ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت 07/01/2012


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

المراقبون العرب والمهمة المستحيلة

مها بدر الدين

الرأي العام

6-1-2012

يبدو أن السيد نبيل العربي الأمين الجديد للجامعة العربية يود خلال فترة توليه الأمانة الجامعة العربية أن يترك بصمته الخاصة على تاريخ الجامعة ليذكر بها مستقبلاً، ويبدو أنه قد وجد في الأزمة السورية مسرحاً مناسباً لتطبيق رؤيته الخاصة بإيجاد مهام جديدة للجامعة العربية على أرض الواقع، لكنه بحنكته السياسية وخبرته الديبلوماسية لم يفطن أن هذا المسرح الذي اختاره لإخراج أفكاره هو مسرح دامٍ تسيل على خشبته كل يوم دماء الكثيرين من ضحايا سوء السيناريو والتمثيل والإخراج، ولم يعِ أن فصول مسرحية الجامعة العربية التي تتناول الواقع السوري والأزمة الدامية بين الشعب الثائر والنظام القاهر قد وصلت في تسلسلها الممل والرتيب إلى أسوأ فصولها السياسية، ذلك المتعلق بإرسال بعثة من شخصيات عربية تحت مسمى المراقبين العرب يترأسهم شخصية مريبة بنكهة سودانية تجمع في تكوينها الاعتياد على الولاء المطلق لأصحاب السلطة والإيمان بحق استخدام العنف في سبيل الإبقاء على هذه السلطة، فكان الدابي ممثلاً عربياً فاشلاً بامتياز في دوره الإنساني والحقوقي البحت والذي يعتمد أولاً وأخيراً على الحيادية والموضوعية والضمير، وهو ما يشك في توافره في هذه الشخصية ذات التاريخ المريب.

فمنذ اليوم الأول لوصول الدابي إلى دمشق وتصريحاته تعبر بصورة واضحة عن رؤيته المنحازة نحو النظام السوري بشكل مستفز يعطي انطباعاً قوياً عن التقرير الذي سيقدمه في نهاية مهمته الرقابية التي من المفترض أن تقيم التزام النظام السوري بشروط المبادرة العربية التي نصت أولاً على سحب المظاهر العسكرية والآلة الحربية من الشارع السوري التي تواجدت بشكل مكثف وظاهر للعيان عند زيارة المراقبين لأماكن الاحتجاج الساخنة سواء في حمص أو درعا، ومع ذلك يرى الدابي أن الوضع في حمص مطمئن ومريح رغم حدوث مجزرة حقيقية فيها عشية زيارته لها، بل أنه يشكك بشهادات بعض المراقبين الذين أكدوا تواجد القناصة على أسطح المنازل ورؤيتهم بأم أعينهم، ويصحح أقوالهم بطريقة تبدي تعاطفه مع النظام السوري وتأييده له أكثر مما تخفي.

لقد كان لوجود بعثة المراقبين العرب على الساحة السورية مبررها الذي نص عليه ذلك البروتوكول المشهور كأول بروتوكول يختص بأول مهمة رقابية للجامعة العربية في معالجتها للأزمات العربية، ولعل من سوء حظ السوريين أن تعالج أزمتهم عربياً ضمن نطاق الجامعة العربية بالروح نفسها الإدارية التي تتبعها الجامعة منذ تأسيسها في إدارتها للأزمات العربية، ومن سوء حظهم أيضاً أن تختار قضيتهم بالذات لتكون حقلاً تجريبياً لأفكار العربي ولاختبار قدرات الجامعة في مهامها الجديدة التي ابتدعها أمينها العام.

وعلى افتراض حسن النوايا، وأن العربي يريد حلاً عربياً خالصاً للأزمة السورية، وأنه يقدم المبادرات والبروتوكولات لعدم تدويل القضية كما حدث في ليبيا، إلا أنه كان عليه أن ينتبه إلى أن الوضع في سورية مختلف عن أي بلد عربي آخر، فالنظام السوري تأسس أصلاً على مبدأ العنف والتصفية الدموية للمعارضة وفاق أقرانه جميعاً بدمويته وعنفه ورفضه لحوار العقلاء، ويعتبر الهدف العقيدي للنظام السوري وحلفائه الإيرانيين وغيرهم من التابعين مسألة وجود وكيان يستميت في سبيل تحقيقه ويدفعه للبطش بكل من يقف في وجه هذا الهدف الذي خطط له منذ عقود طويلة ولو على حساب نصف الشعب السوري، كما أن سخونة الأحداث ودمويتها وسرعة حدوثها لا تتناسب البتة مع بطء الخطوات التي تمشيها الجامعة العربية نحو الحل الحاسم لهذه القضية، التي يسقط فيها كل عشرين دقيقة شهيد من الشعب السوري المحتج والرافض لبقاء السلطة والنظام في الحكم بعد أن أراق الدماء واستباح الأعراض وقطع الأعناق ومنع الأرزاق، وهو ما لا تفيد معه مهل أو مبادرات أو بروتوكولات.

وما زاد الطين بلة، أن هذا الفريق من المراقبين العرب ينتمي معظم أعضائه إلى دول مؤيدة للنظام وبالتالي يفتقدون إلى أهم صفات المراقبين في الموضوعية والحيادية وهو ما أكدته تصريحات رئيس البعثة، كما أن إمكاناتهم اللوجيستية شبه المعدمة تؤكد أن إرسالهم ليس لتوثيق الحقائق والتدقيق في مجريات الأحداث والتأكد من تطبيق المبادرة العربية التي ذهبت بنودها مع الريح، بل لإعطاء النظام السوري فسحة من الوقت لسفك مزيد من الدماء وبعث الرعب في قلوب المواطنين في محاولة لثنيهم عن المضي قدماً في ثورتهم، وعودتهم إلى بيوتهم مرة أخرى عبيداً لبشار الأسد وعصابته، وما استمرار مسلسل القتل في ظل وجود هذه اللجنة دون إبداء الاعتراض أو تقديم تقرير يفيد باستمرار العنف من طرف واحد وعدم تنفيذ النظام لبنود المبادرة سواء من ناحية وقف قتل المتظاهرين وقصف المدن وعدم إخلاء سبييل المعتقلين، إلا دليل على عدم صدق النوايا تجاه الشعب السوري وقضيته المصيرية.

من هنا يبدي الشعب السوري توجساً من هذا الفريق ومرسله، ولعل طلب السيد الدقباسي رئيس البرلمان العربي من الجامعة العربية سحب وفدها من المراقبين يعبر بشكل مباشر عن رغبة الشعب السوري الثائر الذي فقد الثقة بالجامعة العربية وأمينها العام لإصراره على استئصال المرض السياسي الخبيث في الجسد السوري بقطرة عين أو خافض للحرارة، وهو ما يحوّل مهمة المراقبين في متابعة الحالة السورية إلى مهمة مستحيلة يصعب القيام بها لسوء تشخيص الحالة وعدم إدراك حجم السرطان الأسدي وقلة الإمكانات العربية لاستئصال هذا المرض الخبيث والمستشري في الجسد السوري.

لقد تحمل الشعب السوري تبعات هذه المسرحية العربية الهزلية بكل فصولها، مراهناً على النهاية السعيدة التي تنتهي عليها عادة كل الأفلام والمسرحيات العربية وتمنى أن يخرج في آخر العرض ضاحكاً منتشياً، لكن يبدو أن نبيل العربي مخرج المبادرة العربية يصر على كسر القاعدة هذه المرة لتكون النهاية تعيسة ودموية بما يكفي لتخليد ذكراه في تاريخ الشعوب كأسوأ أسلوب في التمثيل والإخراج.

=================

2012 سنة سوريا.. ومصر أيضاً!

خيرالله خيرالله

المستقبل - الجمعة 6 كانون الثاني 2012

العدد 4219 - رأي و فكر - صفحة 19

على الرغم من ان التركيز في السنة الجديدة سيكون على سوريا والثورة الشعبية فيها، فانّه يمكن ان تكون السنة 2012 سنة مصر ايضا. سيتبين خلال السنة الجديدة، هل يمكن لمصر استعادة عافيتها، ام ان اكبر بلد عربي محكوم عليه بالمرور في مرحلة طويلة من انعدام التوازن في غياب القدرة على تشكيل نظام جديد يخلف نظاماً بلغ الستين من العمر، نظام تأسس في العام 1952.

في تلك السنة، وجد العسكر ان من المناسب قلب النظام الملكي وتولّي السلطة. أقاموا مصر جديدة كانت تهرب باستمرار الى الخارج في عهد جمال عبدالناصر. توقف الهرب الى الخارج مع سقوط العرب في فخّ حرب العام 1967 الذي لعب النظام السوري دورا كبيرا في جرّ مصر عبد الناصر اليها. مصر هذه اضطرت في عهدي انور السادات وحسني مبارك الى الانصراف الى مشاكلها الداخلية التي راحت تتراكم. اتخذ الاتجاه الى الاهتمام بالداخل منحى حاسما بعد حرب تشرين في العام 1973 واتخاذ مصر قراراً واضحاً بأنّ تلك الحرب هي آخر الحروب التي يخوضها البلد...

ما لبث الوضع الداخلي المصري ان انفجر في الشهر الاوّل من السنة 2011، اضطر مبارك الى التنحي في الشهر الثاني من تلك السنة. لم يحلّ رحيل مبارك اي مشكلة. يبدو واضحا انه مطلوب اكثر من اي وقت الإسراع في معالجة الوضع الداخلي. يبدو مطلوبا اكثر من اي وقت الحصول على جواب عن السؤال الاساسي الآتي: هل المشاكل الداخلية لمصر قابلة للحلّ؟

بغض النظر عن الذي حصل وما يمكن ان يحصل في تونس وليبيا، سيكون الامتحان الاوّل للتيار الاسلامي في المنطقة في مصر وليس في اي مكان اخر. ففي مصر سيتبين هل في استطاعة الاسلاميين، على رأسهم جماعة الاخوان، إقامة نظام ديموقراطي يقوم على التداول السلمي للسلطة، ام انهم سيكررون تجربة العسكر ولكن تحت شعارات مختلفة.

في النهاية سيتوجب على اي حكومة جديدة في مصر مواجهة استحقاقات الداخل. سيتوجب عليها في الواقع الاجابة عن اسئلة مرتبطة اساسا بتراكمات سنوات طويلة من الفشل في حلّ اي مشكلة حقيقية من ايّ نوع كان. هل في استطاعة مصر العيش في ظل نسبة النمو الحالية لعدد السكّان؟ هل في استطاعة مصر الاستمرار في اعتماد البرامج التربوية المعمول بها؟ هل من شخصية قادرة على إبلاغ المواطنين بحقيقة الوضع وبانّ هناك مشاكل ستزداد مع الدول التي يمرّ بها نهر النيل الذي من دونه لا وجود لمصر؟

من الواضح ان هناك قراراً عربيا يقضي بمساعدة مصر والاستثمار فيها. ثمة حاجة الى نحو اربعين بليون دولار على وجه السرعة. لكنّ العرب لن يكونوا قادرين على القيام باي خطوة في هذا الاتجاه في غياب جهة مصرية مسؤولة يمكن ان تشرف على المساعدات وتوظيفها حيث يجب ان توظّف. سيتبين في المستقبل القريب ما اذا كان في الامكان إعادة لملمة الوضع المصري بعيدا عن مسرحية محاكمة حسني مبارك ونجليه علاء وجمال. هناك ظلم كبير لحق بالرئيس المخلوع الذي لم يعرف انه كان عليه الاعتراف بانّ العالم تغيّر وان الوقت حان للانتقال الى نظام جديد مختلف كلّيا عن ذلك المعمول به منذ العام 1952... هذا اذا كان مطلوبا انقاذ مصر.

من مصر، يمكن اصلاح العالم العربي. في حال استعادت مصر عافيتها، سيكون من السهل التفاؤل بالمستقبل العربي. فايّ نجاح في مصر، يعني في طبيعة الحال نجاحا في ليبيا ونجاحا في تونس. كذلك، ان اي تطور إيجابي في مصر ستكون له انعكاساته على اليمن وخصوصا على سوريا التي دخلت في مرحلة مخاض عائد الى تجاهل المشاكل الداخلية منذ نحو نصف قرن. اعتقد النظام السوري منذ وصول البعث الى السلطة في العام 1963 انّ وهم الدور الاقليمي يمكن ان يعفي النظام من اي سعي الى التعاطي مع المشاكل الحقيقية للبلد، على رأسها النمو السكّاني وغياب المؤسسات التي يمكن ان تقوم عليها دولة تنتمي الى العالم المتحضّر.

ما لا يمكن تجاهله ان ما يسمى "ثورة 23 يوليو" التي اطاحت النظام الملكي في مصر اثرّت على كل العالم العربي. لولا تلك "الثورة" لكان النظام الملكي في ليبيا لا يزال قائما، اي ان ليبيا كانت لا تزال بخير. كذلك الامر بالنسبة الى العراق، الذي لم ير يوماً أبيض منذ العام 1958. سوريا نفسها تأثّرت بمصر وتحولت الى دولة تحكمها الأجهزة الامنية، علما بانّ الانقلاب العسكري الاوّل فيها كان قبل ثلاث سنوات من إطاحة الملكية في مصر.

كان نجاح المصريين في إسقاط حسني مبارك من بين العوامل التي شجّعت السوريين على الثورة والسعي الى استعادة حريتهم وكرامتهم. لا شيء يمكن ان يوقف الثورة السورية التي هي امّ الثورات في المنطقة، لكن الثابت ان نجاح المصريين في بلورة نظام جديد، معقول نسبيا، سيساهم في التعجيل في المرحلة الانتقالية في سوريا. فالنجاح في مصر سيكون نجاحا عربيا على كلّ صعيد، خصوصا ان مصر المزدهرة التي تصدّر الديموقراطية ستساعد في نقل المنطقة من مرحلة المزايدات والشعارات المزيفة من نوع "المقاومة" و"الممانعة"... الى مرحلة التعاطي مع الأسئلة الحقيقية المرتبطة بمستوى التعليم والصحة والاسكان والدخل الفردي وتداول السلطة.

هل في استطاعة مصر ان تلد معجزة... أم ان زمن المعجزات ولّى الى غير رجعة في عالمنا العربي وان السنة 2012 ستتميز بأنها السنة التي تأكّد فيها ان مشاكل مصر غير قابلة للحل؟

=================

إذا ظلّ "التعريب" متعثّراً و"التدويل" متعذّراً .. هل يأتي الحلّ بعد حرب أهليّة في سوريا؟

اميل خوري

2012-01-06

النهار

تتوجّه الأنظار محليّاً وعربيّاً وإقليميّاً ودوليّاً إلى الاجتماع الوزاري المرتقب عقده الأحد المقبل في القاهرة لمناقشة عمل بعثة مراقبي جامعة الدول العربية في سوريا في ضوء تقريرها الأولي حول مشاهداتها وما إذا كانت مرضية بغية إعطائها مزيداً من الوقت لإنجاز مهمتها، أو اعتبارها غير مرضية واتخاذ القرار اللازم.

الواقع أن البروتوكول بين الجامعة العربية وسوريا هدفه الاساسي ليس مراقبة ما يجري على الأرض فحسب بل وقف أعمال العنف بأسرع ما يمكن حماية للمدنيين والمواطنين. وهذه الحماية لا تتأمن إلا بسحب جميع المظاهر المسلحة من المدن والاماكن السكنية التي شهدت او تشهد حركات احتجاج والسماح لوسائل الإعلام العربية والدولية بالتحقق مما يجري في جميع انحاء سوريا وعدم التعرض لها. وعندما يتم وقف جميع اعمال العنف في المدن والاحياء السكنية السورية واخلاء كل المظاهر المسلحة حماية للمواطنين والمدنيين والتأكد من عدم تعرض اجهزة الامن السورية وما يسمى "الشبيحة" للتظاهرات السلمية، والافراج عن المعتقلين بسبب الاحداث، تكون الجامعة العربية قد نجحت في توفير الاجواء الملائمة للاتفاق على حل سياسي يؤمن الانتقال الديموقراطي السلس والهادئ للسلطة السورية.

لكن وجود بعثة المراقبين لم يحقق وقفا لاعمال العنف كأولوية ولا سحب المظاهر المسلحة، بل حقق انخفاضا في عدد القتلى والجرحى الذين يسقطون يوميا بحيث بات وجودهم شبيها بوجود المراقبين الدوليين الذين يكتفون بوضع التقارير وحتى بوجود قوات دولية لحفظ الامن ولا تحفظ بالنتيجة شيئا ولا تمنع اي تعكير له او اشتباكات مسلحة فتبقى عاجزة عن تنفيذ المهمات الموكولة اليها.

والسؤال المطروح هو: ما العمل إذا لم تنجح الجامعة العربية في إخراج سوريا من أزمتها الحادة ولم تتوقف اعمال العنف حماية للمدنيين الذين يسقط منهم قتلى وجرحى كل يوم، هل تقرر إحالة الموضوع على مجلس الأمن الدولي ليتحمل هو مسؤولية معالجة الوضع، ام انها تقرر مواصلة محاولة ايجاد حل سياسي للوضع في سوريا شبيه بالحل الذي اعتمد لوضع اليمن؟

وفي حال فشل محاولة تعريب الازمة السورية، فهل نجاح تدويلها مضمون إذا أصرت روسيا على موقفها السلبي من كل قرار يستهدف النظام السوري؟ وهل يتقرر سحب بعثة المراقبين من سوريا إذا ظلت عاجزة عن وقف اعمال العنف، وهو وضع قد يكون في مصلحة النظام السوري وليس في مصلحة الثائرين عليه اذا تعبوا مع الوقت، وما هو البديل من وجود هؤلاء المراقبين؟

لقد بات واضحاً أن ليس في نية تركيا التحرّك سياسيّاً أو عسكريّاً لإخراج سوريا من أزمتها الحادة إلا بتكليف عربي أو دولي، وهذا التكليف لا اتفاق عليه حتى الآن. فهل تتولّى الولايات المتحدة الأميركية مع الاتحاد الأوروبي مهمة الحل في سوريا من خارج مجلس الامن إذا ظلت روسيا على موقفها المساند للنظام في سوريا؟

ثمة اقتراحات عدة تطرح لفتح الطريق أمام رحيل النظام السوري، وتختصر الوقت الذي يحاول اهل النظام اطالته، مثل تدخل عسكري عربي يوقف اعمال العنف لئلا تتحول هذه الأعمال حرباً أهلية، ومثل خلق مناطق عازلة يتحرّك منها "الجيش السوري الحر" وشق ممرات لإغاثة النازحين من سوريا وتقديم المعونة الغذائية والطبية والمادية لهم أو ترك الشعب السوري يقرّر مصيره من دون تدخّل اجهزة الأمن السورية، وعندما يتوافر لهذا الشعب الامن والامان يستطيع عندئذً ان يملأ كل الساحات بالتظاهرات والاعتصامات والمسيرات وأن يعلن العصيان المدني إلى أن يسقط النظام.

لكن ما يخشاه المراقبون إذا ما فشلت الجامعة العربية في وقف الحوادث الدامية في سوريا، وامتنعت تركيا عن القيام بدور فاعل لوقف هذه الحوادث ما لم تحصل على غطاء عربي، ولا يتوصل مجلس الامن الدولي الى اتفاق على اتخاذ قرار بوقف اعمال العنف وشلالات الدم، ولا أمكن فرض مزيد من العقوبات على سوريا لا عربية ولا دولية لأسباب شتى، فإن رد الناس على اعمال العنف بالعنف، خصوصا إذا أخذ لوناً طائفياً، يتحوّل حرباً أهلية يأتي بعدها "حلّ الشعب" ولكن بعد الخراب والدمار. فهل يفاجئ الرئيس بشار الاسد العالم بموقف انقاذي لتجنيب بلاده مآسي هذه الحرب وويلاتها؟

====================

معمار 'القيادة السورية': ثلاثة مستويات وحلقة واحدة.. ضيّقة

صبحي حديدي

2012-01-05

القدس العربي 

أحدث الجولات، في سياق الطور الراهن من خيارات العنف التي يعتمدها النظام السوري لكسر الانتفاضة الشعبية، العارمة المتعاظمة منذ تسعة أشهر ونيف، هذه المعركة العجيبة التي تدور اليوم: بين عدنان السخني، محافظ النظام في الرقّة، شمال شرق سورية، في صفّ السلطة؛ وحفنة من أشجار الزيتون، في المزرعة المتواضعة التي يملكها المحامي والناشط المعارض عبد الله الخليل، في الصفّ المقابل.

ونعرف أنّ الاحتلال الإسرائيلي، والفقه الصهيوني إجمالاً، يكره أشجار الزيتون، ولا يتورّع عن اقتلاعها بشتى الذرائع، أو حتى من دون ذريعة؛ لكنّ المرء يتساءل عن هذا المزاج الفاشي الذي يحكم عقل المحافظ السخني، ضدّ أشجار الزيتون تحديداً، فيدفعه إلى عدم الاكتفاء بهدم منزل الخليل (تماماً كما يفعل الصهاينة بالفلسطينيين)، بل يجاريهم في بغض هذه الشجرة المباركة.

ويكتب الخليل، وأضعف الإيمان أن نقتبس سطوراً من مناشدته إلى الرأي العام: 'الأشجار عمرها أكثر من خمسة عشر عاماً، وهي في طور الإنتاج الكامل (...) القليل جداً من دول العالم من يلجأ لهذا الأسلوب ويقطع الأشجار، إنها طريقة الإنسان البدائي الأول، وتدل على قصر النظر، ومحاولة يأسه لكسر الإرادة. لقد أرسلوا الكثير من الرسائل الواضحة والصريحة، طالبين الكف عن مساندة المعتقلين والدفاع عنهم، ويبدو أن الرسالة القادمة هي اقتلاع أشجار الزيتون. إن تلك الأشجار عزيزة علي، وليس هناك من شجرة إلا ومسحت يداي أغصانها أوجذرها أو ثمرها، رغم كثرة عددها، إلا أنها ليست أغلى من سورية وحرّيتها'.

ثمة، بالطبع، جرائم أبشع بكثير من هذه التي يزمع محافظ الرقة ارتكابها، وثمة سياسات أرض محروقة اعتمدتها مختلف أجهزة السلطة ضدّ الأرض بما عليها من بشر، وليس الشجر وحده، أو الزرع والضرع. بيد أنّ هذه الواقعة تنطوي على رمزية خاصة مزدوجة، يتمثل مدلولها الأوّل في ما سبقت الإشارة إليه من اشتراك سلطات النظام مع سلطات الاحتلال الإسرائيلي في الموقف من هذه الشجرة تحديداً؛ وينتهي مدلولها الثاني إلى طبائع سلوك رجالات الصفّ الثالث من معمار النظام، أي أمثال الوزير، أو المحافظ، أو رئيس فرع مخابرات أو أمن جنائي، أو رجل اعمال شبّيح متعهد لقطعان شبيحة هنا أو هناك. هي، على هذا، رمزية تصنّف التركيب البشري، إذا جاز التعبير، لنظام آفل مندحر منهزم، يقاتل بكلّ الأسلحة لتحسين شروط انسحابه من المعركة، إذْ أنّ بقاءه رُفع من لائحة الخيارات، وصار محالاً.

وحلم رجال الصفّ الثالث هؤلاء يمتزج عندهم بالكابوس، على نحو مطابق تماماً في حالات عديدة: إذا أجاد تطبيق سياسات القمع والقهر والتنكيل بالمواطنين، والمتظاهرين بصفة خاصة، أو إذا ابتدع وابتكر أساليب أقذر وأشنع، فإنه قد يرتقي إلى أعلى في مدرّج المعمار؛ أو، على النقيض، إذا تعثر أو قصّر أو خاب، فإنه يُخسف إلى أسفل، إذا لم يخضع بعدئذ إلى حساب عسير. مزدوجة، كذلك، وسائل السلطة في ضبط هؤلاء عند حدّ فاصل، قاطع كالسيف: الترغيب، وغضّ النظر عن الفساد والإفساد والمباذل كافة، بل تشجيعها وتسهيل الانغماس فيها؛ وإلا، فالترهيب بأكثر من سيف واحد مسلط على رقاب هذا الصنف من رجالات النظام، حيث تتراوح السيوف بين العزل أو التأديب أو المحاكمة أو الإقصاء، ولا يغيب عن بعض نماذجها قرار التصفية الجسدية المباشرة.

إلى الطابق الثاني من معمار النظام ينتمي بعض رؤساء الإدارات الأمنية المركزية، وأعضاء القيادة القطرية لحزب البعث، والفئة العليا من التجار ورجال الأعمال (شركاء، وخدم، أفراد من الطابق الأوّل في المعمار، حصراً، من أمثال الأخرس والشلاح والغريواتي والنحاس، وطلاس، والشهابي، وحمشو...)؛ فضلاً عن شخصيات منتخَبة من 'الحرس القديم'، سبق لهم أن تسيدوا في القطاعات الأمنية والعسكرية الحساسة، ثمّ تقاعدوا أو أُقيلوا لأسباب متباينة. ومفردة 'بعض' تفيد، هنا، في التشديد على أنّ هذا الطابق ليس مفتوحاً لجميع شاغلي تلك الوظائف بالضرورة، أو بحكم الموقع الصرف، إذْ يعتمد أمر اقترابهم من آلة القرار العليا على معايير غير ثابتة البتة، وغير مستقرّة، تتفاوت وتتبدّل وفقاً للمتغيّرات في رأس الهرم.

وعلى سبيل المثال، صحيح أنّ اللواء عبد الفتاح قدسية هو رئيس جهاز المخابرات العسكرية؛ إلا أنّ نائبه اللواء علي يونس ليس بعيداً عن الهرم، بل لعلّه أقرب إليه من رئيسه المباشر؛ وكذلك الحال مع اللواء جميل حسن، مدير إدارة المخابرات الجوية، الذي  رغم طاعته العمياء لسادته، ومزاجه الدموي الشهير  ليس أقرب إلى الحلقة الأثيرة من العقيد قصي ميهوب، رئيس فرع حرستا (والمهندس المرجّح خلف الهجوم الكاريكاتوري المزعوم ضد مقرّ الفرع). في مصنّف آخر، يتمتع رجال من أمثال اللواء المتقاعد علي دوبا واللواء المتقاعد محمد الخولي (الأوّل قاد المخابرات العسكرية طيلة عقود، وكذلك فعل الثاني في مخابرات القوى الجوية) بصلاحيات خاصة إثر تعيينهما مستشارَين للشؤون الأمنية، والتحاقهما بمكتب خاصّ في القصر الجمهوري، ومنحهما التخويل باستدعاء أو فرز عدد من الضباط المتقاعدين أو الإحتياط أو العاملين في مواقع أمنية وعسكرية أخرى، للإنضمام إلى ذلك المكتب (الأمر الذي لا يمكن أن يتمتع به قدسية أو حسن).

داخل الحلقة الأعلى، الأضيق، وحتى قبل أسابيع معدودات، كان يتربع بشار الأسد (في شخصيته الأمنية والعنفية الأقصى اعتمالاً، واكتمالاً، منذ توريثه صيف 2000؛ وفي صفات كانت خافية تماماً على كثير من المغفلين أو المتغافلين  حتى في صفوف المعارضة  ممّن آمنوا بشخصياته الأخرى، 'المسالمة' أو 'الإصلاحية' أو 'الشابة' أو 'الممانِعة'...)؛ صحبة العميد ماهر الأسد (الشقيق، والقائد الفعلي للفرقة الرابعة والحرس الجمهوري، والمنفِّذ الثاني للحلّ الأمني، بعد شقيقه الكبير)؛ والعميد ذو الهمة شاليش (ابن عمّة الأسد، ورئيس حرسه الشخصي، والمشرف الفعلي على جهاز أمن الرئاسة، وصاحب الصلاحيات الأمنية والعسكرية والمالية الواسعة التي تتجاوز بكثير رتبته العسكرية أو موقعه الوظيفي)؛ والعميد حافظ مخلوف (ابن خالة الأسد، والضابط الأبرز في الفرع 251، والأقوى نفوذاً في جهاز المخابرات العامة بأسره)؛ واللواء علي مملوك (المدير الرسمي للجهاز ذاته). في الخلفية، ودون أن يشارك مباشرة في الاجتماعات الدائمة لهذه الحلقة، لا يغيب رامي مخلوف  بوصفه صيرفيّ النظام الأدسم، والأخلص، وليس ابن خال القصر فحسب  عن صنع القرارات الحاسمة، تماماً كما كشف بنفسه في الحوار الشهير مع أنتوني شديد، من صحيفة 'نيويورك تايمز'.

اليوم تشير التقارير إلى تبدّل ملحوظ لا يمسّ التركيبة الفعلية، وإنْ كان يعزّز القبضة العائلية على السلطة، أكثر من ذي قبل، وربما على نحو غير مسبوق طيلة 41 سنة من عمر 'الحركة التصحيحية'. ذلك لأنّ حافظ مخلوف قد هبط من علٍ، كما يتردد (وكما توحي أنباء فشله في محاولة السفر إلى روسيا أوّلاً، ثمّ إلى سويسرا مؤخراً)، بسبب الحصيلة غير المرضية لأدائه الأمني في العاصمة دمشق تحديداً، ونطاق عمل فرع المنطقة عموماً، بالقياس إلى ما تمتّع به من نفوذ وسلطات. كذلك تشير التقارير إلى أنّ العماد آصف شوكت، نائب وزير الدفاع، قد حلّ مؤخراً محلّ مملوك، بل ونُقلت أنباء عن لقاء عاصف بين الرجلين كاد أن يودي بأحدهما، على أيدي المرافقين! وإذا صحّت هذه المعلومات، وثمة الكثير من المعطيات التي تؤكدها من واقع حركة الأجهزة المركزية ومناقلات الضباط، فإنّ آلة القرار انضغطت أكثر فأكثر، حتى صارت مقتصرة على عائلة الأسد، والصهر، وابنَيْ الخال!

وبالمقارنة مع مفصل هامّ في تاريخ 'الحركة التصحيحية'، صبيحة اغتيال رفيق الحريري (وذاك تطوّر نوعي حاسم في سنوات حكم الأسد الابن، أيضاً)؛ كانت 'القيادة السورية'  والمزدوجات، هنا، مردّها غموض التعبير، وطابعه الاصطلاحي غير المتجسد في الواقع العملي  تتألف من الأسد، وشقيقه ماهر، واللواء غازي كنعان وزير الداخلية آنذاك، واللواء آصف شوكت رئيس الاستخبارات العسكرية، واللواء بهجت سليمان الرجل الأقوى في جهاز أمن الدولة، وعبد الحليم خدّام النائب الأوّل للرئاسة والمدنيّ الوحيد في الرهط. فيما بعد، انتُحر كنعان (إذا جاز هذا الاشتقاق!)؛ وانشقّ خدّام (إذا جاز تصنيف عزله انشقاقاً!)؛ واعتكف شوكت (بعد مشاحنات مع الأسد، نجمت عن فضائح أداء جهازه إزاء قصف موقع 'الكبر' واغتيال العميد محمد سلمان، وقبله اغتيال عماد مغنية...)؛ وخُسف سليمان إلى مرتبة سفير، في العاصمة الأردنية عمّان. وما انضمام رجال من أمثال شاليش ورامي وحافظ مخلوف، وعودة شوكت بعد مصالحة عائلية اقتضتها معركة المصير، إلا ردّة إلى الوراء في عُرف التقاليد الأمنية الصارمة التي أرساها الأسد الأب طيلة عقود، وانحطاط في سوية المعايير، كان محرّكه الأوّل أنّ انتفاضة الشعب السوري لم تجبّ ما قبلها على صعيد تقويض جدران الخوف كافة، فحسب؛ بل جبّت أيضاً، وقزّمت، وهزمت، معظم أركان الفلسفة الأمنية للنظام.

وإذا صحّ القول إنّ في وسع النظام أن يعثر دائماً على بدائل لأمثال كنعان وخدّام وسليمان ومخلوف، مثلما فعل الأسد الأب عندما استبدل أمثال حكمت الشهابي وعلي حيدر وناجي جميل وشفيق فياض وابراهيم الصافي ومحمد حيدر وعبد الرؤوف الكسم... في وسع الأسد الابن أن يستبدل معظم أعضاء حلقات النظام الأضيق، بآخرين أعلى كعباً في الولاء والبطش والاستبداد والنهب. بيد أنّ السؤال يظلّ، مع ذلك، قائماً وعالقاً: لماذا يتوجب على البدلاء أن يفلحوا في ما عجز عن إنجازه الأصلاء؟ وحتام تملك أيّة حلقة، عتيقة أو جديدة، مفتوحة أو مغلقة، مهارات دموية ودامية لإيقاف مسيرة سورية نحو مستقبل أفضل؟

وكم من الأشجار  زيتون رقّاوي، ونخيل ديريّ، وكرز إدلبي، وفستق حلبي، ومشمش حموي، ولوز شامي...  ينبغي أن يقتلع النظام، في مستوياته الثلاثة وحلقاته كافة، كي تُبعث عظام رميم، هي آخر ما تبقى من حكم مستبدّ فاسد، آيل إلى زوال؟

=================

النظام في متاهته

الجمعة, 06 يناير 2012

حسام عيتاني

الحياة

من تصريحات المسؤولين السوريين ومتابعة وسائل إعلامهم، تبدو الصورة على النحو الآتي: يزداد التفاف الشعب حول قيادته كلما تصاعد تأثير المؤامرة في حياة المواطنين اليومية.

لقد أسفر نفي الحكم وجود أزمة داخلية تصل إلى أعمق الأسس التي أقام بنيته عليها، عن نتائج تلامس مسرح العبث والكوميديا السوداء. إذ ليس من المعقول تصور قدرة الخارج على السيطرة الميدانية على ثالث أكبر مدينة وتقع في وسط البلاد بعيدة من أي حدود، أي حمص، وفرض درجة من الاضطراب على يوميات ملايين السوريين في سعيهم إلى رزقهم، من دون أن يشكو النظام الحاكم من علّة سوى بعض الفساد الذي تعالجه إصلاحات «سيد الوطن».

الواقع يقول أمراً شديد الاختلاف. وهو أن القاعدة الاقتصادية والاجتماعية التي أقام النظام السوري صرحه الرهيب عليها، تصدعت بما يفوق كثيراً قدرة أي جهة على الترميم. لقد انتهت لعبة الابتزاز الموجه إلى الخارج من أجل ديمومة القبض على الداخل. وأظهرت إسرائيل في مناسبتين، في ذكرى النكبة في 15 أيار (مايو) وبعد أقل من شهر في ذكرى هزيمة حزيران (يونيو)، عزمها على الرد بقسوة حيال أي محاولة للتحرش. يومها سقط شبان فلسطينيون قادهم طهرهم وحماستهم إلى تصديق أكاذيب النظام، فدفعوا أعمارهم ثمناً لرهان خاسر على جذب اهتمام العالم من خلال التحرش الحدودي.

وأبدت أوروبا قدرتها، حتى الآن، على تجنب الانخراط في مواجهة يريدها الحكم في دمشق، من خلال تعرضه – مباشرة أو بالواسطة - لقوات حفظ السلام الدولية في جنوب لبنان ال «يونيفيل». الموقف التركي أكثر تعقيداً بسبب القرب الحدودي ووجود لاجئين ومنشقين سوريين على أراضي تركيا، من ناحية. وبسبب ضخامة المصالح التركية في سورية وطبيعة الدور الذي رسمته أنقرة لنفسها في الإقليم، من ناحية ثانية.

لم ينجرّ أي طرف خارجي، حتى تركيا، إلى الساحة التي سعى نظام الرئيس بشار الأسد إلى افتتاح استعراض عسكري عليها يبرر به وحشية القمع في الداخل. لا في لبنان ولا في الجولان ولا على الحدود التركية، على رغم الشكوك العميقة في قدرته على خوض صراع مسلح مباشرة مع أي قوة خارجية. لقد عاد النظام ليجد نفسه في مواجهة الحقيقة التي لم ينفك ينكرها بجملتها وبتفاصيلها: لم يعد في وسع المجموعة الأمنية – العسكرية - الاقتصادية التي حكمت سورية في الأعوام الخمسين الماضية أن تجدد نفسها وركائز سلطتها.

ومع كل الإنكار الذي يقابل النظام والمنافحين عنه، من سوريين ولبنانيين وآخرين، لن يستطيع في نهاية المطاف وقف موجات الشبان السوريين المطالبين بحياة أفضل تحتوي على قدر من المكونين السحريين (الكرامة والحرية). فالنظام القائم على تحالف الانتهازيين والطائفيين وشرائح من البرجوازية الطفيلية وكبار الضباط، فقد قدرته على تسيير البلاد، حتى بالمعنى البسيط للكلمة، أي تلبية الحاجات العادية للمواطنين وحمل هؤلاء على أداء واجباتهم المدنية، من دون اللجوء إلى العنف والقسر.

لا يعترف النظام، والمسبّحون بحمده، بهذه البداهة. بل ينسبون إليه جملة من الانتصارات السياسية والديبلوماسية والأمنية المتخيلة، آخرها قرب وصول حاملة طائرات روسية إلى مرفأ طرطوس. ويمكن النظام السوري التمسك بالرواية التي يريد، لكنه سيفاجأ بعد وقت قد لا يطول أنه سيواجه وقائع ملموسة تختلف تماماً عن رواياته الكوميدية التي تبثها وسائله الإعلامية وتكتبها أقلام استحوذ عليها، بالرشوة أو الرعب.

=================

داود اوغلو في طهران

الجمعة, 06 يناير 2012

الياس حرفوش

الحياة

كيف يمكن تصنيف الزيارة التي يقوم بها وزير خارجية تركيا احمد داود اوغلو الى طهران، قياساً بالدور الذي لعبته انقرة ولا تزال تطمح الى لعبه في رعاية الثورات العربية؟

داود اوغلو، صاحب نظرية «صفر مشاكل»، التي لم تؤدِّ في واقع الامر سوى الى زيادة مشاكل بلاده مع جيرانها الاقربين، وعلى الاخص منهم العراق وسورية وإيران، يزور العاصمة التي وقفت في الآونة الاخيرة على رأس الفريق المناهض للدور التركي، والذي اعتبرته طهران امتداداً وتنفيذاً لدور الغرب ولمصالحه. ذلك انه يسيطر على طهران شعور بأن «العثمانيين الجدد» يحاولون ان يسلبوا منها طموحها الى رعاية الانظمة التي ينجبها «الربيع العربي». ألم يصف قائد «فيلق القدس» التابع ل «الحرس الثوري» الايراني، هذه الانظمة، في تونس ومصر وليبيا واليمن بأنها «ايرانات جديدة»، متيمناً بما سبق ان بشّر به مرشده علي خامنئي في وقت سابق من ان الثورات العربية هي نسخة متأخرة ثلاثين سنة عن الثورة الايرانية؟

كيف يمكن داود اوغلو ان يتوصل اذاً الى حل لهذا التنافس على زعامة الثورات العربية بين انقرة وطهران وعلى الدور الاقليمي للعاصمتين؟ تنافس بين من يعتبرون الثورات تحديثاً لممارسة الاحزاب الاسلامية العربية، يسير على طريق حزب «العدالة والتنمية» من خلال الالتزام بنهج ديموقراطي تعددي يحترم مبدأ تداول السلطة ويعطي قيمة معنوية لصندوق الاقتراع غير المزوّر؟ وبين آخرين يرون في سقوط الانظمة العربية انتصاراً لنهج الممانعة في وجه «الاستكبار العالمي»؟ ومع ان هذه القناعة الثانية تغفل حقيقة ان الحكومات التي قامت في الاشهر الاخيرة في تونس والقاهرة وطرابلس وصنعاء لم تلتفت سوى الى اصلاح امورها الداخلية، فإن ذلك لم يمنع «محلّلي» الممانعة من الاصرار على رأيهم «السديد» بأن شمس النفوذ الغربي تميل الى الافول في العالم العربي!

يقول داود اوغلو انه متخوف من «حرب طائفية باردة» في المنطقة. وهو يعني تحديداً حرباً مذهبية سنّية شيعية. وبناء على اسلوبه المعهود في العمل على «تصفير المشاكل»، يحاول ان يتقاسم مع الايرانيين مهمة اخماد هذه الحرب. هدف نبيل من حيث المبدأ. ولكن لو نظر وزير خارجية تركيا حوله، وهو الذي يتمتع بنظر جيد، لاستطاع ان يرى بوضوح الاسباب التي تقف وراء هذه الحرب القائمة فعلاً (والتي لم تعد باردة مع الأسف)، سواء في العراق، حيث انتظرت «الوحدة الوطنية» المزعومة رحيل الاميركيين لتنفجر دماء في الشوارع، او في لبنان، حيث شارك الاتراك مع القطريين في رعاية اتفاق تم اجهاضه قبل ان يثمر، او في سورية، حيث تخجل ايران من ادانة عمليات القتل اليومية التي يرتكبها النظام، بينما تعلن تركيا، على لسان رئيس حكومتها ووزير خارجيتها، انها بلغت مرحلة اليأس من امكان اي اصلاح للنظام السوري.

كل هذا يدفع الى السؤال من جديد عمّا يمكن ان تحققه زيارة داود اوغلو الى طهران. هل ما زال هناك مجال لتقاسم النفوذ بين العاصمتين بعد كل ما جرى؟ ام انها مجرد رسالة بأن تركيا تضيق ذرعاً من التردد العربي حيال الدور الذي تعمل عليه في الازمة السورية، وترى ان التفاهم مع طهران حول مخرج لهذه الازمة قد يكون اجدى وأكثر واقعية من التفاهم مع 22 دولة عربية، لكل منها خياراتها ومصالحها وأهدافها؟

=================

الحالة السورية والطريق اليمني!

أكرم البني

الشرق الاوسط

6-1-2012

يخطئ من يعتقد أن المبادرة العربية تجاه سوريا تشبه المبادرة الخليجية تجاه اليمن وسوف تشكل مخرجا للنظام من أزمته وتعالج سوء ما آلت إليه أوضاع المجتمع، فالحالتان مختلفتان وتاليا النتائج، وثمة فوارق متعددة بين الوضعين السوري واليمني تشير إلى أن طريق صنعاء غير سالك في دمشق!

خلافا للوضع اليمني الذي تطوقه دول الخليج العربي ويشكل جزءا من استقرارها وتهتم كثيرا بمنع انزلاقه إلى مزالق خطيرة، يتحكم في الحالة السورية ارتباطها بمحور إقليمي، يبدأ بإيران، مرورا بالعراق ولبنان، وتجاهد أطرافه مجتمعة للحفاظ عليه متماسكا وقويا، مما يعني صعوبة القبول بتغيير في سوريا أو تقديم تنازل يمكن أن يمس المستوى الراهن لنفوذ هذا المحور، أو لا يأخذ في الاعتبار مصلحة طهران التي تدعو إلى إشراف إقليمي على الوضع السوري وإلى مشاركة فعالة في معالجته!

وخلافا للوضع اليمني، ثمة كيان صهيوني على الحدود السورية، ولإسرائيل كلمة قوية حول التطورات في بلد يجاورها وتحتل جزءا من أرضه وحافظ نظامه على جبهة الجولان آمنة ومستقرة طيلة عقود، وتاليا من احتمال وصول سلطة جديدة إلى الحكم تهز الاستقرار الراهن. وإذ يؤثر هذا التعقيد على جوهر الموقف الغربي وجديته من الحدث السوري، فإنه يمنح السلطة الحاكمة هامش مناورة تستند إليه للاستمرار في التسويف والمماطلة وتاليا التوغل أكثر في القمع والتنكيل!

وخلافا للوضع اليمني القبلي التكوين، ثمة خصوصية في التركيبة الاجتماعية السورية لجهة التعددية الإثنية والدينية والطائفية، وتفاوت مواقف هذه المكونات من مسار الثورة وعملية التغيير وآفاقها، وتحديدا خوف بعضها على هويته ونمط عيشه من احتمال استئثار بديل إسلامي بالسلطة، مما يفسر في ضوء طابع الكتلة الشعبية المشاركة في الثورة بقاء قطاعات من الشعب السوري في وضع الحياد والسلبية، ولنقل مترددة أو محجمة عن الانخراط فيها. زاد الطين بلة، والخوف خوفا، نتائج الانتخابات في تونس ومصر والتي أعطت الإسلاميين وزنا كبيرا، والأهم إعلانات بعض قادتهم في نشوة انتصارهم عن الخلافة الإسلامية وفرض الشريعة لتطهير المجتمع من الفساد، الأمر الذي يسمح للنظام بمزيد من التحايل والمناورة في التعاطي مع الحلول والمبادرات!

وأيضا خلافا للوضع اليمني، يصح القول إن النظام السوري ينتمي إلى نوع من الأنظمة العاجزة عن تقديم التنازلات والتي لا تقبل أي مساومة على بقائها أو أي تعديلات جذرية في تركيبة السلطة يمكن أن تقصي بعض رموزها، والمرجح أن تخوض معركتها إلى النهاية كمعركة وجود أو لا وجود، وأن يتصرف أركان الحكم وكأنه ليس من رادع يردعهم في توظيف مختلف أدوات القمع الأمنية والعسكرية بغرض إخماد جذوة الانتفاضة أو على الأقل إضعافها وإنهاكها، تحدوهم قناعة بأن للدول العربية والغربية مصالح تركض وراءها على حساب مواقفها ومبادئها، وستأتي إليهم صاغرة، طلبا لها، ما إن تحسم الأمور الداخلية وتعود المياه إلى مجاريها!

يتفق الكثيرون على أنه لولا جديد موقف موسكو ومشروعها المفاجئ بشأن الحالة السورية الذي قدم إلى مجلس الأمن والذي فسر في أحد وجوهه كتحذير للنظام بأنه ليس ثمة فيتو روسي بعد الآن، ولولا قرار مجلس الجامعة العربية بإحالة الملف السوري إلى التدويل، لما كان ثمة جديد في موقف النظام السوري من المبادرة العربية، ولما شهدنا سرعة في التوقيع على البروتوكول القاضي بإرسال بعثة مراقبين لحماية المدنيين!.. والمعنى أن الإيحاء بالتعاون مع المبادرة العربية ليس سوى محاولة للالتفاف عليها، وأن إظهار الرضوخ والقبول يبدو كما لو كان محاولة من قبل السلطات السورية لشراء بعض الوقت كي تتوغل أكثر في القمع بدليل استمرار الحملات الأمنية والعسكرية المتسارعة في غير مدينة ومنطقة سورية مع وبعد وصول طلائع المراقبين العرب، جنبا إلى جنب مع الرهان على خبرتها في تعطيل هذه المبادرة أو إفراغها من أي فاعلية، كإشغال فريق المراقبين بالتباينات والتفسيرات الصغيرة وإغراقهم في التفاصيل بغية احتواء دورهم.. أليس صحيحا ما قيل بأن الشيطان يكمن في التفاصيل؟!

والحقيقة أن المبادرة العربية لا تملك في الحالة السورية حظا كبيرا في النجاح لصعوبة تعاطي أهل الحكم إيجابيا وجديا معها، لأنهم خير من يعرف ماهية النتائج التي ستتمخض عن تنفيذها، وأي وضع ستكون عليه السلطات السورية في حال سحبت القوات العسكرية من الشوارع وكفت اليد الأمنية وأطلق سراح المعتقلين وسمح للمظاهرات السلمية ولوسائل الإعلام العربية والأجنبية برصد ما يجري بحرية.. ألن تكون أبسط نتيجة هي نقل الصراع نحو طور جديد يعزز من قدرات الانتفاضة الشعبية وهامش حركتها وتغدو معه إمكانية احتوائها أمنيا وعسكريا وسياسيا أكثر صعوبة وتكلفة؟!

إذا كان الإصرار على الخيار الأمني والتوغل أكثر في العنف، ورفض اللجوء إلى المعالجات السياسية، أحد أهم الأسباب التي تترك البلاد نهبا للتدخلات والمبادرات الخارجية، فإن العمل على تفادي الآثار السلبية التي بدأت تنعكس في المجتمع السوري، والحرص على عدم انزلاق البلاد إلى حرب أهلية، يشجع على اعتبار المبادرة العربية أحد أهم منافذ الخلاص، سواء بقيت عربية وأكره النظام على التعامل مع بعض بنودها، أو دفعت إلى حقل التدويل!

استمرار المشهد السوري لم يعد ممكنا، لجهة أن تتصرف النخبة الحاكمة كأنها لا تأبه بالمواقف الدولية والعربية، وتواجه الاحتجاجات كأنها تتمتع بحصانة لاستخدام أشنع وسائل القمع والتنكيل، متكئة إلى ردود أفعال لا تزال بطيئة ولم ترق إلى مستوى الحدث ومعاناة الشعب السوري، لكن استمرار الانتفاضة بهذه الصورة البطولية، وما تقدمه من أثمان باهظة في أعداد الضحايا والجرحى والمعتقلين، وزيادة التعاطف الإنساني معها من قبل الشعوب والمنظمات الحقوقية والمؤسسات الإنسانية، أمر كفيل بإحراج السياسات الرسمية أكثر فأكثر ودفعها لتعديل مواقفها وإكراهها على رفض استمرار ما يحصل وعلى المشاركة في البحث عن مبادرات وحلول مجدية تأخذ في الاعتبار الخصوصية السورية، والأهم تلبي مطامح المحتجين ومطالبهم.

=================

التوحد والتعددية والتدخل الأجنبي في الثورة السورية

رضوان السيد

الشرق الاوسط

6-1-2012

ساد التشاؤم لدى المتابعين للثورة السورية من الخارج في الأيام الماضية بسبب أمرين اثنين: الأول فشل المراقبين العرب الذين دخلوا إلى سوريا في إقناع السلطات السورية بوقف حمام الدم.. والثاني: تعذر الاتفاق بين المجلس الوطني السوري (وهو تحالف واسع لقوى المعارضة السورية تشكل قبل ثلاثة أشهر)، وهيئة التنسيق (وهي طرف معارض صغير بالداخل والخارج). وكان البند الثالث من المبادرة العربية قد نص على ضرورة توحد قوى المعارضة، ووضعها مجتمعة برنامجا للتحول السياسي الديمقراطي للضغط على النظام بإبراز بديل لحله الأمني في وجهه من جهة، وليكون هناك طرف سياسي حاضر للتعاون في قيادة عملية التحول السلمي إن نجحت المبادرة العربية. وقد قيل (من جانب ممثل هيئة التنسيق) إن الوثيقة أو الاتفاق أو البرنامج الذي جرى التوقيع عليه بالأحرف الأولى من جانب رئيس المجلس الوطني، وممثل هيئة التنسيق، بحضور أعضاء من الطرفين، وبعد مفاوضات مضنية على مدى خمسة وثلاثين يوما، ما حظي بموافقة جهات وأطراف في المجلس الوطني، أبرزها «الإخوان المسلمون». ويرجع ذلك في ما ذكره البعض على التلفزيون إلى ثلاثة أسباب: رفض التدخل العسكري الأجنبي دونما إيضاح من جهة أخرى كيف تكون حماية المدنيين المطلوبة من جانب المتظاهرين منذ عدة شهور، وعدم التصريح بهدف إسقاط النظام، وعدم توجيه التحية للجيش السوري الحر والاكتفاء بتحية الجنود الشرفاء الذين رفضوا إطلاق النار على المتظاهرين!

والواقع أن هذه المطالب المُرَدّة كلها تحت وطأة الهول الجاري في سوريا منذ عشرة أشهر، تشير إلى شيء من عدم الجدية لدى سائر الأطراف، كما تشير إلى ثقافة يائسة عرفتها المرحلة المنقضية لدى سائر الراديكاليات العقائدية اليسارية والقومية والإسلامية. فالأطراف المعارضة السورية جميعا، وفي الأشهر الثلاثة الأولى للثورة - وتحت مقولة المؤامرة الخارجية التي فرضتها سائر الأنظمة الجمهورية الخالدة منذ أربعة عقود - كانت تبدأ خطاباتها التلفزيونية برفض فكرة التدخل الخارجي شأن ما حدث في ليبيا لتنحية العقيد القذافي. بيد أن هذا النفي أو الإنكار صار غير ذي موضوع لحصول أمرين متناقضين: تفاقم القمع وأعمال القتل وسفك الدم والإرهاب من جانب قوى النظام، إلى حدود غير معقولة ولا متصورة، بحيث صار التدخل العسكري الأجنبي أملا من الآمال، كما صار الحدّ الأدنى المرغوب بشدة بالداخل الثائر: الحماية للمدنيين من خلال الملاذات الآمنة، ومناطق خطر الطيران والأسلحة الثقيلة. ولذلك استطاع المعارضون للاتفاق المذكور القول إن رفض التدخل العسكري الأجنبي دونما بدائل لحماية المدنيين هو ضد رغبات الجمهور بالداخل! أما الأمر النقيض الذي يجعل إنكار التدخل أو استحسانه غير مهم فعِلَّتُهُ أن الأميركيين والأوروبيين (والأتراك) قالوا ويقولون إن التدخل العسكري بسوريا (ولو لحماية المدنيين) هو أمر لا يفكرون فيه، ليس بسبب ما حصل في ليبيا فقط؛ بل وبسبب موقع سوريا على حدود إسرائيل ووجود أطراف (بإيران والعراق ولبنان) يمكن أن تتدخل بصورة أكثر ظهورا وتحديا إن تدخل الأتراك أو الأطلسي! ولذلك ما كانت هناك حاجة للمزايدة وطنيا من جانب هيئة التنسيق، ولا كانت هناك حاجة للمزايدة في إرضاء الثائرين المعذبين من جانب «الإخوان» وغيرهم، وإنما كان المطلوب التفكير بصوت عال وعاقل في كيفية حماية المدنيين بالتنسيق مع العرب، الذين جربوا توقيع البروتوكول الذي لم ينفع، وهم اليوم وغدا سوف يجربون وسيلة أو وسائل أخرى للضغط من أجل ذلك.

ويبقى الأمران الآخران اللذان لا أصدق أن الإخلاص أو التعقل كان حليف الفريقين فيهما: مسألة التصريح بإسقاط النظام هدفا، ومسألة اعتبار الجيش السوري الحر جزءا من قوى الثورة. فهيئة التنسيق ما عادت تستطيع الإصرار على التفاوض مع النظام بعد أن جربت ذلك بنفسها وفشلت. كما لا يفيد في شيء الإصرار على إفراد المنشقين عن الجيش بالشرعية، واعتبار البقية الباقية (نحو الثلاثة أرباع) غير شرعية. وهذا على الرغم من تقديرنا لشرف ونبل وشجاعة الذين تمردوا، وعدم فهمنا لسكون الأكثرية العسكرية والأمنية وبخاصة أنهم يرون أمامهم الشجاعة الأسطورية للشبان المتظاهرين، وللمسلحين القلة المدافعين عن أنفسهم وعائلاتهم ومساجدهم وقراهم!

هذه الأمور الوطنية والاستراتيجية الكبرى في زمن الثورة، لا ينبغي أن تُعالَج بهذه الخفة اللائقة بوسائل الإعلام للمزايدة لكن في ظروف مثل ظروف لبنان، وليس مثل ظروف سوريا والعراق وفلسطين. والمنظر الخارجي مهم رغم كل شيء لأنه يدل على مدى التقدير لهذا الظرف التاريخي. وقد رأيت من «الإخوان» السوريين حرصا على ذلك في الشهور الأولى، لكنهم الآن وبعد النجاحات بمصر وتونس والمغرب، عادوا للانكشاف أمام البريق الدموي للسلطة والشعبية ولذائذهما. فزعيم «الإخوان» المصريين يقول إن لديه ما هو أهم من الرئاسة المصرية، وهو المسؤولية عن الأمة والدين! وهكذا فهو يتسنم منبر رسول الله من دون أن يكون لديه تواضعه صلوات الله وسلامه عليه «فذكّر إنما أنت مذكّر.. لستَ عليهم بمسيطر».

إن الذي فعله برهان غليون كان ضروريا ولا يزال. وضرورته ليست آتية من صحة موقف ودعاوى المناع وعبد العظيم، فدعاواهما ومواقفهما مثل قبض الريح، وقد كشفهما المتظاهرون بالداخل قبل علمانيي ويساريي الخارج. وإنما تأتي ضرورة التحفظ والدقة والتزام الوفاق والتواضع لأقصى الحدود (وعلى الشبان المعذبين بالداخل أن يتحملوا ذلك كلَّه) لسببين: أولهما وجود متوجسين بالداخل ممن لم يشاركوا بالثورة بعد لكنهم ليسوا ضدها، والثاني الشعوب العربية والمجتمع الدولي، والتي تزداد أدوارها اليوم وغدا أهمية في نصرة الداخل السوري وترجيح كفته على النظام القاتل. فهناك فئات واسعة بالداخل السوري، وفئات أَوسع في الوطن العربي والعالم الخارجي، صارت تتأمل بدقة كبيرةٍ ما يجري في اليمن وسوريا بعد انتخابات مصر على وجه الخصوص، وسلوك المسلحين بليبيا.

ولكي تنجح الثورة السورية التي كلفت وستكلف نحو العشرة آلاف قتيل وخرابا هائلا على يد نظام الممانعة والمقاومة (وليس الغزاة الإسرائيليين مثلا!)، يكون على القيادة السياسية للثورة الآن أن تحقق إجماعا على برنامجها، وهذا يتطلب عملا مضنيا، وسيستغله حتى المناضلون القدامى الذين صاروا طلاب سلطة مثل بعض الثوريين المستجدين، لكن هذه الوقائع لا تجعله أقل ضرورة ولا أقل إلحاحا، فالثائرون ليسوا فئة واحدة، والمؤيدون ليسوا فئة واحدة، والمسهمون تختلف درجات إسهامهم من دون أن يختلف أو يتجزأ حقهم في المشاركة والمواطنة.

وهناك من تراعى آراؤهم لأنهم مناضلون قدامى، وهناك من تراعى آراؤهم واهتماماتهم لأنهم مناضلون جدد!.. وهناك مَنْ ليسوا هذا أو ذاك لكن آراءهم ينبغي أن تراعى لأنهم مواطنون سوريون. ونحن العرب ينبغي أن تراعى آراؤنا واهتماماتنا، ونحن لا نقبل المساومة على حق أحد من السوريين، وإلا فلماذا الثورة على الرئيس بشار الأسد، لولا أنه لم يذكر غير حقوق شقيقه وصهره وقريبه رامي مخلوف؟.. ولله في خلقه شؤون وشجون!

==================

2011 العام الذي غير وجه العالم العربي

يوسف شكري - المملكة المغربية

القدس العربي

5-1-2012

كانت الشرارة الأولى التي أطلقت موجة التغيير في العالم العربي تونسية، فتسلم المصريون المشعل من التونسيين في الخامس والعشرين من يناير عام 2011، لتندلع الاحتجاجات الشعبية في القاهرة والإسكندرية والسويس، وتمتد إلى باقي المحافظات في مصر المحروسة.

إذا كانت الثورتان التونسية والمصرية قد حُسمتا في وقت قصير نسبيا، فإن الأمر في ليبيا كان مختلفا، إذ احتاج الشعب الليبي، الذي خرج في احتجاجات سلمية في السابع عشر من فبراير سنة 2011، إلى تدخل قوات حلف الناتو لحمايته من كتائب نظام العقيد معمر القذافي، الذي لم يتوان في وصف المحتجين بالجرذان، واتهامهم بتناول حبوب الهلوسة، متوعدا إياهم بملاحقتهم 'زنقة زنقة، دار دار'. العقيد نفذ وعده ودخل في حرب مفتوحة ضد شعبه، إذ قامت كتائبه باستخدام الأسلحة النارية الثقيلة والقصف الجوي لقمع المتظاهرين العزّل، لتتحول الاحتجاجات الشعبية إلى ثورة مسلحة أسقطت النظام ومعظم رموزه. فقد تم إلقاء القبض على معمر القذافي وقتله وابنه الساعدي في العشرين من أكتوبر2011، بتخوم مدينة مصراتة، بعد أن كان قد فر من العاصمة طرابلس على إثر دخول قوات الثوار إليها. ولاحقا تم إلقاء القبض على ابنه سيف الإسلام، الذي كان يوصف بكونه القائد الفعلي لكتائب أبيه.

في اليمن، البلد الذي يوجد فيه أكثر من 50 مليون قطعة سلاح، قدم الشعب نموذجا راقيا للتغيير السلمي في ظل نظام ليس له من صفات الدولة غير الاسم. فهو يفتقر إلى أبسط مقومات الدولة، وبعيد كل البعد عن دولة المؤسسات والقانون، أما المجتمع فتركيبته قبلية بامتياز. مع كل هذا لم يستطع النظام جر الشارع اليمني المنتفض ضده منذ الثالث من فبراير 2011، إلى حرب أهلية، هو المحتشد في الساحات بأعداد ضخمة منذ الحادي عشر من الشهر نفسه، اليوم الذي أطلق عليه جمعة الغضب، والذي صادف سقوط نظام الرئيس محمد حسني مبارك في مصر. منذ ذلك الحين والرئيس اليمني يتملص من مبادرة إلى أخرى محاولا إطالة عمره السياسي، على الأقل حتى نهاية فترته الرئاسية. لكن ضغوطات الشارع والخلافات التي دبت داخل النظام نفسه، والتي كادت تودي بحياة الرئيس شخصيا في محاولة اغتيال نقل على إثرها لتلقي العلاج بالمملكة العربية السعودية، عجلت بتوقيعه على المبادرة الخليجية يوم الأربعاء 23 نونبر 2011، ليسلم صلاحياته إلى نائبه، على أن يبقى رئيسا شرفيا لمدة تسعين يوما، وتشكل حكومة وحدة وطنية برئاسة شخصية من المعارضة. مخرج أملته ظروف إقليمية ودولية، ورفض الشباب اليمني بنده المتعلق بحصانة الرئيس وأقربائه من الملاحقة القضائية

صحيح أن لكل ثورة ظروفها التي إما تساعد على التعجيل بالحسم فيها أو تفاقم الأزمة ليتعقد الوضع أكثر، لكن بعض ما يقال عن الثورة اليمنية و الثورة الليبية كذلك، يمكن قول بعضه على الثورة السورية، التي انطلقت في منتصف شهر آذار مارس من العام 2011، ومازالت متأججة في معظم المدن والبلدات. لقد هب الشارع مطالبا بالإصلاح فقوبل بالحديد والنار، لينشق العديد من الضباط وينضموا إلى صفوف الثورة مؤسسين نواة 'الجيش السوري الحر' الذي جاء متزامنا مع استكمال الإعلان الميثاقي' للمجلس الوطني السوري'، الواجهة السياسية للثورة السورية في المحافل الدولية. غير أن الدعم الذي يتلقاه النظام السوري من حليفه الاستراتيجي إيران، وكذا من الصين وروسيا، بالإضافة إلى تشابك المصالح بين نظام الأسد وحلفائه في لبنان وغياب البديل الآمن بالنسبة لإسرائيل في حالة سقوط النظام الحاكم في سورية، كل هذا زاد الأمور تعقيدا، رغم عقوبات وضغوطات الجامعة العربية والدول الغربية. لكن سورية ما بعد الثورة أبدا لن تكون هي سورية ما قبل الثورة.

بلدان عربية كثيرة قامت فيها انتفاضات واحتجاجات، لكن دون أن تصل الأمور إلى مستوى المطالبة بإسقاط الأنظمة كما هو الحال في الدول سالفة الذكر. في البحرين، وبعد توالي الاشتباكات العنيفة بين المتظاهرين وقوات الأمن، استدعيت قوات 'درع الجزيرة'.

وهي قوات أسست للدفاع المشترك عن دول الخليج، لكن البعد الشيعي الذي أخذته الانتفاضة في مملكة جل أهلها شيعة، في حين أن العائلة الحاكمة سنية، والمخاوف التي أثيرت حول تورط إيراني في احتجاجاتها، قاد إلى اتخاذ تلك الخطوة التي أثارت حفيظة وانتقادات الشارع البحريني. أما في المغرب فقد استبق النظام الأمور وأعلن عاهله عن تشكيل لجنة لتعديل الدستور. تعديلات أعطت هامشا أكبر من الحرية لعمل المؤسسة التشريعية والحكومة، وعبدت الطريق أمام انتخابات تشريعية سابقة لأوانها، كان الفوز فيها للإسلاميين ممثلين في حزب 'العدالة والتنمية'. فوز نتج عنه ارتياح في الشارع المغربي، وجدد الأمل في إمكانية تغيير سلمي ينأى بالبلد عن القلاقل التي عاشتها الأقطار الأخرى. وهو ما أضعف كثيرا حركة '20 فبراير'، حاملة لواء الربيع العربي في المغرب.

على العموم، ففقد أظهرت الانتفاضات العربية أن الشعوب لم تعد قادرة على القبول بتمركز الثروة والسلطة بيد أقلية ضئيلة، يقوم نظامها على القمع والاضطهاد. فروح هذه الانتفاضات، والتي عبرت الحدود وغيرت العقليات، سوف تفتح الأفق لصراع لن ينتهي إلا بتحقيق مطالب الشعوب المستضعفة. المطلوب الآن هو التأسيس لديمقراطية حقيقية تعيد توزيع السلطات بين المؤسسات لا الأفراد، واقتصاد منتج يحل مشكلات البطالة والتعليم والصحة.... ديمقراطية بدأت ملامحها تتشكل في عام لا كالأعوام السابقة، فهل ستشهد السنة الجديدة 2012 اكتمال الولادة؟

=================

عام نثر الياسمين

فادي ريحان

المستقبل

5-1-2012

وصل العام الجديد في فصل الشتاء، كما الحال دوما، رغم أن الربيع ما زال يلاحقه من العام الماضي، فالربيع في عامي 2011-2012 عربي بإمتياز.

رغم كل ما يقوله المتابعون عن نتائج الربيع العربي، الا أنه ما زال ربيعا وما زال السوريون ينثرون ياسمين دمشق في أرجائه، ومن الواضح أن نثر الياسمين السوري لن يتوقف قبل تحقيق آمال المنتفضين منهم الذين ما زالوا أحياء أو الذين قتلوا في سبيل قضيتهم أو الذين سيقتلون في المرحلة القادمة حتى سقوط نظام "البعث" وإرساء نظام ديموقراطي في سوريا. فما تدل عليه كل مؤشرات الثورة السورية أن النظام لن يكف عن القتل وسيذهب في ذلك بعيدا كلما إقترب من نهايته، ولن يشفع للسوريين المنتفضين أي قرار دولي أو عربي ولا المزيد من العقوبات في وقف هذا النزيف، فمن عادة الديكتاتور أن يشعر بأن السلطة ملكا له الى الأبد وأن الشعب عبيده ينفذون مآربه التي يعتقد أنها المثال الأعلى لتنظيم حياة البشر وسوْسهم. ومعمر القذافي وحسني مبارك وقبلهما صدام حسين أمثلة على عقلية الديكتاتور وتمسكه بالسلطة التي لن يتخلى عنها الا بعد إسالة الكثير من الدماء. زين العابدين بن علي ليس من ضمن الأمثلة، فقد تخلى عن السلطة سريعا مذ شعر بأن مواطنيه لن يتركوه في سدة القيادة بسلام.

زيّنت ثورات الشعوب العربية العام المنصرم، بل وباتت تلك الثورات مصدر إلهام لشباب دول العالم الأول في اليونان وإسبانيا والبرتغال والولايات المتحدة الأميركية نفسها. صارت مثالا يحتذى بعدما كان يقال أن الشعوب العربية تعيش في عصر آخر، وهي بمثابة الشعوب النائمة والمخدرة. لكن ليس هذه المرة، فقد تمكن الشباب العربي من تسريع المخاض في العقد الأول من القرن الواحد والعشرين للوصول الى الولادة الجديدة، وقد ساعدهم في ذلك ثورة الإتصالات العالمية التي لم تعد تبقي أي خبر او حادثة طي الكتمان كما كان يحصل دائما في غياهب الظلام العربي وسجونه وأقبية التعذيب المنتشرة من المحيط الى الخليج. فلو أحرق البوعزيزي التونسي نفسه في أواسط التسعينات من القرن المنصرم، كانت تلك الحادثة لتذهب مع الريح وكأن شيئا لم يكن، لكن إنتشار فيلم الحادثة عبر الشبكة العنكبوتية وفي الفضائيات على إختلافها، حوّلها من تعبير عن رفض شخصي للأوضاع المعيشية وللبطالة ولسوء التعليم ولتسلط رجال الأمن على المواطنين، الى حادثة عربية عامة تعني كل مواطن عربي يعاني مما يعانيه البوعزيزي، وهؤلاء هم الأكثرية على إمتداد الوطن العربي. فكم من خريج من الجامعات إضطر للعمل في الأعمال الدونية بسبب البطالة؟ وكم من مناضل كمّ فوه بسبب مطالبته بحرية التعبير عن الرأي ورفضه لأنظمة القمع والتوريث وسرقة المال العام؟.

في العام 2011 كان البوعزيزي القشة التي قصمت ظهر البعير. كان حرقه لنفسه بمثابة الشعلة التي أشعلت النفوس التي داومت على الخضوع والقبول بالأمر الواقع، أما نتائج هذا الرفض والثوران، فهذا أمر آخر يمكن إنتظار نتائجه في ما بعد، المهم الآن أن أنظمة القتل والإخضاع قد زال بعضها وبعضها الآخر في طريقه الى الزوال.

تمكن الشباب العربي مما لم نتمكن منه نحن اللبنانيين الليبراليين والباحثين عن إرساء قواعد الدولة المؤسساتية والتي تتعامل مع مواطنيها على أساس إنتمائهم الى لبنان لا الى طوائفهم. كنا قد أعلنا عن رغبتنا تلك في 14 آذار 2005، حين رفضنا الوصاية على لبنان، وطالبنا بتفكيك النظام الأمني اللبناني-السوري المشترك، وطمحنا الى بناء دولة عصرية وحديثة وديمقراطية وسيدة وحرة ومستقلة، إضافة الى تحقيق العدالة ومعاقبة قتلة الرئيس رفيق الحريري، وكل الذين تم إغتيالهم في الأعوام اللاحقة.

كانت ثورة 2005 أقرب الى الثورات العربية، بل وتبزّها في مطالبها وفي إرادة التغيير، لكن لسوء الحظ تمكّن القاتل في تلك الثورة من إغتيال رموزها وتمتين العداء بين الطوائف عبر تصوير ثورة الأرز وكأنها ضد فئة من اللبنانيين، والعمل على تصنيف المحكمة الدولية وكأنها وسيلة إسرائيلية لضرب "المقاومة" في لبنان. تلك المقاومة التي لم تتوان عن إستخدام السلاح في سبيل وقف أعمال المحكمة، ولم تكف عن التهديد بالعودة الى إستخدامه كلما عاد الحديث عن المحكمة او صدر قرار عنها يتعلق بالمحاكمات.

ما يحمله العام 2012 بعد مفاجآت العام 2011، لن يكون عاديا في سبيل عودة مُثل 14 آذار 2005 الى التطبيق والتنفيذ على أرض الواقع، فسقوط النظام السوري الذي بات أمرا واقعا، لن يمر مرور الكرام على لبنان، بل سيكون أحرار لبنان شركاء أحرار سوريا في إعادة بناء سوريا ولبنان معا، فقد ولّى زمن التعاطي مع لبنان على أنه محافظة سورية، وولّى زمن إعتبار لبنان الخاصرة الرخوة في الجسد السوري والنافذة التي يطلق منها نظام البعث النار على العدو الإسرائيلي المحمي في الجولان منذ العام 1967، فيما لبنان واللبنانيون يدفعان ثمن تلك المعركة تدميرا وتقتيلا ورجوعا الى الخلف.

العام 2011 كان عام العرب. العام 2012 سيكون عام احرار لبنان وسوريا.

=================

عام مفترق الطرق والخيارات الحاسمة

د. صبحي غندور

التاريخ: 05 يناير 2012

البيان

مع بدء هذا العام الجديد، تقف المنطقة العربية أمام مفترق طرق وخيارات حاسمة حول قضايا تتفاعل منذ عقودٍ طويلة في المنطقة، وليس كحصادٍ للعام الماضي فقط. فما كان قِطَعاً مبعثرة ومتناثرة؛ من أزمات إقليمية متنوعة، ومن حالات ظلم واستبداد وفساد على المستوى الداخلي، ومن مفاهيم ومعتقدات فكرية وثقافية سائدة في المجتمعات، تجمّعت كلّها الآن وامتزجت مع بعضها البعض في ظلّ حراكٍ شعبيٍّ عربيٍّ كبير ومتواصل لمطالب سياسية واجتماعية محلية، وبأساليب وحيوية لم تشهدها بلدان المنطقة من قبل.

إنّ العام 2012 لن يكون عاماً حاسماً لمصير أنظمة وحكومات عربية فقط، بل أيضاً لمصير بعض الكيانات وحدودها الجغرافية، وما هي عليه تاريخياً من تركيبة اجتماعية وسكانية. ولن يقتصر الأمر على جناحٍ واحد من جناحيْ الأمَّة العربية، فبلدان آسيا العربية وإفريقيا العربية كلّها في دائرة حسم المصير المشترك.

صحيحٌ أنّ الانتفاضات الشعبية قد نجحت في تغيير أنظمة الحاكمين في تونس ومصر وليبيا، لكن تفاعلات ما بعد ذلك هي أيضاً مرحلة حبلى بالمخاطر على مستقبل هذه الأوطان ووحدة شعوبها. وسيكون العام الجديد هو عام حسم تجاه نوع التغيير في كلٍّ منها، ومدى تأثير هذا التغيير السياسي على الكيان الوطني نفسه وعلى مكوّناته الطائفية أو الإثنية أو القبلية. ولا يجب أن ننسى أنّ بارقة الأمل، التي اتجهت شرقاً نحو مصر من تونس، قد سبقها هاجس التقسيم الذي حصل جنوب مصر في السودان.

إنّ العام 2011 كان «عام الشارع العربي» وذلك مهمٌّ لبدء التغيير الإيجابي الشامل المنشود لعموم «المجتمع العربي». فالمشكلة عربياً لم تكن فقط في الأشخاص والحكومات بل أيضاً في السياسات، وفي نهج التبعية للخارج، وفي بعض المفاهيم والمعتقدات على المستويين «النخبوي» و«الشعبي»، وفي وجود حالاتٍ انقسامية داخل مكوّنات الأوطان العربية وبين الأوطان نفسها. لذلك تتأكّد أهمية الجمع في أهداف التغيير بين شعارات الديمقراطية والوحدة الوطنية والعدالة والتحرّر الوطني والهويّة العربية، حيث في تلازم هذ الأهداف، وفي التمسّك بسلمية التحرك والأساليب، ضمانات لنجاح التغيير وشموليته ولعدم حرفه أو انحرافه عن مساره السليم.

إنّ ما يحدث الآن في المنطقة العربية، من حراكٍ شعبيٍّ كبير، هو أشبه بنهرٍ جارف يشقّ مساره في جبال وعرة، لكن مهما بلغ صفاء هذا النهر ونقاوة مياهه، فإنّ جهاتٍ محلية عديدة تضع سدوداً أمام تدفّقه لتمنع تقدمّه ولتُحوّله إلى طوفان على من فيه وحوله. أيضاً، توجد إلى جانب هذا النهر الجارف قوًى خارجية تريد حرف مسار النهر، مع دعم تدفّقه طبعاً، لكن من أجل صبّ مياهه في بحيرات مصالح هذه القوى ومزارعها الخصبة بمشاريع تفتيت هذه المنطقة والهيمنة على ثرواتها.

إن العام 2012 هو أيضاً عامٌ حاسم لأزماتٍ إقليمية عديدة، وهناك الآن سعيٌ محموم لدى دول «حلف الناتو» للتعامل معها بالجملة بعد ظهور فشل التعامل معها بالمفرّق. بل هناك محاولاتٌ لتوظيف ما يحدث من تركيز في الاهتمامات الشعبية العربية على قضايا داخلية أصبحت لدى البعض هي المعيار، بدلاً من معايير سابقة كانت تتمحور حول الصراع مع إسرائيل ومن يدعمها دولياً. إنّ رؤية احتمالات الأحداث وتطوراتها في العام الجديد تتطلّب التعامل مع أوضاع الأمَّة العربية ككل، وعلى ما يحدث فيها وحولها من متغيّرات سياسية، قد تُدخِل بعض شعوبها في التاريخ لكن قد تُخرج أوطانها من الجغرافيا.

هل هي صدفةٌ أن بدأ العام 2011 بإعلان تقسيم السودان، وتحوّل جنوبه إلى دولة مستقلة، وَضَعت في أولويّاتها بناء أفضل العلاقات الخاصة مع إسرائيل؟، ثم أهي صدفةٌ أيضاً أن تكون القوات الأطلسية قد حطّت خلال العقد الماضي رحالها وهيمنتها في معظم أرجاء المنطقة، وأن يكون العراق قد تغّير نظامه الظالم السابق بفعل الاحتلال الأميركي/البريطاني، وأن تنشأ دولة جنوب السودان بدعم أميركي/أوروبي/إسرائيلي للجيش الجنوبي السوداني على مدار سنوات، ثمّ أن تتخلّص ليبيا من نظامها الاستبدادي بدعم أطلسي، وكلّ هذه المناطق نفطية مهمّة؟!

وهل كانت صدفة أيضاً أن تتزامن في ظلّ إدارة بوش الدعوة الغربية للديمقراطية في المنطقة مع احتلال العراق أولاً ثمّ ما تبعه من حربين لاحقاً على لبنان وغزّة؟!. ألم يُخصّص الرئيس الأميركي السابق جورج بوش قمّة مجموعة الدول الثمانية، التي انعقدت في ولاية جورجيا الأميركية صيف العام 2004، من أجل موضوع الديمقراطية في المنطقة بعد عامٍ من احتلال العراق! ألم يقل الرئيس بوش في كلمته بقمّة الناتو في إسطنبول، في العام نفسه، إنّ تركيا التي هي عضو في حلف الناتو ولها علاقات مع إسرائيل، تصلح لأن تكون نموذجاً للدول الديمقراطية المنشودة في العالم الإسلامي؟! وما الذي تغيّر من هذه السياسة الأميركية بعد تغيّر الحاكم في «البيت الأبيض»؟!.

تساؤلاتٌ عديدة تفرضها التطوّرات الراهنة في المنطقة العربية، التي تختلط الآن فيها الإيجابيات مع السلبيات دون فرزٍ دقيق بين ما هو مطلوب وما هو مرفوض. فحتماً هي مسألة إيجابية ومطلوبة أن يحدث التغيير في أنظمة الحكم التي قامت على الاستبداد والفساد، وأن ينتفض النّاس من أجل حرّيتهم ومن أجل الديمقراطية والعدالة.

لكن معيار هذا التغيير، أولاً وأخيراً، هو وحدة الوطن والشعب واستقلالية الإرادة الشعبية عن التدخّلات الأجنبية. فما قيمة أية حركةٍ ديمقراطية إذا كانت ستؤدّي إلى ما هو أسوأ من الواقع القائم، أي إلى تقسيم الأوطان والشعوب ومشاريع الحروب الأهلية!. ثمّ ما ضمانات العلاقة مع الخارج الأجنبي، وما شروط هذا الخارج حينما يدعم هذه الانتفاضة الشعبية أو تلك؟!

المشكلة هنا ليست في مبدأ ضرورة التغيير ولا في مبدأ حقّ الشعوب في الانتفاضة على حكّامها الظالمين، بل في الوسائل التي تُعتَمد وفي الغايات التي تُطرَح وفي النتائج التي تتحقَّق أخيراً. وهي كلّها عناصر ترتبط بمقوّمات نجاح أيّة حركة تغييرٍ ثوري، حيث لا فصل ولا انفصال بين ضرورة وضوح وسلامة القيادات والأهداف والأساليب. فلا يمكن حصر المراهنة فقط على أسلوب الحراك الشعبي، الذي يحدث متزامناً مع بقاء القيادات والغايات والبرامج الفعلية مجهولة التفاصيل، كما لا يمكن أيضاً تجاهل مدى علاقة التغيير الديمقراطي المنشود بمسائل الصراعات الأخرى الدائرة في المنطقة، وفي مقدّمتها الصراع العربي/الصهيوني والتنافس الدولي والإقليمي على المنطقة وثرواتها.

الجميع الآن بانتظار ما ستسفر عنه هذه المرحلة من متغيّراتٍ سياسية جذرية في المجتمعات العربية، لا في الحكومات والأشخاص فقط، لكن من المحتّم أنّ القوى الدولية والإقليمية الفاعلة ليست جالسةً مكتوفة الأيدي ومكتفيةً بحال الانتظار. هي تعمل بلا شك على تهيئة نفسها لنتائج هذه المتغيّرات، بل هي تحاول الآن استثمارها أو حرفها أو محاصرتها أو التحرّك المضاد لها. وهي كلّها حالاتٌ قائمة مرتبطة بمكان هذه المتغيّرات وظروفها.

فإذا كانت الآن الثورات والانتفاضات العربية ظواهرَ مشرقة واعدة بغدٍ أفضل، فلا يجب أن يحجب نور هذه «المتغيرات» ما يستمرّ «ثابتاً» في المنطقة من خطر الاحتلال الإسرائيلي ومحاولات الهيمنة الأجنبية، في ظلّ أجواء طائفية ومذهبية تنخر الجسم العربي وتهدّد وحدة أوطانه وتُسهّل السيطرة الخارجية عليه. إنّ أعين العالم كلّه مشدودةٌ الآن إلى ما يحدث في المنطقة العربية من تحوّلات، فهي منطقة الثروات والموقع الإستراتيجي ومقرّ المقدّسات الدينية. لكن بعض هذا «العالم» لا يكتفي بالنّظر من بعيد، بل يمدّ يديه ويحاول وضع قدميه أيضاً في أرض هذه التحوّلات ومع صانعيها.

لذلك، فإنّ الأمَّة العربية بحاجةٍ الآن إلى وعي كل طلائعها الفكرية والسياسية والدينية بما يحدث في أوطانهم وأمّتهم، كما ان الأمّة بحاجةٍ إلى حكّامٍ ومعارضين يدركون ما الذي يفعلونه ببلدانهم، ولا يكتفون بالمراهنة على قوّة الأمن، أو قوّة الشارع، أو قوّة الدعم الخارجي.

وكل عام وأوطاننا العربية بألف خير!!

=================

الضغط الأميركي - الفرنسي ماذا يُخفي؟ .. الحدّ من القمع في انتظار البديل السوري

روزانا بومنصف

2012-01-05

النهار

دخلت الولايات المتحدة وفرنسا على خط عمل المراقبين في دمشق وفقا للمبادرة العربية. الاولى، من خلال الاعتبار ان دمشق لم تحترم التعهدات التي قطعتها للجامعة العربية في شأن بعثة المراقبين، مشيرة الى انه مضى 16 يوما على توقيع النظام السوري الاتفاق من دون ان يحترم شروطه. والثانية من خلال دعوة الرئيس نيكولا ساركوزي الرئيس السوري الى مغادرة السلطة، وكذلك فعل وزير خارجيته الان جوبيه. فالطرفان كانا علقا على الارتباك الذي واجهته بعثة المراقبين بعد تصريح رئيسها عن الوضع في حمص بضرورة الانتظار لكي تأخذ مهمة هذه البعثة مداها قبل الحكم على عملها، بالتزامن مع الطلب ان يتاح لهذه البعثة التحقق مما اتت من اجله، وضرورة ان يتيح النظام لها ذلك. والموقفان الاميركي والفرنسي في هذا التوقيت وقبل انتهاء مهلة الشهر المحددة من الجامعة العربية يعكسان، ومن جهة، الانطباعات المسبقة عن الفشل المحتوم للمبادرة العربية وعدم امكان ان يسمح النظام بتنفيذها وممارسته المراوحة ومحاولة كسب الوقت، ويعكس من جهة اخرى ان ما حصل حتى الآن لم يظهر كفاية المراقبين الذين اثاروا استغراب المتابعين حيال زيارة امكنة عدة ومناطق تتعرض للقمع في يوم واحد، كأنما المسألة تتصل بعمل سياحي وليس بعمل تحقيقي على الارض يتطلب وقتا وجهدا .

وتقول مصادر معنية ان الموقفين الاميركي والفرنسي لا ينعيان مهمة بعثة المراقبين، لكن مهمة هذه البعثة اعترتها شوائب حتى الآن وفقا للانتقادات الكثيرة التي تعرضت لها نتيجة مواقف او تصريحات لبعض اعضائها، فضلا عن الهامش المحدود لحركتها بناء على تنسيقها مع النظام، مما ادى الى مضاعفة الدعوات الى سحب المراقبين في وقت اعلن فيه الامين العام للجامعة نبيل العربي وجوب عدم الاستعجال في الحكم على عمل البعثة وانتظار نتائج تقريرها الاولي. يضاف الى ذلك ان مهمة البعثة، على رغم الموقف الذي ادلى به الامين العام للجامعة العربية عن اطلاق ما يقارب 4000 معتقل لدى النظام، لم تظهر نجاحا بدليل استمرار الوتيرة نفسها في القتل وعدم قدرتها على حماية المدنيين العزل او وقف نزيف الدم. ولذلك باتت هناك شكوك كبيرة في امكان تقديم هذه البعثة تقارير اكثر موضوعية عما يجري، وخصوصا ان الانتقادات من المعارضة السورية تعني ان وجهات النظر المتضاربة ستبقى قائمة بين اعضاء اللجنة الوزارية العربية التي تتفاوت آراء اعضائها، بين ان تبقى الامور في سوريا في اطارها العربي وان تكون المرحلة العربية تفاديا للمرحلة الدولية ما لم يتواصل القتل، وهو ما حصل على رغم عمل بعثة المراقبين.

وبحسب المصادر نفسها فان الموقفين الاميركي والفرنسي  يعكسان بالارادة الدولية من اجل استمرار الضغوط على النظام السوري وابراز واقع ان عدم تغيير الامور على الارض يساهم في تأكيد ما بات يعتقده الغرب ويجزم به لجهة عدم امكان استمرار الرئيس السوري او بقائه، ولو ان المطالبة بتنحيه ليست حاسمة بالاجماع بكلمة او موقف واحد . لكن التلويح بالتدويل من خلال اعلان روسيا تقديم مشروع قرار الى مجلس الامن استخدمته عمليا من اجل الضغط على النظام للقبول بالمبادرة العربية، يمكن ان يساهم في تخفيف عمليات القتل اليومية، وربما يدفع الى تجاوب اكبر مع بعثة المراقبين في انتظار بلورة مخرج للازمة. وهو ما فعله الموقفان الاميركي والفرنسي من خلال اعتبار انه حان الوقت ليتولى مجلس الامن وضع يده على الموضوع واصدار قرار في شأن الوضع السوري.  والواضح ان المبادرة العربية يعتبرها كثر مضيعة للوقت او لتعبئته اذا صح التعبير، في حين ان الاتصالات تجري بعيدا من الاعلام من اجل مرحلة انتقالية لم تنضج مقوماتها بعد. وتفيد بعض المعلومات الديبلوماسية ان الدول الغربية الاساسية لا ترغب في ان تشهد سوريا بعض ما يحصل راهنا لجهة الانشقاقات التي تحصل في الجيش او لجهة دفع الامور الى مواجهات مسلحة، بل يهمها ان يبقى الجيش كاملا وقويا وان يفصل نفسه عن القيادة السورية  من اجل المساعدة على ضبط الامور في المرحلة المقبلة وعلى رعاية الحل كما في تونس ومصر وليس على غرار ما حصل في العراق. فيما يعتبر مراقبون ديبلوماسيون متابعون ان الموقفين الفرنسي والاميركي يضغطان على بعثة المراقبين نفسها من اجل اداء افضل وتحمل اعضائها مسؤوليتهم تحت وطأة اظهار عدم جدية تنفيذ مضمون المبادرة العربية او التلاعب بهم من النظام السوري. وتاليا فان السؤال هو هل استباق فرنسا والولايات المتحدة مهمة البعثة مؤشر لبروز تطور ما، او لاستعجالهما امرا ما؟ أم ان الامر لا يتعدى الاطار المذكور حول ابقاء الضغط قائما علما ان ما يلاحظه المتابعون هو ان هذه المواقف المعلنة لم تصبح بعد مؤثرة في استخدام التعابير او في الخطاب بما يمكن ان يوحي نضج مرحلة التوافق على البديل من الرئيس السوري الذي تحرص بعض الدول المؤثرة، كما تفيد بعض المعطيات، على معرفة من سيحل محله ولو بصورة موقتة على قاعدة الاستفادة من التجارب والثغر التي شابت الثورات في الدول العربية الاخرى وعمليات انتهاء النظام فيها أو انهائه.

==============

القوى الصاعدة بعد ثورات الربيع العربي

د. يوسف نور عوض

2012-01-04

القدس العربي 

على مدى عقود طويلة ظل العالم مقسما بين اتجاهين سياسيين، الاتجاه الأول يقوده الاتحاد السوفيتي السابق الذي كان ينادي بالمبادىء الاشتراكية، والاتجاه الثاني هو الاتجاه الرأسمالي الذي كانت تقوده بقية الدول الغربية8

وكان العالم العربي في ذلك الوقت منحازا لاتجاه الاتحاد السوفيتي لأنه كان يعتقد أن ذلك أمر طبيعي بعد انتهاء العهد الاستعماري، وهكذا أغفل العالم العربي الأسس التي قامت عليها النظم الديمقراطية في العالم الغربي، وتوجه نحو الشعارات التي أطلقها العالم الغربي والتي تقوم على كل ما هو غربي في الجوانب الاقتصادية والسياسية، ومهد ذلك بطبيعة الحال للنظم الدكتاتورية التي انتشرت في العالم العربي في مصر والجزائر وسورية واليمن والسودان وغيرها، وكانت هذه النظم تتحدث عن شعارات كبيرة دون أن تكون لديها الوسائل التي تحقق بها الشعارات التي ترفعها، وقد أحدثت هذه النظم دمارا كبيرا في البيئة الاقتصادية والسياسية للعالم العربي، وكان ذلك سببا رئيسيا في انطلاق ثورات الربيع العربي التي أسقطت بعض هذه النظم ومازالت تعمل من أجل إسقاط بعضها الآخر، غير أن إسقاط هذه النظم لم يأت بالبديل لأن صورة البديل كانت غائبة بسبب عدم الخبرة في تأسيس نظم حديثة للدولة كما هو الشأن في بلاد العالم الغربي، ولكن ذلك لا ينفي ظهور قوى جديدة تأتي في طليعتها التيارات الإسلامية التي ظهرت بوضوح في مصر وتونس وليبيا ومرشحة لأن تظهر في عدد من الدول العربية الأخرى، هذه القوى ظلت خلال فترة الحكم الدكتاتوري مبعدة عن الحياة السياسية على الرغم من وجودها الأكيد في الواقع الاجتماعي بكون الإسلام هو العقيدة التي تدين بها الأمة، ولكن بالطبع فإن الأمر لا يقتصر على العقيدة وحدها بل يتجاوز ذلك إلى تأسيس نظام يكون صالحا لإقامة دولة، فهل استفادت القوى الإسلامية من تجربة إخفاق النظم الدكتاتورية، وهل عندها من الناحية السياسية ما تقدمه لإيجاد البديل السياسي في العالم العربي؟ هنا أود أن أتوقف عند مقال مهم كتبه الكاتب التركي مصطفى أكيول في صحيفة التايمز البريطانية حاول فيه أن يوضح التحول الذي بدأ يطرأ على اتجاهات الإسلاميين في العالم العربي وتحولهم إلى اتجاهات ليبرالية تتميز بالنظرة البراغماتية للواقع الاجتماعي

قال مصطفى إن الدول الغربية التي رحبت بالربيع العربي بدأت تعيد النظر في مواقفها بعد أن رأت الإسلاميين يصعدون في مختلف الدول العربية التي حدث فيها التغيير ومنها مصر وتونس وليبيا، ويرى الكاتب أن هذا الموقف الغربي القلق كان بسبب الأفكار النمطية التي سادت في الغرب عن الإسلاميين والتي تربطهم دائما بالأعمال الإرهابية والجهادية، ولكنه يرى أن الدول الغربية فاتها شيء مهم، وهو أن الإسلاميين تعرضوا إلى عقود من الإبعاد والاضطهاد في المعاملة من قبل الأنظمة الدكتاتورية التي لم تر أرضية مشتركة للتعاون مع الإسلاميين، لكن تلك الصورة النمطية لم تعد هي الصورة السائدة في الوقت الحاضر بكون الإسلاميين بدأوا يحدثون تغييرات أساسية في مواقفهم ويظهر ذلك في موقف حركة حماس المتصالح مع منظمة التحرير الفلسطينية بعد خلافات استمرت طويلا، وعلى الرغم من أن حركة حماس ترفض الاعتراف بدولة إسرائيل فهي قد بدأت تكتيكا جديدا من أجل تحقيق أهدافها وهو تكتيك غير قائم على العنف، ويرى الكاتب التركي أن هذا التوجه هو ميل نحو الاعتدال المأثور في مصر وتركيا وتجنب للعنف الذي تتبعه بعض الدول والمنظمات في المنطقة.

لكن الكاتب التركي يفرق بين الاعتدال والتوجه نحو الليبرالية إذ هو يرى أن كثيرا من الاتجاهات قد تكون معتدلة ولكنها ليست بالضرورة ليبرالية في توجهاتها، بكون هذه الاتجاهات من وجهة نظره لا تشجع حرية المرأة أو حرية الخطاب السياسي، ويرى في ظل هذا الواقع أن الحكومات الجديدة التي سيفرزها الربيع العربي هي حكومات تتميز بأغلبية جماهيرية ولكنها لا تتحمل الرأي المغاير لتوجهاتها وذلك ما يتعارض أساسا مع مبادىء الحرية. ولكن ليس هذا الوضع سمة للأنظمة الإسلامية من وجهة نظره بكون الحكومة العلمانية في تركيا تمارس السياسة نفسها مع الأقلية الكردية

ويرى الكاتب التركي أن هناك بعدا آخر للتوقف عنده عندما تطبق القوانين التي تتعلق بالعقوبات من خلال رؤية تقليدية لا تأخذ بالمستجدات في المجتمعات المعاصرة. ويرى الكاتب التركي أن هناك أسلوبين للتغلب على هذا الوضع، الأول هو الميل نحو البراغماتية السياسية ومعرفة أن الذي يهم الناس في المجتمعات الحديثة هو تطوير الحياة الاقتصادية وتوفير فرص العمل للكثيرين، وأما الأسلوب الثاني فهو الأخذ بمبادىء التوجهات الإسلامية الجديدة التي ظهرت عند قادة مثل راشد الغنوشي الذي بدأ يطرح أفكارا لا تتعارض مع الإسلام وتحقق خيرا أكيدا للمواطنين في المجتمعات المسلمة ويرى الكاتب التركي أن هذا التوجه الجديد بدأ يأخذ طريقه إلى بلده تركيا وقد أوضحت ذلك رحلة رجب طيب أردوغان الأخيرة إلى كل من مصر وليبيا وتونس حيث دعا إلى مسافة متقاربة بين سائر الطوائف الدينية التي تعيش في وطن واحد.

ويرى الكاتب أن الأخذ بمفاهيم الاقتصاد الحر والرأسمالي قد يدعم بناء المجتمعات الإسلامية الحديثة، وهذا من وجهة نظره هو التوجه الجديد الذي بدأت تأخذ به الاتجاهات الإسلامية، ويرى الكاتب أنه من الضروري التنبه إلى أن التوجهات الديموقراطية في العالم الغربي، لم تكن بعيدة عن الخط الديني إذ آمنت بها معظم التوجهات الدينية في العالم الغربي. ويظهر ذلك بشكل واضح في الولايات المتحدة حيث توصلت الاتجاهات المحافظة إلى اقتناع بأن الحرية هي وحدها التي تساعد على تدعيم القيم، وهذا من وجهة نظره هو الهدف الذي سيتحقق في الشرق الأوسط بواسطة القوى الإسلامية الصاعدة.

وإذا نظرنا إلى كل ما ذكر سابقا وجدنا أن الأمر كله ظل مركزا على التوجهات النظرية في كيفية إدارة دفة الحكم، ولا شك أن ذلك أمر مهم، ولكن الذي يجب أن نعلمه هو أن أي تصور نظري من هذا القبيل هو في النهاية رؤية أيديولوجية تحتاج إلى وسائل أخرى من أجل وضعها في إطار مقبول، وهنا لا بد أن يكون التركيز على كيفية بناء الدولة، ولا يمكن التوصل إلى إجابة حاسمة في هذا الأمر دون التساؤل عن الهدف الذي تحققه الدولة لمواطنيها، وهذا أمر تعرضت له من قبل ولكن لا مانع من العودة إليه من وقت لآخر من أجل أن تتضح الصورة، ذلك أنه لا يكفي أن نحدد أيديولوجيات كبرى لبناء الدول دون أن نهتم بالجوانب العملية التي يسعى المواطنون إلى تحقيقها في نظام دولتهم، وباختصار شديد فإن ما يهدف إليه أي مواطن من خلال وجوده في نظام دولة هو أن يحقق لنفسه المنافع الاقتصادية في إطار القانون إلى جانب الأمن الذي يضمن له حريته والعيش في حياة كريمة لا يخضع فيها لتغول الآخرين أو تغول الدولة، ولكي يتحقق ذلك فلابد أن تقوم الدولة على نظام واضح، ومثل هذا النظام غائب عن تصور الكثيرين في العالم العربي، ذلك أن الكثيرين في هذا العالم يعتقدون أن كثرة الأحزاب السياسية ومشاركتها في الانتخابات العامة هو الذي يحقق للناس أهدافهم، دون إدراك لأن وجود أكثر من مئة حزب في بلد من البلاد ليس دليلا على الحرية أو الديمقراطية بل هو مؤشر من مؤشرات الفوضى، ذلك أن كل ما يريده الناس في النظام الديمقراطي هو اتجاهان أحدهما في الحكم والآخر في المعارضة، وقد يكون هناك اتجاه ثالث لإقامة التوازن بين الاتجاهين أما كثرة الأحزاب فهي باب مفتوح للطائفية والعرقية والقبلية وبالتالي هي وصفة للفوضى ومؤشر على عدم تحقيق الأهداف.

' كاتب من السودان

=================

جدل المعارضة السورية والعجز العربي

د. بشير موسى نافع

2012-01-04

القدس العربي 

في آخر جمعة لعام الثورات العربية، 30 كانون الأول/ ديسمبر، خرج السوريون من جديد إلى شوارع مدنهم وقراهم. خرجوا ليس كما يخرجون كل يوم، وليس حتى كما خرجوا في أيام الجمعات السابقة منذ انطلقت الثورة السورية في منتصف آذار/ مارس. خرج السوريون في هذه الجمعة وكأنهم باتوا يشكون في أن أشقاءهم العرب يأخذونهم مأخذ الجد، أنهم يصدقون بأن سورية تعيش ثورة شعبية كبرى، وأن شعبها لن يهدأ حتى يطيح نظام الحكم ويقيم دولة الحرية والكرامة.

عندما تشهد مدن صغيرة، مثل إدلب في أقصى شمال البلاد، ودوما في ريف دمشق، تظاهرات تجمع عشرات الآلاف من السوريين، والخروج إلى الشارع هو نوع من المغامرة المميتة أصلاً، وعندما تسجل هيئات الثورة السورية ما يزيد عن أربعمائة تظاهرة في كافة أنحاء البلاد، فلابد أن السوريين يريدون توجيه رسالة ما، رسالة يحسبون أنها لم تصل بعد.

خلال الأيام القليلة السابقة على مظاهرات الجمعة الحاشدة، والأيام القليلة التالية لها، عاشت الأزمة السورية تطورين بارزين: يتعلق الأول بجدل قوى وشخصيات المعارضة حول وثيقة وقعها رئيس المجلس الوطني وقيادي بهيئة التنسيق الوطنية؛ ويتعلق الثاني بفعالية فريق المراقبين العرب، وما إن كانت مجموعة المراقبين تتحدث بلغة واحدة.

ثمة صلة وثيقة، بالطبع، بين الجدلين، جدل المعارضة والجدل حول الدور العربي. وكلاهما، بلغة رئيس المجلس الوطني، برهان غليون، يكاد يغفل وقائع الوضع السوري وحقائقه.

بالرغم من المماطلة وتثاقل الخطوات، لم يكن خافياً أن السوريين (وقوى المعارضة السورية على وجه الخصوص، وهيئة التنسيق على الأخص) علقوا آمالاً كبيرة على مبادرة الجامعة العربية، سيما أن اللغة التي استخدمها بعض وزراء الخارجية العرب أثناء أسابيع التفاوض حول إمضاء خطوة المبادرة الأولى، المتعلقة بالمراقبين، لم تخل من الحسم والانحياز للشعب السوري، وأن الخيار العربي بدا وكأنه سيساعد على إيجاد مخرج من الأزمة بدون أن يوقع سورية في مخاطر التدخل الأجنبي. ولكن الواضح الآن أن الجامعة العربية قدمت تنازلات للنظام السوري، أدت إلى تعديلات ملموسة في بروتوكول المراقبين. قد تبدو مسائل مثل إبلاغ السلطات السورية، ومن ثم الحصول على موافقتها على تحرك فريق ما ووجهته، غير ذات أهمية بالقياس إلى وجود المراقبين أنفسهم. ولكن مثل هذه المسائل لا بد أن تثير الكثير من القلق حول إمكانية تأدية المراقبين العرب لمهمتهم، واضعين في الاعتبار السجل الدموي للنظام، وعزمه الذي لم يعد يتطرق إليه الشك على مواصلة الحرب ضد شعبه، وخبرة أجهزة القمع والأمن السورية في ممارسة الخداع والالتفاف على الحقائق، التي لا يبدو أن لهذه الأجهزة من خبرة أخرى سواها. وبالرغم من أن مهمة المراقبين العرب لم تتجاوز أيامها الأولى بعد، فالواضح أن لا الجامعة العربية كمؤسسة، ولا المراقبين كأفراد، يظهرون من الدراية والكفاءة ما تتطلبه مهمة كهذه، يفترض بها ليس التعامل مع أجهزة نظام مخادع ومجرم وحسب، بل والانتشار أيضاً على مساحة البلاد السورية بأكملها.

بيد أن هناك مشكلة أخرى تطرحها مهمة المراقبين. إذ كان المفترض، قبل التعديلات، أن تتشكل فرق المراقبين من عرب ومن أبناء دول صديقة. وقد يبدو قصر المهمة على مواطنين عرب فضيلة من نوع ما، طالما أن الجامعة العربية وافقت النظام السوري على أن يتعهد عرب فقط مهمة مراقبة الشأن العربي السوري. ولكن الجامعة العربية لم تنشر قائمة تفصيلية للمراقبين المرسلين إلى سورية أو سجلهم الوظيفي. والشخصية الوحيدة التي قامت وسائل الإعلام، وليس مؤسسة الجامعة، بالبحث في سجلها العملي هي شخصية رئيس بعثة المراقبين، الجنرال والإداري والدبلوماسي السوداني السابق، الذي اتضح أن شبهات تحيط بفترة عمله في منطقة دارفور. قد تعني هذه الشبهات شيئاً، أو لا. ولكن اسئلة لا بد أن تثار حول ما إن كان أغلب المراقبين ينحدر أيضاً من سلك البيروقراطية العربية، المدنية والعسكرية. إذ بغض النظر عن القيمة الشخصية لكل من المراقبين، ليس ثمة شك أن المعايير القيمية للبيروقراطية العربية، التي نشأت في ظل، ومارست العمل مع، وارتبطت بأنظمة الحكم العربية خلال نصف القرن الماضي، كل الأنظمة العربية تقريباً، هي معايير منخفضة إلى حد كبير.

القضاة الذين اعتادوا التعايش مع جرائم التعذيب والاغتيال، والموظفون الذين عملوا في أوساط رسمية موبوءة بالاختلاس والنهب، والعسكريون الذين شاركوا في أو صمتوا على جرائم كبار الضباط ورجالات الحكم، حتى إن لم تتوفر أدلة كافية لتوجيه تهمة ما لهم، كما هو حال سجل رئيس المراقبين في دارفور، لا تتوفر لديهم الحساسية الكافية لرؤية الجرائم التي يرتكبها النظام السوري ضد شعبه. هذا، فوق أن بعض المراقبين، وربما ليس كلهم، يتصرف من البداية وكأنه يمثل الدولة التي ينتمي إليها، وليس الضمير العربي، الذي يفترض أنه القوة التي أسست لمهمة الرقابة. وليس من الخفي أن عدداً ملموساً من الدول العربية لا يريد للشعب السوري أن ينتصر ولمطالب ثورته أن تتحقق. فريق المراقبين العرب، باختصار، يعاني من قصور فادح، سواء على المستوى القيمي أو على المستوى العملي الإجرائي. وسيتطلب الأمر معجزة لأن ينجح الفريق في تحقيق مهمته، مهمة وقف العنف الذي يمارسه النظام ضد الشعب، ووضع حد لمسلسل الموت والاعتقال، خاصة أن التصريحات الصادرة عن الجنرال رئيس البعثة لا تبشر بخير كثير.

خيبة الأمل المتزايدة من إمكانية أن يثمر الجهد العربي، وأن يستطيع الجسم العربي الرسمي، ممثلاً في الجامعة العربية، إيجاد مخرج من الأزمة، جعل خلافات المعارضة السورية أكثر حدة مما كانت عليه في أي وقت مضى، منذ تشكلت هيئة التنسيق والمجلس الوطني، الجهتان الرئيسيتان لقوى المعارضة. ليس ثمة خلافات أيديولوجية بين الهيئة والمجلس، فكلاهما تشكل من إئتلاف قوى متنوعة في خلفياتها الفكرية. كانت الخلافات منذ البداية سياسية، تتعلق بشكوك قوى المجلس الوطني في حقيقة موقف الهيئة من النظام وتصورها للمدى الذي يجب أن تذهب إليه عملية التغيير في سورية، وشكوك قوى الهيئة في حقيقة موقف المجلس من التدخل الأجنبي. ولأن شيئاً من هذه الشكوك لم يتبدد، فقد ثارت مسائل الخلاف من جديد في الاتفاق الذي وقعه رئيس المجلس برهان غليون مع قيادي الهيئة في الخارج هيثم مناع، والذي حسم الموقف من التدخل الخارجي، تحدث عن حماية المدنيين السوريين بلغة حقوق الإنسان، تجنب الاعتراف بالجيش السوري الحر ودور عناصره في حماية الشعب وثورته، وأوحى بشيء من تقاسم الحصص في سورية ما بعد النظام الحالي.

تجاهل الجيش السوري الحر، مهما كانت المبررات السياسية خلف هذا التجاهل، لم يكن أمراً واقعياً، بالتأكيد. فكيف يمكن التغافل عن واحدة من أبرز تطورات الثورة السورية، والتعامل معها وكأنها مجرد أزمة ضمير. كما أن تضمين الاتفاق كل هذه التفاصيل حول المرحلة الانتقالية، وكأن التغيير في سورية سيحدث غداً، بدون التطرق ولو لتصور عام لكيف يمكن أن يحدث التغيير، هو بعض من الملاحظات الهامة التي لا بد أن يثيرها الاتفاق. ولكن المدهش أن هذه المسائل لم تستدع الكثير من الجدل. ما استدعى الجدل كان مسألة التدخل الخارجي، التي ما كان للطرفين التطرق إليها أصلاً. أولاً، لأن ليس ثمة من مؤشر على أن أياً من الأطراف الدولية أو الإقليمية يعد لتدخل عسكري مباشر في سورية. وثانياً، لأن التدخل، إن وقع يوماً، فلن يحتاج موافقة هيئة التنسيق والمجلس الوطني، ولن توقفه معارضتهما. الطرف الوحيد الذي يمكن أن يحسم بالفعل مسألة التدخل الخارجي، رفضاً أو استدعاء، هو النظام وسياساته. وأن يتوقف تحقيق تفاهم عريض بين قوى المعارضة السورية على الموقف من مسألة فرضية، هو بالتأكيد خطأ سياسي جسيم. ليس ثمة شك، بالرغم من حجم الجريمة الهائلة التي ترتكب في سورية، أن التدخل الخارجي يحمل مخاطر جمة على مستقبل سورية وعلى دورها وموقعها. وإن كانت جموع السوريين تطالب، بين آونة وأخرى، بحماية دولية، فلأن النظام واستباحته دماء شعبه قد دفعهم إلى ذلك.

فما الحل إذن؟ الحل أن تبذل الجهود من أجل إنجاح المبادرة العربية، أن تتمكن بعثة المراقبين العرب من إيقاف القتل اليومي وتحرير المعتقلين، وأن يتوفر للسوريين مناخ آمن للتعبير عن إرادتهم.

والحل في النهاية، أن تتخذ الجامعة العربية، في حال أصر النظام على سياسة الحرب ضد شعبه، قراراً بتدخل عسكري عربي في سورية، يشارك فيه من يرغب من الاطراف العربية، تماماً كما قادت مصر تدخلاً عربياً لحماية الكويت في مطلع الستينات، وقادت سورية نفسها تدخلاً عربياً لوقف الحرب الأهلية في لبنان في منتصف السبعينات.

التدخل العربي العسكري المباشر في دولة عربية أخرى ليس بدعة، وربما تكون سورية اليوم أحوج ما تكون لمثل هذا التدخل. بعد مرور ما يقارب الشهور العشرة على انطلاقتها، على العرب أن يؤمنوا أن سورية تشهد ثورة شعبية عارمة، وأن السوريين ليسوا في وارد العودة عن ثورتهم بدون تغيير حقيقي وعميق في نظام حكمهم، تغيير يعيد لسورية والسوريين الكرامة والحرية. تدخل عربي فعال، أو حرب أهلية، تمتد ذيولها لتطال المجال العربي المشرقي كله، أو تدخل أجنبي، يخرج سورية لفترة مديدة من خارطة القوة في المشرق. بغير ذلك، لن يفهم موقف الجامعة العربية ودولها إلا كفرصة لأن يوقع النظام السوري الهزيمة بشعبه، مهما كان عدد الضحايا.

' كاتب وباحث عربي في التاريخ الحديث

=================

المعارضة السورية ولبنان

الخميس, 05 يناير 2012

حسان حيدر

الحياة

لا يختلف اثنان في أن لبنان هو البلد الأكثر تأثراً بما يجري في سورية، سلباً وإيجاباً، مثلما هي حاله منذ قيام نظام الأسد في دمشق وطموحه الدائم، في السر والعلن، إلى إخضاع جاره الصغير وإلحاقه بسياساته وتحالفاته، ودفع بيروت إلى التماهي مع معاييره ابتداء بالتفاصيل البسيطة ووصولاً إلى المفاهيم السياسية العامة، وما بينهما من أمن وسيادة واقتصاد.

ولم يتغير هذا السلوك خلال الأزمة المصيرية التي يمر بها النظام السوري، بل إن حاجته إلى حلفائه وأزلامه اللبنانيين ازدادت لإظهار انه ليس وحيداً ومعزولاً في صراعه للبقاء، فراح يحرك هؤلاء ويقوّلهم ما ينسجم مع دفاعه عن بطشه ورفضه النزول عند رغبة مواطنيه الجامحة في التغيير، تارة عبر التهديد بأن سقوطه سيعني انهياراً إقليمياً واسعاً لن ينجو منه لبنان، وطوراً عبر إلصاق تهمة التطرف والإرهاب بالمحتجين.

لكن هذا الاستخدام القديم والمتجدد ل «التابع» اللبناني لم يثر لدى المعارضة السورية حتى الآن أي موقف من قضية العلاقة بلبنان وتفرعاتها، باستثناء ما نقل عن رئيس المجلس الوطني برهان غليون بأنه سيعمد بعد انتصار الثورة السورية إلى قطع العلاقة مع «حزب الله» وإيران بسبب دفاعهما عن نظام بشار الأسد ومده بوسائل القمع. لكن هذا الموقف يبقى في إطار رد الفعل على ظرف محدد ولا ينم عن سياسة بعيدة الأمد.

وليس من الافتراضي على الإطلاق سؤال المعارضة السورية، باختلاف فصائلها، عن موقف واضح من مستقبل العلاقة مع لبنان، ذلك أن النظام السوري بات في حكم الساقط، وقد تستغرق المسألة أسابيع أو أشهراً قليلة، لكن مصيره صار محسوماً ولن تغير فيه التصريحات المتفائلة التي تنفرد بها أبواقه اللبنانية والمواعيد التي تضربها لخروجه «سالماً».

وليس من المبكر القول إننا لم نسمع من المعارضة السورية قولاً حاسماً في استقلال لبنان والاعتراف بحدوده وبكيانه وطناً نهائياً لأبنائه، بما يقطع تماماً مع السلوك السوري القائم منذ أربعة عقود وما جره من تبعات مأسوية على لبنان، وبما يعطي اللبنانيين الأمل باحتمال تخلصهم الناجز من كابوس الوصاية على نظامهم وسياساتهم ومؤسساتهم الدستورية، والتدخل في شؤونهم الكبيرة والصغيرة، وطي صفحة الاغتيالات السياسية والتفجيرات الأمنية بالواسطة، ووقف التعامل مع سياسييهم كأنهم دمى تحركها دمشق متى شاءت وكيفما شاءت.

يريد اللبنانيون، أو على الأقل الغالبية العظمى منهم، أن يسمعوا كلاماً مطمئناً بأنه لن يتم استبدال وصاية بأخرى أو اتباعاً بآخرين، وأن لبنان سيترك لشأنه ليقرر أبناؤه ما يريدون لوطنهم، وأن التحالفات العابرة للحدود ستتوقف، والتسليح العابر للحدود سينتهي إلى غير رجعة، وأن بإمكان الدولة اللبنانية ترسيم حدودها النهائية ورسم سياساتها المستقلة من دون تهديد ولا وعيد.

سيكون على المعارضة السورية إثبات أنها تقف على مسافة واحدة من جميع اللبنانيين حتى لو كانت تلقى تأييد قسم منهم حالياً، وأنها قادرة على تخطي «المزاج الشعبي» السوري النازع إلى التقليل من شأن لبنان المستقل. وسيكون مفهوماً أن بعض اللبنانيين ممن اعتادوا سلوك طريق الشام سيشعرون باليتم عندما تتغير سورية، وسيسعون إلى تعويض «خسارتهم» بإثارة الضجيج وربما اكثر، لكن الأكيد انهم لن يستطيعوا إعادة الزمن إلى الوراء.

=================

الحزب لم يقرأ الرسائل

الخميس, 05 يناير 2012

غسان شربل

الحياة

أول رد فعل على الإعلان عن عقد المؤتمر القطري الحادي عشر لحزب «البعث» الحاكم في سورية في شباط (فبراير) المقبل هو أن الحزب تأخر كثيراً وسبقته الأحداث. وما كان للاحتجاجات التي تشهدها سورية أن تقع وتؤدي إلى إغراق مناطق كاملة في القمع والعنف والدم لو كان الحزب لا يزال موصولاً بمشاعر الناس العاديين فضلاً عن التحولات التي ضربت المشهدين الإقليمي والدولي.

لا شك في أن الأحزاب تُصاب بما يُصاب به الأفراد. تكبر وتشيخ وتتكلس وتستعذب النوم على حرير المفردات القديمة وشبكة المصالح الراسخة. وفي مثل هذه الأحوال تتحول كل دعوة إلى المراجعة والتغيير نوعاً من الخيانة والتجديف لا بد من وأدها في مهدها. يُضاعف من التعقيد أن يستولي بارونات الأمن بمخاوفهم وتشددهم على مفاصل صنع القرار في الحزب الذي يتحول آنذاك آلة بيروقراطية للتوظيف والامتيازات وإنتاج الوزراء والنواب على قاعدة الولاء المطلق والوفاء الأعمى. وما أصاب الحزب في سورية أصاب أيضاً الكثير من الأحزاب التي حكمت في دول قريبة وبعيدة بزعم احتكار الوطنية والحقيقة والحلول.

يمكن القول إن الحزب في سورية لم يقرأ الرسالة التي وجهها انهيار جدار برلين واندحار الاتحاد السوفياتي وتواري المعسكر الاشتراكي. فقبل أن تكون تلك التطورات هزيمة لدول كانت هزيمة لنموذج بمنطقه وآلياته وتلاوينه. الرد الوحيد جاء من الرئيس حافظ الأسد بقراره المشاركة إلى جانب التحالف الدولي في حرب تحرير الكويت. أنقذ الأسد يومها بلاده من العزلة وبعث برسالة مفادها أن سورية ليست أسيرة علاقتها بموسكو وطهران وأنها قادرة على التحاور مع أميركا والتفاوض مع إسرائيل والاحتفاظ بروابطها مع الاعتدال العربي. لم يقم الحزب من جانبه بقراءة عميقة للأحداث ولم يخرج باستنتاجات.

في بداية القرن الحالي أضاع الحزب فرصة كبرى. لو أحسن التعامل مع «ربيع دمشق» لما وقعت البلاد على هذا النحو في «الربيع العربي». كانت مطالب «ربيع دمشق» محدودة ولا تتخطى السعي إلى فتح النوافذ. وكان النظام قوياً ومستقراً ويستطيع الاتكاء على شعبية الرئيس الشاب لتقديم تنازلات محدودة توسع فرص التعبير وتقلص سطوة الأمن على الحياة اليومية للناس وتسمح بتسلل قطرات من الدم الجديد إلى الدولة والحزب. أجهضت الشبكة الأمنية - الحزبية الفرصة وفرحت بانتصار سيؤدي إلى تعزيز الاحتقان في المجتمع وهو ما ساهم في الانفجار الحالي.

سيعيش الحزب في سورية امتحاناً صعباً مع الغزو الأميركي للعراق. مواجهة الغزو الأميركي ستدفع سورية إلى تسهيل مرور «الجهاديين» إلى الساحة العراقية مع ما لذلك من أثمان في الداخل والخارج. ستتحالف دولة الحزب لاحقاً مع القوى التي رعت اجتثاث البعث العراقي.

وتحت لافتة المقاومة والممانعة سيتحالف الحزب مع تنظيمات إسلامية في الدول المجاورة محتفظاً بعدائه المطلق لإسلاميي الداخل ومن دون أن يتسامح مع القوى الديموقراطية والليبرالية. ويمكن القول إن الحزب لم يتنبه تماماً للخلاف السنّي - الشيعي في المنطقة والذي ساهم في مفاقمته أسلوب إعدام صدام حسين واغتيال رفيق الحريري ولم يتنبه للحساسيات الداخلية حيال الذهاب بعيداً في التحالف مع إيران. كما لم يتنبه للرسائل المتضمنة في طي صفحة الحزب الواحد وتكرار توجه الناخبين العراقيين والأتراك واللبنانيين إلى صناديق الاقتراع في انتخابات غير مطبوخة النتائج سلفاً.

لا شك في أن جهوداً بذلت على الصعيد الاقتصادي ورافقها حديث عن استيحاء التجربة الصينية من دون الالتفات إلى الفوارق وهي كبيرة. وفي هذا السياق أقر المؤتمر السابق للحزب في 2005 مسألة الانتقال من الاقتصاد الموجه إلى «اقتصاد السوق الاجتماعي». لكن الأكيد هو أن هاجس الدور الإقليمي والخوف من أثمان التغيير تقدما في سلم الأولويات.

حين يعقد المؤتمر الجديد للحزب سيواجه المشاركون سؤالاً صعباً سعوا طويلاً إلى تفاديه. إنه السؤال عما إذا كان لا يزال ممكناً إنقاذ سورية من دون تنازل الحزب عن المادة الثامنة من الدستور التي جعلته منذ 1963 «الحزب القائد للدولة والمجتمع». الجواب معروف. وليت الحزب قدم مثل هذا التنازل في بداية الاحتجاجات وأرفقها بتشكيل حكومة وحدة وطنية برئاسة شخصية غير حزبية.

في أي حال القراءة المتأخرة للرسائل تبقى أفضل من الاستمرار في رفض قراءتها خصوصاً أن الاحتجاجات المفتوحة بعثت برسائل قاسية لا يمكن تجاهلها.

=================

السوريون وأسئلة المبادرة العربية اليوم

الخميس, 05 يناير 2012

أكرم البني *

الحياة

عبارات التشكيك المفعمة بمشاعر القلق والأسى والتوجس هي ما تسمعه من غالبية السوريين في حديثهم عن المبادرة العربية وعن بعثة المراقبين التي بدأت تجوب بعض المدن للتحقق من التنفيذ...

تشكيك البعض بجدية الجامعة العربية وصدقيتها، يصل أحياناً إلى حد الطعن بأهليتها واتهامها بالتواطؤ مع النظام، ودليلهم ميوعة سياساتها ومرونتها الكبيرة في التعاطي مع الحالة السورية، بدءاً بتأخرها في اتخاذ موقف حازم، ثم تباطؤها وتكرار منح المهل بذريعة الطمع في كسب موافقة النظام، الذي استغلها على أفضل وجه كي يطلق يده قمعاً وتنكيلاً، واستدراكاً الطعن بأهلية رئيس بعثة المراقبين وأنه مدان بانحيازه الى هذا النوع من الأنظمة الاستبدادية كما كان انحيازه الى نظام عمر البشير وإرتكاباته، زادت الطين بلة تصريحاته المتعجلة عن أوضاع مطمئنة في سورية وعن تعاون جيد من السلطات لتسهيل عمل البعثة، وكأنه يتقصد تغطية استمرار قمع الاحتجاجات وإطلاق الرصاص على المتظاهرين والتحايل على سحب الآليات العسكرية والقوى الأمنية من شوارع المدن والبلدات المحاصرة، أو تمرير تغافل النظام في إطلاق المعتقلين والسماح لوسائل الإعلام بالوجود ونقل الأحداث بحرّية!

والتشكيك أيضاً، في حال افترضنا النيات الصادقة، بقدرة الجامعة العربية في إجبار السلطات السورية على الإيفاء بالتزاماتها، في إشارة إلى عجز ناجم عن خصوصية قرارات هذه المؤسسة العربية، التي تصنعها إرادات رسمية لن ترقى برأي المشككين إلى القطع مع النظام الحاكم والانحياز التام الى مطالب السوريين، وربما في إشارة إلى تفهّم أن ما تقوم به الجامعة العربية هو تجربتها الأولى على صعيد مهمة التدخل الإنساني وحماية المدنيين ولا تملك الخبرة والآليات المناسبة لتحقيق هذا الهدف بصورة ناجحة.

ثم تشكيك آخرين بصدقية السلطات السورية في تنفيذ المبادرة وهي التي أُكرهت على قبولها ولا تملك لإدارة أزمتها غير خيارها الأمني، وأنه لولا جديد موقف موسكو ومشروعها المفاجئ في مجلس الأمن والذي فسر كتحذير للنظام بأن ليس ثمة فيتو روسي بعد الآن، ولولا قرار مجلس الجامعة العربية وتهديده بإحالة الملف السوري إلى التدويل، لما كان ثمة جديد في موقف النظام السوري من المبادرة العربية، ولما شهدنا سرعة في التوقيع على البروتوكول القاضي بإرسال بعثة مراقبين! ما يعني أن إظهار الرضوخ والقبول بالمبادرة ليس أكثر من محاولة لشراء الوقت كي تتوغل السلطات أكثر في القمع بدليل الحملات الأمنية المتواترة في غير مدينة ومنطقة بعد وصول طلائع المراقبين العرب، والرهان على خبرتها في تمييع هذه المبادرة وإفراغها من محتواها، كإشغال فريق المراقبين بالتفسيرات الصغيرة وإغراقهم في التفاصيل بغية احتواء مهمتهم وتعطيل دورهم.

وأول الغيث في لعبة التفاصيل كان التمييز بين مشروع المبادرة والبروتوكول، وأن التوقيع على هذا لا يعني الموافقة على تلك، ما يسمح للسلطات السورية بالمناورة والاكتفاء بالسماح لبعض المراقبين في التجوال، من دون اشتراط البدء بتنفيذ بنود المبادرة وحزمة الإجراءات المطلوبة، كوقف العنف فوراً وسحب الآليات العسكرية وإطلاق المعتقلين والسماح بدخول الإعلام وبالاحتجاجات السلمية. ومن هنا سيحاول النظام كعادته الالتفاف على المبادرة واستخدامها كستار للذهاب أبعد في الحسم الأمني، وقد بدأ بالفعل سلسلة من الإجراءات لربح هذه الجولة منها تخويف أعضاء البعثة من الحركة من دون حماية رسمية، ثم تبديل أشكال الحضور العسكري في المناطق الساخنة، كتغيير لباس الجنود وطلي بعض الآليات بلون مغاير للادعاء أنها جزء من قوات حفظ النظام وإخفاء بعضها الآخر في ساحات المؤسسات الرسمية، ومنها نقل ألوف المعتقلين إلى مواقع يحظر الدخول إليها لدواعٍ أمنية، كالثكنات العسكرية وغيرها، فضلاً عن توجيه حركة البعثة نحو أماكن آمنة لإقناعها بعدم وجود اضطرابات، والتشويش على عملها بزج عشرات المؤيدين للتحدث باسم الناس عن استقرار الأوضاع وعن وجود مسلحين وعصابات تعيث قتلاً وتدميراً!

في المقابل لا تخلو الساحة من آراء تنظر بإيجابية إلى المبادرة العربية، مرة، لأن انتشار المراقبين يفقد النظام حرية الحركة ويكبل يديه نسبياً في قمع المدنيين، ويشجع الناس وبخاصة المترددين منهم على التظاهر وتوسيع هامش حركتهم واحتجاجاتهم، ومرة لأن جولات المراقبين وتواصلهم مع الأهالي والمتضررين تسرع نسف الرواية الرسمية عن المؤامرة والعصابات المسلحة، وهو ما دشنته تصريحات بعضهم عن رؤية قناصة على أسطح المنازل، وشهاداتهم بإطلاق النار في غير مكان على المدنيين العزّل ونفي وجود مسلحين بين المتظاهرين!

ومرة ثالثة، لدور يلعبه هؤلاء المراقبون مع انتشارهم في المناطق الساخنة في تعزيز الوجه السلمي للانتفاضة السورية ودعم وسائلها المدنية وخطة الإضراب العام، وتجنيبها تالياً خطر الانزلاق نحو العسكرة، بخاصة وقد كثرت الأصوات التي تعلن إفلاس النزعة السلمية واستحالة إسقاط السلطة بغير القوة والعنف، ربما بسبب تواتر الانشقاقات العسكرية، أو لجوء بعض الجماعات الأهلية إلى السلاح لحماية أنفسهم، والأهم بسبب ضعف وتباطؤ ردود الأفعال الخارجية المساندة، بما في ذلك دور الجامعة العربية!

ومرة، لأن ثمة من يعتبر الفشل في امتحان التعريب، هو المعبر الناجع نحو التدويل وتسهيل الحصول على قرار أممي بشأن سورية، وأن التقدم بمبادرة عربية كمشروع إلى مجلس الأمن، بعد أن سد النظام المنافذ أمامها، هو أقوى بكثير وأكثر إحراجاً للدول الرافضة من مشاريع تقدمها دول أوروبية، ومع اعتراف أصحاب هذا الرأي بأن الممر العربي هو ممر إجباري وأقل ضرراً إن نجح في معالجة الحالة السورية والوصول إلى نتائج ترضي طموحات الناس، يعولون على النظام وإصراره الأعمى على الحسم الأمني، في إفشال الدور العربي وفتح الباب على احتمال التدويل. والنتيجة، إذ يعني قبول النظام بالمبادرة العربية إعلان هزيمة لمشروعه الأمني وبرهاناً، في عيون مؤيديه، على عجزه وأنه ليس كلي القدرة، فهو تشديد على نجاح الانتفاضة ورسوخ أقدامها، وعلى أن تضحياتها الغالية لم تذهب هدراً، وأن الزمن الذي صار يصب في مصلحتها، كفيل بالإجابة عن السؤال: هل يتمكن البيت العربي من تخفيف آلام المرحلة الانتقالية ووضع بلادنا على سكة التغيير الديموقراطي، أم يغدو فشله فرصة لوضع قضية التدويل على صفيح ساخن!

* كاتب سوري

=================

ماذا يفعل المراقبون العرب؟

ديانا مقلد

الشرق الاوسط

5-1-2012

خرج الأمين العام للجامعة العربية، نبيل العربي، ليقول إن الدبابات السورية انسحبت من المناطق السكنية في المدن الساخنة، لكن عمليات القنص والقتل مستمرة. تصريح بدا بمثابة صك براءة منح للنظام السوري مجانا في حين لا يزال القتل يستمر بمعدل لا يقل عن ثلاثين شخصا في اليوم.

بعد ساعات قليلة على كلام العربي، ظهرت صور فيديو لناشطين سوريين تبين أن الدبابات في حمص مثلا لا تزال منتشرة، وأن شبيحة النظام ما زالوا في الطرقات، أما سيل الصور الأخرى لجثث وضحايا باتوا يسقطون باللحظة فهو أيضا استمر بوتيرة عالية لم تخل أيضا من مشاهد ضرب وتعذيب لمواطنين.

وللحقيقة فإن الأسبوع الأول من عمل بعثة المراقبين العرب إلى سوريا حمل كمّا من الصور والمشاهد التي تثير إلى جانب القلق الكثير من التساؤلات. فما مغزى وقوف بعض المراقبين العرب يلتقطون الصور أمام جثث أطفال مسجين في منزل أو أمام ضحايا تعذيب، أو التقاط صور لهم خلال لقاءات مع سوريين ذاقوا ما لا يطاق يشكون لهم ما عانوه، أو مشاهدتهم في الشوارع مع مواطنين ومحتجين، بينما نسمع أصوات إطلاق رصاص فوقهم؟

هذه الصور إن لم تكن لها وظيفة الجهر والتوثيق والإدانة فما قيمتها؟

هي حتما ليست دليل نجاح مهمة بعثة المراقبة ولا الحملة المضحكة التي يشنها الإعلام السوري على أفراد بعينهم من المراقبين من خلال روايات وقصص بوليسية تعني أن مهمة البعثة قد أنجزت، وأن هذه البعثة قد وصلت إلى الحقائق الكاملة، أو أنها سمحت لصورة المشهد السوري أن تصل إلى العالم. وهذه الصورة إن وصلت فهي وصلت بفضل عذابات السوريين ونضالهم لإيصال حجم معاناتهم وكمّ القسوة والعنف الذي يتعرضون له.

لهذا فليس تفصيليا أن يخرج نبيل العربي ويعلن بلهجة منتصرة أن النظام السوري وافق على دخول 130 وسيلة إعلام، لكنه فقط لم يسمح لثلاث وسائل هي «العربية» و«الجزيرة» و«فرانس 24»، وكأن ذلك هو أمر تفصيلي.

هؤلاء المراقبون العرب دخلوا إلى بلد مطوق وموصد في وجه الصحافة منذ أكثر من تسعة أشهر، وهو مقفل في وجه كل محاولات نقل حقيقة ما يجري إلى العالم، وليس تفصيليا أنه منذ وصول بعثة المراقبين إلى سوريا تجاوز عدد القتلى ال200.

ماذا يفعل المراقبون العرب في سوريا؟

بعد أكثر من أسبوع على بدء مهمة هؤلاء المراقبين المكلفين من قبل جامعة الدول العربية برصد وتقصي الحقائق لا تبدو الإجابة عن السؤال بديهية، فمواقف البعثة على ما عبر الأمين العام تبدو متناقضة وغير حاسمة ومترددة في الكثير من المواقف، ولم تأت بجديد على صعيد كشف الحقائق أو على صعيد السماح لوسائل الإعلام بنقل ما يجري في سوريا.

إذن، ليس الإعلام من تعجل في تقييم مهمة المراقبين، على حد ما قال الأمين العام للجامعة العربية..

=================

لهذا تأخر الحسم وصمد النظام السوري كل هذه الفترة!!

صالح القلاب

الشرق الاوسط

5-1-2012

ليست هذه الحالة مقتصرة على الثورة السورية وحدها، بل إن كل ثورات الربيع العربي قد فاجأت شعوبها وفاجأت الحكام الذين استهدفتهم والأنظمة التي أطاحتها وهي تتشابه في أنها تفجرت من دون قيادات مخططة ومن دون قوى منظمة ومن دون تصورات مسبقة وأيضا في أن الذين اتخذوا موقفا انتظاريا في البدايات ليتأكدوا من إمكانيات الفوز ما لبثوا أن قفزوا إلى واجهة الأحداث ليقطفوا ثمار كل هذا الذي جرى وليفوزوا بصناديق الاقتراع وحقيقة أن هذا مرت به ثورات كثيرة عبر التاريخ القريب والبعيد. وهنا فإن الإنصاف يقضي بضرورة الإشارة إلى أن «الإخوان المسلمين» السوريين يختلفون عن إخوانهم المصريين وعن إخوانهم التونسيين، هذا إذا اعتبرت حركة النهضة بقيادة راشد الغنوشي جزءا من هذه العائلة «الإخوانية»، في أنهم كانوا جزءا من الثورة السورية منذ انطلاق شرارتها الأولى في الخامس عشر من مارس (آذار) العام الماضي، إذ إن لهم بالأساس تجربة تختلف عن تجارب الآخرين، وإذ إن بعض الذين من المفترض أنهم إخوانهم قد تخلوا عنهم في محنتهم التي استمرت لأعوام طويلة وانحازوا إلى هذا النظام الأسدي وإلى إيران، بحجة أن هناك حلف «ممانعة ومقاومة» وأن حركة حماس، والتي هناك تقديرات ومعلومات بأنها ستتحول إلى حزب سياسي فلسطيني بعدما فكت علاقاتها التنظيمية بتنظيم بلاد الشام الإسلامي وأصبحت فرعا من فروع التنظيم العالمي لهذه الجماعة الإسلامية، كانت جزءا من هذا الحلف مثلها مثل حزب الله اللبناني بقيادة حسن نصر الله.

ولعل ما يشير إلى أن «إخوان» سوريا ربما يتمتعون باستقلالية سياسية وتنظيمية عن «إخوان» مصر و«إخوان» الأردن وأيضا عن «إخوان» بلاد الشام والتنظيم العالمي ل«الإخوان المسلمين» أن لهم علاقات مميزة بحزب العدالة والتنمية بقيادة رجب طيب أردوغان، وأنه لم يسجل عليهم أي موقف رافض للتصريحات التي كان أدلى بها رئيس الوزراء التركي في آخر زيارة له إلى القاهرة، والتي روج فيها لضرورة «علمانية» الدولة، وهي التصريحات التي ووجهت ليس بالرفض فقط وإنما بالشتائم والاتهامات من قبل «الإخوان المسلمين» المصريين وأيضا من قبل بعض قيادات «الإخوان المسلمين» الأردنيين.

والواضح حتى الآن أن «إخوان» سوريا الذين لم يبدر عنهم أي ادعاء بأنهم هم الذين يقودون الثورة السورية أو أنهم هم الذين يشكلون عمودها الفقري، ستكون لهم تجربة مختلفة عن تجربة «إخوان» مصر وتجربة حركة النهضة التونسية في حال انتصار الثورة السورية التي ستنتصر بالتأكيد، وأنهم سيقفون مع الآخرين من قوميين ويساريين ووطنيين مستقلين على أرضية الشراكة في كل شيء والسعي منذ اللحظة الأولى إلى الانخراط في تجربة مميزة عنوانها إقامة نظام ديمقراطي على أساس الاحتكام إلى صناديق الاقتراع وأن تكون الدولة البديلة الجديدة دولة حريات عامة ودولة مواطنة حقيقية ودولة عمليات بناء يشارك فيها السوريون جميعهم بكل توجهاتهم والتزاماتهم التنظيمية والسياسية وبكل طوائفهم وانتماءاتهم المذهبية والإثنية.

إن سوريا بتجربتها الطويلة منذ أول انقلاب عسكري في نهايات عقد أربعينات القرن الماضي وإلى أن انتهى الحكم إلى عائلة «الأسد» التي استبدت بهذا البلد العريق وبشعبه المتميز لأكثر من أربعين عاما لا يمكن أن تقبل باستبدال نظام ديكتاتوري يرفع شعار الوحدة والحرية والاشتراكية بنظام حزب أوحد آخر ولكن بشعارات دينية ترفض التغيير ولا تقبل النقاش والمؤكد، وهذه مسألة بالإمكان اعتبارها محسومة، أن الشعب السوري بعد كل هذه المعاناة وبعد كل هذه المآسي وبعد كل هذه التضحيات وكل هذه الأعداد من الشهداء والجرحى والمفقودين لن يقبل بأقل من تجربة ديمقراطية حقيقية ولا بأقل من دولة علمانية - مدنية فعلية ولا بألا تكون دولته التي حلم بها لنحو قرن بأكمله لكل مواطنيها بغض النظر عن ميولهم والتزاماتهم السياسية وعن انتماءاتهم العرقية والإثنية والطائفية والمذهبية والدينية.

ويبقى، ونحن بصدد الحديث عن واقع الثورة السورية ومستقبل سوريا بعد انتصار هذه الثورة التي ستنتصر حتما بإذن الله ومشيئته، أنه لا بد من التوقف عند الأسباب التي جعلت نظام بشار الأسد يصمد كل هذه الفترة التي باتت تقترب من العام الكامل في حين أن نظام زين العابدين بن علي قد انهار خلال أسابيع قليلة، وأن نظام حسني مبارك لم يصمد في وجه ميدان التحرير في حقيقة الأمر إلا لأيام معدودات، وأن نظام القذافي، ملك ملوك أفريقيا، الذي كانت بعض التوقعات تشير إلى أنه سيصمد لفترة أطول بحكم عوامل قبلية وجهوية وجغرافية كثيرة، قد انهار بطريقة كارثية، وأن «الأخ قائد الثورة» قد انتهى بطريقة مأساوية خلافا للطريقة التي انتهى بها رئيس جارته الشرقية ورئيس جارته الغربية.

هنا لا بد من إيراد ملاحظة والتوقف عندها وهي أن القوات المسلحة إن في تونس وإن في مصر قد بادرت إلى حسم موقفها بسرعة بالانحياز إلى الثورة هنا وهناك وذلك إلى حد أنه يحلو للبعض القول إن ما جرى في مصر ضد حسني مبارك كان انقلابا عسكريا استغل منفذوه ما تعرض له شبان ميدان التحرير من بطش أجهزة النظام السابق و«بلطجيته» وقواته الأمنية وأنه لو لم تتحرك القوات البرية التونسية وتحسم الأمور وتضع بن علي وزوجته في طائرة وترسله إلى اللجوء السياسي لما انتهى الأمر بهذه السرعة ولربما استجدت عوامل داخلية وخارجية جعلت الثورة التونسية تستغرق وقتا كالوقت الذي لا تزال تستغرقه الثورة السورية وهذا ينطبق أيضا على الثورة المصرية.

وإن هذا يؤكد وجهة النظر التي تقول إن بنية الجيش المصري وأيضا الجيش التونسي تختلف عن بنية الجيش السوري فهذا الأخير بني على مدى أكثر من أربعين عاما في عهد الأسد الأب وعهد الأسد الابن على أسس طائفية جعلت ولاءه وبالقوة وعلى أساس الأمر الواقع ليس للوطن ولا للشعب للأسف، وإنما لهذا النظام وأهل هذا النظام وجعلت الوطنيين المخلصين من ضباطه وجنوده، يلجأون إلى الانشقاق والفرار وإنشاء «الجيش السوري الحر»، وهذا حرم الثورة السورية من الدعم العسكري السريع الذي توفر للثورة المصرية وللثورة التونسية.. وأيضا وإن بحدود معينة إلى الثورة اليمنية والثورة الليبية. ثم وإن هناك عوامل أخرى غير هذا العامل جعلت الثورة السورية غير قادرة على الحسم السريع وجعلت معاناة الشعب السوري تستمر على مدى كل هذه الفترة منذ مارس العام الماضي وحتى الآن، وربما لفترة قد تطول لسنة كاملة أخرى، من بينها أن الوضع العربي تجاه ما جرى في سوريا ظهرت فيه اختراقات كثيرة وأن إيران ومعها حزب الله وبعض الأطراف العراقية الحاكمة قد دخلت هذه المواجهة منذ اللحظة الأولى، وكل هذا وهناك الموقف الروسي والموقف الصيني اللذان حالا دون إصدار أي قرار فاعل من قبل مجلس الأمن الدولي، وهناك أيضا وأيضا أن هذا النظام قد استكمل الإفراط بالقوة العسكرية والعنف الأمني بألاعيب ومناورات سياسية وضعت المزيد من المبررات في أيدي «المؤلفة قلوبهم» من العرب لقطع الطريق على أن تتخذ الجامعة العربية موقفا حاسما كذلك الموقف الذي اتخذته تجاه ليبيا وتم على أساسه الاستنجاد بحلف الأطلسي لمنع مذبحة في بنغازي كالمذبحة التي تعرضت وتتعرض لها مدينة حمص ومدن سورية أخرى.

إن هذا هو الواقع بالنسبة للثورة السورية، ثم إن هناك من يرى أن تأخر الحسم في سوريا كل هذه الفترة يعود أيضا إلى أن تحول هذا البلد إلى ساحة صراع إقليمي ودولي قد جعل الاتفاق على بديل لهذا النظام وعلى بديل لرئيسه بشار الأسد مسألة في غاية الصعوبة، فإيران تعتبر أن هذه المعركة معركتها وأنه سيتوقف على نتائجها مستقبل دورها الإقليمي في المنطقة كلها وتركيا لديها تخوفات تجاه مستقبل هذه الدولة المجاورة في ضوء واقع المعارضة وفي ضوء التركيبة الطائفية والإثنية القائمة، وأيضا فإن هناك إسرائيل وإن هناك الولايات المتحدة التي يبدو أنها لا تملك وضوح رؤية فعلية وحقيقية تجاه هذا الوضع، وهذا ينطبق أيضا على أوروبا وينطبق إذا أردنا قول الحقيقة على بعض الدول العربية.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ