ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
إشراقات - تجاهل
الديكتاتور + هوية للمجهول د. عيسى العميري الرأي العام 16-1-2012 بعد أن استبشرنا خيراً بخطوة الجامعة
العربية إرسال المراقبين العرب لسورية
بعد توقيعها على بروتوكول الموافقة
على الرغم من أن هذه الخطوة جاءت بعد 9
أشهر من سفك لدماء الأبرياء وتدمير
لمقدرات هذا البلد العزيز على قلوبنا،
تخيل أخي القارئ 9 أشهر لتلقي معلومة
قمع الشعب السوري... وبعد مرور ما يقارب
من منتصف الشهر والمقرر لفترة عمل
هؤلاء المراقبين، إلاّ اننا ولو أردنا
نستعرض انطباعنا بشكل مبدئي على عمل
لجنة المراقبين مع الأخذ بالاعتبار
التقرير الأولي لمراقبي الجامعة...
لخرجنا بالتالي : 1- عدم اقتناع رجل الشارع العادي في الوطن
العربي بالمراقبين. 2- يستخدم هؤلاء المراقبين وسائل غير
فعالة للمراقبة وليس لها قيمة... وتكرر
مشهد المراقبين على شاشات وسائل
الاعلام وهم يسجلون بقلم وورقة لا
أعتقد أن بائع متجول (مع بالغ احترامنا)
يحملها لتدوين مايريده. 3- ورد على شاشات وسائل الاعلام مشهد يظهر
به أحد افراد الشعب السوري الذي تعرض
في ما يبدو للقمع، وهو يشرح لرئيس بعثة
المراقبين ما حصل للموقع الذي هو فيه،
فيما يظهر هذا الأخير عير مبالٍ لما
يقوله هذا المواطن السوري ويسير غير
مهتم. 4 - بشكل عام لا يوجد ما يشجع على أن هذا
الفريق لديه مقومات المراقبة، ولا
نقول الحرفية والمهنية في هذا العمل. 5 - ورد ضمن التقرير الاولي للجنة
المراقبين توجيه دعوة للحكومة السورية
والجماعات المسلحة للوقف الفوري لجميع
أعمال العنف وعدم التعرض للمظاهرات
السلمية، وتفتقد هذه الدعوة صراحة
للمنطقية بحد ذاتها، إذ إنها تساوي بين
القاتل والضحية في الوقت نفسه
وتطالبهما الطلب نفسه. 6 - صرح رئيس البعثة محمد الدابي بأن لجنة
المراقبين تعرضت لمضايقات من جانب
الحكومة السورية والمعارضة، فعلى
افتراض أن هذا التصريح مؤكد 100 في
المئة، فإن هذا داع إلى اتخاذ اجراء
حاسم للفصل في هذا الملف بطريقة فاعلة. وعلى أي حال فإننا نؤكد على ما سبق أن
ذكرناه سالفاً في مقالات أخرى بأننا لا
نرى جدوى تذكر لعمل لجنة المراقبين،
وبناء على جميع المعطيات السابقة
والخاصة حول هذه الأزمة نرى أن يتم
تحويل هذا الملف إلى الأمم المتحدة. وبالحديث عن التدويل أو عدمه، فإن هذا
التدويل قد حدث بارسال مراقبين من دول
عربية عدة... فهذا بحد ذاته يعد تدويلاً
للأزمة بشكل صريح، ويستدعي معه وقف هدر
ونزف الدماء الطاهرة التي تسال يومياً
في هذا البلد العزيز... والله من وراء
القصد. ================= خطاب الأسد: عندما يتحول
الشعب والوطن إلى كلمات! د. علي الخشيبان الرياض 16-1-2012 خطاب الرئيس
الأسد هو محاولة لسد النوافذ الصحفية
التي أطلقها المراقبون العرب عن الوضع
في سورية وخصوصا في المناطق التي
يزورها أعضاء البعثة ، فلم يتوقف مشروع
التبرير عند هذا الحد فقد كان قتل
الصحفي الفرنسي مشروعاً آخر من الرعب
المقصود من أهم الملاحظات الراسخة في ذهني عن جميع
الرؤساء العرب الذين سقطوا في فصل
الربيع العربي أنهم يتحدثون في
خطاباتهم الأخيرة قبل أن يرحلوا أن
الشعب يريدهم ، بل إن بعضهم أكد أن
الملايين سوف تزحف من أجله ، بينما لم
يسألوا أنفسهم أن الشعب لم يأت بهم حتى
يظل راغباً في بقائهم. لا أحد يعلم تحت أي فرضية يمكن أن يقول
رئيس دولة ، شعبُه ثائر عليه منذ قرابة
عام كامل، إن الشعب يريده؟ هذا سؤال منطقي ، ومن الجانب الآخر يجب
التفكير وبشكل كبير بطريقة الحكم على
الشعوب فكيف يصرح رئيس دولة أن شعبه
يرغب فيه بينما يقوم أعوانه بقتل الشعب
بدم بارد في الساحات والميادين؟! بعد خطاب الرئيس بشار الأسد والذي تحدث في
خطابين منفصلين عن الوضع في سورية
تسارعت الأسئلة حول حقيقة الوضع ليس في
الشارع فقط بل حتى في دائرة الحكم وفي
التعبيرات النفسية للنظام ذاته. بغض النظر عن المكان أو اللغة المستخدمة،
وبعيداً عن البحث في مواقع الأمل أو
التشاؤم في خطابه فهناك حقيقة مهمة
لابد وان ننتبه إليها، هذه الحقيقة
تقول الوضع مرعب في سورية أكثر من
الرعب ذاته، وكان ذلك باديا على وجوه
الجميع مراقبين وشعباً ، ولكن الأكثر
رعبا هو ذلك الخوف والقلق الذي ظهر به
الرئيس بشار الأسد في آخر خطابين له
فلم تكن مؤشرات الخطابين سوي صور نفسية
لكمّ القلق والخوف من الوضع الدائر
هناك. الرعب أكده الرئيس نفسه فلقد كانت كلمات
الرئيس غير قادرة على بعث الاطمئنان
على أن هناك بارقة أمل، وتضاعف الاتهام
للمخربين دون إجابة مقنعة من النظام
نفسه ، فكيف ولد الإرهاب، وكيف ولد
المخربون بين عشية وضحاها في دولة تحكم
قبضتها على الشعب وأنفاسهم بيد من
فولاذ؟ لا أحد يشك في أن الشعب السوري وتحت ذريعة
الإرهاب يتعرض للكثير من القتل
والتدمير وفي ذات الوقت يتم تبرير هذا
التدمير بصورة غير منطقية من قبل
النظام، وهذا يعكس ثقافة الحكم في
الكثير من دول العالم العربي حيث يظل
الرئيس ونظامه هما المصدر الإجباري
للحقيقة ولكن كما يبدو أن هناك تحولا
في إمكانية تحقيق هذه الفرضيات مرة
أخرى. التناقضات الصارخة في التصاريح الصحفية
التي يبديها أعضاء بعثة جامعة الدول
العربية لا تبشر بخير حول استمرار
مسلسل القتل للشعب السوري فهم ينقلون
لنا صورة حقيقية عن الواقع، وتناقضُ
تصريحاتهم التي تبين حجم الرعب الذي
يعيشه السوريون يجعل المشهد أكثر
فظاعة مما نتوقع. خطاب الرئيس الأسد هو محاولة لسد النوافذ
الصحفية التي أطلقها المراقبون العرب
عن الوضع في سورية وخصوصا في المناطق
التي يزورها أعضاء البعثة ، فلم يتوقف
مشروع التبرير عند هذا الحد فقد كان
قتل الصحفي الفرنسي مشروعاً آخر من
الرعب المقصود فوسائل الإعلام
العالمية سوف تفهم الرسالة كما فهمتها
جامعة الدول العربية التي عجزت حتى عن
صد إرهاب مرافقيها عندما يتوجهون إلى
مواقع المظاهرات. الخيال العلمي الاستخباراتي لدى النظام
السوري يبدو أنه فقد بعض خصائصه في حبك
القصص البوليسية بطريقة محكمة ، وهذا
ما انعكس في حادثة الصحفي الفرنسي، كل
هذه المؤشرات تعطينا دلالة مؤكدة على
نهاية حتمية للنظام ولكن السؤال يقول :
هل سيكون بشار كالقذافي مقاتلاً حتى
آخر أنبوب لمجاري المياه..؟ لا أعتقد أن بشار يمكن أن يماثل القذافي
فالمعطيات الشخصية مختلفة والطبيب
دائما يفضل النهاية التي يكون سببها
الأدوية، بمعنى دقيق إذا كانت الأدوية
سبباً من أسباب الشفاء فهي كذلك قد
تكون سبباً من أسباب الموت. القضية محسومة ولن تعود سورية النظام كما
كانت ولكن ما ينتظره الشعب السوري هو
عودة سورية العرب حرة إلى شعبها من -
بيت الأسد -، وما هي إلا أسابيع وتبدأ
فصول النهاية بعد معركة التحضيرات
للنهاية والجميع سوف يساهم في تحديد
هذه النهاية لأنها تكتب اليوم بطريقة
واضحة. لماذا يكرر الرئيس الأسد في جميع خطاباته
أن ما يحدث في بلده هو مؤامرة دولية على
سورية بينما لم يكن الثائرون هم من
شعوب (الواق واق) الثائرون هم الشعب
السوري وليس لهم علاقة بمؤامرة دولية
أو محلية فكل ما يرددونه خلال الأشهر
الماضية هو الحرية ورحيل النظام فقط. قال الرئيس الأسد في خطابه نصاً أعتقد انه
كان تحضيرا غير مباشر لما حدث للصحفي
الفرنسي فقد أشار إلى انه سيرعب كل
هؤلاء وان سورية أصبحت ملكا له وليس
أكثر فقد قال في خطابه : "عشرات محطات
التلفزيون والصحفيين في العالم يكرسون
جهودا خاصة لإسقاط سورية من خلال دعاية
كاذبة. هذا هو السبب الذي يجعلني لا
أسمح للصحفيين الأجانب بدخول سورية كي
لا يتجولوا عندنا لفبركة أفعالهم ضدي"..
انتهى كلامه. أما عن الجامعة العربية التي حاولت طوال
الأشهر الماضية الدفاع عن النظام
السوري وكسبت رضا النظام السوري في
مقابل غضب الشارع العربي ، قال الرئيس
بشار الأسد عن هذه الجامعة "هذه ليست
جامعة وليست عربية". المؤشرات تقول إن الأسد سيغادر السلطة
خلال الأسابيع القادمة وسيكون الشعب
السوري حراً، والجيش السوري حراً، هذه
ليست أمنيات ولكنها توقعات قريبة
الحدوث يبنيها خبراء السياسة وروادها
وفقا لما يحدث على ارض الواقع ولكن كم
من التغيرات في المنطقة التي يمكن أن
تبرز نتيجة اختفاء النظام في سورية إذا ما ذهب النظام السوري فسوف يصاب حزب
الله في لبنان بالعمى وسوف تصاب إيران
بالصمم أما العراق فسوف يصاب بشلل نصفي
يعجزه عن الحركة ، حيث من المتوقع أن
يقوم الأصم بحمل الأعمى على كتفيه
وأمامهما عربة المشلول الذي يرى ولكنه
لا يستطيع أن يغير من مسيرة الأصم الذي
لا يسمع شيئا بينما يظل الأعمى فاقداً
للاتجاه يسمع الكلام ولكن لا يعلم أين
مصدره ================= يوسف الكويليت الرياض 16-1-2012 هل يمكن إرسالُ
قوات عربية لسورية، وكيف سيتم تشكيلها
وقياداتها والصرف عليها؟ نقدّر للشيخ حمد بن خليفة آل ثاني دعوته
لحماية الشعب السوري، صحيح أنه في
فترات سابقة طلبت حكومات الكويت
والأردن، ولبنان مثل هذه الدعوة لكن في
ظروف مختلفة، وذهبت بشكل استدعى هذا
التواجد، لكن في الشأن السوري فالأمر
مختلف تماماً، فإذا كان ما يزيد على
مائة مراقب لم يستطيعوا الحصول على
القبول، وتتم مضايقتهم وإطلاق النار
على بعضهم، فكيف ستقبل بتواجد عسكري
عربي لا توافق عليه؟! لا نعتقد أن طبيعة الوضع السياسي العربي
تسمح بتشكيل أي قوة تدخل سريع سواء في
سورية أو غيرها، لأن القناعات مختلفة،
ولايمكن أن تقبل السلطات التضحية
بأبنائها في أجواء محتدمة هناك، ثم إن
السلطة في سورية ستتعامل مع أي جيش
يدخل في مواجهتها، على أنه قوة تدخل
واحتلال، وليس هناك قانون أو تشريع
وافقت عليه دول الجامعة العربية، حتى
مفهوم الدفاع المشترك الذي يعد أحد
بنود نظام الجامعة بقي ضبابياً، وإن
كان موجهاً ضدّ أي اعتداء خارجي، لا
تدخلاً في شؤون دولة عربية.. قرارات اجتماعات الدول العربية التي سبقت
إرسال الإنذارات بما في ذلك إبعاد
عضويتها من الجامعة وسحب السفراء،
والمقاطعة، ثم الاتفاق على بعث
المراقبين، اختُلف حول العديد من هذه
القرارات، والفرق بين اللهجة الساخنة،
والموقف الثابت أن سورية نفسها لم تُعط
الأهمية الكبيرة لقرارات الجامعة تلك
لأنها تعرف مدى عجزها، وانقسام
أعضائها، وبالتالي فعملية أن تأتي
دعوات بفك الحصار عن قتل الشعب السوري
لا تتم بوصفة عسكرية، لأن احتمال رفضها
وارد، وربما هذه المرة بالإجماع،
ومخاطرها أكبر من طرح فكرتها.. تبقى الحلول الأخرى من ترحيل الملف إلى
مجلس الأمن، وهذه المرة، بغطاء عربي
وهو ما يعتبر مشروعاً متأرجحاً، لأن
المخاوف أن يكون ذلك ذريعة لتدخل عسكري
مرفوض من قبل الشعب السوري نفسه بما في
ذلك المعارضة، ويبقى تعزيز جانب
الثوار بدعم مادي أو عسكري فكرة تؤكدها
تركيا وبعض الدول العربية، ومع ذلك
هناك من يراهن على أن الأوضاع في داخل
السلطة بدأت تتأرجح، وقد فسرت معظم
الأوساط السياسية خطاب الأسد بأنه
مبالغة بالثقة، بينما كان يخفي قلقه
واضطرابه الشخصي، وهذا يعني أن تركيبة
الحكم لا تستطيع الاستمرار في القمع
حتى لو وجدت من يناصرها، مثل روسيا
وإيران، طالما تنامي المعارضة،
والانشقاقات في الجيش، والضغوط
الخارجية على الاقتصاد، عوامل قد تفجر
الوضع من داخل النظام.. قضية ما يجري في سورية أمر معقد ويختلف
عما حصل في دول الربيع العربي، ولذلك
فأي مهمة تسعى لأنْ تكون عسكرية،
وعربية تحديداً، لن تصل إلى غايات فك
الحصار على الشعب.. الرهانات كثيرة، والقوى الكبرى تبحث عن
أدوار بلا تكاليف، لأنه ليس في سورية
ما يشجع على امتيازات ما، مثل نفط
ليبيا، ولا التعامل مع مصر كقوة
إقليمية كبرى، وعدا وجود حدود يُخشى أن
تلتهب بين سورية وإسرائيل، وهو
الاحتمال الضعيف، فإن الأمور ستترك
للشعب وسلطته وهذا ما استقرت عليه معظم
التوجهات العربية والخارجية.. ================= خيرالله خيرالله المستقبل 16-1-2012 ثمة نقطتان فاتتا الرئيس بشّار الاسد في
خطابه الاخير. الاولى ان المشكلة التي
يعاني منها النظام غير قابلة للحلّ
نظرا الى انها قائمة مع الشعب السوري
وليس مع معارضة غير موحّدة، والاخرى ان
الكلام عن العرب والعروبة لا يغطي
واقعا أليما. يتمثّل هذا الواقع في ان
سوريا في عهد الاسد الابن تحوّلت من
حليف لايران الى تابع لها. لم يعد لدى
النظام السوري ما يعتمد عليه سوى الدعم
الايراني المباشر وغير المباشر عبر
العراق. والكلام هنا عن العراق في
مرحلة ما بعد الانسحاب العسكري
الاميركي الذي افسح في المجال لجعل
اليد الطولى فيه للنظام الايراني... الاكيد ان في الامكان الحديث عن نقاط ضعف
اخرى كثيرة في الخطاب الطويل، خصوصا
اضطرار الرئيس السوري الى التحدث عن
الزيتون وموقع سوريا في العالم بصفة
كونها القوة الخامسة في حقل تصدير
الزيتون. ليس معروفا بعد كيف يمكن صرف
هذا الكلام عن قوة الزيتون وأهميته في
بلد لا يمتلك النظام فيه القدرة سوى
على ممارسة سياسة الابتزاز نظرا الى
انه عاجز عن الحرب وعن السلام. مثل هذا
الكلام عن الزيتون وأهمية الزيتون
والذي يتجاهل عمق الازمة التي يعاني
منها النظام يدلّ على ان ليس في
الامكان القيام بإصلاحات من ايّ نوع
كان. انه نظام مريض يرفض الاعتراف بأنّ
لا أمل للقائمين عليه سوى القبول
بمرحلة انتقالية تقود الى تغيير سلمي
وعبور الى برّ الامان ليس لسوريا فحسب،
بل لأركان النظام ايضا، بعيدا عن اي
نوع من البطولات والعنتريات التي
تجاوزها الزمن. كشف الخطاب ان النظام السوري في مواجهة
مباشرة مع الشعب. كشف خصوصا انه ليست
لديه خيارات اخرى غير الخيار الامني.
يرفض النظام الاعتراف بأنّ مشكلته مع
كل السوريين. مع دمشق وحمص وحماة وحلب
واللاذقية وادلب ودير الزور ودرعا
ودوما والسويداء ومعرة النعمان وتلكلخ
ومع كلّ مكونات الشعب السوري من سنة
ومسيحيين وعلويين ودروز واسماعيليين
اضافة بالطبع الى الاكراد. ليس اسهل من الكلام عن ارهاب وإرهابيين
لتبرير القمع الذي يمارس في حق الشعب
السوري الذي قرر المقاومة ولا شيء آخر
غير المقاومة. انّ المقاومة الحقيقية
الآن هي مقاومة الشعب السوري لنظام
يريد استعباده ولا يمتلك اي خيار آخر
غير خيار القمع. هل صدفة ان اربعمئة
سوري قتلوا منذ بدء مهمة المراقبين
العرب الذين لا يمتلكون اي قدرة على
المراقبة؟. كلّ ما يستطيع هؤلاء
المراقبون عمله هو التحقق من ان النظام
السوري يستخدمهم من اجل كسب الوقت ليس
الاّ وكأن الوقت يعمل لمصلحته! يخطئ الرئيس السوري اذا كان يعتقد ان في
استطاعته اعادة عقارب الساعة الى خلف.
هناك شعب قرّر بكل بساطة استعادة
كرامته. هذا كلّ ما في الامر. نعم، ان
سوريا هي قلب العروبة النابض. لكن قلب
العروبة النابض لا يطعن السوريين في
الظهر، ولا يطعن العرب في القلب، ولا
يحوّل سوريا الى تابع للنظام الايراني.
من يتحدث عن تنوع في سوريا لا يمكن ان
يقبل بأن يكون تحت رحمة ميليشيا مذهبية
مسلّحة في لبنان. كذلك، لا يمكن لمن
يتحدث عن العروبة الحضارية ان يكون
أسير ما يقدمه له النظام الايراني
العنصري من دعم. يفترض في النظام السوري الابتعاد عن
اعطاء دروس في العروبة. يكفيه انه لم
يعد لديه اي نفوذ في لبنان الاّ عبر "حزب
الله" الايراني. من شكّل الحكومة
الحالية في لبنان برئاسة الرئيس نجيب
ميقاتي هو "حزب الله" ولا احد غير
"حزب الله". كلّ ما تبقى تفاصيل
ومحاولات للهرب من الواقع. سقط النظام السوري عمليا في العام 2005
عندما اضطر الى التخلص من رفيق الحريري
بشكل مباشر او غير مباشر، بالتواطؤ مع
آخرين او بترك آخرين ينفّذون الجريمة.
ان استشهاد رفيق الحريري ليس "اغتيالا"
كما ورد على لسان الرئيس السوري في
خطابه. ان استشهاد رفيق الحريري ورفاقه
ليس حدثا عابرا بمقدار ما انّه علامة
فارقة على صعيد التغييرات التي طرأت
على التوازنات الاقليمية. فبعد اغتيال
رفيق الحريري حصل أهمّ تطور على صعيد
المنطقة. يتمثل هذا التطور في استسلام
النظام السوري للنظام الايراني وتحوله
الى امتداد له لا اكثر... بدل إلقاء خطاب طويل فارغ من اي مضمون
حقيقي باستثناء الشعارات التي لا قيمة
حقيقية لها والتي لا تنطلي سوى على
السذج، كان الاجدر بالرئيس بشّار
الاسد الاعتذار من السوريين
واللبنانيين والعرب عموما. في النهاية
ان السوريين ليسوا بالسذاجة التي
يظنّها. انهم شعب متمسّك بثقافة الحياة.
لو لم يكن الامر كذلك، لما استطاعوا
مواجهة آلة القمع التي يمتلكها النظام
طوال ما يزيد على عشرة اشهر في غياب اي
دعم دولي او عربي او اقليمي. آن أوان مواجهة الحقيقة بدل الهرب منها.
ليس النظام السوري الحالي الذي يعطي
شهادات في الوطنية والعروبة. من يعطي
مثل هذه الشهادات هو الشعب السوري الذي
يحاول استعادة سوريا وإعادتها الى حضن
العروبة الحضارية البعيدة كلّ البعد
عن الطائفية والمذهبية. هذا الشعب الذي عانى من النظام يعرف قبل
غيره ان ليس في الامكان المتاجرة به
الى ما لا نهاية من جهة، وان هناك مرحلة
عمرها نصف قرن انتهت من جهة اخرى. هذا
كلّ ما في الامر. ليس هناك استعداد لدى
الشعب السوري للرضوخ لنظام ظالم
والقبول في الوقت ذاته بالهيمنة
الايرانية. العالم تغيّر. هذا ما فات
ولا يزال يفوت الرئيس السوري الغارق في
اوهام الدور الاقليمي... ================= غيداء درويش الرأي الاردنية 16-1-2012 أي شرف أتسربل به وأنا أكتب عن سوريا؟
حبيبتي التي نازعني على حبّها عالم
بكامله...هل يُنكر إنسان ما في هذا
العالم زار سوريا أو سكنها او شرب من
ماء بردى، اوتغرغر بعاصيها اوتوضأ من
فراتها إلا وسرى في شرايينه عشق تباهى
به أينما حلّ؟ سوريا جنتنا وخيمتنا
وعزتّنا ورفعتنا والأهم من هذا وذاك هي
قلب عروبتنا النابض الذي يحاول أعداء
الأمة أن يجلطوه..ولما كان لقلبي الشرف
أن تسكنه سوريا، فلقد نجا من ثلاث
عمليات خطرة، وما زال يخفق بها ولها،
فكيف يهدد مُغرضيها بطعن هذا القلب
الذي جُبل على المحبة وعُجن على
التآخي؟؟ لنوقف القتل ولنكسر كل يد تعبث فسادا في
أرضها، اوجه صرختي لشرفاء سوريا
لمحبيها فسوريا لا تعرف الكراهية،
سترتّد سيوفهم إلى نحورهم وسيسقطون
حتما في شرّ أعمالهم، فالدم السوري
البريء الذي هُدر بسلاح الغدر لن يشفع
لهم يوم يحاسب الشعب قتلته، فكل من طمع
بسوريا كانت عاقبته وخيمة.. ! وكل من
آذاها لحقه الأذى..أنذكركم بالفرنسيين
وكيف اقتلعتهم سوريا بفضل أبطالها وقد
رؤوا بدمائهم أرضها الطاهرة؟..من ينسى
«إبراهيم هنانو» و»وصالح العلي»وسلطان
الاطرش»ويوسف العظمة»والقائمة طويلة..
كل عظيم في أمة العرب كان لسوريا الفضل
الأكبرعليه، سواء تخرّج من
جامعاتها،أوتتلمذعلى قيمها, اوتربى
بسمو أخلاقها، اوتزوج من نسائها
اللواتي أدرن البيوت بحكمة العاقل
وكرم المتزن،ونشرن الأدب والأخلاق
والفضيلة، وأسقين ابناءهّن مع حليبهنّ
اللغة والكرامة والعروبة..فكّن القدوة
والمثل الأعلى، والمحظوظ من يتعلم
منهن ويتبع خطواتهن في فنّ سياسة
الحياة.. هي سوريا، بلاد العرب اوطاني من الشام
لبغدان..بلاد الأمن والأمان،بلاد
الورد والياسمين،بلاد الأخلاق
والدين، بلاد العلماء والمفكرين،بلاد
الحب الدفين بين الطوائف منذ آلاف
السنين، من يجرؤ أن يرمي سوريا ولو
بوردة؟أي مجرم هذا الذي أهدر دماء ستة
آلاف مواطن سوري؟.. يا موطنا عبث الزمان
به من ذا الذي اغرى بك الزمنا !! إلى متى سيظل القتل سياسة لم تُجد، وحّلا
يزيد الأمور تعقيدا؟ فكما للحكومات
ضروراتها للشعوب أيضا خياراتها,
والحرية مطلب ضروري فاتورته الدم
الغالي.. وللحرية الحمراء باب بكل يد مضرجة يُدّق.. إذا كان الهدف من هذه القتل جرّالبلد إلى
الفتن، فهذا ما لا يحلمون به فالشعب
السوري أوعى من أن يعلق في هذا الفخّ،
مادام شعاره واحد واحد واحد، لا تفرقة
عنصرية أو طائفية أو مذهبية،فالمسلمون
عاشوا مع إخوانهم المسيحيين بمحبة
وإلفة وهم موجودون على هذه الأرض منذ
قيامة المسيح.. كذلك الأكراد والدروز
والعلويون والأرمن، كلهم فدى الوطن
الواحد سوريا..ربّ ضارة نافعة فرغم
مرور عشرة أشهر على الأحداث الا أن
شيئا من هذا لم يحدث..هل تعلمون أن كل
مواطن في هذا العالم عليه أن يحمل
جنسيتين الأولى سورية والثانية جنسية
بلده،ذلك لأن سوريا مهد الحضارات.هذا
ما صرّح به مستشرق عالمي، أما ما قاله
ابن عربي منذ مئات السنين : أدين بدين الحب أين توجهت ركائبه فالحب
ديني وايماني باسم كل الأديان السماوية التي تحضّ على
الحب, باسم كل أطفال سوريا ورضّعها
الذين لم يُكحّلوا أعينهم برؤية
سوريا، باسم أراملها اللواتي فُجعن
بأزواجهن،باسم الأمهات الثكالى
اللواتي اختلط دمعهن بدم أبنائهن
فانكسرن حزنا وأسى على مصيرأبنائهن
وقد نُذرن للشهادة على أرض الجولان أو
القدس، باسم رغيف الخبز الذي تعذّر
وجوده،وكمشة دفء في لسعة برد
قارس،باسم المعانات الإنسانية التي لا
يتحملها بشر, أوقفوا القتل واحموا
سوريا إنها خيمة الأمة! ================= سلطان الحطاب الرأي الاردنية 16-1-2012 لن يتوقف القتل في سورية..وستظل الرواية
مختلطة وسيظل النظام يجد لنفسه مبرراً
لمزيد من سفك الدماء باسم مقاومة
التخريب والارهاب وستظل معارضة الداخل
تفتقد الى قيادات فاعلة ومعارضة
الخارج تكتفي بالاعلام والتصريحات
وانتظار الفرج من الآخرين.. سورية ليست ليبيا هذه حقيقة وان كان الظلم
واحداً ودكتاتورية النظام قد بلغت حد
مصادرة كل رأي.. خطاب الأسد الأخير يحاول الظهور وكأن
سورية امتلكت زمام المبادرة للرد على
المعارضة.. فشل الحل العربي عبر الجامعة العربية
سواء في التوجه السياسي أو في الخطط
التي وضعت في مبادرة البروتوكول أو في
مجموعات المراقبين التي لم تسمن ولم
تغنِ من حاجة لمزيد من معرفة ما الذي
يجري، فهذه المجموعات قليلة أولاً
وليست مزودة بأدوات ووسائل كافية أو
امداد لوجستي يمكنها من التنقل بسرعة
أو يتيح لها الاتصال بالمواقع التي
ترغب الاتصال بها كما أن قدرة النظام
على اخفاء الكثير من الوقائع وصلت الى
درجة الاحتراف حين غيّر أسماء الاحياء
والمواقع والشوارع وألوان السيارات
وحتى ملابس رجاله الذين يقومون
بالمداهمة والقتل وقد عمل على خلط حابل
مهمة الجامعة العربية بنابل تدخلاته
في تحديد عملها ومساراتها فتحولت هذه
المجموعات الى وسيلة معوقة ولم يجرؤ
أحد من أعضائها أن يقول بصراحة ما رأى
وما استنتج.. الجامعة التي شرعت بارسال مجموعاتها
للمراقبة كانت تريد أن تتخلص من الشعور
بالاثم ازاء ما يعيشه الشعب السوري من
قتل ومحاصرة وتعذيب واغلاق مدنه
واحيائه وحتى قطع الماء والكهرباء
والوقود والخبز عنه ومنع وصول
المساعدات والأدوية اليه.. ولكن هذا الشعور بالتخلص من الاثم لم يمتد
كثيراً فقد فشلت المهمة وانقلب السحر
على الساحر وأصبحت الجامعة العربية في
حال دفاع عن نفسها بدل أن تبادر وتدين
وتكون حكماً وقاضياً ولذا بدأت تجمع
أوراقها امام فراغ متزايد يزرعه
النظام بمزيد من تشديد القبضة
الحديدية والرغبة في الحسم سريعاً وهو
يعمل على محورين استمرار سياسة الضرب
بقوة واطلاق محاولات من جانب حلفائه في
ايران وحزب الله ولبنان وحتى الجزائر
وأماكن أخرى لم تعلن عن نفسها أو تعمل
بوجهين لاستقطاب المعارضة المعتدلة أو
التي ما زالت تفتح خطوطاً مع النظام
للدخول في مفاوضات أو اتصالات تستهدف
قطع خطوط الخارج أو الايقاع بالمعارضة
الخارجية واتهامها باستجلاب التدخل
الاجنبي أو الدفع باتجاه الحرب
الاهلية الداخلية أمام هذا الواقع
المعقد والصعب والذي يدفع السوريون
ثمنه باهظاً.. يأتي اعلان أمير دولة قطر
الشيخ حمد عن افلاس برنامج الحل العربي
القادم من الجامعة عن طريق ارسال
مراقبين ويوسع الفكرة ليطالب بتدخل
قوات عربية وهي فكرة مارستها الجامعة
في حل الطائف وفي السماح بدخول قوات
سورية الى لبنان بمظلة عربية وفي نفس
الوقت يطلب أمير قطر من وزير الخارجية
الاميركية في اللقاء معها ومن ادارتها
التدخل الدولي بحسم الأمر.. ما زالت اللهجة الاميركية فاترة وما زالت
تحتسب تطورات عدة منها الخشية من تدخل
أميركي جديد قد لا يكون محسوباً بعد ما
حدث في العراق ما قد يكون فشلاً
أميركياً في نتائجه حتى اليوم ثم
الاستماع لوجهة النظر الاسرائيلية ما
اذا كان التدخل الخارجي في سورية سيفيد
المصالح الاسرائيلية أم يضر بها وما
اذا كانت القوى الجديدة القادمة لحكم
سوريا بعد الاسد ستراعي المصالح
الاميركية والاسرائيلية أم لا .. التدخل الخارجي يغير دوافع الثورة
السورية وبرامجها ويأذن بشراكة دولية
قد تتفق مع المعارضة في اسقاط الاسد
ولكنها تختلف معها في النتائج وما
ستؤول اليه الاوضاع.. لن يكون التدخل الخارجي العسكري في سورية
والذي قد يأخذ أشكالاً مختلفة ومن
مصادر مختلفة مرحباً به من غالبية
الشعب السوري وحتى من قطاعات واسعة من
معارضة الداخل وبعض معارضة الخارج
وهذه معضلة جديدة يستفيد منها النظام
ويوظفها ولذا فإن ليل السوريين سيطول
وفجرهم سيتأخر وستكون الفرصة متاحة
لمزيد من القتل والمعاناة التي قد تمتد
لسنوات. ================= سعاد قطناني 2012-01-15 القدس العربي بين الشك واليقين أستذكر قطرة ماء شربتها
يوماً من صنبور صغير قرب الجامع الأموي...
كانت المياه باردة عذبة في ذلك اليوم
الصيفي حار...فلكأس الماء ذاك سحر يأخذك
إلى ذات المكان مرارا وتكرارا....وأنا
أعترف أني لم اشرب قطرة ماء فقط، فقد
شربت حتى ارتويت من كل صنبور في حي صغير
أو كبير في دمشق، وقرأت الفاتحة على
أرواح كل الشيوخ والأبرار ... بل وأكلت
من تين دمشق وزيتونها...شبعت من خبزها
وملحها، شربت من ماء وردها.... كبرت في
أفيائها...لعبت في حاراتها، ومشيت في
أحيائها... دمشق... حقك علينا... سامحينا ... فأنت كل ما أنت، أنت الكبيرة الشامخة
القوية الراسخة، أنت الحانية،
الحنونة، الصامتة، الصارخة، أنت الوطن
حين غابت الاوطان، أنت البيت الدافئ،
الأهل والأخوة، الأحبة والأصدقاء
والجيران... أنت الشقاء والبقاء، أنت زحمة الشوارع
الضيقة ليلة العيد، أنت صباحات فيروز
التي لم تغب وهي تغني: 'وطني يا جبل
الغيم الأزرق'.... وفي الليل أنت العروس
التي أبت إلا أن تتزين بأنوار قاسيون
الشامخة... أنت أحلامنا في الدروب
والطرقات الصغيرة... أنت رائحة
البرتقال على عربات الباعة... وطعم
التفاح في أوائل الشتاء...أنت زهرة
النارنج تتلصص على البهاء والنور من
خلف الجدران... أنت فتنة الياسمين وحزن
الخزامى في الشوارع... أنت صياح الأولاد
في الزقاق والحارات.... أنت دفء البيوت
ورائحة الغسيل والمازوت والعدس.... أنت
فضول الجيران... أنت مقاعد الدراسة ولهو
الشباب... أنت الزمن الضائع من كل
الأزمنة حين يطارد شابٌ صبيةً وكتاباً...
لا وقت للوقت هنا في دمشق...فالجميع يلهث
لينهي نهارا طويلا لا ينتهي.... لا وقت
للوقت هنا في دمشق، فالساعات تنتظر
عاشقة على باب حارة دمشقية بلا حساب....
لا وقت للتفكير في الآتي، فبيت المونة
يكفي لسبع وسبع وسبع سنين عجاف.... في
دمشق يمتد الوطن من موقف الباص إلى
البيت في رحلة تأخذك إلى الشوارع
المقفرة إن عدت متأخراً ولا شيء يؤنس
الليل سوى صوت حذائك ونباح كلب شارد أو
قطة أفزعها اقترابك من حاوية القمامة....
بين الشك واليقين أحاول أن أستعيد الوجوه
الواجمة والخائفة ذات نهار، يوم مات
الرئيس حافظ الأسد، أحاول أن أستعيد
صوت ذلك البائع الذي نهر زوجته حين
أخبرته على الهاتف 'الرئيس مات'، تناهى
صوتها إلى مسمعي، صاح البائع على
الهاتف وقد امتقع وجهه : 'اخرسي، لا
تخبصي وليه'. أغلق الهاتف على عجل، نظر
في وجهي وحاول أن يعتذر عن شيء لم
يفعله، حاول أن يهرب من عيوني الواجفة،
وتمنى أن تبتلعه الأرض قبل أن أكون قد
سمعت ما قيل على الهاتف من مكان ما في
دمشق... تابعت سيري يومها في الشوارع
المقفرة... وكأن حظراً للتجوال قد فرض
في المدينة... لم يكن في ذلك الشارع سواي
وبعض المارة ممن سمعوا بالخبر وهم في
الطريق إلى منازلهم... كانت الوجوه كلها
واجمة ... تائهة... خائفة.. كان الناس
يبدون وكأنهم يمشون وهم نيام في مدينة
الضياع حين مات 'الأخ الأكبر'... الخوف ذئب جائع لا جوف له يبتلع كل
الأمنيات والأحلام في دمشق... خوف
يذكرني برواية جورج أورويل 1984 حين يصل
بطل الرواية إلى اليقين الذي لا يراوده
شك بأن الأخ الأكبر هو أفضل ما يمكن أن
يكون لخير تلك البلاد، وحين يدرك البطل
تلك الحقيقة بكافة جوارحه يمشي إلى
حتفه راضياً، غاضباً لأنه تجرأ يوماً
وفكر بأنه يمكن أن لا يحب الأخ الأكبر...
ومن يجرؤ على أن لا يحب الأخ الأكبر ففي
دمشق غدا شعار 'منحبك' تجاوزاً لكل
خيالات أورويل. أفيقي يا دمشق ... أفيقي! ولتكسري أسوار
خوفك يا دمشق ولتفتحي قلبك... كفى يا
دمشق ... تعانقين سجانك في الصباح ...
تضعين أحمر شفاه وترقصين رقصة
الدراويش حباً في سجانك... تصطبغين بكل
الألوان وتمعنين في لهوك وغيك ... وما ان
يحل المساء حتى تلبسي ثوبك الأسود
الطويل وتجهشين بكاءً على أبنائك
وبناتك على حائط قديم في حي 'الميدان'....
كفى يا دمشق فهذا الرقص يجرحني ويوجعني...
خذيني إلى كفيك وضميني في مساءاتي
الحزينة وصباحاتي الجديدة...خذيني
ثانية إليك يا دمشق ... أبحث عن عينيك في
كل المدن فلا أرى إلا ظلاً من ظلالك،
أما أنت فلا أجدك... ابحث عن روحي
التائهة على عتبات مقامات أوليائك
الصالحين... أبحث عن شريطة خضراء تبارك
يومي وتحفظ أولادي... أبحث عن جيراني
فلا أجدهم ... أتلقط أخبارهم من هنا
وهناك... هل ما زالوا أحياء؟! .. هل ما
زالوا هناك في حينا القديم؟!... هل سأرى
جارنا ذات يوم مسجىً على الأرض ككل
الشهداء!!! أم سأراه مزيناً كمهرج في
حفلة تنكرية يرقص ويهتف 'منحبك'! أريد أن أعود قليلاً للوراء وأعيد ترتيب
أيامي معك يا دمشق لأحبك أكثر... سأخفي
ملامح الجلاد من مدرستي وصفي و كراستي...
سأنسى أني هتفت باسمه رغماً عني كل
صباح... سأرمي من ذاكرتي صور المخبرين
والجواسيس في الصف والشارع والجامعة
وعند بائع الملابس وفي موقف الباص
والسينما وعلى مقعد تائه في حديقة....
سأنسى تلذذ ذلك المخبر بقراءة إسمي على
الملأ مراراً حين جرح كبريائي في حافلة
البلدة البعيدة... سأنسى ذل طفلة واقفة
في الطوابير الطويلة لتأخذ 'ربطة خبز'
لعائلة بحجم الكون.... سأنسى كل ذلك يا
دمشق وأبقى وفية لقطرة ماء سقيتيني
إياها عندما كنت عطشى ذات يوم..... ولكن أفيقي !! ================= صبحي حديدي 2012-01-15 القدس العربي أتاح 'الربيع العربي' للعديد من المراقبين
الغربيين، خاصة في الولايات المتحدة،
فرصة استئناف واحدة من هواياتهم
المفضّلة، التي تستعيد بدورها واحدة
من أعرق العادات الاستشراقية الذميمة:
إطلاق النبوءات ذات المدى القصير،
والكارثي المتكئ على سيناريوهات
قيامية لا تُبقي ولا تذر؛ وبالتالي
ممارسة مهنة العرّاف، ليس اعتماداً
على الحملقة في البلّورة السحرية
التقليدية دون سواها، بل عبر 'تفكيك' و'تحليل'
و'تركيب' معطيات جيو سياسية معقدة،
قادمة مع ذلك من أحشاء بلّورات سحرية
شتى، افتراضية واستيهامية. الأمريكي روبرت د. كابلان أحد أبرز هؤلاء،
ومن الخير للمرء أن يبدأ من نبوءاته عن
قادم الأيام السورية، وكيف برهنت
دائماً في الواقع، وبلا أي استثناء
يُذكر على صواب تلك الحكمة العتيقة:
كذب المنجّمون، ولو صدقوا! على سبيل
المثال الأوّل، منذ سنة 1993 تنبأ كابلان
بأنّ حافظ الأسد لن ينجح في الحيلولة
دون بَلْقَنة سورية، وأنّ 23 سنة من
حكمه سوف تنقطع بالضرورة، لأنّ البلاد
موشكة على التفكك إلى دويلات. وبالطبع،
توشك 19 سنة على الانقضاء من دون أن
تتحقق تلك النبوءة، وصدِّقوا أنّ
صاحبنا المتنبئ لم يكترث بمراجعتها
مرّة واحدة، سواء بهدف نقدها أو إعادة
تصنيعها. بيد أنّ الانتفاضة السورية كانت فرصة
أشدّ جاذبية من أن تغيب عن بلّورته
السحرية، فكان أن تفرّس وحدّق وتفحص،
وخرج بهذه النتيجة (وكيف له أن يحيد
عنها!): سورية موشكة على حرب أهلية
طاحنة، ولسوف تنقسم وتتشرذم و...
تتبَلْقَن! وفي مقال بعنوان 'سيريانا:
بعد بشار الأسد، الطوفان' ذاع صيته
سريعاً وانتشر كالنار في الهشيم، قبل
أن تبرهن الأيام على هزال خلاصاته
انتهى كابلان إلى حكم جامع مانع لا
يمتّ بصلة إلى طموحات الشعب السوري في
التحرّر من نظام الاستبداد والفساد،
وفي التطلع إلى دولة مدنية ديمقراطية،
فرأى أنّ 'الاحتجاجات' ليست سوى 'مآزق
هويّات'! وخذوا، في مثال أعرض يتجاوز سورية إلى
المشرق العربي بأسره، ما يقوله كابلان
عن حركة التاريخ في هذه المنطقة: 'البلدان
الواقعة بين البحر الأبيض المتوسط
وبلاد فارس لم تكن تحمل إلا القليل فقط
من المعنى قبل القرن العشرين. فلسطين
ولبنان وسورية والعراق لم تكن سوى
تعبيرات جغرافية غامضة، وأمّا الأردن
فلم يكن في الوارد أصلاً. وحين نزيل
الخطوط الرسمية على الخريطة، فإننا
سنجد رسماً عشوائياً بأصابع اليد
لتكتلات سكانية سنّية وشيعية تتناقض
مع الحدود الوطنية (...) وإذا كان في
الشرق الأوسط جزء يتشابه على نحو مبهم
مع يوغوسلافيا السابقة، فإنه المنطقة
من لبنان حتى إيران، حيث نواجه انحلال
نظام الدولة الذي ظلّ، طيلة عقود،
الحلّ الكفيل باضمحلال الإمبراطورية
العثمانية'. هذا اقتباس من مقالة بعنوان 'تحريك
التاريخ'، يستهلها كابلان بالقول إنّ
أيّ زعيم منذ نابليون بونابرت لم يعكّر
صفو الشرق الأوسط كما فعل الرئيس
الأمريكي جورج بوش الابن؛ ويختمها
بتشجيع المزيد من أشغال 'تهشيم النظام
بعد العثماني'، حيث لن تكون العواقب
أشدّ كارثية ممّا جرى بعد تقويض
الإمبراطورية السوفييتية. وليس من دون
فضيلة المصارحة، وإنْ تجرّدت من
منظومة 'الأخلاق' الغربية التقليدية،
أنّ كابلان يهتك المسكوت عنه، فلا
يتردد في بلوغ الخلاصة التالية،
بالحرف: بدل الديمقراطية، خير لنا أن
نستقرّ على 'نوع من إدارة الحكم، أياً
كانت، ولنفكّرْ في خرائط العصور
الوسطى، حيث لم تكن هنالك حدود واضحة،
بل مجرّد مناطق غير متمايزة'.
وللإيضاح، يتوقف كابلان عند معيار
انهيار البلقان التاريخي الذي تفكك
على مراحل عدّة، تمثلت خاتمتها في
انحلال 'دويلات الباحة الداخلية'، هذه
التي تبدو دول مثل سورية والعراق
مثالها الراهن. لكنّ كابلان ليس حامل بلّورة سحرية من
النوع الرخيص الشائع، وليس مجرّد كاتب
يلقي الخلاصات على عواهنها، بل هو صاحب
تأثير شبه سحري على كثير من كبار صانعي
القرار وراسمي السياسات في أوروبا
والولايات المتحدة، وقد مارس هذا
الدور طيلة عقود. ومنذ العام 1993، حين نشر كتابه 'أشباح
البلقان'، وهو يتربّع على عرش تأويل 'العالم
الجديد'، بوصفه واحداً من أكثر الكتّاب
جسارة على التفكير في المحظور،
وحماساً لصياغة سيناريوهات مستقبلية
حول مسير الأرض نحو الكوارث. والكاتبة
إليزابيث درو، في كتابها 'على الحافة'،
كادت أن تقسم بأغلظ الأيمان أن تخطيطات
كابلان هي التي ردعت (نعم: ردعت!) إدارة
الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون
عن تطبيق سيناريوهات عسكرية أشدّ
بأساً في يوغوسلافيا العتيقة. وبين 1993 حين تنبأ كابلان بالبلقنة في
سورية، و2011 حين تنبأ لها بالطوفان، كان
النظام يواصل البقاء استناداً إلى
عناصر، داخلية وإقليمية ودولية، لا
يجمعها جامع مع النبوءات؛ وكان الشعب
السوري، من جانبه، يواصل التراث
الوطني ذاته الذي لم يفضِ به إلى تصارع
الهويات، بل إلى اتحادها وائتلافها
وانخراطها في انتفاضة شعبية عارمة،
ضدّ الاستبداد والفساد والحكم الوراثي
العائلي. وغنيّ عن القول إنّ أية
بلّورة سحرية لم تكن قمينة بإلهام
كابلان كي يتنبأ بطوفان من طراز تاريخي
خاصّ، لا يطهّر سورية قبل إسقاط نظام
الأسد فقط، بل بعده أيضاً... سواء بسواء. ================= «المحور الثلاثي»
يستدرج صفقة أم مواجهة؟ الإثنين, 16 يناير 2012 جورج سمعان الحياة تبرز المواقف السياسية الأخيرة للقادة
الروس والسوريين والإيرانيين أن هذا
المحور الثلاثي باتت أطرافه مربوطة
بإحكام واحدها إلى الآخر، في مواجهة
السياسة الأميركية والغربية عموماً.
كأن مصيرهم بات واحداً. لذلك، لا عجب في
أن يكون التشدد عنوان الخطاب السياسي
لهذا الثلاثي: إيران لم تكف من أسابيع
عن التلويح بإقفال مضيق هرمز إذا طاولت
العقوبات الغربية قطاعها النفطي.
والرئيس بشار الأسد أطل أخيراً ليؤكد
تمسكه بالخيار الأمني، حاملاً على
الجامعة العربية و «المؤامرة»
الخارجية، ومستبعداً تالياً أي تسوية
محتملة للأزمة الداخلية. وفلاديمير
بوتين هدد عشية معركته الرئاسية بأنه
لن يسمح بخطوات انفرادية على الساحة
العالمية لا تراعي رأي روسيا ومصالحها. لا تخفي كل من طهران وموسكو دعمهما دمشق،
منذ اندلاع الاحتجاجات في المدن
السورية. ويعول نظام الأسد كثيراً على
هذا الدعم في مواجهة خصومه في الداخل
والخارج. وحذّرت موسكو من أنها ستعتبر
أي هجوم على إيران بسبب برنامجها
النووي «تهديداً مباشراً لأمنها»،
ودان نائب وزير الخارجية الروسي
غينادي غاتيلوف الحظر النفطي المقترح
ضدها. وجدد رفض بلاده أي تحرك واسع ضد
نظام الأسد. واضح تماماً سعي القادة الثلاثة إلى حرف
الصراع عن وجهته الداخلية وما تلح عليه
من استحقاقات تستلهم «الربيع» العربي،
إلى إطار إقليمي ودولي واسع. لعل في ذلك
استنهاضاً لشعور قومي في إيران. أو
دغدغة حنين بعض القوى إلى عصر
إمبراطوري بائد في روسيا. أو تحفيز بعض
القوى على الصمود في مواجهة «مؤامرة»
خارجية قائمة على سورية من سنوات...
وهزمت في أكثر من موقعة! لم يجد الرئيس الأسد بديلاً من العودة إلى
خطابه الأول: فالتسوية الداخلية بين
المعارضة والنظام تبدو مستحيلة بعد
الدماء التي جرت، وفي ظل وقوف الطرفين
على خطوط نار متقابلة تزداد استقطاباً
مذهبياً واشتعالاً يتوسع. ومبادرة
الجامعة العربية لم تجد توافقاً
إقليمياً داعماً، ولم توفر وقتاً
كافياً لمساعي روسيا وحتى إيران
وتركيا في ظل غياب التفاهم أو التلاقي
الدولي على صيغة أو صفقة لن يكتب لها
النجاح ما لم تكن شاملة جملة من
الملفات المرتبطة بالأزمة السورية
ومستقبل الوضع في هذا البلد. أما بوتين وأحمدي نجاد فيواجه كل منهما
تحدياً على مستوى الداخل قبل الخارج.
ففي روسيا كما في إيران رفض واضح لفئات
وقوى واسعة ووازنة لمحاولة استئثار كل
منهما بالقرار. وهما يواجهان حركة
احتجاج تستيقظ وتخمد تبعاً للظروف. أي
أنهما يعيشان تهديداً مقيماً. وهو ما
يدفعهما إلى دغدغة الشعور الوطني
بالحديث المتكرر عن عظمة الأمة والعمل
على استعادة أمجاد إمبراطورية ضائعة
أو مسلوبة. ويتشاركان المخاوف من صعود
دول آسيا الوسطى من كازاختان إلى
تركمانستان على مستوى النفط والغاز.
وما يشكل ذلك من منافسة لاحتكار بعض
أسباب القوة، لئلا نقول الابتزاز، في
يد موسكو أو طهران. ويواجه بوتين، كما نجاد، حملة على حكومته
في موضوع الحريات وحقوق الإنسان.
والحملة لن تتوقف عن حقن الداخل ودفعه
إلى التصعيد في وجه النظام. بالطبع لا
تحلم واشنطن بإمكان تغيير النظام في كل
من روسيا أو إيران، إلا أن احتمالات
تغيير النخب الحاكمة أو السياسات أمر
وارد إذا توافرت له شروط معينة. ولا
يخفى أن مرد حملة التهديدات التي
تطلقها الجمهورية الإسلامية هو الحزمة
الجديدة من العقوبات التي تسعى إليها
أميركا وشركاؤها الأوروربيون وغير
الأوروبيين. والتي ستشكل عامل ضغط على
الشارع الإيراني وتحفيزاً له لرفع
الصوت وإحياء المعارضة لحكومة نجاد
وسياساتها المحلية والخارجية. فضلاً
عن السعي لوقف المشروع النووي. وتشكل سورية واسطة العقد في هذا الثلاثي.
فكما هي جسر عبور لإيران إلى قلب الشرق
الأوسط وحدود الصراع العربي –
الإسرائيلي، وخط تواصل مع حلفائها في
لبنان وفلسطين، هي كذلك لروسيا. فميناء
طرطوس ترى إليه المؤسسة العسكرية
الروسية رمزاً موروثاً من أيام صراع
المعسكرين الشرقي والغربي. ويوفر
للبحرية الروسية موطئ قدم في المتوسط.
مثلما توفر العلاقة المتينة مع دمشق
عموماً دوراً فاعلاً لموسكو في الصراع
العربي – الإسرائيلي وأي ترتيبات سلام
أو تسوية. ومثلما تجهد الجمهورية
الإسلامية لتأكيد حضورها الفاعل في
الإقليم واستعادة ما كان لها أيام
الشاه، يرتفع صوت بوتين محذراً لوقف
حملة التطويق الأميركي والأطلسي
لروسيا وقضم مواقعها، سواء في العالم
العربي أو في آسيا الوسطى. ويعرف بوتين - مثلما يعرف نجاد - أن
الاستراتيجية الدفاعية الأميركية
الجديدة تركز على آسيا والمحيط
الهادئ، سعياً إلى مواجهة التهديد
الصيني المتنامي في تلك المنطقة التي
قد تغدو في السنوات المقبلة أبرز ساحة
للصراع. ويدرك أن حجم الدور الروسي
فيها لن يكون رئيسياً مع وجود القوتين
الأميركية والصينية، لكنه دور يشكل
تعزيزاً للحضور الصيني. من هنا يرحب
الصينيون بأي دور لموسكو في هذا
الإقليم في مقابل الدور الذي تؤديه كل
من كوريا الجنوبية واليابان مؤازرة
للدور الأميركي. لذلك، تركز روسيا
ثقلها في الشرق الأوسط، ودول الجوار. وكانت روسيا تاريخياً تؤمن بأن بناء
علاقات وشراكات ثنائية مع الجيران
للحفاظ على مصالحها الحيوية، أكثر
نجاعة من العلاقة مع الولايات المتحدة
وبعض دول أوروبا البعيدة. من هنا هذه
الشراكة القائمة بين موسكو وطهران وإن
بدا أن الأولى تستخدم أحياناً الثانية
ورقة في صراعها أو حوارها مع أميركا
وأوروبا. هذه الشراكة تفرضها ليس فقط
ما تمثله الجمهورية من سوق سلاح واسعة
لروسيا، بل مصالحهما المشتركة في بحر
قزوين وآسيا الوسطى ومحاولة الحد من
نفوذ تركيا التي ترى إليها روسيا أنها
عادت إلى دورها القديم في حلف شمال
الأطلسي والعلاقة الاستراتيجية التي
تجمعها مع الولايات المتحدة. لذلك، يخشى أن يؤدي وصول بوتين إلى سدة
الرئاسة، بعد شهرين، إلى إلحاق الضرر
بالجوانب الإيجابية للعلاقات التي عمل
على تطويرها كل من الرئيسين باراك
أوباما وديمتري مدفيديف، مفضلاً إعادة
بناء الثقة في العلاقة مع إيران،
والتمسك تالياً بالنظام في سورية. وهي
علاقة تضع أقدام روسيا في مياه الخليج
الدافئة كما تضعها في قلب المعادلة
الشرق أوسطية. وقد توفر لها فضاء يكسر
الطوق الذي يحاول ال «ناتو» ضربه
حولها، من جورجيا إلى أوزبكستان
وأذربيجان وحتى تركيا. كما أن روسيا لا
ترغب في أن ترى إلى سورية أو إيران
تدوران في فلك أميركا وأوروبا. لا يعبر بوتين صراحة أنه يريد إحياء
الاتحاد السوفياتي. لكنه يكاد يشبه
أحمدي نجاد عندما يعلن أنه سيجعل من
بلاده قوة لا يستهان بها وبموقعها
ومصالحها في العلاقات الدولية كما في
الصراع الدولي على مستوى الكرة
الأرضية. لكن المفارقة أن الرئيس
الأميركي الذي يتوجه إليه الزعيمان
الروسي والإيراني لم يقم لهما حساباً
كبيراً في استراتيجيته الدفاعية
الجديدة، مثلما فعل حيال الصين.
فواشنطن تدرك أن روسيا لم تعد تلك
القوة العسكرية أو الاقتصادية التي
تتيح لها استعادة دور مفقود. مع العلم
أن ترسانتها تتجاوز ما تمتلكه الصين
على صعيد الأسلحة الاستراتيجية
والانتشار خارج الإقليم. فهل يستطيع بوتين تحقيق ما لم يحقق في
ولايتيه السابقتين وفي رئاسته الحكومة
الحالية؟ هل يستطيع استعادة دور موسكو
التليد من البوابتين السورية
والإيرانية مثلاً؟ صحيح أن موسكو
أثبتت أنه لا يمكن تجاوزها في عدد من
الملفات. فالحرب على إيران مثلاً لا
يمكن ألا تحسب حساباً لروسيا. وهو ما
تعول عليه طهران في صراعها مع الغرب.
وكذلك يبدو جلياً اليوم كم أن الموقف
الروسي في الأزمة السورية يشكل عائقاً
كبيراً في وجه محاولات التغيير التي
تقودها المعارضة في الداخل، وبعض
القوى العربية والغربية في الخارج. لكن النفوذ الروسي في المنطقة يظل قاصراً
عن مقارعة النفوذ الأميركي. ولا حاجة
إلى كم من الأدلة والتطورات التي
شهدتها المنطقة في العقدين الأخيرين.
وبالتالي لا يمكن بوتين أن يستعيد
لموسكو ما كان لها ماضياً. يستطيع أن
يقايض برفع الصوت والتهديد. تماماً كما
تفعل إيران التي تستعرض كل يوم
ترسانتها العسكرية، خصوصاً الصاروخية.
هي لا تريد حرباً تلحق ضرراً بخصومها
لكنها قد تحولها أرضاً محروقة. ما
تريده هو أن يقايضها هؤلاء الخصوم. أو
على الأقل أن يبتعدوا عنها. ما تريده هو
الاعتراف بدورها الذي كان أيام الشاه،
بدورها المحوري، دولياً وإقليمياً. حتى الآن كان في سلم أولويات روسيا معاودة
احتضان الجمهوريات السوفياتية
السابقة، ثم تمتين العلاقات مع
الولايات المتحدة وأوروبا. فهل يبدل
المحور الثلاثي في سلم الأولويات؟
وماذا يمكن أن يقدم بوتين إلى أهل
الشرق الأوسط؟ هل يستطيع حل الصراع
العربي - الإسرائيلي؟ وما مدى تأثيره
في مسارات الربيع العربي، أو بالأحرى
ماذا يمكن أن يجني من منطقة تتجه
برمتها نحو أنظمة إسلامية محافظة...
فيما يخشى قيام مثل هذه الأنظمة على
حدود روسيا وداخل بعضها؟ ألا يعي أن
قدرة الشعوب على التغيير تتقدم على ما
تخططه الدوائر العليا؟ ألا يعتبر مما
حدث للاتحاد السوفياتي وتداعيات سقوطه
في العالم... والتي وصلت أخيراً إلينا؟
هل يعود إلى مبدأ المساومة كما فعل حتى
الآن بالورقة الإيرانية... وبالورقة
السورية؟ وهل يقدر؟ ================= الإثنين, 16 يناير 2012 جميل الذيابي الحياة لم يتبقَّ أحد من العالم أجمع لم يدعُ
نظام بشار الأسد إلى وقف القتل، بل إن
غالبية الدول الكبرى والمنظمات
الدولية أعلنت أن نظامه فقد شرعيته.
الغالبية دعت الأسد إلى الإصلاح أو
الرحيل. قالت الغالبية إن النظام
الحاكم في سورية فقد شرعيته، ويجب أن
يتوقف عن القتل حالاً. العالم دان ما
يقوم به «شبيحة» النظام ضد الشعب
السوري، وتوالت الدعوات للأسد الى
لتوقف عن استخدام القوة المفرطة، حتى
إن حلفاءه دعوه إلى ذلك، بمن فيهم
روسيا والصين وإيران. النظام لا يكترث.
«الشبيحة» لا يكترثون. أبواق النظام (شبيحة
الإعلام) في سورية ولبنان يطبّلون
ويزمرون ويبررون لأعماله الإجرامية
وممارساته الفاشية. لم يتبقَّ أحد لم
يخاطب هذا النظام القاتل بلغة العقل
إلا أنه لا يزال يصر على سفك دماء
الأبرياء بما يؤكد أنه فاقد للصواب
والإنسانية والشرعية، ولا بد أن يرحل
عاجلاً لا آجلاً. قبل يومين قال الأمين العام للأمم
المتحدة بان كي مون في حوار مع «الحياة»،
إن لديه «رسالة قوية» يبعث بها إلى
بشار الأسد من بيروت، مفادها أنه «فقد
شرعيته، ويجب أن يكف عن قتل شعبه»،
مؤكداً أن «هناك دائماً مجالاً
للاستدراك كي لا تصبح الحرب الأهلية في
سورية حتمية». المدن السورية تذرف
الدموع يومياً على الموتى ولا تزال
فوهات المقابر مفتوحة، وثأر الدم ربما
يجبر بقية الشعب على حمل السلاح للدفاع
عن أنفسهم وأهاليهم. وعلى رغم الألم
والجروح المفتوحة لا يزال بان كي مون
يضحكني كما يستفزني نبيل العربي،
فكلاهما يتحدث كثيراً ولا يفعل للشعب
السوري إلاَّ قليلاً أو لا شيء. نبيل العربي الأمين العام لجامعة الدول
العربية وضع الفريق أول الركن محمد
الدابي (سوداني) رئيساً لبعثة
المراقبين العرب، وهو الذي وصفته مجلة
«فورين بوليسي» بأنه «أمقت زعيم مهمة
إنسانية في العالم على الإطلاق» و»أسوأ
مراقب لحقوق الإنسان في العالم»، ولم
تسمع الشعوب العربية من الدابي حتى
اليوم انتقادات واضحة لممارسات النظام
على رغم أن حمام الدم لم يتوقف وعدد
القتلى يتزايد بشكل يومي، ويبدو أن
الدابي متواطئ أو يتعامى عن مشاهد
القتل والترويع والتجويع أو أنه يميل
إلى مجاملة النظام والتغطية على
ممارساته بالتقوقع تحت عباءة نبيل
العربي وعلاقاته وصلاته بالنظام. نظام الأسد لا يزال في غيه يعمَه ويصر على
عدم سحب الدبابات والمظاهر العسكرية
ومحاصرة السكان والمدن. سورية تعيش
قتلاً خارج القانون، واعتقالات
عشوائية، وتعذيباً للمتظاهرين، ونسب
القتل لا تنخفض بل تزيد، وكل هذا سيضطر
الشعب إلى اللجوء لحمل السلاح لحماية
نفسه من بطش النظام وقد تتحول سورية
إلى عراق آخر. النظام السوري يجر
البلاد نحو «العرقنة» مثلما تشد
ممارسات نظام علي صالح في اليمن البلاد
نحو «الصوملة»! فأخيراً، أعلنت منظمة
مجهولة تُطلق على نفسها اسم «حركة
مناهضة المد الشيعي في سورية» تبني خطف
خمسة إيرانيين في حمص الشهر الماضي،
محذرة إيران و»حزب الله» من المضي في
دعم النظام السوري. كما أن قائد «الجيش
السوري الحر» العقيد رياض الأسعد هدد
بأن قواته «ستنتظر بضعة أيام على عمل
المراقبين، وإذا شعرت بأنهم غير جديين
ستتخذ قراراً سيفاجئ النظام والعالم
كله». إنها دندنة الحرب الأهلية و»عرقنة»
سورية كما يريد النظام. النظام البعثي
لا يتعلم من سابقيه، ويعتقد بأن
المتظاهرين الذين يخرجون في الساحات
ويهتفون باسمه مؤيدين، بينما غالبيتهم
في حقيقة الأمر خائفة من القمع والسجون
والتعذيب، وإلا لكانت تلك الجموع التي
هتفت باسم القذافي في باب العزيزية
أنقذته من القتل، وجنبت صدام حسين حبل
المشنقة. «أول منشق» سوري يعمل في الجهاز المركزي
للرقابة المالية في رئاسة الوزراء قال
لقناة «الجزيرة» بعد أن وصل إلى
القاهرة سالماً، إن 80 في المئة من
المسؤولين وموظفي الدولة مستعدون
للانشقاق لولا القمع وخشيتهم على
أرواحهم وعائلاتهم. سورية على مفترق طرق، ولن تنقذها إيران أو
غيرها مهما حاولت لفت الأنظار عن
ممارسات نظام الأسد بالتهديد لإغلاق
مضيق هرمز، ولم يتبقَ أمام النظام إلا
الرحيل أو إدخال البلاد في أتون حرب
أهلية. لا شك في أن بشار الأسد يدرك
جيداً أن كرسي السلطة الذي يجلس عليه
لم يعد يتسع له، وهو يترنح مرة فوقه
ومرة تحته، وأن مصيره سيكون نفس مصير
طغاة الأنظمة العربية الذين تساقطوا
قبل «الربيع العربي» وبعده. لكنه لا
يزال يناور ويزيف ويضلل الحقائق في
وجود من يغطي على ممارساته وجرائمه
الفظيعة. الأكيد أننا أمام محاولات من
نظام الأسد ل»عرقنة» سورية! فليس هناك
مستفيد من زعزعة الوضع أمنياً
وسياسياً وطائفياً في الوقت الراهن
سوى النظام وأتباعه وأبواقه فهو يريد
أن «يخربها» قبل أن يرحل لِبئس المصير. ================= روسيا وسوريا في أيام
سقوط المثاليات اياد ابو شقرا الشرق الاوسط 16-1-2012 «.. وإن لنا نصف الأرض، ولقريش نصف الأرض،
لكن قريش قوم يعتدون». (مسيلمة الكذاب) ماذا تريد روسيا، اليوم، من طريقة
تعاملها مع الأزمة السورية؟ .. واستطرادا ما هو موقفها من أزمات منطقة
الشرق الأوسط ككل، بعد مرور سنة على
تفجر الثورة التونسية التي كانت
المؤشر الكبير على ما بات يوصف ب«الربيع
العربي»؟ «الفيتو» الروسي - الصيني المزدوج في مجلس
الأمن الدولي الذي جاء خلال الأسابيع
الأولى من تفجر الانتفاضة السورية،
وجد له البعض ما يبرره في حينه. فاتجاه
الأحداث في ليبيا كان صدمة لموسكو التي
شعرت وكأنها تعرضت ل«ضرب احتيال» من
القوى الغربية، وعلى رأسها الولايات
المتحدة طبعا، انتهى بتجريدها من «بيدق
شطرنج» مهم لها من الناحيتين
الاقتصادية واللوجيستية في العالم
العربي وحوض المتوسط. كان شعور موسكو بالمرارة والضيق إزاء
استخفاف الغرب ب«مصالحها» في منطقة لا
يفترض أنها على تماس مباشر بإسرائيل أو
منطقة الخليج، أكثر من مفهوم. غير أن
الاتجاه الذي أخذته الانتفاضة
السورية، وأسلوب القمع الدموي الذي
مارسه ضدها نظام الرئيس بشار الأسد «على
الطريقة القذافية».. كانا كفيلين
بتوضيح معالم الصورة أكثر. ومن ثم، مع
انكشاف حقيقة «فتور» الموقف
الإسرائيلي، وبالتالي الأميركي، من
مبدأ التغيير الذي تطالب به غالبية
الشعب السوري، واكتفاء واشنطن
بتحذيرات أقرب ما تكون إلى التمنيات،
اتضحت صورة أخرى للعبة الإقليمية -
الدولية التي هي أكبر من مجرد تغيير
نظام تسلطي متصخر مستعص على الإصلاح. «السيناريو» السوري المتعثر، وحالة
العجز العربي المألوفة، ومن ثم
التواطؤ الإقليمي والدولي، كلها عوامل
زاد من تأثيرها السلبي على الشعب
السوري وانتفاضته.. الاتجاه الذي أخذه
«الربيع العربي» بشقه التغييري، سواء
على صعيد الارتباك الحاصل في ليبيا،
ومآل الحالة اليمنية المائعة، ونتيجتي
الانتخابات في كل من تونس ومصر، بل مصر
بالذات. ما حملته الانتخابات المصرية في البلد
الذي تعاملت معه واشنطن بحزم، وعجلت في
إحداث التغيير على قمة السلطة فيه خلال
أسبوعين فقط، كان عاملا مهما - وإن لم
يكن مفاجئا - أسهم بصورة مباشرة في
توالي الأحداث في المنطقة، والمواقف
الدولية منها. وبروز «الإسلام السياسي»
بديلا حتميا لأنظمة التسلط المتخلف
التي طالما زعمت - زورا - بأنها «تقدمية»
تستند إلى دعم «الجماهير» وتؤمن ب«الاشتراكية»،
مسألة قرر العقل البراغماتيكي الغربي
التعامل معها بالطريقة العملية
الوحيدة التي يعتمدها في ممارسته
السياسة، سواء داخل دوله أو في علاقاته
الدولية الخارجية. هذا الطريقة اسمها «حساب التكلفة».. لا
أكثر ولا أقل. خلال الأشهر الماضي، بينما كانت الشعارات
المثالية تنطلق من هنا وهناك لتحية
انتفاضات «الربيع العربي» وتشجيعها
علانية، كانت أروقة طبخ السياسات في
العواصم الكبرى منهمكة في درس «تكلفة»
تلك الظاهرة.. بعيدا جدا عن العواطف
والمثاليات. فقط في دول أميركا اللاتينية، ربما، كان
هناك صدق «مبدئي» في مسألة استنكار
سقوط معمر القذافي والوقوف في وجه
انتفاضة السوريين ضد نظام الأسد. ففي
أوساط اليسار بدول أميركا اللاتينية (أميركا
الجنوبية وكوبا ونيكاراغوا) هناك عداء
دفين للسياسة الأميركية، وشك عميق في
مقاصدها، بفعل عقود متطاولة في
استغلال واشنطن ثرواتها الوطنية،
وتواطؤها المتكرر مع ديكتاتوراتها ضد
شعوبها. وبالتالي، بالنسبة لليسار
الأميركي اللاتيني الذي يحكم راهنا
أكثر من ثلثي دول أميركا الجنوبية، بما
فيها البرازيل والأرجنتين، فإن أي جهة
تعاديها واشنطن على المسرح الدولي -
ولو لفظيا - لا بد أن تكون من «المعسكر
المظلوم» المستهدف، وبالتالي، وجب
أخلاقيا التعاطف معها وشد أزرها. في المقابل، ينبع الموقفان الروسي
والصيني من مكان آخر مختلف تماما. فهنا
لا مكان ل«مثاليات» الأميركيين
اللاتينيين الأنقياء الذين تأخروا
كثيرا في اكتشاف حقيقة «الثوريين»
الذين دعموهم من منطلق النية الطيبة
حيال «رفاق» المظلومية.. المقاومين ل«الاستكبار»
الأميركي، وفق القاموس الإيراني! بعد أفول نجم الشيوعية عن موسكو، وانتهاج
ورثة دينغ هسياو بينغ «خطا» صينيا
مبتكرا من الشيوعية بالكاد يبقي على
شيء منها، يجوز القول إننا الآن أمام
حالة شبيهة بحالة الاستعمار الكلاسيكي
القديم عندما تقاسمت القوى العالمية
الكبرى، وبالأخص الأوروبية منها،
أراضي قارات العالم. فموسكو فلاديمير
بوتين، رجل «الكيه جي بي» السابق، لا
تحاور العالم باسم فضائل الاشتراكية
ومزاياها ومصلحة الشعوب في ترويجها
وتعميمها، بل تحاول إقناع الغرب في عصر
ما بعد «الحرب الباردة» بترك حيز لها
في خريطة تقاسم النفوذ المصالح. لنتذكر أن الحزب الشيوعي الروسي اليوم هو
حزب المعارضة الرئيسي في موسكو، وليس
حزب السلطة. ولنتذكر أن أكبر عدد من «طفيليي»
الانفتاح على «اقتصاد السوق» وغاسلي
أمواله، موجود اليوم في روسيا. ولنتذكر أن الشركات الصناعية الغربية -
رمز الاستغلال الرأسمالي وملكية وسائل
الإنتاج كما تعلمنا - تسقط راهنا، حسب
جدواها الاقتصادية، فرائس سهلة..
للرأسمالية الصينية الجديدة. وبناء عليه، عندما ترسل روسيا قطع
أسطولها إلى ميناء طرطوس فهي لا تفعل
ذلك من أجل الدفاع عن كادحي الشعب
السوري المظلوم، بل تفعل ذلك كإشارة
إلى واشنطن مؤداها أن على الولايات
المتحدة أن تحسب حسابها في الأسلاب
والمغانم، وبالتالي، تترك لها بعض
مناطق النفوذ. أصلا، كيف يمكن تفسير الموقف الروسي من
إيران، التي يحكمها نظام ثيوقراطي،
نكل باليسار على امتداد سنين؟ ما هو المبرر للتعاون التسليحي والنووي
مع طهران خارج إطار الرد على جشع
واشنطن واستخفافها بالآخرين،
وتوسيعها أبدا خطوط نفوذها عبر «حلف
شمال الأطلسي»، (ناتو) ليشمل عددا من
جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق؟..
وهذا، ناهيك عن مصالحها في آسيا
الوسطى، المنطقة الضخمة ذات الأهمية
الاستراتيجية النفطية والجغرافية
الكبرى بين أراضي روسيا والصين وإيران
وشمال شبه القارة الهندية؟ ولننس إيران قليلا، وننظر إلى علاقات
موسكو مع إسرائيل. هل انقطعت الصلات
بين موسكو وتل أبيب على الرغم من
التوتر الذي شاب العلاقات بعد اعتقال
بعض أثرياء الانفتاح اليهود الروس
بتهم «الإثراء غير المشروع»؟ ما يحدث اليوم هو انخراط عدة أطراف،
مباشرة أو بصورة غير مباشرة، في مساومة
بشعة على أشلاء الأبرياء، على تكلفة
التغيير وتقاسم مناطق النفوذ، بعيدا
تماما عن احترام حقوق الإنسان
والديمقراطية الحقيقية. وما يظهر بوضوح الآن أن عملية «استدراج
العروض» تسير على قدم وساق على مستوى
منطقة الشرق الأوسط، فبعدما استطاع «اللوبي»
الإسرائيلي في واشنطن إقناع إدارة
جورج بوش الابن بجعل «الشيعية
السياسية» الإيرانية شريكا تكتيكيا في
معركته ضد «السنية السياسية» تحت
ذريعة محاربة القاعدة وطالبان، مما
أدى بالنتيجة إلى تسليم العراق تسليم
اليد إلى طهران، ها هي واشنطن في عهد
باراك أوباما تفتح صفحة جديدة. إنها بعد ارتياحها لتجربة «السنية
السياسية» الحاكمة في تركيا، تفتح
اليوم - بإيحاءات إسرائيلية أيضا -
مفاوضات تفاهم وتعاون مع القوى
الإسلامية السنية الفائزة
بالانتخابات المصرية، بهدف التعايش
معها في وجه تزايد طموح طهران،
والأثمان الباهظة التي تطلبها طهران
وترى أنها تستحقها في خريطة النفوذ
بالمنطقة. في ظل عملية «استدراج العروض» هذه، تسقط
كل المبادئ والمثاليات.. والأقنعة «الممانعة»...
وتربح إسرائيل. ================= عطاء الله مهاجراني الشرق الاوسط 16-1-2012 بشار الأسد، مثل والده حافظ الأسد، شخص
ثرثار. في إحدى المرات، روى نائب وزير
خارجية الولايات المتحدة الأسبق جيمس
بيكر قصة لا يمكن تصديقها عن حافظ
الأسد. وصف بيكر حافظ الأسد بأنه كان
ممثلا بارعا، تحدث عن عديد من الأمور،
لكن كي نكون صادقين، لم يقل أي شيء! قال
بيكر إنه «بعد اجتماع واحد امتد لنحو 9
ساعات، شعرت أنني كنت في حالة من
اللاوعي!» على أي حال، ألقى بشار خطابه
الثالث يوم 11 يناير (كانون الثاني).
نتذكر أن بن علي ومبارك تخليا عن
السلطة بعد خطابهما الثالث! في خطابه
الثالث، قال بشار الأسد: «أعلم أنني
غبت فترة طويلة عن الإعلام لكنني اشتقت
لمثل هذه اللقاءات للتواصل المباشر مع
المواطنين لكني كنت دائما أقوم
بمتابعة الأمور اليومية وتجميع
المعطيات كي يكون كلامي مبنيا على ما
يقوله الشارع، أردت أن أكون معكم لأنني
ابن هذا الشارع وعلى من يريد أن يخاطب
الشارع أن يكون في الشارع مع المواطنين..
أردت أن أكون معكم لأوجه الشكر لكم
ولأبنائكم وأبث محبتي لكل مواطن سوري
خرج في كل ساحة وفي كل حي وكل جامع
ومدرسة وجامعة». خلال تلك الفترة من الغياب، قتل أكثر من
ستة آلاف شخص، والآن، يستخدم بشار كلمة
أساسية، إنه يزعم أن خطابه كان مبنيا
على مطالب السوريين. وينظر لنفسه على
أنه متحدث باسم شوارع سوريا. إنه ابن
الشارع. هل يمكننا أن نصدقه. هل يمكننا
أن نثق به. ما مطالب الناس في الشوارع،
وما هو رد فعل الحكومة السورية تجاهها؟ من الواضح أننا نشهد فجوة كبيرة بين
الحكومة السورية والسوريين. ومن
المؤكد أن خمسة آلاف شخص على الأقل
لقوا مصرعهم حتى الآن، وهذا أمر لا
يمكن إنكاره. لقد ارتكز خطاب بشار بالأساس على نظرية
المؤامرة. لم تكن تلك هي المرة الأولى
التي ناقش فيها بشار مفهوم المؤامرة.
لكن في هذه المرة، كان لديه تفسير
جديد، وضمن بعض الدول العربية وبعض
السوريين كأجزاء من المؤامرة الأجنبية.
بعبارة أخرى، حاول أن يغطي على الموضوع
الرئيسي. لقد قامت الجامعة العربية بتعليق عضوية
سوريا في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي
وأعلنت عن فرض عقوبات ضدها، كما أرسلت
أيضا لجنة مراقبة إلى سوريا بهدف تحديد
ما إذا كانت تلتزم بخطة سلام تلزمها
بسحب القوات من المدن وإطلاق سراح
السجناء والحوار السياسي أم لا. تمتلك السلطات السورية دبابات سرية في
مجمعات عسكرية وأمنية أو عربات مصفحة
أعيد طلاؤها باللون الأزرق الخاص
بسيارات الشرطة بهدف تضليل المراقبين.
لقد تم إطلاق سراح عدد محدود فقط من
الآلاف الذين تم احتجازهم أثناء حالة
الاضطراب التي عمت البلاد. أعتقد أن
بشار الأسد أخفى استراتيجيته الوحشية،
واستخدم الإصلاح كستار للتغطية على
الأفكار الحقيقية التي تعتمل في ذهنه.
مثلما هو متوقع، أثنى بعض المؤيدين
للنظام على خطاب بشار. على سبيل
المثال، نشر أحدهم مقالا في صحيفة «النبأ»
اللبنانية وأعيد نشر المقال في الصحف
ومواقع الإنترنت السورية مثل موقع «شام
برس» الذي نشر هذا المقال يوم 11 يناير (كانون
الثاني) الماضي. وتشبه العبارات
والكلمات المستخدمة في هذا المقال
كثيرا تلك المستخدمة في وسائل الإعلام
الحكومية الإيرانية: «كشف الرئيس
السوري بشار الأسد المستور وبانت خيوط
حياكة المؤامرة علي سوريا والمنطقة
واضحة وضوح الشمس لأي مراقب لا يستخدم
المنظار الأميركي والغربي.. هذه (الثورة)
التي لا يمكن أن تكمل عملها إلا
بالأجرة، وعندما ينقطع المال، فلن
يكون لها أي وجود وهي بالتأكيد ستقف
عند أعتاب البنوك و(القجج) الفارغة حتى
من العملات الرخيصة كالشيقل
الإسرائيلي». هذا رد فعل شهير جدا وقديم. إذا انتقدت
بشار الأسد وقواته العسكرية والأمنية،
واستجوبتهم حول قتل السوريين
الأبرياء، فلن يفعلوا شيئا سوى اتهامك
بالعمل لحساب أميركا وإسرائيل. ولهذا، ففي نهاية خطابه، أثنى على قوات
الأمن والجيش: «إن ثقتي في ذلك تنطلق
منكم ومن رجال قواتنا المسلحة.. رجال
الضمائر الحية والعزائم الصلبة.. الذين
يعبرون عن وجدان الشعب ويحمون قيمه
وتطلعاته ويقدمون التضحيات كي ينعم
بالأمان فباسمكم جميعا وباسم كل مواطن
شريف نوجه لهم التحية وهم يقفون على
أهبة الاستعداد ويصونون شرف الوطن
ووحدة ترابه وشعبه العربي». يبدو بصورة ما أن بشار يحاول إصلاح
الأخطاء التي وقع فيها في حواره مع
باربرا والترز. الآن، يثني على الجيش،
وهاجم الإخوان المسلمين واصفا إياهم ب«إخوان
الشياطين». إضافة إلى ذلك، خاطب
السوريين بلهجة الواعظ قائلا: «إن هذه
ليست ثورة.. فهل من الممكن أن يعمل
الثائر لمصلحة العدو بما يعني ثائرا
وخائنا.. هذا غير ممكن.. وهل من الممكن
أن يكون من دون شرف ولا أخلاق ولا دين..
لو كان لدينا فعلا ثوار حقيقيون
بالصورة التي نعرفها لكنت أنا وأنتم
وكل الشعب الآن نسير معهم وهذه حقيقة». من الواضح أن بشار يرغب في القول إنه لا
توجد ثورة حقيقية في سوريا. جزء من زعمه
صحيح، لأن السوريين طالبوا في البداية
بالإصلاح؛ طالبوا بالعدالة والحرية
والديمقراطية. لكن قبضة بشار الحديدية
غيرت الوضع إلى الأسوأ. فبعد سقوط أكثر
من 6 آلاف قتيل من صفوف المتظاهرين
وقوات الأمن، يتضح، يوما بعد يوم، أن
بشار سيواجه أسوأ موقف في حياته. في
سوريا، نواجه ثالوثا - أسرة واحدة
وحزبا واحدا وطائفة واحدة - يحكم
الدولة. وهذه الدائرة المغلقة يجب أن
تفتح الآن. إن سوريا أكبر بكثير من أسرة
الأسد. والمناخ السياسي أكثر شمولية من
مجرد حزب واحد، وكذلك المسلمون
والإسلام أكبر من مجرد طائفة واحدة في
سوريا. كل يوم جمعة، نشاهد عددا ضخما من
السوريين يؤدون صلاة الجمعة. إنهم
السوريون، وصوتهم هو صوت الشوارع. بشار
لا ينتمي إلى تلك الشوارع. إذا كانت
الأمة السورية تدعمه بحق، إذن لماذا
تعج كل المدن بالدبابات؟ إن بشار يعجز عن إخفاء الجرح الغائر في
سوريا. ومن يصوغون خطاباته يعبثون
بمصيره. ================= طارق الحميد الشرق الاوسط 16-1-2012 اقترح أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل
ثاني إرسال قوات عربية إلى سوريا لوقف
العنف هناك، وأيد هذا الاقتراح السيد
عمرو موسى، الأمين العام للجامعة
العربية السابق والمرشح للانتخابات
الرئاسية المصرية، في الوقت الذي قال
فيه وزير الخارجية الفرنسي إن «المجزرة
مستمرة وكذلك صمت مجلس الأمن»، مؤكدا
أن هذا الوضع «لا يحتمل»، وهناك
معلومات عن مطالبة أميركية للأتراك
باتخاذ موقف فاعل أيضا.. فهل نحن أمام
تبلور موقف دولي إزاء الأوضاع في
سوريا؟ أعتقد ذلك، لا سيما أن هناك مؤشرات تدل
على ذلك، منها تحرك بعض الأطراف
الفاعلة في منطقتنا، خصوصا الزيارات
العربية إلى واشنطن، أو الزيارات
الدولية إلى عواصم المنطقة، وبالأخص
الفاعلة منها، وفوق هذا وذاك تطورات
الأوضاع في سوريا، ومنها خطاب الأسد
الأخير، والذي أوحى إلى أن الرجل منفصل
عن الواقع، وليس لديه إلا المراوغة،
فتارة تفجيرات بحضور المراقبين العرب،
وكل يوم جمعة، وتارة أخرى اتخاذ قرار
عفو، شكلي، كلما قررت الجامعة أن تجتمع
لمناقشة الأوضاع السورية، فقرارات
العفو الأسدية، مثلا، تعددت دون أي
تنفيذ حقيقي! وعليه، فإن السؤال الآن هو: هل يمكن عمليا
إرسال قوات عربية إلى سوريا؟ ومن سيقوم
بذلك في ظل الدفاع المستميت الذي يقوم
به كل من العراق، والجزائر، ولبنان، عن
النظام الأسدي؟ ففي حال كان هناك موقف عربي، ودون شرط
الإجماع، وكذلك دولي، بالتحرك من أجل
وقف آلة القتل الأسدية، فإن الأمر لا
يتطلب إرسال قوات عربية فقط إلى هناك،
بل لا بد من التحرك تحت مظلة مجلس
الأمن، أو من خلال ما سميناه مرارا،
اتفاق الراغبين دوليا، وذلك من أجل فرض
منطقة عازلة في سوريا. أولا، وهنا يبرز
الدور التركي، ومن شأن ذلك إتاحة
الفرصة لأكبر عدد ممكن من أفراد الجيش
السوري للانشقاق، وهو ما قد يسرع
بإنهاء المعاناة في سوريا، فمزيد من
الانشقاقات يعني تسريع فرص الانقلاب
على الأسد، أو انهيار قوته العسكرية.
وهذا الأمر يتطلب أولا جهدا دوليا،
وقبله عربيا، من أجل مساعدة المعارضة
السورية، والتي من أبرز أسباب أزمتها
هو عدم حصولها على دعم حقيقي، رغم كل
الاتهامات التي توجه لها من قبل النظام
الأسدي، وحلفائه. وكما قلنا مرارا، فإن هذا يعني دورا
سعوديا، وتركيا، وقطريا، حقيقيا،
إضافة إلى تحرك أميركي جاد، إضافة
للفرنسيين، والبريطانيين، وخصوصا أن
زيارة رئيس الوزراء البريطاني الأخيرة
إلى السعودية، وتصريحاته من هناك،
تظهر جدية بريطانيا لوضع حد لآلة القتل
الأسدية. ومن شأن هذا التحرك القائم
على جهود الدول المشار إليها أن يفعل
تحولا حقيقيا في مجلس الأمن، ومع الدول
المؤثرة فيه، وتحديدا الصين وروسيا! لذا، فالقصة هنا ليست قصة إرسال قوات، أو
التقليل منها، بل هي ضرورة تحرك دولي
فاعل لدعم المعارضة السورية، ثم تأمين
منطقة عازلة، مع ضرورة التحرك في مجلس
الأمن، أو خارجه، من خلال تشكيل تحالف
الدول الراغبة لإنقاذ سوريا، وإنهاء
حقبة لم يعان منها السوريون وحسب، بل
والمنطقة كلها. =================== خالد أبو صلاح: أُمّةُ
في رجل…! إبراهيم اليوسف كلنا شركاء 15/1/2011 بات من المعروف، أن من بين ما استطاعت
الثورة السورية أن تنجزه، خلال عشرة
الشهور الماضية من عمرها- إلى جانب كسر
جدار الخوف- وإلى الأبد، الإنجاز
الأعظم في تاريخها، هو أنها باتت
تعرِّفنا إلى رجالاتها الجُدد، ممَّن
لم يكونوا على بال أحد، في مجتمعاتهم،
أو حتَّى أسرهم، فبرز منهم القادة
الميدانيون الذين لم يتابعوا دراساتهم
في الأكاديميات السياسية، أو
العسكرية، بل كانوا من المغمورين
اجتماعياً، وربَّما أسريَّاً، كي
نجدنا أمام أسماء جديدة، مهمَّشة،
كانت الأبعد عن تقديم ذاتها، منها
العاطل عن العمل، أو حامل الشهادة
العليا الذي يعمل في مجال الأعمال
المجهدة، أو طالب المدرسة، أو
الجامعة، أو الموظف الصغير، أو الفلاح
المجوَّع، وربَّما الفنَّان أو
الرياضيُّ، وكلُّ هؤلاء لم يكونوا من
عداد الأسماء النجومية، قبل هذه
الثورة، القيامة العظمى للإنسان
السوري. كثيرة جداً، هذه الأسماءُ، أسماءُ رسل
الخلاص الحقيقين، الذين يصنعون-الآن-مجد
سوريا الجديدة، ويرسمون ملامحها، فهم
القادة الميدانيون، و الأبطال الذين
يواجهون الرَّصاص، واقعاً، وليس عبر
صور شعرية، أو خطبة نظرية، رنَّانة،
غالباً كانت هي الأصل في كل الهزائم
التي مُني بها بلدنا، ومن بين هذه
الأسماء" خالد أبو صلاح" الطالب
الجامعي، العشريني، الذي بات يختزل
صورة رجل الثورة الحقيقي، في ذاته، فهو
البطل في الشارع، والسياسي في
الميدان، والقائد في المواجهة،
والسفير للثورة، والصحفي العملاق الذي
ينقل صوت الثوار إلى العالم كله،
مواجهاً كتائب النفاق الإعلامي، وهو
أحد من ينطبق عليهم القول" الفرد
الذي يهزم آلة الإعلام المزيفة"، من
خلال فضح أكاذيبها التي حيرت العالم
عبر عقود، ولا يزال هناك من يستمرىء
خديعته، كما يفعل بعض القيادات
البائسة في روسيا، ممن اندحروا في عقر
دارهم، بعد بيعهم أمجادهم التليدة، كي
يسرقوا–الآن- خيرات بلدنا، كشهداء زور
يولغون في دماء أبناء سوريا الجريحة. وإذا كان كل الغيارى على الثورة، رأوا في
إيفاد بعثة المراقبين التفافاً على
الثورة، ولعبة ديماغوجية تنمّ عن
محاولة الجامعة العربية عن حرصها على
عدم افتضاح عنانتها، وعجزها، عن تسمية
الأشياء بأسمائها- لاسيما وأن هذه
الخطوة جاءت بعد" تجميد عضوية سوريا
فيها-فإن الجهة صاحبة القرار فعّلت هذه
العضوية(وبأي منطق وقانون جرى هذا؟؟)
وهنا مكمن الغرابة والفضيحة. فكأني
بأبي صلاح قال في نفسه: سأتابع الكذاب
حتى باب داره، حين قام بأعمال خارقة،
وهل من معجزة أكبر، من أن يقوم هذا
الفتى المقدام، بالوصول إلى بعثة
المراقبين، وإجبارهم على أن يتوجهوا
للوقوف على حطام، وأطلال، بعض الأحياء
الدارسة التي تقول صراحة: ثمّة حرب
عظيمة، مرَّت من هنا، وليقدِّم الأدلة
القاطعة، على شكل صفعات على وجوه
المهرِّجين القتلة، وأتباعهم من شهود
الزور، على أن هذا الخراب تمَّ بسبب
آلة حرب النظام الدموي، وإن ذلك، لم
يتم بسبب قذائف إسرائيلية، بل ليشير في
حضور هؤلاء الشهود، المؤتمرين
بتوجيهات محمد الدابي، إلى قنَّاصة،
ورماة حواجز قائلاً: هذا الذي قتل..!، أو
ذاك الذي فعل كذا..!، وأن يعترف أحدهم
قائلاً: أجل، تأتينا أوامر بإطلاق
النار، ليرمي بزته العسكرية،
جانباًًًًًًًًًً، معلناً انشقاقه عن
قادة جيش يؤمر بقتل أهله. أو عندما
يعدُّ تقريراً عن حادث استشهاد هذا، أو
ذاك، مبيناً أن قاتليه هم الأمن
وشبيحتهم، وإن الأكثر مدعاة للعجب حين
يصور هذا الساحر، ببطولاته، مظاهرات
حي حمصي، كبابا عمر، وهو تحت القصف، من
دون أن يستعين بخبير استراتيجي، أو
عسكري، أو عرافَّة، فلا يواري ولا
يوارب ملامح المكان الذي يلتقط صوره
عبر بثِّ حيِّ، على إحدى الفضائيات،
يرقص خلال اللقطات أبناء وبنات حمص،
مشيعين هذا الشهيد أو ذاك، إلى مثواه
الأخير، بينما القذائف تستهدف المكان،
والرصاص ينهمر، مدراراً، نيابة عن
المطر، كي ينتقل بعد ذلك إلى حي آخر،
فآخر، يتابع التصوير، بوساطة هاتفه
المحمول، مخترقاً الحواجز التي لا
تسمح حتى للطيور بالتحليق في سماء
المكان، فيكون المصور الصحفي البارع،
بل المذيع، و الفدائي،" القبضاي"
الذي يشدّ المراقب، رهن التدريب، من
ياقته قائلاً له: أن اشهد وافتح كلتا
عينيك، ولا تغمضهما عن الحق..! ،
مقدِّماً له الحجَّة تلو الحجَّة،
ببراعة عبقريِّ فذِّ. وهل أشير إلى لقطة أخرى، هي أن أبا صلاح
استطاع، وبوجهه المكشوف، ولباسه الذي
لا يغيِّره-ربما إلى أن تحقق الثورة
النصر- أن يؤدي دوراً رمزياً، هو إعادة
دبَّابة استولى عليها الجيش الحر، إلى"
الجيش المأمور بأداء مهمَّة إبادة
الشعب، وذلك تنفيذاً لمادة رئيسة من نص
البروتوكول تتعلق ب" إنهاء المظاهر
المسلحة"ليبرىء "جانب" الجيش
الحر، ويؤكد للجامعة العربية،
وللعالم، أن من لا يوقف المظاهر
المسلحة هو" النظام" الدموي، لا
سواه..! بدهيٌّ، أن في ما أوردته هنا، عن الرَّجل،
حفيد ابن الوليد، بتسرة لنضاله الذي
يمكن أن يكتب في أكثر من مجلَّد، وهناك
عشرات القصص البطولية التي قام بها،
مؤدياً دوره، على أعظم نحو، ليكون أكثر
من رجل، بل أمَّة في رجل، وهو شأن
الملايين من شبابنا الذين يواجهون
أشرس آلة قتل في العصر على الإطلاق،
وكأنِّي بأبي صلاح أحد رموز الثورة،
حقَّاً، مادام أنَّه قادرٌ أن يؤدي
دوراً رمزياً عظيماً للجامعة العربية،
يمكنها أن تعتمد-لو أرادت-على تقاريره،
وحدها، كي تصل إلى البراهين التي أرسلت
مئات المراقبين إلى سوريا، من أجلها،
فتحسم الأمر، بصوت عال، وتوفر أرواح،
ودماء، خمسمئة شهيد بريء، بيد أنها لم
تفعل ذلك، للأسف…! ====================== دور "الأدب"
الإسرائيلي في صُنع النفسية
العدوانية بقلم: د. محمد توفيق الصواف مجلة نور الأدب / العدد التاسع 22/04/2011 م هل يُمكن أن يُعد أدب أي أمة مسؤولاً،
بشكل ما، عن تشويه نفسية متلقيه من
أبنائها، بزرع الكثير من النزعات
العدوانية الإجرامية الموجهة ضد كل من
ليس من هذه الأمة؟ وهل يمكن لأي نص من
هذا النوع أن يندرج ضمن قائمة الأدب
الإنساني، حتى وإن شفعت له فنية متطورة
وفرها له مؤلفوه؟ الباعث على طرح هذا السؤال، سؤال آخر
يطرحه كثيرون ممن أُتيحت لهم فرصة
الاطلاع على بعض نماذج الأدب
الإسرائيلي، وبخاصة تلك التي تُحرض
قارئها اليهودي تحديداً، ضد العرب
بشكل خاص، وتدعوه إلى احتقارهم
واضطهادهم وقتلهم وتعذيبهم على خلفية
عنصرية، وهذا السؤال هو: إلى أي حد
ساهمت نصوص الأدب الإسرائيلي في صياغة
النفسية العنصرية ذات النزعات
العدوانية ليهود إسرائيل؟ بداية، قد يكون من الضروري الإشارة إلى
الحقيقة التي تقول: إن الأعمال
الأدبية، في أي بلد، على اختلاف
أنواعها، من قصة وشعر ورواية ومسرحية،
يتجاوز تأثيرها، في متلقيها وخصوصاً
إذا كان من أبناء البلد الذي أنتجت فيه
حدود المتعة، إلى المساهمة الفعَّالة
في تشكيل جزء من بنيته النفسية
والعقلية... وعلى هذا يمكن القول: إن الطموحات
والعواطف والمشاعر المتضاربة للفرد
العادي التي تُبرزها الأعمال الأدبية
الصادرة في أي بلد، سواء عبر الصورة
الشعرية الموحية، أو من خلال سيرورة
الفعل ورد الفعل لأبطال الأعمال
الدرامية، لا بد أن تترك تأثيراً ما في
نفسية متلقي هذه الأعمال وفي عقله،
ولأنه من المحتمل تَحوّل هذا المتلقي،
في أي وقت، إلى جندي الساعة، عندما
تتعرض "بلده" لأي خطر من أي جهة
خارجية، أو عندما ترغب قيادته في شن
حرب على أي بلد مجاور أو بعيد، حتى وإن
كانت هذه الحرب عدوانية، فإن تأثير
الأعمال الأدبية والفنية التي قرأها
أو شاهدها، كثيراً ما يظهر في ممارسته
السلوكية، على أرض الواقع؛ ذلك أن هذه
الأعمال قد ساهمت، عن وعي منه أو عن غير
وعي، في تشكيل جزء من نفسيته وجانب مهم
من قناعاته العقلية، فإذا به يتصرف في
ساحة السلوك، قريباً أو على نحو مشابه،
لتصرف بطل هذه القصة أو تلك الرواية
التي قرأها، في ظرف مماثل... بتعبير آخر: نلاحظ أن تلك الطموحات
والعواطف والمشاعر التي قد تبدو فردية
في العمل الأدبي، وغير متبلورة
واقعياً، أي متخيلة، هي التي تتم
بلورتها وتحولها إلى فعل ملموس على أرض
الواقع، وخصوصاً في أوقات الحرب، بل هي
التي تبرز أثناء المعارك بوصفها عقلية
ذلك الفرد المحارب ونفسيته. على افتراض صحة هذه الرؤية لتأثير العمل
الأدبي، في نفسية متلقيه وعقليته،
وتطبيقها، من ثَمَّ، على جدلية التأثر
والتأثير بين نصوص الأدب الإسرائيلي
ومتلقيه من يهود (إسرائيل) تحديداً،
يُمكننا القول: إن التحليل الموضوعي
لنتائج هذه الجدلية على الصعيد
السلوكي للشخصية الإسرائيلية،
وخصوصاً في ساحة الحرب، يقودنا إلى
حقيقتين هامتين، تتعلق أولاهما بدور
المضامين التي تتمحور حولها، وما
يزال، نتاج معظم الأدباء
الإسرائيليين، وتأثيرها في البنية
النفسية للفرد الإسرائيلي، وهي مضامين
تُكرس النزعة العدوانية من منظور
عنصري ضد العرب، وفي حالتي السلم
والحرب معاً... أما الحقيقة الثانية،
وربما تكون الأهم، فهي أن ما تدعو إليه
تلك المضامين المشبعة بالروح العنصرية
العدوانية، ضد العرب، لم تبقَ مجرد
كلمات، بل تمّت بلورتها، بالتدريج،
لتتحول إلى أفعال وممارسات غير
إنسانية، يقوم بها الفرد الإسرائيلي
ضد الإنسان العربي، ولاسيما، في حالات
اشتداد الصراع بين الطرفين... ولكي نُضيء أكثر كيفية تحوُّل نتائج
التأثير الأدبي للنصوص العنصرية التي
أنتجها "أدباء" (إسرائيل)، إلى
ممارسات سلوكية، تتسم بالعدوانية
المفرطة، قام بها، ومايزال، معظم
الإسرائيليين الذين قرؤوا بعضاً من
تلك النصوص، في مرحلة ما من مراحل
حياتهم، قد يكون من الضروري، التعرف
أولاً على بعض ما ورد فيها، من صفات
سلبية تم استخدامها في رسم صورة
مشوَّهة للشخصية العربية، تدفع أي
يهودي يطلع على ملامحها إلى كُره
صاحبها واحتقاره والحقد عليه والرغبة
في إيذائه والفتك به... ولا أدل على صحة هذا المعطى، من اعتراف
"أديب" ك (عاموس عوز) الذي يضعه
النُقاد الإسرائيليون في مقدمة مبدعي
الأدب الإسرائيلي.. ففي برنامج أدبي
جرت وقائعه، في جامعة (تل أبيب)، عام 1979،
حول الصورة النمطية للعربي في الأدب
الإسرائيلي، وأشارت إليه الروائية
الإسرائيلية (شولاميت هارإيفين)، في
مقال لها نشرته، في صحيفة (معريف)
الصادرة بتاريخ 20/04/1979، قال (عوز)،
أثناء ذلك البرنامج، معترفاً دون أدنى
مواربة: «العربي في أدبنا شخصية هزيلة،
ونمطية دائماً، نُكنُّ لصاحبها الكثير
من الاحتقار والترفع والاتهام، وقدراً
ملحوظاً من الحقد»، وبدون تردد أو
مواربة أيضاً، لم يستثنِ (عوز) أياً من
"أدباء" (إسرائيل) أو يهودها من
تهمة النظر إلى العربي والشعور تجاهه،
على هذا النحو العنصري العدواني، إذ
قال معمماً: "كُلنا عموماً..." وإذا انطلقنا من اعتراف (عوز) الآنف، في
محاولتنا تتبع التأثير السلبي لصورة
العربي المشوَّهة، في الأدب
الإسرائيلي، على نفسية متلقي هذا
الأدب وعقليته ومواقفه من صاحب هذه
الشخصية، وكيف تمت ترجمة نتائج هذا
التأثير السلبي إلى سلوكيات مُفرطة في
العدوانية، ضد العرب، مقاتلين ومدنيين
عُزلاً، في أوقات الحرب والسلم، على
السواء، نلاحظ أن مضامين الكثير من
الأعمال الأدبية الإسرائيلية تؤكد
وتدعم ما اعترف به (عوز)... إذ نجد أن كثيرين من مؤلفي هذه الأعمال قد
قصدوا متعمدين إلى تحقير الإنسان
العربي والحط من كرامته الإنسانية
وقيمته، على مختلف الصُعد، ومن أبرز
هؤلاء، (شموئيل يوسف عجنون) الذي لم
يتورع في روايته الطويلة (تمول شلشوم =
أمس وأمس الأول)، عن تشبيه العرب
بالكلاب في جلستهم، كما لم يتورع عن
وصفهم ب (أعداء الحضارة) لزعمه في قصته (تهلا)
بأنهم حولوا ما وصفه ب (مراكز الحضارة
اليهودية القديمة في فلسطين) إلى
إسطبلات لحميرهم.. أما في أعمال روائي
مثل (بنيامين تموز) الذي يوصف أحياناً
بالاعتدال في نظرته للعرب، فرغم (اعتداله)
هذا لم يُظهر العربي، في روايته (رقفيئم
لنعمان = تراتيل لنعمان) إلا كمغتصبٍ
للنساء اليهوديات، أو كخادم مطيع
للأثرياء اليهود... وأما في أشعار (ناتان ألترمان) فتطالعنا
صورة العربي (القاتل) أو (اللص) فقط، وفي
قصة (الأسير) ل (سميلانسكي يزهار) نجد
العربي مجرد (مخلوق ضعيف أبله لا يقدر
على شيء)، وكذلك في روايته (خربة خزعة)
حيث تُطالعنا صورة العربي (الجبان
والمتخاذل والأناني) الذي لا يتوانى عن
الهرب من أمام أعدائه محاولاً النجاة
بنفسه وماله إن استطاع، تاركاً لأولئك
الأعداء أرض وطنه يستبيحونها كما
يشاؤون دون أي مقاومة منه... وإلى جانب هذه الملامح التي أُريد لها أن
تُثير في نفسية القارئ اليهودي أقوى
مشاعر الاحتقار للإنسان العربي، هناك
ملامح أخرى أراد مؤلفو الأدب
الإسرائيلي من وراء إلصاقها بالشخصية
العربية، أن يُثيروا في النفسية
الإسرائيلية أشد مشاعر الحقد ضد
صاحبها.. من ذلك مثلاً: الغدر والخيانة،
كما يزعم (ناتان ألترمان) في قصيدته
الطويلة (أنشيه علياه هشنياه = رجال
الهجرة الثانية)، ومن ملامحه المفتراة
أيضاً رغبته الدائمة في قتل
الإسرائيلي أينما وجد، مع حرص الذين
يصفونه بهذه الصفة على إغفال الأسباب
التي تُثير في نفسه هذه الرغبة،
وخصوصاً السبب المتمثل في احتلال أرضه
من قِبل ذلك الإسرائيلي، وطرده منها،
وقتله، دونما رحمة، إن هو رفض الخروج
أو أصرَّ على المقاومة... ومن أكثر "الأدباء" الإسرائيليين
الذين نحوا هذا المنحى الشاعرة
اليمينية المتطرفة (نعمي شيمر)
والروائية المماثلة لها، اسماً
ومنهجاً، (نعمي فرنكل).. وهاتان، مع
كثيرين غيرهما، من "أدباء" (إسرائيل)،
دعوا قُراءهم اليهود، في الكثير من
أعمالهم، إلى عدم التردد في قتل العربي
أينما وُجِد.. بل ذهب بعض هؤلاء إلى
أبعد من ذلك حين راحوا يُصورون لقارئهم
اليهودي أن إقدامه على هذا العمل
اللاإنساني يُعد مصدراً للإحساس ب (البطولة
والفخر)، كما نقرأ في بعض قصائد (شيمر)
نفسها!!! وبالانتقال من الطرف الأول للمعادلة، أي
"الأديب" المؤثر، إلى طرفها
الثاني، أي الإسرائيلي المتأثر بإنتاج
هذا "الأديب"، نلاحظ أن الهدف
الذي قصد إليه مؤلفو "الأدب"
الإسرائيلي قد تحقق إلى حد كبير...
فالذين تلقوا "أدبهم" من يهود (إسرائيل)،
وتأثروا به، وأُصيبوا بعقدة العنصرية،
قد تحولوا، في أيام السلم والحرب، إلى
ساديين يتلذذون بقتل العرب، حتى وإن
كانوا مسالمين عُزلاً؛ كما تحولوا،
وخصوصاً، في ساحات المعارك، إلى
مخلوقات بالغة الوحشية في ممارساتها،
ليس ضد العسكريين فقط بل حتى ضد
المدنيين أيضاً... وهذا ما نجد أمثلة كثيرة عليه في سجل
الممارسات الإسرائيلية ضد العرب،
وخصوصاً تلك المذابح المروعة التي لم
يستثنِ مرتكبوها حتى الأطفال
والعَجَزَة من القتل.. وإذا اتخذنا مما فعله جنود الاحتلال ضد
العرب، في الفترة الأولى من انطلاقة
الانتفاضة الفلسطينية، مثالاً على
نتائج ما زرعه "الأدباء"
الإسرائيليون في نفسية قُرائهم الذين
صاروا جنوداً في جيش الاحتلال
الإسرائيلي، نجد أن تأثير كتابات
هؤلاء "الأدباء"، قد بلغ، من
الوحشية والسادية العنصرية، في
الممارسة السلوكية، حدّاً مذهلاً في
قسوته.. إذ لم يتورع بعض هؤلاء الجنود
عن تكسير عظام الأطفال الفلسطينيين،
ودفن بعض شبان الانتفاضة وهم أحياء!!!
وهذه أعمال تصل، في قسوتها ووحشية
تنفيذها إلى أبعد وأشنع مما فعله أي
جيش إرهابي في التاريخ... بعد هذه الإطلالة السريعة على دور "الأدب"
الإسرائيلي في صنع النفسية العنصرية
العدوانية لمعظم يهود (إسرائيل)،
ودفعهم إلى ارتكاب أبشع الجرائم بحق
العرب، يمكن القول: إن صاحب نفسية
وممارسات كهذه، من المستبعد أن يكون
ميالاً لصُنع السلام مع العرب، بل
العكس هو الصحيح، كما تؤكد تصرفاته
وممارساته... ومثل هذا الموقف من الإسرائيلي، يُعتبر
بدهياً، حين ننظر إليه ونُحاكمه، على
خلفية النظرة العنصرية التي رسَّخها
"الأدب" الإسرائيلي في نفسيته، ضد
العرب، طيلة السنوات الخمسين الماضية،
كما سبقت الإشارة آنفاً.. خصوصاً وأن مؤلفي هذا "الأدب"، لم
يوضحوا لقُرائهم الإسرائيليين،
الأسباب الحقيقية للصراع، ولم يرووا
لهم الأحداث كما وقعت، بل كما ألفوها
هم، وعلى النحو الذي يزيد الكراهية ضد
كل ما هو عربي.. فقلما نجد "أديباً" إسرائيلياً تحدث
عن المذابح التي ارتكبها المستوطنون
الأوائل بحق العرب العُزل، أو نجد
بينهم من يقول الحقيقة، ولو لمرة
واحدة، حول ملكية العرب للأرض التي
استوطنها الإسرائيليون، بعد أن
احتلوها بالقهر والقوة، ومازالوا
يستوطنوها إلى اليوم... بل يُصورون
العرب على أنهم... وهكذا دون أي مُسوغ،
لا يريدون لليهود أن يستوطنوا تلك
الأرض، وأن العرب، هكذا ودون مُسوغ،
يكرهون الإسرائيليين، وأن العرب، هكذا
ودون مُسوغ، ينتفضون ضد الوجود
الاحتلالي (لإسرائيل) في أراضيهم... فهل
يُمكن لعاقل أن يُصدق أن كل هذا
الافتراء ليس مسؤولاً عما ارتكبه
ويرتكبه جنود الاحتلال ضد العرب، أو
أنه غير مسؤول عن رفض معظم
الإسرائيليين لصُنع السلام مع العرب!؟ ===================== روسيا.. التهديد
الإسلامي والثورات العربية السبت، 14 كانون الثاني 2012 حازم عيّاد السبيل اكتفت روسيا بدور المراقب للثورتين
المصرية والتونسية، إلاّ أنّ الثورة
الليبية أحدثت انعطافة مهمة بالموقف
الروسي الذي يحمل في ذهنيته صورة سلبية
للثورات الداعية للحرية، خاصة وأنّها
ارتبطت بالثورة البرتقالية في
أوكرانيا، فطفت إلى السطح المخاوف
الروسية التقليدية والمتعلقة بتمدد
النفوذ الأمريكي وعمليات حلف الأطلسي
«الناتو»، خاصة في البوسنة وكوسوفو،
كما لم تخفِ روسيا قلقها على مصالحها
في ليبيا أو علاقاتها التاريخية بنظام
القذافي، إلاّ أنّ زخم الثورات
العربية حينها وقوة الدفع الهائلة
آنذاك وسرعة تطور الأحداث وضبابيتها
أسهمت في اضطراب السياسة الروسية
آنذاك ومنعها من اتخاذ موقف صلب. تكثّفت هذه الصورة الدراماتيكية بشكل
أكثر وضوحا مع اندلاع الثورة السورية،
فعادت المخاوف والهواجس ذاتها ولكن
بصورة أكثر وضوحا، فهي تخشى من تمدد
النفوذ الأمريكي والأوروبي وتخشى من
التحولات (الجيوستراتيجية
والجيبولتيكية)(1) التي قد تنجم عن سقوط
نظام الأسد وصعود نجم تركيا بما تملكه
من نفوذ ثقافي وسياسي في أواسط آسيا
والعالم العربي، ومخاطر معقولة
باحتمال إيجاد بدائل عربية للغاز
الروسي عبر الأراضي السورية –
التركية، في الوقت الذي بذلت فيه روسيا
الغالي والنفيس لإقامة خط أنابيب
السيل الشمالي، والذي سيتبعه مشروع
آخر يسمّى السيل الجنوبي بشكل يحكم
سيطرتها على توريد الطاقة إلى أوروبا. لم تخفِ روسيا خشيتها من فقدان حليف قدّم
لها موطئ قدم في البحر المتوسط من خلال
استغلالها لميناء طرطوس، فضلا عن
الأهمية السياسية لنظام الأسد والذي
مكّن روسيا من ممارسة تأثير ولو محدود
على متغيرات الصراع العربي الصهيوني،
من خلال توريد السلاح والتأثير في
معادلة الصراع ، وهو المسار الذي يعمل
بالتوازي مع ملف إيران النووي الذي
لعبت فيه روسيا دورا بارزا من خلال
تقديمها لإيران مفاعل بوشهر ما مكّنها
من الاحتفاظ بمكانتها كقوة عظمى
مؤثّرة في السياسة الدولية ولاعب
محتمل في منطقة الخليج العربي. فإذا كانت المصالح الروسية السياسية
والاقتصادية هي اللاعب الرئيسي في
تحديد مواقف روسيا من الثورات
العربية، فإنّ المصالح الأمريكية
بدورها تعدُّ أكثر تضررا قياسا
بالأضرار المتوقع حدوثها لروسيا، غير
أنّ الولايات المتحدة اختارت ممارسة
سياسة الاحتواء والقبول والبحث عن سبل
جديدة للتفاهم مع القوى الصاعدة في
المنطقة عبر صناديق الاقتراع، وتجاوزت
حقبة بأكملها ممثّلة بحقبة بوش الابن
والقائمة على تعريف الصراع باعتباره
صراع ثقافي في أحد أبعاده يدور حول
مكانة الإسلام في السياسة العالمية،
وأظهرت مرونة كبيرة لا يمكن الاستهانة
بها في التعامل مع الربيع العربي، في
مقابل حالة من الجمود ومحدودية
الأدوات برزت في المقابل على الجانب
الروسي من المعادلة. في ضوء هذه الصورة الموضوعية لمصالح
الدول الكبرى في المنطقة العربية
وطريقة تفاعلها مع الثورات العربية
تقف روسيا في مربع افتراضي يحذر من خطر
تنامي التيارات الإسلامية في سوريا
وليبيا وسائر الدول العربية، مفترضة
صراع ثقافي وحضاري ومستحضرة مقولات
صامؤيل هنتجتون، وهو تناقض عجيب ورده
سياسة يصعب تفهمها، خاصة وأنّ روسيا
تمارس نوع من التحريض على القوى
الإسلامية الصاعدة عبر صناديق
الاقتراع. بالإمكان تفهم المصالح الروسية والهواجس
الاقتصادية إلاّ أنّه من الصعب تفهم
هذا الكم من التحريض على القوى
السياسية الصاعدة في العالم العربي،
والذي قد لا يجد المهتمين تفسير منطقي
له سوى الضعف الكامن في بنى الدولة
الروسية ومكونات القوة الكامنة لديها
ومحدودية الأدوات السياسية. مستقبل روسيا سيقف على محك قدرتها على
التكيف مع المتغيرات الإقليمية
والدولية والقدرة على احتوائها وبناء
علاقات إيجابية قائمة على المصالح
المتبادلة، وليس على اختلاق أعداء
افتراضيين ممثلين بالتيارات
الإسلامية والتحذير منهم باعتبارهم
خطر يتهدد القارة الأوروبية، في
محاولة قد تكون مكشوفة للاستفادة من
صعود اليمين الأوروبي المتطرف، أو
باستمرار الاعتماد على رموز وأشخاص لا
يمثّلون بالضرورة مصالح شعوبهم وحقيقة
توجهاتها. (1) الجيوبولتيك (الجغرافيا السياسية)،
ويقصد بها وزن الدولة أو الإقليم من
حيث الموارد، السكان، المساحة
والانعكاسات السياسية لهذه الأوزان.
الجيوستراتيجيا (الجغرافيا
الإستراتيجية)، مفهوم يتعلّق بالقيمة
الإستراتيجية للموقع السياسي للدولة
والإقليم سواء على المعابر أو الممرات
البحرية. ===================== مكونات الثورة السورية
وسياستها ياسين الحاج صالح الحياة 09/01/2012 الوجه الأبرز للثورة السورية هو التظاهرة:
خروج مجموعات تتراوح بين عشرات
الأفراد ومئات ألوفهم إلى الفضاء
العام ومحاولة احتلال حيّزات منه لبعض
الوقت، مع إطلاق الهتافات ورفع
اللافتات المناهضة للنظام والداعية
إلى سقوطه. تحيل التظاهرة إلى المكون
الميداني للثورة الذي عرفه العالم،
وشكّل ولا يزال منبع كرامة السوريين
والبرهان على شجاعتهم وجدارتهم
بالحرية. ويشمل هذا المكون كل الأفعال
الاحتجاجية الإيجابية والسلبية، بما
في هذه الإضراب. للثورة السورية مكونات أخرى. أولها
المكون الاجتماعي الداعم للنشاط
الميداني. أعني البيئات الاجتماعية
المتنوعة التي تحتضن الثورة وتؤمّن
الحماية والدعم للثائرين. وهذا المكون
متنوع جداً، يشمل أحياناً مناطق
وأحياء بأكملها في بعض الحالات، لكنه
متشكل في صورة شبكات مساندة في حالات
أخرى، مع المشاركة في النشاط
الميداني، وإن ليس دوماً بالتواتر
المشهود في درعا وحول دمشق، وفي حمص
وإدلب ودير الزور وبعض مناطق حلب.
الرابط الجامع لهذا المكون الاجتماعي
هو التماهي بالثورة كقضية وكفاعلية
يومية من جهة، والقطيعة التامة مع
النظام. هذا الشيء ربما لا يلحظه
سياسيون ومثقفون معارضون للنظام،
يفوتهم أن الأمر اليوم لا يتعلق
بمعارضة النظام، بل بالانفصال الكلي
عنه، وبالاستناد إلى الثورة كحدث مؤسس
ومنتج لشرعية جديدة. ثالث مكونات الثورة هو المكون العسكري.
يتعلق الأمر هنا بألوف من الجنود
والضباط الذين «انشقوا» عن الجيش
النظامي، وفي حالات أقل عن أجهزة
أمنية، وتجمعهم مظلة عامة هي «الجيش
السوري الحر». وعلى رغم سوء تسليحهم
وقلة عددهم، فقد نجح جنود الجيش الحر
في فرض درجة من الردع في بعض المناطق،
تحول دون مهاجمة قوى النظام التظاهرات
السلمية. والواقع أن كثيراً من
التظاهرات التي يراها العالم تنال هذه
الفسحة من المكان ومن الوقت بفضل هذه
الحماية بالذات. وهو ما يوجب تحليلاً
أكثر تعقيداً من ذلك الكلام الصوري
الذي يقيم تقابلاً بين التظاهرات
السلمية والتسلح. في الشروط العيانية
السورية اليوم، ليست العلاقة بين
الأمرين علاقة تنافٍ، بل هي أقرب إلى
علاقة تكامل. ودور الحماية هذا من جهة، وملابسات
انشقاق عناصر الجيش الحر من جهة ثانية،
وكون هؤلاء العسكريين هم التجسيد
الأقصى للقطيعة مع النظام من جهة
ثالثة، تسوّغ اعتبارهم مكوّناً أصيلاً
للثورة السورية. لذلك كانوا يستحقون ما
هو أكثر من اعتزاز بأفرادهم في تلك
الورقة التعيسة الموقّعة بين المجلس
الوطني السوري وهيئة التنسيق الوطني
في اليوم الأخير من العام المنقضي. المكون الرابع للثورة السورية هو السياسي.
ويشمل هذا المكون السياسي التنظيمات
والكتل التي تعتنق قضية الثورة وتعمل
على دعمها. كان المجلس الوطني السوري
نال شرعية شعبية مهمة، لكنها ليست
مضمونة له على الدوام. ويبدو أنها
اليوم في تراجع بسبب عدم تمكنه من
إعطاء انطباع إيجابي عن نفسه وعمله بعد
مؤتمر تونس قبل أسابيع، ثم بخاصة بعد
ما تسببت به الورقة المومأ إليها من
مشكلات داخلية أضعفته. لهذا المكون السياسي سمتان ظاهرتان.
أولاهما أنه تهيمن عليه المعارضة
التقليدية، وهذه في عمومها معارضة قبل
ثورية وغير ثورية، لم تغير في نفسها
شيئاً بعد الثورة، فلم يغير الله شيئاً
مما بها. والسمة الثانية أنها منقسمة،
وأن انقسامها متأصل في تكوينها، وأن
صراعاتها تحتدّ بدرجة تتناسب طرداً مع
حدة الصراع مع النظام، الأمر الذي وفر
على الدوام هامش مناورة مريحاً للنظام.
ولانقسام المعارضة التقليدية نسق قديم
يكاد يكون ثابتاً، لا يشكل التقابل بين
المجلس الوطني وهيئة التنسيق غير آخر
حلقة من حلقاته. للثورة السورية مكون ثقافي يضم فنانين
وكتاباً واكبوا الثورة بوسائلهم
المتنوعة. ولعل في ما أعلن أخيراً من
تشكل رابطة للكتّاب السوريين ما قد
يكون مأسسة لانشقاق الكتّاب عن النظام.
ليس واضحاً بعد كيف ستسير الرابطة، ولا
إن كانت ستشكل إطاراً ديموقراطياً
فعلياً لتفاعل أو عمل أولئك الذين
يتكلمون على الديموقراطية أكثر من
غيرهم. يفترض أن تجرى خلال أيام هيكلة
الرابطة وانتخاب من يديرونها، وسيكون
هذا أول امتحان ل «أول مولود ديموقراطي
للثورة السورية»، على ما قال أحد
مؤسسيها. ومن الخصائص البارزة للثورة السورية أن
مكونها الإعلامي مندمج بقوة بالمكون
الميداني، وأن المتظاهرين أنفسهم هم
من يقومون بتصوير أنشطتهم. وهذا ليس من
دون حماية فقط، بل مع استهداف خاص
لهؤلاء «الإعلاميين» غير المحترفين.
من المحتمل أنه يتمايز ضمن المتظاهرين
من يختصون بالتصوير والتسجيل وبث
المعلومات، لكن لا يكاد يكون أحد من
هؤلاء مختصاً بالإعلام في الأصل. لكن ينبغي أن تُدرج ضمن المكون الإعلامي
للثورة السورية فضائيات عربية، «الجزيرة»
و «العربية» بخاصة، وفرت للثورة منابر
بث واسعة الانتشار، وساهمت في إبطال
مساعي النظام لعزلها وخنقها. وللثورة مكون اقتصادي أيضاً. وهو يشمل «ناشطين
اقتصاديين»، يساهمون في دعم الثورة
مادياً. ويتوافر انطباع بأن مساهمة هذا
القطاع مهمة ومتزايدة. وهذا شيء غير
مسبوق، بالنظر إلى أن أصحاب الأعمال هم
الأكثر حذراً، وهم أنفسهم من يقولون عن
قطاعهم إنه الأجبن. ويقع على عاتق هذا
القطاع جانب من العبء الإغاثي الكبير
الذي تتحسن سبل النهوض به، وقد ساعد في
صون كرامة أسر وأفراد من الأكثر
تماهياً بالثورة. فهم الثورة السورية يقتضي النظر بتفصيل
في كل من هذه المكونات. لكن تحديد
مكونات الثورة أمر مهم عملياً، ومن
شأنه أن يساعد على وضع السياسة
الملائمة لسير الثورة نحو غاياتها
المرجوة. يلزم قبل كل شيء ضمان
استمرارية النشاط الميداني واتساعه،
فهو أساس الثورة ومبدأ استمراريتها،
وكل المكونات الأخرى تعتمد عليه، ولا
قوام لها من دونه. يلزم بالقدر نفسه
توفير الدعم المادي والسياسي للمكون
الاجتماعي، والرعاية المادية
والسياسية أيضاً للجيش الحر، وتطوير
العمل الإغاثي ليشمل أوسع المحتاجين.
ويتعين بناء الهياكل السياسية الداعمة
للثورة حول هذه المهمات. الثورة هي
الداخل السوري الجديد، وبناء السياسة
حولها هو ما يعيد السياسة إلى الداخل
الوطني، خلافاً لنهج النظام الثابت،
وخلافاً لما تقوم به حتى اليوم تشكيلات
المعارضة. ------------------------ المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |