ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت 28/01/2012


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

المسألة السورية بين التعريب والتغريب

آخر تحديث:الجمعة ,27/01/2012

رغيد الصلح

الخليج

في غياب حلّ مرتقب للمحنة السورية وما يتردد عن احتمال دخول الصراع مرحلة حرب أهلية، يتردد على ألسنة بعض الأطراف السورية والعربية والدولية مشروع “تدويل” الأزمة . حتى الآن لم تتحدد معالم هذا المقترح، ولكن الأقرب إلى التداول حتى الآن هو سيناريو يشابه ما جرى في ليبيا: تحرك شعبي سلمي/عسكري ضد النظام، تعقبه تغطية سياسية من جامعة الدول العربية فتدخل عسكري أطلسي مباشر ومن ثم إطاحة النظام . السؤال الرئيس الذي يتردد هنا هو: هل هذا السيناريو ممكن؟ هل تتوافر حالياً الأوضاع السورية والعربية والدولية المناسبة لتطبيق هذا السيناريو؟ لقد أجاب مسؤولو جامعة الدول العربية عن هذا السؤال، إذ صرّحوا قبل أيام قليلة لوكالة “الأسوشييتد برس” أن المجتمع الدولي ليس جاهزاً لولوج هذا الطريق، فما الأسباب التي تمنع السير عليه؟

على الصعيد الداخلي السوري توجد عقبات أمام تنفيذ هذا السيناريو في مقدمتها الآتي:

- الانقسام داخل المعارضة السورية حول مسألة التدخل الدولي . إن المحاورات والمناقشات العلنية التي جرت بين أطراف المعارضة السورية تدل على أنه ليس هناك موقف موحد حول هذه المسألة . هناك من يريد التدويل ويصرّ على هذا السيناريو معتقداً أنه الطريق الوحيد للتغيير . ولكن مقابل هذا الرأي، يوجد من يعارض هذا الموقف بقوة ويدعو الى دعم العلاجين العربي والسوري للمعضلة السورية . هذا الانقسام يشكّل عقبة مهمة أمام تدويل المسألة السورية .

- إن النظام في سوريا لم يفقد تماسكه ولا يقف على شفير الانهيار . هناك عدد من الذين كانوا يعملون في مؤسسات النظام، أعلنوا انشقاقهم . ولكن الواضح أن عدد المنشقين عن المؤسسة العسكرية لم يكن كبيراً إلى درجة تهديد وحدة هذه المؤسسة، ورتبهم ومكانتهم داخل النظام لم تكن متقدمة للاستنتاج بأن النظام يفقد تماسكه . ليس بين هؤلاء رموز كبيرة مثل موسى كوسى، أو أبو بكر يونس وعبدالرحمن شلقم الذين كانوا من أعمدة نظام القذافي، ثم انشقوا عنه . إن استمرار تماسك النظام يحدّ من قدرة الأطراف الخارجية على التدخل ضده، أياً كان هذا التدخل .

على الصعيد العربي هناك دول أعلنت ولا تزال تعلن معارضتها للتدخل الدولي ولتدخل دول الحلف الأطلسي ضد سوريا . بعض هذه الدول عارض بالأمس التدخل في ليبيا ويعارضه اليوم، ضد سوريا . والبعض من هذه الدول عارض التدخل في الماضي ويعارضه اليوم لأنه يخشى أن يتحوّل إلى سابقة تؤسس لتدخل لاحق ضد هذه الدول . البعض الآخر يخشى أن يؤدي التدخل إلى قيام نظام جديد في دمشق يصعب التفاهم معه .

على الصعيد الدولي، هناك ثلاثة أطراف رئيسة - على الأقل - أبدت تحفظها على فكرة التدويل وعلى التدخل الدولي المسلح في سوريا، وهي الآتية:

ا- الحلف الاطلسي نفسه، وقد أوضح رئيس اللجنة العسكرية للحلف، الجنرال كنود بارتيلس، موقف الحلف من التدخل العسكري في سوريا . جاء هذا التوضيح تعقيباً على ما ردده مسؤولون روس بأن الحلف تداول في المؤتمر الذي عقده خلال الأسبوع المنصرم في بروكسل، بحضور بعض الدول العربية و”إسرائيل” . ولم ينف بارتيلس نفياً قاطعاً التداول في هذا الأمر فحسب، بل أكد أيضاً أن الأطلسي ليس حتى في وارد التفكير في التدخل العسكري في سوريا .

2- روسيا، وقد أعلن وزير الخارجية الروسية لافروف أن التدخل العسكري في سوريا هو “خط أحمر” . ويربط محللون هذا الموقف المتشدد بالانتخابات الروسية خلال شهر مارس/آذار المقبل . ولقد بينت الاستطلاعات الأولية أن المرشحين الأبرز في هذه الانتخابات هم بوتين، وزيوغانوف زعيم الحزب الشيوعي الروسي، وجيرونوفسكي زعيم القوميين المتشددين . وبيّنت هذه الاستطلاعات أن التي قام بها “مركز أبحاث الرأي العام” في موسكو فيما لو جرت الانتخابات اليوم، فإن المرشحين الثلاثة سوف يتقاسمون فيما بينهم 68% من الناخبين الروس، وأن 48% من هؤلاء سوف يؤيدون فلاديمير بوتين . ومن الأسباب الرئيسة التي يعددها المحللون الروس لهذا التأييد، الموقف الذي يتخذه الزعماء الثلاثة تجاه السياسات الأطلسية، ومنها سياسة القوى الأطلسية الكبرى تجاه منطقة الشرق الأوسط . في هذا السياق، يمكن القول إن الاعتبارات الانتخابية تلعب دوراً مهماً في تكوين موقف موسكو المتصلب تجاه المسألة السورية . استطراداً فإنه من الصعب أن يطرأ أي تغيير كبير على هذا الموقف قبل الانتخابات الرئاسية .

3- الصين، ويميل محللون إلى الاعتقاد بأن الصين تعارض التدخل الأطلسي في سوريا، ولكنها لا تذهب في معارضتها إلى نفس المدى الذي تذهب إليه روسيا . بصرف النظر عن هذه المقارنة بين الموقفين، فإن حوافز الصين لمعارضة تدويل المسألة السورية لا تقل عن الحوافز التي تقف وراء المعارضة الروسية للتدويل .

للصين مصالح اقتصادية نامية في المنطقة العربية . لقد حاولت بكين مراعاة مصالح الدول الأطلسية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة إذ إنها سعت إلى الابتعاد عن منافسة هذه الدول في مناطق نفوذها الحالية، واتجهت إلى تنمية علاقاتها الاقتصادية مع دول أخرى في المنطقة مثل السودان التي باتت أكبر شريك تجاري للصين وبوابة لنشاطها الاقتصادي في القارة الإفريقية .

وسعت بكين الى توسيع نطاق استيرادها من النفط السوداني، بحيث أصبحت السودان سادس مصدر للنفط الى الصين . وتضاعفت هذه الصادرات خلال عام 2007 وحده نحو خمس مرات . وساعدت بكين السودان على توسيع مصفاة النفط في الخرطوم . وردت دول الأطلسي الكبرى على نمو العلاقات الاقتصادية بين السودان والصين، بزيادة الضغوط والعقوبات على الخرطوم وبتشجيع جنوب السودان الذي يحوز ثلاثة أرباع حقول النفط السوداني، على الانفصال عن الشمال، وأخيراً بإيقاف تصدير النفط الذي يذهب أكثره إلى الصين .

تمثل الحالة السودانية نموذجاً للمنافسات بين الصين ودول الأطلسي على اكتساب الزبائن والشركاء في المنطقة العربية . في هذا السياق، لا تراعي دول الأطلسي مصالح الصين في المنطقة العربية مثلما تفعل الصين مع دول الأطلسي . لذلك فإنه ليس هناك من حافز لبكين في تسهيل مهام الأطلسي في شرق المتوسط، ولا مبرر لبكين لكي تساعد على تعبيد طريق الأطلسي إلى دمشق أو في غيرها . إن مصلحة الصين في معارضة تدويل أو تغريب أو أطلسة المسألة السورية لا تقل عن مصلحة روسيا في اتخاذ هذا الموقف .

هذه العوامل التي تقلل من احتمال تدويل المسألة السورية، قد تضعف إذا ما استمر النهج الأمني هو الأساس في معالجة دمشق للمعضلة السورية، وإذا لم تقدم على إدخال إصلاحات سريعة وجادة وذات صدقية عالية على الأوضاع السياسية والاقتصادية في البلاد . في غياب مثل هذه الإصلاحات قد يصبح تمسك الأطراف العربية والدولية بالخط الأحمر أمراً صعباً ومحرجاً، ويمنح الأطلسيين فرصة لكسب مواقع جديدة في المنطقة العربية .

==================

انتهاك مهنية الحقوقيين العرب في بعثة المراقبين لسوريا

الجزيرة السعودية

التاريخ: 27 يناير 2012

في الأساس تُشكَّل بعثات المراقبين وتقصي الحقائق للتأكد من جدية تنفيذ الأنظمة الحاكمة تعهداتها بالالتزام بتطبيق بنود الاتفاقيات ومعاهدات حقوق الإنسان، من خبراء وناشطين في قضايا حقوق الإنسان والمهتمين بالدفاع عن السجناء السياسيين والمدافعين عن الكرامة الإنسانية.

ولهذا فقد استغرب العديد من متابعي الوضع في سوريا أن يغلب على تشكيلة بعثة المراقبين العرب المكلَّفة بمتابعة تنفيذ البروتوكول، الذي اتفق الأمين العام لجامعة الدول العربية مع النظام السوري على تطبيقه في سوريا، الطابع العسكري؛ حيث طغى الضباط على الحقوقيين والمهتمين بحقوق الإنسان في تكوين بعثة المراقبين العرب! والأدهى أن يكون رئيس البعثة ضابطاً مخضرماً، له باع طويل في قمع التحركات المطالبة بالحرية وحقوق الإنسان!

لا يُعرف كيف اختير الفريق أول محمد الدابي رئيساً للبعثة وهو صاحب تاريخ طويل في قيادة وحدات مكافحة الشغب والقوات العسكرية في دارفور وجبال النوبة؟! فالذي نعرفه أن الدابي رُشِّح من حكومة السودان، التي لا تُخفي تعاطفها مع نظام بشار الأسد، وأن الأمين العام لجامعة الدول العربية نصَّبه رئيساً للمراقبين العرب. أما النتيجة فهي معروفة؛ إذ جاء تقرير رئيس البعثة منحازاً تمام الانحياز للنظام الذي يتعاطف معه النظام الحاكم في بلاده، في حين غُيِّبت مشاهدات وملاحظات وتقارير المراقبين المختصين في مجالات حقوق الإنسان المتعددة.

الذي لا يعلمه الكثير من السوريين والعرب أن من بين المراقبين العرب الذين ذهبوا إلى سوريا، وشاهدوا فظائع ما ارتكبته قوات النظام العسكرية والأمنية، حقوقيين ومختصين وخبراء عرباً في مجالات حقوق الإنسان، وأن هؤلاء قد دوَّنوا وقدَّموا تقارير عدة، أثبتوا فيها مشاهداتهم عن انتهاكات النظام السوري وأجهزته القمعية. هؤلاء منهم أساتذة ودكاترة، ومنهم أعضاء في لجان المعتقلين وحقوق الإنسان ومنظمات حقوقية لها حضورها، وتوجد في العديد من البلدان العربية، ومع هذا فإن تقاريرهم وما قدموه من شهادات مكتوبة وشفهية موثقة بصور (فيديو) وفوتوغرافية لم يأخذ بها الفريق الدابي! كما لم تتلفت لها الأمانة العامة للجامعة العربية! وإضافة إلى الإخلال بأمانة ومسؤولية جهاز الأمانة العامة للجامعة العربية، ومهمة رئيس بعثة المراقبين العرب، فإن هاتين الجهتين تُموَّل أعمالهما من الأموال العربية؛ لأنهم موظفون في منظمة عربية إقليمية؛ وهذا ما يجعلهما عرضة للمساءلة بل المحاكمة إذا ما قدّم الحقوقيون الأعضاء في بعثة المراقبين العرب دعاوى يطالبون فيها بالكشف عن تقاريرهم ومحاسبة من غيوبها. هؤلاء الحقوقيون هم الأقدر على نيل حقوقهم التي غيبها الدابي، وتستر عليها الأمين العام لجامعة الدول العربية بالتواطؤ مع من اختاره رئيساً للمراقبين العرب، الرئيس الذي تجاوز وأهان أساتذة وخبراء في مجالات حقوق الإنسان، وحوَّلهم من مدافعين عن حق الإنسان في الحياة إلى مجرد شهود زور، مثلما جاء في تقرير الفريق الدابي، الذي نقل خبراته الميدانية من دارفور وجبال النوبة إلى سوريا!

==================

عندما تمخض جبل الجامعة

د. نقولا زيدان

المستقبل

27-1-2012

عندما آثرت الجامعة العربية إغماض جفونها، وهي تعلم ذلك كل العلم، عن حقيقة الأزمة السورية التي تتلخص بانتفاضة شعبية عارمة حيال نظام تديره طغمة حاكمة دموية تسلط آلة عسكرية عمياء برقاب شعبها، كان ذلك خطأً جسيماً منذ بداية محاولاتها امساكها دون سواها بمعالجة الأزمة.

فالنظام السوري الذي قرّر منذ بداية انطلاق التظاهرات قمعها بالرصاص وقذائف الدبابات والمدفعية، وهو الذي يبرع لحدّ مذهل في فنون المراوغة والتضليل راح يقود الجامعة من مأزق الى آخر. فقد كشفت الجامعة عن نقاط ضعفها بل عن عجزها في ايجاد حل ناجع للأزمة، وهي التي طالما اشتهرت بالعجز واتخاذ القرارات الرضائية والتسووية وعدم لجوئها الى التصويت إلا في حالة واحدة كانت نتيجتها دورها "التاريخي" في سقوط النظام العراقي والتخلص من طاغيته الدموي صدام. فباكورة العجز كانت في توقف مندوب سوريا عن حضور اجتماعاتها دون اقصاء سوريا عن الجامعة ولا وقف عضويتها. أما العقوبات الاقتصادية التي قررتها بحق النظام في دمشق فالجميع يعلم أنها كانت بحاجة لكفاية من الوقت لتحقق فعاليتها وتنجز أهدافها، ناهيك عن معرفة الجامعة المسبقة بالدور المريب الذي يلعبه النظام العراقي وحكومة الصناعة السورية في لبنان في اختراق هذه العقوبات.

أما أحد دلائل العجز في قرارات الجامعة فكان المبادرة العربية نفسها التي تلخصت بإرسال مندوبين مراقبين الى سوريا المشتعلة بالثورة، لا بل في اختبار المراقبين غير الكفوئين وفي قلة عددهم. بل أسوأ من ذلك بكثير عندما تكفل نظام دمشق مذ أن وطئوا أرض سوريا بتضليلهم ومراوغتهم بل في مضايقتهم وتهديدهم وتحديد أماكن زياراتهم، هذا ما عدا تبديل لوحات الارشاد للطرق واسماء القرى وتزوير حتى التظاهرات والمتظاهرين، وإكراه المستقيمين من هؤلاء المراقبين على الانسحاب. وكانت آخر بدعة للتعبير عن عجز الجامعة وتخاذلها هي ما تردد عن دعوة الأمم المتحدة لتدريب هؤلاء لترقية مستواهم البائس. بدعة لم ترَ النور كنظيرتها الداعية لإرسال قوات ردع عربية كتلك السيئة الذكر التي جاءت الى لبنان عام 1976 والتي ما لبثت أن انسحبت الواحدة منها تلو الأخرى عندما أدرك قادة الدولة التي أرسلتها انها لا تعدو كونها غطاء لاحتلال سوري للبنان. لربما في جعبة الأسد مكيدة من نوع آخر يستقبل بها قوات ردع كهذه وهي في أية حالة لن تأتي قطعياً لأنها لن تركب مركباً خطراً كهذا كما تشير المعطيات.

لقد كانت تجربة المراقبين العرب في سوريا تجربة أقل ما يقال فيها إنها فاشلة. فقد ولد قرار ارسال بعثة المراقبين شعوراً عاماً لدى الشعب السوري والشعوب العربية أيضاً ان الهدف منه اعطاء مهلة أو فترة سماح للنظام الأسدي للاجهاز على الانتفاضة أو أقله إراقة المزيد من الدماء، وبالفعل فقد سقط خلال فترة مكوث هؤلاء المراقبين أكثر من ألف شهيد.. ليس هذا فحسب بل تم تسجيل انسحاب 22 مراقباً منهم بل رأينا بعض هؤلاء على شاشات التلفزة يشيرون بأصابعهم الى القناصة المتمترسين على سطوح درعا المدينة وقراها، بل قدم بعضهم شهادات مذهلة عن كاميرات المراقبة التابعة لأجهزة أمن النظام في غرف نومهم وحماماتهم. فإن كانت الحال كذلك فما بالك بخطط سيرهم وتجولهم في الشوارع والأحياء. أما الفضيحة الكبرى التي لا يجوز السكوت عنها ألا وهي شخصية محمد الدابي وهو فريق أول في الجيش السوداني وصاحب سجل أسود عندما كان حاكماً عسكرياً لمنطقة دارفور في السودان التي هزت مآسيها الضمير العالمي. فكيف تم اختياره ولماذا؟ إنها أسئلة يطرحها الشعب السوري والرأي العام العربي والدولي، على الجامعة العربية وأمينها العام.

لقد كان يوم 22 كانون الثاني يوماً عاصفاً داخل أروقة الجامعة وقد تمخض الجبل فولد ما نرى بأم العين. الأول قرار عبثي مستحيل ألا وهو إقناع الرئيس الأسد بتسليم كامل صلاحياته لنائبه الذي عليه أن يهيء لانتخابات عامة رئاسية وتشريعية في غضون شهرين وذلك بإشراف عربي ودولي، الى غير ذلك من التفصيلات وأهمها تشكيل حكومة وحدة وطنية تشترك فيها المعارضة. لكن سرعان ما عمدت التلفزة الرسمية السورية وصحفها بإطلاق النار على هذا المقترح الذي يطاول رأس النظام. وقد كان لافتاً موقف سعود الفيصل الذي أعلن أثناء فترة الاستراحة بين اجتماعي الجامعة سحب المراقبين السعوديين من البعثة. ولم يفاجئ أحداً موقف مندوب الجزائر الذي رفض بقوة هذا المقترح، ولا مندوب لبنان وهو الأمين على تعليمات دمشق وحزب السلاح الممسكين بخناق لبنان حكومة وشعباً فقد أعلن أن لبنان ينأى بنفسه عن قرار يطاول النظام السوري.

أما الشق الثاني فهو التمديد لبعثة المراقبين الى سوريا مع زياد ملحوظة في تجهيزاتها وميزانيتها. هذا وسط ضجيج إعلامي لا مثيل له، حيث حاول رئيس وزراء قطر حمد بن جاسم بصبر عجيب مناشدة الرئيس السوري أن يحذو حذو الرئيس عبدالله صالح. أما محمد الدابي، بعد أن تمترس وراء قرار الجامعة العربية بالتمديد للمراقبين، راح يتلو على وسائل الاعلام تقريراً مليء بالمغالطات والتزوير الفاضح للحقيقة والواقع. فلا الانتفاضة هدأت لمجرد وصول المراقبين، ولا مجموعات من المسلحين هي التي تتصدى لعمليات الجيش السوري فكيتفي هذا الجيش بالرد عليها الخ... من التحريف للوقائع.

لقد كان موقف المجلس الوطني السوري مشرفاً في رفضه المبادرة العربية والتمديد للمراقبين، ذلك أن هذا القرار لن يؤدي سوى لإطالة النزف والبطش ومحاولة سحق الانتفاضة. وبصرف النظر عن عدم وجود أية رهانات جدية ملموسة الآن على مجلس الأمن للتدخل الفعلي في وقف حمامات الدم في سوريا، فإن حمل الملف السوري الى أروقته لن يكون سوى موقف مبدئي ليس إلا.

إن سخط المعارضة وغضبها من تخاذل الجامعة العربية، وحالة الغليان التي لا توصف في صفوف الانتفاضة الميدانية قد بلغ حده الأقصى. ومن السذاجة بمكان التعويل والرهان على أي موقف مقبول من نظام الأسد، فهو سكران بنشوة الدماء، وهو ماضٍ في منطقه الفاشي حتى القبر. هكذا علّمنا التاريخ.

لذا فالمعركة مستمرة.

==================

نظام الأسد خط دفاع أول عن إيران!

سركيس نعوم

2012-01-27

النهار

السخاء في الدعم السياسي و"الخبراتي" امنياً وعسكرياً والمالي الذي تظهره الجمهورية الاسلامية الايرانية حيال نظام آل الاسد في سوريا، ولا سيما بعد انطلاق الثورة الشعبية ضده في 15 آذار الماضي، سببه الحلف الاستراتيجي الذي ربط بين الاثنين بعد انتصار الثورة الاسلامية الايرانية، ثم تعرّضها لحرب عسكرية من عراق صدام شارك فيها سياسياً ومالياً معظم الدول العربية. وسببه ايضاً رعاية النظام نفسه مسيرة "حزب الله" اللبناني الذي اسسته ايران الاسلامية، اولاً لمقاومة الاحتلال الاسرائيلي لأجزاء من لبنان، وثانياً ليحوّل لبنان بكل الوسائل اللازمة جزءاً من مشروعها الاقليمي الهادف الى جعلها جزءاً من ازمة الشرق الاوسط، وقائداً للمواجهة وإن غير المباشرة مع اسرائيل ومن على حدودها، وكذلك للمواجهة مع اميركا. وسببه ثالثاً، اقتناع نظام آل الاسد، وخصوصاً بعدما تولى حكمه الرئيس الحالي بشار الاسد، بالمشروع الايراني وتحوّله جزءاً اساسياً منه بل شريكاً فعلياً فيه، علماً ان نسبة شراكته هذه تقلّصت عما كانت عليه ايام والده الراحل الرئيس حافظ الاسد.

هل الاسباب الثلاثة المذكورة هي الوحيدة التي تجعل ايران مستشرسة في الدفاع عن نظام الرئيس بشار الاسد؟

انها اسباب حقيقية ومهمة ومقنعة، يجيب متابعون دقيقون ومن قرب لمسيرة النظام الاسلامي الايراني. لكنهم يضيفون اليها سبباً رابعاً قد يكون صار الآن اكثر اهمية من الأسباب الثلاثة المذكورة اعلاه. وذلك جراء التطورات التي تربك النظام السوري حليفها الاقليمي الوحيد منذ اشهر عدة، وجراء الضغوط الضخمة التي تمارسها عليها منذ سنوات، والتي ازدادت وزناً ونوعاً وقساوة وأذى، اميركا والاتحاد الاوروبي وعدد كبير من دول العالم، بل جراء شعور "الاركان" في طهران ودمشق ان نظاميهما يخوضان معركتين هما في الاساس معركة واحدة لها هدف واحد. وهو إما دفع ايران الاسلامية الى التفاهم مع اميركا والمجتمع الدولي بشروطه. وإما إجبارها على ذلك بإقناع النظام السوري بالانفصال عنها او باجباره على ذلك او بانهائه، وإما اللجوء الى الخيار العسكري ل"درء الخطر الايراني" بحسب وصف الغرب له.

والسبب الرابع هذا هو ان نظام الاسد يشكّل ومنذ مدة طويلة خط الدفاع الأول عن ايران الاسلامية. ولذلك فانها (أي ايران) مضطرة، بضرورة بذل ما في وسعها لتلافي نجاح اخصامه الداخليين والخارجيين في اسقاطه. إذ أن هذا الاسقاط سيعرّض خط الدفاع الثاني لايران اي "لبنان حزب الله" الى الاستهداف المباشر بغية اسقاطه. والنجاح في ذلك سينقل المواجهة الى خط الدفاع الثالث وهو العراق الذي يمكن زعزعة الحكم الموالي لايران فيه، وضرب استقراريه السياسي والامني الهشَّين اصلاً. وقد يكون ذلك بواسطة الحرب الاهلية التي لم تتوقف يوماً بين "شعوب" العراق والتي بدأت تعود تدريجاً بواسطة الازمات السياسية التي يستعمل ابطالها فيها العنف. واي فشل في الدفاع عن الخط الاخير هذا يجعل ايران وهي خط الدفاع الاخير عن نفسها في مواجهة ضربة عسكرية لها ولمنشآتها النووية او تزعزع كبير في استقرارها الداخلي قد يتسبب به شعور الاقليات في ايران بالقمع الرسمي والدائم، وشعور الاصلاحيين من داخل النظام ان المحافظين والمتشددين يأخذون شعبهم وبلادهم وانجازات ثورته الاسلامية الى الانهيار. كما قد يتسبب به نزاع جدي وخطير داخل الفريق المتشدد. وهذا امر لاحت طلائعه منذ مدة.

انطلاقاً من ذلك كله يعتقد متابعون اميركيون من واشنطن ومن قرب لأوضاع ايران ان نظامها الاسلامي حشر نفسه في زاوية ويريد من اميركا وحلفائها ان يخرجوه منها، ولكن من دون اي مقابل. وهذا امر لن يحصل. ذلك ان إدارتها ستستمر في الضغط عليه حتى يصرخ. والعقوبات هي الوسيلة لذلك. وقد بدأ يلمسه شعب ايران ونظامها، وسيكون قادة ايران "مجانين" اذا فكروا بعمل وقائي مثل اغلاق مضيق هرمز او غيره. ذلك انهم سيوفّرون بذلك الذريعة التي تحتاج اليها اميركا وحلفاؤها لتوجيه ضربة ساحقة للمنشآت النووية الايرانية، وربما لكل بناها التحتية المدنية والعسكرية. ويبدو ان هؤلاء تلقوا تحذيرات اميركية جدية. وتأمل اميركا في أن ترجح كفة اصحاب "العقول الباردة" منهم وليس الحامية.

==================

الملف السوري المدول ها نحن ندخل الحرب العالمية الثالثة: حرب الغاز

لمى الاتاسي

2012-01-26

القدس العربي

عندما اعلنت شركة غاز بروم الروسية عن توقف توريد الغاز للدول الأعضاء في السوق الاوروبية وحملت اوكرانيا المسؤولية تم عقد اجتماع في بروكسيل لكل من ممثلي الشركة الروسية وشركة النقل الاوكرانية لارسال محققين بهدف تقصي الحقيقة وتحديد مسؤولية كل طرف وهذا اظهر بالمحصلة أزمة في العلاقات الدولية وبداية تشكل احلاف جديدة تماما كما كان الوضع عشية الحرب العالمية الثانية.

مشاريع الغاز متضاربة وكثيرة لكن اليوم هناك مشروعان هما الأكثر ظهورا وتضاربا الأول نابوكو وهو المشروع الغربي الذي يهدف لتجاوز روسيا بمروره عبر تركيا والثاني واسمه النورث ستريم وهو ما يحفظ لروسيا باب التحكم ولروسيا مشروع اخر مكمل وهو الساوث ستريم.

الأوروبيون يريدون ان يتحرروا من هيمنة روسيا على سوق الغاز، وتركيا هي من اهم الدول في كل المشاريع بل هي البلد الذي لا يمكن التحرر من اهميته.

من هنا فتركيا ليست سفيرة اميركا كما كان يعتقد وفي الوقت ذاته ليست دولة عظمى بعد وكلا المشروعين يمران عبرها.

ولكن يخطئ من يظن أنها مجرد طالب لعضوية في سوق اوروبية مشتركة لأن مشروع النابوكو وضعها في قلب الأحداث في هذه المرحلة وبمعية واشنطن اللتي يهمها جدا ابعاد موسكو والحد من نفوذها في هذه المنطقة وفي العالم ايضا.

لكن لتركيا ايضا دورها المستقل واردوغان يلعب بذكاء ويخطئ من يعتقد أنه ينفذ اجندة امريكية فها هو بوتين يعرض على تركيا بناء ممرات غاز ضمن مشروع معاكس للنابوكو وهو ساوث ستريم وهذا ما وافق عليه اردوغان مؤخرا وسط ذهول الغرب وتركنا نتساءل: هل نحن امام حلف جديد يضم ايران وتركيا وروسيا والصين لتكون سورية احدى ضحاياه؟

ولكن الأمور ليست بهذه البراءة فبعد اتفاق مع قطر الدولة ذات النفوذ الكبير ،طمأنت تركيا الغرب بانها ستقدم مشروع النابوكو على الأخر وستوصل غازالعراق ومصر وقطر كذلك اذربيجان ولربما تركمانستان وغازايران الى اوربا ، بهذا تحل تركيا مكان اوكرانيا في دورها الاستراتيجي وتاخذ دورا سياسيا هاما في الشرق والغرب،لتتحالف مع ايران بدل ان تتنافس معها رغم علاقاتها الجيدة مع قطر واسرائيل؟

تركيا تمسك العصا ليس من الوسط لكن من كل الجهات فاضافة للجانب الاقتصادي وهو الجانب الهام جدا ومن شأنه ان يكرسها كقوة اقليمية هناك ايضا الجانب الايديولوجي وهو سلاح اخر ونعني تماما التنظيم العالمي للإخوان المسلمين وهو تنظيم متماسك وله حضوره القوي في المنطقة وفي مختلف ارجاء العالم ايضا وان كان دون رأس وسلطة كما كان حال الخلافة العثمانية. ومثل الحلم الفارسي باحتلال الخليج تحلم تركيا باستعادة امجادها الامبرطورية ليس كمستعمر لكن كقوة عظمى.

نعم نجح اردوغان من خلال ذلك بفرض تركيا كدولة ذات هيبة في اوروبا مما ادى الى نشوء مواقف متباينة فبينما تعارض المانيا دخول تركيا في السوق الاوروبية المشتركة تبدو فيينا مشجعة وهناك الكثير من الاسئلة تطرح نفسها وتتمحور اساسا حول: إلى أين ستصل الخلافات في الأزمة الجديدة؟

اندلعت أزمة مضيق هرمز بعد إعلان الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية نيتها فرض عقوبات على صادرات إيران النفطية على خلفية برنامجها النووي، وهو ما دفع إيران الاسبوع الماضي إلى التهديد بإغلاق المضيق، الذي يمر عبره 35' من النفط العالمي المنقول بحرا.

ويشكّل مضيق هرمز أحد أهم الممرات المائية في العالم وأكثرها حركة للسفن، ويقع في منطقة الخليج العربي فاصلاً ما بين مياه الخليج العربي من جهة ومياه خليج عمان وبحر العرب والمحيط الهندي من جهة أخرى، وهو المنفذ البحري الوحيد للعراق والكويت والبحرين وقطر. بعباره اخرى نحن نشهد تشكل حلف لن تتركه مراكز القوى في العالم يتطور.

وهنا يراودنا سؤال: هل ستكون جماعة الإخوان المسلمين في سورية تحت سيطرة تركيا ام تحت سيطرة قطر؟ ام ستحاول الجماعة اتباع سياسة اردوغان في التحرر من التبعية ؟ اتكلم عن الاخوان كمثل افتراضي لتواجدهم في الساحة السياسية بقوة وتنظيم يفتقده غيرهم، ونسأل ايضا هل النظام الجديد في سورية الجديدة سيحد من النفوذ الايراني الذي تعاظم في ظل حكم بشار الاسد؟

بمعنى أخر: هل سيؤدي ذلك الى تحرر سورية بعد سنوات طويلة من الاستعباد لتحصل على الاستقلال التام وما الذي سيضمن لنا عدم التبعية لتركيا او لغيرها ؟

ثورتنا ليست للبيع ولن نساوم على حريتنا ومن قال ان الشرق الاوسط اصبح غنيمة يتقاسموها ؟

ولكن ونسأل ايضا من جديد: ان كانت سورية هي الضحية في العرس الايراني التركي فمن هي الضحية القادمة وهل سيبقى الاردن آمنا وكذلك دول الخليج؟

رغم ذلك نتفاءل باقتراب اللحظة اللتي سيفهم فيها العالم ان السوريين يناضلون امام ابواب العالم العربي والعالم الغربي لوحدهم لكي ينالواالحرية والكرامة ويستعيدوا الديمقراطية الغائبة والسيادة المفقودة.

==================

المبادرة العربية و«الصفقة» مع موسكو

الجمعة, 27 يناير 2012

وليد شقير

الحياة

طالت الأزمة السورية قياساً الى ما شهدته دول عربية عدة في سياق الربيع العربي. ولعل الاحتفال بالذكرى السنوية الأولى لانتفاضة الشعب المصري في 25 كانون الثاني (يناير) هو الذي يوحي بهذا الشعور المفرح بالنسبة الى مصر، نظراً الى سرعة انتقال السلطة فيها، على رغم الثغرات، التي يراها البعض في استمرار إمساك العسكر بالسلطة، والمحبط بالنسبة الى سورية، نظراً الى استمرار غلبة الحل الأمني بعد 11 شهراً من القتل المنهجي.

ومع أنه لا تجوز المقارنة بين مصر وسورية، ولا بين الأخيرة وبين تونس التي احتفلت بدورها قبل أسابيع بمرور عام على الثورة، فإن السؤال المحبط هو: هل أن حل الأزمة السورية يتطلب مرور 18 شهراً أو أكثر فيما استغرق الانتقال بالسلطة في مصر 18 يوماً فقط؟

في مصر انخرطت أداة الحل الأمني، أي الجيش، بالحل السياسي. وفي سورية لا مؤشرات حتى الآن، الى ذلك. فقدرات الجيش السوري ما زالت مسخّرة بالكامل لمصلحة النظام وهذا ما يقود يومياً الى استنزاف المؤسسة العسكرية بالعنف الدموي، وبتعريضها للانشقاقات التي تتراكم.

في سورية، كل ما يقال في السياسة هدفه تغطية الحل الأمني، من دون أن يرف جفن أهل النظام إزاء تناقض أقوالهم. في أوائل الشهر الماضي نفى الرئيس السوري بشار الأسد إصداره أوامر بقمع الاحتجاجات لشبكة «آي بي سي» الأميركية، وقال إنه ليس هو المسؤول عن أعمال القمع، وبالأمس فاخر وزير خارجيته وليد المعلم بالحل الأمني بقوله إنه «مطلب شعبي».

ومع أن النظام يظلل إصراره على الحل الأمني برفضه التدخل الخارجي، فإن ما يقوم به لا يؤدي سوى الى تبرير المزيد من هذا التدخل، ولو أنه يتخذ شكلاً مختلفاً عن ذلك الذي حصل في ليبيا. ومن كثرة حديث النظام السوري عن أن الأزمة ناجمة عن مؤامرة خارجية، فهو يزيد من ربط الحل ومصيره بالخارج، الى الحد الذي جعله يعتبر أن التطورات الخارجية هي أوراق في يده للدفاع عن النفس، وبحيث يعجز عن إدراك الخيط الرفيع الذي يفصل بين امتلاكه الأوراق في العلاقة مع موسكو وطهران، وبين تعاطي روسيا وإيران مع سورية على أنها ورقة في يد كل منهما، في إطار الصراع الدائر على النفوذ في المنطقة مع دول الغرب. أي أن النظام السوري يتوهم بامتلاكه الأوراق، فيما حلفاؤه يتصرفون على أنهم يمسكون بورقة ثمينة للتفاوض، عبر تحالفهم معه.

لا يخفى على أحد أن حلول الأزمة السورية تنتظر صفقة ثنائية بين روسيا والغرب، وبين إيران والغرب، تتناول أوضاع المنطقة برمتها بمعزل عن سورية من جهة، وتشمل سورية في آخر المطاف من جهة ثانية.

حتى ما قبل الاجتماع الأخير للجامعة العربية، كانت الدوائر المتتبعة لإمكان حصول هذه الصفقة تتصرف على أن البحث بها لم يكن قد بدأ، فهل يشكل قرار الجامعة الأخير إيذاناً ببدء التفاوض عليها؟

وفضلاً عن أن هذا التفاوض سيأخذ وقتاً، يستمر خلاله الحل الأمني في سورية ورقة في أيدي القوى الدولية والإقليمية، فإن المؤشرات إلى السعي لإنضاج بدء التفاوض، تتكاثر. ويشكل الموقف الروسي من قرار الجامعة العربية الأخير مفتاحاً في إطلاق العملية التفاوضية هذه.

من هذه المؤشرات أن دول الخليج، وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية، سحبت مراقبيها من بعثة الجامعة العربية، وهو ما يرمز الى فقدانها الأمل بإمكان صرف النظام النظر عن الحل الأمني، لاقتناعها بأنه أقدر على ممارسة ألاعيب تعطيل مهمة المراقبين التي هدفها الجوهري نقل المعالجات الى المستوى السياسي. وهي من المرات النادرة التي تعتمد الرياض ودول الخليج، التي تتميز ديبلوماسيتها بالبطء والتحفظ والتأني، ديبلوماسية هجومية نشطة منذ شهر تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، فتبادر الى الانتقال بالمبادرة العربية من الدعوة الى تشكيل حكومة برئاسة شخصية معارضة مع استمرار الرئيس الأسد الى آخر ولايته عام 2014، الى تشكيل حكومة تشترك فيها المعارضة، مع نقل الرئيس صلاحياته الى نائبه في المرحلة الانتقالية... وإذا كانت موسكو بررت رفضها تدويل الأزمة بدعوتها دول الغرب الى تأييد المبادرة العربية، فما هو موقفها منها في نسختها الجديدة في ظل بقاء اقتراح أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني إرسال قوات ردع عربية الى سورية على الطاولة؟

المؤشر الذي لا يقل أهمية أيضاً، أن إيران تراجعت عن تهديدها بإقفال مضيق هرمز، الذي قال عنه رئيس الوزراء القطري حمد بن جاسم إنه «ملك للعالم»، فيما نجحت الوساطة التركية في تجديد التفاوض الأوروبي مع طهران على وقع العقوبات الجديدة المؤجلة التنفيذ الى أيار (مايو) المقبل.

إذا لم تكن هذه المؤشرات كافية لبدء التفاوض على «الصفقة»، فإن الأزمة السورية قد تستمر أكثر من 18 شهراً.

============================

اختلاف المعارضة السورية لن يفسد للثورة قضيتها

مها بدر الدين

الرأي العام

26-1-2012

بعد أعوام طويلة من سيطرة الحكم الفردي وثقافة تقديس الحاكم وسياسة الحزب الواحد، تم خلالها كم الأفواه وكتم الأصوات وتعتيم الرؤية وغسل العقول، انفجرت الثورة السورية الشعبية لتقذف بحممها الثائرة على الواقع المزري جميع أطراف اللعبة السياسية القذرة التي استنفدت مقدرات الوطن الاقتصادية والسياسية والبشرية، وقدرات المواطنين الفكرية والابداعية والثقافية، وثار الشعب السوري ليفاجئ نفسه والعالم أجمع بقدرته على تحطيم جدار الصوت المكتوم وتغير ملامح الصورة المبهمة لمستقبل يترنح بين سلاسل العبودية والتوق للعيش بحرية.

وأصبحت الفرصة مواتية لكل معارضي النظام السوري أن يطلقوا العنان لأفكارهم ورؤاهم وتطلعاتهم بعد أن فتح لهم الشباب السوري المقهور شباك الحرية لينطلقوا منه مغردين بألحانهم المحبوسة في صدورهم بأمر من الحاكم المستبد، وعلل الشعب السوري نفسه بالأمل في أن يكون لديه معارضة جاهرة ناهرة تقف على قضيته موقف المدافع عن المظلوم والطبيب من المريض، فتضع يدها على الجرح لتبرأه وتشخص الداء السقيم لتحدد الدواء السليم.

لكن كما الكسيح يجري بعد شفائه بدل أن يمشي، والكفيف يضع نظارة شمس عندما يبصر النور، والأخرس يغني نشاذاً إذا قدر له أن ينطق، كذا المعارضة السورية التي ما أن انفكت عقدة من لسانها بانفكاك كماشة النظام حول عنقها حتى أمطرتنا بوابل من التصريحات والتحليلات والتعليقات والمواقف التي لم ترتق إلى جلالة الحدث الوطني وهول المصاب الإنساني ومستوى الحراك الشعبي ووضوح الهدف الثوري، الذي اختزل بإسقاط النظام العائلي القائم والتحول إلى الحكم الديموقراطي كنهج ارتضاه الشعب لنفسه بديلاً عن الحكم الاستبدادي الأسدي.

ففي الوقت الذي أصبح الشارع السوري بأمس الحاجة لمعارضة موحدة قوية تمثله أمام المجتمع الدولي وتعمل على إيصال صوت الشعب السوري إلى خارج حدود الوطن، نجد أن انقساماً كبيراً حدث في كيان هذه المعارضة حديثة البنيان قد يسفر في وقت ما عن حدوث شرخ عميق بين أطياف المعارضة يصعب ترميمه ولا يستفيد منه سوى النظام الأسدي ومؤيدوه، وبعد أن كان يصعب على المعارضة الالتقاء في ندوة سياسية أو اجتماع فكري أو صالون ثقافي، أمكن لمعظم أطياف المعارضة بعد جولات كثيرة ومعقدة من المفاوضات وتقارب وجهات النظر، أن تنضوي تحت لواء المجلس الوطني السوري الذي حصل على تأييد الشارع الثائر له واعترف به كممثل وحيد وشرعي للثورة على أن يعمل على تحقيق أهدافها المتمثلة بإسقاط النظام الحالي وحماية المدنيين السوريين من بطش كتائب الأسد وشبيحته.

إلا أن بعض هؤلاء المعارضين المغردين استحسن الغناء خارج سرب المجلس الوطني السوري لخلافات شخصية وأسباب واهية كان يمكن القفز عليها في سبيل تغليب المصلحة العامة على المصلحة الخاصة، لأن المرحلة الراهنة من الوضع السوري تتطلب تكاتف وتوحد جميع أطياف المعارضة وصهر كل الأفكار والنظريات والآراء في بوتقة واحدة لتحقيق الهدف الذي اندلعت من أجله الثورة السورية، خصوصا وأن المجتمعين الدولي والعربي قد طالبا بتوحد هذه المعارضة وتقديم رؤية مشتركة وموحدة تقيس نبض الشارع وتعكس مطالب الثائرين فيه، بل أن بعض الأطراف المناوئة للحراك الشعبي كانت تتكئ في نقدها وتشكيكها بحركة الشارع على الاختلاف الواضح بين أطراف المعارضة من جهة وبين الخلافات التي تحدث داخل كل منظومة من منظومات المعارضة من جهة أخرى.

فبعد تأسيس المجلس الوطني السوري واطمئنان الشارع السوري لرئاسته وأمانته ومكاتبه، ظهرت على الخارطة السياسية ما يسمى بهيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديموقراطي، والمؤتمر السوري للتغيير، والائتلاف العلماني الديموقراطي السوري، وغيرها، وغيرها حتى كاد أن يصبح لكل رمز من رموز المعارضة كيان خاص به يتقوقع داخله متمسكاً باستقلاليته وانفراده بالرأي وولعه بالمجادلة، ومن المؤسف أن بعض هذه الرموز قد غامر بتاريخه النضالي الطويل من أجل بعض الطموح السياسي الذي استفاق مارده مع تغير الجو السياسي القادم مع بزوغ فجر الحرية والديموقراطية، كما أن جنوح رموز أخرى نحو التشكيك في كل الأطراف المشاركة في الحل السوري والاعتراض لمجرد الاعتراض يشكل خطراً كبيراً على الثورة لأن الوقت الذي يمكن أن يضيع في ترهات لا مبرر لها يدفع ثمنه من دماء الشهداء التي تسيل يومياً.

ورغم إيجابية ظاهرة التعددية هذه من الناحية الديموقراطية والممارسة السياسية الصحية التي لا غنى عنها لاكتمال الصورة الديموقراطية في الأحوال العادية، إلا أنها تعد ظاهرة خطيرة في حال الأزمة السورية التي من الواجب فيها أن تتوحد المعارضة في وجه النظام الأسدي وأمام المجتمع الدولي حيث يتردد في التدخل لإنهاء هذه الأزمة بحجة عدم توافق المعارضة على ورقة توافقية تحمل في طياتها ملامح المستقبل السوري بعد حكم بشار الأسد.

لقد كثر المعارضون في المطبخ السوري وكل يدلو بدلوه دون إدراك ما يمكن أن يحدثه رأيه من تأثير في الرأي العام المحلي والعربي والدولي تجاه القضية السورية، لكن بالتأكيد لن يستطيعوا على كثرهم أن يحرقوا الطبخة الثورية السورية التي تحوي جميع النكهات التي ترضي أذواق جميع السوريين الذين تذوقوا طعم الحرية والكرامة بعد عهد طويل من الجوع السياسي والثقافي والإنساني.

=================

الضمير العالمي والنظام السوري

محمد بن علي المحمود

الرياض

26-1-2012

  الجرائم الإنسانية الكبرى لايمكن بأي حال التبرير لها ، فضلًا عن الدفاع الصريح عنها ، وإلا أصبح المُدافع تحت طائلة إدانة الضمير الإنساني ، وقبل ذلك وبعده تحت طائلة القانون ، وخاصة في تلك الدول التي تأنسنت فيها القوانين ، وأصبحت الحامية الراعية الضامنة لحقوق كل الناس ، وليس لحقوق بعض الناس !.

ما يقوم به النظام السوري ، منذ بداية الاحتجاجات السلمية الغاضبة من مذابح علنية ، لا يترك أية فرصة للتبرير له ، ولا للاعتذار عنه بأية صورة من صور الاعتذار ، حتى الممجوج منها .

والمذابح العلنية المرصودة إعلامياً (غير تلك التي تجري بعيدا عن الأعين في أقبية المعتقلات) ليست حدثا متقطعا ؛ بحيث تمنح الضمير الحي شيئا من التراخي الطبيعي ، الذي قد يصيبه نتيجة تباعد طرفيْ الحدث ، وإنما هي مذابح متواصلة بشكل يومي ، مذابح متواصلة لا تترك فرصة لتشتيت الانتباه عنها ، مذابح لايمكن لأي ضمير حي - مهما كان دينه ، أو طائفته ، أو وطنه ، أو انتماؤه السياسي - إلا أن يُدينها بأقصى درجات الإدانة ، أقصى الدرجات المتمثلة بالوقوف المادي والمعنوي من أجل الإطاحة بهكذا نظام .

في مشهد مُمعن في دمويته ؛ كهذا المشهد الذي يحدث على يد النظام السوري اليوم ؛ لابد أن يستيقظ الضمير ؛ فتسقط كل الحسابات (الماقبل إنسانية) ، سواء أكانت حسابات أفراد أم حسابات دول . فالذي يجري اليوم على الأرض السورية ، لا يُشكّل قمعا دمويا للإنسان السوري وحده ، لا يُشكل انتهاكا إجراميا واسع النطاق لإنسانية الإنسان السوري وحده ، وإنما هو قمع دموي متوحش للجميع ، وانتهاك إجرامي للجميع ، أي لكل من ينتمي إلى الفصيل الإنساني ؛ لأن العبث الإجرامي بالإنسان على هذا النحو الافتراسي الصارخ والفاضح ، هو (منطقيا وقانونيا وسيكيولوجيا) عبث بالإنسان ، الإنسان بمعناه العام المتجاوز لكل التصنيفات المضافة إلى الإنسان .

ربما يجوز الاختلاف عند مستوى معين من اضطهاد الإنسان ؛ تبعاً للرؤية الدينية أو الفلسفية ، أو الظرفية ، أو حتى النفعية الخاصة المغلفة بشيء من التبرير المُتحايل . لكن عندما يصل الأمر إلى مذابح ومعتقلات وإبادة شاملة ، وعلى نحو مستمر ، فهذا أمر يتجاوز إمكانية الاختلاف ، ولا يترك أي مجال للخيار . أي أن الاختلاف - في أسوأ الأحوال ، وفي أسوأ الضمائر - يجب أن يقف عند مستوى معين من علانية الجريمة ، وعمقها القمعي ، وشموليتها . وعندما تتجاوز الجريمة القمعية هذا المستوى ؛ يصبح الساكت ، فضلًا عن المؤيد والمناصر والمُمالئ ، شريكاً أساسياً في كل ما يجري على أرض الواقع ، شريكاً بحكم القانون وبحكم الضمير الإنساني العام .

هذا أمر أجمع عليه الضمير الإنساني ، بل وسُنّت القوانين لتنظيمه ودعمه ، وخاصة عند الأمم التي يحيا الهَمُّ الإنساني في وجدانها العام . لهذا ، لا أحد اليوم يمكن أن يدافع عن جرائم النازية ، ولا عن الإبادات والمعتقلات الستالينية ، ولا عن التطهير العرقي في يوغوسلافيا السابقة ، ولا عن جرائم صدام حسين العرقية بحق الأكراد ، أو المذهبية بحق الشيعة ، ولا عن الإبادة الصامتة في كوريا الشمالية ...إلخ.

الجرائم الإنسانية الكبرى لايمكن بأي حال التبرير لها ، فضلًا عن الدفاع الصريح عنها ، وإلا أصبح المُدافع تحت طائلة إدانة الضمير الإنساني ، وقبل ذلك وبعده تحت طائلة القانون ، وخاصة في تلك الدول التي تأنسنت فيها القوانين ، وأصبحت الحامية الراعية الضامنة لحقوق كل الناس ، وليس لحقوق بعض الناس !.

أعي أن الفلسفة البراغماتية تهيمن على مُجمل النشاط السياسي الغربي ، وخاصة في مجال السياسة الخارجية . وأعي أن الفعل السياسي الغربي ، ورغم كونه يقف على بحر زاخر من التفاعلات الإنسانية على المستوى الثقافي والاجتماعي ، يبقى مشروطا بمصالحه ومنافعه في السياسة الخارجية . لكن ، كل هذا لا يعني أن هذه البراغماتية عابرة لكل القيم ، ولكل محفزات الضمير ، وأنها حاضرة وفاعلة حتى في أسوأ الظروف التي يبلغ فيها نفي الإنسان وسحقه أقصى مداه .

أذكر عندما قامت قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة بتحرير العراق من صدام ، أنني قلت : إن حدث التحرير فهو حدث تحرري كبير بامتياز ، وأن للغرب كل الفضل في هذا التحرير ، ولكن في الوقت نفسه يجب علينا عدم التعويل الكامل (فيما بعد حدث التحرير الذي لم يكن العراقيون قادرين على تحقيقه بأنفسهم) على السياسي الأمريكي البراغماتي المشدود بقوة ووضوح إلى مصالحه ، لا إلى مصالحنا .

وأذكر حينها أن أحدهم قام بمهاجمتي ، وزعم أنني تناقضت ؛ لأنني أجمع بين فعل التحرير ، وبين فاعله (= الأمريكي - الغربي) الساعي لمصالحه الخاصة (لم يخطر بباله إمكانية التقاء هدف العراقيين التحرري بمصالح البراغماتي الأمريكي) ، بل وزعم أنني تناقضت بشكل أكبر ؛ لأني ربط الحراك السياسي الغربي بشرط المصالح الخاصة ؛ في الوقت الذي أزعم فيه بوضوح أن الغرب أنتج أعظم وأضخم وأرقى ثقافة إنسانية داعمة للإنسان .

لا براءة من التناقض لأي أحد (حتى أرسطو الذي يَعده كثيرون أعظم العقول البشرية ، وقع في تناقضات واضحة ؛ لأن هذه طبيعة الفكر البشري المرتهن بظروفه ونِسبياته) . ولكني هنا ، وفي هذه النقطة خصوصا ، أزعم أن ليس ثمة تناقض بين وصف الغرب بالغرب الإنساني ، وتوصيف سلوكه السياسي بأنه سلوك براغماتي أولًا ، وإنساني ثانيا ؛ لأن التحقق الإنساني نسبي من جهة (نسبي على مستوى تباينه واختلاف درجته في الفرد الواحد ، وعلى مستوى تباينه واختلاف درجته بين الأفراد) ، وخاضع - بدرجة ما - لظرفه من جهة أخرى .

إذن ، رغم كون الغرب إنسانياً في العموم (لا من حيث اكتماله في تحقيق هذه الصفة فعليا ، وإنما من حيث كونه الأكثر تحقيقا للإنساني من غيره بمسافات شاسعة تنعدم فيها المقارنة) إلا أنه قد يخضع لتشتت ما ، وقد يفتر بدرجة ما ، وقد يصعب عليه ، ولأسباب شتى ، تحقيق التضافر الضروري بين معظم مُكوناته ، ذلك التضافر الضروري لتفعيل المسار الإنساني في هذا المكان أو ذاك المكان . كما يجب علينا أن نتذكر جيدا أن النازية والفاشية ، ورغم كونهما الاستثناء الغربي ، إلا أنهما إحدى صور تجليات الوعي الأوروبي - الغربي ، وأن نواة رؤيتهما الفلسفية موجودة في التراث الفلسفي الإغريقي ، ذلك التراث الذي يشكل نقطة الانطلاق الحقيقية للوعي الغربي ، بل ويراه بعضهم المشرعن الفكري لكثير من التوجهات والتيارات الفلسفية ، حتى تلك التي قطعت معه على نحو من الأنحاء ، أو تلك التي انقلبت عليه بصورة ما من صور الانقلاب .

لا شك أن الضمير العالمي اليوم يقوده الغرب . والغرب / العالم إلى اليوم لم يتخذ إجراء عملياً تجاه ما يحدث في سورية ، إجراء يُوازي حجم المذابح التي ينتظر الإعلام رصدها كل صباح وكل مساء ، وكأنه على يقين من أن آلة القتل لن تكف عن الدوران ، وأن هذا النظام الإجرامي لن يقف عند حد ؛ ما لم يكن ثمة تدخّل دولي عسكري حاسم ، يوقف نزيف الدماء التي تسفح بالمجان .

كون السياسة في جوهرها تعكس ارتباطا وثيقا بالمصالح ، لا يعني أن هذا هو ما يحدث وما يجب أن يحدث ؛ مهما كانت الظروف ، ومهما كان حجم المذابح وجحيم المعتقلات .

الغربي يعي ذلك ، وفرنسا اليوم ، وبوحي من الضمير الإنساني الصادق ، تُقرّ قانوناً يُجرّم إنكار مذابح الأرمن على يد الأتراك ، رغم كثير من الخسائر المادية ، وربما السياسية التي ستطالها ؛ فيما لو نظرنا إلى الأمر سياسيا واقتصاديا من خلال رؤية ضيقة ، رؤية نفعية براغماتية محدودة جدا . أي أن الانتهاكات الإنسانية إذا وصلت إلى حد معين ؛ لايستطيع حتى أكثر السياسيين ارتهاناً إلى السياسة الخالصة أن يلتف عليها ، ولا أن يُراوغ بشأنها ؛ لأن الضمير الإنساني له بالمرصاد .

اليوم ، وجراء ما يحدث في سورية ؛ يقف الضمير العالمي في مواجهة مع نفسه ، يدخل الغرب في أزمة واضحة مع ضميره . لقد وصلنا (= نحن المنتمين إلى إلإنسان في كل مكان) مع النظام السوري إلى نقطة تنتفي فيها كل المبررات ، وكل الاعتذاريات ، وكل صور التأجيل ...إلخ ، ولم يبق إلا الحسم الكامل ، حسم كل فرد على المستوى الفردي ، وحسم كل دولة على مستوى الدول ؛ بعيدا عن كل الحسابات الفردية ، وكل الحسابات السياسية ، وكل الحسابات الإيديولوجية ، وكل الحسابات التي يجب أن تُطرح جانبا في هذا الظرف الإنساني الاستثنائي الذي يلغي ابتداء كل الحسابات .

الزمن اليوم هو زمن الجماهير . والجماهير في كل مكان هي التي ستحدد معالم المستقبل القريب والبعيد . لن تتسامح هذه الجماهير مع أي فرد أو كيان تسامَح مع هذه المذابح التي يرتكبها النظام السوري لأنها ستعده شريكا له . ما يعني أن على كل سياسي ، مهما كانت ميكافيليّته ، ومهما بلغت درجة تجرده من حسه الإنساني ، أن يعي أن مصلحته المادية قبل الإنسانية هي في التصدي لهذا النظام القمعي المتوحش ، تصدياً لا يرضى بما دون إسقاط الرئيس وإسقاط النظام ..

=================

سوريا . . الآن بدأت     

آخر تحديث:الخميس ,26/01/2012

حسام كنفاني

الخليج

أحد عشر شهراً مرت على أحداث الانتفاضة الشعبية في سوريا . محطات كثيرة كانت خلال تلك الشهور التي يبدو أنها مرشحة لأن تطول كثيراً في ظل المعطيات الجديدة المتأتية عن اجتماع وزراء الخارجية العرب وما تلاه من كلام خلال المؤتمر الصحافي لوزير الخارجية السوري وليد المعلم . معطيات تنبئ بأن الساحة السورية مقبلة على مسار من التصعيد مختلف عن كل ما سبق خلال الفترة الماضية .

مسار التدويل الجدي بدأ اليوم مع إغلاق دمشق الباب أمام الحلول العربية، وفي ظل توجه الوزراء العرب إلى مجلس الأمن لتبني النسخة السورية من المبادرة الخليجية الخاصة بالأزمة اليمنية التي أدت في النهاية إلى تسليم الرئيس علي عبدالله صالح سلطاته، ومغادرته صنعاء إلى نيويورك في رحلة علاج طويلة، قد لا تنتهي .

سوريا سارعت إلى رفض هذه المبادرة التي اعتبرتها “تدخلاً سافراً” في شؤونها الداخلية، ناعية “الحل العربي” . لا حديث بعد اليوم عن جهود عربية لاحتواء الأزمة في سوريا . الكرة ذاهبة باتجاه الملعب الدولي لتنطلق في مرحلة جديدة من التصعيد الدبلوماسي الذي لا شك سيترافق مع تصعيد على الأرض في بلاد الشام في ظل حديث وليد المعلم بأن “الحل الأمني هو مطلب جماهيري” .

دمشق يئست من العرب الذين يئسوا بدورهم من المماطلة . خطوط التواصل العربية السورية تبدو في طريقها إلى الانقطاع . وحتى ولو عاد المراقبون إلى عملهم، إلا أنه من الواضح أنه مهما سيخرج عن تقاريرهم فإن مصيره الإهمال في ظل الخط البياني الجديد للأزمة الذي لن يأخذ في الحساب أي معطى خارج المبادرة العربية، المتوقع أن يصادق عليها مجلس الأمن .

اليوم، وفي ظل الدور المنوط بمجلس الأمن، فإن العين ستكون باتجاه روسيا والموقف الذي قد تتخذه في المحفل الدولي، والذي يتوقع كثيرون أن يكون مفاجئاً ومختلفاً عن “الفيتو” السابق الذي فرضته مع الصين ضد إدانة القمع في سوريا في الأشهر الأولى للانتفاضة . معطيات الموقف الروسي نابعة من معايير عدة، ويمكن قراءتها من البيانات التي أصدرتها موسكو في أعقاب المبادرة العربية الجديدة . وبغض النظر عن موقف المبعوث الروسي ميخائيل مارغيلوف، الذي عاد ونفاه لاحقاً باعتباره “قديماً”، فإن بيان وزارة الخارجية الروسية جاء فاتراً ومرحباً بالخطة العربية، التي يسرّ بعض الدبلوماسيين أنها روسيّة المصدر، وتم طرحها خلال استقبال موسكو لنائب الرئيس السوري فاروق الشرع قبل أكثر من شهر .

قد لا يطول الوقت قبل تبيان حقيقة الموقف الروسي من الأزمة، التي من الممكن القول إنها دخلت في بداية جديدة .

=================

"سوريا الأسد" انتهت!

علي حماده

2012-01-26

النهار

على رغم كون التقرير الذي تقدم به الفريق احمد مصطفى الدابي، رئيس فريق المراقبين العرب في سوريا، جاء "ملغوماً" بمعطيات فيها الكثير من تحريف الحقيقة، والانحياز الى روايات النظام في سوريا، فإن الجامعة العربية قد أدركت نواقص التقرير وشوائبه الفاضحة وخرجت بموقف سياسي من الأزمة السورية، وبرسالة شديدة القسوة تجاه بشار الاسد شخصيا. فالمبادرة رقم 2 التي انطلقت يوم الاحد الماضي وتستنسخ الحل اليمني الذي أدى الى خروج الرئيس السابق علي عبدالله صالح بعد 32 عاما في الحكم، تستهدف أساساً الاعلان عن وفاة "جمهورية حافظ الأسد"، من خلال دعوة وارثه بشار الأسد الى التنحي. معنى هذا بكل بساطة ان لا "سوريا الأسد" بعد اليوم. وقد نزع النظام العربي الرسمي عن ابنه بشار ونظامه البقية الباقية من الشرعية، بالرغم من ان المبادرة تضمنت مرحلة انتقالية ترجمتها قيام حكومة وحدة وطنية تتشارك فيها المعارضة مع مفاصل النظام. ولكن المرحلة الانتقالية تفضي الى تغيير جوهري في المعالجة السورية، وفي النهاية يتم تفكيك منظومة حافظ الأسد.

يكتشف الناظر الى عناصر المبادرة العربية رقم 2 ان الدعوة الى تحويل صلاحيات الرئيس الى نائبه الاول (فاروق الشرع)، وتشكيل حكومة وحدة وطنية، تنطوي على جهد كبير لإبقاء الأبواب مفتوحة أمام من يرغب من أركان النظام في القفز من مركب آل الأسد الغارق، وتعجيل وتيرة السقوط الحتمي ل"جمهورية حافظ الأسد". وبذلك يتم اختصار المعاناة في سوريا، وخفض الكلفة الدموية والسياسية والمعنوية والاقتصادية. انها دعوة صريحة للانشقاق عن الحلقة الضيقة المقررة في النظام. وتأتي هذه الدعوة مع تواتر الكثير من الأخبار الآتية من دمشق وحلب، ومفادها ان الحلقة تضيق يوماً بعد يوم حول بشار وبطانته.

لقد فوجئ بشار بعد أيام قليلة على تهجمه على الجامعة العربية في خطابه الرابع، بأن الجامعة العربية خرجت بموقف اتسم بالإجماع ضد النظام (ما عدا حكومة القتلة في بيروت)، ومعاً يتوجه العرب الى نيويورك لمخاطبة المجتمع الدولي ودفع مجلس الأمن الى اعتماد المبادرة العربية رقم 2.

لقد سقطت شرعية بشار العربية والدولية (عدا روسيا والصين)، وأمام الثورة في الداخل هوامش كبيرة للتحرك والتوسع، فيما تتقلص هوامش النظام كثيراً، فلا يملك وزير خارجيته إلا أن يقول إن الحل الأمني مطلب شعبي وجماهيري! لقد انتهى وقت الحوار والحلول السياسية مع "سوريا الأسد"، وبدأت مرحلة تصفية ما تبقى من هذا السجن الكبير.

إزاء هذا الواقع، ما العمل في لبنان؟ بكل صراحة، لا بد للقوى الاستقلالية ان تقوم ببلورة مشروع سياسي لمرحلة ما بعد "سوريا الأسد". فالتداعيات المقبلة هائلة، ولبنان ما قبل سقوط النظام لن يكون كما بعده.

==================

القرار العربي أدخل معطيات كبيرة على المشهد .. حلفاء دمشق يخشون بدء بازار دولي

روزانا بومنصف

2012-01-26

النهار

اثارت المبادرة العربية التي وضعت خريطة طريق للخروج من الازمة السورية ينوي القيمون عليها الحصول على دعم لها وتأييد من المجتمع الدولي، ارباكا واضطرابا لدى حلفاء النظام السوري في لبنان بحيث لم يتوان بعضهم عن التعبير عن هذا التوتر بعصبية وبعدائية ازاء اطراف آخرين لهم آراء مختلفة ازاء النظام. ولا يخفي بعض هؤلاء ان ما صدر عن دول الجامعة العربية بالاجماع كان مفاجئا لهم الى حد بعيد وصادما اذا امكن القول. اذ ان اتفاق الدول العربية للمرة الاولى على طلب تنحي رئيس عربي امر يدخل معطيات كبيرة على المشهد السياسي في المنطقة ويجعل الامور صعبة الى درجة كبيرة بالنسبة الى النظام. ويقر هؤلاء ان اعلان وزير الخارجية السوري وليد المعلم في المؤتمر الصحافي الذي عقده بانه اتصل بمسؤول روسي اكد له ان العلاقات السورية الروسية على متانتها وان روسيا لن تقبل اي تدخل انما عكس مدى الارباك والخوف اللذين احدثهما الموقف العربي لجهة المتغيرات التي يدخلها على المعطيات السياسية القائمة. ذلك ان القيادة السورية تدرك جيدا اهمية الاجماع العربي ولو حاولت الاستهانة به واحتمال تأثير هذا الاجماع على الموقف الروسي الذي امن حتى الان الغطاء لاستمرار النظام ومنع ادانته دوليا. ولذلك كان المعلم في حاجة الى التأكد من متانة الموقف الروسي وبقائه على حاله قبل ان يعقد المؤتمر الصحافي معلنا رفض الخطة العربية. لكن المسألة ان العرب انفسهم اظهروا بالاجماع انهم اصحاب الحل والربط في الحل السوري وليس المجتمع الدولي المتدخل في هذا الشأن.

الا ان الحلفاء في لبنان يعون جيدا ان الامور لن تكون سهلة بالنسبة الى النظام في ضوء هذه المعطيات الجديدة. اذ يتهم هؤلاء الدول العربية بانها وضعت موضوع رحيل الرئيس السوري بشار الاسد عن السلطة على الطاولة للتفاوض على اقل تعديل ان لم يكن اكثر. وهذا الامر مثار قلق كبير وعميق بالنسبة اليها ولو انها تصر علنا على امكان خروج النظام من الازمة. اذ ان هذا الموقف المطالب بتنحي الرئيس السوري يعني رفع الغطاء العربي عن النظام السوري وسيكون صعبا على رؤساء وزعماء الدول التراجع عنه، كما سيكون صعبا عليهم التعامل مع الرئيس السوري في حال بقي في السلطة ولذلك هم يطلبون رحيله او تنحيه. وما يخشاه هؤلاء في العمق ان يكون قد بدأ بازار فعلي دولي حول مصير النظام او هو على وشك ان يبدأ. اذ يدرك هؤلاء ان روسيا ستكون محرجة ازاء العرب وسقوط المزيد من القتلى يوميا حين يطرح في مجلس الامن مشروع  تبني الخطة العربية للحل في سوريا لا اكثر ولا اقل اي من دون تدخل خارجي او عقوبات دولية على النظام او فرض مناطق حظر جوي. ذلك ان هذه العناصر الاخيرة هي عناوين الرفض الروسي لاي قرار في مجلس الامن في حين يدرك الروس ان المخرج الذي قد يكون لا يزال سهلا للنظام راهنا قد يغدو اصعب متى استمر الحل الامني على وتيرته الحالية او في حال تصاعد كما حصل في الايام القليلة الماضية.

 يضاف الى ذلك ان الرئيس الاميركي باراك اوباما تحدث عن ايام معدودة للرئيس السوري في السلطة وهذا الكلام يخوض به حملته الانتخابية لولاية ثانية حتى لو ان الايام المعدودة تعني بضعة اسابيع. وكذلك فعل الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الذي يخوض بدوره حملة لاعادة انتخابه في الاشهر المقبلة ومن الصعب عودة الامور الى الوراء بعدما بلغت هذا الحد خصوصا على الصعيد العربي على رغم مراهنة هؤلاء على ان الرئيس السوري لا يزال يملك فرصة انجاح مشروعه في مهلة الشهر التي وافق عليها للتمديد لبعثة المراقبين العرب وانهاء المجموعات التي تثور ضد حكمه في موازاة السير بالاصلاحات التي اعلن عنها. لكن الدول العربية بدأت تسابقه في رأي هؤلاء على استثمار التوقيت لمصلحتها ومنع النظام من الاستفادة منه في المقابل. ولذلك فان اهمية الاسابيع المقبلة تكمن في ما اذا كان سينجح الروس في تأجيل الاستحقاق الدولي وتمييع الخطة العربية ام لا.

وهذا الارباك الذي لم يستطع بعض حلفاء النظام اخفاءه على خلفية الخطة العربية لمستقبل الوضع في سوريا اعاد الى الواجهة المخاوف من توتر في الداخل مع تصعيد هؤلاء لهجة الخطاب السياسي معطوفا على ما حصل من تعديات سورية عبر الحدود. وكان لموقف وزير الخارجية اللبناني عدنان منصور الداعم للنظام في سوريا اثر في هذا الارتباك الداخلي باعتباره عبر عن انقسام داخل الحكومة اللبنانية في ظل ما سبق ان عبر عنه كل من رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان والرئيس نجيب ميقاتي حول اعتماد سياسة النأي بالنفس في موضوع سوريا. في حين ان وزير الخارجية لا يعبر عن رأي ديموقراطي او سياسي شأنه شأن السياسيين بل هو يمثل الحكومة اللبنانية ويفترض تاليا ان يكون اخذ موافقة المرجعيتين الاولى والثالثة على مواقفه ان لم يكن موافقة مجلس الوزراء مجتمعا. كما لا يخفى الاثر السلبي لتصريحات المسؤول الايراني قاسم سليماني التي وان كانت تعبر عن مدى التوتر الايراني ايضا في ظل اعتبارات متعددة، فانها تزيد من عوامل الخشية على الوضع اللبناني او تظهرها اكثر.

=================

"المبادرة العربية" فرصة ثانية فهل يفوّتها الأسد؟

سركيس نعوم

2012-01-26

النهار

اكد رسمياً قبل يومين وزير الخارجية السوري الرفض الرسمي لبلاده، بل للنظام الحاكمها منذ نيف واربعة عقود، للحل الذي توصلت اليه جامعة الدول العربية قبل ايام للصراع السياسي والدموي القائم بينه وبين غالبية شعبه. وأُرفق قرار الرفض بقرار آخر، قال ان الشعب اتخذه، هو ان جماهير هذا الشعب تريد الحل الأمني للصراع الدائر. والقرار الأخير هذا يثير تساؤلين بديهيين. الاول، هل يُعقل أن يعطي شعب، أو على الاقل غالبيته، الضوء الاخضر للنظام الذي يريد اسقاطه كي يقمع ثورته بقوة الأسلحة الفتاكة والمتطورة التي يمتلكها جيشه، وبواسطة هذا الجيش الذي لا يزال، وقد يبقى، مدة طويلة على ولائه له؟ اما الثاني فهو ألم يطبّق النظام السوري الحل الامني منذ بداية الاحتجاجات الشعبية عليه التي تحولت ثورة لاحقاً بسبب رفضه مطالبها الاصلاحية المحقة أو الحد الادنى منها؟ وهل نجح هذا الحل منذ بدء تطبيقه قبل عشرة اشهر في القضاء على التحركات الشعبية؟ وأليس انتشار الثورة في معظم مناطق سوريا ثم أليست سيطرة الثوار على احياء معينة في مدن كبيرة او على مدن وقرى عدة في معظم المحافظات السورية، أليس ذلك كله دليلاً على فشل الحل الأمني؟ واذا قال مؤيد للنظام الأسدي، سورياً كان او لبنانياً، ان قادته لم يذهبوا الى الحد الأقصى في اثناء تطبيقهم الحل الأمني، لأن المجتمع الدولي فضلاً عن العربي والاسلامي لن يستطيع السكوت على سقوط آلاف بل عشرات آلاف الضحايا، ألا يعني هذا القول أن الحل الأخير ممنوع أو متعذّر وتالياً أن التلويح به غير مفيد؟ وألا يعني أيضاً أن اللجوء اليه في النهاية "انتحار" بكل معنى الكلمة؟

في اختصار، تفيد المتابعة الدقيقة ومن قرب لسوريا وتطور الأوضاع فيها منذ 15 آذار الماضي، ان نظام الاسد فوّت فرصة الحل المشرّف و"العادل" يوم امتنع عن معالجة الأسباب التي جعلت اهل درعا ينزلون الى الشارع، بل "يطلعون من جلدهم" ويكفرون بحياتهم، لأنهم لم يعودوا قادرين على تحمّل ما عانوه على يد انصاره وأدواته ومنفّذي أوامره. يومها كان في امكانه جلب المذنبين والمتورطين، وهم كثر، الى القضاء العسكري، وربما اقامة محاكم ميدانية لهم. كما كان في امكانه، بل كان واجباً عليه، اطلاق ورشة اصلاح جدية تحسّن النظام وتضعه على طريق الديموقراطية التدريجية بعد ان تلغي احتكار "حزب البعث" او مستعملوه السيطرة على البلاد. وبذلك كان "نفّس" احتقان الغالبية ضده (نظام الاسد والبعث)، وكان بدأ عملية حوار اصلاحي، وكان جنّب البلاد الفتنة المذهبية بل الحرب التي هي منزلقة اليها، والتي تهدد "الشعب" الذي معه كما "الشعب" الذي ضدّه وتدمّر في المحصلة سوريا. فهل يفوّت نظام الأسد فرصة جديدة، وفرتها له المبادرة الثانية لجامعة الدول العربية قبل ايام، يمكن ان توقف انزلاق شعبه، الذي صار مثل شعبنا اللبناني في انقساماته، نحو الحرب الاهلية؟ وهل المبادرة المذكورة فرصة جدية؟ هي فرصة جدية حتماً. لأن انتصار النظام لم يعد ممكنا رغم اقتناع اركانه بذلك، ولأن قبول العناصر الاساسية للمبادرة يعني في صورة او اخرى اقامة نظام جديد هو مزيج من القديم ومن الذي تريد غالبية الشعب السوري الوصول اليه، ولأن المزيج هذا يُفترض فيه أن يفتح الطريق بتطوره التدريجي امام النظام الديموقراطي الفعلي. وبذلك لا يكون نظام الأسد خسر بخسارة رأسه ومحيطه كل شيء، ولا يكون الثوار، اي غالبية الشعب، ربحوا كل شيء.

اما تفويت الفرصة الحالية فبدا امس وأول من امس ان القرار به قد اتُّخذ، وذلك عندما أعلنته مصادر رسمية ثم عندما أكده الوزير وليد المعلم. ويعني ذلك ان سوريا صارت على باب النفق الدموي والمظلم. ويذكّر ذلك بتجربة لبنان عندما ظن احد شعوبه انه يستطيع الاستمرار في حكم لبنان الى الأبد، وعندما اقتنع بأن تعذُّر ذلك عليه في مرحلة معينة لن يلغيه لأنه يستطيع الانكفاء الى منطقته وحكمها. فهل هذا ما يفعله النظام السوري او قادته؟ لا احد يعرف. لكن تجربة لبنان يجب ان تقنعهم ان الاقتناع المذكور قد لا يتحقق. ونتائج ذلك يلمسها هذا الشعب اللبناني كل يوم ومعه كل العرب، إلا طبعاً اذا ظهرت هناك ضمانات اقليمية ودولية تجعل الرهان المشار اليه ممكنا. علماً أن التجربة المشار اليها لأحد الشعوب اللبنانية لم تأخذ منها شعوبه الاخرى العبر اللازمة والضرورية. وفي مقدمها ان التقسيم أو الكنتنة أو الفدرلة ليست قراراً تأخذه "الشعوب" الصغيرة في دول صغيرة وضعيفة. بل هو قرار الدول الكبرى النابع من مصالحها أولاً. وما يشهده لبنان حاليا من تكرار غير معلن او ربما غير مقصود للتجربة نفسها يؤكد ان "لا أحد يتعلم إلا من كيسه".

=================

المهزلة... بعثة مراقبي الموت!

راجح الخوري

2012-01-26

النهار

قبل يومين طرح سؤال وجيه: لماذا لا يعكس نبيل العربي شيئاً من معنى اسمه وكنيته على سياسة الجامعة العربية حيال الأزمة في سوريا؟

كان الدافع إلى السؤال فشل بعثة المراقبين العرب وانفجار الخلافات بين أعضائها، وخصوصاً أنها المهمة الأولى من نوعها التي تقوم بها الجامعة منذ إنشائها، وان المراقبين كما تبيَّن، لا يملكون أي خبرة في مهمتهم، ولهذا تكررت الدعوات إلى إخضاعهم للتدريب، ولكأن حامولة القتل المتصاعد في سوريا يمكن أن تتوقف، ريثما يحصل رئيس البعثة مؤسس الجنجويد اللواء محمد احمد الدابي ورفاقه على شهادة في العدل والإنصاف!

الآن صارت مهمة المراقبين مجرد ممسحة أو مهزلة يجب وقفها فوراً لأنها موضع تخبط وتناقض على كل المستويات سواء في ما يتعلق بالجامعة أو بسوريا أو بدور هؤلاء.

أولاً: كان على الجامعة ان تربط التمديد للمراقبين بقبول مبادرتها السياسية التي تدعو الرئيس بشار الأسد إلى التنحي. وبعد رفض سوريا المبادرة وتصعيد اتهاماتها للجامعة لم يعد هناك من معنى لاستمرار مهمة المراقبين الفاشلة وقد باتت الآن مستحيلة، وليس هناك ما يبرر مراوحة الجامعة في التناقض عندما تذهب إلى مجلس الأمن وترسل مراقبيها إلى سوريا!

ثانياً: سوريا تحاول أن توظف مهمة المراقبين حتى اللحظة الاخيرة. ففي حين تؤكد "أن الحل الأمني مطلب جماهيري وان الحكومة ستضرب بيد من حديد لسحق الإرهابيين"، تسارع إلى الإعلان عن قبول مهمة المراقبين الذين لا ندري ماذا سيراقبون الآن مع التصعيد الناري الواسع ضد المعارضين، إلا إذا كانوا سيراقبون فصول الانزلاق إلى الحرب الأهلية!

ثالثاً: دول مجلس التعاون الخليجي تقع أيضاً في التناقض عندما تعلن أنها سحبت أعضاءها من بعثة المراقبين كي لا يكونوا شهود زور، ثم تؤكد استعدادها لزيادة مساهمتها في تمويلهم وكأنها بهذا تموّل شهادات الزور!

رابعاً: ماذا سيفعل الفريق الدابي ورفاقه بعد تأجج الحل الأمني الآن، هل يعد الجثث ويحصي القذائف وهو الذي يواجه دعوى أقامها ضده المراقب الجزائري أنور مالك المعترض على انحيازه إلى النظام؟

وإذا كان من المفهوم أن يطالب الدابي بسيارات مصفحة وبسترات واقية من الرصاص وبأجهزة تقنية للمراقبة، رغم أن هذه المعدات فقدت جدواها بعد التطورات الأخيرة، فإن من غير المفهوم أن يطالب بماكينة إعلامية لتبرز حياده ونزاهته، وقد يكون على نبيل العربي أن يزوده عينين وأذنين وقلباً ورأفة وحياداً صادقاً وجرأة على قول الحق.

ولكن كل هذا لا ينفع، وربما كان على الجامعة وأمينها العام سحب المراقبين والعمل بنصيحة وليد المعلم بإرسالهم إلى القمر!

=================

فداحة انفصام شخصية نظام الأسد: علاج مقترح

د. هشام أحمد فرارجة

2012-01-25

القدس العربي

ما يميز نظاما سياسيا عن غيره يكمن في التفاصيل التركيبية والوظيفية لأي نظام، وكذلك في العلاقة بين هذين المميزين. ان احدى مقومات الشرعية تتأتى من خلال نسبة مصداقية ما يقوله النظام مقارنة مع ما يفعله.

ولو حاولنا استقراء ما يمكن أن يقوله لنا ابن خلدون الآن عن طبيعة النظام السوري، فلا شك أنه سينبهنا الى أن هذا النظام يعاني من مواطن انفصام عدة في شخصيته منذ تربعه على الحكم عام 1970. فبنظرة تحليلية لتركيبة نظام الأسد ووظائفه، يمكن تحديد معالم الانكسارات التالية:

أولا: ادعاء المبدأية مقابل الانتهازية: فخلافا للكثير من ممارساته، فان نظام الأسد، بدءا بالأب وانتهاء بالابن، يدعي أنه أكثر النظم السياسية العربية مبدأية في مسيرته وفي المحافظة على حقوق الأمة العربية في وجه التحديات الداخلية والخارجية. فعلى سبيل المثال لا الحصر، وجد نظام الأسد في التفاهمات التي أقامها مع وزير الخارجية الأمريكي الأسبق،هنري كيسنجر، بعد حرب 1973، فرصة ذهبية لمحاولة اثبات جدارته بالحكم من خلال الالتزام القاطع والقطعي لمنع انطلاق أية مقاومة فلسطينية، أو حتى سورية، للاحتلال الأسرائيلي من الأراضي السورية. فمن خلال تعهداته لكيسنجر، كان نظام الأسد يطمح الى انتهاز الفرصة لاثبات مصداقيته مع الولايات المتحدة، بغض النظر عن تزعمه اللفظي والبلاغي لمبادئ العروبة وقيمها، كما جاءت في أدبيات حزب البعث. وكذلك كان الحال أيضا عندما طلبت جامعة الدول العربية من نظام الأسد ارسال قوات عسكرية الى لبنان للمساعدة في وضع حد للحرب الأهلية التي اندلعت في منتصف السبعينات من القرن الماضي. فمن خلال قوات الردع العربية، ساهم نظام الأسد، ليس فقط في تأجيج الصراعات الداخلية في لبنان، وانما ايضا، في تعميق التجزئة الطائفية.

ولربما كانت واحدة من أهم محطات الانتهازية في مسيرة نظام الأسد عام 1990-91 عندما قام باستغلال الفرصة للانقضاض على منافسه الأيديولوجي من حزب البعث في العراق، حيث أرسل نظام الأسد قوات للمشاركة في التحالف الدولي الذي أقامته الولايات المتحدة. لا شك أن دافع مشاركة الأسد في ذلك التحالف كان انتهازيا بامتياز، حيث كان يهدف الى كسب ود الولايات المتحدة، خاصة في الوقت الذي كان فيه حليفه السوفيتي، الداعم للعراق أيضا، في حالة تصدع وانهيار.

ثانيا: الادعاء بالتقدمية مقابل الرجعية: قد تختلف التحليلات والرؤى بخصوص ماهية نظام الأسد. ولكنه ليس مبالغة القول أنه قد يكون هناك اجماع على أن نظام الأسد هو من أكثر النظم السياسية العربية رجعية من حيث تركيبته، على عكس ما يتبجح به من تقدمية. ففي الوقت الذي يصنف فيه النظام السياسي في سوريا على أنه جمهوري رئاسي، نجد الرئيس الأب، حافظ الأسد يسارع الى احتضان مبدأ التوريث في الحكم، وذلك من خلال تجهيز ابنه الاكبر، باسل، لكي يخلفه عند وفاته، لولا تدخل القدر وتعرض باسل للموت جراء حادث سير عام 1994. وبعدها، لم يتراجع الأسد الأب عن أصراره على تبني أسلوب التوريث، وانما تحول الى تهيئة ابنه بشار، الرئيس الحالي لمنصب الرئاسة، رغم عزوف بشار عن هموم السياسة، كما تؤكد غالبية الدراسات. وبأكثر الطرق رجعية وتخلفا، أقدم النظام السوري، بالتأكيد باشارة من الأسد الأب قبيل وفاته عام 2000، على تعديل الدستور السوري وتفصيله على مقاس الأسد الابن، بشار، بحيث يتغير سن الترشح للرئاسة من 40 الى 35 عاما. ونظام الأسد هو أول من تسبب في استحداث مصطلح الجمهورية-الملكية في تركيبة النظم السياسية. وهو أيضا من أكثر النظم السياسية العربية التي شجعت على اعتماد أسلوب التوريث للحكم، حتى في النظم التي تدعي أنها جمهورية، كما كان في اعداد مبارك لابنه جمال، وكذلك في تجهيز القذافي لإبنه، سيف الأسلام.

ثالثا: ادعاء المقاومة مقابل المساومة: فلا يتغنى نظام عربي آخر بأنه زعيم جبهة 'الصمود والتصدي' ومحور 'الممانعة' كما يفعل نظام الأسد، علما بأنه، كما ذكر أعلاه، لم يسمح لعملية مقاومة واحدة أن تنطلق من الحدود السورية، حتى عندما تعرضت بعض المنشآت السورية للقصف من قبل الطيران الأسرائيلي، وأيضا عندما حلق الطيران الأسرائيلي فوق ما يعرف بالقصر الجمهوري في دمشق، ليس بالزمن البعيد. ورغم ادعاءات نظام الأسد برفض معاهدات الصلح مع الأسرائيليين، الا أن رفضه يتم على طريقته هو، ويتنافى مع سلوكه وممارساته. فنظام الأسد شارك في مفاوضات وقف اطلاق النار على الجبهة السورية بعد حرب 1973، وكان ضالعا في مفاوضات مؤتمر مدريد عام 1991 وفيما تلاه من مفاوضات متعددة الجوانب والأطراف. وكما صرح أحد ركائز هذا النظام مؤخرا، رامي مخلوف، ابن خال بشار، فان نظام الأسد يعتبر أمن أسرائيل جزءا من الأمن السوري.

رابعا: الادعاء بدعم المقاومة الفلسطينية مقابل ضربها وتفكيكها: فمراجعة سريعة لتعامل نظام الأسد مع المقاومة الفلسطينية تبين كيفية قيامه بمحاولة اجهاض هذه المقاومة في مراحل متعاقبة. فهو وقف في وجه نجاة الفدائيين الفلسطينيين من الأردن جراء أحداث أيلول عام 1970. وكل فلسطيني يتذكر مرارة محاصرة قوات الأسد لمخيم تل الزعتر للاجئين الفلسطينيين في لبنان عام 1976، ومن ثم مساندة القوات الأنعزالية في ارتكاب المجازر هناك. وكل متابع للشأن الفلسطيني اللبناني يستذكر انقضاض قوات الأسد على منظمة التحرير الفلسطينية بعد غزو أسرائيل للبنان عام 1982، وكذلك دعم نظام الأسد لشق الصفوف داخل حركة فتح، في الوقت الذي أعطى فيه الأوامر لقواته المتواجدة في لبنان للانسحاب من أمام القوات الأسرائيلية الغازية. وحتى قيام نظام الأسد بتقديم الدعم ل'حماس' يجب أن ينظر اليه بعين الريبة، حيث يهدف الى شرخ الصف الفلسطيني وتحريض طرف ضد آخر. فدعم هذا النظام ل'حماس' ذات الارتباط العضوي بحركة الاخوان المسلمين يتناقض كلية مع توجيه الضربات القاصمة لهذه الحركة في مدينة حماة في مطلع الثمانينات من القرن الماضي.

وأخيرا: ادعاء الاشتراكية مقابل ترسيخ الاقطاعية: ان نظام الأسد قد عمق الطبقية في المجتمع السوري وعزز تفرد القلة القليلة بمقدرات البلد وموارده، بينما غالبية المجتمع ترزح تحت وطأة الفقر والعوز. وهذا النظام أيضا كان قد غذى المحسوبية والفساد والافساد داخل المجتمع السوري . فعلى سبيل المثال، يقر كل مسافر عبر الحدود السورية أن عناصر هذا النظام لا تقدم أية خدمة بسلاسة دونما ارتشاء.

وأما بخصوص احترام الحريات السياسية وصيانتها، فحدث بلا حرج. فالقتل اليومي المنظم الذي يقوم به نظام الأسد حاليا ضد الشعب السوري ينسجم مع اصراره للمحافظة على نفسه بأية طريقة كانت. فهو يدرك أنه يفتقر الى أدنى مقومات الشرعية، شعبية كانت، نضالية، أو دينية. وهو يدرك أيضا أن أصلاحا حقيقيا يتناقض بالكامل مع فكرة وجوده كنظام مبني على القبلية والطائفية، والحزبية الضيقة، وكذلك على شخصية الرئيس. وكل متابع لكيفية تعامل نظام الأسد مع المعتقلين، على مدى سني حكمه، يعرف أن سجون نظام الأسد هي من أكثر السجون في العالم امتهانا لكرامة الانسان وحقوقه.

قد يختلف المهتمون حول كيفية حل الأشكالية القائمة في سوريا اليوم، ولكن قد يكون هناك اتفاق، حتى من قبل من يدعمون هذا النظام، أن استمرار حكم الأسد لم يعد ممكنا. فغزارة الدم الذي أراق لا يمكن أن تسمح بأعادة عقارب الساعة الى الوراء. فانهيار نظام الأسد قد أصبح حتميا، بالتأكيد. والسؤال الأهم هو: كيف يمكن الوصول الى ذلك.

فالى من يعتقدون أن تدويل القضية سوف يحل المشكلة، يجدر التذكير بحال ليبيا اليوم كمرتع لقوى استخبارية عالمية متعددة. وبالتأكيد، فان حال العراق، ممزقا ومستباحا، لا يزال حاضرا في الأذهان. ان التدخل الأجنبي لا يمكن أن يكون بدون مقابل.

وواضح أن الاعتماد على مراقبين عرب لحلحلة الأوضاع في سوريا لن يخفف من حدة القتل الدموي اليومي. ومن المؤكد أيضا أن ترك الأمور تسير على عواهنها لا يمكن أن يغير من الحال شيئا.

لذلك، فان العلاج المقترح يرتكز على محورين، لا بد من بحث تفاصيلهما وتطويرهما بما ينسجم مع كافة المستجدات. المحور الأول يكمن في ضرورة تفعيل الشارع العربي بشكل منتظم وصاخب في تظاهرات جماهيرية حاشدة ضد ما يفعله نظام الأسد بالشعب السوري، وذلك من أجل احراجه وتعرية ممارساته. فاذا ما كان هذا النظام يحاول الاختباء وراء ادعاءاته بأن كل انتقاد اعلامي أو سياسي رسمي له يندرج في اطار المؤامرة ضد 'عروبته' و'تقدميته'، و'مبدئيته'، فان احتجاجات الشارع العربي سوف تبطل هذا الادعاء وتشعر الشعب السوري بأنه ليس وحيدا.

وأما المحور الثاني، فيتمثل في ضرورة ارسال قوات عربية للمحافظة على أمن المواطن السوري وتوفير الحماية له من بطش النظام وعربدته. وهنا، ليس مقبولا لنظام الأسد أن يجادل في مثل هذا المقترح الذي بدأ تداوله مؤخرا، لأن هناك سابقة اضطلعت بها جامعة الدول العربية بتشريع قيام نظام الأسد نفسه لأرسال قوات الردع العربية الى لبنان للمساعدة في انهاء الحرب الأهلية هناك.

أن اطالة أمد المأساة في سوريا هو ما يسعى الى تحقيقه نظام الأسد الآن، اعتقادا منه أن صمود الشعب السوري في وجه آلته القمعية سوف يذوي. وفي ذات الوقت، فان اطالة أمد هجمة النظام على الشعب في سوريا هو ما قد يمهد، فعلا، لحياكة كافة أنواع المؤامرات من قبل أطراف متعددة ضد هذا البلد العربي ذي الأهمية الاستراتيجية.

ورغم عناد نظام الأسد وصلفه، فلا شك أنه سوف ينهار أمام الكشف عن بطلان ادعاءاته وزيف شخصيته.

' أستاذ للعلوم السياسية في جامعة سينت ماري في كلفورنيا في الولايات المتحدة الأمريكية

=================

لماذا أكتب عن سورية وأنسى فلسطين!

سهيل كيوان

2012-01-25

القدس العربي

لماذا أكتب عن سورية وأنسى فلسطين!سؤال وجيه بالطبع لمن لا يعرف التاريخ والجغرافية، سؤال مقبول لو وجهه مواطن يعيش في كينيا في قرية معزولة عن العالم ولم تصلها ولن تصلها الكهرباء في العقدين القادمين. ولكنه سؤال وجهه قارئ عربي ردًا على مقال لي قبل أسبوعين هنا في هذا المكان!

نعم لماذا لا أكتب لفلسطين، وأنا المتهم أصلا بالكتابة المشبعة بفلسطين مكانًا وزمانًا وبشرًا منذ بداياتي وحتى نهاياتي!ببساطة لأنني عندما أكتب عن سورية فأنا أكتب لفلسطين، قضية العرب الأولى تحتاج إلى أمة حرّة قادرة على الحركة والتعبير، تحتاج إلى أمة متحررة من اللهاث الأبدي وراء رغيف الخبز، قادرة على اختيار حكامها ومناقشة مصائرها، شعوب لا يختزلها شخص ولا حزب ولا قبيلة أو عشيرة ولا طائفة ولا طبقة ولا إقليم.

هناك من حاولوا حصر قضية فلسطين بالفلسطينيين، ثم حصروها بفلسطينيي الضفة والقطاع ثم مزقوها لتصبح قضية حماس وفتح ثم عباس وهنية، هؤلاء هم أعداء فلسطين، كذلك من يريدون عزل شعب سورية عن محيطه العربي لا يحلمون له بالخير، ولنا أن نلاحظ في هذا السياق أن الأنظمة الفاسدة تعزز وتعمق المشاعر الإقليمية والطائفية والقبلية في كل مناسبة وخصوصًا عندما تتململ شعوبها.

معظم عائلات فلسطين لها أصول أو امتدادات في سورية ولبنان والأردن، وهناك عائلات بل قرى كاملة في فلسطين تعود أصول سكانها الى الشمال العربي الإفريقي ومصر والجزيرة العربية، ونادرًا ما تجد اسم عائلة في فلسطين بلا رديف له في قطر عربي خصوصًا في سورية.

سورية رغم (سايكس بيكو) كانت وستبقى قلب العروبة، ولكن قلب العروبة مريض ومتعب فهناك من احتكره ودسّه في خزائنه واعتبره من غنائمه الخاصة، هناك من غلبته أنانيته وسبى هذا القلب بقوة السلاح وراح يتاجر به ليشبع أمراضه وجنونه، نعم قلب العروبة مريض ويمر بعملية جراحية خطيرة ومعقدة ولكن لا مفر منها.

لولا قلب العروبة المريض ورأس العروبة الفاسد وأطراف العروبة المشلولة لما ضاعت فلسطين، ولما بقيت كل هذه العقود في الأسر، ولما كانت أيدينا على قلوبنا خشية أن تكون فلسطين أندلساً جديدة ونفقدها إلى الأبد، لا يمر أسبوع حتى يسن الكنيست قانونًا عنصريًا جديدًا، لا هدف له إلا ابتلاع ما تبقى من فلسطين وتشريد من لم يتشرد بعد من أبنائها أو تيئيسه حتى يرحل باختياره، وتأكيد حقيقة أنها لم تعد عربية.

لا مفر من تعافي الجسد العربي كله من الخوف والقمع والفساد والمرض والفقر والأمية، لا مفر من حرية التعبير والحركة والتنظيم وتداول السلطة وكل من يقف عائقًا أمام هذه الأهداف يجب إزاحته حتى ولو تزين بمعطف 'الممانعة'، نحن نبكي ضحايا سورية أكثر مما نبكي ضحايا فلسطين، لأنها بنادق الأخوة وسيوفهم ودماؤهم، كل قطرة دم تسيل في سورية الآن إنما سالت في غير مكانها الصحيح، وكل طاقة نزفت وهدرت هي إدانة يومية جديدة لنظام لم يعد صالحًا وجديرًا بقيادة قلب العروبة بل أصبح عبئا على هذا القلب ويجب التخلص منه حتى لو صرخ ليلا ونهارًا بأنه 'ممانع'.

لقد ملّ الكثيرون الكتابة عن سورية، وهذا ما يطمع به النظام بالضبط، أن تتحول الثورة السورية إلى شأن هامشي ليستفرد بها بأسلحته وجيوشه التي بُنيت من عرق ودماء وجوع الشعب، ولكن معضلة النظام أن الثوار لم يُستجلبوا من بلاد واق الواق، إنهم من الأزقة والحواري نفسها التي يخرج منها الجنود.

لقد ضحى الشعب السوري بالكثير لأجل فلسطين، ولا يمكن لفلسطيني أن ينسى فضل هذا الشعب الشقيق العريق في معاملته الخاصة للفلسطيني منذ النكبة الأولى، ولهذا فإن أقل ما يمكن أن نقدمه لهذا الشعب الكريم والعظيم هو هذه الكلمات، فإذا كان قد قدم من دمه وأرواح أبنائه فلماذا يستكثر البعض علينا أن نقف معه في محنته بأقلامنا وحواسيبنا وعلى شبكات التواصل الاجتماعي على الأقل!

الناس يريدون أمورًا جديدة تواكب الأحداث العظيمة الجارية، ينتظرون من الفنان أن يكون حقيقيًا، أن يكون ثائرًا في الواقع مثلما هو ثائر في المسلسل والمسرحية والفيلم والرواية واللوحة، وإلا فقد مصداقيته، انتقاد موظف هنا وآخر هناك لم يعد كافيًا، ولا انتقاد الرشوات والمحسوبيات وغيرها من موبقات، لأن ساعة تغيير هذا الواقع قد أزفت، النظام كله يحتاج إلى تغيير وليس الشعب، وحينئذ وعندما يعتاش القاضي والشرطي والموظف بكرامة فهو لن يمد يده للرشوة، وعندما يكون الضابط والطيار محترمًا فلن تغريه جهات معادية، وعندما يكون ابن الأقلية من طوائف أو قوميات أخرى حاصلا على حقوقه التامة ومتساويًا مع الأكثرية أمام القانون فهو لن يستقوي بالأجنبي على حكام بلاده، ولن يطلب الأمان في بلاد الغرباء، وعندما لا تكون فوارق اجتماعية شاسعة بين الناس تتلاشى الأحقاد، فكيف يفرز نظامٌ تحتل الاشراكية حيزًا كبيرًا في أدبياته أناسًا لا يملكون لقمة يومهم بينما يتلاعب آخرون بالمليارات!

الجامعة العربية ليست بريئة تمامًا من الدم السوري، لأن صمود النظام السوري وتطويل عمره الاصطناعي يصب في صالح الأنظمة التي لم تزرها الثورة بعد، النظام حجر عثرة الآن أمام الطوفان الذي بدأ به شعب تونس ومصر وليبيا واليمن وسورية، الأنظمة المتبقية ترى بالنظام السوري جدارًا واقيًا لها رغم محاولة بعضها الظهور بمظهر العداء للنظام، فمن خلاله يحاولون الظهور والتصديق أنهم أفضل حالا وأنهم 'ثوار ولآخر مدى'، ولكنهم في الواقع مثل غيرهم ومطالب الأمة العربية ومظالمها متشابهة جدا، وبلا شك ستكون مصائر شعوبها مشتركة، مستقبل الأمة هو أن تكون موحدة مع مراعاة الخصوصية، وقد يحدث هذا بعد عقود قليلة، وهو أمر كان يبدو على مسافة سنوات ضوئية قبل عام فقط، ولكن قطار الثورة بدأ بالتحرك بدماء البوعزيزي وما تلاه من دماء عربية طاهرة ولن يتوقف حتى يدخل كل مدينة وقرية عربية من المحيط إلى الخليج ويطهّرها تطهيرّا من رجس أنظمة الفساد والكبت والتخاذل، وحينئذ سنتأكد أن فلسطين وشعبها لن يكونوا أندلسًا جديدة في تاريخ هذه الأمة.

=================

ديبلوماسية موجعة

الخميس, 26 يناير 2012

حسان حيدر

الحياة

شكلت المبادرة العربية لحل انتقالي في سورية، والتي قيل أن دول مجلس التعاون الخليجي تقف وراءها، ضربة ديبلوماسية موجعة أصابت في الصميم هدفين اثنين، هما النظام السوري نفسه وحليفه الروسي المتحمس له والمدافع عنه والذي يحول حتى الآن دون صدور قرار دولي في مجلس الأمن يدينه.

وقد اضطرت دمشق إلى إعادة «نبش» وزير خارجيتها وليد المعلم الذي كان «اختفى» منذ عرضه على الصحافيين الفيديو الملفّق المشهور قبل أسابيع، ليهاجم المبادرة ويؤكد أن «لا حل عربياً في سورية بعد اليوم»، بعدما كان أعلن مراراً ترحيبه وتمسكه بالحل العربي، وليكرر ما سبق أن قاله الأسد نفسه في خطبه من أن الحل الأمني «مطلب شعبي» وأنه لا بد من حسم المواجهة بالقوة مع المطالبين بالتغيير.

لكن ما الذي أزعج النظام السوري إلى هذا الحد؟

لقد شعرت دمشق أنها وقعت في فخ مواقفها عندما ركزت في الفترة الماضية كل جهدها الديبلوماسي على رفض أي تدخل أجنبي في شؤونها، وشجعت حلفاءها الكبار والصغار على التنديد بمحاولات تطبيق «النموذج الليبي» سواء عبر التدخل العسكري المباشر أو عبر إقامة مناطق آمنة لحماية المدنيين السوريين، لأنها كانت مطمئنة إلى أن غموض مواقف وتردد بعض الدول العربية مثل مصر وسلطنة عمان، ورفض البعض الآخر مثل لبنان والجزائر وربما العراق، يحول دون أي قرار عربي موحد يطرح في شكل مباشر رحيل نظام الأسد ويدعو لانتقال تدريجي وسلمي للسلطة في سورية. لكنها فوجئت بنجاح الديبلوماسية الخليجية في تكوين إجماع عربي، إذا استثنينا الاعتراض الجزائري الجزئي و «النأي بالنفس» اللبناني، لتطرح مبادرة تستند إلى تجربة أثبتت نجاعتها في اليمن الذي دخل مرحلة انتقالية بفضل تسوية سياسية أوقفت النزف الناجم عن استخدام النظام القوة لمواجهة الاحتجاجات المطالبة برحيله، وضمنت التغيير.

لكن الرفض السوري الفوري والشامل للمبادرة يعني أيضاً أن دمشق لا تترك خياراً آخر سوى الذهاب إلى مجلس الأمن والتدويل، وأن توتر نظامها وصل إلى درجة حالت هذه المرة دون محاولته المناورة عبر قبول بنود ورفض أخرى والتفاوض على ثالثة، مثلما فعل بالنسبة الى بروتوكول المراقبين.

أما روسيا التي استجار بها المعلم واستبعد أن تقبل بالاقتراح العربي، فيطغى الإحراج على موقفها بعدما «أخطأ» وزير خارجيتها سيرغي لافروف في حساباته وتوقعاته، ودافع في أكثر من مؤتمر صحافي عن «الحل اليمني» الذي أكد أن موسكو شاركت فيه بفاعلية واعتبره مثالاً يحتذى في سورية، ولأنه كان يظن بدوره أن العرب غير قادرين على الاتفاق على موقف مماثل بعدما تركوا اليمن لجيرانه الخليجيين.

لكن المحرج أكثر أن يبادر الوزير المعلم إلى إعلان رفض روسيا المبادرة العربية قبل أن يصدر أي تعليق من موسكو نفسها، وكأن القرار الروسي في يده، خصوصاً بعدما بدأت بوادر التململ من تعنت دمشق تظهر في تصريحات المسؤولين الروس.

لكن إذا نجح الأمين العام للجامعة العربية ورئيس الوزراء القطري في مسعاهما لدى الأمم المتحدة لتأمين عرض الخطة العربية لسورية على مجلس الأمن بغرض تبنيها، بالتوازي مع التحرك الأوروبي والأميركي لإصدار قرار يدعم المبادرة ويهدد بفرض عقوبات على دمشق، سيكون من الصعب كثيراً على موسكو تبرير استمرارها في رفض ما تعتبره «تدخلاً خارجياً» في الشؤون السورية بعدما روجت هي للحل العربي باعتباره يبعد التدخل الأطلسي.

أما الذين تسرعوا في انتقاد مبادرة الجامعة واعتبروها دون المطلوب، فقد فاتهم أن العرب لا يملكون عملياً وسائل تطبيق مبادرتهم، وأن اقتراح فرض عقوبات على سورية أدى إلى انقسام دول الجامعة، وأن الأفضل حالياً مواصلة الجهد الديبلوماسي المتدرج، لكن الفاعل.

==================

سورية: «السيناريو اليمني» بلا حصانة... أو الانتحار

الخميس, 26 يناير 2012

عبدالوهاب بدرخان *

الحياة

أن تعود الجامعة العربية فتصرّ على مبادرتها بصيغتها الأولى يعني أنها مدركة تماماً المأزق الحقيقي الذي بلغه النظام. كانت بنود المبادرة عندما نقلها نبيل العربي إلى دمشق، مطلع أيلول (سبتمبر) 2011، آخر فرصة لحل متدرج يقوده الرئيس السوري لو أراد وقتئذ أن يفطن لالتقاطها. لكنه أفهم الأمين العام للجامعة أن النقاط التي عرضها تتطابق مع خطة كان قد بدأها إلا أن نتائجها لم تظهر حتى الآن. كان الفارق بين الخطة والمبادرة أن هذه تنص على أن الحد الأقصى لوجود بشار الأسد في الحكم هو نهاية ولايته «كرئيس منتخب» أي منتصف 2014 شرط أن ينفذ البنود الأخرى التي تكون غيّرت عملياً معالم النظام خصوصاً ب «فصل الأجهزة الأمنية عن الحياة السياسية»، أما خطة الأسد فلا تعترف ب «نهاية» للنظام وإنما بإعادة إنتاج نفسه من خلال تغيير بعض النصوص الدستورية والقانونية من دون أي مس بسطوة الأجهزة الأمنية.

عندما أعيدت صياغة المبادرة، مطلع تشرين الثاني (نوفمبر)، لتركز أولاً على أن يقدم النظام على «وقف فوري للعنف» كانت أيضاً فرصة أخيرة قبل أن تتوسع عسكرة الانتفاضة عبر «الجيش السوري الحر» خصوصاً أنها اقترحت انتقالاً سريعاً إلى حوار وطني بين النظام والمعارضة بإشراف الجامعة. ومع التردد الذي أبداه النظام، مهلة وراء مهلة، صدر قرار تجميد عضوية سورية في الجامعة وفرض عقوبات عربية عليها. واستُهلك شهران قبل أن تصبح مهمة المراقبين قابلة للتطبيق، لكن الأسد كان بدأ يخسر فرصة الخروج الآمن للنظام، ومع ذلك فإن التعامل مع المراقبين العرب معطوفاً على التهديدات التي أتخم بها خطابه الأخير دلّا على نية بالتخلص من الدور العربي إذا تعذّر احتواؤه وتطويعه.

هذه المرّة أخذت الجامعة علماً بأن الوضع على الأرض لم يعد في مصلحة النظام، وأن مناطق كثيرة تخرج تباعاً من قبضته، وأن تكلفة «الحل - اللاحلّ الأمني» صارت باهظة، وأن الاقتصاد والعملة بلغا حدّاً مأسوياً فآلاف المصانع والشركات أقفلت وغادر أصحابها إلى القاهرة ودبي والأردن، وبالتالي فإن مؤشرات الانهيار تزداد كل يوم. حتى إن الأدوار انقلبت فلم يعد المدنيّون في حاجة إلى المراقبين العرب، إذ فقدوا منذ الأيام الأولى كل أمل في أن يغيّر وجود المراقبين شيئاً في أحوالهم، لذا انتقلوا إلى تفعيل ما أمكن من الحماية الذاتية اعتماداً على أنفسهم وعلى «الجيش السوري الحر». أما النظام فنسي التهديدات وبات يطالب الجامعة بتمديد مهمة المراقبين مزكياً زيادة عددهم وتحسين تجهيزاتهم آملاً في أن يساعدوه في أن يثبت أخيراً وجود «الإرهابيين» و «العصابات المسلحة». واستجابت الجامعة بالتمديد للمراقبين، علىرغم إحباط الجميع من تصعيد العنف ودفعه الى دورة جديدة أكثر دموية، لكنها قررت عدم انتظار التهدئة وطرحت الانتقال إلى الجانب السياسي لمبادرتها. ثم إنها استجابت أيضاً للمعارضة التي ألحّت على «تدويل الأزمة» طالما أن التعريب فشل، فقررت التوجّه إلى مجلس الأمن لا لإبلاغه استقالة الجامعة من الأزمة بل لتدعوه إلى تبني قراراتها لتصبح بدورها دولية.

هذه المرة، إذاً، لم تعد المبادرة العربية تقترح محاولة إصلاحية «يقودها الرئيس» ولا «خروجاً آمناً للنظام»، وإنما تضع أمام الأسد فرصة أخيرة ل «خروج آمن للرئيس» يبدأ بنقل بعض صلاحياته إلى نائبه فاروق الشرع. هي عودة إلى السيناريو اليمني، كما أشار رئيس الوزراء القطري رئيس اللجنة الوزارية العربية وهو كان يتحدث بعد ساعات على مغادرة علي عبدالله صالح صنعاء مسلحاً بحصانة عدم الملاحقة وتاركاً الحكم لنائبه الذي رُشّح ليُنتخَب خلفاً له. كان هذا السيناريو متداولاً منذ أسابيع، وتردد أن موسكو تدارسته، لكن يبدو أن «الحلقة الأمنية الضيّقة» التي تدير الحكم لم توافق عليه. غير أنه عاد الآن إلى الطاولة، فإذا أراد النظام حلاً من خلال حكومة تشارك فيها المعارضة فإن الجهة الوحيدة التي يمكن الحديث معها هي تحديداً النائب الأول للرئيس. ومن هذه النافذة سيصار إلى التدويل «غير العسكري» أملاً في تفادي أي فيتو روسي، باعتبار أن الفيتو الصيني لم يعد وارداً تلقائياً بل لعله لم يعد وارداً أبداً بفعل الاتفاقات النفطية مع السعودية تجنباً لمتاعب العقوبات على إيران. لكن الفارق مع السيناريو اليمني أن تحصين الرئيس وأعوانه من الملاحقة القانونية والقضائية قد لا تكون متاحة، فلا أحد يعوّل على «شرعية» مجلس الشعب البعثي وأهليته لإقرار قانون في هذا الشأن، وإذا قدّر ل «الحكومة التعددية» أن تبصر النور بإشراف النائب الأول فلا أحد يتوقع منها أن تبادر إلى منح هذه الحصانة لكنها ستكون محكومة بتوفير كل الضمانات للتعايش السلمي وغير الثأري بين الطوائف.

انطوت الصيغة الجديدة للمبادرة على إقرار بواقع أن النظام السوري فقد مقوّمات الاستمرار، وأنه وجب العمل لإدارة رحيله بالحد من التداعيات الدموية، لذلك لم يرفضها المجلس الوطني السوري المعارض. لكن الرفض جاء من الداخل، ومن «تنسيقيات الثورة» ومن النظام نفسه، فالتنسيقيات قرأت في التمديد للمراقبين شهراً آخر مساعدة للنظام وسعياً إلى «إنقاذه»، أما النظام فإن رفضه السريع للمبادرة أراد مخاطبة الموقف الروسي آملاً باستمراره على سلبيته أكثر مما اهتم جدياً بما اعتبره تعدّياً على السيادة وتدخلاً في الشأن الداخلي. واقع الأمر أن القوى الخارجية المهتمة، عربية وغير عربية، تريد أن تنتزع من النظام أي «قطعة» قبل انهياره، حتى لو كانت فاروق الشرع، لتستخدمها في ما تتخيّله انتقالاً «سلمياً» للسلطة. ويلتقي ذلك مع القلق المتزايد لدى أوساط المعارضة في الخارج، إذ يتساءل كثيرون فيها عن السبل الممكنة ل «حماية العلويين» بعد السقوط، ولا يعتقدون أن هناك خطراً على الأقليات الأخرى يستدعي القلق نفسه باعتبار أنها غير متورطة في إراقة الدماء كما هي حال العلويين المسيطرين على «آلة القتل» المكوّنة من القوات الخاصة والفرقة الرابعة والحرس الجمهوري وأجهزة المخابرات.

على رغم كل ما قيل عن خلافات حادة داخل الجامعة العربية، وكان من أبرز مؤشراتها سحب السعودية مراقبيها، إلا أن الإجماع دلّ على توازن في القرارات الأخيرة. أما التحفظ الجزائري فكان استمراراً لرعونة ديبلوماسية لم تعد مجدية، وأما لبنان فبات لا يحتسب صوته أصلاً سواء «نأى بنفسه» أو عارض. لم يكن التمديد للمراقبين كافياً وحده لتبرير استمرار الدور العربي طالما أن الجميع متفقون على أن عدم التزام النظام تعهداته أساء إلى مهمة المراقبين بل أفشلها، لذلك كان لا بد من مخرج الانتقال إلى الشق السياسي من المبادرة ويدوّل التعريب أو يعرّب التدويل. كانت موافقة العراق ذات دلالة، فهي قد تكون عكست مخاوف بغداد وإدراكها حقيقة الوضع في سورية، وإذا كانت هذه الموافقة منَسّقة مع طهران فهذا يتقاطع مع إشارات التراجع الإيراني وهو نبأ سيئ جداً للنظام السوري. ومنذ بداية الأزمة قد تكون المرة الأولى التي يحشر فيها النظام أمام خيار لا بد أن يهمّه وسيخسره إذا تأخر في التعامل معه، أما إذا استمر في رفضه فلن يعني ذلك سوى أنه اختار نحر البلد والانتحار.

* كاتب وصحافي لبناني

=================

مياه طرطوس.. الدافئة

وليد أبي مرشد

الشرق الاوسط

26-1-2012

لجوء روسيا إلى حق النقض لإفشال أي مشروع قرار دولي يفرض عقوبات على النظام السوري، وزيارة الأسطول الروسي «الأخوية» إلى ميناء طرطوس، لا يعكسان متانة العلاقات الثنائية بين موسكو ودمشق بقدر ما يؤكدان حرص موسكو على مصالحها الاستراتيجية الذاتية في العالم ككل، وفي البحر المتوسط تحديدا.

منذ عهد القيصرة كاترين الثانية (1762 ميلادي) وهاجس روسيا الاستراتيجي كان، ولا يزال، الحصول على «موطئ قدم» في «المياه الدافئة» يخرجها من قدرها الجغرافي كدولة مسدودة المنافذ البحرية (70% من حدودها الدولية برية) ومحاصرة بالمياه الباردة، فبحور ساحليها الشمالي والشرقي تظل معطلة بالثلوج لأشهر كثيرة كل سنة، بينما عدد ثغور المياه العميقة الصالحة للاستعمال على مدار السنة محدود جدا بالنسبة لدولة تتطلع لأن تبقى قوة دولية عظمى (وهذا الواقع الجغرافي جعل روسيا الدولة الأوروبية شبه الوحيدة التي تخلفت عن سباق استعمار أفريقيا وآسيا في القرن التاسع عشر).

وإضافة إلى هذه الاعتبارات باتت روسيا اليوم مهددة بفقدان قاعدتها الوحيدة «الدافئة» في سيباستوبول (التي أصبحت خارج أراضي روسيا الاتحادية بعد «إهداء» نيكيتا خروشوف شبه جزيرة القرم لأوكرانيا عام 1954) وانفصال أوكرانيا عن روسيا عام 1991.

عهد فلاديمير بوتين لا يقل قومية (بل شوفينية) عن عهد كاترين الثانية. وحكومة بوتين تعلم تماما أن قاعدة روسيا الأساسية في سيباستوبول، بوضعها القانوني القائم منذ عام 1997، قاعدة مستأجرة من أوكرانيا لمدة عشرين سنة فقط، وهذا الوضع يواجه روسيا بثلاث إشكالات مستقبلية أولاها اقتراب موعد انتهاء عقد الإيجار بحلول العام 2017 - الأمر الذي لا يشجع على إنفاق مبالغ ضخمة على تحديثها - وثانيتها اعتراف العقد بسيادة أوكرانيا الكاملة على القاعدة وعلى التسهيلات المقدمة للأسطول الروسي فيها، وثالثتها منح أوكرانيا حق إنهاء الإيجار بمجرد إبلاغ موسكو برغبتها هذه قبل سنة واحدة من انتهاء مدة العقد – أي في عام 2016.

وبالمقابل، تتخوف روسيا، في حال استمرار عهد الرئيس الأوكراني فيكتور يانكوفيتش لغاية عام 2016، أن يرفض تمديد عقد إيجار القاعدة نظرا لميوله الغربية وتحبيذه انضمام بلاده إلى الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي.

على خلفية هذا الوضع أصبحت طرطوس، التي تروي غليل روسيا التاريخي إلى «المياه الدافئة»، أهم بكثير - في حساباتها الاستراتيجية - من الشعب السوري ومطالبه، كما أصبح النظام السوري متنفس روسيا الوحيد في حوض البحر الأبيض المتوسط، فساحله الشمالي تتقاسمه دول أوروبية ترتبط بحلف عسكري مع الولايات المتحدة، بينما تسيطر على ساحله الجنوبي دول أكثر تعاطفا مع واشنطن مما هي مع موسكو. معطيان استراتيجيان يصعب على بوتين تجاهلهما: كون سوريا اليوم «الصديق» الوحيد لروسيا في حوض البحر الأبيض المتوسط، وكون طرطوس نافذتها المستقبلية على «المياه الدافئة».

تدرك موسكو أن طرطوس قد تصبح، في يوم غير بعيد، البديل الوحيد لقاعدة سيباستوبول على البحر الأسود، وربما البديل الأكثر أهمية كون تسهيلات طرطوس تسمح للأسطول الروسي بتجاوز قيود المرور في مضيق الدردنيل التي تفرضها معاهدة مونترو (1936) على حركة القطع البحرية إبان النزاعات العسكرية. لذلك تأمل موسكو أن توافق سوريا، في مستقبل قريب، على تحويل طرطوس إلى قاعدة ثابتة لأسطولها - لا مجرد محطة للتزود بالوقود والمؤن - بموجب ارتباط تعاقدي شبيه بترتيباتها الراهنة في سيباستوبول، وقد تكون مواظبة روسيا، بأمانة مذهلة، على تقديم «خدماتها الدبلوماسية» للنظام السوري في مجلس الأمن مدخلها السياسي لجني المكسب الاستراتيجي الذي تتطلع إليه في طرطوس. من هنا تبدو حسابات الآملين في تراجع محتمل في موقف موسكو الداعم للنظام السوري أقرب إلى الطوباوية منها إلى الواقعية، ففي عالم العلاقات الدولية ما تفرضه المصلحة لا تفسده السياسة.. فكيف إذا كانت هذه المصلحة مطلبا استراتيجيا حيويا لدولة كبرى، مثل روسيا الاتحادية؟

=========================

هل يمكن إقصاء الأسد مثل صالح؟

عبد الرحمن الراشد

الشرق الاوسط

26-1-2012

هذا ما قيل لتسويق مشروع الجامعة العربية لإنهاء العنف في سوريا، إخراج علي عبد الله صالح ورجاله من الحكم في اليمن دون حرب أو تمزيق للدولة. في رأيي، إن استنساخ الحل اليمني سوريّا دونه عقبات تجعله مستحيلا.

ولو كان ممكنا بالفعل أن نرى بشار الأسد وقادته يغادرون دمشق ويحل محلهم من يريده السوريون، لاستحق الأمر جائزة نوبل للسلام، طبعا للشيخ حمد بن جاسم رئيس الوزراء القطري، وبدرجة أقل نبيل العربي أمين الجامعة العربية، لكن أخشى أن تنتهي الخطة العربية بجائزة أوسكار سينمائية يحصل عليها الأسد في دور أفضل ممثل.

الظروف مختلفة تماما بين نظامي صالح في اليمن والأسد في سوريا. ولا يسمح لي هذا العمود الضيق بالإسهاب، إنما مهم التوضيح بأنه كانت في داخل اليمن وخارجه قوى حقيقية قادرة على إجبار رأس النظام على التنحي وتتويج ثورة الشارع برحيله. السعودية ودول الخليج والولايات المتحدة لليمن.. هي بمثابة روسيا وإيران لسوريا.

الأولى بدأت فعليا نشاطها لإخراج صالح مبكرا، منذ عشرة أشهر، عندما أعلن قادة قبيلته حاشد، ومعهم زعامات دينية زيدية، مطالبته بالتنحي انسجاما مع رغبة الشارع الثائر، وبعدها بيومين، أي 22 مارس (آذار)، أعلن استعداده للرحيل بنهاية العام، ربما مناورة. وردا على محاصرة الخارج له حاصر بقواته سفارة الإمارات في صنعاء لتخويف وفد مجلس التعاون، لكنه لم ينجح. أيضا حاول حشد جماهيره ضد ما سماه تدخل الولايات المتحدة، مع هذا استمر السفير الأميركي في صنعاء يعقد الاجتماعات في منزله مع قادة المعارضة للتنسيق لإنهاء حكم صالح. في سوريا الوضع معكوس تماما. إيران وروسيا تمدان حليفهما، النظام، بالأسلحة، والمرتزقة، وتخربان حتى جهود العالم لتخفيف القتل، ومنعت موسكو كل محاولات الشجب في مجلس الأمم المتحدة.

في سوريا، الأسد يختبئ وراء طائفته التي يحكمها بالقوة. وفي اليمن، صالح تخلت عنه قبيلته والقوى الحليفة، ولم يعد يحكم سوى صنعاء وبقية الدولة صار يحكمها بالوكالة. أما الأسد، فإنه يحكم سوريا بأجهزة مخابرات وأمنية وعسكرية من مدينة باب الهوى على الحدود مع تركيا شمالا وحتى درعا على الحدود مع الأردن جنوبا.

وخطة الجامعة الجديدة لإنهاء الأزمة السورية خطيرة، لأنها تعطي النظام المحاصر لأول مرة فرصة حقيقية للبقاء والقضاء على الثورة. روسيا وإيران منذ شهرين اقترحتا إعطاء النظام الفرصة، مقابل إشراكه المعارضة وإجراء انتخابات. الخطة المقترحة من الجامعة تقوم على نفس هاتين النقطتين. وتضيف الجامعة بشرط تسليم الصلاحيات لنائب الرئيس. طبعا هذا ليس دقيقا عند القراءة المتأنية للورقة. النص يقول: «تفويض رئيس الجمهورية نائبه الأول بصلاحيات كاملة للقيام بالتعاون التام مع حكومة الوحدة الوطنية لتمكينها من أداء واجباتها في المرحلة الانتقالية».

المطلوب من الأسد أن يمنح نائبه صلاحيات «تعاون» مع الحكومة، وهذا أمر يسير لا يمكن أن يقارن بمنحه صلاحياته كلها كما كان في الحل اليمني. ومهم أن أعيد التذكير بأنه في اليمن وجدت عصا مسلطة على صالح حيث بقي عاريا بلا سند، فالخليجيون والغرب كانوا عمليا مع رحيله. أما الأسد يتم إسناده رغم هول حجم القتل، روسيا أرسلت بوارجها لطرطوس، وإيران بعثت له بأسلحة وميليشيات ونفط. ثانيا، النظام استبق واخترع مسرحية للحل السياسي، اخترع معارضتين له، واحدة في الداخل، وأخرى في الخارج، لإقصاء الثوار والمعارضة الحقيقية. سمح للمعارضة المزورة بالعمل في دمشق في مسرحية مكشوفة مع بضعة أفراد يدعون أنهم معارضون في الخارج، لكن الجماهير السورية رفضتهم.

لاحقا، سنرى النظام، الذي يدعي الممانعة اليوم وينتقد الخطة توطئة، يجرجر أقدامه ثم يقبل بها ويختار ما يناسبه منها. وخلال ثلاثة أشهر، من العبث وتصفية الناشطين، سيرضى ب«حكومة وطنية مشتركة»! وهي لن تكون إلا مثل فريق المراقبين، الذي رفضه نظام الأسد ثم قبل به بعد شهرين وبعد أن فرغه من أهم واجباته، وفرض على الجامعة العربية تكليف جنرال له سجل سيئ من نظام شرير موال له، أي السودان، فأنتج في النهاية تقريرا مزورا، غسل كل ثياب النظام الملطخة بالدم.

ستسألون، ما هو الحل العملي الممكن في ظرف عسير كهذا، كما سأل الشيخ حمد مجيبا أحد الصحافيين الغاضبين.. «إذا تقدرون تزيحون النظام أزيحوه.. هل تقدرون؟»، وللحديث بقية.

=================

هل العربي متآمر؟

طارق الحميد

الشرق الاوسط

26-1-2012

في 17 يوليو (تموز) 2011، وعلى أثر زيارة أمين عام جامعة الدول العربية نبيل العربي إلى سوريا ولقائه بشار الأسد، وما تلاها من تصريحات، كتبت مقالا جاء فيه ما نصه: «جاء رد السوريين سريعا جدا على تصريحات أمين عام جامعة الدول العربية الجديد نبيل العربي الذي أدلى بتصريحات لا يمكن أن تصدر من محترف في العمل السياسي»!

اليوم، وبعد سلسلة من الأحداث والمواقف المتعلقة بالثورة السورية التي خلفت إلى الآن قرابة سبعة آلاف قتيل، ناهيك عن آلاف المعتقلين والمفقودين، وبعد عشرة أشهر من عمر الثورة، نعود للحديث مجددا عن السيد نبيل العربي ومواقفه تجاه سوريا، خصوصا أنه إلى اليوم لم يقدم النظام الأسدي شخصا واحدا للقضاء، بل إن وليد المعلم يقول إنه لا يعلم شيئا عن كيفية إدارة العمل العسكري في سوريا، وليس له علاقة به، وهو نفس الكلام الذي سبق أن قاله الأسد حين قال إن المجنون هو من يقتل شعبه!

فالسيد العربي دافع عن الأسد يوم التقاه بدمشق، في يوليو 2011، وبالتأكيد فإن العربي يدرك اليوم أن شيئا لم يتغير بسلوك النظام الأسدي منذ ذاك الوقت، لكن رغم كل ذلك، فإن العربي لا يزال يتخذ قرارات غريبة، وغير مفهومة، وتبدو دفاعا عن نظام الأسد، فحتى في المؤتمر الصحافي الأخير بالقاهرة لم يكن العربي مقنعا، رغم المبادرة العربية، بل كان الشيخ حمد بن جاسم هو من يتحدث بمنطق، ووضوح!

أما السيد العربي فلا يزال يغرد خارج السرب، فبعد اختياره لزعيم حماس خالد مشعل لينقل رسالة للأسد، واختياره الفريق الدابي لترؤس وفد المراقبين العرب، فها هو العربي يعرض على الدكتور المصري محمد البرادعي أن يكون مندوبه في سوريا، فقط لأن بشار الأسد قد يرتاح للبرادعي بسبب موقفه من عملية ضرب المفاعل النووي السوري، وكذلك موقف البرادعي من الملف النووي الإيراني، وانتقاده للغرب، والأميركيين وقتها، وهذا ما سمعته من عدة مصادر رفيعة، فهل هذه مزحة، أم أنه أمر حقيقي؟ فما الذي سيفعله البرادعي في سوريا، ومع كامل الاحترام له؟ هل سيقوم بالانسحاب من نصف المهمة، كما فعل في مصر؟ وهل سيختفي عند إطلاق النار على المحتجين السوريين، مثلما تحاشى النزول لميدان التحرير أول أيام الثورة المصرية، وكان العذر يومها أنه لا يريد سرقة الأضواء من الشباب، وهو ما وصفناه وقتها بالمعارضة بشوكة وسكينة، فنقم علينا من نقم!

أمر محير، ويتطلب طرح سؤال منطقي على السيد العربي، وذلك عطفا على اختياراته، ومواقفه، والسؤال هو: ما دام العربي قد اختار خالد مشعل، والفريق الدابي، والذي بدأ تقريره وكأنه مرفوع للأسد وليس للعرب، والآن الدكتور البرادعي، فهل علينا أن نتوقع من العربي اختيار كل من عزمي بشارة، ومحمد حسنين هيكل لاحقا؟

ومن هنا، وللإجابة عن سؤال العنوان، فلا يبدو أن العربي متآمر، وإنما هو أبعد ما يكون عن فهم المنطقة، ومتغيراتها، فمن يريد التآمر سيكون أكثر دهاء بكل تأكيد!

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ