ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأربعاء 04/01/2012


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

الهجمة الإيرانية على العراق ولبنان... والبحرين!

خيرالله خيرالله

الرأي العام

3-1-2012

تبدو الحملة التي يشنّها السيد نوري المالكي رئيس الوزراء العراقي على رموز سنّية في بلده أكثر من طبيعية. ما هو طبيعي أكثر أن تأتي الحملة مباشرة بعد الانسحاب العسكري الاميركي من العراق. كلّ ما في الامر انّ المالكي يريد ان يقول ان هناك حقبة جديدة بدأت في العراق اسمها حقبة الوصاية الايرانية الكاملة على البلد. ولذلك، ليس مسموحا بوجود اي رمز سنّي في العراق أكان هذا الرمز نائب رئيس الجمهورية السيّد طارق الهاشمي او نائب رئيس الوزراء السيد مصلح المطلك الذي يحظى باحترام واسع داخل كلّ الاوساط المعارضة لوضع اليد الايرانية على العراق.

لا شكّ ان ايران خرجت الرابح الاوّل والوحيد من الحملة العسكرية الاميركية في العراق، وقد اندفعت في اتجاه لبنان حيث تستكمل حاليا انقلابا يستهدف وضع اليد على كل البلد. المكان الوحيد الذي واجهت فيه مقاومة حقيقية هو البحرين حيث يظهر انها لم تستسلم بعد، بل تحاول كلّ يوم اثارة الغرائز المذهبية مستفيدة من الحاجة الى اصلاحات حقيقية تلبي طموحات مشروعة لدى قسم من المواطنين. لم تتمكن ايران من اخضاع المملكة لسبب في غاية البساطة عائد الى ان العرب، على رأسهم اهل الخليج، اتخذوا قرارا بالتصدي لها في البحرين فيما يبدو انهم استسلموا امامها في العراق ولبنان!

في العراق، يبدو منطقيا ان يتصرّف نوري المالكي بالطريقة التي يتصرّف بها. من جاء به الى رئاسة الوزراء هي ايران ولا أحد آخر غير ايران. انه يدرك قبل غيره انه مدين لها بكل شيء. لولا ايران لكان شكّل الدكتور اياد علاوي الحكومة العراقية نظرا الى ان قائمته حلّت في المركز الاول في انتخابات السابع من آذار- مارس 2010. كان على علاوي الرضوخ للقرار الايراني الرافض لتوليه موقع رئيس الوزراء. كان عليه الرضوخ للامر الواقع، لا لشيء سوى لأنّه كان يمثّل في حينه محاولة عربية لاستعادة العراق من براثن النظام الايراني بعد كلّ الظلم الذي لحق بالعراقيين جراء ممارسات النظام العائلي- البعثي الذي كان على رأسه صدّام حسين.

ما نشهده اليوم في العراق محاولة انقلابية بكلّ معنى الكلمة تقودها إيران من أجل تأكيد انها صاحبة الكلمة الاولى والاخيرة في العراق. من دون ايران، لم يكن المالكي يحلم بالعودة رئيسا للوزراء بعد مضي تسعة اشهر على اجراء الانتخابات التشريعية. كانت تلك فترة كافية لتقول ايران لكلّ من يعنيه الامر انها صاحبة الكلمة الفصل في العراق وان ليس في الامكان تشكيل حكومة عراقية من دون ضوء اخضر منها. في مرحلة معينة، اي قبل سنة من الآن، كان في استطاعة ايران القبول بحكومة ائتلافية في العراق. الآن، بعد الانسحاب العسكري الاميركي، الذي تمّ من دون سقوط جريح، تغيّرت المعطيات. لم يعد مطلوبا الاعلان ان العراق تابع لإيران فحسب، بل صار مفروضا على الحكومة العراقية تنفيذ كلّ الرغبات الايرانية، بما في ذلك دعم النظام السوري وتوفير كل المساعدات التي يحتاجها والتي ليس في استطاعة ايران تقديمها لأسباب قد تكون مرتبطة بالمشاكل الاقتصادية التي تعاني منها.

بقدرة قادر، صار النظام البعثي في سورية حليفا ل«حزب الدعوة» الشيعي الذي يحكم العراق. بقدرة قادر، لم تعد هناك من شكوى تصدر عن نوري المالكي وغيره بسبب ارسال النظام السوري «ارهابيين» من «القاعدة»، نعم من «القاعدة» الى داخل العراق.

هل كانت الحملة التي يشنّها المالكي على النظام السوري جزءا لا يتجّزأ من الجهود الايرانية الهادفة الى تطويع هذا النظام من البوابة العراقية بعد تطويعه من البوابة اللبنانية. في الواقع، لم يعد النظام السوري يمتلك اي نفوذ يذكر في لبنان لولا الميليشيا الإيرانية التي اسمها «حزب الله».

لولا هذه الميليشيا المذهبية، لما كان في استطاعة النظام السوري اسقاط حكومة الرئيس سعد الحريري والإتيان بحكومة تابعة له ظاهرا، لكنها في الواقع حكومة «حزب الله» لا أكثر ولا أقلّ.

يستكمل النظام الايراني حاليا انقلابين حقيقيين نفّذهما على مراحل في العراق ولبنان. لم يعد سرّا ان في الأيام الاخيرة من 2011 انّ الحكومة العراقية أصبحت مجرّد أداة إيرانية وان ليس أمامها سوى تنفيذ القرارات المتخذة في طهران من دون طرح أي نوع من الأسئلة.

وفي لبنان، خصوصا بعد القرار الاخير الذي اتخذته الحكومة بزيادة الأجور بشكل يمكن ان يعود بكارثة اقتصادية واجتماعية على البلد، كان مطلوبا بكلّ بساطة ان يؤكد «حزب الله» انه صاحب القرار في لبنان. أكثر من ذلك، كان مطلوبا تهميش رئيس مجلس الوزراء السنّي السيد نجيب ميقاتي واظهاره في مظهر شاهد الزور على قرار يعرف، هو قبل غيره، مدى خطورته.

في أوضاع عادية، كان نجيب ميقاتي المعروف بامتلاكه نوعا معينا من الذكاء والحذاقة، سيقدّم استقالته. لكنّ «حزب الله» يعرف تماما قبل غيره ان مثل هذا القرار سوري. ولذلك في استطاعته اسقاط هذه الورقة كلّيا من يد ميقاتي واعتبارها غير موجودة. وفي ظروف طبيعية، في استطاعة رجل من عيار نجيب ميقاتي التلاعب بالنائب المسيحي ميشال عون الذي وقف وزراؤه خلف «حزب الله» في الجلسة المخصصة لمناقشة موضوع زيادة الأجور. بالنسبة الى ميقاتي، لا يمثّل ميشال عون سوى وجبة، او أقلّ من ذلك، يستطيع بعدها ان يتحلّى بإثنين أو أكثر من وزرائه الفاشلين من مستوى جبران باسيل او شربل نحّاس وأن ينظف أسنانه بمسواك يكون واحدا من النّواب التابعين لما يسمّى «الجنرال» والذين يخجل المرء من ذكر اسمائهم...

ولكن ما العمل عندما تكون الكلمة في لبنان للنظام الايراني الذي يمتلك ميليشيا مسلحة تستطيع السيطرة على أي منطقة من البلد وان تخترق الصف المسيحي وتجعل من ضعفاء النفوس أدوات لها؟

يبقى السؤال الاساسي. ما الهدف من الانقلابين اللذين تنفّذهما ايران في العراق ولبنان؟ هل الهدف استكمال الهلال الفارسي من منطلق ان مثل هذا الهلال، ذي الطابع المذهبي، سينقذ النظام السوري؟ الجواب نعم كبيرة. لكن السؤال الاهمّ هل من مجال لانقاذ النظام السوري؟ الجواب ان نقطة الضعف الأبرز في المخطط الإيراني جهل طبيعة سورية وأهمّية الشعب السوري وثورته المستمرة منذ عشرة أشهر. لا يشبه الجهل الايراني لسورية سوى الجهل السوري للبنان. من كان يصدّق في العام 2005 ان الشعب اللبناني سيرد على اغتيال الرئيس رفيق الحريري بانتفاضة ستؤدي الى خروج الجيش السوري من لبنان بعدما بقي فيه ثلاثين عاما؟ من كان يصدّق ان الشارع السنّي، وإلى جانبه الرأي العام المسيحي والدرزي وقسم كبير من الشيعة الواعين لأهمية لبنان، سينتفض في وجه الوصاية السورية؟

سيفشل الانقلابان الايرانيان في سورية بسبب جهل ايران للعراق والعراقيين وسورية والسوريين ولبنان واللبنانيين. لا يشبه الجهل الايراني للمنطقة العربية سوى جهل الاتحاد السوفياتي لما كان يعرف بدول أوروبا الشرقية. في النهاية برلين الغربية انتصرت على برلين الشرقية وليس العكس. الربيع العربي بدأ قبل ست سنوات وبضعة اشهر في بيروت ولا يمكن ان يوقفه شيء، لا الاستعانة بالغرائز المذهبية ولا بدبابات بشّار الاسد وشبيحته...ولا بخفة ميشال عون، حليف صدّام حسين في العام 1990 وبشّار الاسد في سنة 2011!

=================

الأزمة السورية.. هل أصبح التدويل مطلوباً؟

د. زهير فهد الحارثي

الرياض

3-1-2012

 لم يعد خافياً أن الوضع السوري بات من السوء ما يستدعي بالضرورة حلولًا أكثر حزماً وفاعلية، بدليل أن المجازر التي ترتكب يوميا قد وجدت لها مسوغا شرعيا من خلال تلكؤ الجامعة العربية وسلة المُهل الزمنية التي استفاد منها النظام السوري في المماطلة والتسويف، ولعل آخرها ما لمح به وزير الخارجية السوري من أن التوقيع على بروتوكول المراقبين لا يعني القبول بكافة بنودها فعلياً.

القراءة الموضوعية للوضع القائم تشير إلى أنها تسير باتجاه تدويل الأزمة السورية الذي قد يأتي على شاكلة الأزمة الليبية أو ربما النموذج اليمني ، وإن كان البعض لا يقلل من خطورة وتداعيات التدخل العسكري لاسيما في وجود قوات بحرية روسية في ميناء طرطوس السوري مقابل الأسطول الأميركي في الجهة المقابلة

على انه تبين وبلا مواربة صعوبة مهمة المراقبين لاسيما في ظل استمرار آلة القمع والقتل، رغم تصريحات رئيس وفد البعثة الذي لم يوفق في قراءة المشهد، وهي نقيصة تحسب على البعثة إلا إذا كان لديه مبرر مقنع في انه لا يريد استعداء النظام السوري إلى حين انتهاء المهمة. ومع ذلك فقوله بأن الوضع مرض ولا يثير الخوف، هو استعجال ورعونة في إصدار أحكام من المبكر الجزم بها، مع أنه لم يمض على وصوله سوى ساعتين، ولم يكن مضطرا للتعليق حينها ، ما أثار شكوكا حول قدرة البعثة على أداء مهمتها.

والملفت أن إطلاق النار كان مسموعاً ولم يتوقف، ولم تُسحب آليات الجيش في بعض المناطق، ولم يُسمح أيضا بدخول وسائل الإعلام لتغطية ما يحدث، ما يعني عدم الالتزام ببنود المبادرة العربية.

وبدا النظام السوري في حالة ارتباك بدليل ما ذكره شهود عيان من انه تم ترحيل معارضين لأماكن أخرى ، فضلا عن إخفاء أسلحة ثقيلة في بعض المدن. والغريب أن تحرك البعثة لم يكن مستقلًا بل انه تم بتنسيق مسبق مع النظام، وهذا فيه فقدان لعنصر المباغتة الذي يعني الكثير والكثير في هكذا موقف.

عير أن المثير للتساؤل يكمن في عدم وجود معايير دقيقة لاختيار أعضاء البعثة ، فهم كما يبدو ممثلون لمؤسسات المجتمع المدني أو موظفون حكوميون وليسوا متخصصين، ولا يستندون إلى خبرة في مهمة شائكة ومعقدة وخطرة كهذه، فضلا عن افتقارهم للإمكانات والأدوات، وقد شاهدناهم يوثقون ما يشاهدونه عبر جوالاتهم المحمولة ، مع أن الأمر يحتاج إلى أجهزة وتقنية حديثة للبحث والتدقيق والرصد ، ومع ذلك يُحسب لهم المبادرة والمشاركة، ولا ينتقص ذلك من شجاعتهم ووقفتهم الإنسانية، ولكن المراد هنا ينصب على كيفية إنجاز المهمة بأسلوب علمي ومهني يحقق الأهداف التي أنشئت من اجلها.

الحقيقة أنه لم يعد لغزاً في أن دمشق ترفض المبادرة العربية ضمنا وان تشدقت بقبولها علنا، بدليل أن بنودها تدعو إلى إنهاء المظاهر العسكرية المسلحة في المدن، وإطلاق سراح المعتقلين.إلا أن الواقع يؤكد بقاء الوضع على ما هو عليه، فالنظام يعتقد انه إذا ما استجاب لتلك المطالب فإنها ستؤدي بطبيعة الحال إلى تفاقم حدة التظاهرات، وبالتالي سلب قدرته على الإمساك بزمام الأمور.

رب قائل هنا يتساءل عن السبب الذي دفع دمشق للتوقيع على البروتوكول، وهل هذا التوقيع خطوة تكتيكية هدفها شراء الوقت، أم أنها شعرت بالقلق وتحديدا عندما تقدمت روسيا بمشروع قرار في مجلس الأمن، يطالب بوقف العنف فوراً من قبل الأطراف ووضع حد لعمليات القمع ؟ مع ملاحظة أن ذلك تزامن مع تلويح الجامعة بعد نفاد صبرها، بإحالة الملف لمجلس الأمن.

على الأرجح أن خطوة التوقيع، جاءت لتقطع الطريق على التدويل أو لنقل لتؤجله برهة من الوقت، وما هي إلا مسألة أسابيع كما يبدو، لاسيما أن المؤشرات الأولية لا تشي بتجاوب جاد من قبل النظام السوري ما يعني أن المشهد يسير باتجاه تدويل الأزمة.

ولمحاولة فهم هذا السلوك، يقول لنا التاريخ بأن الانقلابات العسكرية والتصفيات الدموية والمؤامرات المنظمة، كانت هي العنوان البارز في السياسة السورية في النصف الثاني من القرن الفائت، وكان الضحية المواطن السوري الذي عانى الويل والعذاب من جراء الأسلوب القمعي والبوليسي الذي مورس بحقه.

هذا لا يعني أن دمشق لا تعرف أبعاد اللعبة، بل تجيد فنونها، وهي تعي بأن موافقتها على المبادرة هي بمثابة انتحار سياسي، وستؤدي إلى أفول النظام في نهاية المطاف وإحلال نظام بديل عنه، إلا أنها رغم ذلك تشعر بأنه لم يعد بيدها حيلة وأنها مضطرة للسير في هذا الاتجاه معولة على تحولات سياسية أو متغيرات دولية قادمة، فالنظام السوري قد اختنق فعليا وهو في حالة غرق، وقد شعر بجدية الضغوط ولم تعد تجدي مراوغته وإيقاعه البطيء في إحداث أي اختراق في المواقف العربية والغربية.

ومع ذلك تبقى مرحلة ما بعد بشار غير واضحة المعالم لاسيما وان المعارضة السورية لم تستطع أن توحد مواقفها ورؤيتها لمستقبل سورية ولا زالت المصالح الفئوية تلقي بظلالها على المشهد خصوصا في عدم وجود رؤية مشتركة لقوى المعارضة وانقساماتها التي طفت على السطح. ناهيك عن أن تركيبة الشعب السوري الأثنية والطائفية فيهما من التعقيد ما يجعل وصول طائفة للسلطة على حساب الطوائف الأخرى أمراً ليس يسيراً على الأقل في الوقت الراهن.

غير أن القراءة الموضوعية للوضع القائم تشير إلى أنها تسير باتجاه تدويل الأزمة السورية الذي قد يأتي على شاكلة الأزمة الليبية أو ربما النموذج اليمني ، وإن كان البعض لا يقلل من خطورة وتداعيات التدخل العسكري لاسيما في وجود قوات بحرية روسية في ميناء طرطوس السوري مقابل الأسطول الأميركي في الجهة المقابلة ، ما دفع البعض للقول بأن ثمة حرباً بادرة قد بدأت فعلا.

ولعل الخشية تكمن في عدم اليقين من ثبات الموقف الغربي الذي قد يتردد في مسألة التدخل العسكري في سورية، لعدم وجود بديل من جهة، وخشيته من انتماءات الثوار السوريين من جهة أخرى، فقلقه وتوجسه مردهما إلى أن الجماعات والقوى السياسية المعادية للغرب قد تخطف هذه الثورة عن طريق الانتخابات الديمقراطية فضلا عن الضغوط الإسرائيلية على الولايات المتحدة في أفضلية بقاء النظام الحالي الذي يوفر لإسرائيل أمنا واستقرارا على هضبة الجولان كرستها دمشق عبر العقود الماضية وبامتياز. ومع ذلك تبقى هذه قراءة من قراءات ، والأيام القادمة حبلى بالإجابة على أي حال.!!.

=================

هل تغيّرت موازين القوى عربياً.. وإقليمياً؟!

يوسف الكويليت

الرياض

3-1-2012

 يتحدثون عن «سيناريوهات» كثيرة للمنطقة تُرسم من قبل قوى عظمى، ودول إقليمية وعربية، وكلّ يتنبأ بأحداث وقراءات لا تدري هل تغيّر وجه المنطقة، وبأي أسلوب، وهل تحدث تكتلات تجمعها مواقف تدار من خلف الجدران لصالح الخارج؟

فالصورة الأولى تقول إن مثلث تركيا ومصر، وإيران قد يشهد تلاقياً يحكمه ثقل كل دولة، لكن ما هي المعايير التي تقاس بها مصادر الثقل والتأثير على بقية الدول، هل هي الاقتصاد أم الجغرافيا، أم المكان كحلقة وصل بين تقاطعات دولية؟ وهل رسْم مثل هذه الخريطة يتم فقط من خلال القوى الثلاث دون فهم العلاقات الدولية في المنطقة وتجذرها ورعاية مصالحها حتى لو استدعى الأمر التدخل المباشر عسكرياً، واقتصادياً؟ وأين موقع إسرائيل التي رغم ضآلة حجمها الجغرافي تشكّل أساساً في أمن المنطقة، أو توتيرها، بحكم تقدمها العسكري والتقني أو الرعاية الخاصة من قبل أمريكا ودول أوروبا؟

الصورة الثانية قلّصت دور دمشق وبغداد، الأولى بسبب تحالفها مع إيران، ومحاولة أخذ موقع أكبر منها، ما ورّطها في مشاكل لبنان سواء ما كان قبل نشوء قوة حزب الله، أو بعد أن تشكّل مثلث القوة مع سورية وإيران، بينما العراق خرج من الدائرة العربية إلى الإيرانية، وبشكل معلن لكن عدم استقراره أفرز شكلاً آخر ربما يجزئ الوطن إلى عدة كانتونات باسم حكومات محلية، أو ولايات تحكم شكلاً من المركز، بينما هي تدار حقيقياً من داخلها..

الصورة الثالثة لم تر كيف تغيرت الموازين وانتقال الثقل الاقتصادي إلى منطقة الخليج العربي، والتي شكلت المعيار الأهم في الوقت الحاضر، وربما إلى دورة زمنية غير قصيرة، فعدا تركيا التي تعد من الاقتصادات الناشئة في التقدم الزراعي والصناعي، والاستثمار الخارجي الذي انعكس إيجابياً عليها، وتحولها إلى محور ليس تجاه المنطقة العربية، بل حتى لصالح حلف الأطلسي، إلاّ أن دول الخليج العربي، أصبحت عملياً الأكبر دخلاً وإنفاقاً على بنيتها الأساسية واستثماراتها العربية والخارجية وبالتالي فإن إسقاطها من المعادلة يؤكد ضعف الرؤية، فإيران غارقة في مستنقع خلافاتها مع العالم، وتوجّه مداخيلها للتسلح لتكون الرصاصة لها الأولوية على قرص العيش، ومصر تمر بترتيب أولوياتها الأساسية في تحسين معيشة الشعب وأمنه، والتخلص من تركة ثقيلة ورثتها من السلطة الماضية، وكل هذه الصور قابلة للتبدل نتيجة أنها منطقة تهم العالم كله، ولا تزال في حالة معقدة، ولا ننسى أن هناك دوراً منتظراً للصين والهند وروسيا بحكم تشابكها مع واقع المنطقة، ولن يكون غائباً، وربما حضوره يفرض تقليص نفوذ الدول التي ظلت تحتكر الأدوار وحدها، لكن يبقى التنازع قائماً، وما لم يكن للعرب توجّه حقيقي في وحدة الأهداف، فإن كلّ الأدوار الخارجية ستكون مَن يرسم الخرائط، ويجزئ الكلّي، أو يربطه بعجلته..

=================

موت المبادرة العربية في سورية!

خالد الفرم

المدينة

3-1-2013

عمليا، انتهت المبادرة العربية لحل الأزمة السورية الدامية، بدءا من اختزال سورية للمبادرة العربية في توقيع بروتوكول بعثة المراقبين فقط، ورفض تنفيذ بنود المبادرة العربية الأخرى، خاصة ما يتعلق بسحب الآليات العسكرية من المدن، وإعادة الجيش إلى ثكناته، والسماح بدخول وسائل الإعلام إلى المدن السورية، واستمرار عمليات القتل والتنكيل ضد الشعب السوري.

بل إن عدد القتلى والجرحى والمفقودين؛ ارتفع بشكل كبير بعد وصول المراقبين العرب إلى سورية، مقارنة بالفترة الماضية، ما يعني نسف المبادرة من أصلها، وتفريغها من محتواها، وازدياد الاحتقان الداخلي والغضب الخارجي.

لذلك أصبح القتل الجاري في سورية، يتم حاليا تحت مظلة الجامعة العربية، ما يعني أهمية أن تقوم الجامعة بمراجعة الموقف الحالي، واختصار فترة البروتكول ومدة عمل المراقبين العرب، إذا كان سيتم استغلال ذلك وحالة الارتباك الجاري في البعثة والجامعة، لإيقاع مزيد من القتل والتنكيل بين صفوف المواطنين.

فعدسات الهواتف المتحركة، والصور التلفزيونية، ومقاطع الإنترنت الدامية، هي البعثة الحقيقية لرصد ما يجري في سورية، من أحداث تمتهن حياة الإنسان وكرامته وحقوقه.

وبالرغم من أهمية إعطاء أولوية قصوى للحل العربي، إلا أن معطيات الواقع تشير إلى ضعف هذا الخيار، في ظل رفض النظام السوري تقديم تنازلات سياسية، وإجراء تحولات جذرية، تمكن من الانتقال السلمي إلى مرحلة جديدة، تستجيب لتطلعات الشعب السوري المشروعة، نحو العدالة والحرية والديموقراطية.

لذلك يبدو أن الربع الأول من العام الجديد، سيشهد تصعيدا دراماتيكيا في الأزمة السورية، لجهة بلورة موقف روسي جديد نحو تحول سياسي منظم، مع ازدياد الضغط الاقتصادي والعسكري على النظام، خاصة مع ازدياد التوتر القائم بين واشنطن وطهران، والذي حول المنطقة إلى بؤرة ملتهبة بشكل غير مسبوق.

alfirm@gmail.com

=================

هل سقطت مهمة المراقبين العرب؟

علي حماده

2012-01-03

النهار

سقط أكثر من ثلاثمئة مواطن سوري برصاص النظام منذ بدء مهمة المراقبين العرب، وكل يوم يمر لا يقل عدد القتلى عن الاربعين او الخمسين. معنى هذا ان منسوب القتل ما تغيّر، وان النظام يواصل سياسته الامنية فيما يعمل على حرف مهمة المراقبين العرب عن مسارها المعلن. فالهدف الاول لمهمة المراقبين التحقق من وقف القتل، وهذا لم يحصل، على الرغم من اعلان الامين العام للجامعة العربية نبيل العربي في مؤتمره الصحافي البارحة ان الدبابات خرجت من بعض المدن، وتأكيده ان المراقبين نجحوا في ايصال مواد غذائية الى مناطق محاصرة، وقيامهم بسحب جثث من بعضها الآخر، وكذلك اطلاق اكثر من ثلاثة آلاف معتقل. لكن الحقائق على الارض لا تعكسها تصريحات العربي، الذي قفز فوق البند الاهم من المبادرة، والبروتوكول، ومهمة المراقبين، عنينا بذلك وقف القتل. والنظام في سوريا لم يوقف القتل بل انه يكمل طريقه من دون اي تعديل يذكر فيما يذبح السوريون في الشوارع، ويستمر اعتقال عشرات الآلاف في معتقلات جرى استحداثها لتبقى خارج نطاق رؤية المراقبين. اكثر من ذلك، تتقاطع التأكيدات ان المراقبين مُراقَبون من قرب من المخابرات السورية، بحيث ان امكان التواصل معهم بحرية وبعيداً من اعين النظام محفوف بأكبر الاخطار ان لم يكن مستحيلاً.

نقول هذا الكلام كي نلفت الجامعة العربية الى عوامل سلبية من شأنها اذا ما استمرت ان تطيح مهمة المراقبين. واول هدف من اهداف المهمة على الارض ان يوقف النظام قتل المدنيين. فهل تحقق شيء من هذا الهدف؟ بالتأكيد لا، بل ان بشار الاسد يعمل على تجويف مهمة المراقبين العرب على ارض الواقع، الامر الذي يتطلب وقفة حازمة من جانب الجامعة العربية تعلن صراحة ان القتل لم يتوقف، وان النظام في سوريا مطالب بوقف فوري لكل اعمال القتل في كل مكان، ووقف اطلاق النار على التظاهرات في كل مكان، وبالطبع يجب ان يقترن الاعلان العربي بتشديد على ضرورة اطلاق كل المعتقلين من دون شروط، كالقول ان من يطلقون يجب ان يكونوا ممن "لم تتلطخ ايديهم بالدماء"! وماذا عن مجرمي النظام وفي مقدمهم بشار الاسد نفسه؟

ان مهمة المراقبين العرب تعبر طريقاً محفوفاً بالفخاخ، والتعامل مع النظام في سوريا ليس بالامر الهيّن. ومن هنا كان الحزم العربي مرغوباً في هذه المرحلة الفاصلة بين التعريب والتدويل. ومن نافل القول ان التدويل يجب ان يشتمل على وجه عسكري واضح المعالم، من قبيل انشاء ممرات آمنة لاغراض انسانية، او انشاء مناطق عازلة على الحدود مع تركيا والاردن بحماية "الناتو" والجامعة العربية في عمل مشترك.

ان بشار ما عاد يحكم سوريا، انه يقاتل شعبها. وهذا فارق جوهري. فإذا كان حتى اليوم يتمتع بتفوّق عسكري على الشعب الثائر، فإن ثبات الثورة وتصميم الشعب على التخلّص من قتلة الاطفال سيقلبان عاجلاً ام آجلاً المعادلة على الارض، باعتبار ان النظام صار بمثابة القوة الاحتلالية المندحرة يوماً بعد يوم.

=================

بروتوكول الموت .. اليدان الحمراء للمراقب

بقلم: سمدار بيري

الدستور

3-1-2012

ليس واضحا أي روح شريرة دخلت الى الامين العام للجامعة العربية، د. نبيل العربي، الذي اختار أو صادق على تعيين الجنرال السوداني احمد الضابي رئيسا لفريق المراقبين في سوريا. العربي هو ثعلب سياسي محنك، وحتى هو لا يعرف ماذا يفعله بالاسد: ان يساعده على البقاء شريطة أن يتعهد بالكف عن القتل؟ فأحدا لا يشتري اكاذيب دمشق. أن يجند العالم للدخول بالقوة الى سوريا واسقاط العصبة الحاكمة؟ محظور ان ننسى بان الاسد (حتى الان) هو حليف الحرس الثوري الذي تعهد لحمايته، ولا أحد سيخاطر في مواجهة جبهوية مع ايران. واضافة الى ذلك، فان روسيا، الصين وكوريا لم يرفعوا ايديهم أمام الجهد الدبلوماسي الذي مآله الفشل. ما العمل؟ يبعثون بجنرال سوداني يعرف شيئا أو اثنين عن حاكم يذبح شعبه بدم بارد. حياة الضابي المهنية أكسبته خبرات متنوعة. فقد تبوأ مناصب أساس في الاعمال القذرة في صالح الحاكم وفي جمع المعلومات الاستخبارية بطرق وحشية. يداه بالتأكيد ملطختان بدماء المئات، وربما الالاف من ابناء شعبه. ولحظه فقط نجا من أمر التسليم للمحكمة الدولية في لاهاي على جرائم الحرب في دارفور. في نهاية المطاف سيده، عمر البشير هو الذي تلقى الدعوى. عندما امسك بالضابي، نجا من المحاكمة لانه «فقط» اغمض عينيه حيال القتل، التنكيل الوحشي، الاختطاف، الاغتصاب، السلب والنهب. بالضبط ما يحصل الان في سوريا، فيما يواصل الضابي اغماض عينيه امام الحرب الاهلية.

تفويض مراقبي الجامعة العربية لا يأتي لاسقاط الاسد. فقد جاءوا لتوثيق الفظائع و «بروتوكول مبادرة السلام»، يسميه المتظاهرون في سوريا «بروتوكول الموت». الضابي لا ينجح في التأثر حتى عندما يقتل مائتي متظاهر في خمسة ايام، و 300 آخرين يصابون أو يختطفون الى المعتقل. هو ومراقبوه مدعوون للتخمين ما الذي سيجتازه البؤساء. وهم يلبسون الستر الواقية البرتقالية، فان المراقبين يبرزون جدا في شوارع المدن النازفة. هنا وهناك ينجح مواطن في الاقتراب منهم، يوصي بان يرفعوا عيونهم نحو الاسطح ليروا القناصة. ولكن قواعد اللعب واضحة: المراقبون مدعوون لان يروا ويسكتوا. اذا ما صدموا مما تراه عيونهم، فاعتمدوا على عصبة بشار بان يتلقوا هم ايضا الضرب.

وعلى حد قول الضابي، فان المراقبين ينالون التعاون المرضي. لماذا لا؟ الحكم يقرر مسار الجولات، يرفق بهم وشاة للمخابرات، يزرع شبيحة النظام، يخفي السجناء ويخبىء الدبابات. تكاد تكون نزهة سنوية، من الثامنة حتى الرابعة. ولكن لا ننسى: الوفد انطلق مع الوعد بزيارة السجون، دخول المستشفيات وفحص من الذي يتلقى العلاج الطبي وما هو وضع غرف العمليات. في هذه الاثناء نجحنا في أن نسمع فقط بان «الوضع غير مقلق»، ورأينا مراقبا واحدا ينفخ دخان سيجارته في وجه متظاهر يستجدي حياته.

في «بروتوكول مبادرة السلام» وضع بند خاص في موضوع دخول خبراء في حقوق الانسان واعلاميين. في هذه الاثناء يجلس عشرات النشطاء والصحفيين على حقائبهم. هذا ليس ما ينقص الاسد وعصبته. من ناحيتهم، فليبقوا في بيوتهم. اذا ما حان دور الحكم في دمشق للسقوط، فان كرة الثلج للشتاء العربي ستتدحرج نحو العنوان التالي. على الاقل لدى زعيمين يوجدان على بؤرة الاستهداف ستبدأ فرائصهم ترتعد.

التاريخ : 03-01-2012

=================

في شرعية المجلس الوطني السوري

رياض معسعس

2012-01-02

القدس العربي

يتساءل البعض عن شرعية المجلس الوطني السوري، بفلسفة شرعية الشرعية، للانتقاص منه، أوالتشكيك في تمثيله لثورة الشعب السوري العظيم. وإذا ما تحدثنا عن الشرعية في مفهومها السياسي وحسب أكبر أساطين علوم السياسة والاجتماع ماكس فيبير فإن العم ماكس يقول: الشرعية ثلاث: تقليدية، وكارزمية، وديمقراطية. فأما الأولى منها فنجدها في الأنظمة التقليدية لدى الملكيات والإمارات، التي اعتمدت شعوبها تقليد تنصيب حكامها وراثيا دون الدخول في جدل الشرعية الديمقراطية وانتخابات الحكام من قبل الشعب ليكون الحاكم شرعيا. وأما الثانية منها فتأتي في وقت تمر فيه البلاد بأزمات كبرى تتطلب بروز هيئات، أو شخصيات ملهمة ( كارزمية) تقود البلاد لتخرجها من أزمتها، وهذا ما يعطيها الشرعية في قيادتها مرحليا ووضع الأسس الصحية للانتقال للشرعية الديمقراطية. والثالثة منها تعتمد على انتخابات حرة في وقت سلم مدني ليقول الشعب كلمته في تنصيب من يريد.

هذا من الناحية النظرية، وإذا ما أخذنا بعض الأمثلة للشرعيات الكارزمية عبر تاريخ الأمم والشعوب المختلفة نجد أن أوليفر كروميل الذي ثار على الملكية البريطانية في العام 1649 وجز رأس الملك تشارلز الأول لم يستشر الشعب، أو حتى كل أعضاء البرلمان الذي كان عضوا فيه لتحقيق هذه الثورة والقضاء على الملكية. كما أن الثوار الفرنسيين من روبيز بيير إلى دانتون وسواهما لم ينصبهم الشعب الفرنسي على ثورته في العام 1789 بل قبل بهم كقادة لهذه الثورة بانتظار القضاء على الملكية التي انتهت بحز عنق الملك لويس السادس عشر.

وهل استشار مصطفى كمال الأتراك عندما دخل معركة غاليبولي الشهيرة والقضاء على الجيوش الغربية الغازية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من الامبراطورية العثمانية، وتأسيس الدولة التركية الحديثة. ألم يأخذ شرعيته كقائد ملهم أخرج البلاد من محنتها وبات الأب أتاتورك. وهل طلب البلشفيون رأي الشعب الروسي قبل اندلاع ثورتهم ضد القيصر نيكولاي الثاني واغتياله في العام 1917 لينال منه شرعيته. والأمثلة على ذلك كثيرة من ثورة اللاعنف التي قادها المهاتما غاندي ضد بريطانيا في الهند، إلى الثورة المصرية التي اسقطت الملكية في العام 1952 وسواها.

ولكن ما يميز هذه الثورات، عن ثورات الربيع العربي، أن معظم الثورات السابقة كانت ثورات تقودها شخصيات بإديولوجيات معينه. فكان لكل ثورة زعيم، وسند ايديولوجي. أما الثورات العربية فهي ثورات شعوب بأكملها ضد الطغيان وطلبا للحرية، لم يقودها زعماء معينون، ولم يحركها ايديولوجيات. والثورة السورية تتميز عن سواها أيضا من الثورات العربية التي سبقتها أن نظام العهد الأسدي قد سحق كل رؤوس المعارضة، ما اضطر معظمها الهجرة إلى الخارج، بل أن معارضة أخرى موازية لمعارضة الداخل ( ربيع دمشق، إعلان دمشق، وهيئة التنسيق مؤخرا) نشأت في الخارج بأشكال مختلفة. وقد عبرت عن نفسها في أكثر من مناسبة ولوحقت من قبل شبيحة النظام حتى في العواصم التي تواجدت فيها ولاسيما الساحة الباريسية التي اجتمعت فيها معظم أطياف المعارضة السورية منذ بداية السبعينيات من القرن الماضي. ومع اندلاع الثورة السورية فإن فكرة تأسيس المجلس الوطني السوري قد انطلقت من حاجة ماسة لمن يمثل هذه الثورة في الخارج وخاصة في المحافل الدولية. وقد تجاوب الشعب السوري الثائر مع المجلس منذ اللحظة الأولى للإعلان عنه بتخصيص جمعة' المجلس الوطني يمثلني'، وهو يقوم حاليا بعمل هام على مستويات عدة لخدمة هذه الثورة. وقد بان جليا في مؤتمره الأول الذي عقد في تونس ومن خلال بيانه الختامي، وثيقته التأسيسية بأن هذا المجلس يتكون من ممثلين عن مختلف مكونات الشعب السوري، وممثلين عن الحراك الثوري في الداخل. ويضم شخصيات عدة يشهد لها بنضالها الطويل ضد النظام الأسدي، وبوطنيتها التي لا يرقى إليها أي شك. كما أن هذا المجلس لا يطرح نفسه كبديل عن أية شرعية شعبية، بل وضع أسسا تم الاتفاق عليها في هذا المؤتمر عن كيفية نقل السلطة، وإجراء الانتخابات الحرة لمجلس نيابي انتقالي يضع دستورا جديدا للبلاد يلبي مطمح الشعب السوري في بناء دولته الديمقراطية المؤسساتية. ومنع عن كل قياداته الترشح لأي منصب في الفترة الأولى. كما أن المجلس دعا جميع أطياف المعارضة للانضمام إليه، وللحوار للوصول إلى اتفاق مشترك، لتسيير هذه المرحلة الحرجة من الثورة. وهذا ما تتطلبه المرحلة فعليا. وكما في كل المعارضات في العالم هناك اختلافات في الرأي في تحديد بعض المسارات، وليس خلافات. وهذا شرعي ومطلوب. فالشعب السوري اليوم الذي يقدم عشرات الشهداء يوميا لا يبحث إلا عن من يمثله أفضل تمثيل، بطريقة ناجعة، للتخلص من هذا النظام الجاثم فوق صدره، منذ زهاء نصف قرن. دون الدخول في متاهات اختلافات الرأي ومن يملك شرعية تمثيله أو لا يملك.

' كاتب سوري

=================

نائب الفاعل على الطريقة السورية

الياس خوري

2012-01-02

القدس العربي

لا ادري ما هي فلسفة استنباط صيغة نائب الفاعل في قواعد اللغة العربية. فنائب الفاعل هو عمليا المفعول به، لكنه يُعرب كفاعل، ويُعامل بوصفه كذلك، والسبب هو مجهولية الفاعل او تجهيله.

ان نقول قُتلَ الرجلُ، رافعين القتيل بالضم كما نرفع الفاعل، لا يجعل من القتيل قاتلاُ، لكنه يستعيض به عن القاتل، لأن النُحاة العرب لم يستطيعوا القبول بافتراض وجود فعل لا فاعل له. فأخترعوا صيغة نائب الفاعل، محولين، اعرابياً على الأقل، المفعول به فاعلا مؤقتاً، بانتظار ظهور الفاعل الحقيقي. لست متأكدا هنا لماذا افترض النُحاة العرب ان الجملة تستقيم بلا مفعول به لكنها لا تستقيم من دون فاعل. اغلب الظن انهم افترضوا ان غياب الفاعل ينفي الفعل نفسه، لذا صار من الضروري رفع المفعول وجعله في موضع الفاعل. اشار سيبويه في 'الكتاب' الى هذه الظاهرة قائلا: 'والمفعول الذي لم يتعدّ اليه فعلُ فاعلٍ ولم يتعدَّه فعله اي مفعول (آخر) والفاعل والمفعول في هذا سواء، يرتفع المفعول كما يرتفع الفاعل، لأنك لم تشغل الفعل بغيره وفرّغته له، كما فعلت ذلك بالفاعل'. (ص 33. كتاب سيبويه، دار الجيل بيروت، 1991(.

لا يبحث كبير النُحاة العرب في سبب اجتماعي او سياسي او ثقافي لهذه الظاهرة، فالمفعول يرتفع بحسب سيبويه لأن الفعل تفرّغ له، واغلب الظن ان مثل هذه الأمور لم تشغله، لذا لا اريد ان افترض ان هذه الصيغة النحوية القديمة لها علاقة بطبائع الاستبداد، كي نستعير عبارة استاذنا الكبير عبد الرحمن الكواكبي. ومن المرجح ان تكون المواءمة بين طبائع الاستبداد ونائب الفاعل حديثة العهد ومرتبطة بأنظمة الانقلاب العسكري التي وجدت في تجهيل الفاعل وسيلة لغوية ونحوية تغطي بها جرائمها، محدثة اخطر ظاهرة في لغتنا المعاصرة، وهي فصل الدال عن المدلول، او فصل المبنى عن المعنى، بحيث تغرق اللغة في رمل اللامعنى.

لم يكن طغاة العرب والعجم الذين تحكموا بعالمنا العربي طوال قرون في حاجة الى لعبة نائب الفاعل هذه، فالفاعل كان يفتخر بفعلته، لأن السلطة كانت تؤخذ غلابا وبشكل علني. وما حكاية تقطيع جسم ابن المقفع ورمي اجزائه في النار وهو حي على يد سفيان بن معاوية والي البصرة من قبل الخليفة العباسي الثاني المنصور، الا اشارة الى افتخار المجرم بجريمته الوحشية، وعدم حاجته الى نائب يقيه شر فعلته.

غير ان عصرنا الحديث، وخصوصا في زمن البعثين العراقي والسوري حمل تطورات جديدة، تمثلت في تعهير اللغة بالجريمة. صدام حسين، قبل ان ينقلب على احمد حسن البكر ويعلن نفسه رئيساً، كان يُطلق عليه لقب السيد النائب. اما رفعت الأسد قائد سرايا الدفاع وسفّاح حماه، فصار نائبا لشقيقه الرئيس، قبل ان تطيح به صراعات القصر، ومؤامرات الوراثة. النائبان كانا نموذجين مختلفين لمصير اللغة في زمن تبعيثها، فصارت الشعارات القومية مجرد قشرة تغطي اعادة انتاج لنوع من المملوكية الجديدة القائمة على امتهان المعاني وتحطيم كرامة المواطن.

حوّل البعثان التآمر الذي اتى بهما الى السلطة عن طريق الانقلاب والانقلاب على الانقلاب الى نمط حكم. فالعقلية الانقلابية القائمة على الولاءات العائلية والعشائرية تقرأ التاريخ والوقائع كمؤامرات تحاك في الظلام، وترى في كل شيء شبح مؤامرة. فهي لا تُحسن ان تتصرف الا كقوى تتآمر، واذا لم يكن هناك مؤامرة اخترعتها ثم صدّقت كذبتها.

الذي أمر باعتقال اطفال درعا وتعذيبهم بوحشية، ثم اهان اهلهم، كان مقتنعا ان هؤلاء الأطفال هم غطاء مؤامرة، ولم يكن قادرا على ان يتخيل ان الأطفال كتبوا على الحيطان شعار الثورات العربية، تعبيرا عن تأثرهم بما رأوه على الشاشة الصغيرة، فقاموا ببراءة بكسر ما كان النظام مقتنعا باستحالة كسره. ومع انكسار جدار الخوف تدفقت الثورة كالسيل.

ولعل قمة العقل التآمري هي اختراع المؤامرة والصاقها بالآخرين، من مقتلة قادة حزب البعث في العراق على يد صدام، الى ما لا آخر له، وصولا الى اختراع الامارات السلفية في سورية، وانتهاء بالعصابات المسلحة.

لا ادري كيف سيبرر النظام السوري خروج مئات الالوف الى الشوارع امام المراقبين العرب. كيف سيقومون باقناعهم ان القتيل هو القاتل، وان المتظاهرين يقتلون انفسهم؟ لعله يتكل على رئيس لجنة المراقبين، الذي قيل والله اعلم انه ضالع في حكايات الجنجويد الاجرامية. اغلب الظن ان النظام كان يعتقد ان عملياته العسكرية الوحشية، التي سبقت مجيء المراقبين العرب، سوف تردع اي حركة، كي يبدو المشهد الدماري ديكوراً يستطيع النظام من خلاله تسويق حكاية نائب الفاعل التي لا يمل من تكرارها.

غير ان حمص اثبتت العكس وهي تخرج من تحت دمارها الى نور المظاهرات التي اشتعلت في احيائها، وهكذا فعلت ادلب ودرعا وحماه ودير الزور وحلب وريف دمشق. وكانت مظاهرة دوما اشارة الى ان النظام فقد حيلته. ثم جاء صوت المثقفين والفنانين السوريين الاحرار ليعلن ان الثورة مستمرة.

في زمن البعث الذاهب الى افوله الحتمي، وصل التلاعب بالضحية الى ذروته، عبر الصاق الجريمة بالقتيل وتحويل الضحية الى مجرم او الى نائب للمجرم. غير ان احد فضائل الانتفاضة الشعبية السورية هو القدرة على فك طلسم الفعل المجهول، معلنة ان الجريمة يجب ان تتوقف لأن المفعول به قرر ان يتخلى عن وضعه كنائب فاعل، وصار صانعا للتاريخ، وهو يواجه الجريمة بصيحة الحرية.

=================

في المسألة السورية.. سؤال الساعة هو كيف البديل؟

أحمد فيصل الخطاب

2012-01-02

القدس العربي

في أوائل الثمانينات من القرن الماضي، كتب المفكر القومي الكبير صلاح الدين البيطار افتتاحية شهيرة في مجلة 'الإحياء العربي' التي كان يصدرها من باريس، وكانت بعنوان 'في المسألة السورية : سؤال الساعة، ما هو البديل؟ '.

'ما' هو البديل، وليس 'من' هو البديل، فالمسألة ليست في استبدال شخص أو رئيس بشخص أو رئيس آخر، إنما استبدال حالة بحالة.

بعد نحو ثلاثين عاماً، أتى جواب الشعب السوري على السؤال الكبير ممهوراً بدمه هذه المرة: البديل عن النظام الديكتاتوري الشمولي العسكري الأمني هو قيام دولة مدنية ديمقراطية تعددية تداولية.

اليوم، لم يعد السؤال المطروح ما هو البديل؟ فأكثرية الشعب بكل أطيافه تؤشر عليه بوضوح.

لكن السؤال الأصعب المطروح اليوم في رأينا هو، ودائماً في إطار المسألة السورية: كيف الوصول إلى هذا البديل؟ كيف؟ بأية أدوات ووسائل وأساليب؟

استمرار التظاهر في الشارع؟ إنه شرط لازم، لكنه ثبت أنه غير كاف لزعزعة واحد من أعتى الأنظمة القمعية في العالم.

انحياز عسكري من القوات المسلحة للثورة كما حدث في تونس ومصر إن مثل هذا الاحتمال يوفر على سورية أرضاً وشعباً الكثير من المعاناة والدماء، ولكنه احتمال يبدو وبعد مرور نحو تسعة أشهر ضعيفاً، بل مستبعداً في ظل المعطيات الخاصة بالساحة السورية.

تدخل أممي كما حصل في الحالة الليبية؟

أمر وارد، لكنه ضعيف الاحتمال. ومما يزيد من صعوبة مثل هذا الحل، الوقع الجغرافي السياسي لسورية، وشبكة العلاقات السورية الإقليمية المتداخلة والمعقدة، وكذا العلاقات الخفية للنظام السوري مع 'لوبيات' وقوى مؤثرة في العالم.

تسوية سياسية على الطريقة اليمنية؟

ربما كان هذا حلاً معقولاً، يحقن الدماء، ويوفر على الشعب السوري الكثير من المعاناة. لكن السؤال هل هذا الحل ممكن في سورية؟

لقد سالت كثير من الدماء تبحث عن هوية وهدف. وإن التجربة الحية طوال أكثر من أربعين عاماً، أشرت بوضوح على عقلية خاصة لدى الممسكين بزمام الأمور عندنا. عقلية تلخص بكلمات ثلاث: استبداد، فساد، ارتداد.

فكيف والحال هذه العبور نحو تسوية ممكنة؟

لقد كانت الإشكالية في سورية قضية عادية تتعرض لها معظم دول العالم الثالث.

لكن هذه القضية مع مرور الزمن وطول الأمد تحولت إلى مسألة. مسألة تهدد اليوم بالتحول إلى معضلة: أي مسألة بلا حل. لأن كثيراً من القوى الخارجية وبعض القوى داخل النظام تدفع بهذا الاتجاه، وهنا الكارثة.

يبقى الحل الأخير: استمرار الثورة، ثورة الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، مع الحرص على طابعها الوطني الشامل والديمقراطي السلمي، مع إقناع الفئات المترددة وخاصة من الطبقى الوسطى بأن مصلحتها تكمن في التغيير والتركيز على العاصمة السياسية لسورية: دمشق، والعاصمة الاقتصادية: حلب حين ينزل الملايين في دمشق وحلب إلى الشوارع، يتغير ميزان القوى بشكل واضح لصالح قوى الحرية والتغيير.

بعد هذه المرحلة، يتم الانتقال إلى إضراب شامل في كل المدن والبلدات السورية. وفي مرحلة لاحقة يتم الانتقال إلى العصيان المدني. وهو سلاح هائل، خاصة حين يكون شاملاً ووطنياً ومنظماً.

حينذاك وحينذاك فقط، يمكن لشرائح هامة مدنية وعسكرية أن تنسلخ عن النظام وتلتحق بركب الثورة.

وهنا تكون اللحظة الفارقة، لحظة الحسم. ويتم التغيير الكبير الذي تهفو إليه قلوب وعقول الملايين من السوريين.

تغيير ستفرضه شجاعة الشعب السوري العظيم، وقوافل الشهداء الأحرار.

إن التغيير آتٍ لا ريب فيه. ودوام الحال من المحال.

لكن السؤال بأي أثمان وتكاليف سيكون هذا التغيير؟

الفكر النير لا بد أن يعثر على الحلول الملائمة. فتعريف 'السياسة'، أو قل 'الحكمة' الذي أراه الأفضل والأشمل هو 'فعل الواجب في الزمان المناسب والمكان المناسب وبالشكل أو الصيغة المناسبة'.

هذا هو التحدي الشاخص اليوم أمامنا جميعاً. فمن يرفع هذا التحدي الكبير؟

' إعلامي ومعارض سياسي سوري

=================

أضعف الإيمان - تكاذب المعارضة السورية

الثلاثاء, 03 يناير 2012

داود الشريان

الحياة

الاعتراضات التي نشأت حول وثيقة الاتفاق السياسي بين قطبي المعارضة السورية في الخارج، «المجلس الوطني» و»هيئة التنسيق»، أكدت عمق الخلاف بينهما، وهي كشفت عن حال من التكاذب بين صفوف المعارضين. ظهر هذا حول تعريف التدخل الأجنبي ونوعه. الاتفاق ينص صراحة في مادته الأولى على، «رفض أي تدخل عسكري أجنبي يمس بسيادة واستقلال البلاد ولا يعتبر التدخل العربي أجنبياً». لكنه يلتف على هذا الموقف من خلال تفسير المادة الثانية التي تطالب ب «حماية المدنيين بكل الوسائل المشروعة في إطار القانون الدولي لحقوق الإنسان».

أصرف النظر عن كلام الوثيقة حول «نزع القداسة عن العمل السياسي والمدني»، والذي اثار حفيظة الإخوان المسلمين، باعتباره مقدمة لرفض اي حكم يرفع شعاراً دينياً، وتلويحها بعلمانية الدولة، وتجاهل ذكر «الجيش السوري الحر» بالاسم، والسعي الى الهيمنة على مجريات الثورة وقرارها، وتهميش القوى الفاعلة على الأرض، ومساواة الجالس في العواصم الغربية، والمتحدث عبر القنوات الفضائية، بمن يبذل دمه وروحه من أجل حماية الشعب السوري. لا نتوقف كثيراً عند اقرار الوثيقة، ان سورية جزء لا يتجزأ من الوطن العربي وتأثير هذا على المسألة الكردية، وقضية مركزية الدولة وغيرها. كل هذا، على أهميته، جدل سابق لأوانه، المسألة الأهم: هل يتم الحسم على الطريقة التونسية ام على الطريقتين العراقية والليبية؟

لا شك في ان القضية المحورية في هذه الوثيقة هي التدخل الأجنبي. فرغم ان الورقة ترفضه الا أن تفسيراتها تقره، ووفق ما نشر في «الحياة» امس، فإن البيان الصادر عن مكتب برهان غليون، رفض «التدخل الأجنبي البري، الذي من شأنه المساس بوحدة الأراضي السورية واستقلالها»، لكنه وافق «على التدخل الأجنبي الذي يفرض مناطق عازلة تحت حظر جوي وبحري»، وهذا التفسير يتناقض مع حماية المدنيين في اطار القانون الدولي لحقوق الإنسان، فهذا الأخير لا يتم تنفيذه عبر الوسائل العسكرية وقرارات الامم المتحدة، وهو عمل معنوي صرف.

الأكيد ان المعارضة السورية في الخارج تعيش مأزقاً أخلاقياً. هي تدرك ان التدخل الدولي دعوة الى شرذمة البلد وتدميره، لكن سعيها الى الوصول الى السلطة يفرض عليها محاكاة نظرائها في العراق وليبيا، ويبدو انها ماضية في هذا الاتجاه، وعلى نحو لا تحسد عليه.

=================

من خريف العرب .. إلى ربيع الغضب!

الثلاثاء, 03 يناير 2012

مصطفى الفقي *

الحياة

لم يتصور أحد منذ عام مضى أن يحمل عام 2011 ميلادية معه كل هذه الأحداث التي جرت والتطورات التي وقعت على نحوٍ يكاد يجعل وجه المنطقة العربية مختلفاً تماماً حتى إن البعض ردد ساخراً أن أية قمة عربية قادمة سوف تكون قمة «تعارف»!

نعم لقد شعرنا منذ سنوات أن الأمة العربية تدخل «خريفاً» فيه قدر من الترهل والجمود الذي قد يؤدي إلى شتاءٍ بارد صقيعه لا يحتمل، وكنَّا نكتب كثيراً عن أهمية «الديموقراطية» والمشاركة السياسية وتداول السلطة ودوران النخبة لكن لم يخطر في بالنا أبداً أن تأتي الأحداث بهذه السرعة وعلى هذه الوتيرة، فمصر على سبيل المثال تغيرت 180 درجة وتبدلت «بورصة البشر» فيها فظهرت أسماء وتوارت أخرى وكأننا أمام شعبٍ مختلف أظهر في بداية الثورة أفضل ما فيه ثم أظهر بعد ذلك أسوأ ما فيه، ونحن إذ نرقب من كثب الأوضاع في دول «الربيع العربي» نجد أنها نتيجة طبيعية للغضب الكامن عبر العقود الأخيرة وعمليات السطو على مقدرات الدولة واختلاط السلطة بالثروة وقيادة الأوطان بلا رؤية بل وبلا ضمير، ونحن نتابع الآن مجريات الأمور باهتمام لا يخلو من قلق وبحرصٍ لا يفتقد الوعي، ولنا على الخريف القومي والغضب العربي ملاحظات منهجية نسجلها في ما يلي:

أولاً: إن اختلاف النظم العربية وتكريس «القطرية» أدَّى إلى نوع من الاختلاف والتباين في الهوية الوطنية بينها وانعكس في شكل واضح على طبيعة العلاقات الثنائية فتدهورت التجارة البينية ولم يتقدم العمل العربي المشترك بصورة تتجه نحو التكامل أو حتى نحو درجة أدنى من التنسيق الإنمائي ناهيك عن التنسيق السياسي وإمكانية بلوغه مستوى مقبولاً في ظل أوضاع دولية وإقليمية محفوفة بالمخاطر.

ثانياً: لعبت المؤثرات الخارجية والتدخلات الأجنبية دوراً واضحاً في الحياة السياسية العربية وتوالت الصدمات على الأمة بدءاً من هزيمة 1948 مروراً بنكسة 1967 وصولاً إلى سياسات «كمب دايفيد» ثم غزو العراق للكويت واللجوء إلى حلول خارجية للخلاص من المأزق الذي وضعت فيه زعامات خرقاء أمتها في العقود الأخيرة حتى أصبح واضحاً أن غياب «الحكم الرشيد» وافتقاد الحكمة في تشكيل الرؤية العربية المشتركة هو المسؤول الأول عما آلت إليه الأوضاع في الوطن العربي.

ثالثاً: لقد ظل «الصراع العربي الإسرائيلي» مؤثراً سلبياً على الوضع العربي العام يستهلك الموارد ويبدد الطاقات ويضع الأنظمة في حرج أمام شعوبها، وعلى رغم الانتصار النسبي للعرب في حرب 1973 مع إسرائيل، إلا أنها لم تتمكن من الاندماج الكامل والتعايش المشترك مع جيرانها بسبب سياساتها العدوانية التوسعية ورؤيتها العنصرية لوجودها النشاز في المنطقة وهو ما انعكس بالضرورة على أطراف الصراع الكبير بالشرق الأوسط على امتداد العقود الأخيرة.

رابعاً: لقد لعبت الانقلابات العسكرية التي عرفتها المنطقة العربية التي بدأت بسلسلة القفز المتوالي على السلطة في سورية على أيدي أمثال حسني الزعيم وسامي الحناوي وأديب الشيشكلي وغيرهم من المغامرين بالحكم والمقامرين على السلطة، ثم جاءت الثورة المصرية عام 1952 لتقلب الموازين في المنطقة ولتضع العرب أمام سيناريو قومي جرى إجهاضه بنكسة 1967، ولا شك في أن دور الجيوش العربية في ما جرى وما يجري هو تأكيد لحالة الجمود الفكري والترهل السياسي التي شكلت «خريف العرب» ومهدت ل»ربيع الغضب».

خامساً: إن نهب الثروات القومية وتجريف القدرات الوطنية وطغيان دور الفرد على دور المؤسسة كل ذلك أدَّى إلى المشهد المؤلم الذي عرفته بعض الأقطار العربية ودفع شعوبها للخروج إلى الميادين مطالبين بالتغيير باندفاع كاسح يجر أمامه حكاماً سقطوا ونظماً تهاوت بما يعني أننا كنا محكومين على غير إرادة الشعوب وهو ما كان تمهيداً طبيعياً لذلك التيار الذي اجتاح عدداً من الأقطار العربية عام 2011.

سادساً: إن الوطن العربي جزءٌ من العالم الإسلامي كما أن الدين متجذر في أعماق من يدينون به والقراءة التاريخية للعلاقة بين العروبة والإسلام تؤكد أن التداخل بينهما عميق وأن الحضارة العربية الإسلامية هي شراكة بين المسلمين وغير المسلمين من مسيحيين ويهود لذلك كان طبيعياً أن يكون حصاد «الربيع العربي» إسلامياً بالدرجة الأولى حتى لدى الدول التي لم تشهد ثورة شعبية فإن انتخاباتها النيابية قد أفرزت برلماناً تقوده غالبية من عناصر التيار الإسلامي ولعل المملكة المغربية هي نموذج لذلك، فالبيئة العربية تستقبل التيارات الدينية بكثيرٍ من القبول الشعبي على نحوٍ غير مسبوق.

سابعاً: إن ضعف التنظيم الدولي العربي المرتبط بجامعة الدول العربية أدَّى إلى تراجع واضح للعمل العربي المشترك ولا بد أن نعترف أن العبء كله في ذلك لا يقع على الجامعة وحدها ولكن دعنا نعترف أن إرادة الشعوب العربية ليست حاسمة في دعم الجامعة وأنا ممن يظنون أنها قد بدأت تدخل مرحلة العد التنازلي في عمرها الافتراضي وأصبحت في حاجة إلى تجديد الفكر والروح والدماء خصوصاً وأن مجلس التعاون الخليجي قد بدأ يمتد على الساحة العربية في شكلٍ أكثر انتظاماً وأشد تأثيراً.

ثامناً: إن الذين يتصورون أن الغضب العربي كان مرتبطاً فقط بنظمٍ مرفوضة لا يدركون الواقع الحقيقي، فالشعوب ترفض التخلف الذي تشعر به والفقر الذي تعانيه وطوابير البطالة بين شبابها وتدرك في أعماقها أن إسهامها في حضارة العصر محدود للغاية ويكفي أن نسأل أنفسنا كم عنواناً أنجزت المطابع العربية لكتبٍ جديدة في العام الواحد؟ لندرك أن لدينا أزمة نشر وضعف كلمة ومحنة فكر مع غيابٍ كامل لخطط النهوض بالتعليم وأساليب الرقي بالمجتمع.

تاسعاً: إن العرب يدركون أن دوافع الغضب الكامن تأتي من المقارنة بينهم وبين غيرهم بدءاً من تركيا وإيران وصولاً إلى إسرائيل ذاتها وكأنما أصبحت «النهضة» حقاً للغير وحراماً على معظم الشعوب العربية، ولذلك بدأت عملية مراجعة غاضبة لما يجري على ساحة الوطن العربي تطلب الخلاص من التخلف والظلم والفساد.

عاشراً: إن جيلاً جديداً بدأ يطل على المشهد العربي حاملاً نتائج التقدم التكنولوجي وعصر ثورة المعلومات، ولعلنا نعترف أن معظم ثورات الميادين الأخيرة في دول «الربيع العربي» اعتمدت على الإمكانات الإلكترونية حتى أسماها البعض بثورة «الفايسبوك» ولا شك في أن هذه النقطة بالذات ترتبط ارتباطاً وثيقاً بمفهوم «النهضة» ومدلولها على المستوى العربي كله.

هذه ملاحظات للتأمل نريد أن نقول بها إن الوطن العربي يمر بفترة مخاض غير مسبوقة يعيد بها ترتيب أوضاعه لنظمٍ تلملم أوراقها استعداداً للرحيل وأخرى توفق أوضاعها طلباً للبقاء، إن المنظومة العربية التي عرفناها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية تتغير الآن لتأخذ سياقاً عصرياً بدأت ملامحه في الظهور تبشيراً بوصول أجيالٍ جديدة إلى كراسي الحكم ومواقع السلطة مدركين أن لكل عصر رموزه ولكل عهدٍ شخوصه. إن هذه القراءة السريعة تؤكد من جديد أن غضب العرب كان مقدمة طبيعية لربيع الثورات التي تحركت بها الشعوب في حشودٍ هائلة تسجل لعام 2011 من الميلاد أنه كان بحق نهاية ل «خريف العرب» وبداية ل «ربيع الغضب» ندعو الله أن لا يكون بعدهما شتاءٌ قارص تزبل فيه الزهور وتنكمش الأفكار ونعود للاستبداد من جديد!

* كاتب مصري

=================

سوريا وكوريا

محمد الرميحي

الشرق الاوسط

3-1-2012

لماذا ينجح التوريث أبا عن جد في كوريا الشمالية ولا ينجح في سوريا؟ وهل كل ما يجري في سوريا اليوم سببه الرئيسي هو التوريث، الذي كان أحد العناصر التي أججت «ربيع العرب» من بين عناصر أخرى في تلك البلدان العربية التي تغيرت تركيبتها السياسية؟

الإجابة عن هذا التساؤل اجتهادية. فسوريا لغتها العربية تُنطق (باختلاف طفيف) مشتركة بين أربعمائة مليون من العرب؛ من طنجة إلى الخليج، وتُكتب بنفس الحروف، أي أن مفردات الحرية والتحرر وقصيدة أبو القاسم الشابي: «إذا الشعب يوما أراد الحياة»، التي ترددت في تونس، وما تردد في ساحة التحرير المصرية، كلها تُفهم بوضوح ودون عناء في المدن السورية، على عكس كوريا الشمالية؛ حيث يتكلم اللغة الكورية نحو 130 مليونا فقط، في كل من الكوريتين وبعض بر الصين، ولا يصل المنتج الثقافي الكوري الجنوبي إلا خلسة للقطاع الشمالي من شبه الجزيرة، كما أن الصين التي تحد كوريا من الشمال أحادية الحزب، ذات حكم مركزي، يختلف، على سبيل المقارنة، عن تركيا ذات الحكم الديمقراطي المحاذية لسوريا، فضلا عن أن كوريا لا تحاذي بلدا مثل لبنان يباع فيه الكثير ويُشترى الكثير متسربا إلى الداخل السوري بضائع وأفكار وممارسات، كما أن الحكم في كوريا على كل عيوبه لم يخلط الخلطة القاتلة، وهي إذابة السياسة في بحر من التجارة، تلك بعض الفروق لا كلها.

ترى هل اقتنع القارئ بأن سوريا غير كوريا، فإن كان الشعب الكوري الشمالي قد قبل ب«جملوكية» لها مظهر الجمهورية، ومخبر الملكية المطلقة والشاملة والقمعية، فإن الجمهور السوري قبلها على مضض، كان يتوقع أن تتطور الأمور للتخلص من بعض أردانها، فلم يعد هناك مكان «للحزب الواحد» في هذا العالم، مع ما تضربه من عواصف العصرنة الشاملة والتواصل الفضائي غير المسبوق، ولم يعد هناك مكان لتضخم «أدوات الضبط» في الدولة، وضعف شديد في أدوات «التنمية» في الدولة في نفس الوقت، ولم يعد هناك مكان لخلط المصالح العامة مع الخاصة. العالم تجاوز كل ذلك، لقد ذهب العالم بعيدا، وبقي النظام السوري في مكانه لا يريد أن يعترف بأهمية التغيير في آلياته، فضلا عن خطابه، ولم تصل إليه علامات التعجب، إن لم يكن الاستنكار، عند تغيير الدستور في يوم وليلة، من أجل تمكين الابن كي يضع رجله في حذاء أبيه، فوقع الرئيس أسيرا لأفضال من نصبوه!

في مكان آخر، وفي قراءة حديثة للماضي البعيد، وجدت أحد التفسيرات التي جعلت من المسلمين الأوائل يرجحون (بأغلبية) اختيار أبو بكر لقيادتهم بعد وفاة النبي (صلى الله عليه وسلم) على ابن عمه علي بن أبي طالب بسبب أن العرب لا تصبر أن تكون «الخلافة» في بيت مخصوص (عبد الحسين شرف الدين في «المراجعات» صفحة 117 والكتاب صدر قبل مائة عام). وقد عاد إلى ذلك الكثير من المؤرخين بعد ذلك، إذا كان ذلك التفسير قريبا إلى المنطق في ذلك الوقت الزمني المتقدم، فلماذا لا يكون التوريث اليوم مستنكرا بعد تقدم البشرية وظهور النصوص الدستورية الحديثة وهي في معظمها تنص على أن «الأمة مصدر السلطات»، وانتشار نصوص شرعت حقوق الإنسان، إلى آخره من النصوص والممارسات الكثيرة والغنية التي تعلي من شأن رأي الناس، ومرت بها البشرية في تطوير أنظمة الحكم.

يبدو أن النظام السوري (مع الأسف) قد قرر أن يرفع شعارا غير علني في وجه وفد الجامعة العربية الذي ذهب من أجل التدقيق في الممارسات ضد المواطنين العزل، هذا الشعار يقول «أنتم راقبوا ونحن نقتل»، وإلا كيف يمكن أن يستقيم أمر جهود هذه الجامعة، ونحن كمواطنين نسمع ونرى كل مساء عددا متزايدا من القتلى السوريين في شوارع المدن، يقول المطلعون إن عدد القتلى أصبح يفوق ال6000 قتيل، فضلا عن المعتقلين الذين يشكلون الآلاف، فما الرقم الذي تريد الجامعة العربية أن يصل إليه من الضحايا السوريين حتى تقول «الكفاية هي الكفاية»!

لا يبدو أن عام 2012 يحمل إلى سوريا إلا الكثير من إراقة الدم الزكي، ولا يوجد في الأفق حل سياسي ما، فما السقف الذي تريد الجامعة العربية - مع تصريحاتها الهزيلة - أن تصل إليه؟

المشهد السوري يلخص اليوم ما يمكن أن يسميه المراقب «التفاؤل بالموت»، أي كلما كثر عدد القتلى ربما اقترب تحقيق هدف النظام؛ بأن الناس سوف تخاف وتنكفئ على نفسها وتنسحب من المقاومة السلمية، في الوقت الذي يؤكد فيه بعض المراقبين أن هدف الناس في سوريا بسيط، فالشعب السوري يرغب في تحقيق هدف واحد هو الحرية، الحرية من سلطة الحزب الواحد، التي تحولت إلى سلطة قلة من الناس، ويرغب في أن يلتحق بهذا السيل العارم في المنطقة المطالب بالديمقراطية التعددية.

لا أحد ينكر أن العلاقة بين السلطة السورية وقطاعات واسعة من الشعب السوري قد زادت مرضا على مرض، والأفق المسدود للخروج من المأزق يزيد من صعوبة عمل بعثة الجامعة العربية، التي يبدو أنها لا تعرف ما تريد ولأي هدف قد ذهبت!

كلما زاد الصراع في سوريا زاد الانقسام الداخلي، وتفاقمت المشكلات إلى حد ينذر بمخاطر حقيقية في المستقبل، كما أن الافتراض المنطقي، أن النظام كما هو - بعد كل هذا الدم - لا يمكن أن يُقبل؛ لا في سوريا ولا في الجوار الإقليمي أو الفضاء الدولي. فلا الجغرافيا ولا التاريخ السوري لهما تماثل مع كوريا الشمالية، لقد أصبح من الواضح أن الشجاعة هي مواجهة الحدث السوري بحلول ناجعة، أولها الكلام العربي الواضح مع النظام بأن التوريث الذي جعل من كل النسيج العربي ينتفض، فقط بسبب النية، آن له أن يزول من منبته الأول.

آخر الكلام:

عربيا كانت سنة 2011 سنة صعبة بكل المقاييس، الأنكى أن عام 2012، كما تقول المؤشرات، سيكون أكثر صعوبة سياسيا واقتصاديا.. الله يستر.

=================

الفريق الدابي.. ارحل

طارق الحميد

الشرق الاوسط

3-1-2012

كتب الزميل مشاري الذايدي، وغيره، مطالبين بتنحية رئيس وفد «المراقبين» العرب إلى سوريا، أو قل «المتفرجين»، وطالب رئيس البرلمان العربي بسحب الوفد فورا، ويوما عن يوم يزداد حجم عدم الثقة بالفريق العربي المراقب من قبل المعارضة السورية، فما الحل؟

الإجابة المنطقية هي أن على الفريق السوداني الدابي الرحيل فورا، واعتذاره عن عدم إكمال مهمته، فالثقة فيه مفقودة، وهذا أمر واضح، خصوصا بعد تصريحاته المتناقضة، حيث قام بالإدلاء بتصريحين، الأول صححه له نبيل العربي، والثاني كان محاولة لتفنيد تصريح أحد المراقبين العرب، وهو من وصفته ب«المراقب الوحيد الحقيقي»، والذي قال إنه رأى قناصة بدرعا، لكن الفريق الدابي قال إنه لم يقل ذلك، علما أن التصريح جاء بشكل واضح في شريط فيديو! فهل بعد ذلك يمكن الوثوق بالدابي، هذا عدا عن علاقته بنظام البشير!

والحل لا يكمن فقط برحيل الدابي، أو السحب الفوري للمتفرجين العرب، كما يطالب رئيس البرلمان العربي، بل إن الحل يكمن في تصحيح الخطأ، وتطوير عمل الفريق العربي في سوريا، ليقوم بمهام حقيقية، وليس المراقبة فقط. فما يحدث في سوريا أمر معلوم إلا لمن يريد أن يجادل فقط من أجل منح الوقت للطاغية بشار الأسد. ولذا، المفروض تطوير خطة إرسال المراقبين العرب للتحقق من تنفيذ بنود البروتوكول العربي، والتأكد أساسا من أن الجامعة العربية تستحق الثقة، خصوصا أن هناك تصريحا غريبا عجيبا منسوبا لابن حلي، المسؤول في الجامعة، حيث يطالب المراقبين العرب بعدم إصدار تعليقات على الأوضاع في سوريا! فهل على المراقبين تسليم ما لديهم للدابي وهو يصوغ ما يشاء في تقريره الختامي؟ أمر غير معقول!

وعليه، فالمفروض أن تعلن الجامعة عن ضرورة الاستعانة بهيئة دولية ذات مكانة، وشخوص اعتبارية محترمة، مثلما فعل ملك البحرين، أو على غرار محكمة الحريري، مع ضرورة تفعيل بند دخول الإعلام، العربي والدولي، وسحب الدبابات والشبيحة من الشوارع فورا، وإطلاق سراح المعتقلين، كما نصت المبادرة العربية، ويحدد لذلك مدة زمنية لا تتجاوز ثلاثة أيام. حينها تظهر الجامعة جديتها في حماية المدنيين السوريين، وتطبيق المبادرة العربية، لأن ما نراه اليوم ما هو إلا محاولة مفضوحة لإنقاذ الأسد، وإن أحسنا الظن فالظاهر أن الجامعة غير قادرة على تطبيق مبادرتها تجاه سوريا.

عدا عن ذلك - وهذا الأفضل في كل حال - لا بد من الشروع بتحويل الملف السوري إلى مجلس الأمن، على أن تعنى بذلك لجنة عربية محددة، وليس بالضرورة الجامعة، يضاف إليها تركيا، وتشكل بعضوية كل من السعودية وقطر والإمارات والكويت وليبيا، والمغرب، وكل من لديه الرغبة في وقف آلة القتل الأسدية، على أن تشرع تلك اللجنة في توفير جهد دبلوماسي من روسيا إلى أميركا، مرورا بأوروبا، لتوفير قرار أممي، أو دولي، لتأمين منطقة عازلة للسوريين، وفرض حظر طيران.

هذا ما يجب فعله، وليس انتظار انتهاء مهمة الدابي التي لا تحظى بمصداقية، ولا تحمي السوريين العزل.

=================

بعثة المراقبين العرب.. مطالعة أخرى

عيسى الشعيبي

الغد الاردنية

3-1-2012

كان وصول بعثة المراقبين العرب إلى سورية قبل نحو أسبوعين، علامة فارقة في مسار أزمة متفاقمة ونقطة سوداء في جبين نظام قمعي متوحش، حاول على مدى تسعة أشهر إخفاء الفظائع، والظهور بمظهر الضحية، في وجه فيض من الأشرطة المصورة، ظلت أدوات التكنولوجيا الرقمية تواصل بثها للرأي العام العربي والدولي حول مجريات وضع انكشفت فيه كذبة المندسين، وسقطت خلاله نظرية المؤامرة الخارجية، وكل ما جاء في الرواية الرسمية المتهافتة.

ولم تكن موافقة النظام، الذي كان فيما مضى لاعباً رئيساً في سائر أزمات المشرق العربي، وأحياناً العازف المنفرد كما في الأزمة اللبنانية، موافقة سهلة تمر هكذا بلا مكابرة، ليس من منطلق رفض التدخل في الشؤون الداخلية وفق القاعدة الذهبية المعمول بها عربياً، وإنما من منطلق أن مثل هذه السابقة غير المسبوقة في سجله الطويل، تهشم صورته الخارجية، وتحوله من لاعب ممتلئ بالغرور إلى مجرد ملعب مفتوح.

لذلك، فقد بادر النظام المأزم إلى شن هجوم سياسي شامل على المبادرة العربية، وأطنب في هجاء القائمين عليها، إلى الحد الذي راح فيه إعلامه الخشبي، وضيوفه الدائمون على شاشة قناة الدنيا، من لبنانيين وأردنيين على وجه الخصوص، يعقدون المقارنات المثيرة للعواطف الساذجة بين هؤلاء المراقبين ولجان التفتيش الدولية في العراق، ويكتبون المعلقات ضد التحالف الإمبريالي الصهيوني التركي الخليجي، ويرمون المراقبين سلفاً بتهم التجسس والعمالة للأطلسي والمخابرات الأميركية.

لذلك فقد بدت موافقة النظام الدموي، بعد طول تردد، على بروتوكول المراقبين العرب، أقرب ما تكون إلى تجرع السم الزعاف، تطلب القبول بها جملة طويلة من الضغوطات الدبلوماسية والعقوبات الاقتصادية، والتهديدات بتدويل الأزمة، فضلاً عن "نصائح" أصدقاء كانوا يتناقصون بسرعة.

صحيح أن النظام الدكتاتوري لم ينفذ أياً من بنود المبادرة العربية، ولم يتوقف عن قتل المتظاهرين بالعشرات يومياً، وتصفية الجرحى بدم بارد، وتعذيب المعتقلين حتى الموت، إلا أن مجرد قبوله بالمراقبين كان قد وضعه في مسار تصادمي شامل مع العرب والعالم، على نحو لم تعد تنفع فيه المراوغات السابقة، ولا تجدي معه المناكفات والخزعبلات والتهويلات المكشوفة، وذلك بعد أن دخل إلى المشهد محكم الإغلاق شهود عيان معروفين بالاسم هذه المرة، لديهم اعتماد ممهور بأختام رسمية، ومرجعية سياسية مستقلة، وروايات في طور الإعداد من عين المكان، يصعب دحضها بالمطلق.

على هذه الخلفية، فإنه يجدر بكل الملتاعين من استمرار مشاهد القتل والتعذيب والترويع اليومية، بمن فيهم القادة الميدانيون ولجان التنسيق، ألا يتعجلوا الحكم على أداء بعثة المراقبين، حتى وإن ساورتهم بعض الشكوك إزاء رئيس البعثة، أو صدمتهم حالة غض بصر مراقب هنا أو مجاملة رقيب هناك لشبيحة النظام. ذلك أن أكثر ما يسعد النظام، عودة شهود العيان هؤلاء بأقصى سرعة ممكنة، ليظل ميدان الرماية مفتوحاً أمامه بلا رقيب ولا حسيب.

وإذ يجد المرء نفسه متفهماً لدواعي صرخة رئيس البرلمان العربي الشجاع، علي الدقباسي، وهو يدعو إلى سحب المراقبين حتى لا يتحول وجودهم إلى غطاء على الجريمة المستمرة، فإنه لا يجد أن من الحكمة منح النظام الغارق في دماء شعبه فرصة للتحلل من التزاماته، والاستثمار مستقبلاً في ما قاله رئيس البعثة ذات مرة أنه لم يجد شيئاً مخيفاً في حمص، خصوصاً وأننا ندرك جميعاً أنه لا توجد بضاعة أخرى في السوق غير بضاعة بعثة الجامعة العربية هذه، وأن الطريق إلى مجلس الأمن ما تزال مغلقة بالفيتو الروسي، ولو إلى حين.

وحسن أن أياً من قادة المعارضة السورية لم يسارع إلى طلب سحب بعثة المراقبين تحت وطأة استمرار المشاهد اليومية المؤلمة، رغم كل ما في حوزة أولياء الدم هؤلاء من ملاحظات سلبية على أداء هذه البعثة، التي لم تنجح إلى اليوم في وقف عنف السلطة، وإن كانت قد حدت منه في بعض المدن الساخنة والأحياء الملتهبة، وذلك على أمل أن يمهد التقرير النهائي للمراقبين العرب بعد أسبوعين في وضع كثير من النقاط على حروف الأزمة، وفي المساعدة على نقلها إلى مجلس الأمن الدولي من دون حق اعتراض روسي فاقد، والحالة هذه، لكل مشروعية أخلاقية.

============================

الشعب السوري ضحية النظام والعرب

عبد الباري عطوان

القدس العربي 2012-01-02

من المؤكد ان النظام السوري يواجه عزلتين، عربية ودولية، وحصارا اقتصاديا خانقا، وانتفاضة شعبية لم تنجح حلوله الامنية الدموية في قمعها طوال الاشهر العشرة الماضية، ولكن من المؤكد ايضا ان اوضاع خصومه ليست وردية على الاطلاق، الامر الذي قد يدفعه الى الشعور ببعض الاطمئنان ولا نقول الاسترخاء لان الضغوط الهادفة الى تغييره ستستمر، وربما تتضاعف في العام الجديد.

الجامعة العربية التي تقود العمل العربي للتغيير الديمقراطي في سورية تعيش مرحلة من الارتباك بعد ان نجح النظام في فرض شروطه عليها، وتعديل بروتوكولاتها، واحتواء مهمة المراقبين التي راهنت على رفضه لها، ومن المفارقة ان اللعنات تنصب عليها من المتظاهرين في الداخل والخارج، ويتعاطى النظام معها ومراقبيها بنوع من الريبة والشك.

وزراء الخارجية العرب جعلوا من فريق المراقبين 'حصان طروادة' الذي سيمكنهم من اقتحام قلاع النظام السوري، وتحطيم اسوار ممانعته ومناوراته، وعندما فتح النظام قلاعه لهم بالحد الادنى من المقاومة، وبدأ المراقبون يقدمون صورة عن الواقع على الارض مغايرة 'شيئا ما' للصورة النمطية السائدة في الفضائيات، بدأت عمليات التشكيك في بعثة المراقبين، ونبش ماضي رئيسها السوداني علي الدابي، وسجله الحافل في انتهاك حقوق اهالي دارفور والمشاركة في ثورة الانقاذ السودانية التي قادها العسكر برئاسة الجنرال عمر البشير.

الجنرال الدابي ليس سويديا، وهو مثل الغالبية الساحقة من زملائه الجنرالات العرب ينتمي الى مؤسسات اغتصبت السلطة عبر الانقلابات العسكرية، ثم انه لم يكن خيارا امريكيا او امميا، وانما خيارا عربيا محضا، ومن قبل لجنة وزراء الخارجية التابعة للجامعة والمتخصصة بالشأن السوري، فاذا كان هذا الخيار خاطئا، فاللوم يجب ان لا يقع على الرجل ولا على دولته، وانما على الذين اختاروه لهذه المهمة.

لجنة المراقبين ذهبت الى حمص وحماة، ومعظم النقاط الساخنة في سورية، والتقت بالمواطنين، او من اتيح لها الالتقاء بهم، فلماذا كل هذا الهجوم الذي تتعرض له ورئيسها وهي ما زالت في بداية مهمتها، فالمنطق يقول بحتمية الانتظار حتى تكمل جولاتها، وتقدم تقريرها الى وزراء الخارجية العرب، ثم بعد ذلك يمكن التطرق لمسألة نزاهتها من عدمه، اما استباق الامور واطلاق الاحكام المتسرعة والادانات المسبقة، بل والمطالبة بسحبها فهذا اسلوب غير علمي على الاطلاق.

كتبنا، وكتب الكثيرون، عن رفض النظام السوري السماح للمراقبين، او رجال الاعلام، بالاطلاع على سير الاوضاع في البلاد، وعندما ذهبت هذه اللجنة الى هناك، بعد مراوغات ومماطلات من السلطات، تصور البعض خاصة من بعض الثائرين ضد النظام في الداخل، ان مهمة هذه اللجنة ليس تقصي الحقائق، وانما اطاحة النظام وحماية المواطنين من بطشه. فكيف يتأتى لها ذلك وعدد طاقمها لا يزيد عن ستين شخصا، ومعظمهم من المتقاعدين؟!

' ' '

من الواضح ان النظام الرسمي العربي، والقديم منه على وجه الخصوص، ارتكب جريمة كبرى في حق الشعب السوري وانتفاضته، عندما صعد آمال السوريين في قرب الخلاص من نظامهم، ورفع من سقف توقعاتهم، ثم تمخض جبلهم عن فأر صغير اسمه فريق المراقبين البائس الذي نراه حاليا في حال من الضياع.

تركيا، الدولة المجاورة، والاكثر تأثيرا في الملف السوري بحكم الموقع ومناطق النفوذ، في حلب خاصة، ادركت فضيلة الصمت في الفترة الاخيرة وفوائدها، فمن كان يتابع تصريحات السيد رجب طيب اردوغان رئيس وزرائها، وحماسة احمد داوود اوغلو وزير خارجيتها ومشاركاته الدؤوبة في اجتماعات وزراء الخارجية العرب، يتبلور لديه انطباع بان الازمة السورية لن تستمر لتسعة اشهر ولا تسعة اسابيع.

وفي الوقت الذي يبدو فيه النظام السوري متماسكا، ولو الى حين، وتتجاوز نسبة تأييده 55' في اوساط السوريين في الداخل، حسب استطلاع اجرته مؤسسة قطر (Qatar Foundation) وهي برئاسة الشيخة موزة حرم امير البلاد، اي لا يمكن اتهامها بمحاباة النظام، تعاني المعارضة السورية من انقسامات حادة في صفوفها، فبعد اقل من 24 ساعة على توقيع اتفاق توحيدها او ابرز فصيلين فيها، اي المجلس الوطني وهيئة التنسيق الوطنية ظهرت خلافات حادة بين الجانبين من جهة وداخل المجلس الوطني نفسه من جهة اخرى، بسبب تباين وجهات النظر حول مسألة 'التدخل الاجنبي'. فهناك جماعات في المجلس تعترض على نص في الوثيقة يعارض هذا التدخل، لانها تريده، وتتطلع الى تكرار السيناريو الليبي في سورية.

الدكتور برهان غليون رئيس المجلس الوطني الذي وقع الوثيقة، واتخذ موقفا مشرفا بمعارضته تدخل حلف الناتو لادراكه مدى خطورة ذلك على سورية المستقبل من ناحية، وانعدام المقارنة بين النموذجين الليبي والسوري من ناحية اخرى، يتعرض لانتقادات حادة من بعض زملائه او شركائه في المجلس، الذين ينسون ان هذه الوثيقة جاءت بطلب من الجامعة العربية ولجنة وزراء خارجيتها المكلفة بمتابعة الشأن السوري.

الشعب السوري يبدو ضحية 'لعبة امم' جديدة يدفع ثمنها غاليا من دمه وامنه واستقراره، فهذا الشعب الذي صمد طوال الاشهر الماضية في مواجهة اكبر آلة قمعية في المنطقة، وقدم اكثر من خمسة آلاف شهيد وما زال من اجل كرامته وحريته لا يستحق مثل هذه المعاملة، سواء من النظام او من اشقائه العرب الذين تخلوا عنه، او جيرانه الاتراك الذين انكفأوا داخليا بعد ان استخدم النظام اوراق ضغطه بفاعلية عندما حرك ملف التمرد الكردي من ناحية وفرض رسوما جمركية تصل الى 30' على البضائع التركية والغى اتفاق التجارة الحرة وتسهيلاتها بين البلدين.

النظام السوري يشعر بسعادة غامرة من جراء هذه الانتصارات، ولكنها تظل انتصارات مؤقتة وقصيرة المدى، فالحصار الخانق بدأ يعطي ثماره المرة، ليس فقط على الداخل السوري، وانما على الجارة والداعم الاكبر اي ايران، وتوقيع الرئيس اوباما قرارا بفرض حظر على المصرف المركزي الايراني، وعقوبات على اي دولة او شركة تتعامل معه في موازاة توقعات بفرض اوروبا حظرا على الصادرات النفطية الايرانية، كل هذا بمثابة اعلان حرب، وتكرار سيناريو العراق الذي ادى الى استنزاف الشعب العراقي وتجويعه لاكثر من 13 عاما، مما دفع العراقيين، بمن في ذلك نسبة كبيرة من مؤيدي النظام للبحث عن بديل طلبا للخلاص في ظل تجاهل الجيران لمعاناتهم، عربا كانوا او ايرانيين او اتراكا.

' ' '

المحزن ان الجناح المؤيد للحلول الدموية الامنية داخله بات يروج بان الازمة على وشك الانتهاء، وان المظاهرات والاحتجاجات باتت مقتصرة على منطقة حمص فقط، ولذلك لا بد من الاستمرار في نهج القتل نفسه، وعدم تقديم اي اصلاحات حقيقية في الوقت الراهن، وهذا استنتاج ساذج ومدمر في الوقت نفسه، ويكشف عن قراءة قاصرة للوضعين الداخلي والدولي.

الجامعة العربية قدمت طوق النجاة من خلال مبادرتها وبروتوكول مراقبيها، وهي مبادرة اغضبت معظم المعارضين لانها لم تطالب باسقاط النظام مثلما كانوا يأملون، وانما بحقن الدماء والحوار وسحب الدبابات من الشوارع والافراج عن المعتقلين، وعدم تطبيق النظام لها وفورا قد يؤدي الى تدويل الازمة، ودول الجامعة، خاصة المتشددة في معارضتها للنظام، الساعية من اجل اسقاطه، خوفا من تداعيات نجاته عليها وامنها مستقبلا، تملك المال، بل الكثير منه، وتستطيع 'شراء' التدخل الدولي مثلما فعلت في ليبيا. وتستطيع في الوقت نفسه تمويل وتسليح جماعات جاهزة لتفجير نفسها، وحرب طائفية شرسة قد تزعزع استقرار البلد لسنوات وربما لعقود قادمة.

نكتب بتعقل، وبعيدا عن المقالات الانفعالية والنارية، لاننا نحب سورية ولا نريدها ان تنجرف الى حمام دم، ولكننا لا يمكن ان ننسى او نتناسى الكم الهائل من الاذلال والهوان الذي الحقه النظام بهذا الشعب صاحب الدور المشرف في التاريخين العربي والاسلامي، فهذا الاذلال لا يجب ان يتوقف فقط، وانما يجب محاسبة كل من مارسه بسادية طوال العقود الماضية.

المنطقة مرشحة لحروب دموية، اهلية او اقليمية، وسورية قد تكون في قلبها، او محور احد فصولها، فمثلما يتحدث النظام عن مؤامرات خارجية، عليه ان يتقدم بمبادرات لمواجهتها بالتنازل للشعب السوري، او الشق الذي تمسك بالهدوء حتى الآن، ومن المؤسف ان المبادرة الوحيدة التي يطرحها النظام حتى الآن هي القتل والمزيد منه.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ