ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الخميس 16/02/2012


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

ومن الفيتو ما قتل

بقلم/د. صلاح الدين محمد

باحث في العلاقات الدولية

الراية

15-2-2012

ممّا لا شك فيه أن أنظار العالم كانت متجهة نحو مجلس الأمن بشأن اتخاذ قرار أممي ضد النظام السوري الذي تمادى في قتل أبناء شعبه بدم بارد. وبالرغم من الجهود العربية والدولية لحمل المجلس على اتخاذ قرار يُدين هذا النظام، إلا أن الفيتو الروسي - الصيني كان للقرار بالمرصاد، فأطاح بالأمل العربي في تغيير النظام في سوريا، كما أدّى هذا الفيتو إلى سحق الشعب خاصة في حمص وضواحيها.

اللافت أن النظام السوري نفسه تصرّف وكأنه حصل على ضوء أخضر بهذا الفيتو ليبدأ مرحلة جديدة متطوّرة في التعامل مع شعبه ألا وهي القصف المباشر للقرى الآمنة بشكل إلى حدٍّ ما أنسانا مجزرة ألتراس مشجعي الأهلي المصري في بورسعيد الأسبوع الماضي. واللافت أيضًا أن الدماء العربية أصبح من السهل إراقتها هنا أو هناك، وكأن الأنظمة لسان حالها يقول: "إما نحكمكم أو الموت"، ومع أول قطرة دم على الأرض، تختار الشعوب الخيار الثاني لتُسجّل ملاحم رائعة في مواجهة النظام أهمها المواجهة السلمية!

حين انفرد الكيان الصهيوني بعتاده وقصفه وأسلحته المحرّمة بأهل غزة مطلع عام 2009 لم أكن أتصوّر يومًا أن أرى جيشًا عربيًّا على المستوى نفسه، ولكن الفرق أن النظام الصهيوني يتعامل مع ما يعتقد أنه عدو وإبادته لا غضاضة فيها، أمّا النظام السوري فقد ضرب لنا مثلاً كئيبًا في جبروت نظام مع شعبه. ظننت لوهلة أن الجيش الإسرائيلي أعاد من جديد قصفه لغزة لا سمح الله، ولكن هذا الجيش السوري الخادم لنظامه لا أظنّه بحال يُمكن أن يستغرق بقاؤه ما يقرب من نصف الساعة أمام الجيش الصهيوني. جيش سوري بهذه المواصفات لا يقوى على حرب من أي نوع إلا إذا كان الطرف الآخر أعزل تمامًا، أو بالأدق تعبيرًا، أن يكون مدنيًّا وله زوجة وأبناء حبّذا لو كانو من الأطفال.

الأمر بحق خطير ولكن من الواضح أن كل ما يدور على الأرض السورية هي فترة الصفقات أو المصالح. الصفقات تُعقد من وراء الكواليس ربّما لتقييم الدور الذي يُمكن أن تلعبه كل من الصين وروسيا إزاء الأزمة. ممّا لا شك فيه أن الفيتو الروسي - الصيني يُعطي رسالة للمجتمع الغربي والعربي معًا فحواها أن النظام السوري حليف استراتيجي بشروط أو حتى إشعار آخر، وهذا يجعل من النظام السوري نفسه في مهبّ الريح لأنه في هذا التوقيت بالذات ومباشرة بعد الفيتو المشترك وضع بقاءه رهن هذين الطرفين بعد أن تخلّى عنه العرب والغرب وبعد استعداء شعبه.

أيام النظام السوري بعد كل هذه المذابح صارت حتمًا معدودة وإن طالت، لأن الأصل أن الشعوب هي درع الأنظمة وليست الجيوش لأن الأخيرة درع الوطن، والوطن يعني ببساطة الأرض والشعب. على أقل تقدير الآن يُمكننا الجزم بأن الجيش السوري لا يستطيع بحال أن يُواجه عدوًّا لأن المعادلة في هذا الشأن هي أن الشعوب معنويًّا هي التي تحمي الأنظمة بجيوشها عند الحروب، فإذا كسرت كرامة الشعب، اختلّ ميزان هذه المعادلة والهزيمة العسكرية هي الأرجح. الشعوب وتعبئتها يصنعان المعجزات عند البأس، ولكن حين تُكسر إرادة الشعوب فمعناها أن رصيد الجيش والنظام نفد بالفعل، هذه ناحية.

الناحية الأخرى هي تقييم أداء الأنظمة عالميًّا، فالعالم لا ينظر إلى الأنظمة إلاّ من خلال علاقتها بشعوبها، أي أنه كلما ارتبط النظام بشعبه،أجبر العالم على احترام الاثنين، والعكس صحيح، لهذا سعى الغرب الماكر لاستغلال غباء الأنظمة العربية في علاقتها بشعوبها. فصار يُزيّن لهذا سوء عمله، ويصف آخر بالحاكم الرشيد، وثالثاً بصوت العقل ورأس الحكمة ورابعاً بحامي حمى المقدّسات، وهلمّ جرًّا ليصنع منهم أقمامًا تكره كل من يُغيّر من هذه الألقاب التي منحه الغرب إيّاها، فعلى سبيل المثال، والبقية تأتي، زين العابدين أصبح رمزًا للفساد في وطنه، كما صار مبارك فرعون عصره وعبدالله صالح مخادعًا في قومه والقذافي قامعًا كارهًا لإباء شعبه، وإذا مسح القارئ الكريم العالم العربي من مائة لمائة، قلّما وجد علاقة سويّة بين النظام والشعب، وعليه فإن الثورات مثلها مثل أي سنة من سنن التغيير الكونية، بل هي تسونامي قمع الجبابرة إن صح التعبير.

من العار أن يتذرّع هؤلاء الطغاة بحلفائهم من الخارج حتى ولو ضدّ الشعوب، التحالفات في الغالب تُقام بين الدول ضد دول أخرى لهم مصالح مشتركة وربّما يُهدّدهم عدوّ مشترك، أمّا أن تتحالف الدول مع قوى خارجية لضمان بقائها ولو بفناء كامل شعوبها، فهذه قضيّة لم نعهدها من قبل إلا من النظام السوري الذي وجيشه نالا شرف هذا الأمر غير المسبوق.

الوهم هو أن يتوقّع النظام السوري حماية من أي نوع بعد أن سقط مدوّياً أمام شعبه، والأسوأ أن ينصاع الجيش لأوامر نظامه، ولكن في واقع الأمر، فالدرس السوري أراه الأقسى من حيث القتل وأراه المشهد الأسوأ في تاريخ خلاص الشعوب من حكّامها. نهاية الأسد ربّما نراها على شاشات التلفاز بشكل أبشع من القذافي، وهذه مجرّد رؤية لمشهد قد يتكرّر خاصة أن لكل نظام عقابه بقدر جرمه تجاه شعبه ولا يحتاج الأمر استعراض كيف كانت نهاية كل من سبقه؟.. "لنرى"!

=================

أزمة سوريا في المعارضة

عمر العمر

التاريخ: 15 فبراير 2012

البيان

مع التوغل في دم الشعب أحد عشر شهراً ويزيد يفقد نظام الأسد القدرة على التصدي لشلال غضب السوريين من أجل الكرامة والحرية والعدالة. بعد تقديم أكثر من ستة آلاف شهيد يستحيل التعايش بين السوريين والنظام.

شعب قدم مثل هذا البذل السخي بهذه الجرأة النادرة لن يرضى الرجوع إلى البيوت خانعاً قانعاً. الحديث عن ولوغ عصابات مسلحة في دماء أبناء وبنات الوطن وأطفاله يفضح عجز النظام ويبرر رحيله. مع اتساع دائرة العنف يفقد النظام قدرته على الصمود إذ تبدو سوريا مقبلة على دوامة عنف يفقد النظام فيها دور اللاعب الرئيس.

بما أن الثورة السورية آخر رياح الربيع العربي العالقة فلا مناص من المقابلة. سوريا ليست تونس أو مصر أو اليمن. في تونس هرب بن علي، في القاهرة تنحى مبارك، في صنعاء رحل صالح. بشار الأسد يرفض الامتثال.

النظام السوري يستثمر رخاوة خصومه في اللجوء إلى العنف. في الداخل يواجه الأسد معارضة متشققة. في محيطه الاقليمي يجد موقفاً عربياً يفتقد الوحدة. على الصعيد الخارجي يستفيد من انقسام الموقف الدولي.

في القاهرة رفض الجيش إطلاق النار على الشعب فلم يجد مبارك جداراً يسند ظهره. في دمشق لا يتردد الجيش في مطاردة الشعب بالدبابات والأسلحة الثقيلة. في صنعاء ارتضى النظام صيغة إصلاح اقليمية بينما يصر الأسد على إملاء رؤاه باعتباره خارطة إصلاح.

بعد كل هذه التضحيات لم يعد هناك متسع للكلام عن خارطة إصلاح يرسمها الشعب والنظام. الأسد أهدر فرصاً عديدة بدا إمكانية إنجاز مشروع ديمقراطي فيها ممكن. مثل كل الدكتاتوريات رفض النظام الاعتراف بحق الشعب في صناعة مستقبله.

رغم كل ذلك فإن حسم الأزمة السورية يبدأ من الداخل وليس من الخارج. وحدة المعارضة تشكل حجر الزاوية في بناء جبهة داخلية ضاغطة. وحدة المعارضة تبني بدورها موقعاً إقليمياً موحداً. الموقف العربي الصلب يفضي إلى إجماع دولي.

اتساع انسلاخ الضباط من الجيش وتعدد انحياز القيادات السياسية إلى المعارضة يجبر القوى الخارجية المؤثرة على إعادة حساباتها. روسيا تتخذ مواقفها بناء على مصالحها في سوريا وفق موازين القوى داخلها. جهات إقليمية متباينة تغمس أصابعها في الشأن السوري. مع تصاعد العنف المتواتر لن يصبح التدخل وقفاً على الأصابع.

في سوريا ربما لا يصلح تطبيق السيناريو الليبي. سوريا تتجسر أقطاراً عدة ليس حولها فضاء كما ليبيا. سوريا تضج بفسيفساء قابلة شظاياها عند التطاير لحرق الجوار. التدخل الخارجي في دوامة العنف المرتقبة يجعل سوريا مرتعاً لمقاتلين متعددي السحنات واللكنات وغابة سلاح وعرة.

الشعب السوري يستأهل خياراً أفضل من مثل هذا الحريق المتوقع. قدر السوريين ان يأخذوا زمام المبادرة بأيديهم لتجنيب وطنهم مغبة الانزلاق في مستنقع حرب لن يتمكنوا من إطفاء نارها إن اشتعل أوارها. إخفاق المعارضة في رص الصفوف موحدة تحت مظلة ديمقراطية يحرض النظام على زيادة حمام الدم وإزهاق الأرواح.

النظام وصل مرحلة اللاعودة من منطلق أنا أو الطوفان. ربما لن يكون في وسع القوى الاقليمية وقت أفضل من هذه المرحلة للضغط على روسيا من أجل رفع غطائها عن النظام بغية احتواء الحريق قبل استفحاله.

omar@albayan.ae

=================

الأسد... انتهت اللعبة

محمد الحمادي

تاريخ النشر: الأربعاء 15 فبراير 2012

الاتحاد

روسيا تراجع موقفها المؤيد للنظام في سوريا وقد تشهد الأيام المقبلة تغيراً دراماتيكياً في ذلك الموقف لصالح الشعب السوري وفي صف المجتمع الدولي. وإيران الحليف الرئيسي للنظام السوري قد لا تستمر طويلاً في تأييده إذا لم يستطع أن يحمي نفسه، بعد أن عجز عن الاستفادة من الفرص العديدة التي حصل عليها من أجل إصلاح وضعه في الداخل وبالتالي، فإن طهران ستعيد حساباتها وستبدأ تفكر في مصالحها وتعمل على تقليل خسائرها قدر الإمكان.

أصدقاء النظام السوري يتناقصون يوماً بعد يوم وخيارات نظام الأسد باتت محدودة... فماذا سيفعل؟ وهل سيستمر في مواجهة شعبه وتصفيته؟ وهل سيواصل مواجهة العالم بأسره ليواجه حينها تدخلاً عسكرياً أممياً، أم أنه سيفاجئ العالم ويقبل بالحل العربي ويتنحى الأسد عن الحكم؟!

لم نلمس إجابة رسمية أو عملية لهذه الأسئلة خلال الأيام الماضية، فكل ما فعله النظام السوري أنه عمل على رفع عدد ضحاياه من أبناء شعبه وسمح لروسيا أن تبالغ في طلب الثمن الذي ينبغي أن تحصل عليه كي تتخلى عن نظام الأسد، لكن لن تمر إلا أيام قليلة ليكتشف النظام أنه تأخر كثيراً وأنه لم يبق أحد معه ولا حوله وسيبقى الحليف الإيراني يحاول الذود عنه، لكن ذلك لن يكون إلى ما لا نهاية، فسيتوقف النظام الإيراني عن ذلك الدعم، خصوصاً عندما يكتشف أن الأوراق التي كان يعتقد أنه سيلعب بها في دول الخليج وفي المنطقة وضد بعض الأهداف الخارجية، لم تعد مجدية، حينها سيبحث لنفسه عن صفقة ترضيه.

كل ذلك يعني أن اللعبة انتهت بالنسبة للنظام السوري الذي تجاهل مطالب شعبه المشروعة طوال سنوات وتعامل بقسوة مع تحركاته السلمية خلال الأشهر الماضية، فهل يدرك هذه الحقيقة؟ وهل يدرك أن اللعبة انتهت فعلاً وأن حلفاءه بدأوا يبحثون عن مصالحهم؟ وهل يدرك أنه خلال أيام سيصبح وحيداً؟

حتى هذه اللحظة لا يبدو أن النظام السوري يدرك ذلك، ومن الواضح أنه يعيش في بوتقة منعزلة عن الواقع فيعلق أحلامه وتمنياته على الوهم ويوجه سهامه إلى الخارج ضد جيرانه العرب ويتهم أبناء شعبه بالإرهاب، وهذا ليس بالغريب، فسلوك الأنظمة المشرفة على الانهيار غالباً ما يكون كذلك.

لقد أصبح النظام السوري اليوم يهاجم دول الخليج وكأن هذه الدول هي التي أثارت الشعب السوري، ونسي هذا النظام أنه بسبب سوء إدارته وردود أفعاله -منذ اعتقال الأطفال الذين كتبوا على الجدران وتم اعتقالهم ومن ثم الإساءة إلى أهاليهم- وضع نفسه في هذا الوضع السيئ، حيث اندلعت منذ ذلك اليوم الثورة في سوريا دون تدخل الخليجيين ولا العرب ولا أميركا ولا أوروبا ولا غيرهم... فما يحدث اليوم هو خيار شعبي سوري بامتياز، والملفت أن النظام السوري حصل على فرصة دامت عدة أشهر كي يتعامل مع الوضع الداخلي وينهي الاضطرابات ولكنه فشل فشلاً ذريعاً، الأمر الذي حتم على العرب والمجتمع الدولي التدخل لحماية الأبرياء الذين يقتلون كل يوم.

عندما خرج الشعب السوري وصرخ بأعلى صوته، يفترض أن النظام قد فهم أن اللعبة انتهت. عندما تدخل العرب للوصول إلى حل يرضي النظام ويرضي الشعب الغاضب، يفترض أن النظام أدرك أن اللعبة قد انتهت. عندما تكلم العالم بأسره مطالباً النظام السوري بالكف عن جرائمه ضد شعبه يفترض أن يكون النظام أدرك أن اللعبة قد انتهت. عندما وصل الملف السوري إلى جامعة الدول العربية يفترض أن يكون النظام أدرك أن اللعبة قد انتهت. عندما وصل الملف السوري إلى مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة يفترض أن يكون النظام قد أدرك أن اللعبة قد انتهت.

بعد كل هذا، لا يزال النظام السوري لا يدرك بأن اللعبة قد انتهت؟ فما الذي ينتظره النظام؟ هل ينتظر أن تعود الجماهير الغاضبة الثائرة إلى بيوتها؟ لا يبدو ذلك منطقياً.

السؤال الآن: ما هي الخطوة التالية التي ستوقف حمام الدم الذي يعاني منه إخواننا في سوريا؟ هل سيقبل النظام ويترك الحكم؟ وهل سيفوض الأسد صلاحياته كاملة لنائبه كما اقترحت المبادرة العربية؟ أم سيصر على تدمير المدن والقرى وبالتالي لن يكون أمام العالم غير خيار التدخل العسكري لإنهاء الأزمة في سوريا؟

لا أحد يتمنى التدخل العسكري لأنه سيكون الخيار الأصعب والأسوأ، لكن من الواضح أن النظام السوري بتعنته وعدم تعاونه يجر العالم إلى مربع الحرب، من منطلق علي وعلى أعدائي، وهذا الخيار لن يكون في صالح النظام خصوصاً أنه يمكن أن يتفاداه، ونتمنى أن لا يكرر النظام السوري خطأ صدام قبل عشر سنوات عندما رفض الحلول العقلانية واتخذ الحلول العنجهية التي قضت عليه وأدخلت العراق وشعبه في متاهات الغزو الخارجي والحرب الطائفية.

ربما يدرك النظام السوري أن التدخل العسكري خيار لا يحظى بدعم كاف حتى الآن على الساحتين العربية والدولية بسبب تكلفته العالية، لكن لا يجب أن يستبعد النظام السوري هذا الخيار!

إذا أصبح التدخل العسكري الحل الوحيد لإنهاء الأزمة في سوريا فهل ستشارك الولايات المتحدة فيه؟ دراسة أميركية صدرت مؤخراً تقول إن أي تدخل عسكري غربي في سوريا على غرار ما حدث في ليبيا يحتاج لدعم عسكري أميركي كافي وكبير، وإن أميركا قادرة بما تمتلكه من قدرات عسكرية تكنولوجية متقدمة على هزيمة قوات النظام السوري الذي يمتلك جيشاً ضخماً ولكن كثيراً من أسلحته قديمة وبالية إذا ما قورنت بالترسانة الأميركية.

أخيراً، إذا كان احتمال التدخل العسكري هو المرجح، فهناك أسئلة تطرح نفسها، منها: ما هي احتمالات اندلاع حرب طائفية داخل سوريا بحكم أن السلاح بيد طائفة وأن الثورة تقودها طائفة أخرى، وبين الطائفتين تنقسم الطوائف الأخرى؟ وما هي احتمالات أن تدهور النظام السوري في حالة الهجوم العسكري عليه والقيام بأعمال انتقامية؟ وما هي احتمالات استخدامه "حزب الله" وبعض الجماعات المتحالفة معه لإثارة عدم الاستقرار في المنطقة ومحيطها؟... يبدو من الوضع الحالي أن جميع هذه الاحتمالات ممكنة لكنها في نفس الوقت تبدو ضعيفة.

=================

دمشق تتوقع أكثر من "النأي بالنفس"

عبد الوهاب بدرخان

2012-02-15

النهار

لا أحد عارض انتشار الجيش اللبناني في الشمال، بل كان موضع ترحيب تجنباً للبديل، أي لعمليات تقوم بها وحدات الأمن السوري داخل حدود لبنان. كانت دمشق ألحّت على هذا الانتشار، وهو حصل بالتزامن مع بدء "عمليات الحسم" التي باشرها النظام السوري ضد الانتفاضة الشعبية. صدفة أم تنسيق؟ المهم أن الجيش كان في طرابلس في الوقت المناسب ليوقف الاشتباك بين باب التبانة وجبل محسن. فهذا الاقتتال المفتعل لا يكسب الانتفاضة شيئاً، لكنه يمنح النظام مصادقة على ذريعة يبحث عنها ولم يجدها داخل سوريا رغم كل الوحشية التي بذلها، وهي أن الاقليات في خطر وأنه وحده من يستطيع حمايتها في أي حرب طائفية.

هل كانت للحادث علاقة ما بزيارة رئيس الحكومة الى باريس؟ ممكن، ليس فقط لأن طرابلس مدينته، بل لأن الزيارة استبقت وتوبعت بتسريبات عن عتب سوري عليه، علماً بان النظام السوري ليس حالياً في موقع يسمح له بالعتب على أحد، نظراً الى ما يرتكبه ضد شعبه. وقد باتت لائحة جرائمه طويلة على ما يشهد المجلس العالمي لحقوق الانسان. في أي حال، طوال عهد الوصاية الأسود وحتى بعد انكفائه الجزئي عام 2005، لم تكن زيارات رئيس اي حكومة الى الخارج محبذة. خلال فترة الرئيس الراحل رفيق الحريري لم يكن هو نفسه يخفي توقع أزمات قبل أي رحلة او بعدها، وتحديداً بعدها اذا كانت الزيارة ناجحة في سياق لم ترسمه دمشق مسبقاً.

ديبلوماسية "النأي بالنفس"، على عيوبها الكثيرة، قد لا تكون مقبولة في المرحلة المقبلة، لأسباب كثيرة أهمها أن رئيسي الجمهورية والحكومة يقدمانها كدعامة ل"الاستقرار"، وايضاً لأنها لاقت تفهماً اميركياً ثم فرنسياً واستحساناً لمساهمتها في أبعاد الساحة اللبنانية عن تداعيات الحدث السوري. ولعل النظام السوري اكتفى، خلال الشهور الماضية، بهذا "النأي" الذي يمكنه من الايحاء باستمراره قوة اقليمية كما يضمن له دولة عربية الى جانبه اياً كان ما يُطرح في مجلس الجامعة العربية، إلا ان المواقف التي ابداها وزير الخارجية في الاجتماع العربي الأخير خرجت من إطار "النأي بالنفس" لتقترب من النطق الببغائي بموقف سوري بحت. ليس مستبعداً أن يدفع حلفاء سوريا في اتجاه "الدنو بالنفس" او حتى "تلازم المسارين" طالما أن الأزمة مندفعة الآن الى مفاقمة الاستقطاب دولياً واقليمياً.

نتذكر رفيق الحريري، فمثل البارحة قبل سبعة أعوام كانت الجريمة التي هزت ضمائر اللبنانيين ثم اشعلت "ثورة الارز" التي كانت الحرية والكرامة والعدالة والاستقلال عناوينها التي ترددت بعدئذ في كل عواصم الربيع العربي. اليوم اكثر من أي يوم مضى يتأكد ان تلك اللحظة الصارمة كانت البداية. والقوى التي جمعت لافساد ربيع لبنان هي نفسها التي تحاول افساد ربيع سوريا، لكن ازلام الاستبداد سيرحلون معه. هذا هو منطق الانسانية والتاريخ.

=================

حمص إذ يقصفها الجيش السوري بكلِّ قُواه!

الأربعاء، 15 شباط 2012 00:51  

د.علي العتوم

السبيل

أَهيَ مدينةٌ يهوديةٌ تنتمي إلى هؤلاء القوم الذين يغتصبون ديارنا اليومَ, أم مدينةٌ فرنجيةٌ تخلّفت عن الحملات الصليبية في العصور الوسطى, فهي لا تزال تختزن كامن العداوة للعرب والمسلمين في هذه الديار, لتستحقَّ من جيش النظام هذا القصف الوحشي الذي لا يقيم للأخلاق مقداراً, ولا للحرمات اعتباراً, قصفاً لا يفرّق بين بشرٍ وحجرٍ وشجرٍ وحيوان حتّى أطفال الخداج, بل المشافي نفسها, إذ يلاحق الأطباء والممرضين فيقتلهم ومن ثمّ يعذبهم التعذيب الشديد لقيامهم بواجبهم الإنسانيّ؟!

يا للهِ للخزي والعار, وللنذالة والفسولة أن يتحوّل المؤتَمن إلى خائن, والحارس إلى مضيِّع, والحامي إلى قاتل, والمواطن إلى عدوّ, والبندقية التي وُجِدت لِتُوَجَّه إلى رأس المحتلّ وصدره تُصَوَّب الآنَ إلى الأخِ وابن العمِّ والصديق والجارِ وابن البلد, في حين لم تُوَجّه من قبلُ يوماً بحقٍّ على عهد هذا النظام إلى الغاصب الإسرائيلي, وهو الذي طرد أصحاب هذه البندقية بكلِّ صلافةٍ من خنادقهم, واستولى على قطاعٍ كبير من أرضها, وفي حين أنَّ الدستور يحدِّد مهمة الجيش بالدفاع عن الوطن من عدوٍ خارجي لا بقتل المواطنين واستحلال حرماتهم!

إنّه الجيش السوري الذي صمت أربعة عقودٍ ونيِّفاً من السنين على عهد هذا النظام عن اليهود, يوجِّه اليوم أسلحته المتعددة الفتاكة من دباباتٍ ومدافع وراجمات صواريخ ومروحيات وغيرها إلى حمص وأخواتها المدن السورية الأخرى, إذ يأبى كرم قائده النيروني أنْ يُخلِي بلدةً في هذا القطر العزيز من شرِّه ودماره, وإنْ كان قد اختصَّ حمصَ بالقسط الأكبرِ من شرِّه, والحظ الأوسع من طغيانه, كأنّما له عندها وعند أهلها ثأرٌ قديمٌ أو حقدٌ دفين, فهذا أوان السداد ووقت استيفاء الحساب!

ولماذا حمصُ؟! ولماذا هذا الهجوم الكاسح؟! ألأنّها من أكبر مدن الشام وأزهرها, ألأنّها البلد الذي تعاون في فتحها خالد وأبو عبيدة، ألأنّ فيها قبر عِياض بن غُنم فاتح الجزيرة الرجل السمح الصالح, وقبر خالد أو مقامه, ألأنّها بلد الصحابيّ الورع سعيد بن عامر وكرسيّ ولايته حيناً, أم لأنّها المدينة التي حاربت الاستعمار الفرنسي في هذا العصر بكلِّ بسالةٍ, أم لأنّها بلد المجاهد الكبير والداعية العظيم الدكتور مصطفى السباعي المراقب العام للإخوان المسلمين في سوريا يوماً؟!

وبتقديرٍ آخرَ, ألأنّ بها طائفةً من العلويين (النصيريين) طائفة بشار الأسد الذي يحكم هو وأبوه سوريا منذ ما يقرب من نصف قرنٍ بالحديد والنار, حرباً على الإسلام والمسلمين, وتحكّماً بمقدرات البلد, وتوارثاً لسلطانها ومقدراتها دون وجهٍ شرعيٍّ, وكأنها أضحت مزرعةً له ولزبانيته, أم لرجولة أهلها وعنادهم في الحق, أم لأنّها قريبةٌ إلى لبنان ومنفتحةٌ على حدوده وعلى البحر, حيثُ يخشى الحاكم أن يأتي المددُ لها من هناك, دعماً لأهل السنة من إخوانهم في لبنان أو تركيا أو غيرهم ممن ييسرهم الله لنصرة المظلومين الذين يعيشون في أَتُّونٍ من بطشه وطيشه؟!

إنّ كلَّ ذلك لا يفسَّر إلاّ أنّه حقدٌ عارمٌ على الشعب الذي ثار لشرفه ودينه وحريته بعد عشرات السنين من القهر يمارسه عليه الأسد وأسرته وحزب البعث الذي ناوأ الإسلام بعد أن ذرَّ قرنه في هذه البلاد المباركة منذُ ستة عقود. ومن هنا كانت المادة (49) في دستورهم التي تُجرِّم إلى درجة القتل, كلَّ من ينتمي إلى دعوة الإخوان المسلمين, ليكون حزب البعث كما في المادة الثامنة بأفكاره الجاهلية, أفكارِ الأسود العنسي وأضرابه وحدها هي التي تحكم البلد وتتحكم فيه!

إنّنا، ونحن نترحّم على أرتال الشهداء من الذين أرتقت أرواحهم إلى عليين ملفوفةً بمناديل الندِّ والعنبر, مستمطرين شآبيب الغفران لها, ومستنزلين من الله العلي القدير اللعناتِ على كلِّ من امتدت يده إليهم بالأذى من الحاكم وجنده, نحمد الله أنْ هيّأ من الظروف لكشف أمر هؤلاء الأفّاكين, لقوله تعالى: (إنّ اللهَ لا يُصلِحُ عَملَ المُفْسِدينَ), كما نحمده على أن أبانَ زيف دول الكفر التي لا تفتأ تدّعي مناصرة الشعوب, ولا سيّما روسيا والصين, لموقفهما المخزي في تأييد حاكم سوريا.

إنّ ممّا لا ريب فيه, أنّ ما يقوم به طاغية سوريا ضد مدنها وقراها الحبيبة من درعا إلى دمشق وحمص وحماة وحلب وإدلب وجسر الشغور وتلكلخ, ومن دير الزور والرقة والحسكة وريف دمشق والزبداني وصافيتا ومضايا واللاذقية وغيرها, إنّما يمثّل بداية النهاية لحكمه لأنّه يضرب ضرب اليائس, ويقصف قصف المرتاع. وإنّ كلَّ ما يدّعيه هو وأزلامه من أنّ ما يحدث في سوريا من ثورةٍ شعبية عمل عصاباتٍ إرهابية, بات تمويهاً لا ينطلي حتّى على الأطفال.

وإذا كان القرآنُ العظيم, عندما نقرؤه بقلوبٍ مؤمنة, نقول: كأنّه نزل الساعةَ, وكأنّ بعضَ آياته يصدقُ على فلانٍ وبعضُها على علاّنٍ, فإنّ قولَه عزّ وجل: (ومِنَ النّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَولُهُ في الحياةِ الدُّنْيا ويُشْهِدُ اللهَ على ما في قلبِهِ وهُوَ ألدُّ الخِصامِ*وإذا تَولّى سَعَى في الأرضِ لِيُفْسِدَ فيها ويُهلِكَ الحَرْثَ والنَّسلَ واللهُ لا يُحِبُّ الفَسادَ*وإذا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللهَ أخَذَتْهُ العِزَّةُ بالإثمِ, فحسْبُهُ جَهَنَّمُ ولَبِئْسَ المِهادُ), وقوله صلى الله عليه وسلم: (آيةُ المنافقِ ثلاثٌ: إذا حدّثَ كَذب, وإذا وَعدَ أخلف, وإذا أؤتمن خان), يصدق على حاكم سوريا وجلاوزته أصدق الوصف.

وإذا كان هذا الطاغية تحرّكه في غاراته الوحشية على بلاده الأحقادُ الحزبية, والنعراتُ القومية, والنزعاتُ الطائفية, ويسعى جاهداً في حربه الخاسرة ضدَّ شعبه للضرب على وتر هذه النزعات, انطلاقاً من سياسة: (فرِّقْ تسدْ), فإنّنا نقول له: كفاكم عاراً وشناراً، تصرفاتُكم الهمجية هذه التي أثبتتْ كذبَكم فيما كنتم ترفعونه من شعارات, وتدّعونه من احترام الشعوب في مطالبها. فأنتم اليوم تقتلون شعبكم, وتسعون لإبادته لمجرد أنّه يطالب بحقوقه وينادي بحريته.

وإنني بهذه المناسبة لأوجِّه شكراً جزيلاً لأولئك العلويين الذين أصدروا بالأمس بياناً دعَوْا فيه إلى الوحدة الوطنية, ومحاربة العنعنات الطائفية, وتبرؤوا من أفعال الأسد التي، كما قالوا، لا تمثِّلهم ولا تمتُّ لهم بسبب. كما أوجّه تحيةَ إكبارٍ لعلماء سوريا الذين أصدروا بياناً دعوا فيه أبناءَها أنْ لا ينزلقوا إلى مستنقع الطائفية, وجيشَ النظام أن يرفض الأوامر التي تصدر إليه لضرب المواطنين فهم أهله وإخوانه.

وعلى طريق الفرج القريب، بعون الله، عن الشعب السوري الشقيق, أدعوه جلَّ وعلا أنْ يُنزِل عليه آيات النصر, ويقمع خصومه ويذلّهم, وأدعو جميع دول العروبة والإسلام أنْ تقفَ بجانب هذا الشعب المكلوم, وتساعده ماديّاً ومعنوياً, ومنظومة جامعة الدول العربية خاصّةً أنْ تكون أكثر حزماً وفاعليةً في محاربة هذا النظام السفّاح, وأقول لحاكم سوريا وهو يمعن في قتل مواطنيه ما قاله الشاعر:

أَسَدٌ عَلَيَّ وفي الحُرُوبِ نَعامَةٌ

رَبْداءُ تَجْفُلُ مِنْ صَفِيرِ الصَّافِرِ

هَلاّ بَرَزْتَ إلى غَزالَةَ في الوَغَى

بَلْ كانَ لُبّكَ في جَناحَيْ طائِرِ

صَدَعَتْ غَزالَةُ قَلْبَهُ بِفوارِسٍ

تَرَكَتْ مَنابِرَهُ كَأَمْسِ الدَّابِرِ

أَلْقِ السَّلاحَ وخُذْ وِشَاحَيْ مُعْصِرٍ

واعْمَدْ لِمَنْزِلَةِ الجَبانِ الكافِرِ

وحماكِ اللهُ يا حمصُ من كلِّ حاقدٍ غدار, وبقيتِ يا سوريا أرض المجد والأحرار.

=================

عن الأساس السيكولوجي للثورة السورية

الثلاثاء, 14 فبراير 2012

عبدالناصر العايد *

الحياة

يتحدث السوريون ممن أمضوا خدمتهم العسكرية في سجن صيدنايا، عن طيف امرأة شابة، ذات ملامح جميلة، تلتحف بثياب بيضاء، كان يخرج في الليالي المظلمة، من الأحراش الوعرة المحيطة بالسجن الجبلي، وتشتكي صاحبة الطيف للحراس بضراعة قائلة: والله مظلومة! ويقول الجنود إن الطيف هو لامرأة قضت تحت التعذيب في ذلك السجن الرهيب. تشير هذه الحكاية الواحدة، إلى الأساس السيكولوجي للثورة السورية، الذي حملها لما يقرب من السنة، في غياب النظرية الثورية والتنظيم السياسي. وبدت آثاره واضحة، من خلال الإصرار والإقدام والرغبة الملحمية بالتضحية، التي أظهرها السوريون.

فطيف المقتولة يعبر عن عقدة ذنب متفاقمة، عانى منها عموم السوريين لعقود عدة، نتيجة صمتهم على جرائم النظام الوحشية التي ارتكبها بحق إخوة لهم. وما تخايله للجنود بالذات، إلا لأنهم فوق كل ذلك يحرسون المجرم، ومسرح الجريمة.

وعلى رغم أن الثقافة الشعبية السورية، غنية بقصص مؤثرة حول قتل الإنسان أخاه الإنسان، بعضها أقانيم إنسانية كبرى مثل حكاية قابيل وصلب المسيح وقصة الحسين، إلا أن خبرة السوريين الحيَّة، عما مرَّ به سيئو الحظ منهم، ممن وقعوا في براثن أجهزة الأمن، تجاوزت ما يعتبرونه حدوداً قصوى للإجرام، تحذر تلك الأقانيم من الاقتراب منها. فإن كان هابيل قد قتل قابيل يوماً وندم، فهو الآن يقتله، ثم يرقص فوق جثته بانتشاء. وإن كان الحسين قد قتل وعف القتلة عن صغاره، فهم ها هنا لا يكتفون بقتل الطفل، بل يقطعون عضوه التناسلي. ولئن تألم هابيل لمنظر أخيه القتيل حتى ألهم دفنه، فها هنا يمنع الأهل من تشييعه ودفنه وبكائه، وإن عاندوا فالقتل بدم بارد ينتظرهم أيضاً.

إن الألم الساحق، الذي رزحوا تحت وطأته بسبب ما تعرضوا له من انتهاك وإهانة، وصمتهم عنه، ترجم سلوكياً في المجتمع إلى أربع ظواهر مشخصة؛ الأولى هي المازوخية التي هيمنت على علاقة السوريين بالسلطة وبكل ما يمت إليها من رموز وشخوص، والثانية هي الدونية التي وسمت علاقتهم بعضهم ببعض، وصبغتها بالفساد والانحطاط، والثالثة هي التطهرية الروحية باللجوء إلى التدين المتشدد، والرابعة هي العدمية، حيث تراجعت مظاهر الإقبال والبهجة بالحياة، وانحدرت معايير الذوق والتذوق، الحسي والعقلي.

وبينما تضافرت مفاعيل هذه الظواهر، المرتدَّة على الذات، لتشكل ملامح شلل المجتمع وعجزه عن إنقاذ نفسه، كان هناك كمون إيجابي، موجه إلى مصدر الذعر، يتراكم ويزداد توتره، في أعماق اللاوعي الجماعي الغامضة.

وإن كان لنا أن نستعير من جورج طرابيشي وصفه لرد فعل العرب، عندما اكتشفوا مقدار تأخرهم نسبة إلى الغرب، بجرح الذات النرجسية للأمة، فإنه يمكننا أن نتحدث عن جرح الذات الأخلاقية السورية، أي الضمير والوجدان، عندما اكتشف المجتمع مقدار جبنه وعجزه عن مواجهة الظلم والإذلال، خلافاً لفكرته المسبقة عن نفسه. وهو الجرح الذي تورم عندما تخلف السوريون عن ركب الربيع العربي أشهراً، ثم نُكئ حين صرح رأس النظام باستحالة حدوث شيء مشابه في بلاده، وانفجر كالديناميت عندما ضُربت التحركات الثورية الأولى، بغطرسة وحقد، صادمين.

لقد كشف النظام عن جهله بأهمية الجانب النفسي للشعب، حين تعامل معه باعتباطية وتعسف، وركز أفعاله وتصريحاته وإشاراته الخفية والعلنية حول تذكير السوريين بكل ما يحزُّ أناهم الأعلى ويثير جنونهم، فأجج الثورة من حيث سعى إلى إخمادها. فقد قال عبر إعلامه ودعايته إن ما يربط السوريين برأس النظام هي علاقة عبودية، تتدرج من شعار الأسد إلى الأبد المعلن، وتنتهي بالطلب منهم أن يركعوا لصورته وأن يعلنوا أنه إلههم الأوحد في أقبيته الأمنية. وهم شعب منحط يتآمر على بلاده ويخون وطنه مقابل بعض الدريهمات، وهم شعب قذر يتذرع بالدين للوصول إلى أهداف شخصية، وهم شعب منافق جبان يرقص فرحاً بإصلاحات شكلية ومكرمات وهمية. وهم فوق كل ذلك قطيع من الرعاع ليس أسهل من ضرب تمرده وإعادته إلى الحظيرة صاغراً لولا الدعم الخارجي، وهي لحظة لا بد ستأتي ويعود النظام إلى سابق جبروته ليمسك بخناق السوريين، كما يودُّ أن يقول أبواق النظام عندما يستذكرون منازلات سابقة، بخاصة في عهد حافظ الأسد، خرج منها أكثر قوة وتماسكاً على حدِّ تعبيرهم. وهنا يتم التلميح تحديداً إلى مجزرة حماة الفظيعة، وما تلاها من كسر روح السوريين وإرادتهم. وهي ما دفع أعداداً متزايدة من المعنفين، إلى تطهير ضمائرهم بالتضحية بأجسادهم، والتمرد على الخوف، سبب القبول بالذل، بطلب الموت والاندفاع نحوه بحماسة. والتعبير عن التضامن المطلق مع الضحايا، بإلقاء أنفسهم إلى مصيرهم ذاته.

إن الجماعات البشرية، تدرك الخطر بحدسها الطبيعي، لا بالمنطق الذهني، والقاعدة الاجتماعية التي ربط النظام نفسه بها وورطها، تدرك أكثر منه، مدى خطورة ذلك التوتر السيكولوجي الجماعي الذي يحاصر النظام ويحاصرها، وتعبر عن ذلك بتماسكها وتمسكها بالنظام. وهو خطر حقيقي للأسف، لأن ثمة اعتداء ما فوق وحشي مورس ضد طرف، وليس ثمة ما يضمن عدم انفلاته في الاتجاه المعاكس كرد فعل لا يقل شناعة عن الفعل الذي نشأ عنه، وهو ما قد يحدث في حياة النظام أو بعد سقوطه المحتمل. والحصافة والإنسانية، ناهيك عن البراعة السياسية، تقتضي السيطرة على الشحنة الانفعالية للمجاميع الثورية، وعدم إطلاق العنان لها، وهو أمر لا يمكن الحصول عليه بالمقالات أو الأشعار، والسبيل الوحيد لتحاشي الأثر القاتل للمحمول الانفعالي، العالي الشحنة هو تحويل تياره. وأفضل طريقة لعمل ذلك، هي قيام النخبة الثقافية والاجتماعية والسياسية، عبر الإعلام وغيره من وسائل مخاطبة الجمهور، وباستخدام آلية الإيحاء، بربط مشاعر النقمة الحادة بموضوع مادي محدد ومحدود، أي شخصنة العدو، وما يرتبط به من شرور، وجعله هدفاً لمشاعر الكراهية والنقمة.

بالطبع نتحدث هنا عن معالجة إسعافية في لحظات صاخبة، لا بد من الاستعداد لها، لكن في المدى الأكثر هدوءاً، فإنه يجدر بالنخبة السورية الجديدة، أن تستثمر الموقف الأخلاقي الذي طوره الثوار انطلاقاً من الأساس السيكولوجي، في كتابة عقد سياسي سوري جديد، مبني كلياً على جمال وعدل، طال انتظار وشوق السوريين إليهما، كما يدل على ذلك جمال فتاة صيدنايا، وثوبها الأبيض النقي.

* كاتب سوري

=================

سورية: إلى الخيار العسكري سِرْ

الاربعاء, 15 فبراير 2012

عمر قدور *

الحياة

منذ ما يقارب السنة، حيث انطلقت أول دعوات التظاهر، لم يوفر النظام السوري جهداً من أجل القضاء على الثورة معتمداً الخيار الأمني بالدرجة الأولى، ومعززاً قواته الأمنية بالحضور الترهيبي للجيش. إلا أن زجّ الجيش في المواجهة لم يكن غالباً، على ما يرويه شهود عيان، سوى غطاء لممارسات القوات الأمنية أو ممارسات عناصر مختارة من الجيش كانت هي التي تطلق النار على المتظاهرين، وهناك روايات تقول إن تلك العناصر كانت تطلق النار على الجيش والمتظاهرين لإثبات الرواية الرسمية عن وجود مسلحين في التظاهرات، ولاستثمار صورة ضحايا الجيش والتعاطف معه بصفته جيشاً وطنياً لم تتلوث صورته بالمطلق كما هو حال الأجهزة الأمنية.

وعلى رغم أن سمعة الجيش قد تم تلويثها في اقتحام درعا، ومن ثم مدن أخرى كحماة والرستن، بقيت اليد الطولى لقوات الأمن والشبيحة. وقد ظهر جلياً أن الإقحام المبكّر للجيش أدى إلى نتائج معاكسة لما توخّاه النظام، أهمها ظاهرة الانشقاقات المتوالية، ثم هناك ظاهرة الفرار من الخدمة على مستوى المجندين الصغار ويقدّر عددهم بالآلاف أيضاً، ويتم التعتيم على فرارهم إعلامياً بينما يُلاحقون بلا هوادة. من دون حاجة قتالية فعلية استُنفر الجيش بأكمله منذ سنة، تعرض أثناءها إلى شتى أنواع الاستنزاف، بغية التغطية على الممارسات القذرة لجهات أخرى أولاً، والتمهيد لاستخدام الوسائط النارية الثقيلة عند الحاجة تالياً، مع الإشارة إلى أن القيادة الفعلية للجيش ذهبت طوال الوقت للزمرة الأمنية فضلاً عن عدم مشاركته أصلاً في القرار السياسي الأمني.

ثمة إشاعات عن ضباط مقرّبين من دائرة القرار تحفظوا عن توريط الجيش وتم إقصاؤهم عن القيادة الميدانية؛ في كل الأحوال لم يعد في أركان الجيش أو بين ضباطه الكبار أسماء وازنة تستطيع التأثير في مجرى القرار، فمن المعلوم أن هذا النوع من الضباط سبق أن أحيل إلى التقاعد مع مشروع التوريث. ومن المعلوم أن وزير الدفاع السابق قد استُبدل بآخر بعد أقل من شهرين على اندلاع الانتفاضة، مع أن منصب وزير الدفاع في سورية ليس إلا منصباً تنفيذياً حيث تذهب قيادة الجيش وفق الدستور الحالي إلى الرئيس؛ هكذا يمكن القول إن قرار تدخل الجيش خضع مباشرة للمستوى السياسي الأعلى من دون المرور بالاعتبارات اللوجيستية التي يقدّرها القادة العاملون فيه، ومن الواضح أن القرار لم يأخذ بالحسبان سوى القوة العددية للجيش مع قدرات وسائطه النارية متجاوزاً كفاءته الفعلية في خوض مواجهة غير تقليدية.

أن يكون الجيش على المستوى العام مسلوب الإرادة، هذا لا يعني القدرة المطلقة على التحكم به، فثمة في العلوم العسكرية ما يُسمى «إرادة القتال»، وانعدامها أدى في غالبية الأحوال إلى الهزيمة، بخاصة عندما يتضافر انعدام الحافز مع طول مدة القتال. ومما يقوله الخبراء العسكريون أيضاً إن الخوف من قتل الخصم ذو أثر لا يقلّ عن الخوف من التعرض للقتل، وحتى في الحروب الخارجية يتم رصد الكثير من الحالات لجنود رفضوا إطلاق النار خوفاً من أن يَقتلوا «بفتح الياء»، وبالطبع تتفاقم هذه الحالات في الحروب الداخلية حيث الخصم لم يحدث «تمثّله» من قبل كعدو، وفي حالتنا: حيث الخصم أيضاً أعزل ولا يشكل تهديداً بالموت.

إن ما يُشاع عن قتل أفراد من الجيش على يد قوات أمنية أو عناصر أخرى من الجيش يتعدى هنا الترويج الإعلامي لرواية السلطة عن وجود مسلحين، إذ لا يمكن إغفال حقيقة تخوف السلطة من عصيان عسكري كبير نتيجة انعدام الرغبة في القتال، هذا إذا استثنينا انحياز جزء من عناصر الجيش إلى أهاليهم الذي يُقتلون في غير مكان.

وليست نظرية المؤامرة الخارجية التي يروّجها النظام ببعيدة عن هذا الاعتبار، لأنها تحيل أبناء البلد ومطالبهم المحقة في الديموقراطية إلى ارتباطات خارجية بأعداء تمت «أبلستهم» سابقاً إما وفق الأيديولوجيا البعثية أو وفق المواجهات الإقليمية التي سبق أن خاضها النظام، أي أنها الطريق الأقصر والأسهل ل «أبلسة» أبناء الوطن.

مع مستهل الشهر الحادي عشر للثورة أعلن النظام عن نيته بالحسم العسكري على نطاق واسع، متذرعاً هذه المرة بسيطرة الجيش الحر على بلدات وأجزاء من بعض المدن، إلا أن هذا الخيار الذي تم التمهيد له طويلاً لا يعني قيام الجيش بما عجز عنه الأمن والشبيحة بل يعني الانتقال إلى الحرب الشاملة على مجتمع الثورة ككل، فوسائط النيران الثقيلة التي تُستخدم الآن على نطاق واسع أكبر من حجم أية عملية «جراحية» يقوم بها الجيش النظامي مهما ارتفعت المبالغات حول قدرة الجيش الحر. في حرب من هذا النوع ليس من المتوقع أساساً أن تتأذى العناصر المسلحة، فالضرر الأكبر سيقع على المدنيين الأبرياء، وهنا بيت القصيد إذ إن النظام لا يحسب هؤلاء حتى كخسائر مؤسفة لحربه ولا يعترف بوجودهم أصلاً، إنهم بالأحرى المستَهدفون الحقيقيون عقاباً لهم على ثورتهم ضده، وعلى سلميتهم أيضاً!

لكنّ الخطر الأكبر الذي يمثّله الخيار العسكري، وهذا ما يعيه النظام جيداً ويتعمد الوصول إليه، هو في الشرخ العميق المتوقع حدوثه في صفوف الجيش لأسباب طائفية. فخلافاً للغطاء الإعلامي الرسمي الذي يتستر بالوطنية من المعلوم أن الانتماءات الأهلية تلعب، وستلعب باضطراد، دوراً مهماً في خيارات عناصر الجيش، ولا تغيب المسألة الطائفية عن حسابات النظام إن لم تكن هي الأساس في ذلك، ولا تبتعد الانشقاقات المعلنة في صفوف الجيش من هذا المغزى أيضاً بما أنها عبّرت حتى الآن عن لون طائفي واحد.

إن الحرب الأهلية التي لوّح بها النظام، وحشد ماكينته الإعلامية مبكراً من أجل الإعداد لها، قد تصل إلى حيز التنفيذ المعمم بالخيار العسكري، من دون الوصول بالضرورة إلى مواجهة طائفية كبرى خارج الجيش. في الواقع يلعب النظام ورقته الأخيرة، وإذا كان الحل العسكري محفوفاً بالفشل على صعيد استعادة السلطة فربما لا يكون كذلك على صعيد إيقاع الفوضى الشاملة التي وعد بها النظام.

* كاتب سوري

=================

من سوريا إلى المغرب.. درسان للتأمل

عثمان ميرغني

الشرق الاوسط

15-2-2012

على الرغم من تباعد المسافات واختلاف الظروف، ربما كان هناك الكثير مما يوجب المقارنة بين تجربتي المغرب وسوريا في التعامل مع مطالب التغيير وتداعيات الربيع العربي، لا سيما أن بعض الوقائع تزامنت في البلدين وانتهت إلى نتائج متباينة فيها دروس وعبر ودلالات بالغة الأهمية؛ ففي بدايات العام الماضي، وبينما كان الربيع العربي في عنفوانه، توجه العاهل المغربي الملك محمد السادس والرئيس السوري بشار الأسد بخطابين إلى شعبيهما حول الكيفية التي سيعالج بها كل منهما المطالب الشعبية للإصلاح والتغيير. الخطابان كانا مختلفين تماما في اللهجة والمضمون، كما أصبحا مختلفين تماما في النتائج التي انتهيا إليها؛ فالعاهل المغربي قرأ التطورات جيدا وتفهم رسالة حركات الاحتجاج التي ارتجَّت لها المنطقة من أقصى المغرب إلى أقصى المشرق، وانبرى لاتخاذ قرارات جريئة وتغييرات كبيرة في مسيرة الإصلاح الداخلي التي كانت قد انطلقت في عهد والده الراحل وتواصلت معه. وهكذا كان خطابه الأول بعد الأحداث، وتحديدا في مارس (آذار) الماضي، مخصصا لإعلان مراجعة دستورية تهدف إلى دفع مسيرة الإصلاح والديمقراطية وتوسيع مجال الحريات وتعزيز آليات صيانة حقوق الإنسان.

في الجانب المقابل، كان خطاب الرئيس السوري الأول بعد الثورة الذي ألقاه في مجلس الشعب في 29 مارس الماضي ملتبسا ومتوترا، سخر فيه من الثورات، فوصفها بالصرعة الجديدة، وصنَّف ما يحدث في سوريا على أنه مؤامرة وفتنة، داعيا إلى وأدها باعتبار ذلك «واجبا وطنيا وأخلاقيا وشرعيا»، على حد تعبيره. وقتها بدا واضحا كم هو كبير الفارق في النظرة للأحداث وكيفية المعالجة للمطالب والآمال الشعبية بين زعيمين شابين وصلا إلى الحكم في فترة متقاربة، وهو ما أكدته أيضا التطورات اللاحقة في البلدين منذ بدايات العام الماضي وحتى اليوم.

فقد شاءت الأقدار أن يخاطب كل منهما شعبه مرة ثانية بعد ثلاثة أشهر من تلك المخاطبة الأولى، ومرة أخرى بدا الفرق هائلا والبون شاسعا. ففي 17 يونيو (حزيران) خاطب الملك محمد السادس المغاربة ليعلن لهم التغييرات الدستورية التي وضعتها اللجنة المكلفة ووُصفت حينها بالتاريخية، وليدعوهم إلى تأييدها في الاستفتاء الذي سيجرى بعد أسابيع تمهيدا للانتخابات النيابية.

بعد 3 أيام من الخطاب المغربي كان بشار الأسد يخاطب السوريين من جامعة دمشق، ومرة أخرى جاء خطابه مزيجا من الوعيد والوعود الفضفاضة، امتزج فيه الكلام عن الحوار الوطني والتعديلات الدستورية الموعودة، بالتهديدات للمحتجين المطالبين بالإصلاح والتغيير والذين وصفوا بالمخربين المشاركين في مؤامرة لزعزعة الاستقرار. حمل الخطاب وعودا، لكنه لم يقدم خريطة طريق واضحة لتنفيذ الإصلاحات الموعودة التي ظل السوريون يسمعونها على مدى سنوات طويلة منذ تسلم الأسد الحكم خلفا لوالده، لكنهم لم يروا منها شيئا حقيقيا على أرض الواقع. بل إن حديث الأسد عن الحوار والإصلاح في ذلك الخطاب، ضاع في ثنايا فقرات أخرى أكدت رفض النظام لفهم رسالة الشارع، ونيته في التصدي للانتفاضة الشعبية ومحاولة قمعها بالقوة العسكرية والبطش الأمني.

كان واضحا أنه بينما ركز النظام السوري على الحل الأمني رهانا أساسيا لمعالجة الأزمة، فإن المغرب انبرى لمواصلة طريق الإصلاح وترجمة الوعود إلى عمل، فنظم الاستفتاء على تعديلات الدستور، وأجرى انتخاباته التي كانت بمثابة ثورة في صندوق الاقتراع المغربي؛ إذ وضعت عبد الإله ابن كيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، على رأس حكومة ائتلافية تجمع بين أحزاب تتباين من اليمين إلى اليسار مرورا بالوسط وتعكس التعددية السياسية والتنوع في البلد. ومن خلال عملية الإصلاح المتدرج اختصر المغرب الكثير من الزمن، وتجاوز المعاناة التي نراها في كثير من الدول الأخرى، بل إنه سبق في سرعة ترتيب التعديلات الدستورية وإجراء الانتخابات في دول الثورات العربية. فمصر وتونس، على سبيل المثال، ما زالتا تعيشان مخاض ثورتيهما، وأمامهما الكثير لإنجاز الدستور وإجراء انتخابات جديدة في ظله. صحيح أن تونس أجرت انتخاباتها في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي قبل المغرب، لكنها لا تزال تعكف على الترتيبات التي ستقود إلى وضع الدستور ومن ثم تهيئة الأوضاع لانتخابات جديدة تبدأ معها مرحلة دستورية تكمل المشوار الذي بدأته أولى ثورات الربيع العربي. أما مصر فقد عاشت الكثير من الآلام منذ ثورتها، ولا تزال في انتظار انتخاباتها الرئاسية ومعركة الدستور التي لا ينتظر أن تكون سهلة أو سلسة.

إذا أراد المرء أن يمضي أبعد في المقارنة فإن اليمن كان أتعس حالا؛ لأن ثورته أغرقت في المواجهات العسكرية والمقايضات السياسية، حتى انتهت إلى صيغة مبهمة لا يعرف فيها الناس هل انتهى النظام، أم أن الرئيس في إجازة يعود بعدها إلى المشهد السياسي زعيما لحزبه وموجها للأمور من خلاله.

ليبيا، في الناحية الأخرى، قدمت مثالا صارخا على استهتار الأنظمة المستبدة بشعوبها؛ إذ أغرق القذافي بلده في بحور من الدماء والمواجهات التي قادت إلى التدخل الخارجي؛ لذلك فإن البلد سيحتاج إلى وقت طويل لكي يتعافى ولكي يتمكن من بناء ما دمرته الحرب، وما خلفه حكم العقيد. والمرعب أن التجربة الليبية تبدو هي الأقرب في كثير من جوانبها لما يحدث في سوريا مع إصرار النظام على الإمعان في القتل والبطش، والإصرار على محاولة قمع الانتفاضة بغض النظر عن الثمن والنتائج.

التجربة المغربية ربما ظُلمت لأنها لم تلقَ الاهتمام الذي تستحقه؛ إذ طغت الأحداث الدامية في الثورات والانتفاضات الأخرى على المشهد وعلى الأخبار. فالتجربة تقدم درسا مهما، هو أن الإصلاح الذي يستجيب لمطالب الناس وآمالهم ممكن، لكن قبل أن تحدث حمَّامات الدم ومآتم القمع التي تغلق نوافذ الحوار وإمكانات التحول السلمي. المشكلة أن بعض القادة لا يسمعون، وإذا سمعوا فإنهم لا يرغبون في فهم رسالة شعوبهم.

=================

هل تؤيد الصين حقا بشار الأسد؟

عادل الطريفي

الشرق الاوسط

15-2-2012

لا شك أن الفيتو الصيني ضد مشروع المجموعة العربية في مجلس الأمن، ألقى بظلال سوداء على علاقات الصين ببعض الدول العربية، لا سيما في الخليج. فقد كان من المتوقع أن تبادر روسيا، التي رفضت منذ بداية الأزمة تكرار النموذج الليبي في سوريا، إلى التصويت ضد المشروع، ولكن موقف الصين بات محيرا لدى البعض، أو مستهجنا لدى آخرين.

تمتعت الصين - وما زالت - بعلاقات تجارية قوية مع أغلب الدول العربية؛ فمن حيث الاستيراد، تعتبر الصين واحدة من أهم دول ثلاث مستوردة للنفط الخليجي.. ومن حيث التصدير، فهي واحدة من أكبر خمسة مصدرين لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.. ليس هذا فحسب؛ بل إن تاريخ تصويت الصين في مجلس الأمن، يعتبر متعاطفا في الغالب مع المشروعات المقدمة من دول المنطقة، فلماذا إذن قامت الصين بالتصويت لصالح سوريا؟

الإجابة المباشرة عن هذا، هي أن الصين قد توعدت بالتصويت ضد المشروع حتى قبل طرحه، إذن الأمر لم يكن مفاجئا. حاول بعض الدول العربية إقناع الصين بالعدول عن قرارها، ولكن موقف الصين كان واضحا، فهي لن تسمح للدول الغربية بأن تكرر النموذج الليبي مرة أخرى، حتى وإن قاد الأمر إلى مساندة سوريا دبلوماسيا.

ولكي يتسنى لنا فهم الموقف الصيني، لا بد من التعريج على بعض المسائل المهمة؛ أولاها أن الموقف الصيني، وإن بدا مساندا لنظام الرئيس بشار الأسد، فإنه بالضرورة ليس معارضا للتغيير في سوريا، إذا ما تم عن طريق غير مجلس الأمن، أو الفصل السابع. ثانيها، أن الصين لديها روابط تجارية جيدة مع سوريا، ولديها تعاون اقتصادي قوي مع نظام الرئيس الأسد منذ 2001، حينما وقع الطرفان اتفاقية تعاون جمركية، جعلت من الصين الشريك التجاري الثالث لسوريا. ولكن حجم التبادل التجاري بين الطرفين، الذي بلغ 2.2 مليار دولار في 2010، يعد رقما صغيرا، مقارنة بالتبادل التجاري بين الصين ودول الخليج، الذي يتجاوز 90 مليار دولار سنويا. إذن، الصين لا تعول كثيرا على خسارة سوريا بوصفها شريكا اقتصاديا، ولكن المسألة ليست مسألة خسارة أو ربح تجاري، هناك مصلحة صينية كبيرة في الوقوف أمام التحرك الأميركي والأوروبي لتغيير الأنظمة في الشرق الأوسط.

في مقالة بعنوان «لماذا صوتت بكين مع موسكو؟» («نيويورك تايمز» 7 فبراير/ شباط 2012)، (الموضوع تُرجم ونُشر في «الشرق الأوسط» بتاريخ 10 فبراير 2012 – المحرر) يشير البروفسور مينشين باي إلى أن الدافع الحقيقي لاستخدام الصين الفيتو، ليس حماية نظام الرئيس الأسد، بل الوقوف مع روسيا في ما يعتبره الاثنان انفرادا أميركيا وأوروبيا في تقرير مصير بعض الأنظمة، يقول باي: «منذ عودتها إلى الأمم المتحدة عام 1971، كانت الصين تتجنب استخدام حق النقض في مجلس الأمن، وكانت تفضل في كثير من الأحيان الامتناع عن التصويت في القرارات التي لا تؤيدها، ولم تستخدم حق النقض سوى 8 مرات فقط، في قضايا عادة ما تكون ذات أهمية قصوى للمصالح الوطنية الصينية».

يتفق كل من ستيفن تسانج، الأستاذ بجامعة برمنغهام، والكاتبة المخضرمة مليندا لو، من مجلة «نيوزويك» الأميركية، مع هذا التحليل، ويرى كل منهما أن الصين غير مكترثة لبقاء الأسد أو رحيله، ولكنها قلقة من إعطاء الضوء الأخضر للدول الغربية، في أن تفعل ما تشاء في تقرير مصير أنظمة ودول قد لا تكون مهمة بالنسبة للمصالح الصينية بشكل مباشر، ولكن قد يكون له تبعات على ملفات صينية أكثر أهمية في آسيا.

جريدة «الشعب اليومية» لسان حال الحزب الحاكم في الصين التي تنشر افتتاحياتها تحت عنوان: «Zhong Sheng» أي «صوت الجرس»، كانت واضحة في عرض الموقف الصيني من القضية: «على الرغم من أن المصالح الصينية في سوريا أقل بكثير من المصالح الروسية، فإن سقوط سوريا سيؤدي إلى تحكم الغرب في مركز الشرق الأوسط، ويجعل الضغط الغربي برمته مسلطا على إيران، وإذا اندلعت الحرب الإيرانية، فإن اعتماد الصين على النفط الروسي سيزداد، وبذلك ستطرأ تغيرات جديدة على العلاقات الاستراتيجية الصينية - الروسية» («الشعب» اليومية، 9 فبراير 2012).

هل يعني ذلك استمرار الصين في دعم الأسد؟

ليس بالضرورة، المقطع الأخير يوضح الموقف الصيني، هم لا يرغبون أن يُزاح نظام الأسد، ثم شن حرب ضد طهران، لأن من شأن ذلك أن يهدد واردات الصين النفطية.

لذا، يحسن بدول الخليج أن تدرك الرسالة، وأن تعمل على تطمين الصين، وتقديم ضمانات إضافية لتليين الموقف الصيني ضد تحرك أممي تجاه سوريا. تذكروا أن الصين على الرغم من تحفظها على التدخل في ليبيا، فإنها امتنعت ولم تصوت ضد القرار، ولكن ما يجعل الصين أكثر قلقا هو أن تذهب الولايات المتحدة والأوروبيون بعد القرار، إلى ما هو أبعد من وقف إطلاق النار، كما صنعوا في ليبيا، وهو تحطيم نظام القذافي.

هناك أدلة كثيرة على أن بوسع الدول الخليجية أن تسهم في طمأنة الصين، ولنبدأ بالمسألة الإيرانية. وقفت الصين موقفا إيجابيا مع مشروع العقوبات الأميركية والأوروبية ضد البنك المركزي الإيراني وصادرات طهران النفطية، وللدلالة على ذلك، فإن الصين قامت بالفعل بتقليل اعتمادها على النفط الإيراني تحسبا لتحرك دولي ضد المشروع النووي الإيراني، وهذا تحول إيجابي من الصين ينبغي التركيز عليه.

تُعد الصين أكبر مشتر للنفط الإيراني، وتستحوذ على نحو 20 في المائة من صادراته الإجمالية، لكنها خفضت مشترياتها منذ يناير (كانون الثاني) الماضي بنحو 285 ألف برميل يوميا، أو ما يزيد قليلا على نصف الإجمالي اليومي لوارداتها منه في 2011. وبحسب مصادر في صناعة النفط، فإن بكين اشترت في الأشهر القليلة الماضية معظم الزيادة في إمدادات النفط الخام من السعودية، ولعل هذا ما يفسر الأهمية التي لعبتها زيارة الرئيس الصيني وين جيا باو ولقاؤه مع العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز. وقد أعلن الرئيس الصيني بعد اختتامه جولته الخليجية: «أي إجراءات متشددة في مضيق هرمز، أيا كانت الظروف التي تتخذ في ظلها، تتعارض مع المصالح والتطلعات الصينية»، في إشارة منه إلى التهديدات الإيرانية بإغلاق المضيق.

في رأيي، أن الموقف تجاه الصين يجب أن يكون متوازنا، وعقلانيا، فحالة التعبير الشعبي السلبية ضد الفيتو الصيني - مثل حرق الأعلام - قد لا تساهم في إقناع الصين بتليين موقفها. الصينيون لديهم تحفظات مشروعة، وهم وفق معطيات كثيرة، لا يكترثون لبقاء نظام الأسد، هم فقط يرغبون في أن يكون التغيير بعيدا عن سيناريو تغيير الأنظمة باستخدام القوة الخارجية، وللدلالة على ذلك، فإن الصين تدرس تعيين مبعوث رسمي للشرق الأوسط لمتابعة الملف، وأعلنت قبل أيام أنها استقبلت وفدا من المعارضة السورية.. وعليه، فإنه ينبغي عدم خلط الموقف الروسي والصيني، فلكل منهما دوافعه ومبرراته، ففيما يريد الروس - كما يصرحون علنا - ثمنا لإسقاط نظام الأسد، فإن الصينيين معنيون أكثر بآليات ونتائج التغيير لا الأشخاص.

في كتابه الأخير «حول الصين» (2011)، يذكر هينري كيسنجر أن السياسة الصينية لم تكن أبدا صدامية، بل دبلوماسية ذكية وحذرة، وأن ما يهم الصين حقا هو المحافظة على النمو والوصول الآمن - والحر - للأسواق الخارجية. أما حين تتفجر المشكلات السياسية، فإن الصينيين يفضلون البقاء على الحياد، أو الامتناع عن التصويت، فيما الآخرون يظلون في الأزمة. هم لن يتحركوا إلا إذا كانت لهم مصلحة مباشرة، ولا عيب في ذلك. يقول كيسنجر: «هم يتبعون المثل الصيني القائل: كن كالجالس على قمة الجبل، حينما تتعارك النمور».

أغلب الظن، أنه حينما يتم تأمين المصالح الصينية وطمأنة قادتها، فإن الصين لن تكون طرفا في العراك على مستقبل سوريا.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ