذر وذريعة. في
المنحى ذاته كان ابن خالته، الأسد
نفسه، قد قارب الغزل ذاته بطريقة
مختلفة، حين أبلغ وفداً من الكونغرس
الأمريكي، يترأسه السناتور
الديمقراطي جون كيري، استعداده
للاستجابة لأية خطة تعيد إحياء أقنية
التفاوض مع إسرائيل. آنذاك ذكّرت صحيفة
'هآرتز' الإسرائيلية بأنّ العلاقات بين
كيري والأسد طيبة للغاية، وأنهما
التقيا خمس مرّات خلال سنتين، في دمشق،
ومن المرجّح أنّ السناتور الأمريكي
لمس، هذه المرّة، رغبة أكبر لدى الأسد
في تحريك المفاوضات مجدداً. وقائع عام العجائب هذا عديدة متنوعة، بيد
أنّ الشعب السوري الثائر هو عجيبتها
الأهمّ: استهلّ العام من مجازر حوران،
وتوسطه من مجازر حماة ودير الزور وحمص،
ويختتمه من مجازر جبل الزاوية؛ أكثر
إعجازاً، أرقى أداءً، أعظم مقاومة،
وأعلى قدرة على توحيد الصفّ الوطني
ودحر دسائس النظام على اختلاف أغراضها
الخبيثة. المرء يستعيد ذكرى أميرالاي،
الذي لم يبصر الانتفاضة؛ وإبراهيم
القاشوش، الشهيد المغنّي الذي كانت
حنجرته قد أصابت النظام بمسّ من جنون؛
مثلما يستذكر غياث غياث مطر، الرضيع
الذي حمل اسم أبيه الشهيد الجميل؛
وعامر مطر، السجين الرقّاوي الرقيق؛
وأكثر من 7000 شهيد، و70 ألف أسير، و30 ألف
مفقود مغيّب، وعشرات الآلاف من الجرحى...
هو عام خواتم الأحزان السورية، مع ذلك،
لأنه موعد تشييع نظام الاستبداد
والفساد إلى ساعة الحساب، أمام الشعب،
ثمّ إلى سلّة مهملات التاريخ. ================= موقف موسكو رسالة إلى
النظام السوري والمعارضة الجمعة, 23 ديسيمبر 2011 راغدة درغام - نيويورك الحياة عقدة التدويل عقدة سورية بامتياز، وهي
التي أدت بالنظام في دمشق الى التوقيع
على بروتوكول ايفاد جامعة الدول
العربية بعثة المراقبين لحماية
المدنيين تفادياً لإجراءات في مجلس
الأمن تؤدي الى فرض عقوبات دولية على
سورية. روسيا لوّحت بورقة التدويل
عندما فاجأت الرئيس السوري بشار الأسد
بطرح مشروع قرار أمام مجلس الأمن مطلع
هذا الأسبوع، فاضطر الى الموافقة على
عملية ستؤدي في نهاية المطاف الى تقويض
حكمه عبر المحاسبة والمراقبة العربية
والدولية، فمجلس الأمن الدولي وجامعة
الدول العربية يرقصان معاً وهما
يسحبان الحصانة عن النظام السوري مع
تقديم فرصة المخرج لبشار الأسد، إذا
شاء اللجوء إليه، أما إذا افترض أن صيغ
الخروج المعروضة عليه عبارة عن تراجع
أمامه، يكون الأسد قد ارتكب أكبر
أخطائه -وهي عديدة ومدهشة-، فالعالم
يراقب برعب تفاقم قمع السلطات السورية
للمتظاهرين وازدياد احتمال انزلاق
سورية الى حرب أهلية بعدما اضطرت
المعارضة الى العسكرة. الولايات
المتحدة والدول الأوروبية الأعضاء في
مجلس الأمن لن تتمكن من التفرج على
تدهور الأوضاع أمنياً فيما تتخذ جامعة
الدول العربية إجراءات إيفاد بعثة
المراقبين. كان يجب على الجامعة أن
تكون جاهزة مسبقاً لإيفاد البعثة
بدلاً من انتظار توقيع سورية على
البروتوكول ثم الشروع في تشكيل
المراقبين وتحديد المرجعية، فلا خبرة
للجامعة في هذا الميدان، الجديد عليها
نسبياً، والسلطات السورية تبدو في
عجلة لاستغلال الفترة الزمنية بين
التوقيع والتشكيل للإنهاء على المدن
المتمردة عليها قبل أن تضطر لسحب
قواتها العسكرية الى ثكناتها تنفيذاً
للبروتوكول الذي وافقت عليه، فهناك
نوع من السباق الآن بين قيام النظام
السوري بحملة تنظيف أمني على الأرض
وبين صدور قرار لمجلس الأمن قد تكون
روسيا مجبرة عليه إذا استمرت الحسابات
السورية الخاطئة، فلقد حاولت روسيا،
ومعها العراق، إنقاذ سورية من التدويل
وإقناعها بالتوقيع. العراق من جهته،
أقنع جامعة الدول العربية بإعطاء دمشق
الوقت والمخرج كي لا تقع في أيدي إيران
حصراً وتمضي الى حرب طائفية في
المنطقة، لكن إيران ليست في افضل
حالاتها، فهي أيضاً بين فكي الكماشة
مهما تظاهرت بأنها فوق الاستحقاق. إنها
تتصرف بصورة غريبة، على طريقة «قطع
الأنف للانتقام من الوجه» بإعلانها
قطع العلاقات الاقتصادية مع دولة
الإمارات، منفذها شبه الوحيد. وهي في
مأزق أمام احتمال تدهور الأوضاع
الداخلية في العراق وأمام هبوط العملة
الإيرانية الى أدنى مستوى لها، ما يهدد
استقرارها، لا سيما إذا فرض المزيد من
العقوبات عليها، وهي قلقة جداً من
الأوضاع في سورية ونتيجة طريقة تصرف
الحكم في دمشق بأبعد ما يمكن عن
الإستراتيجية الحكيمة والمنطق
والعقلانية. أركان النظام السوري يتصرفون بمزيج من
الغطرسة والعجرفة وإنكار الواقع. بعض
منهم يعتقد أن الرهان على الوهن
والإنهاك في صفوف الدول العربية
والأوروبية سيؤدي الى عودة الأمور الى
مجاريها لاحقاً. البعض الآخر يراهن على
شراء الوقت عبر الإيحاء بالتعاون،
وعبر الحيل والخداع الذي يحول دون
إنزال المطرقة على رأس النظام في دمشق.
وهناك من قرر أن لا مجال الآن سوى للحل
الأمني الحاسم، مهما كلف، حتى وإن أدى
الى حرب أهلية دموية، كوسيلة إما لبقاء
النظام في السلطة أو الخروج منها بحرب
«عليَّ وعلى أعدائي». يقال إن هناك بين أركان النظام من يعتقد
أن تنفيذ المبادرة العربية هو وسيلة
الخروج المشرّف من السلطة، فبعثة
المراقبين تشكل فرصة النظام للتعاون،
بما يأتي عليه -ربما- بسجل جديد يعفيه
من خروج مهين من الحكم، حتى وإن استغرق
ذلك الوقت الطويل وأنقذ النظام من
الضغوط المتزايدة، لا سيما ضغوط
التدويل. إنما هناك أيضاً من يفهم تماماً أن بعثة
المراقبين -حتى بعد تخفيض عددها من 500
الى 100، وبعد موافقة الجامعة العربية
على تعديلات سورية جذرية على مهامها-
ستكون أداة العد العكسي الى نهاية
النظام، فالقوات السورية يجب أن تنسحب
من المدن والشوارع الى الثكنات تحت
مراقبة المراقبين، والمتظاهرون لهم حق
التظاهر السلمي، والمراقبون لهم حق
زيارة السجون، والإعلام العربي
والدولي له حق دخول سورية بلا قيود. كل
هذه الأمور الواردة في المبادرة
العربية هي ضد احتكار حزب البعث للسلطة
والتسلط على البلاد. كان الأجدى بجامعة الدول العربية أن توكل
مهام تشكيل بعثة المراقبين وإيفادها
الى الأمم المتحدة، الأكثر خبرة منها
في هذا المجال. إنها تتقبل النصيحة
والمشورة من الأمانة العامة للأمم
المتحدة، لكنها الآن في حاجة الى مزيج
سريع من الأموال الخليجية، وشراكة
منظمة التعاون الإسلامي الفعلية في
حشد المراقبين، واستعدادات عملية من
وكالات الإعلام العربية والدولية
لدخول سورية سريعاً، وإلا ستكون مضطرة
للطلب من الأمم المتحدة القيام بهذه
المهمة، لا سيما إذا استمر البطش
الدموي في سورية للاستفادة من الفسحة
الضائعة. جامعة الدول العربية متهمة من قِبَل بعض
الأطراف السورية المعارضة وغيرها،
بأنها تمهل النظام في دمشق على حساب
أرواح السوريين. البعض ينظر الى
تباطئها بأنه تواطؤ، والبعض الآخر
يعتبره استراتيجية حكيمة توقع النظام
السوري في مطب التدويل نتيجة انتهاكه
التفاهمات العربية إزاء استنزافه حسن
النية. الأفضل لجامعة الدول العربية أن تضع
ثقلها وراء قرار لمجلس الأمن يكبّل
النظام السوري وينذره بأن العقوبات
آتية والمحاسبة جاهزة ولا مجال
للإفلات من العقاب إذا تلاعب، فتلك
المقايضة بين التعريب والتدويل غير
واقعية الآن، لا سيما بعدما تغيرت
الدينامية على الساحة السورية وفي
مجلس الأمن. الدول الأوروبية في مجلس الأمن، وعلى
رأسها بريطانيا وفرنسا وألمانيا، تدفع
العرب الى الطلب منها استصدار قرار من
مجلس الأمن وتقول إن هذه ذخيرة ضرورية
للوقوف في وجه ملف الممانعة الذي قادته
روسيا في المجلس. لكن الأحداث المؤلمة
التي أسفرت عن قتل المئات في الأيام
التي تبعت التوقيع السوري على
البروتوكول العربي أجبرت الدول
الأوروبية والولايات المتحدة على الكف
عن الاختباء وراء «القيادة العربية
للعملية» والبدء بالضغط على روسيا -رئيس
مجلس الأمن للشهر الجاري- للبتّ بصورة
أسرع بقرار لمجلس الأمن. روسيا طرحت مفاجأة مشروع قرارها ربما من
أجل سحب البساط من تحت أقدام الغرب
والعرب، الذين عملوا معاً بتداخل
وتشابك الاستراتيجية للضغط على سورية.
إنما الاحتمال الآخر هو أن يكون فعلاً
طرأ تغيير جذري على السياسة الروسية
نحو سورية بما جعل موسكو تقرر أنه آن
الأوان للحزم مع دمشق وسحب غطاء
الإعفاء عنها. الواضح أن روسيا ساهمت
في دفع سورية الى التوقيع على بروتوكول
بعثة المراقبين. ما ليس واضحاً هو قدر
الجدية الروسية في السماح لمجلس الأمن
بإصدار قرار وما إذا كان طرح مشروعها
مناورة، او وسيلة ضغط، أو انها عازمة
جدياً على طرحه على التصويت، بتعديلات
طفيفة. سواء كان الهدف المراوغة أو الاستغناء عن
النظام في دمشق، يجب على المعارضة
السورية أن تتنبه للرسائل الروسية
وتعمل على الاستفادة إما من الخطأ
التكتيكي أو من التغيير الحقيقي في
الاستراتيجية، فموسكو قلقة حقاً من
صعود الإسلاميين الى السلطة في دول
الحراك العربي، وهي تتأهب لقلب
الطاولة على المعارضة -إذا اضطرت أو
قررت ان ذلك في مصلحتها- آخذة عسكرة
المعارضة كذخيرة، لا سيما من قِبَل
عناصر «الإخوان المسلمين». ضمان عدم انزلاق سورية الى حرب أهلية ليس
مسؤولية النظام حصراً. على المعارضة
السورية أن تتصرف بجدية وأن تحصل على
ضمانات من مختلف أطيافها بأن الاحتكار
والمصادرة ليسا في الأفق. هنا تتكافأ
المسؤولية وليس في مستوى العنف، إنما
هذا لا ينفي أن ازدياد عسكرة الانتفاضة
السورية سيؤدي الى محاسبة للمعارضة
أيضاً وليس فقط للسلطة. إنها مرحلة حاسمة في غاية الأهمية، ليس
فقط لمستقبل سورية وإنما أيضاً لنوعية
العلاقة العربية-الدولية، وتلك التي
بين الدول الدائمة العضوية في مجلس
الأمن، ولعلاقة إيران مع سورية
وبيئتها، كما للعلاقة الدولية مع
إيران الفاعلة في الساحة السورية. التدويل قد يكون عقدة سورية لكنه أداة
ضرورية، فلقد أثبتت دمشق أنها مازالت
في صدد الإنكار والتلاعب، ولقد حان
الوقت لتضييق الخناق عليها، جدياً. ================= سورية أمام مرحلة جديدة
طويلة الأمد الجمعة, 23 ديسيمبر 2011 وليد شقير الحياة تطلق مهمة المراقبين العرب في سورية
مرحلة جديدة من الأزمة السورية لأن ما
قبل بدء عمل هؤلاء على الأراضي السورية
شيء وما بعده شيء آخر. ويمكن القول إن تسليم القيادة السورية
بالمبادرة العربية، على رغم الشكوك
بإمكان نجاحها، ينقل الأزمة الى مسار
جديد من البحث عن حلول للأزمة، قد يطول
أو يقصر تبعاً لدينامية الصراع
الداخلي الدائر بين النظام السوري
وبين معارضيه في الشارع وفي الطبقة
السياسية الساعية الى التغيير. وهي
المرة الأولى منذ عقود، لا تكون فيها
القيادة في سورية محوراً رئيساً في
اتخاذ القرارات العربية، لأنها باتت
موضوع القرارات العربية، أي أن دمشق
انتقلت من صنع السياسات العربية لتصبح
بسبب أزمتها الداخلية، دولة غير قادرة
على ترتيب وضعها الداخلي إلا تحت وصاية
عربية تتمتع بدعم دولي من فرقاء عجزوا
عن أن يجدوا تصوراً مشتركاً للتعاطي مع
الوضع السوري في مجلس الأمن. فالمبادرة
العربية، إضافة الى أنها تلقى الدعم
الغربي، الأميركي – الأوروبي،
والتركي، حظيت بمساندة موسكو وبكين
اللتين عارضتا تدويل الأزمة عبر مجلس
الأمن. وحدها طهران اكتفت بدعم ما
قررته سورية من تجاوب مع بروتوكول
التعاون العربي من دون أن تعلن دعمها
مبادرة الجامعة العربية أسوة بما
فعلته موسكو. فطهران تدعو الى إشراف إقليمي على الأزمة
السورية يتعدى الجامعة العربية لتكون
هي شريكاً في «الوصاية» العربية على
الأزمة السورية خلافاً لتركيا، التي
حضرت اجتماعات مجلس الجامعة وانخرطت
في مداولات قرار إرسال المراقبين وصوغ
بروتوكول التعاون، ومن ثم في اتخاذ
قرار العقوبات، وكانت البادئة في
تطبيقها. أما القيادة الإيرانية
فسارعت الى تعويض دمشق عن هذه العقوبات
عبر التسهيلات الاقتصادية والمالية
والجمركية التي خصّت سورية بها. وهذا ما يجعل المبادرة العربية إيذاناً
بمرحلة جديدة، من بين عناوينها
التفاوض الإقليمي والدولي على كيفية
معالجة الوضع في سورية. وعلى افتراض
نجاح الجزء الأول من المبادرة بانتشار
المراقبين العرب ووقف آلة القتل التي
يمارسها النظام (لأن لديه القدرة على
إفشال هذه المرحلة أيضاً)، فإن هذا
النجاح يطرح على النظام والمعارضة
تحدي مدى قدرة كل منهما على إثبات
شعبيته في الشارع، بحيث ينزل كل منهما
جمهوره الى الساحات. وهذا التحدي هو
الذي يدفع كثيرين الى الحديث عن افتراض
آخر هو اعتماد النموذج اليمني في نقل
السلطة في سورية. ولا يعني النموذج
اليمني بالنسبة الى سورية سوى أن القوى
الدولية والإقليمية سلّمت بضرورة
انتقال السلطة في دمشق، لكن بالتدريج،
وأن تنحي الرئيس بشار الأسد سيأخذ
وقتاً من ضمن عملية سياسية متتالية
الخطوات، من الطبيعي أن تقاومها
القيادة السورية، وأن تؤخرها القوى
الخارجية قدر الإمكان، لأن إطالة عمر
النظام من قبل إيران وروسيا يتيح لهما
التفاوض مع القوى الأخرى الساعية الى
إزاحته، فهما الدولتان اللتان تحميان
النظام حتى الآن على الصعيدين الدولي
والإقليمي، ولكل منهما ملفاته مع
المعسكر الساعي الى تغييره. وليس صدفة
أن يكون وزير الاستخبارات الإيراني
طرح خلال زيارته السعودية قبل زهاء
أسبوعين التعاون على معالجة ملفات
العراق، سورية، فلسطين، لبنان وأمن
دول الخليج، وفق ما تسرب من أنباء، في
وقت لا يبدو المناخ الخليجي والسعودي
مستعداً للمساومة مع طهران على هذا
المستوى بينما المنطقة تشهد التغييرات
التي تعتمل فيها. أما موسكو فتتراوح
الملفات بين مكاسبها الاقتصادية في
المنطقة بدءاً بعلاقتها مع الرياض
وانتهاء بالقضايا الاستراتيجية
العالقة بينها وبين الولايات المتحدة
الأميركية، وفي طليعتها الدرع
الصاروخية في أوروبا. أما على الصعيد الداخلي، فإذا كانت
المرحلة الجديدة في سورية تنقلها الى
النموذج اليمني، فإن الأخير قضى بتخلي
الرئيس علي عبدالله صالح عن السلطة
مقابل بقاء الجيش والأجهزة الأمنية
تمهيداً لإعادة هيكلتها وتقاسم السلطة
بين الأحزاب والقبائل في انتظار
الانتخابات. أما المطروح في سورية، فهو
بقاء الرئيس الأسد حتى عام 2014 مع تفكيك
الأجهزة الأمنية التابعة للنظام
وإلغاء أحادية سيطرة الحزب على الحياة
السياسية والجيش والجامعات والمؤسسات
التعليمية (لأن الدستور ينص على ذلك
أيضاً) مع حفظ مؤسسة الجيش كي لا تتكرر
تجربة فرطه كما حصل في العراق... وهذا ما
سترفضه القيادة الحاكمة حالياً وليس
الأسد وحده. كل ذلك يجعل المرحلة الجديدة من التفاوض
بين مكونات المشهد السوري الداخلية
وبين القوى الخارجية طويلة الأمد،
خلافاً لما يعتقده البعض. ================= الثورات العربية:
ليبرالية النخب وإسلامية الجمهور رضوان السيد الشرق الاوسط 23-12-2011 انهمكنا أو انهمك الأكثرون منا في
الأسابيع الماضية في هموم وتحليلات
بشأن «التحدي الإسلامي» الذي أطلقته
ثورات الشباب العربي بالمشرق والمغرب.
وقد كان هناك من خاض خوضا بعيدا في
قراءة مفاجآت تتعلق بالجمهور
وتوجهاته، وبالإسلاميين الفائزين في
الانتخابات، ومدى اعترافهم بالآخر
والتعددية، وبالدولة المدنية. وهذه
موضوعات شديدة الأهمية بالطبع، لكنها
تتجاهل الأولويات التي فرضتها الثورات
والتي تتلخص في أمرين اثنين: التحول
السلمي، والدولة الديمقراطية. وهاتان
القيمتان هما من صناعة أو إنجاز الشبان
المدنيين الذين لا يزال بعضهم يموت في
ميدان التحرير وبجواره، ويموت في
شوارع درعا وريفها، ودمشق وريفها،
وحماه وريفها، وحمص وريفها. ولأنهما (أي
التحول السلمي، والديمقراطية) عمليتان
بعيدتان المدى، وليستا انقلابا
عسكريا، أو نواتج تمرد مسلح، فهما
شديدا العمق والتداعيات لجهتي الداخل
والخارج. ولذلك كانت هذه الاستجابة
العميقة من جانب الجمهور العام
بالدواخل العربية، ومن جانب الشباب
على مدى العالم. إن الفئات الاجتماعية التي قادت هذا
التحول الكبير سوف تظل بارزة في مجاري
العملية، عملية إقامة وتطوير المجتمع
المدني والسياسي الجديد، وهي فئات من
الشباب المتعلم، الذي يتقن استخدام
وتوظيف وسائل الاتصال الحديثة. وهؤلاء
بهذا المعنى يستجيبون لقيم العصر
ووسائله، ويستجيبون للاحتياجات
التاريخية - إذا صح التعبير -
لمجتمعاتنا وأمتنا. وبهذا المعنى
أيضا؛ فإن هذه القيم والممارسات هي قيم
عالمية تستند إلى الفرد وإمكانياته
ومنازعه واهتماماته ومصالحه. ولأن
الأمر أمر المستقبل؛ فقد عمل هؤلاء
الشباب حتى الآن (رغم بعض الفوضى
الظاهرة كما في كل حركات التغيير
الكبرى) على إزالة العوائق والعقبات
أمام حريات الأفراد والفئات وانطلاقها
لتشكيل مجتمعات جديدة، يعمل فيها
فاعلون جدد، تقتضيهم الاحتياجات،
ويقتضي جهدهم المستقبل. ما من شك في أن الإسلاميين الحزبيين ما
كانوا هم الذين أطلقوا الشرارة، رغم
أنهم كانوا أقوياء ومنظمين ومنتشرين
في أوساط المجتمعات في كل مكان. لكن
المثقفين البارزين من علمانيين
وقوميين، وأيا تكن درجة تمايزهم أو
معارضتهم للأنظمة ما كانوا أيضا بين
مطلقي الشرارة. لكن يكون علينا أن
نتنبه إلى أن كبار السن من المثقفين
الليبراليين ما كانوا فئة واحدة. بل
هناك مثقفون ومفكرون عرب مسيسون كانوا
بين الذين انضموا إلى هؤلاء الشباب منذ
اللحظة الأولى، وبينهم من كانوا
معارضين أقوياء، وشاركوا قبل قيام
الثورات في حركات وتيارات كسرت هيبة
الديكتاتوريات بشتى الوسائل، وبدوافع
ثلاثة: القيم الليبرالية التي
يعتنقونها، والقرب من الجمهور ومن
الحراك الوطني العام، والقدرة على
الحراك أكثر من غيرهم بحكم الموقع
والظروف. ففي الداخل السوري على سبيل
المثال هناك عشرات من المناضلين
المثقفين الليبراليين الذين قضوا في
سجون النظام سنوات وسنوات، ليس بسبب
راديكاليتهم النضالية وحسب؛ بل
ولمعرفة الجهات الأمنية في النظام
بتأثير معارضتهم في الجمهور العام.
ولذلك، ودونما تجاهل لهذه الفئة، أردت
التركيز على زملائهم من العروبيين
الليبراليين الذين مكنهم ظرفهم
وموقعهم كما سبق القول، للكثير من
الحراك، والكثير من التوعية، والجاد
والجدي من القدرة على العمل
والفعالية، وأقصد بهم في هذا المعرض
ثلاثة: التونسي المنصف المرزوقي،
والمصري محمد البرادعي، والسوري برهان
غليون. وهؤلاء الثلاثة، وكثيرون غيرهم
من كهول العرب وشيوخهم كانوا ويبقون
شواهد وشهودا بارزين على جدية
الليبرالية العربية وقدرتها على
التأثير، والقدرة على الوصول إلى وعي
الجمهور وعمله، والقدرة أخيرا على
ترتيب شراكات بين سائر الأطياف
والفئات الوطنية الطامحة للتغيير،
بدون حواجز حزبية أو فئوية أو دينية أو
سياسية. فما كاد محمد البرادعي يترك منصبه في
وكالة الطاقة النووية، حتى أعلن عن
معارضته للنظام بمصر، والحاجة للتغيير
السريع. وعاد إلى مصر رغم تهديدات
النظام وأجهزته، وتواصل مع سائر
الأطياف والأحزاب باستثناء أبطال
الحزب الوطني الحاكم، وشكل تجمعا
للتغيير الديمقراطي، تحدى الأجهزة
بالتظاهرات والوقفات إلى جانب كفاية و6
أبريل ومعارضات أخرى كثيرة وجديدة. وما
تردد في الاتصال بالإخوان المسلمين
رغم كثرة ما قيل عن «خيانته» بذلك
لمبادئ الليبرالية. وكان بين القلة من
المصريين الكبار الذين ما رأوا في
المجلس العسكري بداية أو نهاية، بل
اعتبروا ميدان التحرير وشبابه هم
المرجعية، ورهن ترشحه لمنصب رئاسة
الجمهورية على موافقة ممثلي الشباب.
وعندما رشحه الشباب لرئاسة الحكومة
بعد أن أسقطوا حكومة عصام شرف، قال إنه
مستعد لتولي رئاسة حكومة ذات صلاحيات
وسيتخلى إن حصل ذلك عن الترشح لرئاسة
الجمهورية في شهر يونيو (حزيران)
المقبل. وصحيح أنه لم ينزل إلى الشارع
من أول يوم، لكن الشباب الثائرين لا
يزالون يعتبرون حتى اليوم أنه واحد
منهم، ويحمدون له نزاهته ووعيه وعمله
من ضمن مقولة: الشعب مصدر السلطات. أما المنصف المرزوقي الراديكالي التوجه،
والمعارض الشرس للبورقيبية ولاستبداد
بن علي؛ فقد ذاق طعم المنفى، وظل على
يقين بقدرة الشعب على التغيير. وتميز
رغم ليبراليته اليسارية، بعدم معاداة
الإسلام أو الإسلاميين، بسبب معرفته
الجيدة بالمجتمع التونسي، والإسلام
التونسي. وقد اعتبر دائما أن أولئك
الذين يركزون على أن المشكلة في
الإسلام أو المسلمين وليس في
الاستبداد، إنما يريدون من وراء ذلك
التواصل مع بن علي واستبداده أو أنهم
يملكون وعيا مشوها بدينهم وبجمهورهم.
ومنذ الأيام الأولى للثورة ضم صوته إلى
الثائرين، ورفض دائما أنصاف الحلول.
فالمسألة كما قال هي إسقاط النظام وليس
الرئيس وحده، لأن المطلوب هو إعادة
السلطة إلى الشعب، بعد أن صار بن علي
ونظامه رمزا للاستبداد والفساد. وبسبب
هذه «السوابق» النضالية جاء حزبه
ثانيا في الانتخابات التونسية
الأخيرة، وتحالف مع النهضة الفائزة
بالأكثرية، وصار رئيسا للجمهورية. وما
سمعت لرئيس خطابا عند استلامه لمنصبه،
يضاهي خطابه في الولاء لقيم
الديمقراطية والحريات، وتحقيق أهداف
الثورة التي أنجزها الشعب التونسي بكل
فئاته. وقد استقبل أخيرا معارضي الشعب
السوري بتونس العاصمة، باعتباره واحدا
منهم ووعدهم بالاعتراف والدعم لوحدة
الأهداف ووحدة الانتماء، ولأن الحرية
لا تتجزأ كما لا ينقسم الأحرار. وأعرف لبرهان غليون أنه يعمل من أجل
الديمقراطية في سوريا وفي بلدان الوطن
العربي الأخرى منذ أواخر السبعينات.
ومنذ غادر إلى المنافي مثل آلاف غيره
في السبعينات وإلى اليوم، ما كف برهان
غليون عن النضال من أجل الحرية بسوريا
وبالوطن العربي. وقد اختلط نضاله
الوطني بالنضال القومي في مواجهة
الإمبريالية. ويحسب له أنه بين قليلين
من المثقفين العرب اليساريين
والليبراليين أدرك الفرق بين الاختلاف
مع الإسلاميين دونما عداء للإسلام. كما
يحسب له أنه كان من بين القليلين الذين
تجرأوا على كشف المشكلة الطائفية في
سوريا. وقد أعلن منذ نحو الثلاثة عقود،
عن إيمانه بقدرة الشعب السوري على
التوحد من أجل التغيير. وكان أيضا
وأيضا بين قلة من المثقفين السوريين
والعرب، ما رأت إمكان إصلاح النظام من
الداخل. فالاستبداد والفساد مرضان لا
يمكن الشفاء منهما، ولا بد من تغيير لا
يصنعه غير الجمهور، وليس الانقلابات
العسكرية أو التمردات المسلحة. وقد
سمعته يقول بعد انتفاضة البوعزيزي
بتونس، إن شباب سوريا ليسوا أقل قدرة
على التضحية من شباب تونس ومصر واليمن.
ولذلك اندفع مع أطفال درعا منذ اللحظة
الأولى، وها هي حمص العظيمة، والتي
ينتمي إليها برهان غليون، تضرب المثل
والقدوة على شراء الحرية بالدم الغالي.
ومن أجل ذلك كله، ما كان برهان هو الذي
عين نفسه رئيسا للمجلس الوطني، بل إن
الداخل السوري الثائر هو الذي اختاره.
وسيظل برهان غليون مثالا للنزاهة
والشجاعة، والديمقراطية الليبرالية.
وهي القيم التي تنتصر اليوم، والتي
شارك المناضلين الآخرين في فتح الآفاق
لها بالكتابة، والحراك الذي لم يتوقف. إن للثورات العربية وجهين: الوجه
الليبرالي الذي وضع النصاب والآفاق،
والوجه الإسلامي الذي مثل أشواق الناس
للحرية. وقديما قال المفكر اللبناني
منح الصلح بعروبة النخبة وإسلام
الجمهور. وها هو إسلام الجمهور يظهر
ويعتز؛ بينما تنتصر ليبرالية
المناضلين العرب! ===================== الثورة السورية والبنية
الإقليمية الشيعية محمد بن المختار الشنقيطي الجزيرة نت 21/12/2011 كان عالم الاجتماع العراقي الراحل
الدكتور علي الوردي (1913-1995) من الباحثين
العرب الجادين الذين حاولوا فهم
الإشكال السني الشيعي بمنطق التحليل
التاريخي، بعيدا عن النفَس الطائفي. فقد أوضح الوردي في دراسته لنفسية الفرد
العراقي كيف يتحول الدين أحيانا في
السياق الطائفي الملتهب إلى هوية
مغلقة ومجردة من أي التزام أخلاقي،
وتوصل إلى أن الإنسان العراقي "أقل
الناس تمسكا بالدين، وأكثرهم انغماسا
بين المذاهب الدينية، فتراه ملحدا من
ناحية وطائفيا من ناحية أخرى" (علي
الوردي: شخصية الفرد العراقي، ص 47)، لقد
"ضعفت نزعة التدين في أهل العراق
وبقيت فيهم الطائفية: حيث صاروا لا
دينيين وطائفيين في آن واحد، وهنا موضع
العجب" (علي الوردي: وعاظ السلاطين،
ص 260). وتذكرنا ملاحظات الوردي هنا بقول الكاتب
الأيرلندي جوناثان سويفت (1667-1745): "لدينا
من التدين ما يكفي ليبغِّض بعضَنا إلى
بعض، لكن ليس لدينا منه ما يكفي
ليحبِّب بعضنا إلى بعض". وقد يكون في حكم الوردي هنا تعميم مجحف،
فالتعصب الديني الممزوج بضعف التدين
ليس عاما في أهل العراق، ولا هو خاص
بالعراقيين دون الشعوب الأخرى. لكن
الوردي يلفت النظر إلى ظاهرة عامة
جديرة بالتأمل، وهي تحوًّل الأديان
والمذاهب الدينية أحيانا إلى مجرد
هوية وعصبية سياسية متجردة من أي مغزى
أخلاقي أو رسالة إنسانية. وتنطبق هذه الظاهرة على حكام دمشق اليوم
أكثر من أي حكام عرب آخرين، فهم يجمعون
بين انعدام التدين والتعصب الطائفي
الذي يصل حد الفاشية. لكن الأكثر إثارة في نظرات علي الوردي -وهو
المنحدر من أسرة شيعية- هو تحليله
للتشيع باعتباره مخزونا نفسيا
واجتماعيا. فقد شبّه الوردي التشيع
بالبركان الخامد الذي يُتوقع ثورانه
في كل لحظة، فكتب منذ عقود يقول: "إنهم
(الشيعة) اليوم ثوار خامدون، فقد خدرهم
السلاطين، وحولوا السيوف التي يقاتلون
بها الحكام قديما إلى سلاسل يضربون بها
ظهورهم، وحرابا يجرحون بها رؤوسهم،
ومن يدري فقد يأتي عليهم يوم تتحول فيه
هذه السلاسل والحراب إلى سيوف صارمة من
جديد... إن موسم الزيارة في كربلاء يمكن
تشبيهه بموسم الحج لكثرة الوافدين
إليه، هذا ولكن الزيارة الشيعية تختلف
من بعض الوجوه عن الحج، إذ هي تحمل في
باطنها بذرة من الثورة الخامدة، ومن
يشهد هرج الزوار في كربلاء يدرك أن
وراء ذلك خطرا دفينا... شبهنا التشيع في
وضعه الراهن بالبركان الخامد، فهو قد
كان في يوم من الأيام بركانا ثائرا، ثم
خمد على مرور الأيام، وأصبح لا يختلف
عن غيره من الجبال الراسية إلا بفوهته
والدخان المتصاعد منها، والبركان
الخامد لا يخلو من خطر رغم هدوئه
الظاهر، إنه يمتاز على الجبل الأصم
بكونه يحتوي في باطنه على نار متأججة،
ولا يدري أحد متى تنفجر هذه النار مرة
أخرى." (الوردي: وعاظ السلاطين، ص 255). ومن الواضح أن البركان الشيعي الخامد
الذي تحدث عنه الوردي منذ عقود قد
انفجر انفجارا مدويا، وألقى بحممه إلى
أصقاع بعيدة. وكانت الثورة الإسلامية
في إيران عام 1979 والانفجار الطائفي
الدموي في العراق بعد الغزو الأميركي
عام 2003 تحقيقا لنظرات الوردي الصائبة. فقد فتح البركان الخامد فوهته على
مصراعيها، فغطى إيران بلهبه، وألقى
بحممه فأحرق العراق، وامتد حريقه إلى
بلدان أخرى عديدة. ولا يكفي تفسير هذا
الانفجار البركاني بظلم الشاه أو بدور
الاحتلال الأميركي للعراق-رغم
خطورتهما- فقد عانت شعوب عديدة من
الاستبداد ومن الاستعمار فلم تكن
ثمرات ذلك انفجارا بهذه الروح
والمزاج، وإنما يحتاج الأمر إلى أخذ
ذلك المخزون النفسي الذي تحدث عنه
الوردي في الاعتبار. وقد نال سوريا حظها من انفجار البركان
الشيعي الخامد، لكن هذا البركان لم يثر
في سوريا في صيغة ثورة مدوية على النمط
الإيراني، أو في صيغة حرب أهلية على
النمط العراقي، وإنما اتخذ في سوريا
صيغة تسرب هادئ إلى قمة الجبل، وتحكمٍ
فيها دون ضجيج، وإنما أسفر الإحياء
الشيعي في سوريا عن وجهه البركاني في
مذابح حماة وتصفيات سجن تدمر المروعة. وربما كان الشيعة اللبنانيون الذين تحول
بركانهم إلى سياط في ظهر إسرائيل هم
الاستثناء الذي لم تتجه حمم بركانه إلى
الداخل العربي المسلم بشكل عنيف، رغم
المناوشات التي بدت على السطح من حين
لآخر. وبدخول إيران في حلف مع سوريا مطلع
الثمانينيات، ثم انضمام العراق إلى
ذلك الحلف بعد ثلاثة عقود، وانبعاث
الشيعة اللبنانيين -بصعودهم الاجتماعي
وريادتهم في مقاومة إسرائيل- اكتملت
حلقات ما دعاه والي نصر "صحوة الشيعة"
في كتابه المعنون بهذه العنوان،
واستحكمت حلقات بنية إقليمية شيعية
قوية، تمتد من طهران إلى بيروت، مرورا
ببغداد ودمشق. بيد أن هذه البنية التي تحولت تمددا
إيرانيا في الفراغ الإستراتيجي العربي
لم تحسن التعامل مع أهم حدث في تاريخ
العرب الحديث، وهو ربيع الثورات
العربية الذي نعيشه اليوم. لقد استغرب
كثيرون من أهل الرأي والقلم -ومنهم من
يمقُت الطائفية كما أمقُتُها- إجماع
الأطراف الإقليمية الشيعية اليوم على
الاصطفاف مع نظام الأسد في فظائعه ضد
الشعب السوري: * فقد وقفت إيران بعنجهية وعناد مع نظام
الأسد الذي اعتبرته حليفا لا يمكن
التفريط فيه، ولم ترفَّ أجفان القادة
الإيرانيين ولا رقت قلوبهم أمام مشاهد
الشباب السوري الذي تحصده آلة الموت
الأسدية حصدا. والعجب أن تحاول إيران
القيام بدور الغرب الاستعماري في
حماية الدكتاتورية في وقت اضطر فيه
الغرب نفسه إلى الخجل من هذا الدور
القذر والتملص منه. ليس من ريب أن هذا دليل على تخلف الحكام
الإيرانيين في قراءتهم للمسار
التاريخي الذي تتجه إليه المنطقة
اليوم، وجهلهم بعواقب ذلك على دولتهم
الصاعدة التي يتقاذفها الأعداء من كل
جانب. * وتحول حسن نصر الله إلى بوق للنظام
الدموي في دمشق، وأصبح الرجل الذي كان
ملهما للشباب العربي وجها باهتا من
حماة الطغيان ودعاته، فغدت طلعاته
الإعلامية تسويغا للظلم وتشريعا
للقتل، بعد أن كانت بالأمس القريب بريق
أمل في بحر من ظلمات الهوان. وكما هو
حال إيران فقد ركب حزب الله المهالك في
وقوفه إلى جانب القتلة في سوريا، إذ
رجح مصلحته التكتيكية في الحلف مع نظام
الأسد على مصلحة إستراتيجية أكبر هي
الالتحام بعمق شعبي سوري وعربي توفره
له الثورات. * أما القوى الشيعية في العراق فقد تردد
موقفها بين الصفاقة التي برر بها مقتدى
الصدر دموية الأسد واتهم الثوار
السوريين بالطائفية -ربما من باب قول
العرب: "رمتني بدائها وانسلت"- إلى
الموقف المراوغ الذي تبناه نوري
المالكي مراعاة لتوازنات السياسة
الداخلية العراقية. لقد تناسى المالكي كل صراعه مع حكام
سوريا، واتهامه لهم بدعم المقاومة
العراقية، حينما أصبح ما يعتبره مكسبا
طائفيا في خطر، وهو حكم العلويين
لسوريا. وقد نهج المالكي في الفترة
الأخيرة نهج الغموض الإستراتيجي في
القضية السورية، فهو يجامل الداخل
العراقي والجامعة العربية بجمل منمقة
حول أهمية السلم الأهلي في سوريا،
ويسعى لإنقاذ حكم الأسد المتداعي بكل
ما يملك. إن الاستبداد هو الذي فرق بين السنة
والشيعة، وبين العرب والإيرانيين، وهو
استبداد قد يلبس عمامة فقهية أو خوذة
عسكرية، لكنه هو الاستبداد ذاته بوجهه
القبيح. ولن يجمع بين الطرفين سوى
الحرية والاعتراف بحق الاختلاف. فلن
يسعف الأسدَ الملطخ اليدين بدماء شعبه
أن يسحب العلويين إلى حرب أهلية مع
شعبهم، أو يتترس بحلف إقليمي مذهبي لا
يملك من الانتماء إليه سوى الاسم
والمصلحة الأنانية. ولن يكون الرد
المناسب على اصطفاف البنية الإقليمية
الشيعية وراء مصاصي الدماء في دمشق هو
اصطفاف إقليمي سني مقابل، بل الرد
الحقيقي هو ما رد به ثوار سوريا من نقض
المنطق الطائفي، والتصميم على تحقيق
دولة الحرية والعدل للجميع مهما يكن
الثمن. فليس يهم مذهب الظالم أو مذاهب
المظاهرين له، وإنما المهم هو الأخذ
على يد الظالم، وقسره على الحق والعدل
قسرا. ربما يكون قدَر بلاد الشام -الجميلة
بتاريخها وأهلها- أن تكون مركز تجاذب
أبدي. فقد تنازعها الفرس واليونان، ثم
الفرس والرومان، ثم العرب والروم، ثم
الترك والفرنجة، ثم الترك والروم، ثم
الفرنسيون والإنجليز.. وكانت -ولا تزال-
موطن تنازع طائفي وثراء ديني وثقافي
كثيف. لكن الربيع العربي الحالي فرصة تاريخية
للمصالحة مع الذات ومع الغير، بميلاد
فضاء من الحرية يسع الجميع، بما في ذلك
تمكين الشيعة من الخروج من أسر
المظلومية والذاكرة الموتورة إلى
الاندماج في جسد الأمة من جديد، دون
خوف من الاضطهاد، أو تنازل عن الخصوصية
الفكرية والفقهية. لكن مواقف القوى الإقليمية الشيعية من
الثورة السورية يوشك أن يحول هذه
الفرصة التاريخية إلى سراب. لقد تحول
حامل راية المظلومية التاريخية إلى
ظالم أو مُظاهِر للظلم، وفرط قادة
الشيعة في إيران والعراق ولبنان فيما
تحمله الثورات العربية من إمكان
التئام الجرح الطائفي المزمن، وبناء
دولة المواطَنة الرحبة التي لا منة
فيها لأحد على أحد، ولا تمييز فيها على
أساس الدين أو المذهب. لقد سمعتْ البشرية كلها -عبر القنوات
الفضائية والشبكة الإلكترونية- ذلك
الرجل السوري الذي يأخذ بنياط القلوب،
وهو يصرخ: "أنا إنسان.. ماني حيوان".
وهو يذكرنا بالإفريقي الأسود في
أميركا الستينيات الذي كان يحمل على
صدره لافتة كتب عليها نفس الجملة
البسيطة العميقة المؤلفة من كلمتين:
"أنا إنسان". وهذا المدخل
الإنساني هو الذي كان يتعين على قادة
الشيعة أن يتدبروا به الثورة السورية.
أما المثنوية والأنانية السياسية
والكيل بمكيالين فهي أمور لا تصلح في
التعاطي مع ثورات شعوب تسقي شجرة
الحرية كل يوم بدمائها، وإنما يصلح
للتعاطي مع هذه الثورات موقف أخلاقي
صُراح لا ازدواجية فيه ولا التواء،
موقف يُعاضِد كل الشعوب الطامحة إلى
العدل والحرية، من صنعاء إلى حمص، ومن
المنامة إلى طرابلس الغرب. موقف لا يرى
في الإنسان العربي الثائر من أجل
الحرية والكرامة سنيا أو شيعيا، مسلما
أو مسيحيا، بل يرى فيه إنسانا مجردا،
يسعى إلى الاعتراف بإنسانيته. لقد أمسكت الشعوب العربية بزمام تاريخها،
وهي مصممة على التخلص من الغزاة
والطغاة والغلاة، سنة كانوا أو شيعة،
مسلمين أو مسيحيين.. فهل يدرك حكماء
الشيعة ذلك ويلتحموا بتيار التاريخ
الجارف قبل فوات الأوان؟ وهل يتداركون
مخاطر الهوة التي يقودهم إليها أسدٌ
ظالم، مجروح الكبرياء، غارق في
الدماء؟ ------------------------ المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |