ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الخميس 29/12/2011


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

عجز جامعة الدول العربية أمام وحشية نظام الأسد

الجزيرة السعودية

التاريخ: 28 ديسمبر 2011

 أن تستمر عمليات القتل في المدن السورية وتواصل دبابات ومدفعية النظام السوري قصف المدن والأحياء السكنية المكتظة بالسكان بوجود المراقبين العرب، فمعنى هذا أن هناك أصراراً على فرض الخيار الأمني لقهر إرادة الشعب السوري، سواء بوجود مراقبي جامعة الدول العربية أو من دونهم.

بالتزامن مع وصول عدد محدود من المراقبين العرب إلى مدينة حمص، تعرضت المدينة إلى تصعيد خطير في العنف من جانب قوات نظام الرئيس بشار الأسد، إذ أوقعت قواته عشرات القتلى والجرحى في المدينة التي تعيش أجواء حرب إبادة وبالذات حي بابا عمرو الذي قُتل فيه 30 شخصاً وأصيب نحو 100 جريح عشية توجه المراقبين العرب إلى المدينة.

ومع أن المعلومات قد ذكرت بأن الجيش قد أخفى دباباته وسحبها إلى المدارس ومواقع حتماً لن يتسنى للمراقبين الوصول إليها، لأن السلطات السورية هي التي تحدد تحركاتهم، إلا أنه لا يمكن إخفاء آثار القصف العنيف للرشاشات والقذائف الصاروخية التي تركت آثاراً في كل أحياء المدينة وبالذات في حي بابا عمرو المنكوب.

معاناة ومسرح العنف والقتل الذي خلقته قوات الرئيس بشار الأسد لن يغيب عن أعين المراقبين العرب والذين يضمون خبراء عسكريين وحقوقيين، وهم لا بد وأن يذكروا في تقاريرهم ما تعانيه المدينة من حصار وإذلال وتعمد في عدم وصول الأغذية والأدوية، وهو ما يضع الجهة التي أرسلت بعثة المراقبين إلى سوريا أمام مسؤولياتها، والتي يفترض أن تعلن وبشفافية تقارير مراقبيها التي لن تخرج عما نشاهده عبر التقارير الإخبارية التي تنقلها المحطات التلفازية بعد أن يزودها الناشطون السياسيون الذين يتحدثون عن قمع السلطات السورية.

إعلان فحوى التقارير والتعامل الجاد لرفع الظلم والقهر المفروض على الشعب السوري يتطلب موقفاً حازماً وحاسماً من جامعة الدول العربية، لوقف المجازر التي ترتكب أمام أعين المراقبين العرب... وإذا لم تقم جامعة الدول العربية بواجبها وما تتطلبه مسؤولياتها، عليها أن تعلن بوضوح عجزها، وأن ترفع الأمر إلى مجلس الأمن الدولي الذي يعرف كيف يتعامل مع الأنظمة التي تقتل شعوبها.

=================

جرحى التظاهرات السورية... مأساة إنسانية

ألكسندرا زافيس - بيروت

نشر بترتيب خاص مع خدمة

«إم. سي. تي. إنترناشيونال»

تاريخ النشر: الأربعاء 28 ديسمبر 2011

الاتحاد

تلقى الطبيب الشاب اتصالاً في وقت مبكر من الصباح. فالجنود كانوا يقتحمون حياً في مدينة حمص السورية، ولم يكن ثمة أحد ليقدم العلاج للجرحى. "لقد كان الأمر أشبه بالحرب"، يقول الطبيب، الذي طلب أن يشار إليه بلقب "أبو عبدو". وفي ذلك اليوم من أيام سبتمبر، عمل فريقه الطبي السري طيلة 12 ساعة متواصلة حيث قاموا بتضميد الجروح الغائرة، وإخراج الرصاصات، وإيصال أنابيب الجلوكوز بنحو 20 مريضاً في وقت كان يدوي فيه صوت إطلاق النار والانفجارات في الخارج. وعندما انتهى ذلك، يتابع "أبو عبدو"، اغتسل من أجل إزالة الدماء التي علقت به وأجهش في البكاء لأكثر من ساعة من الزمن.

أبو عبدو هو واحد من عشرات المتطوعين في حمص ومعاقل أخرى للمعارضة ممن يقومون بعلاج ضحايا قمع حكومي حوَّل المستشفيات إلى وسائل قمع وتعذيب، كما تقول منظمات لحقوق الإنسان. ويعمل هؤلاء المتطوعون انطلاقاً من عيادات مؤقتة سرية في المساجد والمنازل في الأحياء التي تحدث فيها المظاهرات بشكل يومي تقريباً، حيث يقول نشطاء إن الكثير من المحتجين المصابين بجروح يرفضون أن يتم نقلهم إلى مستشفيات عامة لأنهم يخافون من سوء المعاملة والتعرض للاعتقال إن هم نُقلوا إلى هناك بجروح جراء إصابتهم برصاص أو شظايا، في حين تقول السلطات إنه ليس لديهم ما يخشونه.

غير أن تقريراً أُعد لحساب "مجلس حقوق الإنسان" التابع للأمم المتحدة، أشار إلى أن بعض المصابين الذين نُقلوا إلى المستشفى العسكري في حمص تعرضوا للتعذيب وقُتلوا على أيدي أفراد قوات الأمن الذين كانوا يرتدون ملابس الأطباء، بتواطؤ مع بعض الموظفين الطبيين على ما يبدو. وفي هذا الإطار، قال حارس كان يعمل بالمستشفى لمنظمة "هيومان رايتس ووتش" إن المحتجين المصابين بجروح كان يلقى بهم في ساحة بالقرب من منطقة الطوارئ حيث يكون الموظفون واقفين في انتظارهم، مضيفاً: "إن الجميع ينهال عليهم بالضرب، بما في ذلك الأطباء والممرضات".

وقال مريض خضع للعلاج هناك للمنظمة إن الممرضات قمن بخياطة جرح في ظهره بدون تخدير، وبعد ذلك اقتاده الحراس إلى معتقل في المستشفى حيث رأى أحدهم يقوم بتسخين قضيب معدني على موقد غازي، كما يقول، ويحرق أحد المرضى في مواضع حساسة من جسده وأسفل قدميه. غير أنه في هذه الأيام صار الأشخاص الذين يقومون بمعالجة الجرحى مستهدَفين أيضاً. فهذا الشهر، أُعلن عن وفاة الدكتور إبراهيم عثمان، الذين ساهم في تأسيس شبكة طبية سرية في العاصمة دمشق، مما أدى إلى سيل هائل من عبارات التقدير والثناء على مواقع التواصل الاجتماعي لهذا الطبيب الذي يبلغ عمره 26 سنة ولقب ب"طبيب الثورة".

ويقول نشطاء المعارضة إن عثمان كان مطلوباً من قبل السلطات وتعرض لإطلاق نار عندما حاول سائقه تجنب نقطة تفتيش بالقرب من الحدود السورية. وقد تم نشر مقطع فيديو يقول إنه يُظهر جثة عثمان على موقع "يوتيوب"، غير أنه لم يتسن التحقق من صدقية الفيديو من مصدر مستقل.

بعض الشهود والمنظمات الحقوقية يقولون إن الأشخاص الذين يحاولون مساعدة المحتجين المصابين بجروح كثيراً ما يتعرضون لإطلاق النار، وهي تهم تنفيها السلطات التي تقول إن الإرهابيين المسلحين يندسون بين المتظاهرين السلميين. وفي هذا الإطار، أعلنت منظمة "هيومان رايتس ووتش" أن عاملا تابعاً ل"الهلال الأحمر" قُتل بينما أصيب اثنان بإصابات بالغة عندما تعرضت سيارة الإسعاف التي كانوا على متنها لكمين عندما كانوا ينقلون رجلا أُطلق عليه النار في حمص في السابع من سبتمبر الماضي.

ويقول عضو من المجلس الثوري في حمص الذي يقوم بتنسيق إمدادات العيادات السرية في المدينة: "إن أي شخص يقوم بعلاج الجرحى يُنظر إليه كما لو أنه يحمل سلاحاً ضد النظام".

الشاب الذي طلب مناداته بأحمد هو طالب في كلية الطب، وقد كان يعمل في منشأة حكومية في إطار التدريب. ويقول أحمد: "لقد رأيت بأم عيني موظفين طبيين يضربون المرضى"، مضيفاً "وعندما يتم الإفراج عنهم، يُرسلون إلى المعتقل بدلا من أن يرسلوا إلى منازلهم". والواقع أنه حتى المستشفيات الخاصة غير آمنة. ففي أغسطس الماضي، نُقل محتج شاب يدعى صفا إلى إحدى المستشفيات الخاصة في حمص بجروح جراء إصابته بشظايا انفجار. وتقول ابنة عم الرجل، سوزي، في اتصال هاتفي من مونتريال: "لقد رآه أبي في المستشفى وكان يُفترض أن يخضع لعملية جراحية، ولكن حالته كانت مستقرة".

ولكن في اليوم التالي، كان سريره خالياً، تضيف "سوزي"، ولم يستطع أحد إخبار العائلة بالمكان الذي نُقل إليه. وبعد أسابيع على ذلك، تلقت العائلة اتصالا من أجل تسلم جثته من المستشفى العسكري في حمص. ويُظهر مقطع فيديو للجثة حروقاً وكدمات وجروحا بالغة جعلت العظم ينكشف. "لقد كان أمرا فظيعاً" تقول سوزي، التي طلبت عدم الكشف عن اسمها الكامل خوفاً على أفراد عائلتها في سوريا. "يفترض أن تكون المستشفيات آمنة!".

ويقول "أبو عبدو" إنه عندما عاد إلى سوريا في مايو الماضي بعد إكمال دراسته الطبية في الخارج، كان الأقارب والجيران في المدينة العتيقة في حمص فرحين جداً لرؤيته. وقبل ذلك بأسبوعين، كانت قوات الأمن قد أطلقت النار على آلاف المحتجين. وقد علم من والده أن "الكثير منهم ماتوا أمام عينيه وبكى لأنني لم أكن هناك لأساعدهم".

قام الطبيب بإنشاء عيادات مؤقتة في منازل مهجورة داخل الحي ومن حوله، عيادات كانت آمنة نسبياً ولكنها كانت تحاذي معاقل المعارضة. وكان يعمل فيها متطوعون درَّبهم على تقديم الإسعافات الأولية العاجلة للجرحى، وكان المرضى يصلون بواسطة السيارة، والدراجة النارية والدراجة الهوائية، وكانوا يتلقون العلاج على الأرضية، كما يقول. في البداية، كل ما كان يتوافر عليه هو ضمادات وشاش يحاول وقف النزيف بواسطتها. ولكن ومع تعرفه على متطوعين آخرين يقومون بهذا النوع من العمل، يقول أبو عبدو، استطاع الحصول على الإمدادات الأساسية اللازمة للجراحة مثل الإبر والمباضع.

ومع ذلك، فإنه كثيراً ما كان لا يتوافر على المعدات التي يحتاجها إذ يقول: "إذا كان الأمر يتعلق بعملية جراحية كبيرة، فإننا لا نستطيع القيام بأي شيء"، مضيفاً "إننا نشاهدهم يموتون أمامنا. إنه مشهد قاس للغاية!".

=================

ما يجمع بين بن علي ومبارك والقذّافي والأسد...

خيرالله خيرالله

المستقبل

28-12-2011

يمكن البدء من قرار الرئيس التونسي زين العابدين القاضي بالتنازل عن السلطة واللجوء الى المملكة العربية السعودية. يمكن ايضا البدء من تنحي الرئيس حسني مبارك ثم مثوله امام المحكمة مع نجليه علاء وجمال وعدد من كبار المسؤولين في عهده. ويمكن بالطبع البدء من سقوط العقيد معمّر القذّافي و"جماهيريته". ويمكن اخيرا البدء من حيث كان يجب ان تكون البداية، اي الثورة الشعبية التي تشهدها سوريا منذ عشرة اشهر والتي لا يمكن الا ان تنتهي باطاحة النظام الذي ورثه الرئيس بشّار الاسد عن والده والذي تبيّن انه نظام غبر قابل للاصلاح بأيّ شكل. اما اليمن فيظلّ، على الرغم من كل ما يقال، استثناء في ضوء التعقيدات الخاصة بالبلد. هذا عائد الى تركيبته التي لا يمكن تشبيهها بأي تركيبة اخرى من جهة والتوصل الى صيغة تضمن الانتقال السلمي للسلطة من جهة اخرى.

ما الذي يجمع بين زين العابدين بن علي وحسني مبارك ومعمّر القذّافي وربّما بشّار الاسد؟ يجمع بين الاربعة ان الدول التي كانوا يحكمونها، او لا يزالون يحكمونها، كما الحال في سوريا، صارت في مهبّ الريح.

في الواقع لكلّ دولة عربية ظروفها. لكنّ لا شيء يمنع من اجراء المقارنة. واجه الرئيس التونسي الثورة الشعبية على طريقته. تونس بلد مسالم والمجتمع فيها مجتمع مسالم ولا وجود لطغيان للمؤسسة العسكرية. لذلك، انتهى النظام باقلّ مقدار ممكن من الخسائر. كان زين العابدين بن علي يعتمد على تخويف الناس لا اكثر ولا اقلّ. عندما كسر التونسيون حاجز الخوف، لم يجد ما يفعله سوى الرحيل.

اما حسني مبارك، اسير التوريث، فقد رضخ في النهاية للمؤسسة العسكرية التي كانت ضد التوريث. تبيّن مرّة اخرى ان هناك نظاما قائما في مصر منذ العام 1952، تاريخ اطاحة الملكية، وان العمود الفقري لهذا النظام هو المؤسسة العسكرية. لا تزال المؤسسة العسكرية تقاوم الى اليوم فكرة تسليم السلطة وتعتبر نفسها الضمانة الوحيدة لاستمرار الدولة المصرية.

لم يكن مستغربا ان يواجه معمّر القذافي شعبه بالطريقة التي واجهه بها. كان يعتقد انه قضى على ليبيا والليبيين واقام نظاما مرتبطا بشخصه مكّنه من استعباد الشعب. لم يعرف يوما ان ليبيا لا تزال حيّة وان جماهيريته كانت مجرد نكتة.

في سوريا، يشبه الوضع الى حدّ كبير ما شهدته ليبيا. هناك حاكم اعتقد انه روّض الشعب. والحقيقة ان عملية الترويض هذه عمرها نصف قرن تقريبا، اي منذ جاء البعث الى السلطة في العام 1963. تبيّن ان الرئيس السوري لا يعرف شيئا عن شعبه وانه ليس صحيحا ان شعارات من نوع "المقاومة" و"الممانعة" يمكن ان تنطلي على احد. هناك شعب يريد ان يعيش. هناك شعب سوري متعلّق بثقافة الحياة. هناك شعب يرفض شعارات من نوع "الامين حافظ الاسد...قائدنا الى الابد". ليس معروفا الى اللحظة ما الذي قدّمه حافظ الاسد لسوريا. المشكلة ان نجله الدكتور بشّار لم يمتلك القدرة على استيعاب ان العالم تغيّر وانه كان عليه، قبل تولي السلطة، النزول الى الشارع والتعرّف الى السوريين وحاجاتهم الحقيقية والذهاب الى لبنان والاستماع الى حقيقة مشاعر اللبنانيين بدل الاصرار على التعاطي مع اسوأ نوع من انواع اللبنانيين.

ما يجمع بين زين العابدين بن علي وحسني مبارك ومعمّر القذّافي وبشّار الاسد هو وجود اب روحي للاربعة اسمه محمد سياد بري. قبل عشرين عاما، ترك سياد بري السلطة في الصومال ولجأ الى المنطقة التي تسيطر عليها قبيلته. منذ عشرين عاما لم يعد هناك مكان سوى للفوضى في الصومال. منذ غادر سياد بري مقديشو انتهت الصومال.

لا شكّ ان الامل ليس مفقودا في مستقبل تونس. لكنّ ما شهدناه الى الآن لا يبشّر بالخير كثيرا، الاّ اذا تبيّن ان السيد راشد الغنّوشي، الزعيم الفعلي لتونس الجديدة، قادر على البناء على ايجابيات عهدي بورقيبة وبن علي من دون عقد وتطوير التجربتين بدل العمل على القضاء على المجتمع المدني والقوانين العصرية التي كان معمولا بها، خصوصا في ما يتعلق بالمرأة والتعليم.

الامل شبه مفقود في مصر، اقلّه في المستقبل المنظور. ليس ما يشير الى ان المؤسسة العسكرية قادرة على استعادة المبادرة، وليس ما يشير الى ان الاسلاميين يمتلكون مشروعا لمصر باستثناء الشعارات. اما ليبيا، فإلى ان تنتهي من الميليشيات المسلحة، ستكون هناك حاجة الى سنوات طويلة قبل ان يظهر من هو قادر على العمل فعلا من اجل بناء دولة عصرية.

في سوريا، ليس ما يشير الى رغبة في انتهاج خط مختلف عن ذلك الذي اعتمده القذّافي. الامل ضئيل باستيعاب بشّار الاسد ان افضل ما يمكن ان يفعله للسوريين هو تأمين قيام مرحلة انتقالية ذات هدف واضح يتمثل في قيام نظام جديد يعيد سوريا الى السوريين.

المؤسف ان سياد بري كان ايضا المثل الاعلى لصدّام حسين. من يتمعن في ما يدور على ارض العراق لا يرى اي امل ببقاء البلد موحدا. من يضمن مستقبل تونس ومصر وليبيا وسوريا والعراق؟ الجواب لا احد يستطيع ذلك. كان الخوف قبل فترة قصيرة من "صوملة" اليمن. الخوف الآن من "صوملة" لا تستثني سوى عدد قليل من الدول العربية عرفت باكرا ان العالم تغيّر وان لا مفرّ من اصلاحات حقيقية في العمق بعيدا عن كل نوع من الاوهام على رأسها وهم الدور الاقليمي!

=================

سنة 2011 [2]: بيروت بين العاصفة السورية وتحوّلات بكركي

هيام القصيفي

2011-12-28

النهار

بدأت سنة 2011 بتعيين الرئيس الاميركي باراك اوباما السفير روبرت فورد في دمشق بمرسوم خاص، وانتهت بوصول المراقبين العرب الى العاصمة السورية، بعد عشرة اشهر من الاحداث الدامية وسقوط اكثر من خمسة آلاف قتيل في سوريا، وباقتراب الحالة العراقية من حافة الهاوية بعد الانسحاب الاميركي.

والعاصفة السورية التي هبت في 15 آذار، كانت الحدث الذي طبع الروزنامة اللبنانية. فحين عين اوباما، فورد سفيرا بعدما كان الرئيس جورج بوش سحب السفيرة مارغريت سكوبي عقب اغتيال الرئيس رفيق الحريري، تنفس حلفاء سوريا الصعداء. فالمتغيرات العربية والدولية بدأت تعيد صوغ علاقة سوية مع دمشق، منذ اتفاق الدوحة، واقرار الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي بدور النظام السوري وفك عزلته الدولية والاوروبية، وصولا الى الزيارة الثنائية للملك السعودي عبدالله بن عبد العزيز والرئيس بشار الاسد الى قصر بعبدا.

وصل فورد الى مقر السفارة فارتاحت دمشق، واطمأن حلفاؤها الذين قفزوا الى استنتاجات سريعة عن عودة النظام السوري الى الاضطلاع بدوره المعتاد واستعادته الورقة اللبنانية ليساوم عليها كما كانت حاله منذ عام 1975. ولأنهم ارتأوا ان اللحظة مناسبة، اسقطوا رئيس الوزراء سعد الحريري لحظة دخوله الى البيت الابيض للقاء اوباما. ودخل لبنان في مأزق التسمية ثم التأليف.

تزامن الحدث الحكومي مع انقلاب ابيض في بكركي قاده الفاتيكان، بالاتيان براهب ماروني بطريركا. استهل البطريرك الجديد مار بشارة بطرس الراعي حبريته بالاصرار على زيارة الرعية المارونية في سوريا كاسراً تقليداً ارساه البطريرك الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير برفضه زيارة دمشق، حتى حين طلب منه البابا (الراحل) يوحنا بولس الثاني مرافقته إياه.

في الاشهر الاولى من 2011، كانت الشعوب العربية تحوّل تونس ومصر وليبيا ساحات صراع مع الانظمة الحاكمة، وانتقلت العدوى الى سوريا، وصار فورد شاهدا على التظاهرات وقمع النظام السوري لها من درعا الى بانياس وحمص. أحدثت التظاهرات السورية صدمة في لبنان، الى حد ان الاسابيع الاولى شهدت صمتا لبنانيا من جانب قوى 8 و14 آذار على السواء في مقاربة الوضع سلبا او ايجابا. امتنع الجميع عن التعليق الى ان بدأ الحدث يفرض نفسه اقليميا ودوليا. كابر حلفاء الاسد في تصوير الحالة السورية على انها غيمة صيف، وحاذرت قوى 14 آذار دعم المتظاهرين السوريين، قبل انكشاف حقيقة ما سيؤول اليه الوضع، وخصوصا انها كانت غارقة في استيعاب الصدمة التي خلّفها خروج الحريري من الحكومة ومن لبنان. لكن سرعان ما ظهر ان الحالة السورية اكثر تعقيدا، وان عناصرها اشمل مما كان يعتقد اللبنانيون. انفجرت الارض السورية في مجمل المحافظات، وطاولت شظاياها السعودية وتركيا وقطر. لم تعد السعودية تلاقي ترحيبا منذ ان نعى وزير الخارجية الامير سعود الفيصل مبادرة "السين سين"، ولم تعد "شكراً قطر" معبرة عما يخالج حلفاء سوريا والنظام، اذ تحولت قطر بين ليلة واخرى واحة لضرب النظام واستهدافه والتهويل برفع القضية السورية الى مجلس الامن. اما تركيا فكانت لها حصة الاسد من الاتهامات ومن التنديد بها بعدما كانت اعلامها ترفع في المحافل عقب تعرّض "اسطول الحرية" لنيران الجيش الاسرائيلي.

لكن مقاومة اسرائيل امر، والوقوف في وجه النظام السوري امر آخر. رفعت سوريا درجة تأهبها على الحدود مع تركيا وحشدت قوات على الحدود المشتركة معها ومع الاردن ولبنان. وبقي الممر العراقي آمنا، ايذانا بانفتاح الملفين العراقي والسوري على بوابة واحدة، بعد الانسحاب الاميركي.

ومع التحول الاقليمي، بدا الموقف الدولي يظهر بوضوح اكثر مع السياسة الفرنسية المتجددة بقيادة وزير الخارجية الان جوبيه في التنديد بالقمع السوري. لكنه ترافق مع "فيتو" روسي اول من نوعه ضد اي قرار يستهدف دمشق، في حين كانت واشنطن تنتقل من موقع المراقب الى المطالبة بتنحي الاسد.

وعلى وقع تحول علاقات سوريا مع حلفائها كانت حدة المواجهات السورية ترتفع ومعها تتنوع شعارات كل يوم جمعة. وبدأ لبنان يصبح على تماس يومي مع الحدث السوري، بعد توافد اللاجئين السوريين، وانكشاف قضية خطف معارضين سوريين من داخل لبنان، والحديث عن تهريب السلاح عبر البقاع الشمالي. صارت حمص شاهدا يوميا على عمق التأثير السوري على لبنان، لان اي تغيير دراماتيكي فيها سيرتد على لبنان بكل مكوناته. ولان الحرب فيها اخذت منحى مذهبياً تصاعدياً، تغيّر الكلام اللبناني على قاعدة الترويج لنظرية حماية الاقليات. وما قاله الراعي في باريس حول حماية المسيحيين والخوف من الاصولية السنية معطوفا على زياراته الداخلية ولقاءات موفديه مع "حزب الله"، ومع السفيرين السوري علي عبد الكريم علي والايراني غضنفر ركن آبادي، كرس انعطافة لبنانية على تماس مع العاصفة السورية. بدت بكركي اقرب الى حلفاء دمشق في مقاربة التطور السوري مما استنفر اركان المعارضة السورية ومنهم مسيحيون. تماما كما استنفرهم عدم وضوح الرؤية اللبنانية في تناول الملف السوري. فهل لبنان مع النظام السوري ام مع الشعب السوري؟

سؤال تريّثت قوى 14 آذار في الاجابة عنه، الى ان بدأت بعد اشهر من الانتفاضة السورية تعبّر بوضوح عن وقوفها الى جانب الشعب السوري، وصولاً الى تأكيد الحريري في اطلالاته الالكترونية تأييده للشعب السوري ومهاجمة نظام الاسد.

تهيّبت المعارضة اللبنانية الحدث السوري، وفي بالها خشية شبه دائمة من ان تعود دمشق الى المساومة فتربح لبنان مجددا. اما الاكثرية فتراهن على هذه الورقة، وعلى استعادة دمشق دورها، ولا يصدق الطرفان ان سوريا اصبحت هي نفسها ورقة للتفاوض. لا بل استمر حلفاء دمشق يتوافدون الى سوريا، وقد يكونون وحدهم من الذين ظلوا على تواصل دائم مع الاسد، وكان آخرهم الرئيس ميشال سليمان الذي عزّى الاسد بضحايا تفجيري دمشق. والمفارقة الوحيدة ان رئيس الوزراء نجيب ميقاتي لم يزر سوريا منذ توليه رئاسة الوزراء، بخلاف ما فعل جميع رؤساء الوزراء السابقين بمن فيهم الرئيس فؤاد السنيورة والحريري الابن، مكتفياً على ما يبدو بلقاءات شقيقه طه ميقاتي مع القيادة السورية.

لعل الفسحة الوحيدة التي انتجها ترقّب الطرفين ان الوضع اللبناني الهش، والذي يحوي كل مكونات التفجير، بقي محافظاً على شبه هدوئه. فلا تكاد الامور تصل الى حافة الانفجار حتى تهدأ مجدداً. هكذا مرّ قطوع تشكيل الحكومة، وكذلك تمويل المحكمة، بدعم غربي وروسي وعربي. وهكذا مرّت التظاهرات في الجنوب في يوم النكبة في ايار الفائت مخلفة قتلى من دون حرب. وبقي الجنوب صندوق رسائل مضبوطة الايقاع، في اطلاق الصواريخ على شمال اسرائيل، او استهداف القوات الدولية.

ثمة اعتقاد بأن لبنان تجاوز سنة 2011 قطوع الانفجار السوري وخروج الحريري والمجيء بميقاتي وتمويل المحكمة وغياب مظلة بكركي عن خطاب السيادة والاستقلال، بأقل الاضرار الممكنة. لكن لبنان يطل على سنة 2012، وفيه خيوط كثيرة متشابكة، من ازدياد الانهيار السوري الى التصدع العراقي وبدء توافد الشخصيات العراقية المعارضة للخط الايراني الى بيروت، ناهيك عن وجود اللاجئين والمعارضين السوريين، الى كمّ من التراكمات والانقسامات الداخلية والانهيار الفعلي لمكونات الدولة. وكذلك فإن لبنان مقبل على مقاربة الحدث السوري من زاوية احتمالات تدويله عشية بدء قوى 14 آذار الاستعدادات لذكرى 14 شباط. وبين عودة فورد ومجيء المراقبين العرب، والانقسام العراقي المذهبي، تطمينات دولية ان لبنان سيكون بعيدا من تجاذبات المشكلة السورية والعراقية، لكن المشكلة ان اللبنانيين يهوون استيراد الحروب والمشكلات الاقليمية واستيلادها.

=================

لبنانياً سوريا لم تعد تقبل "النأي"!

سركيس نعوم

2011-12-28

النهار

اعتقد اللبنانيون انهم دخلوا مرحلة جديدة بعد اندلاع ثورة غالبية الشعب السوري على نظام الأسد. وهذا ما حصل لهم فعلاً اذ صاروا قاب قوسين أو أدنى من الانزلاق الى تورط مباشر في ما يجري داخل سوريا. علماً ان التورط السياسي بدأ منذ ما قبل الثورة وهو يتصاعد الآن. الا ان التورط الأمني ولاحقاً العسكري لم يتحققا حتى الآن على رغم تبادل نظام الأسد وحلفائه وأخصامهم وحلفائهم الاتهامات بالاشتراك في قمع الثوار أو دعمهم. اما لماذا لم يصح الاعتقاد المشار اليه اعلاه على نحو كامل فلأن سوريا النظام لم تكن في حاجة الى استعمال ساحة لبنان بكل عنفها للدفاع عن نفسها ضد اعدائها. ولذلك فإن القريبين من دمشق اياهم يعتقدون ان لبنان المتعاطف نصفه مع الثوار السوريين والداعم لهم، والمعادي نصفه الآخر لهم، سيدخل وقريباً جداً مرحلة جديدة مماثلة للتي دخلتها سوريا بعد التفجيرين الاخيرين في كفرسوسة ودوار الجمارك اي في قلب دمشق. فهو لم يعد قادراً على الاستمرار في ممارسة سياسة "النأي" بنفسه، ليس عن مشكلات سوريا بل عن التضامن مع نظامها ظالماً كان أو مظلوماً ومحقاً كان أو غير محق. وهي سياسة اضطُرت حكومته برئاسة نجيب ميقاتي حليف النظام وصديق قائده الى انتهاجها بعد اندلاع الثورة السورية تلافياً لاندلاع صراع اهلي جديد داخل لبنان، وتلافياً ايضاً لعقوبات دولية واقليمية لا بد ان تكون مؤذية له في حال اصطف مع دمشق الاسد. طبعاً لم تنظر القيادة السياسية العليا السورية الى هذه السياسة بكثير من الترحيب، لكنها وحلفاءها اللبنانيين بزعامة "حزب الله" اضطروا الى تقبّلها لمعرفتهم ظروف لبنان، ولإدراكهم ان وضعهم الحرج بات يفرض عليهم نوعاً من التساهل الجزئي. الا انهم افهموا اصحاب المواقع والقرارات ان التحلل من الالتزامات والتحالفات ممنوع أو ليس سهلاً على الاقل، وانهم لن يستطيعوا الافلات من اتخاذ ما يلزم من اجراءات سياسية وميدانية وادارية واحياناً عسكرية اذا احتاج حليفهم الأوحد اي سوريا الى ذلك في قابل الايام.

ويبدو استناداً الى القريبين انفسهم ان هذه الأيام لم تعد بعيدة. ويبدو ان على حكومة لبنان واطرافها ان "يتورطوا" اذا اضطروا، وان لا يتذرعوا بأي شيء اقليمي او دولي او حتى داخلي للاستمرار في تطبيق سياسة "النأي" حيال اي شيء يتعلق بسوريا، وإن حرصاً على بلادهم وأمنها واستمرارها كما يقولون. ويدل ذلك على نوع من العتب أو ربما اكثر من العتب على قرار لبنان عدم الاشتراك في فريق المراقبين الذين أرسلتهم جامعة الدول العربية الى سوريا للاطلاع على اوضاعها، وللتمهيد لتطبيق البروتوكول العربي الذي وقعته سوريا، والذي يفترض ان يعيد الامن اليها وان يضعها على سكة الحوار فالاصلاح. وبسبب العتب انها، في فريق كهذا تنتمي غالبية أعضائه الى دول عربية معارضة لنظامها، تحتاج الى مشاركة حليفة، لكنها لم تتوافر. في اختصار يقول القريبون من دمشق ونظامها انفسهم ان دخول لبنان مرحلة جديدة بعد تفجيرَيْ دمشق الاخيرين يعود الى كونه ساحة وليس دولة بل وليس لاعباً رئيسياً او ثانوياً.

اين هي المناطق التي قد تصاب بدخول لبنان مرحلة جديدة بعد سوريا أو معها؟

بداية يقول هؤلاء ان المناطق التي يسيطر عليها "حزب الله" والجيش اللبناني منفردَيْن او مجتمعَيْن يُفترض ان تكون بمنأى عن آثار المرحلة الجديدة. اما المناطق الخارج سيطرتهما أو سيطرة اي منهما، وفي مقدمها مخيمات اللاجئين الفلسطينيين ولا سيما في الجنوب فانها قد تكون مسرحاً لمواجهات وعمليات معينة. فهي من جهة خارج سيطرة الدولة من زمان. وهي من جهة ثانية مرتع لجماعات اسلامية اصولية متطرفة وتكفيرية فلسطينية ولبنانية وعربية واسلامية. وهي من جهة ثالثة تحظى بتعاطف في محيطها الشعبي اللبناني بعدما اتخذت التطورات في المنطقة كلها ومنها لبنان منحى مذهبياً. الا ان بقاء المناطق اللبنانية خارج آثار المرحلة الجديدة ليس مضموناً ابداً. لأن "التيارات" المذكورة موجودة في اكثر من منطقة وكذلك الجيش و"الحزب"، ولأن لبنان كله "قد الكمشة" كما يقال. اما موعد كل ذلك فلا يمكن التكهن به. الا ان هناك اقتناعاً شبه عام بأنه لم يعد بعيداً. علماً ان اللبنانيين يتساءلون وبسخرية بالقول: أليست سوريا الاسد هي من اجبرت لبنان على ترك المخيمات المذكورة بؤراً خارج سيطرته؟ وعلى عدم بناء دولة حقيقية مقبولة من كل "شعوبه" وفقاً لاتفاق الطائف؟ أوليست عقلية "الى الابد" وراء كل ذلك؟

=================

النظام السوري والاستعداد لاستقبال الجديد

رضوان السيد

الدستور

28-12-2011

يعرف الجميع أنّ النظام السوريَّ ما قبل بالمبادرة العربية، إلاّ بعد أن عجز الروس عن الاستمرار معه بدون شروط. وقد اتفق الطرفان: تقدّم روسيا مشروع قرارها لمجلس الأمن لقطع الطريق على الجامعة العربية، ويتظاهر النظام السوري بقبول المبادرة. وقد مضى على ذلك حتى الآن أكثر من أُسبوع، ووصلت طلائع المراقبين العرب إلى دمشق، والمفروض أن يكونوا منذ يوم أمس الثلاثاء في حمص ومواطن أُخرى. وكان وليد المعلِّم قد تحدث في مؤتمره الصحفي الشهير إنه لا علاقة له بالمبادرة، وإنما وقّعت سورية على خطة العمل أو البروتوكول! إنما حتّى البروتوكول إذا طُبّق بحذافيره فيه إحراجٌ كبيرٌ للنظام السوري إنْ كانت في الرأس أو في الوجه بقايا من الحياء. فالمطلوب من المراقبين- الذين فَرَّق بينهم وبين المفتِّشين المتحدث باسم الخارجية! – مراقبة وقف العنف، وانسحاب القطعات العسكرية والأمنية من الشوارع والساحات، وإطلاق سراح المعتقلين، والاجتماع بالمواطنين والاطّلاع على شكاواهم وعلى ما جرى عندهم وعليهم. فإذا نجح هذا الجزء من البروتوكول خلال أُسبوعين مثلاً، تلتقي الأطراف بالجامعة العربية لبدء التفاوُض على البرنامج الإصلاحي المزمَّن، فحكومة الوفاق الوطني لتنفيذ البرنامج، والذي يذهب بنهايته الرئيس بشار الأسد مع نهاية مدته “الدستورية”!

إنّ هذه الأمور كلَّها تبدو اليوم، بل ومنذ ستة أشهر حُلُماً من الأحلام. فخلال الأسبوع منذ قبول المبادرة العربية سقط ثلاثمائة شهيد وأكثر. وما يزال زبانية النظام يخبرون أصدقاءهم وحلفاءَهم بلبنان أنّ الأُمور كلَّها تحت السيطرة، وسوف يهرب العرب من سورية، كما هرب الأميركيون من العراق!

ويعتقد النظام السوري أنّ “الانسداد” في الحلول هو لمصلحته. فلا أحد من الدوليين يريد التدخُّل العسكري حتّى بقرارٍ من مجلس الأمن. والتدخل الإنساني يمكن أن يتحول إلى مثل تدخل الجامعة العربية، أي أنه لا أنياب له؛ فإمّا أن يقبل بالأمر الواقع أو ينسحب. وخلال ذلك -كما يأمل النظام- يكون المالكي الهائج بالعراق الآن على السنة مثل هياج الأسد بسورية عليهم، يكون قد سيطر، كما سيطر وسيسيطر حزب الله بلبنان. وبذلك يمكن استناداً إلى توحُّد الأنظمة الثلاثة، السيطرة على الوضع ولو بعد حين. ويستطيع العراق وتستطيع إيران المساعدة في وجه الحصار والعقوبات، إلى أن ييأس العرب والدوليون، ويقبلون بالحلول الوسط؛ وبخاصةٍ أنّ إسرائيل وإيران من بين سائر دول العالم، تُصران على ضرورة بقاء النظام السوري، باعتباره بالفعل نظام مُمانعة، ضدَّ العرب وضدَّ شعبه العربي.

إنّ هذا الفيلم الذي ينصره الجنرال سليماني بشدة، وفي البلدان الثلاثة، لا يملك أيّ نصيب ٍمن الأمل في النجاح. فالاضطراب الشعبي والأمني في العراق وسورية إلى ازدياد، والانشقاقات بالجيش أو الأمن إلى ازدياد. والأهمُّ من ذلك أنّ المدن الكبرى ما عادت خارج الثورة. والتطورات بالعراق وضعت البلاد على حافة الانقسام، بحيث يحتاجُ المالكي إلى مَنْ يساعِدهُ هو، ولا يقدر على مساعدة الآخرين.

ما أظهر أيُّ نظامٍ عربيٍّ –ربما باستثناء المغرب- استعداداً ولو بالحدّ الأدنى لاستقبال الجديد. والنظامُ السوري -وهو أَجرأُ الأنظمة العربية على القتل- لا يملك أيَّ استعدادٍ لأي شيء، باستثناء طبيعته الأصلية، ولذلك لن تنجح الجامعة العربية في أيّ شيء في الغالب، رغم أنها أملُهُ الوحيد في شيء من النجاة.

================

إفلاس أنظمة الخوف.. حديث القلل المندسة والأصابع الخارجية والأطراف الثالثة

يحيى مصطفى كامل

2011-12-27

القدس العربي

تذهلني الأنظمة العربية (خاصة السوري والمصري) بمقدرتيهما الفائقتين على الحماقة!...تدهشني بما تلجأ إليه من أساليب مكررة أبداً حد الملل للهرب من مآزق خلقتها بنفسها! ...إلا أن أكثر ما يثير العجب المقرون بانعدام التصديق هو عدم إدراك هذه الأنظمة أن العالم يتغير حولهم وأن أجهزة إعلامهم وكتبتهم لم يعودوا مؤثرين كما كانوا من قبل في عالمٍ سماؤه مفتوحة وملأى بالفضائيات؛ عالم ليس بالضرورة أكثر شفافيةً أو صدقاً إلا أن هذه الأنظمة، يقيناً ليست الأعلى صوتاً فيه ولا الأكثر تأثيراً.

أكتب هذا لأعبر عن بضعة ملاحظاتٍ وخواطر بصدد فكرة القلل المندسة والعصابات المسلحة والأجندات الخارجية والأطراف الثالثة وما شابهها من مرادفات في ترسانة الأسلحة اللفظية العتيقة لهذه الأنظمة وهي ما استعملته في أوقاتٍ مختلفة ومتباينة من عمر الثورات التي تعصف بها. يُلاحظ أنه في حين لجأ النظام السوري لفرية 'العصابات المسلحة' والقلل المندسة منذ البداية، فإنه أظهر ثباتاً ولم يراوح موقفه كونه 'نظاماً ممانعاً' ذا مبادئ بل ورفع هذه الأكذوبة إلى مصاف الأسطورة في الرواية الرسمية وكرسها مشجباً يعلق عليه كل عنفه وإجرامه، مبدياً من انعدام المرونة ما يصلح أن يحاكم عليه بتهمة الغباء ناهيك عن جريمة إبادة شعبه! في المقابل فإن النظام المصري لجأ إليها في البداية ولم تصمد لأن الثورة لم تمهل مباركاً طويلاً فانزلق حديث القلل المندسة والأجندات معه وخفتت ناره بما يعكس مرونة ً نسبية في النظام مقارنةً مع شقيقه السورى... هذا في البداية فقط...لكن لأن النظام ما يزال قائماً في معطياته وانحيازاته الأساسية وبالتالي لم ينفض مفردات خطابه وسيطرته الفكرية القديمة فقد بقيت هذه التهم مخزونة في جعبته ثم رجعت تطل برأسها في صورة اتهاماتٍ لفصائل بعينها بتلقي الدعم المالي من الخارج بما يفيد بعمالتها ويصب في خانة حرق رصيدها الوليد عند الجمهور وتخوينها، ومن الملفت أنه روعي في حملة التشويه تلك تصويب السهام إلى الفصائل الأحدث في العمل السياسي والتي يشكل الشباب عمادها لسببين في رأيي: أولاً لأنهم الأكثر تشبثاً بالثورة مستميتين في الدفاع عن مطالبها واستمراريتها واقفين في وجه العسكر وثانياً لأنهم بفعل حداثتهم في العمل السياسي وصغر سنهم النسبيين أطرى عظاماً وغير ذوي شوكة إذا ما قورنوا مثلاً بالأحزاب الدينية بما يمكن من استهدافهم والنجاح في إيذائهم خاصةً إذا أضيف إلى تلك الحملة تشنيعٌ وتهم تنال سلوكهم الأخلاقي في مجتمعٍ محافظٍ في المجمل كالمجتمع المصري.

لم يقف الأمر عن هذا الحد، فقد جد تطويرٌ في الأداء في البلدين...فقد أكسبا تهمهم المختلقة بعداً تصويرياً شيقاً ولنقل غرائبياً لا يدل سوى على الإفلاس وإن كان لا يخلو من الفكاهة! تجلى ذلك في الصور التي لجأ لها وليد المعلم في مؤتمره الصحافي لقتيلٍ يمثل به مدعياً انتماءه للأمن السوري وأنه سقط قتيلاً على يد الثوار ثم تبين فيما بعد أنها لأحداثٍ تتعلق بخلافاتٍ شخصية دارت في وقتٍ سابق في بلدٍ آخر! ولأن الاقتباس مشروعٌ في الإبداع فقد لجأ النظام المصري إلى حيلةٍ مشابهة حيث أذاع صورةً لمخزن اسلحة مدعياً تبعيته لحركة 6 ابريل ثم تبين أن هذه الصورة مسروقة من موقعٍ أو جريدة سورية كانت تحاول إثبات تهمة التسلح على الثورة السورية! ...و نعم التعاون بين الأشقاء! وأخيراً (وبالتأكيد ليس آخراً...) أنشأ النظام المصري يوزع في كرمٍ ربما غير مسبوق تهم العمالة والتآمر لإسقاط البلاد في هوة الفوضى لتبرير وتمرير مذبحته الأخيرة للمعتصمين التي فضحته أمام العالم، والأنكى من ذلك والأكثر فكاهةً وعبثاً أن تشاهد التلفاز فتجد صحفياً عضو برلمان ذائع الصيت ومعروف بقربه من أجهزة الأمن يهدد أمريكا بالفناء إن هي حاولت احتلال مصر أو حتى سولت لها نفسها خدش كرامتها واستقلالها...و لا معنى لسؤاله: متى عادت مصر أمريكا في العقود الأربعة الأخيرة؟ ومضيعةٌ للوقت تذكير أمثاله والجمهور بأن النظام المصري طوال هذه العقود كان ترساً في المشروع الأمريكي وصمام أمان له في المنطقة. كل ما سبق يدل على حقيقتين أساسيتين محوريتين: أولا ً أنها أنظمةٌ لا بقاء لها دون الخوف...

أجل! إن هذه الأنظمة التي وصلت إلى سدة الحكم مرتديةً الزي العسكري انحصر مشروعها في البقاء والتمتع بالسلطة والاستحواذ على ثروات البلاد وحرمان وتهميش الشعب من المشاركة في الأسلاب وطبعاً المشاركة السياسية...أنظمةٌ فاقدة الشرعة فشلت في السلم والحرب فلم تجد أمامها سوى التركيز والنجاح في إنجازٍ واحد: خلق الإنسان المفرد الخائف..ذلك الذي لا يعرف العمل الجماعي ويخشاه كما يخشى أجهزة الدولة الأمنية والقمعية ويخشى أيضاً الخارج المتآمر وطرق الحياة المختلفة والأفكار الجديدة وجاره وحتى الحائط ذا الأذنين... إنسانٌ خائفٌ مرتعدٌ من كل شيء..كل شيء...

أما ثاني الحقائق فهو إفلاس هذه الأنظمة التام.

أدرك أن إفلاسها ليس بالجديد، إلا أن ذلك المستوى المتدني في الأداء فيه شيء من الجدة، وهو لا يرجع إلى انعدام فهم المتغيرات حولهم فقط وإنما أيضاً لانعدام المقدرة على التصرف بطريقةٍ مختلفة...إن هذه الأنظمة تكلست وتحجرت على جوهرها القمعي النهبي والاستثمار في الخوف ويدرك أساطينها أتم الإدراك أن أي تغييرٍ حقيقي في بنية السلطة أو أي قبولٍ بالمشاركة يعني فضح جرائمهم ونهايتهم الفعلية، ولذا فعوضاً عن محاولة مجابهة واقعها ومشاكلها تهرب إ لى دعاوى المؤامرات الخارجية. نحن إذن أمام أنظمةٍ تتوسل البقاء بالخوف...أنظمةٌ فاشلة تماماً ليس أدل على فشلها من كونها بما لها من منظوماتٍ أمنيةٍ قمعيةٍ تحصي على الناس أنفاسهم لم تحل دون تهريب الأسلحة إلى داخل البلاد ولم تتمكن من القبض على هذه القلل المندسة رغم مرور ما يقرب من العام، هذا طبعاً بفرض صحة زعمهم.

أربعون عاماً أو يزيد وهذا اللهو الخفي والمؤمرات الخارجية تظهر في أوقات أزمات هذه الأنظمة فيروج لها بوق الإعلام لكي تتهرب من مواجهة حقيقة وجودها العاجز أو تتصدى لمشاكل مجتمعٍ يفتقر ويتفسخ. أربعون عاماً أو يزيد والمواطن مهان ليس أرخص من دمه والخط البياني في الحضيض بينما نهضت من الوحل عمالقة كالهند والصين.. أربعون عاماً أو يزيد من الفشل الذريع المطبق..

أما آن لهم أن يرحلوا؟

' كاتب مصري

=================

ثقافة اللاعنف: تكسب الحرب دون ان تشعلها!

مطاع صفدي

2011-12-27

القدس العربي

ثقافة اللاعنف التي جسدتها ثورات الربيع العربي لم تكن لتنتصر بعضُ وقائعها من دون أن تفجّر أقصى ما يختزنه عدوُّها الاستبدادُ من وسائل عنفه الذي اعتقده لا محدوداً. لكنه سرعان ما استنفده كمّيات وأنواعاً من الإبادات الفردوية والجماعية، مصحوبةً بأقصى تقنيات التعذيب لأجساد الرجال والنساء والأطفال. ما يعني أن ثورة اللاعنف يجب أن تولّد نوعَ المقاومة التي عليها أن تربح الحرب دون أن تشعلها. فتحاذر ألا تنزلق إلى أية وسيلة مختلفة عن غايتها؛ ثورة اللاعنف هي في استمراريته، لأنه من طبيعة إنسانية ضامن لمستقبلها، غايتُها كامنة في وسيلتها؛ كما يقول غاندي: أن الشجرة هي في البذرة. لكن العنف هو دائماً من طبيعة مادية قابلة للاستهلاك والنفاد، هي من تراكميات ماضية لأفاعيل الاستبداد عبر مرحلة ما قبل الثورة.. وإلى حين اندلاع المقاومة الآتية بنهاية مستقبله.

يبلغ العنف أوجه كلما اقتربت نهايته، كلما تراكمت سدَّت أجسادُ ضحاياه سُبلَ النجاة أمام جحافله الزاحفة. يحدث هذا لها قبل أن تمسي فلولاً هاربة. معارك سورية اليوم تُعلي من مشهديات النضال اللاعنفي ما فوق كل الصراعات الدموية، حتى تلك التي قد تجرّ بعض السلميين إلى وقائع سيئة يكرهونها، وإن كانت باسم الدفاع عن النفس، للذات وللآخرين من متظاهري الليل والنهار في معظم الجغرافية السورية.

فالثورة في هذا القطر لا تقاتل أعداءها وحدهم بالصدور العارية والهتافات المباشرة. هنالك قوى طفيلية كثيرة، محلية وإقليمية ودولية، تتزاحم في هوامشها، وقد تتسلّق بعضَ أعمدتها الشاهقة، كيما تتخاطف بعض أعلامها وشعاراتها، فقد قيل منذ عقود الصراع المباشر مع إسرائيل أنه لا حرب بدون مصر، ولا سلام بدون سورية، واليوم سيُقال أنه لا ثورة لربيع عربي بدون مصر، ولا مواسم ديمومة وازدهار أمامها، لهذه الثورة بدون تحرر بلاد الشام والرافدين. من هنا ينبغي فهم هذا التصعيد للعنف العسكري المباشر للجيشيْن المصري والسوري معاً. كأنهما منخرطان سوية فيما يشبه إعلانَ حربٍ، ملحقٍ بممارسةٍ، لها صنْفها الأهلي المكروه دون لبس أو قناع.

النظام العربي وما وراءه دولياً قرروا الارتداد بالقوة المادية المنظمة والعظمى على المشروع المحوري المتجدد لجناحيْ النهضة العائدة اختلافياً بنيوياً هذه المرة. من قواعدها الشعبية الشبابية، التي كان جرى تحييدها وعزلها طيلة نهضة الاستقلال المجهضة، والممنوعة حتى انطلاقِة الربيع الراهن.

فلا يزال هذا الربيع يدهش العالم. صمود الشعب السوري يحوّله عنفُ النظام إلى أسطورة. لكن هذا الشعب لا يتخلى عن حق الدفاع عن النفس، ولو باستخدام الحد الأدنى أحياناً من الأسلحة الخفيفة في أيدي الجنود المنشقين، ومع ذلك فإن الشعب يدفع يومياً فاتورة القتلى والجرحى والمعتقلين والمهجرين، دون أن يتنازل عن حق الثورة بديمومتها واستمرارها حتى بلوغها حقَّ الانتقام المشروع بمعاقبة حفنة المجرمين القتلة، بإسقاط نظامهم الأسروي المافيوزي.

تقول أمريكا أن نظام الأسد لا يستحق أن يحكم، هذه العبارة يجب أن يفهم منها الشخص العادي أن النظام لم يعد فاقداً للمشروعية السياسية، بل للمشروعية الأخلاقية بل الإنسانية، فقد انتقلت آلة القمع من ملاحقة الأفراد إلى قتل الجماعات، من إرهاب الأحياء والشوارع، إلى اجتياح المدن والقرى، من تعذيب الرجال إلى قطع أوصال الأطفال. من حصار البيوت إلى تدميرها على رؤوس ساكنيها؛ فما هو الوصف السياسي الأسوأ أو التحديد الجرمي الذي لم تتجاوزْه بعْدُ قيادةُ هذا النظام. ليس هو جنون الدم وحدَه الذي يأخذ بعقول هؤلاء الثلاثة أو الأربعة من جلادي الأسرة المتسلطة وأتباعها، بل هو ذلك الجنون المتذاكي الذي يوهم أصحابه أن تحقيق النصر سيتكفل بدفن مقابره إلى الأبد. ولكن من يجيب هؤلاء أن العرش المنصوب فوق جبل من الجماجم لن يكون إلا هيكلاً عظيماً من جنس أمواته فحسب.

الأمر العجيب في أحوال طغمة البطش هذه، أنه كلما عمد حلفاء أو أصدقاء النظام، عرباً أو أجانب، إلى طرح سبل الفرص والمهل والمبادرات أمامه، لتجنّبه مصيرَه الأسود، كلما عمد هو إلى تعزيز مقدمات ومحفزات هذا المصير، فارتكاب مجازر المدن والأحياء، في أوسع مشهدية إعلامية تحت أنظار رأي عربي ودولي متحفز، منتظر لحصائل مراقبي الجامعة، هذه المسرحة الدموية الرهيبة المستفزة لضمائر الأبعدين قبل الأقربين ألا تُنهي مهمةَ المبادرة قبل أن تبدأ، ألا تقدم البرهان الأوضح عما يبحث عنه المراقبون، قبل أن يشرعوا في أي خطوة من تحركهم الميداني المنتظر، مرة أخرى تهزم وقائعُ الدم البريء المهدور دبلوماسيةً إقليمية ودولية خبيثة وعاجزة. سلاطين العرب والعالم يريدون أدلة قاطعة على جرمية النظام المافيوزي قبل أن يقرروا استبداله بنظام آخر من جنس سابقهِ، من غير وجوهه وأسمائه فقط، يكررون ما يفعلونه بالنسبة لحكام ليبيا ومصر الجدد... والقدامى. كأنما مقتلة بضع مئات من المدنيين والعسكريين المنشقين، خلال أقل من يومين قبيل وصول الرقابة العربية العتيدة، لا تكفي لتوثيق أدق شهادة وفاة مبرمة لحالة براءة مفترضة للنظام قبل الإدانة المطلقة. لو كان هؤلاء السلاطين جادين حقاً لأعلنوا أن مبادرة الجامعة العربية قد أنجزت مهمتها. كفاها أهلُ النظام مؤونةَ البحث والتجوال ما بين مواقع (الاضطرابات). ولما كان السلاطين لن يُقدِموا على مثل هذه المجازفة الخطيرة، غير الدبلوماسية، فإنهم سوف يثبتون من جديد أنهم لم يكونوا أبداً شهوداً حياديين في الأقل طيلة الشهور العشرة الماضية، كما كانوا يدعون، وذلك لنقص.. المعلومات الموثقة(؟)، لكنهم لن يكونوا، بعد الواقعات الكارثية الأخيرة، المتمتعة بشهادة خصائص الفضيحة العالمية غير القابلة للدحض أو التعمية.. لن يكونوا أقل أو أكثر براءة من مرتكبيها، ومن حماتهم معاً.

فالربيع العربي لا يستنفر ضده أعدائه المحليين المباشرين وحدهم. إنه خطر شمولي مداهم كإعصار الطبيعة الغاضبة، الذي لا يُمهل، لا يترك أحداً خارجَه حتى يجعله مطاحاً به إلى عيِن، مركزِ دوامته. ما يعني أن الإعصار لا يترك ثابتاً مستقراً في مكانه، يشيل يخلط الأشياء والبشر والشجر والحجر. إنه إعصار الطبيعة الغاضبة، تناظره الثورات الموصوفة بالتاريخية حقاً. ولكنْ، حتى لا ينهض ربيعُ العرب إلى سوية الإعصار التاريخي، تتكاثف دونه وحوله، وعليه رمال الصحارى من كل جانب، لعلّها تطمره أو تبدّده.

فليس كالدبلوماسية النفطوية عدوةً حقيقية لواحاتها في صحاريها عينها، فكيف إنْ فاجأتها الأعاصير من كل جانب، نقول هذا لأن الربيع العربي ينتشل مجدداً الخطوط الفاصلة الحادة التي كادت تضيع معالمها تحت الرمال عينها لكنها هي الثورة التاريخية الحقيقية بقوة شبابها، وحدهم من دون أية وساطة أو وصاية بشرية أو (ورقية)، يدعيها محاربون قدامى أو تسوِّغها آياتُ مؤدلجة؛ سوريةُ الثورة غير قابلة لتكرار التجربة الليبية، بالواسطة الأطلسية، ولا باستنساخ التسوية اليمنية تحت الوصاية الخليجية.

حيوية الثورة السورية غير آبهة بمبادرة الجامعة العربية، تعطيها اسمها الواقعي: بروتكول الموت. لم يأْتِها هذا الإسمُ المشؤوم ترميزاً لمرحلة إعداد المبادرة، وأرقام قتلاها القياسية في مواقع الصراع فحسب، لكنه يأتي علامة النذير بالمقتلات القادمة الأفظع، ذلك أن المسعى الفعلي المقرّر ضمنياً لحراك هذا البروتكول، بمكوناته المنظورة وغيرها، هو تعويمُ شرعيةٍ جديدة للنظام مقابلَ تنازل الثورة عن انتفاضاتها اليومية، وذلك تحت يافطات متكاثرة من شعارات الحوار والتهادن وربما.. التصالح.

كأنما لم يحن الوقت بعْدُ لتسليم النظام إلى مصيره. تلك المُهَل القاتلة، المتناسلة من بعضها، المعطاة له إقليمياً ودولياً، تدلّ على حقيقة واحدة، وهي عدم اليأس من جدوى النظام ومنافعه لأعدائه الصوريين. وقد دلّت تجارب إقامته الطويلة في سدة الحكم أنه كان جديراً بالثقة الممنوحة له. فكان شعاره: البقاء مقابل أي شيء، ضامناً لنجاته من الأفخاخ التي تساقطَ فيها وتجاوزها.

أمّا أنْ يواجِه هذه الثورةَ يوماً ما، فذلك من أبعد كوابيسه عن مخياله. كان أصعب ما يصدم عقلَه المرتبك هو أنها ثورة شعب، وليست تمرّد فئة، أو حزب، وأن سلاحها الوحيد هو سلميتها التي لا تتزحزح (الثورة) عنها قيد أنملة، بالرغم من كل محاولات توريطها في مقتلات سياسية وإرهابية؛ الأمر الذي دفع أهل النظام إلى اختراع صنف القوى الإرهابية الأخرى، كجهة ثالثة بين النظام والثورة، يمكن أن توصم بها الثورة وحدها يوماً ما. تفجيرُ مركزيْ الأمن الخطيرين أخيراً قد يجيء ذروةً أولى في هذا السياق من ألعاب ديموغاجيةِ الرعب والموت الجماعي.

كل ثورة بيضاء إنسانية في التاريخ قد يترصّدُها مستنقعُ الدماء، الذي عليه أن يطيح بإنسانيتها المثالية تلك. والربيع العربي عاش سنته الأولى مُهدَّداً بكل نوع من المقتلات الاضطرارية والمفتعلة. لكنه مع ذلك، لم تثبت وقائعه، ولم تتحول إنجازاته إلى نوعِ ثقافة العصر التي يتلقفُها ثوارُ العالم الجدد.

إلا لأن هذا الربيع جاء مبشراً بعودة إرادة المبادرة، في التغيير الجذري، إلى أيدي الشعوب، لاغيةً بذلك صنوف الوكالات الفوقية، السابحة على سطوحها والمدعية لصناعة عقول الناس، والقائدة لمشاريعها الجماعية. فقد أنهى 'الربيع' تبعية الشعوب لأساطير أقليات مستبدة بالأغلبيات في سياق استراتيجيات شبه كونية تحت طائلة حضارة العنف وحدَها، فهي الحارسة والمحروسة بأسلحة التدمير الشامل، معدنياً مادياً، أو إنسانياً فكرياً، وإعلامياً.

سنة أولى من عصر الربيع العربي، ولِدَ ليبقى. ويبقى لينتج مواسمه حتى ولو تكالبت عليه شتاءات العصور المظلمة السابقة عليه، والمتحدية له في عقر أوطانه ودياره. فلا يزال يتوج صدورُ الشباب المفتوحة بأزهاره، وقد ينشر بعض ورودها البيضاء على قبور شهدائهم الأبرار المجهولين..

' مفكر عربي مقيم في باريس

=================

حمص الشهيدة

محمد كريشان

2011-12-27

القدس العربي

ما هذا الذي يحدث حاليا في حمص؟!! أي بطولة أو إنسانية في قصف أحياء سكنية وقتل النساء والأطفال في بيوتهم؟!! هل يمكن أن نصدق أن الفاعل هو جيش سورية الوطني وأن المفعول به مواطنون سوريون ظلوا لعقود يرددون منذ صغرهم أن عناصر هذا الجيش هم حماة الديار!؟؟.

لنفترض أننا نشاطر الرواية السورية للأحداث كاملة دون نقصان. لنفترض فعلا أن كل ما يحدث في سورية منذ عشرة أشهر مؤامرة دولية دنيئة ضد قلعة المقاومة ضد إسرائيل تورطت في تنفيذها أو إذكائها دول عديدة أبرزها تركيا وقطر والسعودية وفرنسا لمصلحة الولايات المتحدة وإسرائيل. لنفترض أيضا أن هناك فعلا عصابات مسلحة تعيث في التراب السوري فسادا وتقتل يوميا من الجنود السوريين الكثير. لنفترض أن كل التقارير والصور الآتية من سورية طوال الأشهر الماضية مفبركة بالكامل في 'الغرف السوداء' لقنوات 'التحريض والفتنة' ضد سورية وقيادتها الممانعة.

دعنا نفترض ذلك كله ونبصم عليه بالعشرة ثم نستأذن الحكم السوري والمدافعين البواسل عنه في سؤال واحد لا غير: ما هذا الذي يحدث هذه الأيام في حمص؟! ليكن هذا سؤالا بريئا أو لئيما أو استفساريا أو استنكاريا... لا يهم. هو سؤال لا يبحث سوى عن جواب. ومثلما سايرنا هؤلاء في التوقيع على بياض على كل ما يقوله النظام منذ 15 آذار/مارس إلى اليوم، فليتنازلوا هم قليلا ويسايرونا في تحمل هذا السؤال ثم يتكرموا علينا بجواب حتى وإن كان من سطر واحد.

ما هذا الذي يحدث حاليا في حمص؟! سؤال بسيط وواضح ولا نتمنى من كل هذه الشخصيات السورية واللبنانية التي أدمنت الدفاع عن سورية في كل الأحوال سوى التكرم بالرد عليه بنفس البساطة والوضوح. لا نريد منهم أن ينطلقوا في معزوفتهم العادية التي تحاول بنفس استعراضي سرد ما يعتقدون أنها أخبار انفردوا بها دون سائر خلق الله أو تحليلات إستراتيجية لا يأتيها الباطل من أي جهة. ليقولوا لنا مثلا أن حمص هادئة ولا شيء يحدث فيها على الإطلاق، أو أن الصور المسربة من هناك ملفقة، أو أن هناك فعلا قصفا يجري في المدينة لكنه موجه للقضاء على مسلحين موتورين ولا يهم إن سقط معهم عشرات آخرون من الأبرياء. ليتهم يقولون لنا أي شيء محدد.. حتى لو قالوا مثلا إنه لا توجد أصلا في سورية كلها مدينة تدعى حمص!!

ما هذا الذي يحدث حاليا في حمص؟!! كل هؤلاء المتحدثين من سورية بلسان النظام لم يستطيعوا تقديم جواب واحد على هذا السؤال. إنهم يذهبون بالحديث شرقا وغربا كي لا يردوا عليه.

لا جواب إطلاقا على ما يحدث في باب عمرو من تحويل عائلات بأكملها إلى أشلاء داخل بيوتها، لا جواب على قصف الأحياء السكنية بمدفعيات الدبابات المتنقلة في شوارع مقفرة اختلطت فيها مياه الأمطار بدماء الجثث المرمية. هذه المدينة الثالثة في البلاد تحولت جدرانها إلى ما يشبه قطع الجبن المثقوبة من كل الجوانب.

من المحزن والمخجل بل والمعيب أن يصل المرء إلى استنتاج أن ما يفعله الجيش السوري بشعبه لم تجرؤ إسرائيل المحتلة لأرضنا على القيام به بمثل هذه البشاعة في أحلك المواجهات مع الفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة ولا أدري إن كانت الذاكرة تسعف في استحضار حالات مماثلة ارتكبتها في بيروت أو في جنين. أي انحطاط وصلنا إليه في سورية حتى يعقد بعضنا مقارنات من هذا القبيل!!!

=================

في سورية: للموت طقس آخر!

فراس أبو هلال

2011-12-27

القدس العربي

بطقوس بسيطة ولكنها تليق بمقامهم الرفيع، يشيع السوريون شهداءهم يشيعون سادةَ الكلمة التي كسرت حاجز الصمت بكلام وأهازيج تخفي أكثر مما تقول.

يشيعونهم.. بعد أن يجمعوا ما تبقى من أجسادهم الغضة المقطعة على مذبح الحرية بطقوس تجمع بين المتناقضات، تحمل المعنى وما يعاكسه، وتحتفظ بالموروث دون أن تقدسه، بل تضفي عليه معاني جديدة ستصبح يوما ما موروثا لجيل قادم، حتما سيكون حرا بما يكفي ليتحدث عنها بوافر من الهالة والقداسة والحنين.

يحملون شهداءهم بتوابيت يرددون حولها كلمات من ' إلياذتهم ' التي كتبوها بأنفسهم، دون أن ينتظروا 'هوميروسهم'، فالدم المسال على مذبح الحرية أبلغ من كل ما كتبته الأساطير، وما عجزت حتى عن كتابته.

يكرمون ميتهم بدفنه كما تقول تعاليمهم الدينية وموروثهم الاجتماعي، ولكنهم قبل ذلك يكرمون أنفسهم بإلقاء النظرة الأخيرة على الميت وهو يرقَّص بين الجموع.

تحمل التوابيت ... خمسة أو ستة أو عشرة أو يزيد... تحملها الأكف التي ربما كانت ستأخذ مكانها في النعش، لو ساقها القدر إلى مرمى الرصاص البغيض.

مطرب الحي يحمل، هو الآخر، فوق الأكف، ويحمل سماعة لم تستطع أجهزة الأمن أن تلقي القبض على بطارياتها بعد، ويرفع صوته بالمواويل... يرفع أكثر أكثر، ربما رغبة في الانتقام من قاتل سيذبحه يوما، إن استطاع الوصول إليه!

يجتمع في الهتافات الدين والتراث والأساطير والتمنيات:

لا إله إلا الله

سكابا يا دموع العين سكابا

الموت ولا المذلة

سورية بدها حرية

حرية للأبد

تصرخ الجموع بصوت يزلزل الأرض:

هي لله هي لله

والله والله والله ... ما بنركع إلا ل الله

هم السوريون، إذن، يصنعون تجربتهم الفريدة مع الموت، .... ففي سورية فقط يركض المشيعون بطريقة احتفالية مليئة بالزهو وهم يحملون شهداءهم، وكأن الشهداء يحثونهم على الركض مستعجلين إلى ربهم .... 'وعجلت إليك رب لترضى'.

وفي سورية فقط، يعرض الشهداء بحركة دائرية، تجعل من طقس الموت فرصة للانتقام من القاتل ألذي اراد لهذه الجنازات أن تدفن على عجل وبحزن عادي بسيط.

وفي سورية فقط، يوضع 'عقال' الشهيد و'حطته ' فوق تابوته، في لحظة تتركز فيها الحياة على الرغم من وطأة الموت الثقيلة.

هل يتعب الشهداء حين يدورون على أكف أحبابهم بكل هذه الحماسة والفرح والحزن والانتشاء؟ هل يسمع الشهداء التراث الشامي الذي يردده أحبتهم حول جثامينهم بكل ما احتوت الأهازيج الدمشقية والحموية والحمصية والحورانية والباب عمرية والإدلبية.. إلى آخر الاسماء التي بتنا نحفظها كما تحفظ هي أسماء شهدائها عن قلبِ قلب؟ وأي المشاعر تلك التي تنتاب المشاركين بحفل زفاف الشهيد؟ وهل من فسحة في زحمة كل هذه التفاصيل لأهل الشهيد، الذي توزع فخاره على كل أهل المدينة فبات 'ملكا' لهم أجمعين؟ ربما، ربما يسمح المشهد أن تضاف إلى خلفيتة بين غناء المشيعين وتكبيراتهم، صورة لابنة فقدت أباها الفقير...أو إمرأة ترملت على حين غرة، أو فتى جعله الرصاص 'القومي' يتيما لمجرد أنه ولد في حمص.فبين كل تفاصيل هذا الفرح المضمخ بروح شعبية جمعية لا تلين، يبقى للبكاء، وإن كان خجولا، مكانه في العيون. يبدأ المشيعون بالتفرق بين القبور، يلقي الشيخ غير الرسمي خطبته ودعاءه بالرحمة والنصر المبين، تهدأ بطارية السماعات اليدوية التي كان يحملها المغنون، يجتهد شباب الحي أن يختاروا 'أنعم' الرمل وأجمله ليغطي قبر الشهيد، يهزج شاب لرفيقيه بعض الهتافات التي نسيها قائد الحفل لئلا يغضب الشهداء منهمتتسلل بعض الدموع إلى عيني إمرأة كانت قد دفنت ابنها قبل أيام في ظروف تشبه هذه الظروف، يتلفت رجل عجوز يمنة ويسرة ليتأكد أن ابنه الوحيد لم يمت بعد ولم تلمحه رصاصات 'حماة الديار' يبعث الله غيمة، يستبشر السائرون، فلعل حبيبات المطر ترطب رمل القبور وتجلي هموم القلوب،يسمع الشهداء صوت أقدام أحبتهم راحلين، فيعودون إلى ربهم، ويعود اليتامي والثكالى إلى غرفهم الباردة ليحظوا بلحظة من بكاء أصرت مراسيم العرس على إخفائها!

تتبلل 'وسائدهم' بالدمع، يفقدون رغبتهم بالنوم، يطلع الصبح، يصرخون مع المؤذن الذي يرفع صوته من بقايا مئذنة لم يسقطها القصف: الله أكبر... الموت ولا المذلة.

=================

سورية تبلغ سن الرشد

الاربعاء, 14 ديسيمبر 2011

ديفيد كينر *

الحياة

كل يوم، ومنذ 268 يوماً، تَظهر المشاهدُ المصورة ذاتُها: سوريون يخرجون من الدكاكين ويملأون الأزقة في أحياء كانت شديدة الهدوء. أصبحوا خبراء في فن التظاهر والاحتجاج، مستخدمين اللافتات والشموع في الدعوة الى نهاية حكم بشار الأسد، فيما تتزايد المطالب بإعدامه.

من يمثل هؤلاء المتظاهرون؟ مسألة خلافية. هوية المتظاهرين ليست سراً: إنهم نتاج انفجار سكاني استثنائي في سورية خلَّفَ شرائحَ هائلة من السكان المهمشين والفقراء، والغاضبين.

منذ الستينات حتى مطلع التسعينات، كانت سورية بين أكثر البلدان زيادةً في عدد السكان في العالم. وقبل ان تبدأ معدلات التزايد في الانخفاض منتصف الثمانينات، كان اليمن ورواندا وحدهما يحظيان بمستوى أعلى من الخصوبة. في ذروة الانفجار السكاني السوري، كان 44 سورياً يولدون لكل ألف سوري، وهو ما يزيد كثيراً على الزيادة في لبنان المجاور (30 ولادة لكل ألف من السكان)، وفق معلومات البنك الدولي. وتركزت الزيادة ايضاً تركُّزاً غيرَ متناسق في الريف، منشئة طبقة متنامية من المحرومين في سورية الجديدة.

في الأعوام القليلة الماضية، انخفض معدل الولادات في سورية، لكنه بقي معادلاً لغيره من الدول التي تشهد ثورات في العالم العربي، حيث ولد 28 سورياً لكل ألف شخص في 2008، وهو ما يعادل مستوى مصر ويزيد على المستوى التونسي الذي يقف عند 18 ولادة لكل ألف شخص.

وإذا وُضعت المناطق التي تشهد أقوى هذه الظواهر على خريطة، ستشكل خطّاً مع المناطق التي تشهد أكبر الاضطرابات في سورية. من جنوب درعا، حيث اكتسبت الاحتجاجات زخمها الاول، الى الشرق صوب دير الزور، تبدو هذه كانتفاضة الريف المحروم، وهي أيضاً انتفاضة المدن التي عانت طويلاً من الاضطهاد، كحماة والضواحي المهملة في دمشق وحمص، وهي الضواحي التي يقطنها كثر من النازحين من الأرياف. ويقع اللوم بسبب معدل الولادات الذي لم يخضع للسيطرة، جزئياً على الأقل، على الحكومة السورية.

الرئيس حافظ الاسد الذي حكم البلاد اثناء ذروة الزيادة السكانية في الثمانينات، اتبع سياسة أسلافه ذاتها، وأبقى وسائل تنظيم الحمل شحيحة، وجادل في أن المعدلات المرتفعة لزيادة السكان «حفّزت التحسن المطلوب في المجال الاقتصادي-الاجتماعي».

وكانت النتيجة ان سورية في فترة انتفاضة الشباب هذه، احتضنت السكان الأكثر شباباً في العالم العربي. ومنذ اواسط الستينات حتى التسعينات، ظلت نسبةُ السكان الذين تقل اعمارهم عن 15 سنة، النصفَ تقريباً، فيما انخفضت نسبةُ مَن تزيد أعمارهم على 70 الى 3 في المئة. اليوم، وبعد انخفاض معدل الخصوبة، يُعتقد بأن 60 في المئة من السوريين تقل أعمارهم عن 20 سنة.

إن الانفجار السكاني الذي دام طويلاً، غيَّر جذرياً البلاد التي حكمتها عائلة الاسد لأكثر من 40 سنة. في نهاية الحرب العالمية الثانية، عندما كان حافظ الاسد تلميذَ مدرسة، كانت دمشق مدينة هادئة يقطنها 300 ألف شخص، وعندما بات في السلطة كان العدد قد تجاوز 800 ألف، وفي أواخر الثمانينات ارتفع الى اكثر من 3 ملايين نسمة.

ترافَقَ التحول الديموغرافي هذا مع ما يسميه المثقف السوري صادق العظم، صعودَ «المجمع التجاري العسكري»، وكتب باتريك سيل أنه عندما استولى حزب البعث على السلطة في انقلاب عام 1963، كان في سورية 55 مليونيراً فقط، وارتفع هذا العدد الى الف مليونير عام 1973، والى 3500 في 1976، يملك عشرة في المئة منهم ما يزيد على مئة بليون ليرة سورية (تقريباً 25 مليون دولار). كان طريق الثراء في عهد الاقتصاد الموجه مركزياً، يمر عبر حافظ الاسد وحزب البعث. وتسارع هذا المنحى في عهد بشار الذي تشير تقديرات إلى أن ابن خالته المليونير رامي مخلوف يسيطر على 60 في المئة من الاقتصاد السوري.

* صحافي، عن «فورين بوليسي» الاميركية، 8/12/2011، إعداد حسام عيتاني

=================

عن السيادة الوطنية والتدخل الإنساني

الثلاثاء, 27 ديسيمبر 2011

أكرم البني *

الحياة

«لم يعد مسموحاً لأية سلطة أن تتعامل مع حقوق الناس بصفتها قضية داخلية صرفة»، هي عبارة بدأت تأخذ حظها في الحضور والتداول كإشارة لمسار جديد في العلاقات الدولية ولدور أممي يتنامى لحماية المواطنين من بطش حكامهم، ولنقل تقدم مبدأ التدخل الإنساني لفرض احترام حقوق البشر وحماية أرواحهم، وتراجع الفرص التي منحت فيما مضى لأنظمة الاستبداد كي تمارس ما يحلو لها من أنواع القمع والتنكيل ضد شعوبها على أساس أن ما تقوم به هو شأن داخلي لا علاقة لأحد به!

المسار الجديد لا يستند فقط إلى تأثير العولمة وما خلفه ازدياد حجم انتقال السلع والناس والرساميل والتقانة والمعلومات على مستوى تحرير الأفكار والسياسات من العبء الأيديولوجي واختصار المسافات، وإنما يستند أيضاً إلى أن البلدان التي انضمت إلى الأمم المتحدة ووقعت على المواثيق المشتركة وبخاصة الشرعة الدولية لحقوق الإنسان وملحقاتها قد تنازلت طوعاً وبكامل إرادتها عن جزء من سيادتها إلى المجتمع الدولي، وأخضعت نفسها لقيود والتزامات لا تستطيع الخروج عليها، وأهمها السماح للمنظمة الأممية بالتدخل لمراقبة أوضاع حقوق الإنسان وحرياته وحماية أرواح المواطنين في أية بقعة من العالم.

لكن، ومثلما هو أمر مرفوض أن تمتلك بعض الدول الكبرى كلمة الفصل في قرارات الأمم المتحدة، وأيضاً ما تشهده ساحات التوتر والاضطراب من ازدواجية في المواقف، وانتقائية في تطبيق المعايير تجاه انتهاكات حقوق الإنسان، حيث يجرى تضخيم بعضها والتساهل وغض الطرف عن بعضها الآخر تبعاً لحسابات المصالح والمنافع الذاتية، أو توظيف مناخات العولمة وبعض القوانين والمواثيق الأممية لتحقيق أهداف سياسية، هو أمر مرفوض أيضاً استقواء بعض الأنظمة المستبدة بمفهوم السيادة الوطنية كذريعة للتحايل على الالتزامات الدولية والتنكر لحقوق الإنسان أو التنصل من واجب احترامها وتمكينها، وتبرير إطلاق يدها القمعية على مداها في إخضاع مواطنيها!

صحيح أن العلاقات الدولية تستند إلى مبدأ السيادة الوطنية التي تمنح كل دولة الحق المطلق على أراضيها وثرواتها ومواردها، ما أشاع وكرس العبارة الديبلوماسية الشهيرة: «احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية»، لكن صحيح أيضاً أن التحولات الكبرى التي عرفتها البشرية في العقدين المنصرمين أوجبت إعادة تعريف مفهوم السيادة الوطنية، ونقله من الإطلاقية إلى النسبية، فالعالم أصبح يشبه القرية الصغيرة وفكرة السيادة المطلقة لم تعد أمراً ممكناً نظرياً وعملياً في آن، وبالتالي لم يعد مقبولاً الاستمرار في الترويج لأوهام الماضي عن السيادة والاستقلال أو فهم المسألة الوطنية كصورة من صور الانعزال التام عن «الغرب الرأسمالي» وتسويغ إخضاع المجتمعات من أجل مقارعته ومناهضة قيمه ومفاهيمه، ومن هذه القناة يمكن النظر إلى ربط مفهوم السيادة الوطنية بالحياة الديموقراطية، وإلى من دفع موقفه إلى آخر الشوط وجاهر بأن وطنه حيث تتوافر حقوقه وحريته وكرامته، أو من يكرر الدعوات لانبثاق دور أممي مركزي للدفاع عن الحريات وحقوق الإنسان قادراً على التعامل مع أي طرف يهدد المشروع الإنساني وقيمه العامة، ومن يجد في التدخل الخارجي الإنساني عنصر حماية للثورات الديموقراطية من الانزلاق إلى استبداد جديد، ويرى أن الثورات التي احتاجت نوعاً من التدخل الخارجي لنصرة مطالبها بخصوص حقوق الإنسان ولحماية أرواح المدنيين في مواجهة أنظمة الاستبداد، ستكون بداهة ملزمة أخلاقياً باحترام هذه الحقوق وأضعف من الارتداد عليها.

والحال، أن التمثيل الأصيل للسيادة الوطنية لا يمكنه أن يعلو على الالتزامات العالمية بحقوق الإنسان، لأنه يدل ضمناً على سيادة بشر يمتلكون حريتهم وحقوقهم، وليس سيادة سلطة قمعية فاسدة، فموضوع سيادة الدولة الوطنية لا يقترن بسيادة الأنظمة الاستبدادية وإطلاق يدها كما تشاء، بل بسيادة شعوب يجب أن تكون متحررة من كل قيود، ومنعتقة من القمع المسوغ بالأطروحات الأيديولوجية المتزمتة، وقادرة على ممارسة حقوق التعبير والتنظيم واختيار ممثليها للحكم، ولتصح بالتالي إثارة الشكوك حول شرعية السلطات ومدى تمثيلها لمصالح المكونات الاجتماعية والسياسية كافة، وحول جدوى السيادة الوطنية في حال كانت البلاد محكومة من أنظمة سياسية غير ديموقراطية، وخلاصة القول تبدو الظروف ناضجة اليوم لإرساء نوع من التوازن بين مبدأ سيادة الدولة الوطنية وحق التصرف في الشؤون الداخلية وبين مبدأ حقوق الإنسان، ولبناء ركائز جديدة في العلاقة الواجبة بين النظام السياسي والمجتمع، تخضع لرقابة الآخرين وفق معايير حقوق الإنسان في المواثيق الدولية!

فالثورات الناهضة في غير ساحة عربية خلقت بلا شك معطيات إضافية ساهمت بدورها في تغيير النظرة إلى مفهوم السيادة الوطنية، والواضح أن الضغط الأخلاقي تجاه ما يجرى من انتهاكات ومن قتل وتنكيل غذى الحاجة بضرورة التدخل العربي الرادع لفرض احترام حقوق البشر وحماية أرواحهم، الأمر الذي بدأت ممارسته بالأصالة عن نفسها، ولأول مرة، جامعة الدول العربية تجاه الحالة السورية، لكن لا يزال التدخل الإنساني العربي موضع شك ولنقل قيد الاختبار بسبب حداثة التجربة وما يشوبه من مثالب تتعلق باستمرار التنازع بين المصالح والمبادئ في اتخاذ القرارات، وبسبب غموض المدى الذي يمكن أن يصل إليه وطابع الآليات المتوافرة لإنجاحه.

وطبعاً ما كان للآليات الإقليمية أو العربية أن تتقدم لولا تنامي الرغبة في تجنب الآثار السلبية الناجمة عن التدخل الدولي وآلياته بعد النموذج الليبي ولولا تدمير الآليات المحلية وتغييب دور المجتمع المدني، حيث إن الفرص الممنوحة له والتي تؤهله للتأثير في الميدان العام وبناء الثقافة والمؤسسات التي تحترم حقوق الإنسان وتراقب الانتهاكات تكاد تكون معدومة.

وأن تكون ثمة حساسية أو تخوفات من التدخل الخارجي لردع أنظمة مستبدة تمارس كل أنواع التسلط والبطش ضد شعوبها تحت غطاء السيادة الوطنية وتالياً لإلزامها بالشرعة الدولية لحقوق الإنسان، فإن أقصر طريق لإعطاء معنى حقيقي للسيادة الوطنية وأيضاً لإبعاد شبح التدخلات الخارجي أياً تكن، هو ببساطة احترام هذه الحقوق وتمكين آليات الحماية والرقابة الداخلية.

* كاتب سوري

=================

تهديدات لأهداف المبادرة العربية

الاربعاء, 28 ديسيمبر 2011

عبدالله إسكندر

الحياة

عندما قرر المجلس الوزاري العربي ارسال مراقبين الى سورية، فعل ذلك في اطار مبادرة سياسية من اجل تهدئة الوضع الامني المتردي وتهيئة المناخ العام في البلاد من اجل حوار لحل الازمة، مع حفظ الحق في التظاهر السلمي لمعارضي الحكم.

لكن المفاوضات التي اجرتها الجامعة مع السلطات السورية والتي افضت الى توقيع دمشق على بروتوكل المراقبين، جعلت المبادرة السياسية تنحرف عن هدف التهدئة والحوار الى تفاصيل تقنية تتعلق بطبيعة عمل المراقبين. الايام الاولى من عمل البعثة لا تبشر بامكان ان تكون فعلاً قادرة على مراقبة تطبيق مبادرة الجامعة وإيصالها الى غايتها.

ثمة انحرافان كبيران يمكن ان يهددا هدف المبادرة العربية. الانحراف الاول هو تحويل عمل المراقبين الى لجنة تحقيق في هذا العمل العنفي او ذاك. اي ادخال المراقبين في نفق قضايا تتناول معنى هذا التفجير او ذاك. وهذا ما سعت السلطات اليه بعد تفجيري مقري الاستخبارات في دمشق. وهذا ما طالبت به بعض الاصوات في المعارضة في شأن سقوط ضحايا هنا او هناك على ايدي قوات الامن.

الانحراف الثاني هو تحول المراقبين الى شهود يستند اليهم كل من الطرفين من اجل تأكيد روايته. لا بل اعلن اكثر من مسؤول وناطق ومعلق سوري ان المراقبين سيرون بأنفسهم «العصابات المسلحة» تطلق النار على قوات الامن والمدنيين. كما دعا كثر من الناطقين باسم الهيئات والتنسيقيات المعارضة المراقبين الى رؤية قوات الامن تطلق نيران الدبابات والمدافع على المدنيين المحاصرين في أحيائهم.

واذا ما دخل المراقبون في أنفاق التحقيق والشهادة على هذا الطرف او ذاك، يكونون تخلوا عن المهمة الاساسية التي انتدبتهم اليها المبادرة العربية، وهي مراقبة الوضع على الارض ومراقبة مدى تقيد الاطراف بوقف العنف وسحب الجيش من الشوارع وضمان حق التظاهر للمعارضة. بما ينقل الوضع من ميدان العنف والحلول الامنية الى ميدان الصراع السياسي. ويكونون دخلوا في جدال عقيم لا ينتهي حول «النيات» والاهداف من خلاصة هذا التحقيق او تلك الشهادة. وليس صدفة ان تعمم بيانات مزيفة عن مسؤولية تفجيري دمشق. وليس من دون معنى تلك «الشهادة» المفبركة التي نسبت الى مراقب وهمي. اذ ان الغرض منها تتفيه اي شهادة لاحقة قد تكون واقعية.

المراقبة لا تعني المساواة بين القاتل والضحية. انها تعني، وفق نص المبادرة العربية وروحها، وقف القتل وسحب القوات العسكرية الحكومية من الشوارع ليتسنى للمتظاهرين التعبير عن رأيهم من دون ان يتعرضوا لإطلاق النار. وأن يطلق سراح جميع المعتقلين بسبب الحركة الاحتجاجية. وأن يُستعاد الحوار السياسي مع المعارضة السياسية، استناداً الى تجربة الشهور العشرة الماضية التي اودت بالآلاف.

اي ان على البعثة العربية ان تراقب تنفيذ هذه البنود بأسرع وقت ممكن. أن تراقب الانسحابات العسكرية من كل المدن السورية من دون اي لبس، بحيث تكون هناك حقيقة واحدة وهي انسحاب هذه القوات. وأن يُطلق فعلاً المعتقلون بسبب الاحتجاجات، لا ان يُنقلوا الى اماكن اكثر ظلاماً من معتقلاتهم الحالية. وأن يُكرس حق التظاهر السلمي في كل المناطق من دون اي خوف او تهديد.

عند ذلك، يؤكد الحكم استعداده لإجراء حوار مع المعارضة من اجل انهاء السلوك السابق الذي تمثل بالدموية المفرطة خلال الشهور الماضية. والتفاهم على كيفية تنظيم بديل يلقى قبولاً شعبياً، وبما ينهي الأزمة.

=================

روسيا تعيد الأزمة السورية إلى مجلس الأمن

الاربعاء, 21 ديسيمبر 2011

قنسطنتين فولكوف *

الحياة

بادرت روسيا الى اقتراح مشروع قرار في مجلس الأمن حول سورية يدعو «الجميع» الى وقف العنف بكل أشكاله، من دون الإشارة إلى عقوبات تُفرض على نظام (الرئيس بشار) الأسد. فاجأ القرار المراقبين، وأعلنت الولايات المتّحدة على لسان وزيرة خارجيتها هيلاري كلينتون، استعدادَها لمناقشة الاقتراح الروسي، على رغم الخلاف عليه وتباين الآراء حوله.

مشروع القرار يؤشر الى الرغبة الروسية في أداء دور أكبر في الشرق الأوسط. فالورقة الروسية تدعو عملياً الى وقف العنف ليس في سورية فحسب، بل في المنطقة كلها، في وقت يُعِدّ الغرب خطوات تصعيدية ازاء إيران التي يربطها حلف راسخ بالنظام السوري، من شأنها أن تشرّع الابواب في المنطقة على حرب مفتوحة إذا شُنَّ هجوم على ايران ومنشآتها النووية.

المشروع الروسي في مجلس الأمن ينفّس الضغط على سورية، ويطرد تالياً شبحَ الحرب من المنطقة كلها. وهو المرآة للرغبة الروسية في المشاركة الفعّالة في حل الأزمة الإيرانية.

والمشروع أيضاً ليس خطوة روسية يتيمة، فسفن اسطول المحيط الهادئ الروسي تتجه نحو سواحل الصومال، وقطع الأسطول الروسي الشمالي تتجه إلى البحر المتوسط، وإلى القاعدة العسكرية في مدينة طرطوس السورية. الخطوات الروسية هذه قد تحرّك عجلة الحل، في وقت تدعم المساعي الروسية الصين، وهو دعم لا يستهان بأهميته.

وفي وقت تناقش الدول الكبرى الخطط الاستراتيجية، تتعاظم معاناة الشعب السوري نتيجة الحوادث والعقوبات التي أدت إلى نقص في الغاز والكهرباء ومياه الشفة.

المشروع الروسي يلوي ذراع بشّار الأسد، ولا يصب في مصلحته، كما يشير أحد المحللين. فهو يدعو النظام إلى وقف العنف ولا يُلزِم المعارضة أي خطوات في مقابل الإحجام عن القمع.

والحق إن المعارضة السورية مقتنعة بأنه إذا سحب النظام قواته من المدن ستتوقف أعمال العنف، لأن المعارضين يضطرون الى اطلاق النار رداً على مصادر النيران. فحين أخلت القوات السورية مدينة حماة، وفق المعارضة، نُظِّمت تظاهرة كبيرة جمعت نحو 600 ألف من دون وقوع أي حادثة عنف، ولم يهاجم أحد التظاهرات الداعمة للرئيس الأسد.

ويرى بعض المحللين ان الغرب لم يعدْ متحمساً لقلب نظام الأسد بواسطة المعارضة ودول خليجية، مع ترجيحهم ألاّ يؤدي فتور حماسة الغرب الى وقف الاحتجاجات السورية.

فأهداف المعارضة راديكالية، وهي إخراج الأسد من الحكم، لذا لا يبدو أن المشروع الروسي قابل للحياة إلا إذا وافق الأسد على التنحي عن الحكم إثر استفتاء شعبي. ويفترض بروسيا، إذا أرادت تعزيز موقعها في الشرق الأوسط، ألاّ تكتفي باقتراح مشروع قرار في مجلس الأمن وإرسال بعض السفن إلى المنطقة، بل أن تصوغ سياسة شاملة وثابتة.

صحافي، عن «إزفيستيا» الروسية، 16/12/2011، إعداد علي شرف الدين

=================

ثورة سوريا ومحيطها الإقليمي

فايز سارة

الشرق الاوسط

28-12-2011

لا يمثل المحيط الإقليمي لسوريا سوى امتداد للوضع القائم فيها اليوم. إذ هو بالمختصر الشديد منقسم ومتناقض كما هو الوضع في سوريا، منقسم ومتناقض بين النظام والحراك الشعبي، وهو وضع قائم منذ انطلاق حركة الاحتجاج والتظاهر في أواسط مارس (آذار) الماضي، وهو سوف يستمر؛ سواء انتصرت الثورة في سوريا، وأسقطت النظام الحاكم، أو استطاع النظام إخضاع الثورة وإعادة إحكام قبضته على البلاد، وهو احتمال يبدو خارج أغلب التقديرات.

والحديث عن المحيط الإقليمي لا يعني بالضرورة المحيط المجاور لسوريا بكياناته الخمسة، بل هو أبعد من ذلك إلى الكيانات الإقليمية، التي تتأثر وتؤثر في الواقع السوري، وفي هذا تندرج تركيا والعراق وإيران ودول الخليج العربية إضافة إلى مصر ولبنان وفلسطين وإسرائيل، وكلها أطراف سوف تتأثر بما سيؤول إليه الوضع السوري من نتائج، وهي في المرحلة الراهنة ذات تأثيرات مباشرة وغير مباشرة فيه.

وأساس الانقسام الإقليمي حيال الوضع السوري يستند إلى عوامل آيديولوجية وأخرى سياسية، وهذا ينطبق على الدول والجماعات السياسية والتنظيمات الأهلية والاجتماعية، كما ينطبق على مواقف شخصيات وفعاليات سياسية واقتصادية واجتماعية ذات تأثير في المنطقة، وفيها جميعا من يستند في موقفه السوري إلى بعد آيديولوجي وربما سياسي، بل إن البعض يجمع في خلفية موقفه السوري كلا من الآيديولوجي والسياسي في آن معا، على نحو ما تفعل الأغلبية الفلسطينية، حيث ترى في سوريا حاضنة آيديولوجية وسياسية للقضية الفلسطينية.

إن أبرز نماذج الانقسام الإقليمي في الموضوع السوري يمثله الاصطفاف الإيراني مع حزب الله اللبناني، وقد انضم العراق إلى هذا الاصطفاف مؤخرا وقوفا إلى جانب نظام دمشق بصورة حاسمة، وأساس الموقف سياسي فيه خليط من الآيديولوجيا الدينية والطائفية، يعود إلى توافقات الموقف السياسي بين الإيرانيين وحزب الله مع نظام دمشق، وخاصة فيما يتعلق بموضوع الصراع العربي - الإسرائيلي والقضية الفلسطينية، لكن الاختلاط الآيديولوجي مع السياسي صار أكثر وضوحا بعد انضمام العراق إلى هذه الكتلة، وقد عارضت سلطته في أوقات سابقة سياسات دمشق ومواقفها؛ ليس في مواضيع الداخل العراقي، بل فيما يتصل بالعراق من مواقف إقليمية ودولية، غير أن ضغوطات إيران على القيادات العراقية، دفعت الأخيرة إلى خيارات جديدة في موقفها السوري.

والنموذج الثاني في الانقسام الإقليمي حيال الوضع السوري، يتمثل في موقف تركيا، جارة سوريا في الشمال، التي تقاربت مع موقف الأكثرية العربية، ولا سيما الدول الخليجية، وكان جوهر الموقف حض النظام السوري على المضي في معالجة سياسية للأزمة الراهنة ووقف المعالجات الأمنية/ العسكرية بما تتركه من آثار مأساوية على الشعب السوري. وعلى الرغم من أن أساس الموقف سياسي بما لهذه المجموعة من مواقف ومصالح مشتركة مع سوريا والنظام الحاكم فيها كانت تكرست في أوقات سابقة، فإن إشارات ذات أبعاد آيديولوجية اختلطت فيها الآيديولوجيا الدينية/ الطائفية والقومية في مواقف الأتراك والعرب مع الموقف السياسي، مما أعطى لهذا النموذج طابعه في معارضة سياسات النظام السوري والاقتراب أكثر إلى جانب الثورة السورية.

إضافة إلى النموذجين السابقين، ثمة نموذج ثالث متفرد في أساسه، وإن كان لا يبدو متفردا من حيث النتيجة، وهو الموقف الإسرائيلي الذي أحاطه القلق في بداية الأحداث. وأساس القلق أن أي تبدلات في طبيعة وتوجهات النظام السوري، يمكن أن تقود إلى انقلاب في الأوضاع العسكرية والسياسية المستقرة على جبهة الجولان بين إسرائيل وسوريا، ويؤدي إلى عدم استقرار في الوضع الإقليمي كله، غير أن التطورات التالية أثبتت عجز النظام عن حسم صراعه مع الحراك الشعبي من خلال الخيارات الأمنية/ العسكرية، مما جعل الإسرائيليين أقل حرصا على استمرار نظام ضعيف، لا يملك قوة حسم صراع داخلي، غير أن هذا الموقف لم يكن ليترك أثرا في الموقف من مطالب السوريين في الحرية والكرامة وصولا إلى تغيير النظام، وهي أهداف تعارضها إسرائيل بصورة حاسمة في تأثيرها الداخلي، لأن تحقيقها يمكن أن يوفر أساسا أفضل لدور العرب والسوريين، خاصة في الصراع مع إسرائيل، وتغيير أسس ومستويات الصراع العربي - الإسرائيلي.

وسط النماذج الثلاثة في الموقف من الوضع السوري، ترتسم كل المواقف التفصيلية، التي تتخذها دول وجماعات وفعاليات في المنطقة؛ ففي بلد مثل لبنان تظهر مواقف شديدة التعقيد والتشابك. ذلك أن موقف الدولة اللبنانية أقرب إلى حياد يصب في خانة خدمة النظام الحاكم في دمشق، وهو أمر يتناسب وحساسيات الانقسام اللبناني، ليس داخل الفئة الحاكمة فقط، وإنما بسبب الانقسام الحاد بين الحكم الذي يديره حزب الله وأنصاره من «8 آذار» واقفين إلى جانب النظام والمعارضة التي يتزعمها تيار المستقبل ومعه أنصاره من «14 آذار»، وهم الأقرب إلى حركة التظاهر والاحتجاج وثورة السوريين من أجل الحرية والكرامة، ويمد هذا الوضع حضوره إلى أوساط النخبة اللبنانية، ومنها الذين لا ينخرطون في أطر الموالاة والمعارضة في لبنان.

إن انقسام المحيط الإقليمي في موقفه حيال الوضع السوري له امتدادات دولية، وهو كما امتداداته بين عوامل تؤخر حسم الصراع هناك، غير أنه لا يمكن القول إن هذا الاستمرار سوف يتواصل في ضوء ما تشهده سوريا من تطورات، وثمة معطيات كثيرة، تؤشر إلى تبدلات في توازنات المحيط الإقليمي للثورة في سوريا.

================

سوريا.. وفد المتفرجين العرب!

طارق الحميد

الشرق الاوسط

28-12-2011

نخدع أنفسنا، والسوريين، عندما نردد في وسائل إعلامنا عبارة «وفد المراقبين العرب»؛ فهم ليسوا كذلك؛ بل إنهم وفد المتفرجين العرب، الذين لا حول لهم ولا قوة، ولا يمكن أن يرجى من زيارتهم إلى سوريا شيء يذكر، غير إعطاء الفرص للنظام الأسدي لينكل بالشعب الأعزل.

فمنذ وصول وفد المتفرجين العرب إلى سوريا وعدد القتلى السوريين على يد آلة القتل الأسدية في ازدياد، ومعاناة السوريين في تصاعد، وكذب النظام الأسدي لا ينتهي. وأكبر كذبة هي مسرحية التفجيرات الهزلية بدمشق التي نسبت لتنظيم القاعدة تارة، ولحركة الإخوان المسلمين السورية تارة أخرى. لذا فإن وفد المتفرجين العرب، ومع الاحترام لكل أعضائه، ليس له قيمة تذكر؛ فحمص تحت حصار دامٍ، وقمع لم يقم به حتى الإسرائيليون بحق الفلسطينيين، أو غيرهم من العرب؛ ففي حرب لبنان 2006، مثلا، هبَّ العالم لإيقاف الآلة العسكرية الإسرائيلية، ونجح، خلال أشهر قليلة لم تتجاوز الثلاثة أشهر، كما هبَّ العالم لإيقاف آلة الحرب الإسرائيلية بغزة، وأوقفت في فترة محدودة، بينما نجد أن قوات بشار الأسد تعربد بحق السوريين لمدة قاربت عشرة أشهر، أو أكثر، هذا ناهيك عن تدمير المساجد، وهدم المنازل، وقتل الشيوخ والنساء والأطفال، وبشكل لم تفعله حتى إسرائيل بحق الفلسطينيين، أو أي من العرب. فهل يمكن بعد ذلك كله الوثوق بوفد المتفرجين العرب، أو حتى بالجامعة العربية نفسها؟ الإجابة بكل بساطة هي: لا!

فقد سبق أن قال الشيخ حمد بن جاسم إن سوريا على مشارف نهاية الطريق، ثم قال إنها تقترب من التدويل، وقبل ذلك كله قال بن جاسم للأسد إنه لا مجال للف والدوران، إلا أن تصريحات قطر لم تكن إلا كلاما لا يسمن ولا يغني من جوع، وعكس ما تم حيال ليبيا، بل أقل من الموقف القطري تجاه اليمن، وعلي عبد الله صالح؛ حيث انسحبت قطر من المبادرة الخليجية لأن صالح كان قد سوَّف وماطل فيها، قبل أن يوقِّع في السعودية. اليوم نجد النظام الأسدي في سوريا يسوِّف، ويماطل، ويكذب، ويقتل، ويعيث في الأرض فسادا، ولا موقف قطريا واضحا، وليس القصد هنا تسجيل نقاط سياسية تجاه الدوحة، بل لأن قطر هي من يترأس اللجنة العربية المعنية في سوريا، كما لا نلمس موقفا عربيا واضحا أيضا، عدا عن لعبة المتفرجين العرب، الذين لم يبدأوا زيارتهم إلى سوريا بمدينة حمص التي تئن تحت قصف المدافع الأسدية، هذا ناهيك عن باقي المناطق السورية الأخرى التي تعربد بها آلة القتل الأسدية، بل دشنوا رحلة الفرجة بدمشق، وزيارة التفجيرات المهزلة.

وعليه.. فإذا لم يتحرك العرب لنقل الملف السوري إلى مجلس الأمن، أو إعلان فشلهم، وفشل المبادرة العربية الفاشلة أصلا، فإنهم ليسوا إلا طرفا مشاركا بمعاناة العزل السوريين، وسببا لما ستؤول إليه الأمور بسوريا؛ فالساكت عن الحق شيطان أخرس، والجامعة، ووفدها في سوريا، ليسوا إلا متفرجين، وسببا في إطالة عمر الأزمة السورية؛ حيث يمنحون النظام الأسدي فرصة تلو الأخرى لقتل السوريين العزل.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ