ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الاثنين 23/01/2012


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

السلطان والطغيان

بقلم/ خالص جلبي

الراية

22-1-2012

تقول القصة أن (كونفوشيوس) مر على مقربة من جبل (تاي) فأبصر بامرأة تقف إلى جانب أحد القبور وتبكي بمرارة وحرقة. فسارع المعلم إليها. وبعث بتلميذه (تسي  لو) يسألها: إنك لتبكين يا امرأة وكأنك احتملت من الأحزان فوق الأحزان. فردت المرأة تقول: وكذاك الأمر فقد قتل نمر من قبل والد زوجي في هذا الموقع. وقد قتل زوجي أيضاً. وهاهو ولدي قد مات نفس الميتة أيضاً. فقال المعلم: ولماذا .. لماذا لم تتركوا هذا المكان؟، فردت المرأة: ليست هنا حكومة ظالمة. فقال المعلم آنذاك تذكروا قولها يا أولادي: إن الحكومة الظالمة أشد فظاعة من النمر. نعم إن الحياة في غابة أفضل من الحياة في مجتمع بدون قانون. ويعقب الفيلسوف البريطاني (برتراند راسل) في كتابه (السلطان) على هذه الواقعة للتأكد من (كون الحكومة أقل فظاعة من النمر) فيرى أن مشكلة ترويض السلطان موضوع قديم :(وظن الطاويون أنها مشكلة لا تحل فنصحوا بالفوضوية .. وجرب العالم الحكم العسكري المطلق والثيوقراطي والملكية الوراثية وحكم القلة والنظام الديموقراطي وحكم القديسين ويدل كل هذا على أن مشكلتنا لم تحل بعد).

ويذكر (إمام عبد الفتاح إمام) تجربة اجتماعية رهيبة في كتابه (الطاغية) ص 54 أن العادة جرت في بلاد فارس قديماً عندما يموت الملك أن يترك الناس خمسة أيام بغير ملك وبغير قانون بحيث تعم الفوضى والاضطراب جميع أنحاء البلاد، وكان الهدف من وراء ذلك هو أنه وبنهاية هذه الأيام الخمسة، وبعد أن يصل السلب والنهب والاغتصاب إلى أقصى مدى، فإن من يبقى منهم على قيد الحياة بعد هذه الفوضى الطاحنة سوف يكون لديهم ولاء حقيقي وصادق للملك الجديد، إذ تكون التجربة قد علمتهم مدى رعب الحالة التي يكون عليها المجتمع إذا غابت السلطة السياسية.

ويرى (راسل) أن الدولة يمكن أن تمارس ضغطها الساحق في صور شتى كما في علاقتنا بالحيوانات سواء بتعليق الخروف بحبل وشده بعنف وهو السلطان العاري، أو عندما يلحق الحمار الجزرة مقتنعاً أن مصلحته في أن يفعل ما نريد، أو الحيوانات التي تتقن (التمثيل) وسطاً بين هذين الصنفين، أو بصورة مغايرة كما في قطعان الأغنام عندما نريد حملها إلى البواخر فنجر قائد القطيع بالقوة فلا تلبث حيوانات القطيع الأخرى أن تسير وراءه راضية مختارة. وحسب (راسل) فإن: (حالة الخروف تتمثل في سلطان الشرطة والقوات العسكرية.

وتمثل حالة الحمار والجزرة سلطان الدعاية. وتظهر الحيوانات الممثلة قوة التعليم فتؤدي الجماهير التحية للقائد البطل. أما القطيع الذي يتبع قائده المقهور على إرادته فيتمثل في السياسات الحزبية عندما يكون زعيم الحزب أو قائده موثوقاً إلى زمرة من الناس).

ويرى (راسل) أن المخلوقات البشرية لابد لها من أن تعيش على نحو جماعي ولكن رغباتها :(خلافاً لرغبات النحل تبقى فردية ومن هنا تنشأ المتاعب والحاجة الماسة إلى قيام حكومة) وعند هذا الخيار الموجع بين (فوضى الغابة) و(طغيان الدولة) ولدت الحكومات ولكن مع عدم التكافؤ في السلطان: (إذ أن من يملكون أكثره يستخدمونه لتحقيق رغباتهم التي تتعارض مع رغبات المواطنين العاديين، وهكذا فإن الطغيان والفوضى يتشابهان في نتائجهما المدمرة) أو كما قال (أفلاطون) في كتابه (الجمهورية):(إن عقيدتي هي أن العدالة لا تخرج على أن تكون مصلحة الأقوى).

وقصة كونفوشيوس مع المرأة تفتح الباب لفهم سيكولوجية الطغيان. فالطغيان مرض اجتماعي إنساني؛ فلم نسمع أن نحلة مثقفة هتفت بالحرية ضد الظلم؛ وإذا حاولت نحلة أن تدعي الثقافة فترقص لقطيع النحل فقد يستمتعون برقصها ولكن مفهوم الطغيان قد يضيع وقتهم عن جمع الرحيق وإنتاج العسل.

والعقارب تعيش على وجه الأرض منذ 400 مليون سنة. ولكن لم يحدث أن حصل انقلاب عسكري بين صفوفهم يقوده الرفاق الثوريون؟، كما لم نسمع عن ثورات في مجتمع النمل.

والحيوانات والحشرات والطيور ودواب الأرض وبني البشر يعيشون في مجتمعات. وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم. ولكن المجتمع الإنساني مفتوح وبقية المجتمعات مغلقة تعيش برتابة. المجتمع الإنساني يتطور ومجتمعات السمك والحشرات والأفاعي لم تغير سمتها منذ نصف مليار سنة منذ أن بدأت عديدات الخلايا في الظهور بالانفجار الثاني البيولوجي الذي حدث قبل 530 مليار سنة بعد الانفجار الكوسمولوجي الذي حدث قبل 15 مليار سنة.

مفكر إنساني

=================

ثورةٌ سوريةٌ حتى النصر

د. وائل مرزا

الأحد 22/01/2012

المدينة

لايساوي العام شيئاً بمقياس حياة الأمم والشعوب. وفي حين مضت على سورية عقودٌ كانت فيها البلاد مثالاً على حالة (الاستنقاع) السياسي على وجه الخصوص، قلبَ الشعب السوري المعادلة بكل عناصرها في أقل من عامٍ واحد.

خرج المارد السوري من القمقم، وأجبر الجميع على إدراك حقيقةٍ واضحة: أنه (ثائرٌ) حتى النصر. ويمكن القول دون أي تردد أن إصرار السوريين على السير في ذلك الاتجاه هو الثابت الوحيد. أما كل شيءٍ آخر فهو متغير. بما في ذلك موقف المترددين والمعاندين والحائرين والمتربصين داخل سورية وخارجها، أفراداً كانوا أو دولاً أو منظمات..

سورية تعيش ثورةً حتى النصر لأسباب عديدة.

لأن الملايين فيها أدمنت على طعم الحرية، والتاريخ يقول إن هذا النوع من الإدمان يستعصي على العلاج إلى درجةٍ كبيرة. فبعد عشرة أشهر من بدء الثورة، ورغم كل أنواع القمع والهمجية من قبل النظام، تضرب نقاط التظاهر المطالبة بإسقاط النظام أرقاماً قياسية بشكلٍ مضطرد. ولابد للشعور بقيمة هذا الأمر أن نتذكر كيف كان السوري يخشى الهمس في غرفةٍ مظلمة بأقل من ذلك بكثير قبل عامٍ واحد.

ثورة سورية تسير نحو النصر لأن حاجز الخوف انكسر نهائياً. وقد ذكرنا أكثر من مرة أن هذا يُعتبر مكسباً هائلاً، لأنه مفرق طريق نفسي متميز في عملية قيام الدول ونهوض المجتمعات. فهو الأداة الرئيسة لظهور إرادةٍ جمعيةٍ على التغيير الجذري لايمكن أن يقف في وجهها بعد حاجز الخوف حاجز، مهما طال الطريق.

ثورة سورية تسير نحو النصر لأن جميع شرائح الشعب باتت تُدرك الحقيقة الوحيدة المذكورة أعلاه. من هنا، لايصحّ أن يمرّ بشكلٍ هامشي البيان الصادر عن مجموعة تزيد عن مائة شخص من أبناء الطائفة العلوية الكريمة بعنوان (بيان من أجل المواطنة)، والذي يرد فيه مايلي: «نحن الموقعون أدناه، مواطنون سوريون، علويو المولد، اخترنا أن نعبر عن رأي مجموعة كبيرة من أبناء الطائفة العلوية حيث أجبرتنا الظروف والمسؤولية الوطنية إلى الإشارة مكرهين إلى خلفياتنا الاجتماعية. منذ بداية انتفاضة الحرية في سوريا، دعمنا كافة مطالبها مروراً باسقاط النظام بكافة رموزه وانتهاء ببناء دولة مدنية ديموقراطية تحترم جميع مواطنيها. إننا نستنكر محاولة النظام من خلال ألاعيبه الأمنية والإعلامية ربط الطائفة العلوية خصوصاً والأقليات الدينية عموماً به. بنفس السوية ندين سلوك وتصريحات أطراف معارضة تحاول إضفاء صفة طائفية على انتفاضتنا التي كانت ومازالت انتفاضة كرامة بمطالب مدنية. هذه الأطراف ليست سوى الوجه الآخر للنظام القمعي. إننا نؤكد على ما يلي: 1) وحدة الشعب السوري بكافه أطيافه الدينية والقومية، والعمل على بناء دولة حرة ديموقراطية تحفظ حقوق مواطنيها بالتساوي وهذا يتم بداية باسقاط النظام الاستبدادي الحالي. 2) نطالب الجيش السوري التوقف عن تنفيذ أوامر القتل ضد المتظاهرين السلميين. 3) نجرّم أعمال القمع الوحشية التي يقوم بها أزلام النظام (الشبيحة) أيّاً كانوا، ولأي جماعة دينية أو قومية انتموا. 4) نتبنى الدفاع عن الحقوق المدنية للمواطنين السوريين من كافة أطياف المجتمع السوري وسنبقى ندافع عنها في وجه من يتعدى عليها أيّا كان. 5) ندعو المواطنين السوريين العلويين وأبناء الأقليات الدينية والقومية المتخوفين مما سيلي انهيار النظام إلى المشاركة في إسقاط النظام القمعي والمساهمة في بناء الجمهورية السورية الجديدة، دولة القانون والمواطنة. 6) ندين أية ممارسات وتصريحات طائفية تصدر عن معارضين، ونعتبرها إساءة للشعب السوري كله ولمستقبل سوريا. وندعو قوى الثورة إلى إدانة مثل هذه الممارسات والتصريحات. 7) ندعو جميع أبناء سوريا بكافة انتماءاتهم إلى التوقيع على هذا البيان بعد صدوره...».

ثورة سورية تسير نحو النصر لأنها شهدت في الآونة الأخيرة ثالث تحرك من نوعه للمثقفين والفنانين الذين باتوا ينحازون للثورة بشكلٍ متصاعد. فبعد تشكيل «رابطة الكتاب السوريين الأحرار» و»تجمع فناني ومبدعي سوريا الأحرار»، أسس التشكيليون السوريون تجمعاً مستقلاً كان مما جاء في بيان إعلانه أنهم يجدون أنفسهم «أمام استحقاق طال تأجيله: تأسيس كيان مهني مستقل، يخصهم ويشبههم ويدافع عنهم، ويعبر عن خياراتهم الفكرية والإبداعية في هذه اللحظة المفصلية من تاريخ شعبهم».

ليخلص إلى أنه «أمام هذه المصادرة المزمنة، يجد الفنانون التشكيليون السوريون الموقعون على هذا الإعلان أنفسهم، مدفوعين بقوة إيمانهم بحقوقهم، أنه بات ضروريا إعلان أن النقابة الحالية لا تمثلهم، وأنهم قرروا إنشاء كيان مهني جديد من صنع أيديهم».

ونعيد التذكير بأن مثل هذه المبادرات تحمل دلالات هائلة، بحكم الثقافة السائدة ودور (الرموز فيها) ومايمكن أن تجلبه حركتهم من دعمٍ كبير لشرائح واسعة من المجتمع. وفوق الرمزية المذكورة، فإن انضمام هؤلاء له دلالاته الحساسة جداً في عملية فكّ ارتباط النُخب (المدينية) المثقفة من أَسرِ النظام وتهديداته.هذا فضلاً عن قدرة هذه الشريحة على استقطاب شرائح أخرى من كبار الفنانين والمثقفين إلى صفّ الثورة بعد أن اتضح للجميع أن خيار الحياد، خاصة لقادة الرأي وصناعه، لم يعد خياراً مناسباً ولامقبولاً، لاعلى الصعيد المبدئي ولا على الصعيد الشخصي.

لهذا، ولكثيرٍ غيره من العوامل، تبدو الثورة السورية سائرةً نحو نصرها القادم المحتوم بإذن الله.

=================

سوريا: نهاية مهمة المراقبين العرب ؟

ليز سلاي - دمشق

تاريخ النشر: الأحد 22 يناير 2012

الاتحاد

ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفيس"

بحلول يوم الخميس الماضي يكون التفويض الذي منحته الجامعة العربية لبعثة المراقبين إلى سوريا قد وصل إلى نهايته بعد مرور شهر على دخول البعثة الأراضي السورية بموجب البروتوكول الذي وقعت عليه دمشق في وقت سابق، ولكن البعثة على ما يبدو لم تحقق الهدف المتوخى منها والمتمثل في وقف إراقة الدماء في وقت تتصاعد فيه أصوات النشطاء السياسيين في سوريا الداعية إلى وقف عمل البعثة وعدم التجديد لمهامها. ويتوقع أن يبت وزراء الخارجية العرب في اجتماعهم الذي سيعقد اليوم الأحد بالقاهرة في تمديد صلاحية البعثة من عدمه، واحتمال إقرار إجراءات أخرى تضيق الخناق على نظام بشار الأسد الذي أدى قمع قواته المتواصل للمظاهرات المستمرة منذ أكثر من عشرة أشهر إلى سقوط أزيد من خمسة آلاف قتيل حسب أرقام الأمم المتحدة. وينتظر المراقبون العرب الذين أرسلتهم الجامعة العربية إلى سوريا، البالغ عددهم 125 مراقباً، ما سيسفر عنه اجتماع الجامعة العربية على المستوى الوزاري، وذلك بعد رفع تقريرهم الخاص بالمهمة إلى الأمانة العامة للجامعة العربية.

ولكن على رغم الانتظار يبدو أن أربعين من المراقبين كانوا قد غادروا سوريا خوفاً على سلامتهم، وهو ما أكده مسؤول كبير في الجامعة العربية رفض الإفصاح عن اسمه لأنه غير مخول بالحديث إلى وسائل الإعلام. وفي الوقت الذي ناضل فيه العديد من النشطاء والمدافعين عن حقوق الإنسان في البداية لإرسال الجامعة العربية لبعثة المراقبين لعل ذلك يوقف آلة القتل اليومية التي يستخدمها النظام ضد المحتجين، فقد باتوا اليوم أقل تحمساً للبعثة مطالبين بسحب فريق المراقبين وإحالة الملف السوري إلى مجلس الأمن، على أمل صدور إدانة أكثر صرامة وفاعلية من المجتمع الدولي ترغم النظام على كف يده عن المحتجين.

غير أن الحكومة السورية التي ماطلت لأسابيع قبل قبول بعثة المراقبين الحالية، ودخلت في مفاوضات طويلة للموافقة على البروتوكول المنشئ للبعثة، سارعت هذه المرة إلى إعلان استعدادها للتمديد لمهام البعثة واستمرار عملها، ربما كما يقول المراقبون لأنها أدركت عجز البعثة عن حماية المحتجين والضغط الفعال على النظام؛ هذا وقد تعرضت البعثة منذ انطلاقها قبل شهر لانتقادات شديدة بسبب العدد المحدود لأفرادها والقيود المفروضة عليها على نحو لا يسمح لها بالوصول إلى جميع الأماكن في سوريا التي تعرف احتجاجات عارمة ضد نظام الأسد، على رغم أن المدن الكبرى، خاصة دمشق وحلب، ظلت في المجمل بمنأى عن الحركة الاحتجاجية التي تجتاح البلاد. والمشكلة أن بعض أفراد البعثة ينحدرون من دول عربية قد لا تحترم كثيراً حقوق الإنسان، كما أن رئيس البعثة الجنرال السوداني، محمد أحمد الدابي، متهم بالتواطؤ في بعض ما عرفه السودان من عنف، وفي هذا السياق يضيف عمر شاكر، الناشط من مدينة حمص الذي يطالب بوضع حد لمهمة بعثة المراقبين أن: "بعض الأنظمة العربية لا تريد للربيع العربي أن ينجح خوفاً مما يمكن أن يترتب عليه من تداعيات". ومع ذلك يتوقع المسؤول البارز في الجامعة العربية، الذي رفض ذكر اسمه، أن يأتي تقرير بعثة المراقبين قاسيّاً على النظام في سوريا، مضيفاً أنه لا يمكن الجزم بفشل البعثة العربية لأنها على الأقل أسهمت في خروج عدد أكبر من المتظاهرين الذين استغلوا حضور المراقبين بينهم ليظهروا معارضتهم للنظام، وهو ما يسهم في لفت الانتباه الدولي للأزمة المستفحلة في سوريا "ولذا لا يمكن القول إن اللجنة أخفقت تماماً في مهامها".

وفي تطور آخر بدأت الحكومة السورية تصدر تصاريح دخول للصحفيين الذين منعوا في السابق من تغطية الأحداث في سوريا، وكان مطلب دخول الإعلام أحد البنود التي نص عليها بروتوكول الجامعة العربية الذي وقعت عليه الحكومة السورية، ولكن المطلب الأهم الذي ركزت عليه الجامعة العربية وأرسلت بعثتها من أجله لم يتحقق على أرض الواقع، وهو التزام النظام السوري بخطة السلام العربية التي تنص أولاً وقبل كل شيء على وقف العنف، وذلك لأن البعثة لم تجد ما تراقبه بهذا الخصوص وسط القتل اليومي المتواصل وسقوط المزيد من القتلى. فمنذ دخول بعثة المراقبين العرب إلى سوريا في شهر ديسمبر الماضي سقط ما لا يقل على 746 قتيلاً حسب منظمة "آفاز" المدافعة عن حقوق الإنسان. ويقول النشطاء إن قوات النظام توقف إطلاق النار عندما يصل أحد المراقبين إلى مكان الحدث لتعاود إطلاقه وبكثافة ما أن يغادر المراقب المكان. ومع هذه الصعوبات التي تواجهها بعثة الجامعة العربية وفشلها في وقف العنف مع استمرار النظام في قتل المحتجين وتسارع وتيرة العنف، بدأت تتصاعد العمليات العسكرية التي ينفذها الجيش السوري الحر التي تهدد بإدخال سوريا إلى مرحلة يصعب الحديث فيها عن خطة سلام من أي نوع والرجوع إلى ما قبل انطلاق العنف. ولعل الانسحاب الأخير للقوات الأمنية من منطقة الزبداني بعد تفاوض مع أفراد الجيش السوري يثبت وجهة نظر بعض المعارضين من أن الخيار السلمي لم يعد قادراً على إسقاط النظام وحماية المدنيين، وبأن اللجوء إلى المقاومة بات الحل الوحيد في ظل غياب أفق سياسي للأزمة واشتداد القمع والتنكيل. وعلى رغم وصول المراقبين العرب إلى الزبداني يوم الخميس الماضي فقد أكد أحد النشطاء الذي قال إن اسمه، محمد فارس، أنه لا علاقة لانسحاب قوات النظام بوجود المراقبين العرب، موضحاً ذلك بقوله: "عندما جاء المراقبون مكثوا ساعة من الزمن ثم غادروا دون أن يفعلوا شيئاً، إنهم فقط يشاهدون ما يجري ولا يستطيعون حمايتنا، ولذا لا جدوى من بقائهم في سوريا".

=================

شتاء سوريا الذي يعترض ربيعها

عمر قدور

المستقبل

22-1-2012

لم يتوقع أشدّ المتفائلين أن يسلّم النظام السوري بأحقية مطالب الشارع الثائر، مع ذلك لم تذهب التوقعات إلى التكهن بما قد يواجه به النظام شعبه، أو بقيت دون المستوى الذي بلغته آلة القمع، وهنا لا ينبغي أن نلوم أحداً لأن ما اقترفه النظام الأمني فاق في كثير من الأحيان القدرة الإنسانية الطبيعية على الاستشراف. المؤسف، في هذه اللوحة القاتمة برمتها، أن أنظار العالم تركزت على المشاهد المروعة للقتل اليومي الذي يطال المتظاهرين السلميين، وعن استحقاق غيبت هذه المشاهد أنواعاً أخرى من المعاناة، وبالدرجة الأولى معاناة عشرات الآلاف من المعتقلين الذين لا يُعرف مصير أغلبهم، خاصة إذا استذكرنا الجثث التي سُلّمت للأهالي بعد الإمعان فيها تنكيلاً وتمثيلاً.

من الاستنكار والغضب الدوليين اللذين ظهرا بداية وكأن العالم معنيّ بشكل قوي بما يحدث، نزولاً إلى المبادرة العربية التي لا تصل إلى سقف طموحات الثائرين، وأخيراً البروتوكول الخاص بالمراقبين العرب وما رافقه من مساومات بحيث صار غاية بحد ذاته!. هذا الخط البياني الهابط يبدو كأنه يتناسى ما خرج من أجله السوريون والحقوق المشروعة التي نادوا بها، فيصبح الحق الأدنى وهو الحق في الحياة مطلباً. لكن السوريين أثبتوا تمسكاً شديداً بمطالبهم، وعلى العكس مما سبق تمت التضحية بالحياة من أجل حياة أخرى كريمة خالية من الاستبداد، وهذا ما يدفعون ثمنه يومياً، بل إن الثمن مرشّح للتصاعد باطراد شديد مع كل يوم تستمر فيه انتفاضتهم، ومن الخطأ الظن أن الثمن يقتصر على الثائرين فقط؛ إنه الثمن الذي بدأ الجميع بدفعه على مستويات متعددة.

من الخطأ أيضاً الظن أن الموالين للنظام لن يشاركوا في دفع الثمن، والمقصود هنا هم الموالون من الشرائح الدنيا لا تلك الشريحة التي تنتعش أو تعتاش على الأزمات. وبعيداً عن سياسة الإنكار التي يمارسها النظام فإن العامل الاقتصادي بدأ يضغط على شرائح المجتمع باستثناء الأثرياء جداً الذين ربما لهم معاناة من نوع مختلف. يدّعي النظام أن العقوبات الاقتصادية الغربية لا تؤثر على الاقتصاد السوري، مع ذلك ترتفع الأسعار دون توقف، وينخفض سعر صرف الليرة السورية حتى وفق اللائحة التي يعلنها البنك المركزي. ما هو متوقع على هذا الصعيد يحدث فعلاً، فالنظام يحمّل أزمته للمجتمع ككل، لا لعجز منه دائماً عن معالجة آثار العقوبات، ولكن لأنه غير معني أصلاً، ولم يكن كذلك يوماً، بالتنازل عن جزء من مكتسباته لصالح المجتمع.

يدخل السوريون شتاء قد يكون الأصعب بالنسبة إليهم، والشتاء هذه المرة بعيد عن لغة المجاز؛ هو شتاء واقعي فظ يعانون فيه أقسى أزمة طاقة مروا بها. النكات التي ألّفوها عن أزمة الغاز أو المازوت أو الكهرباء كثيرة جداً، لكنها لا تخفي مرارة المعاناة اليومية حيث يُفتقد الدفء والضوء في مفارقة غريبة من نوعها؛ فهذا يحدث في عصر التقانة والاتصالات، وأنت مثلاً تملك وسيلة الاتصال بالانترنت في الوقت الذي لا تستطيع استخدامها كما يجب بسبب انقطاع الكهرباء. الكهرباء، التي لطالما درس الطلاب في مادة التربية القومية الاشتراكية أنها من منجزات الحركة التصحيحية، يتبين الآن أنها موجودة في ذلك الكتاب أكثر من وجودها الواقعي. وليس ثمة تبرير يمكن الحصول عليه للانقطاعات الكبيرة التي تحدث، إذ يُفترض أن المحطات الكهربائية ما تزال موجودة، فلم يتم تفكيكها وبيعها مثلاً، ومن المعلوم أن سوريا جزء من شبكة ربط كهربائية إقليمية تستفيد من مزاياها فتعوّض النقص إن حصل. التفسير الذي قد يتبادر إلى الذهن حقاً هو أن هناك نزوعاً إلى الانتقام يتجلى بحرمان الشعب من الخدمات التي يستحقها، وأن سياسة العقاب الجماعي لم تعد مقتصرة على الأماكن الملتهبة بقدر ما أصبحت سياسة تعمّ البلد بأسره.

من جهة أخرى تعبّر الأزمات المعيشية هذه عن مستوى الفساد الذي بلغه النظام، والمستوى الهش للبنية الخدمية التي رغم ترديها الآن تنذر بمزيد من التردي القادم إن اتسعت رقعة المظاهرات وتعمقت أزمة النظام. لقد أفقر الفساد الاقتصادَ السوري عبر عقود، وكان توفير الحد الأدنى من الخدمات كفيلاً بالتغطية على سرقة الحد الواجب منها. أما الآن فبدأت تتضح الاثار العميقة للفساد الإداري والاقتصادي معاً، إذ لم يكن من المتوقع لبلد مصدر للنفط طوال عقود أن يعاني شعبه من أزمة محروقات منزلية تليها أزمة محروقات للسيارات، في هذا البلد الذي لم تتطور قدرته على تكرير النفط، أيضاً طوال عقود، فبقيت مصفاتا النفط القديمتان يتيمتين. ومن الطريف أن النظام سارع فوراً إلى الإعلان عن عدم تأثره بالعقوبات الغربية على قطاع النفط بحجة وجود بدائل للتصدير، بينما يقول الواقع أن ناقلات النفط بمعظمها مسجلة في شركات تأمين غربية أو أمريكية، وهي لذلك لن تغامر بالمجيء إلى سوريا ونقل النفط منها أو إليها، وإذا استثينا ما سلف حول الفساد فإن النقص الحاد في إنتاج النفط يعني تلقائياً نقصاً في إنتاج الغاز.

حصار دولي وعقوبات جماعية من النظام، مع مستوى لا يتزحزح بل يزداد من الفساد. لقد عانى السوريون ما يشابه ذلك في ثمانينيات القرن الماضي، ومن المعلوم أن النظام منذ اندلاع الانتفاضة يستحضر بقوة فترة الثمانينيات أملاً في الوصول إلى النتيجة ذاتها، أي الخروج من أزمته سالماً. لكن المقارنة إن صحّت جزئياً أو في بعض التفاصيل فهي لا تصحّ جذرياً، لأن الظروف اختلفت على أكثر من صعيد، أهمها أن النظام لا يواجه الآن تنظيماً سياسياً محدوداً بل يواجه حركة شعبية كبيرة، وهو يعلم بقابليتها للاتساع ما أن تتراخى قبضته الأمنية قليلاً، دون أن نغفل اتساعها الفعلي حتى مع وجود القبضة الأمنية الشديدة. وقد يبدو مستغرباً أن يلجأ النظام إلى سياسة العقاب الجماعي في الوقت الذي يحتاج فيه إلى "رشوة" المترددين أو الخائفين لاستمالتهم أو ضمان بقائهم على ما هم عليه. ضمن هذا المنطق يظهر النظام كأنه يتصرف عكس مصلحته، ولكن من قال إن للاستبداد المنطق ذاته الذي ينسحب على نظم الإدارة الأخرى.

في الواقع لا يرى النظام في السوريين إلا أفراداً ينبغي أن يبقوا خانعين، ولم يكن احتكار الاقتصاد وما رافقه من فساد إلا وسيلة لضمان الولاء الدائم والتام عبر الإمساك الكلي بوسائل العيش، وما يفعله النظام الآن هو تهديدهم بهذه الورقة بعد الإيغال باستخدام الورقة الأمنية. لقد قامت فلسفة النظام خلال مدة طويلة على إلهاء الناس بالركض وراء الحد الأدنى من مقومات العيش، بحيث لا يتبقى لهم وقت للتفكر في أحوالهم أو في الأحوال العامة، وأيضاً بحيث يتم استغلال أي تحسن طفيف في مستوى العيش وتصويره على أنه مكرمة يتلقاها العبيد الذين ليس لهم حق أصلاً. الإنسان المسحوق كلياً هو الفلسفة الحقيقية للاستبداد، وعندما يتعرض هذا النوع من الأنظمة للضغط فإن هاجسه هو سحق الناس أكثر فأكثر. لذلك السوريون موعودون بشتاء قاس وطويل، وهذه المرة على سبيل المجاز أيضاً، فالنظام لن يتوقف عن محاولة إعادتهم إلى كائنات بدائية، أو بالأحرى كائنات بيولوجية صرف، وسيحاول قدر طاقته ألا يعد شتاءهم بربيع قادم. في مثل هذا الصراع النذير السيء هو أن النظام ما يزال يمتلك المزيد من الوقت، أما البشرى السارة فهي قدرته المحدودة في النهاية على مجافاة الطبيعة!

=================

الجريمة مباحة في ظل الاستبداد

دلال البزري

المستقبل

22-1-2012

في شريط يوتيوب للفنانة السورية فدوى سليمان الذي تعلن فيه عن انضمامها الى اهالي مدينة حمص الثائرة المنكوبة، جملة تقولها بعفوية وهدوء، تلخّص فيها واحدة من ملامح سوريا الأسدَين، الأب والابن:"إما ان تموتوا وإما ان تحرّروا سوريا". هي تعني على الأرجح بان سوريا في ظل الأسدَين ليست حرة لأن النظام يملك عمليا كامل الحق بأن يقتل مواطنيها. معنويا، ضميريا، انسانيا، سياسيا... ليس له حق، لكن في الواقع هو قادر على ممارسة هذا الحق. منذ متى؟ منذ نشأته: بدأ بتصفية الرفاق المنافسين، ثم داوم على اعتقال المخالفين له بالرأي وخطفهم وتعذيبهم وتصفيتهم واخفائهم وانتحارهم. وفي هذه الاثناء، تجاوب مع نفسه في مقْتلة حماه بذريعة تسلح خصومه الاخوانيين، أوقعت بين 20 و40 الف قتيل، وربما أكثر.

هذا الوجه للنظام السوري السابق على الثورة، لم يكن مكشوفا ولا مفضوحا الا ضمن دائرة ضيقة من العرب. بالنسبة للبنانيين كان وجها مألوفا: بالتجربة وبعد ذلك بالغريزة يلتقطون تعبيراته ويتعاملون معها تبعا لولاءاتهم. نطاق المعرفة بهذا الوجه والاعلان عنه كان ضيقا، فوق ان الغرب، العالِم بكل شيء تقريباً، كان غاضا الطرف عنه.... مصالح واسراتيجيات. كانت حالة موت عادية روتينية؛ شبه معلنة بثّأً للخوف من جهة، ومطبقاً عليها تماما من جهة اخرى، خطفا للقرائن والاثباتات على القتل.

ما الذي تغير الآن حتى صار القتل الأسدي على هذه السعة من الانكشاف؟ الاعلام والشبكة وكل وسائل التكنولوجيا التي عرف الثوار السوريين كيف يستخدمونها من اجل توثيق تلك الشهوة السياسية بالقتل... طبعا لها دور كبير.

ولكن أيضا، الذي له دور أكبر هو اتساع رقعة القتل مع اتساع عدد المعارضين صراحة للنظام. بعبارات اخرى، انكسار حاجز الخوف من القتل وبالتالي اتساع دائرة الموضوعين على لائحة القتل. الذي تغير بعد الثورة السورية ان قاعدة القتل المعتمدة لدى النظام انتُزعت منها ورقة التوت. ومع ذلك، لا تبخل مخيلته الفقيرة اصلا في اختراع جرائم ينسبها الى الثوار، او في التلاعب بالحقائق وخداع الباحثين عن الوقائع الصحيحة، وربما قتلهم.

من أين يستمد النظام حقه بالقتل؟ بأي حجة يدعمه حلفاؤه؟

من انه "يقاوم" أميركا واسرائيل.هذا الثنائي الخالد، الامبريالية والصهيونية، لا يختلف عن النظام السوري، من حيث انه يمنح نفسه، هو أيضا، الحق بالقتل. مع فارق ان الاولى، الامبريالية، غلّفت هذا الحق، على امتداد تاريخها، بتفسيرات حضارية، فيما الثانية، الصهيونية، كانت حيثيتها الهية.

اذن النظام السوري الذي يقاوم هاتين الكتلتين مقاومة افتراضية او حقيقية او حتى بالتوكيل، لم يستطع الارتقاء بمستوى قتاله لهما الى اكثر من تقليد أسهل أوجهه، أبشع أوجهه. وما ساعده على ذلك انه لم يكن بحاجة الى المسّ بالتقاليد السياسية العربية، العريقة بدورها في استباحة ارواح البشر، الاعداء والأهل والاصدقاء...

كل خطب الأسد منذ بداية الثورة، وكل المكْلمة التي يغوص في انشائياتها محللوه واصدقاؤه وشخصياته العامة، كلها تدور حول لازمة واحدة: ان الذي يقود هذه الثورة هم ارهابيون، وانهم ادوات لمؤامرة ضد سوريا يحيكها كل من الامبريالية والصهيونية. ولذلك، فنحن سنخوض، بكل شجاعة.... حربا ضارية، من دون رحمة، ضد هذه المؤامرة وارهابييها. حقه المطلق بالقتل قائم على انه يصدّ مؤامرة ضد البلاد نظّمها الخونة الذين باعوها للأجنبي. فيحلل لنفسه تشغيل ماكينة القتل على اعلى درجاتها، كما تفعل الامبريالية والصهيونية، التي "يقاتلها" عبر قتل شعبه.

انه ذلك التشابه بين آلة القتل الرسمية السورية والآلتين الامبريالية والصهيونية. انها آلة جيش الاحتلال واساليبه في ذروة غزوته: الدخول الى المدن بالدبابات، اطلاق النار والصواريخ على البشر والحجر، العقوبات الجماعية، الاعتقالات الجماعية، التعذيب حتى الموت، وبمختلف اشكاله، التمثيل بالجثث، الخطف والتجويع والترويع....

حتى خروج مسيرات التشييع تشبه تلك التي ألفها الفلسطينيون، خصوصا في غزة. كأن السوريين لاجئون في ديارهم، من يقتلهم غريب عنهم. ومن لا يستطيع ان يقتلهم، من لا يستطيع تنفيذ اوامر القتل، يخرج من صفوف القتلة وينضم الى الجهة المقابلة، حيث الموت أمر يومي، شبه حتمي... إما قاتلا أو مقتولا.

من المؤكد ان بشار الاسد ومن لفّ لفّه في قمة النظام مدرك لهذا التقارب في الاساليب بينه وبين خصومه المفترضين، من امبريالية وصهيوينة. او على الاقل سمع من يعلق على التشابه بين الاسلوبين. ومع ذلك تراه ماضيا في القتل، لا شيء يثنيه. هي قوة السلطة، عندما تصل الى درجة خارقة من التمكن، لا تعود تهبط الى الاسفل الا بعدما تستنفد قدرتها العملية على القتل. لكن ما يعطي لهذه العملية زخمها المحلي، شرعيتها المحلية، هي الفكرة النائمة، التي يصيغها النظام بأنصاف العبارات: فهو غاضب ليس لأن دائرة المرشحين للقتل توسّعت وانكشفت، هو الذي يحتاج الى جرعات غضب تبرر طاقته الخارقة على القتل. بل ايضا لأنه يؤمن في دهاليز نفسه ان هذا الشعب "شعبه وهو حرّ فيه...". كما يفعل كل ذي هيمنة تامة على أهله: او على ما يدعي انهم اهله. "هذا شعبي وانا حرّ فيه..."، حرّ في قتله خصوصا، في هذه الآونة بوجه أخصّ، إرث الاستبداد المديد، المتلطّي خلف الاهلية والمحلية، والواقف بعناد ضد اية اغاثة من هذا الاجرام: هي تلك الجوهرة الفكرية التي تحرس ضمير النظام، عصبها الذهني القوي الذي يطمئن رجاله وأنصاره ومتكلّميه. طبعا لو كان يشعر فعلا بأن هذا الشعب "شعبه"، لما كان يقتله. فهو عندما يقول "هذا شعبي"، يقصد "هؤلاء عبيدي وانا حرّ بهم". لا يجب اخذ هذا الادعاء الا بالمعنى الاخير. والا عدنا الى الاخوين قايين وهابيل ...

عندما تقول فدوى سليمان "إما ان تموتوا وإما ان تحرّروا سوريا"، وترفقها بجملة اخرى: "ليس عندكم اصلا ما تخسرونه"، هي تعني بأن الموت المؤجل، الموت غير المعلن كان من حظوظ ابناء سوريا قبل ثورتهم. وان توسيعه وتكثيفه الآن بعد الثورة، حوّل القتل الى عملية جذرية، لا يرد عليها الا بموقف اكثر جذرية، يُستغنى بموجبه عن الحياة طلباً لتوقيف آلة القتل.

سوريا الجديدة، الديموقراطية، سوف تضع القتل على لائحة بنودها. لا ديموقراطية مع القتل، مهما سبب هذا القتل، مهما كانت هوية القاتل أو المقتول. اذ تكون سوريا قد عرفت الموت باسم أسمى الاشياء، أغلاها. لن يعوزها الجهد النظري الكثير، بعد جحيم الأسدَين، الأب والابن، لتربط ربطا وثيقا بين الديموقراطية وبين الحق المطلق بالحياة.

=================

ثورة سوريا بدأها الأطفال الضحايا

يوسف بزي

المستقبل

22-1-2012

لا اختصاراً للثورات وأهلها ولعديد المساهمين فيها، ولا مفاضلة فيما بينها، لكن سعياً لتحديد سمات لكل منها، ولتعيين مصادرها وصفاتها ومميزاتها. وعلى هذا يمكننا القول، انطلاقاً من حادثة محمد البوعزيزي وبواعثها، إن الثورة التونسية انطلقت من نواة اجتماعية أولى، هي فئة العاطلين من العمل والمشردين الريفيين. كذلك فإن حادثة خالد سعيد السابقة للثورة المصرية ما يقرب من العام، أفضت إلى تكوين نواة ثورية أولى تداعى إليها أشباه خالد سعيد من فئة الشباب المتعلم والوثيق الصلة بالثقافة العصرية، التقنية والفنية، كما بأنماط العيش الحديث وقيمه. وكانت الحال في ليبيا أن المبتدئين بالثورة هم "أهل" ضحايا سجن أبو سليم، أي عائلات وقبائل هي مما بقي صامداً من هدم معمر القذافي المديد لقوام المجتمع الليبي. وانطلقت الثورة اليمنية من بؤرة طلابية منقطعة عن "تقاليد" الخناجر والبنادق وخارجة عن ولاءات القبائل والانقسامات الحزبية. وبطبيعة الحال، سرعان ما التحقت بهذه الثورات جموع الفئات الاجتماعية وطبقاتها، وانضم اليها أهل المدن والأرياف والمختلفو المشارب والأهواء، وانتسب اليها المدني والعسكري والمتعلم والأمي والنساء والرجال على اختلاف أعمارهم... لتكون كلها "ثورات شعبية".

وعلى الأرجح، قيد لهذه الثورات ان تنتصر، لأنها اتت من حيث لم تحتسب الأنظمة ولم تتحوط. فوسواس بن علي التونسي كان مطاردة المعارضين شبه المتقاعدين في المنافي الأوروبية، مع قمع منهجي للاسلاميين المتشددين، فما اكترث ل "بسطاء" الريف وصغار الكسبة والعاطلين وفِتية الكمبيوتر... كذلك كانت حال النظام المصري الذي ظن أن أولئك الشبان والفتيات شبه المرفهين واللاهين في المقاهي والنوادي، ومشجعي كرة القدم، و"هواة" الحريات الشخصية إنما هم "زملاء" جمال مبارك وجمهوره! فيما ظن القذافي انه بتخلصه من الجيش النظامي وضباطه وممالأة الغرب يضمن القضاء على أي "مؤامرة" محتملة. ولم يتخيل علي عبد الله صالح الممسك بلعبة العسكر والقبائل وفزاعتي "القاعدة" و"الخطر الإيراني" أن طلبة صنعاء المفتونين بثورتي تونس ومصر يمكنهم قيادة أغلب القبائل والكثير من العسكر إلى حيث أرادوا، أي إطاحته.

بقيت أمامنا الثورة السورية و "الطاغية البائس". وهذه الثورة هي الأشد صعوبة بوجه النظام الأشرس والأعنف.

عمل النظام طوال استيلائه على السلطة، المبتدئ حزبياً (البعث) منذ نصف قرن (1963) وعائلياً (آل الأسد) منذ 42 عاماً (1970) على "مراقبة" المجتمع وإخضاعه وتدجينه و"تطهيره" بشكل دؤوب ويومي، حتى باتت الطاعة له بديهة وممارسة تلقائية يبديها المواطنون برتابة وانصياع كئيبين. فالتسلط والديكتاتورية ظلتا طوال تلك العقود أشبه بالقضاء والقدر الذي لا مناص منه. وقد عمل النظام باستمرار على بناء جهازه الأمني، الكثير الفروع، مستلهماً جهاز مخابرات المانيا الشرقية (ستازي) ونظيره جهاز مخابرات نظام نيكولا تشاوشيسكو في رومانيا، ومتدرباً أيضاً على أساليب مخابرات كوريا الشمالية. أي انه النسخة العربية البعثية للبوليس الستاليني، المضافة إليها السفالة الأخلاقية والفساد النهم والفاجر.

احتسب النظام بهوس عميق للمخاطر الخارجية والداخلية، وكانت "فوبيا" المؤامرات عليه شغله الشاغل، وهو الذي يجند الأخ واشياً على أخيه والزوجة على زوجها. فهو لم يترك طالباً أو متأدباً أو صحافياً أو قارئاً في مقهى او صاحب فكرة إلا ولاحقه "وفحصه"... أو عاقبه (إلى حد القتل أحياناً). فكان أحد أنجح الأنظمة في تحطيم روح التمرد وخنق أي فرصة لنشوء أي نوع من المعارضة ضده. ولم يتورع يوماً عن تهديد مواطنيه بمعادلة "أنا او الخراب الشامل". كان استقراره نابعاً من نجاحه في تجذير الخوف والصمت.

لذا، لم تندلع الثورة السورية كباقي الثورات العربية من بؤرة اجتماعية محددة كالعاطلين من العمل، وهم نسبة وازنة وكبيرة من السكان، ولا أتت بها فئة شبابية مدينية، حيوية ونشطة، ولا صنعها غضب قبائلي أو تمرد عشائري أو عصيان مناطقي انفصالي (كالحال الكردية مثلاً). لم تأت الثورة ايضاً من نزاع طائفي أو اثني (ولو رغب النظام في الانجراف إليه وروّج له).

ميزة الثورة السورية اتت أيضاً كالثورات العربية الأخرى، من حيث لم يحتسب النظام له: من الأطفال. هذه الفئة في المجتمع السوري، ليفاعتها و "براءتها" ولأنها لم تختبر بعد السياسة ولا أدركت بعد أبعاد القمع، ولم تفهم بعد عواقب الأفعال والأقوال.. ولأنها الأقل عرضة للرقابة، تجرأت وأقدمت على ما لم يكن يستطيعه المواطنون الكبار العارفون بقسوة القصاص والعقاب وشدة الانتقام.

في شباط 2011 قامت مجموعة من الأطفال بالكتابة على جدار مدرستها الابتدائية في مدينة درعا "يسقط بشار" فقام مدير المدرسة نفسه بابلاغ المخابرات بالحادثة، فعمد فرع "الأمن السياسي" في محافظة درعا إلى اعتقال 16 تلميذاً لم يتجاوزوا سن ال 13 عاماً. ولما رفض النظام كل مناشدات الأهالي لاطلاق سراحهم بدأت التظاهرات الصغيرة في انحاء درعا تطالب علناً بفك أسر أولئك الأطفال من دون جدوى، إلى ان أتى يوم الجمعة 18 آذار لتندلع الاحتجاجات العارمة التي واجهتها الدولة بالبطش والوحشية حيث سقط أولى شهداء الثورة السورية.

وإذا كان أحمد سامي أبو زيد (13 عاما) قد رسم مع رفاقه تلك الكلمات التي اشعلت الثورة، فان زميله الطفل حمزة الخطيب (13 عاما) الذي تم اعتقاله يوم 29 نيسان 2011، وتعرض لأشنع أنواع التعذيب حتى الموت، تحول إلى "أيقونة" الثورة ورمزها.

وحسب آخر احصائية متوافرة، وهذا أيضاً من ميزة النظام السوري، ان عدد الضحايا من الأطفال بلغ 419 طفلاً (339 من الذكور و80 من الإناث) ولا توجد احصائيات خاصة بالجرحى والمعتقلين من الأطفال.

"قاتل الأطفال" هذه العبارة غالباً ما ترفعها اليافطات في التظاهرات اليومية السورية مضفية سمة خاصة على نظام بشار الأسد. هذا النظام الذي أدرك منذ حادثة درعا ان الثورة التي تحوط منها ومن كل اهتماماتها جاءته من حيث لم ينتبه. من هؤلاء الصغار.

فهل تكون حال النظام السوري والثورة السورية كحال هيرودس الذي لما علم أن ملكه سيهدده طفل أرسل جنده " فقتل كل طفل في بيت لحم وجميع أراضيها من ابن سنتين فما دون ذلك" (إنجيل متى).

خرج أهل درعا انقاذاً ونجدة لأطفالها فخرجت سوريا كلها عن الطاعة. ومنذ تلك البداية وحتى اليوم، تأتينا الصور من الميادين والساحات وفي المدن والقرى ، حيث لا تخلو واحدة منها من وجود أطفال كثر ويافعين. الأطفال ليس لديهم "وعي سياسي" بالتأكيد، لكن الأكثر تأكيداً هو انهم يمتلكون الحس بالعدالة. وهذا في بلد كسوريا كاف ليكون معنى السياسة كلها.

لا نعرف ثورات في التاريخ كان أبطالها أطفالا. انما هناك فقط حالة مشابهة هي اسرائيل التي واجهت في ثمانينات القرن العشرين "أطفال الحجارة" فهل هي أكثر من مصادفة ان يواجه الأطفال الفلسطينيون الاحتلال الاسرائيلي والأطفال السوريون ديكتاتورية البعث؟

====================

لبنان بين الفالق السوري والفيلق الإيراني

احمد عياش

2012-01-22

النهار

التوضيح الذي صدر عن قناة "العربية" عن مقرب من قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني ونفى فيه صحة الكلام المنسوب الى الاخير على "خضوع جنوب لبنان والعراق لإرادة إيران" يستهدف أصلا وكالة الأنباء الطالبية الإيرانية "ايسنا" التي أوردت كلام سليماني الذي نُفيَّ لاحقاً، وبالتالي فإن المشكلة داخل البيت الإيراني لفظاً لكنها عملياً داخل لبنان والعراق، البلدين اللذين عاشا ولا يزالان منذ أكثر من ثلاثة عقود تحت وطأة المشروع الأمبراطوري للجمهورية الإسلامية.

وإذا كانت مقتضيات الحذر في المواقف أملت تطويق كلام المسؤول الأيراني الذي أثار ولا يزال ضجة واسعة في لبنان، فإن النظام السوري الذي يستميت نظام الملالي في اسناده يؤكد في صورة شبه يومية أنه حاضر للعبث بأمن لبنان. وآخر الشواهد محنة الصيادين الثلاثة أمس في العريضة شمال البلاد. ولتوضيح الموقف أكثر يستعيد المرء مشهد الأمين العام ل"حزب الله" السيد حسن نصرالله يعلن أن إسقاط تنظيم "فتح الإسلام" في مخيم نهر البارد في الشمال قبل سنوات هو "خط أحمر"، فنفهم لماذا يرسم ممثلو نصرالله مجددا هذا الخط حول مطار القليعات الذي يعني تشغيله ان مؤسسة لبنانية ستعمل بعيداً عن سيطرة الحزب خلافاً لحال مطار رفيق الحريري الدولي ومرفأ بيروت حالياً!

في موازاة المأزق اللبناني بين فالق الزلزال السوري وفيلق القدس الإيراني الذي فاخر نصرالله يوماً بالإنتماء الى مؤسسته أي "جيش ولاية الفقيه" بدا الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي بالامس عندما كان يخاطب سفراء في بلاده أكثر ميلا الى القلق عندما كان يتحدث عن لبنان من بوابة الجنود الفرنسيين الذين يعملون في قوة "اليونيفيل" في الجنوب، بينما أطل رئيس الجمهورية ميشال سليمان أمام أعضاء السلك الديبلوماسي العربي والأجنبي أكثر ميلا الى الإطمئنان عندما "أبدى إرتياحه" الى إستمرار عمل هذه القوة مندداً ب"إعتداءات مشينة" تعرضت لها قبل أسابيع. ربما يفسر بعضهم الفارق بين قلق ساركوزي وإطمئنان سليمان بطبيعة اللغة إذ تنحو الفرنسية الى الإفصاح بينما تنحو العربية الى الثورية، لكن ذلك لا يكفي.

وفيما أهل لبنان حالياً كأهل بيزنطية يجادلون في "جنس الملائكة"، أخبرني معارض سوري التقيته مصادفة قبل ايام ان حياة اهله في داخل سوريا صارت أكثر أماناً من حياته في لبنان. ويشرح الأسباب التي تعود الى إضطهاد الأجهزة الرسمية وتربص "حزب الله" به وطرده من مكان إقامته مراراً.

الساحة مفتوحة امام صانعي 14 آذار إذا أحسنوا الصنع اليوم. ولتسهيل مهمتهم، يجب أخذ العلم بأن قوى 8 آذار وعلى رأسها "حزب الله" إرتحلوا من ساحة رياض الصلح الى ساحة الامويين لنجدة الأسد. فهل يهبون الى نجدة لبنان؟

=================

الزبداني وعسكرة الثورة السورية

علي حماده

2012-01-22

النهار

احد عشر شهرا والنظام في سوريا يقتل المواطنين السوريين العزل. بدأ القمع الوحشي باقتلاع اظافر اطفال درعا، واليوم صار القتل خبز السوريين اليومي في انحاء عدة من البلاد. وما عاد يمر يوم من دون ان تصل اعداد الشهداء الى العشرات، فضلا عن مئات الجرحى وآلاف المعتقلين. ومع ان الثورة انطلقت سلمية، واصر القيمون عليها في التنسيقيات المحلية على سلوكيات سلمية في التحرك، فإن النظام اتجه فورا الى اعتماد القتل سلوكا في محاولة يائسة لمحاصرة الثورة في بداياتها ومنعها من ان تكبر وتتوسع. ومع الوقت تبين ان القمع المتمادي والايغال في القتل لم يمنعا جدار الخوف من الانهيار في نفوس الناس، بل ان مشاعر الخوف السابقة استبدلت بمشاعر الغضب والثورة المتأججة. هكذا تحولت الثورة في سوريا من كتابات أولاد على حائط مدرسة في درعا الى عشرات لا بل مئات النقط المتاججة اما تظاهرا او دفاعا بالسلاح عبر سوريا كلها.  

أدت وحشية نظام بشار الاسد المستمدة من ارث والده حافظ الاسد الى ضخ الغضب والتصميم على الثورة في نفوس الناس. وكلما ارتفعت وتيرة القتل، كان السوريون يلقنون العالم باسره امثولات في الشجاعة بنزولهم بالآلاف وبمئات الآلاف الى ساحات التظاهر ليواجهوا رصاص النظام الحي، معلنين قبولهم بالموت ولا مذلة النظام الجاثم منذ اربعين عاما على صدور السوريين. لكن وحشية النظام المتمادية ايقظت في نفوس الناس غريزة الدفاع عن النفس بكل الوسائل. ومع الوقت تحول انشقاق الجنود الذي بدأ في شكل خجول بهربهم من الوحدات العسكرية والعودة الى قراهم للاختباء، انشقاقات دامية اعقبها عمل جدي للانتظام في كتائب مقاتلة بعدما ذهب النظام بعيدا في قتل الجنود الذين رفضوا بداية الأوامر بإطلاق النار على المتظاهرين السلميين، ثم تعقبتهم كتائب الموت الأسدية في قراهم، وتعقبت اهاليهم.

لم يحمل السوريون السلاح ضد النظام وما تبقى من وحداته الصافية الولاء إلا بسبب اعتماد بشار وبطانته على الارض القتل لغة وحيدة لمخاطبة الشعب. من هذا المنطلق كان قيام الجيش السوري الحر، وانضمام مقاتلين من المدنيين الى وحداته في انحاء عدة من البلاد. من ادلب الى حمص وحماة وريف دمشق ودرعا. وقد اندرج حمل السلاح هنا تحت بند الدفاع المشروع عن النفس وفق المعايير القانونية الدولية. فالحكم لا يمنح صاحبه صلاحية القتل المتمادي مدى 11 شهرا. ان الزبداني التي تحررت قبل ايام تمثل حلقة من حلقات عسكرة الثورة دفاعا عن الناس. وهي الأفق الوحيد المتاح مع تخاذل العرب، وامعان روسيا في جريمتها السياسية والانسانية بالدفاع في مجلس الامن الدولي عن نظام يقتل الاطفال من ان يرف له جفن.

طبعا قد نسمع ان بشار استعاد الزبداني بعدما دمرها على رؤوس اهلها، ولكن الزبداني هي فاتحة مقاومة منظمة اوسع واشمل في قادم الايام. والنظام الذي عاش بالدم لن يسقط إلا بالدم.

=========================

الممانعة والربيع العربي

الأحد, 22 يناير 2012

عبدالله إسكندر

الحياة

لم يعد خافياً ان الانقسام السياسي، في منطقتنا، بين «الممانعة» و»المقاومة» من جهة و»الربيع العربي» من جهة أخرى، بات يتطابق مع الانقسام المذهبي. فبعد سنوات من تبجيل الممانعة والمقاومة، انتهت احزاب اسلامية ذات مرجعية سنّية، وفي مقدمها جماعة «الاخوان المسلمين»، الى توجيه نقدها الى الموقف السلبي لحاملي لواء هذين الشعارين، وفي مقدمهم ايران وسورية وحلفاؤهما خصوصاً «حزب الله». وبعد سنوات من الحوار ومساعي التقارب المذهبي والجبهات الموحدة، والاشادة بالصحوة الاسلامية العربية، راحت ايران، ومعها حلفاؤها في سورية و»حزب الله»، يشككون بنيات اصحاب هذه الصحوة، خصوصا بعد وصولهم الى السلطة في مصر وتونس. ويعلنون اشتباههم بأن الاسلاميين العرب لم يحددوا موقفاً قاطعاً يؤكد دعم الممانعة والمقاومة، لا بل يتوجهون نحو حوار مع الولايات المتحدة والغرب، إن لم يكن بعضهم يعمل فعلا لمصلحة هذا الغرب، خصوصا عندما يتعلق الامر بسورية.

وما يظهر تطابق هذا الانقسام المذهبي بين الانقسام بين الممانعة والربيع العربي، تلك الملابسات الكثيرة التي تحيط بمواقف حركة «حماس» من التطورات السورية.

لقد قُدم في الماضي تحالف «حماس» مع سورية و»حزب الله» وتلقيها انواعا كثيرة من الدعم الايراني، كدليل على ان حدود الممانعة تتجاوز المذاهب وان أي وحدة اسلامية تصب في اطار المقاومة. لكن، مع انفجار الاوضاع في سورية على النحو المعروف نأت «حماس» بنفسها عن النظام في دمشق وامتنعت عن تقديم تأييد علني له في مواجهة المعارضة التي يُعتبر «الاخوان المسلمون» السوريون نواتها الصلبة، مما يحمل على الاعتقاد ان العامل المذهبي لعب دوراً في هذه السياسة، اكثر من كونه موقفاً سياسياً.

ومع اضافة الحكم العراقي، بزعامة «حزب الدعوة»، وانحياز السياسة العراقية الرسمية الى جانب الحكم السوري، تكتمل صورة الاختراق المذهبي للموقف من الربيع العربي. وإن كانت ثمة استثناءات تُسجل لدى هذا الطرف او ذاك، كأن ينحاز افراد من هذا المذهب الى شعارات المذهب الآخر، فان ذلك لا ينفي ان الكتل الاساسية في المذهبين تطابق موقفها السياسي مع الانتماء المذهبي.

من البديهي ان هذا الانشطار يهدد، مع زيادة التأزم في سورية وانسداد الحلول السريعة فيها ومع زيادة التوتر الايراني - الغربي ومضاعفاته على المنطقة الخليجية، بنشوب نزاع اهلي مذهبي. ويربط كثر الملفين السوري والايراني، اضافة طبعا الى الخلافات الداخلية في العراق ولبنان، ويرى هؤلاء ان هذه الساحات باتت بمثابة اوان مستطرقة. فما يؤثر هنا ستجد صداه سريعاً هناك. وهذا ما يستدعي رزمة من الحلول، وليس مجرد حوار بين المذاهب، بعدما اخترقت السياسة اختراقاً عميقاً، الانتماءات المذهبية.

وفي مقدار ما يجري التركيز في هذه الرزمة على التعارض بين الممانعة والربيع العربي، كما تعلن طهران التي تقدم نفسها على انها قائدة محور الممانعة، في مقدار ما يتعمق الانشطار المذهبي. خصوصا ان الممانعة باتت تطابق بين شعارات الربيع العربي في الحرية والديموقراطية والتعددية وبين الانتماء الى الهيمنة الاميركية ومخططاتها. خصوصا في ظل حماسة تركيا (بمعانيها العثمانية القديمة والاطلسية الحديثة) لدعم الربيع العربي.

حتى ان «الاخوان المسلمين» باتوا، في اطار هذا التحليل، ادوات في يدي هذه الهيمنة ومرادفها الاقليمي، اي الرضوخ لاسرائيل ومناهضة المقاومة.

في المقابل، ونتيجة هذه المواقف الممانعة من التغيير، يعتبر الاسلاميون العرب ان ايران وحلفاءها يقفون في مواجهة التطلعات الشعبية نحو التغيير ويمنعون اكتمال اهداف الربيع العربي.

=================

بنغازي السورية!

الشرق الاوسط

طارق الحميد

22-1-21-202-12

مثلت مدينة بنغازي الليبية نقطة التحول الرئيسية في الانتفاضة الشعبية على نظام العقيد القذافي، حيث أصبحت المدينة نفسها قاصمة الظهر للقذافي، حين تحولت إلى منطقة عازلة، مما سهل التدخل الخارجي. واليوم تشير مجريات الأحداث في سوريا إلى أن الثوار هناك باتوا يبحثون عن أمر مشابه، وربما أكثر فعالية.

فالثوار السوريون يقومون اليوم بانتهاج استراتيجية تبدو ذكية، وفعالة إلى حد الآن، وهي البحث عن بنغازي سورية، أو كما قال لي مصدر مطلع على ما يدور على الأرض في سوريا، إن الثوار هناك «يبحثون عن بنغازيات، وليس بنغازي واحدة» فهناك حمص، والزبداني، وغيرهما، مما اعتبرها الثوار السوريون مدنا محررة. وإن كانت هناك تساؤلات بالطبع حول انسحاب الجيش الأسدي من بعض تلك المناطق، خصوصا أن الانسحاب جاء نتاج تفاوض مع الجيش السوري الحر، والذي بات يحمي بعضا من المظاهرات في مناطق حساسة بسوريا، وبعض منها في ريف دمشق، وهو أمر بالغ الأهمية؛ حيث يفسر ضعف واهتزاز القوات الأسدية، وتضعضع سيطرتها على بعض المناطق السورية.

وهناك تفسير لسبب هذا الاهتزاز الأسدي، حيث تشير المصادر إلى أن النظام الأسدي بات يعمد إلى تقليص تسليح أفراد الجيش السوري النظامي، وذلك خشية انشقاق أفراده، وأخذ أسلحتهم معهم، وهذه نقطة مهمة جدا، حيث يقول لي أحد المصادر إنه في البدء كان أفراد الجيش يقاتلون ثم تتم عملية الاستسلام أو الانشقاق، أي بعد أن يحمى وطيس المعركة، لكن ما يحدث اليوم مختلف تماما، حيث يقول المصدر إنه ما إن تحاصر فرق الجيش من قبل الثوار والجيش الحر إلا وتسمع «البكاء والتوسل من قبل أفراد الجيش التابع للأسد». فعملية التسليح الحقيقية تتم لأفراد الفرقة الرابعة التابعة لماهر الأسد، وكذلك للحرس الجمهوري، اللذين باتا منهكين، وليس بمقدورهما الوجود في جل المناطق السورية.

ولذا، فإن الثوار باتوا يسعون إلى فرض واقع جديد بحثا عن «بنغازيات» سورية، وحتى تحين لحظة الصفر لتوصيل تلك المناطق المفرقة في خط أو سياق واحد، لتكون هناك منطقة عازلة فعليا، وقبل تدخل أي جهة خارجية، وهذا ما قد يبرر المعلومات التي تتردد عن محاولة النظام الأسدي لإشراك مجموعات من حزب الله للمساعدة على إفشال مشروع «بنغازيات» سورية! كما أن هناك رواية تقول إن النظام الأسدي يعمد إلى انتظار رحيل وفد المراقبين العرب ليقوم بتسديد الضربة الأخيرة للثوار.

عليه، هذه قراءة للأوضاع السورية، نقلا عن مصادر قريبة من الثوار، تساعد على ملاحظة أمر مهم وهو أن الوقائع على الأراضي السورية تسير بوتيرة أسرع بكثير من وتيرة الدبلوماسية العربية والدولية، وتزيد أهميتها في حال استحضار تصريحات الملك عبد الله الثاني التي قال فيها إن الأسابيع القادمة حاسمة في سوريا، وهناك معلومات بنفس الاتجاه يرددها الأتراك لزوارهم، وهو ما صرح به الإسرائيليون أيضا!

ولذا فالسؤال هو: هل يتأمل المجتمعون في القاهرة اليوم هذه الوقائع، أم لا؟

=================

إيران وسوريا.. معا على الطريق إلى جهنم

الشرق الاوسط

علي سالم

22-1-2012

التدخل العسكري في سوريا بقوات عربية تحت أي اسم، ربما يكون أصعب القرارات في الدنيا على صانع القرار، وهو ما يحتم أن نكون نحن جميعا مشاركين فيه ومسؤولين عن اتخاذه، وهو ما يتطلب أن نضع على مكتب صاحب القرار كل ما نصل إليه من احتمالات ومخاوف. حتى الآن حرصت الأطراف التي تدعم الفكرة، فكرة التدخل العسكري، على عدم استخدام كلمة الحرب، وهو احتمال وارد، على الرغم من كراهيتنا جميعا أو معظمنا لفكرة الحرب وما يمكن أن تجره على المنطقة من ويلات.

وإذا كنا نطمئن أنفسنا بأن الهدف من إرسال قوات إلى سوريا، الهدف منه فقط هو منع النظام السوري من مواصلة عملية ذبحه للشعب السوري، وهو هدف نبيل لا بد من تحقيقه، غير أننا لا بد أن نتنبه إلى أن حروبا كثيرة في التاريخ وفي منطقتنا تحديدا اندلعت بغير رغبة من أطرافها نتيجة للخوف والإجهاد العصبي وربما بوهم القدرة على الانتصار فيها. رأينا ذلك في بداية الستينات في اليمن ورأيناه في صحراء سيناء في 1967.

في اليمن أرسلت القيادة في مصر محمد أنور السادات إلى اليمن لعمل تقدير موقف، فعاد وقال: «إن كتيبة واحدة قادرة على السيطرة على الموقف هناك». بعد ذلك اكتشف عبد الناصر أنه لا بد من تدعيم هذه الكتيبة بعدة ألوية من القوات المسلحة المصرية، وكانت المذبحة التي ذهب ضحيتها عشرات الألوف من المصريين واليمنيين بعد أن تحول كل شبر في اليمن إلى ساحة قتال. كان الهدف المعلن في ذلك الوقت هو حماية الثورة اليمنية، في ذلك الوقت البعيد الذي كانت تسمى فيه الانقلابات العسكرية ثورات.

عدم القدرة على حسم الموقف في اليمن كان السبب في حالة إجهاد عصبي حاد للقيادة في مصر دفعتها لاتخاذ قرار بإرسال القوات المسلحة المصرية إلى سيناء في استعراض هائل الحجم انتهى بهزيمة 1967 المروعة. والبداية كانت سوريا، قيل إن إسرائيل حشدت قوات لها على الحدود السورية، أكد السوفيات أنه لا توجد حشود، كانت هناك اتفاقية دفاع مشترك بين مصر وسوريا عقدت قبلها بأشهر، أصدر موشيه ديان تصريحا قصيرا ومؤثرا للغاية، طلب فيه من الحكومة السورية أن تمنع (المخربين) من دخول إسرائيل وهدد بأنه سيدخل دمشق ليزيل النظام هناك غير عابئ باتفاقية الدفاع المشترك المصرية السورية التي وصفها بأنها ليست أكثر من قصاصة ورق. أنا على يقين أن ديان كان يعرف مقدما ردود الفعل عند عبد الناصر على تهديده، كان يلعب على ورقتين، الغضب والكبرياء.

لقد أطلت في مقدمتي لكي أصل لهاتين الكلمتين (الغضب والكبرياء)، وأقول.. إرسال قوات عربية مسلحة لحماية الشعب السوري، فعل بكل ما يحمله من حق ونبل، ربما ينتهي بالحرب التي ستشترك فيها حتما إيران. ولكن الحرب عند الجنرالات ورجال السياسة لا تحدث بسبب الغضب ولا لأسباب تتعلق بالكبرياء، بل لحتمية حدوثها كاختيار أخير يحدث حتما لحماية الوطن بعد فشل كل الخيارات الأخرى. لا تستطيع أن ترسل عدة جنود إلى أي مكان بغير أن تغامر بإشعال حرب. هذا هو ما حدث مرتين لمصر في الستينات، غير أنه من المؤكد وربما أكون مخطئا، أن عبد الناصر لم يكن يفكر في الحرب بمعناها الشامل عندما ذهبت قواته إلى اليمن أو عندما احتشدت على صفحة الصحراء في سيناء في انتظار الطيران الإسرائيلي ليقوم بتدميرها.

كما أن الاقتراح بإرسال قوات عربية ترتدي البيريه الأزرق إلى سوريا لحماية الشعب السوري من حكومته فاقدة العقل والرحمة هو أيضا اقتراح يقدمه الأمين العام للأمم المتحدة بدافع من الغضب والألم وقلة الحيلة، غير أنه في نهاية الأمر لا يغير شيئا من طبيعة الموقف في سوريا، قوات مراقبة، عربية أو دولية ستعجز عن حماية الشعب السوري، إن نظاما يائسا يقوده عدد من فاقدي الإنسانية سيعرف طريقه دائما لقتل عدد من شعبه كل يوم بعيدا عن أعين المراقبين.

نحن جميعا نمشي فوق حقل ألغام زرعته الحكومة الإيرانية في المنطقة كلها ووقفت تتفرج علينا من بعيد وقريب أيضا في انتظار من ينفجر فيه أول لغم لكي تتوالى بعد ذلك انفجارات بقية الألغام. أعرف بالطبع مدى ما يثيره هذا الوضع في النفس من ألم وإحساس بالعجز غير أني لا أريد أن تتاح الفرصة لألم أكثر.

لا بد أنك قد وصلت الآن إلى الحد الذي تسألني فيه: ماذا تقترح لإيقاف هذه المذبحة.. حسنا لن نرسل جنودا.. ماذا نفعل لحماية الشعب العربي السوري؟

أكذب عليك لو قلت لك إن لدي وصفة جاهزة لذلك، غير أني بشكل عام أعرف أن المنطق أو الضمير أو القيم العليا أو حتى المصلحة عاجزة عن إقناع الشخصية السايكوباتية التي تعتبر نفسها في عداء مع المجتمع، مجتمعها والمجتمع العالمي.

على المحكمة الجنائية أن تتدخل ليعرف السادة في سوريا أن المزيد من العدوان على شعبهم هو جريمة سيحاسبون عليها. لا بد من محاكمة كل الضباط الذين يقتلون الشعب السوري بدم بارد وعلى الدبلوماسية العالمية أن لا تكف عن العمل لإقناع القيادة السورية بأنها تخلت عن العالم كله وأن العالم تخلى عنها لأنها اختارت الجانب الخاسر وأن علاقتها المرضية بالحكومة الإيرانية لا تصلح بديلا عن علاقتها بشعبها وبالأمة العربية.

آليات الوعي عند الفرد هي نفسها عند الجماعة، لقد قابلت في حياتي كثيرين من السايكوباتيين (Anti society) هم (يتنططون) أمامك وخلفك وحولك وفوقك وتحتك، وهدفهم هو الدخول في معركة معك نتيجتها الوحيدة هي خسارتهم وإنزال العقاب بهم. وهم في ذلك يوهمونك بأنهم على وشك إشعال الحرب، غير أنهم في حقيقة الأمر عاجزون عن تحمل نتائجها أمام شعوبهم، لذلك يحرصون وبكل الطرق على توريطك لتقوم أنت بإشعالها. هذا هو بالضبط ما تفعله حكومة نجاد وخاصة في الشهور الأخيرة، مناورات بحرية وصواريخ قادرة على الوصول إلى القمر، ثم تسمي ذلك كله مناورات سلام.. يا سلام. ثم أخيرا لجأت (للتلاكيك) هي (بتتلكك) - اغفر لي أنني استخدمت كلمة من قاموس العامية المصرية لم أجد لها بديلا مقنعا في الفصحى - وذلك عندما يطلب مسؤول إيراني من السعودية عدم ضخ المزيد من البترول إلى الغرب. إذا قمنا بتحويل هذه التصريحات إلى مشهد في مسلسل تلفزيوني عن البلطجة، فلا بد أن نتخيل البطل يقف مهددا سكان شارعه: إيه ده؟.. ما حدِش عاوز يشتري البنزين مني؟.. طيب.. كله يقفل دكانه.. ما حدش يبيع حاجة.. وإلا حاتشوفوا هاعمل فيكم إيه.. أنا مش بالعب هنا.. أنا مش هفيّة.. طلع يا واد الصواريخ والمدمرات عشان نفرّجهم هاعمل فيهم إيه.

من المستحيل فصل ما يحدث للشعب السوري عن طبيعة العلاقة بين إيران وسوريا، هناك أشخاص وأنظمة أيضا، عندما تتخذ قرارا بالذهاب إلى الجحيم، تختار مرافقا ليسليها في الطريق. وعلى قيادات الجيش السوري أن تتنبه إلى ذلك.

=================

إعلام وسط الأزمة!

الشرق الاوسط

فايز سارة

22-1-2012

لا ترتبط مشكلة الإعلام في سوريا بالأزمة القائمة في البلاد منذ مارس (آذار) الماضي، بل هي مشكلة عميقة وقائمة قبل الأزمة، ولها تجسيداتها في البعدين الداخلي والخارجي. وأساس الأزمة أن الإعلام لا يتوافق بطبيعته مع مضمون نظام استبدادي - أمني مغلق، يمثل الإعلام مشكلة ماثلة في توجهاته وفي سياساته وممارساته، وهو ما جعل الإعلام السوري أسير مواصفات ومسارات عملية لم تتغير منذ تولي حزب البعث زمام السلطة.

إذن، هو إعلام تنظيري وتبريري لا يتعدى في تنظيره وتبريره محتويات ومواقف النظام الذي يديره. وبسبب من طبيعة النظام ودور الإعلام فيه، فقد تم إحكام القبضة على الإعلام المملوك في أغلبه للدولة، كما تم خلق آليات ضبط لإعلام القطاع الخاص الذي ولد من رحم الإعلام الرسمي وعلى أرضيته السياسية والمهنية، وهو ما يفسر توافقات الأداء المشترك في ظل الأزمة، وخاصة لجهة تبني سياسات ومواقف النظام حيال الأزمة القائمة سواء في أسبابها أو في احتمالاتها أو في آفاق حلها، التي يمكن اختصارها باعتبار الأزمة أمنية، وأن حلها أمني حتى لو استعان الحل بخطوات سياسية.

إن جوهر العلاقة بين النظام والإعلام، يفرض مستوى محددا وأنماطا معينة من علاقات النظام بالإعلام الخارجي.. إذ هي علاقات تميل إلى الاستبعاد في الأصل، وعندما يتم تجاوز ذلك، فيكون المسعى نحو الإخضاع والسيطرة، وفي الأبعد من ذلك، فإن العلاقة عدائية، حيث ينظر النظام إلى وسائل الإعلام الخارجية، التي لا تتوافق مع توجهاته، باعتبارها عدوا، أو هي أداة بيد الأعداء.

لقد تركت الأزمة بصماتها الثقيلة على السياسة الإعلامية للنظام، ليس في تحشيد إعلامه وضبطه بأعلى درجات الانضباط، بل تجاوزتها إلى إغلاق الفتحات المحدودة والمسارات القليلة التي كان قد تم فتحها مع الإعلام الخارجي في العقدين الأخيرين، وجاء في سياق ذلك منع وتقييد تأثير الإعلام الخارجي على السوريين، وفي هذا تعددت الإجراءات، وبينها منع مزيد من المطبوعات من دخول البلاد، والتشويش على استقبال محطات إذاعة وتلفزيون، وحظر مزيد من المواقع على الإنترنت، وأضيف إلى ذلك تقييد نشاط مراسلي وسائل الإعلام الخارجية سواء في التحرك أو الكتابة، والتشدد في منح تراخيص وأذونات المراسلين الوافدين، وعدم تجديد فترات إقامتهم في سوريا، ثم اتباع سياسات قمعية ضد الإعلاميين، تبدأ من التعنيف اللفظي ثم الطرد، وقد تصل إلى الاعتقال الذي يسبق الطرد، وتشمل هذه السلسلة عمليات تحريض ضد وسائل وشخصيات إعلامية عربية وأجنبية.. والقائمة في هذا طويلة وبعض تفاصيلها معروفة. وفي غالب الحالات السابقة، يتم وضع قوائم سوداء تتضمن أسماء إعلاميين ومؤسسات إعلامية يمنع التعامل معها أو استقبالها ويحظر التعاطي معها في سوريا.

وكان من الطبيعي في ظل السياسة الإعلامية، التي اتبعها النظام، أن يندفع المعارضون والمحتجون السوريون إلى خلق نظام إعلامي مختلف متوافق مع الحراك الشعبي وأهدافه، واستفاد السوريون مما توفره تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات في نظامهم الجديد، فخلقوا المراسل والصحافي والناشر الشعبي قليل التكاليف والحاضر في قلب الحدث، وطوروا غرفا إخبارية، ثم وكالات أنباء وصحفا ومجلات وإذاعات على الإنترنت، إضافة إلى التواصل المباشر والضمني مع وسائل الإعلام الخارجية، ويشارك في هذه التجربة الجديدة والمميزة على الصعيد العالمي أفراد وهيئات في الحراك الشعبي وأحزاب سياسية معارضة في أداء يمكن القول إنه كان تجربة مميزة، تمثل النافذة الأهم في الكشف عما شهدته سوريا من أحداث في الأشهر العشرة الماضية، إضافة إلى أنها مثلت خرقا قاسيا أكيدا للسياسة الإعلامية التي اتبعها النظام، وهو ما يفسر القسوة الشديدة التي مارستها السلطات والأجهزة في تعاملها مع مصوري المظاهرات والذين ينشرونها والمضطلعين على هذا الإعلام والذين يلقى القبض عليهم ويسجنون بتهم قاسية، وبعضهم يتم إعدامه ميدانيا من جانب القناصة.

لقد فرضت تطورات الأزمة توسيع المطالبة بدخول الإعلام الخارجي المستقل إلى سوريا لتغطية الأحداث، لا سيما في ضوء ما جرته الأحداث من تداعيات ألحقت أذيات ومعاناة واسعتين بشرية ومادية بعشرات آلاف السوريين من القتلى والجرحى والمعتقلين والمهجرين، وفي إطار موافقة السلطات السورية على المبادرة العربية واتفاقية المراقبين العرب، تم إدخال بعض ممثلي وسائل الإعلام الخارجية. وأشار وزير الإعلام السوري إلى دخول نحو مائة وخمسين وسيلة إعلام، مضيفا أن ذلك لم يخفف التحريض الذي يمارسه الإعلام الخارجي في الأزمة السورية، مما يعكس الضيق الرسمي بمجيء ممثلي الإعلام إلى البلاد، وما تقوم به من تغطيات، كان الظاهر من تكاليفها كبيرا جدا، إذ حدث في الأسبوعين الأولين من دخول الإعلاميين، مقتل صحافي فرنسي وجرح آخر بلجيكي في حمص، وشن حملة تشويه ضد صحافي عربي وزوجته، وجرى اعتقال صحافيين من كندا في دوما، وتم طرد عدد من الصحافيين، ولم يتم تجديد فترة بقاء بعض الصحافيين الراغبين في البقاء، وكثير من الصحافيين أشاروا إلى تقييد تحركاتهم، وكلها تفاصيل وحيثيات تعكس الضيق الرسمي بالإعلام الخارجي.

لم يتغير الكثير في سياسة السلطات في التعامل مع الإعلام وممثليه، كلها حيثيات وتفاصيل تكشف عن أعماق مشكلة الإعلام والنظام، وخاصة في ظل الأزمة بسوريا

====================

التحدي الأكبر: بناء «المجال المشترك»

د.إبراهيم البيومي غانم

21/1/2012

السبيل

ما يتمناه السواد الأعظم من المصريين يوم 25 كانون الثاني في ميدان التحرير وفي غيره من ميادين مصر ومدنها هو أن تتمكّن مختلف القوى والتجمعات والتيارات الفكرية والسياسية من التعبير عن رأيها بحرية وبراحة تامة. ليعبّر من شاء عما يريد دون تشنج أو غوغائية أو عبث بالأمن العام، ليعبّر الجميع بطريقة سلمية متحضرة كي يسطع الوجه المشرق لمصر والمصريين في الذكرى الأولى للثورة المجيدة التي تشاركوا جميعاً في صنعها.

 

يتطلّع السواد الأعظم في يوم الثورة أيضاً أن يكون يوماً للالتقاء على القواسم المشتركة، وبناء "المجال العام المشترك" بين جميع القوى والتيارات والمؤسسات الرسمية والشعبية، الحكومية وغير الحكومية دون استثناء. ولعل الجميع بات يدرك أنّ أس المصائب هو في تآكل "المجال العام المشترك"، وصعود النزعات والنزوات الفئوية والإيديولوجية الضيقة. وهنا بالضبط تكمن المشكلة، ومن هنا أيضاً يتعيّن علينا البدء في حلها، وحلها لا يكون إلاّ في إعادة اكتشاف وبناء "المجال العام المشترك" الذي يتّسع للجميع، وينتظم كل الآراء والمصالح.

 

"المجال المشترك" يعني بالأساس كل القيم المعنوية والمادية التي يتقاسمها أعضاء الجماعة الوطنية، المجال المشترك يعني، فيما يعني، أنّه حيثما وُجدت "مصلحة عامة" فثمَّ مجال عام مفتوح يلتقي فيه أصحاب هذه المصلحة، ليتحملوا أعباء القيام بها، وليتقاسموا الانتفاع بها، وعليهم جميعاً يقع عبء المحافظة عليها والدفاع عنها، وتطويرها. المجال العام ينمو حول الأفكار والمعاني والقضايا المركزية، وينهدم بسبب صعود المعاني الهامشية والقضايا الفئوية لتحل محل ما هو مركزي وأساسي.

 

يتسع المجال المشترك بهذا المعنى بتعدد القوى المشاركة فيه، ويضيق باختزالها في قوة واحدة، أو باحتكارها لفئة دون أخرى. يتسع المشترك الوطني عندما تتوازن وتتعاون السلطات العامة للدولة، ولا تهيمن إحداها على ما عداها، كما كان يحدث في عهد المخلوع وطغمته. يتسع هذا المجال بوحدة "المرجعية العليا" للمجتمع، مع تنوع وتعدد الاجتهادات التي تسهم في تحقيق المصلحة العامة تحت ظل هذه المرجعية ودون الخروج عليها. ينمو "المجال المشترك" عندما يكون البرلمان ممثلاً لإرادة الشعب ومستوعباً للقوى السياسية المختلفة، وينمو عندما يكون الإعلام مسؤولاً وجاداً في المحافظة على الهوية الوطنية، وعندما تكون الشرطة في خدمة الشعب، ويكون الجيش متفرغاً لمهمته المقدسة في الدفاع عن الوطن والأمن القومي.

 

اللحظة التي نتمكن فيها من بناء "المجال المشترك" بهذا المعنى الذي ذكرناه، هي نفسها اللحظة التي سيصل مجتمعنا فيها إلى مستوى تمام الولاية على نفسه، وساعتها ستتلاشى الأصوات التي تدّعي الوصاية على الشعب وإرادته العامة. أما قبل ذلك فسيظل "المجال المشترك" منقوصاً، وآنذاك لن يغني عنا ولن ينفعنا أيّ حشد حتى لو وقف الشعب كله في ميدان التحرير في ذكرى الثورة أو في أيّ يوم آخر، وستظل كل الجهود متقابلة، يهدم بعضها بعضاً، بدلاً من أن يعضد بعضها بعضاً.

 

ولهذا؛ فإنّ علينا قبل التوجه إلى ميدان التحرير يوم الأربعاء في الذكرى الأولى للثورة أن نستحضر كشف حساب العام الأول للثورة وأن ننظر إليه بجميع جوانبه، وبعين العدالة والإنصاف؛ كي نتذكر ما حققناه من إنجازات ونحافظ عليه ونضيف إليه، وكي نواصل السعي والضغط لكي نصل ما لم يتحقق ونصر عليه.

إذا فعل كل منا ذلك، سنجد أننا حققنا إنجازات تاريخية بكل المعايير، منها وأولها كسر حاجز الخوف في نفوس المصريين، وإسقاط أمن الدولة، والتخلص من الطغمة الحاكمة ورئيسها المخلوع وحزبها الفاسد، وحكومتها الفاشلة، ومنها أيضاً انحياز القوات المسلحة إلى جانب الإرادة الشعبية وحسم الصراع لصالح الثورة في أقصر وقت، وبأقل قدر من الخسائر. ومن الإنجازات أيضاً وأكثرها مدعاة للفخر إجراء أول انتخابات برلمانية حرة ونزيهة وآمنة، بحمد الله، وشهد بنزاهتها الجميع في الداخل والخارج، وأظهرت عظمة الشعب المصري وتحضره، وأصبح لدينا برلمان يتشارك في عضويته نواب لعشرين حزباً، وهو ما لم يحدث من قبل، إلى جانب المستقلين وجميعهم أمامهم فرصة تاريخية للتعبير بحق عن السواد الأعظم للمصريين بكل أطيافهم.

 

ومقابل تلك الإنجازات هناك أوجه للقصور وهناك ممارسات خاطئة لا يمكن غض الطرف عنها، هناك أولاً حقوق لشهداء وجرحى الثورة يجب أن تتقدّم على أيّ حقوق لأيّ فئة أخرى. وهناك تراخ في محاكمة رموز العهد البائد يجب أن يعالج دون إبطاء أو إخلال بالعدالة. كذلك هناك خلل في الأمن الداخلي وليس أمام الحكومة إلاّ أن تبذل مزيدا من الجهد من أجل ضبط الأمن، وردع الخارجين على القانون، وعلينا أن نعاونها في ذلك، لا أن نزيد هذا الخلل تدهوراً. ولا يقبل أحد إعفاء أحد من المساءلة والمحاكمة عن أيّ جريمة ارتكبها في حق أبناء الشعب، مهما كانت صفته ومهما كانت سلطته. هناك أيضاً المشكلات الاقتصادية المتفاقمة، وهي تفرض على الحكومة التصدي لها بكل ما لديها من إمكانيات، وأن تراعي في كل سياساتها مبدأ العدالة الاجتماعية.

 

لا يصح أن نتغافل عما تحقق من إنجازات، ولا أن نغض الطرف عما بقي من أهداف الثورة، ولكن سيظل التحدي الأكبر هو "بناء المجال العام المشترك"، ذلك لأن الجريمة الكبرى التي ارتكبتها أنظمة الاستبداد والفساد والفشل هي تدمير كل مقومات هذا "المجال المشترك"، وتفتيت الإرادة العامة وشرذمتها عبر سياسات القهر والإقصاء والاستبعاد والاحتكار، وأيضاً عبر شخصنة كل ما هو عام، المؤسسات والوظائف والمصالح العامة احتكروها لأنفسهم وتصرفوا فيها بمنطق العزبة أو الوصية الخاصة، وأغلقوها في وجه السواد الأعظم، وحتى القانون والدستور نفسه لم ينج أيّ منهما من تلك النزعة الاحتكارية الإقصائية. وقد رأينا كيف عبث مبارك وطغمته بالدستور حتى أغلقته عليه وعلى ابنه، إلى أن انتهى بهم المطاف إلى زنازين السجن وأقفاص المحكمة.

 

ما لم تكن القواسم المشتركة التي تعيد بناء "المجال العام" هي أساس التوجه السائد بين الجميع في ذكرى ثورتنا المجيدة؛ فإنّ البديل هو أن يسود منطق الوصاية الذي يقول "رأيي صواب لا يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ لا يحتمل الصواب". البديل المرعب هو انصراف كل تيار أو فئة إلى الانكفاء على مطالبها الفئوية، والانغلاق على ذاتها، والوقوع في أحبولة الإنكار المتبادل بين تلك القوى والتيارات، كأن يتوهم فريق من هنا أو هناك أنّه وحده دون غيره هو صانع الثورة وصاحبها ووارثها، وأنّ غيره دخيل عليها وراكب لموجتها، والوقوع في هذا الوهم هو الذي سيمنع نشوء المجال المشترك، وسيكون في الوقت نفسه هو أقصر الطرق لإعادة إنتاج نفس السياسات الإقصائية الاحتكارية التي مارستها الطغمة السابقة.

 

لا يقف خارج المجال المشترك إلاّ الخائفون من الإرادة الشعبية، والكارهون للمؤسسات النيابية المنتخبة انتخاباً حراً. وليس من العشوائية في شيء أن يكون هؤلاء خليط من الفاشلين في الانتخابات النيابية، ومتطرفي اليسار والعلمانيين الذين يلفظهم السواد الأعظم من المواطنين في المغرب وفي تونس وفي مصر، وهي البلدان التي بدأت تتكون فيها مؤسسات نيابية حرة، هي بحد ذاتها ساحة لنشوء المجال المشترك بين مختلف الأطياف السياسية والحزبية. ففي المغرب حكم اليساريون وغلاة العلمانيين المغاربة بالفشل على حكومة عبد الإله بن كيران قبل أن يقدّم الرجل برنامج حكومته للبرلمان! وحكم أمثالهم من التوانسة بفشل حكومة حماد الجبالي من حزب النهضة الإسلامية والائتلاف الحاكم معه بعد أقل من ثلاثة أسابيع على تولّي المسؤولية! أما في مصر فقد بادر أمثالهم من اليسار والعلمانيين المصريين بالحكم بفشل البرلمان الجديد الذي سيقوده حزب الحرية والعدالة حتى قبل أن يعقد جلسته الافتتاحية! ولا تسأل بعد ذلك أحداً من الكارهين للإرادة الشعبية والمؤسسات النيابية عن العقل أو المنطق أو عن المصلحة العامة!

 

لنا نحن المصريين أن نفتخر ونحتفل بما حققناه حتى الآن من أهداف ثورتنا، وليس آخرها تكوين برلمان منتخب بإرادة أكثر من ثلاثين مليون مواطن حر. ومن البديهي والمفترض والمتوقع أيضا أن يسعى "برلمان الثورة" إلى استخدام كافة صلاحياته بأقصى كفاءة وفاعلية في بناء "المجال المشترك" بين المجتمع والدولة، وبين القوى والتيارات الفكرية والسياسية بأطيافها المختلفة عبر التشريع، وبتفعيل أدوات الرقابة والمساءلة، وفي وضع الموازنة العامة للدولة وتخصيصها بعدالة.

 

ما يرفضه كل مصري ومصرية في ذكرى الثورة هو أن تكون مناسبة لارتكاب مزيد من أعمال العنف وإثارة الفوضى وتخريب المؤسسات والمنشآت العامة والتعدي على حريات الآخرين، وما يصرّ عليه السواد الأعظم هو أن تتغلّب إرادة التغيير والبناء على نداءات الهدم والتخريب.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ