ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
راجح الخوري 2012-02-17 النهار لا يملك الروس في الجمعية العمومية سلاح
"الفيتو" الذي استعملوه في مجلس
الأمن لمنعه من تبنّي "المبادرة
العربية" حيال الأزمة السورية،
لكنهم حاولوا امس، حتى اللحظة
الأخيرة، إدخال تعديلات لافراغ هذه
المبادرة من محتواها. اقترحوا اولاً إلغاء البند الذي يدعو الى
تنحي الرئيس بشار الأسد وتسليم سلطاته
الى نائبه، وثانياً إسقاط البند الذي
يدعو لسحب القوات الى الثكنات وإنهاء
الهجمات المسلحة، وثالثاً عدم إدانة
انتهاكات الحكومة ضد المدنيين،
ورابعاً إضافة بند يدعو المعارضة لوقف
الهجمات المسلحة ! جاء هذا عندما كان سيرغي لافروف يقول في
هولندا إن من الخطأ محاولة عزل الأسد،
بينما بات واضحاً ان موسكو مصرة على
عزل نفسها عن الشعب السوري والشعوب
العربية وعن الإجماع الدولي على إدانة
حمامات الدم التي تغرق سوريا، وكذلك عن
مسؤولياتها السياسية والأخلاقية
كدولة كبرى تتنكر لحق الشعب في مقابل
حفنة مصالح في سوريا ومراهنة على
مقايضة مع الأميركيين في أمكنة اخرى ! ومن المضحك المبكي، ان دولة عانت سبعين
عاماً من الديكتاتورية وعسف الطغيان
وراء الستار الحديدي منذ ايام ستالين،
ثم خرجت الى الحرية والديموقراطية على
ما يفترض، لا تتوانى عن دعم النظام
السوري الذي يواجه ثورة متصاعدة في كل
أنحاء البلاد، لا بل انها سارعت الى
مدّه بالسلاح، ولم تحاول للحظة ان
تدعوه الى اجراء اصلاحات حقيقية كان من
الممكن ان تنهي الأزمة لو جاءت في
الوقت المناسب قبل خمسة او ستة اشهر
مثلاً . وإذا كانت موسكو قلقة من إغلاق السفارات
العربية والدولية في دمشق، ومن
الاتجاه الى اقامة ممرات آمنة لمساعدة
المدنيين السوريين، فإن ذلك يعني انها
تريد اقامة ستار حديدي على حمامات الدم
في سوريا، وهي الحمامات التي لن يراها
نائب وزير الخارجية الصيني بالتأكيد
عندما يزور دمشق . معيب تماماً ان تواصل روسيا، كدولة كبرى،
الرقص على قبور السوريين وفي سياق رهان
خاسر بالتأكيد حتى في حصيلة الحسابات
البسيطة ، وكأنها لم تتعلم شيئاً من
سياستها الفاشلة في ليبيا، او كأنها لا
تتنبه الى انها ستخسر الدول العربية
والاسلامية والرأي العام الدولي في
مقابل تمسكها بالنظام السوري، الذي
سقط من دون اعلان منذ اللحظة التي بدأ
يدك مدن شعبه بالنار ومدفعية الميدان
وحتى بالطائرات الروسية الصنع ! واشنطن ومعظم دول العالم وصفت دعوة الأسد
الى الاستفتاء على الدستور الجديد
بأنها مسخرة تثير السخرية، ليس لأن
معظم السوريين رفضوها فحسب، بل لأن ثمة
من يتساءل في ظل التصعيد الجنوني من
سيبقى من السوريين ليذهب الى
الاستفتاء او الى الانتخابات ؟! ================= علي القيسي الرأي الاردنية 17-2-2012 لقد بدات الاحتجاجات في سوريا قبل احد عشر
شهرا، بداية صغيرة ومتواضعة لمجموعات
من المواطنين السوريين خرجت من بعض
مساجد درعا، ثم ما لبثت ان توسعت
وامتدت وكبرت تلك المظاهرات
والاحتجاجات، منادية بالحرية
والكرامة والديمقراطية، ثم ما لبثت
ايضا ان امتدت الى مناطق ومدن اخرى
سورية خاصة الارياف حتى بدا
المتظاهرون يرفعون من سقف مطالبهم
باسقاط الرئيس، كان في البداية النظام
السوري يراهن على ان هذه الاحتجاجات هي
عبارة عن عاصفة في فنجان ويمكن قمعها
والسيطرة عليها في غضون ايام او اسابيع
على الاكثر !؟ حيث كان النظام يراهن ايضا على ان هذه
التظاهرات والاحتجاجات نتيجة طبيعية
لعدوى متوقعة من ثورات الربيع العربي
ومطمئنا أي النظام على الخلفية
السياسية للشعب السوري على سلميته
وهدوئه وعدم تجرؤه بالقيام بالتظاهرات
على مدى عقود من الزمن، ولم يكن يتخيل
النظام السوري ان يخرج هذا الشعب ويكسر
حاجز الخوف ويقوم بتلك التظاهرات
والاحتجاجات العنيفة التي عمت معظم
المدن السورية، مما جعل النظام يتفاجأ
بالحشود التي خرجت الى الشارع بكل
شجاعة وتحدٍ مطالبة بالحرية والكرامة
وايضا اسقاط الرئيس بل واعدامه، ولعل
النظام السوري كان يدرك بعمق وان كان
يظن ان السوريين يخشون التعبير عن
ارائهم وافكارهم بالاحتشاد والتظاهر،
الا ان ما حدث لم يكن في الحسبان حيث
اخذت اجهزة الاعلام السورية في
التخفيف وعدم التصديق في لهجتها
الاعلامية لما يحدث في الشارع... الا ان
اجهزة الاعلام العربية والاجنبية فضحت
الاعلام السوري البائس حول هذه الثورة
الجماهرية فكانت الفضائيات الخارجية
في الميدان وصور الفيديو وكاميرات
الهواتف الخلوية واجهزة الانترنت
ولجان التنسيق وغيرها قد نقلت الصورة
على ما يجري في شوارع المدن السورية
على حقيقتها الى العالم باسره، بالرغم
من انكار السلطات السورية حقيقة
المشهد الملون بلون الدم والموت
والدمار اذ بات المشهد فنتازيا جنونية
بالنسبة للنظام والته القمعية الذي
قرر من خلالها حسم الموقف امنيا
وعسكريا من خلال القوة الامنية
المتوحشة... وبدات في سياق ذلك
التظاهرات تاخذ طابعا تسليحيا من
المعارضة والمتمثلة بالجنود والضباط
الذين انشقوا عن الجيش النظامي
واعلنوا انضمامهم الى الشعب وما اطلق
عليه الجيش السوري الحر، والذي رفض
اطلاق النار على المدنيين المحتجين،
وازدادت وتيرة القتال عنفا باستخدام
الاسلحة الثقيلة والمتوسطة والخفيفة
حتى سقط الالاف من المواطنين السوريين
الابرياء الاطفال والنساء والرجال،
هذا عدا عن عشرات الالاف المعتقلين في
السجون واشتد الوضع على الساحة
السورية قسوة وعنفا ودمارا وموتا قبل
ان تجتمع الجامعة العربية اكثر من مرة
وتقوم بارسال المراقبين العرب ليقوموا
بحماية الشعب السوري من بطش النظام،
ولكن النظام الذي وعد الشعب السوري
باصلاحات حقيقية لامتصاص غضب الشارع
لم يكن صادقا وعمليا ولم يقم باصلاحات
ترضي الشارع الثائر وبالرغم من وجود
المراقبين كانت وتيرة القتل في ازدياد
ضد المواطنين السوريين المحتجين، مما
حدا بالجامعة العربية الى تعليق بعثة
المراقبين وتحويل الملف السوري الى
مجلس الامن مع المبادرة العربية
الاخيرة ولكن الفيتو الروسي والصيني
افشل اتخاذ قرارا حاسما اضد النظام
السوري مما ازعج اعضاء مجلس الامن. ولعل المحلل السياسي لهذا الملف المعقد
الشائك يخرج بعد قراءة متانية لما يحدث
على الساحة السورية الى النتائج
التالية : 1- الازمة السورية التي تمثلت بالاحتجاجات
قبل احد عشر شهرا لعلها في طريقها
للتعقيد والدموية اكثر بعد هذا الفيتو
المزدوج الروسي الصيني. 2- النظام السوري ما يزال مقتنعا وتاخذه
العزة بالاثم في تقييم ما يحدث على انه
مؤامرة دولية كبيرة تستهدف سوريا وطنا
نظاما. 3- هناك احتمالات كثيرة للعمل الدولي خارج
مجلس الامن ربما تقوم به امريكا واروبا
والدول العربية فلعله موقف نوعي في وقف
حمام الدم وحماية المواطنين السوريين. ================= ألاسد في مواجهة التاريخ..الهزيمة
حتمية د خليل قطاطو 2012-02-16 القدس العربي يواجه الرئيس (حتى الآن) السوري شعبه
بالاسلحة الثقيلة، ويدك البيوت
بالمدفعية متناسيا عراقة هذا الشعب
وتاريخه معتقدا ان ارهابه كفيل باجهاض
ثورتهم. هذا الشعب قارع الغزاة
بامكاناته المتواضعة وطردهم مرارا من
ساحاته. اما العظماء فلم يحلوا لهم
الراحة بعد عناء المعارك الطاحنة، الا
فيها، وان يدفنوا فيها بسلام. ها هو بلال، لا فض فوه، يصدح بصوته،
بالآذان، امام معلمه، يريحهم بها. اثار
السياط تملأ ظهره، لا يلين، يعلم
الدنيا كلها الصبر والثبات. لا يجد غير
دمشق لينام تحت ثراها، منتظرا لقاء ربه
وحبيبه. بلال، يصدح الآن بصوته من على
مآذن الميدان والمزة والقابون، حي على
الجهاد. الناصر صلاح الدين يجوب على حصانه كل بقاع
الشام، يوحد الأمة بعد ان اعلنت كل
مدينة نفسها امارة او مملكة، تتحالف مع
الغزاة، وتقاتل اخواتها. ينازل
الغزاة، يتوجها في حطين ليقر بها عين
عمر، فاتحها الاول. علمهم كيف تكون
الشجاعة، والمسامحة معا. حين حان وقت
الراحة الابدية، لم يجد بقعة اجدر به
غير جوار نور الدين زنكي في دمشق. الملك
الناصر يسمع اصوات المتظاهرين في
احياء دمشق وضواحيها. يمتطي حصانه،
يطوف ليلا على الثوار,يشحذ هممهم،
ويقدم لهم الماء والزاد والدواء بعد ان
حرمهم منها بشار وجنوده. خاض اكثر من مائة معركة. انتصر فيها
جميعها. شجاعا، مقداما، قائد عسكري فذ،
فريد. كان يشبه عمرالذي قال عنه: ابو
سليمان، على مثله تبكي البواكي. صار
جسده مسرحا لطعنات الرماح والسيوف.
تمنى الشهادة ولم يحظ بنيل شرفها. قبل
رحيله علم الجبناء دروسا في طرد مهابة
الموت من النفس. في حمص كان مثواه. هب
لينال الشهادة. استشهد اكثر من الفي
مرة، وما زال يقاتل ويستشهد كل يوم منذ
احد عشر شهرا، في الانشاءات،
الخالدية، حي السباع وبابا عمرو. واجه الفرنسيين برجالات قلائل ولكن اشداء.
العدد لا يهم. وتذكر بيت ابي الطيب : لا
يسلم الشرف الرفيع من الاذى حتى يراق
على جوانبه الدم. في ميسلون كانت
الملحمة، وفي دمشق كان مرقده الاخير.
ها هو يخطب في الحشود في مضايا، دوما،
دارين، عربين والزبداني: قاوموا الظلم
أيا كان مصدره. في معارك الشرف، لا مكان
لحسابات الربح والخسارة. يناشدهم ان
تبقى السماء هي حدود مطالبهم، اذا
غامرت في شرف مروم فلا تقنع بما دون
النجوم. بشار الاسد مستحيل ان يهزم
يوسف العظمة. في معرة النعمان يرقد رهين المحبسين،
الثائر على كل التقاليد والاعراف (وحتى
الاديان). الفيلسوف الضرير، يرى
المظاهرات في ادلب ومسقط راسه (لزوم)
ويرى الرصاص المنهمر على هامات احفاد
احفاده (ما لا يلزم) فينشد شعرا متجددا
هذا جناه بشار علي وما جنيت على اسد. ظن بشار انه وازلامه وشبيحته بخير ما دامت
الفيحاء (جلق) والشهباء ساكنتين. امتدت
شرارة الثورة من ضواحي دمشق وريفها الى
قلب العاصمة، ثم ما لبثت ان افاقت
الشهباء على وقع المجازر في المدن
الشقيقة. نهض سيف الدولة وعلى يمينه
ابي الطيب وعلى يساره سيف الدولة.
امتشقوا سيوفهم. هذه المرة بدلا من ان
يتجهوا شمالا حيث الروم(وقد زالوا)
اتجهوا جنوبا حيث الطغمة الفاسدة التي
عاثت في الارض فسادا، قتلا وسجنا
وتعذيبا ونهبا. السوريون، احفاد اولئك العظام، في دمائهم
الاباء والشجاعة والاقدام، كيف للرصاص
ان يرهبهم، وللسجون ان تثني عزائمهم؟
قتل بشار المغني، فاذا بكل مدينة تلد
عشرات المغنين والشعراء، مستعدين ان
يكونوا قرابين على مذابح الحرية. لا
غرابة ان يتسابق الاحفاد الى ساحات
الحرية (والشهادة) كما الى حفلات
الاعياد والزفاف. عبق التاريخ يحول
رائحة الدم في الساحات الى مسك. الروم
والصليبيون والمغول رحلوا صاغرين.
لماذا يشك الناس ان هذا الطاغية (الصغير)
عصي على الرحيل ؟!. بشار هذا في معركة مع
التاريخ. الاسد الصغير، نسي ان يعلمه
الاسد الكبير ان التاريخ دائما ينتصر،
دائما. ================= المعطى الجديد في الموقف
الروسي الجمعة, 17 فبراير 2012 وليد شقير الحياة تختبر الأزمة السورية مرحلة جديدة من
العلاقات الدولية، في اطار ما سُمّي
الصراع على سورية، بموازاة الصراع
داخل سورية. ومن سوء حظ السوريين ان هذا الصراع الدولي
– الإقليمي على بلادهم سيطيل
معاناتهم، ويهدد مؤسساتهم. وهو أمر لا
يأبه له الحكم السوري في سياق تمسّك من
يتولون زمام السلطة بالبقاء فيها مهما
كان الثمن، حتى لو تغيّرت المعادلة
الدولية التي ثبّتت هؤلاء لعقود من
الزمن، بفعل دعم الغرب. فالأرجح أن تذهب موسكو في دفاعها عن
النظام الى النهاية خلافاً لتوقعات
وآمال أوروبية وتركية وعربية بأن
تعدّل موقفها من الأزمة السورية. بل أن
تطور الأحداث يدل الى أن المراهنات على
تغيير موقف موسكو خاطئة وستبقى كذلك. فالقيادة الروسية لا تترك مجالاً للشك،
مهما ازدادت المواجهات الجارية في
المدن والمناطق السورية دموية، بأنها
إذا خيّرت بين الوقوف مع النظام في
سورية أو ضده، فإنها ستقف مع النظام.
وهذه القيادة تضع تشددها هذا في دعم
النظام، في سياق سياسة تشدد ومواجهة
بينها وبين دول الغرب على الصعيد
الدولي، ولا سيما في أوروبا والشرق
الأوسط. إنه معطى جديد يجعل من القاعدة التي تقول
إن روسيا تعتمد سياسة المقايضات في
العلاقات الدولية غير صالحة، على
الأرجح في حسابات الدول التي للدب
الروسي ملفات عالقة معها. حتى الدول التي تتلاقى مع موسكو حول عدد
من الأزمات عليها أن تترقب تأثير
التشدد الروسي الجديد على سياساتها
ومواقعها. يسعى القياصرة الجدد الى
استعادة المبادرة على الصعيد الدولي.
وحتى إذا ظهر أن لديهم ملاحظات على
سلوك النظام السوري، فإنها من باب
القلق على مدى قدرته على الصمود في وجه
الحركة الاحتجاجية التي تتعاظم يوماً
بعد يوم. ولذلك طالبه وزير الخارجية
سيرغي لافروف بتسريع الإصلاحات لأنها
تغطية معقولة لمواصلته الخيار الأمني.
ولا ينفي المسؤولون الروس بعض أوجه
المساعدة الأمنية والعسكرية التي
يقدمونها للحكم السوري في مواجهة
المنشقين عن الجيش. وحتى البحث في
استمرار تزويد سورية بالصواريخ (أرض –
جو) يأتي في إطار تمكينها من القدرة على
أي مواجهة مع قوات ال «ناتو» في حال
فكرت دول حلف شمال الأطلسي بسيناريو ما
ضد النظام. «نحن نصدق ما يقوله النظام
عن التفجيرات التي حصلت في دمشق وحلب
بأنها من صنع الإرهابيين، ولا نصدق ما
تقوله المعارضة بأن النظام افتلعها».
يقول الروس. تجس موسكو، سواء كان ذلك مبالغاً به أم
واقعياً، بالمعطيات عن دور الإرهاب في
ما يجري في سورية وتعتبر المعطيات التي
يقدمها لها النظام في شأنه، عناصر
تحاكي قلقها الدائم في مواجهتها
الإرهاب الذي تعانيه من المتطرفين
الشيشان وفي مناطق القوقاز عموماً،
وترصد مواقف وتحركات «القاعدة» وتقيم
وزناً لبيان أيمن الظواهري الأخير
بالدعوة الى الوقوف ضد النظام السوري،
ولما يتردد عن وجود «القاعدة» في لبنان
على رغم النفي المستمر لهذه
المعلومات، وتراقب ما تعتبره نشاطات
للمجموعات السلفية القريبة من فكر «القاعدة»
أو من أسلوب عمل هذا التنظيم. ومصدر كل ذلك، حتى حين يبدو الأمر مبالغاً
به، أن موسكو لم تخفِ انزعاجها (في
لقاءاتها مع المسؤولين في واشنطن) من
انفتاح الولايات المتحدة الأميركية
على «الإخوان المسلمين» الذين انتصروا
في انتخابات مصر وتونس والمغرب
وليبيا، ولا تأبه للحجة القائلة بأنهم
أفضل من السلفيين الذين يبقون الأقلية.
فالتوجه نحو التحالف بين واشنطن
وهؤلاء تزداد وطأته قلقاً لدى القيادة
الروسية حين يكون امتداداً للتعاون
الأميركي مع هؤلاء في آسيا الوسطى على
حدودها وفي قلب جمهوريات انتمت في
السابق الى الاتحاد السوفياتي،
لاعتقادها بأن هذا يعزز الطوق عليها من
حدودها الآسيوية والأوروبية إذا أضيف
تعاون إسلاميي تركيا مع الولايات
المتحدة الى مشروع نشر الدرع
الصاروخية. ولا يقف الأمر عند حدود الاقتناع الروسي
بأن الوقوف ضد سياسة الغرب له شعبية،
لمناسبة الانتخابات الرئاسية الروسية
الشهر المقبل، بل يتعداه الى اعتقاد
موسكو بأن رد الفعل العربي على الفيتو
الروسي ضد تبني مجلس الأمن الحل
العربي، يقتصر على المملكة العربية
السعودية وقطر، وسواء عن خطأ أم صواب،
لا ترى موسكو أنه يمكن تعميم هذه
السلبية حيال موقفها على الصعيد
العربي. يقود الموقف الروسي الى الشعور القومي
المتزايد بأن التنازلات التي قدمها
الدب الروسي في تسعينات القرن الماضي
كانت مجانية وأنه لن يقايض بعد الآن
ملفاً بآخر، أي انه لن يتراجع مثلاً عن
دعمه النظام في سورية مقابل التفاهم
على الدرع الصاروخية... وهذا يقود الى
الاستنتاج أن موسكو قد لا تأبه لحصول
حرب أهلية في سورية، إذا تعذر تفاهمها
مع الغرب حول بلاد الشام. ================= الأزهر والمؤسسات
الدينية والثورة السورية رضوان السيد الشرق الاوسط 17-2-2012 ظهر شيخ الأزهر للمرة الخامسة خلال
الشهور الأخيرة، في بيان قوي لنصرة
الشعب السوري، ودعوة العرب وأحرار
العالم للتدخل من أجل إنهاء أعمال
القتل والإبادة. وقد تميز البيان
الأخير بلهجة جادة وملتاعة في الوقت
نفسه. إذ إنه أعلن عن يأسه من النظام
السوري وأعوانه، وطالب العرب وأحرار
العالم بالتدخل بشتى السبل لإيقاف
أعمال العنف والقتل وسفك الدم التي
يقوم بها النظام. ثم توجه إلى جيش
النظام وقواته الأمنية، داعيا إياهم
إلى التوقف عن قتل مواطنيهم، إذ
المفروض أن هذه الأسلاك كلها إنما
أنشئت لحماية الأوطان وحياة الناس
وحرماتهم، فإذا بها تتحول إلى عدو لهم
بالذات من طريق القتل بدون رادع من دين
أو ضمير. وأضاف الإمام الأكبر في بيانه
أن هؤلاء لا يستطيعون الاعتذار بأنهم
مأمورون، لأن الناس يحاسبون على
الأعمال التي ارتكبوها بأنفسهم، إضافة
لمحاسبة الذين أمروهم. وكرر الشيخ أحمد الطيب، أنه لا يتوجه إلى
السلطات التي أصرت طوال عام على قتل
شعبها لأنه لا أمل فيها من أي نوع، ولا
يملك رجالاتها من الإحساسات الدينية
أو الإنسانية ما يمكن من خلالها
استصراخهم للكف عن ارتكاباتهم. بل إنه
يتوجه إلى الشعب السوري ويطلب منه باسم
الدين والأخلاق والعروبة وإنسانية
الإنسان أن يصبر ويصابر، وألا يتخلى
تحت وطأة الإبادة عن مطالبه في الحرية
والكرامة والسلمية ومكافحة الظلم
والظلام. وهو في الحقيقة لا يخشى من انكسار الناس
مهما بلغ القمع، وإنما تنصب مطالبته
الناس بالصبر والمثابرة على ألا
يلجأوا للسلاح، بل أن يتابعوا المسار
السلمي الذي بدأوه وانتهجته الثورات
العربية. لكنه يتابع مقررا أن حق
الدفاع عن النفس محفوظ في الدين وفي
الشرائع الإنسانية، ذلك أن من قُتل دون
حقه فهو شهيد. والحق هنا هو حق الحرية
والكرامة. فالحرية نزوع إنساني عظيم،
وهي التي تميز الإنسان عن الكائنات
الأخرى. أما الكرامة فإنها تنصب لدى
المسلمين، بحسب خطبة الوداع للنبي صلى
الله عليه وسلم على ثلاثة أمور: حرمة
الدم، وحرمة الشرف والصون من الإهانة
والانتهاك، وحرمة المال والملك. وهكذا
فإن هذه الحرمات الثلاث التي انتهكت في
سوريا من جانب النظام، تبيح بل توجب
الخروج عليه لرفع الظلم. والأولى
والأسلم في الدنيا والآخرة أن يكون هذا
الخروج سلميا تخفيفا للأعباء، ومنعا
لحدوث الفتن، إنما من ناحية أخرى، إذا
أصر النظام الظالم المستبد على
الاستمرار في حجبه للحرية والكرامة عن
المواطنين وبالعنف والإرهاب
والمغالبة بالسلاح؛ فإن من حق الناس أن
يدافعوا عن أنفسهم لعلو شأن الأهداف
التي يتقصدونها ويناضلون من أجلها. وقد
مضى الإمام الطيب في هذا السياق إلى
آفاق عاطفية وإنسانية وتاريخية عندما
استشهد في بيانه ببيت الشاعر المصري
الكبير أحمد شوقي: وللحرية الحمراء باب بكل يد مضرّجة يدق والبيت من قصيدة شهيرة أنشدها شوقي تحية
للثورة السورية على المستعمرين
الفرنسيين عام 1925! إن بيان شيخ الأزهر عن الثورة السورية،
ووثيقته التي أصدرها قبل عدة أشهر عن
حركات التغيير العربية ومشروعيتها،
يشكلان جديدا لعدة جهات: - الجهة الأولى أنهما يعدان مراجعة نقدية
لفقه الثورة في موروث وتقاليد أهل
السنة والجماعة. - والجهة الثانية أنهما يثيران تساؤلات
فيما يتعلق بالمؤسسة الدينية السنية
ومواقفها من حركات التغيير والثورات. - والجهة الثالثة أنهما يثيران أسئلة بشأن
دور أو أدوار المؤسسات الدينية في زمن
التغيير العربي الجديد. أما فيما يتصل بالمسألة الأولى، أي
التغيير في فقه الثورة؛ فإن المعروف أن
فقهاء أهل السنة بعد القرن الثالث
الهجري - التاسع الميلادي، توصلوا إلى
«تحريم الخروج على السلطان» بالسيف
إلا بشروط صعبة جدا، وذلك لخشية أو
خشيتين: سفك الدم أو التسبب به،
والفتنة والانشقاق في صفوف الجمهور أو
بين أنصار السلطة وخصومها. وقد ذهب شيخ
الأزهر، والشيخ يوسف القرضاوي (ووافقهما
علماء آخرون فيما بعد) إلى أن التحريم -
إن كان - إنما يتناول الخروج بالسيف
ابتداء، وهذا الأمر لم يحصل مع حركات
التغيير العربية. فقد كانت جميعا حركات
سلمية وبقيت كذلك في الأكثر. إنما لا
يجوز اللجوء إلى «سد الذرائع»، بما
يعني عدم الخروج على الظلم خشية أن
يؤدي ذلك إلى عنف وسفك دم. وهنا يصبح الافتراق بين الفقه التقليدي،
والفقه الجديد، واضحا؛ إذ ما الذي يبرر
الخروج أو الاحتجاج الجماعي من جانب
الناس؟ العلماء القدامى بعد القرن
الثالث يقولون بالصبر ما أمكن على
الظلم. أما الطيب والقرضاوي
ومؤيدوهما، فيرون أن الظلم الذي
يتناول المحرمات الثلاث: الدم
والكرامة والمال، دون أن تكون هناك سبل
قانونية أو مشروعة للتلافي والإنكار
والقصاص؛ يجيز الخروج أو التظاهر سلما
بل وبعد المطالبة بالإصلاح دون جدوى،
تجوز المطالبة بتغيير النظام. وهناك بعد هذا اختلاف طفيف – لكنه دال -
بين الشيخين الكبيرين، فالشيخ
القرضاوي مضى للمطالبة بإسقاط نظام
القذافي ولو بقوة السلاح وكذا نظام
الأسد، بينما لا يزال الشيخ الطيب يصر
على سلمية التغيير ما أمكن، وإن اعترف
للمحتجين بحق الدفاع عن النفس إن
تعرضوا للعنف الشديد. إن هذا التغيير في الفتوى - وإن يكن في
بداياته - هو أمر شديد الأهمية، ليس
لأنه يبيح العمل من أجل التغيير (السياسي)،
وإن أدى بالتبع إلى عنف من السلطة أو من
معارضيها؛ بل لأنه يغير في سلم القيم
باعتبار «الحرية» أصلا تنبني عليه
سائر الاعتبارات الأخرى. والطريف أن
هذا الاعتبار لحظه الإصلاحيون من
الفقهاء منذ القرن التاسع عشر، لكن
الإسلاميين الحزبيين ما وضعوه في
اعتبارهم بوصفه من الأولويات، في
الخمسين سنة الأخيرة، لسببين: الخوف من
التغريب باعتبار أن الحريات والتنوير
وما شابه هي مصطلحات ومنتجات غربية،
والسبب الثاني أن من اللوازم السياسية
لمبدأ الحرية: المواطنة، وصناديق
الاقتراع، وهذان الأمران يمكن أن
يؤديا إلى تصادم بين الجمهور وأحكام
الشريعة! إنما على أي حال؛ فإن المسألة الثانية
التي ينبغي التطرق إليها هنا، تتعلق
بالمؤسسة الدينية السنية ومواقفها في
زمن الثورات. فقد أظهر كبار رجالات
المؤسسة - باستثناء الشيخ الطيب -
تخاذلا شديدا، ما تجلى في الصمت المطبق
وحسب؛ بل تمثل أيضا في التأييد الفاقع
للنظام إما بشكل مبهم مثل القول
بالاستقرار والإصلاح السلمي، ورفض
المؤامرات على الوطن ووحدة الشعب، أو
بالقول علنا وبصراحة إنهم مع النظام
القائم، مثلما فعل مفتي سوريا الشهير (بمعنى
الذي صار شهرة) أحمد حسون، وكبير علماء
سوريا سابقا الشيخ محمد سعيد البوطي،
والذي لا يزال يعتقد أنه إذا ذهب نظام
الأسد ذهب الإسلام وسوريا معا! وهذا
الموقف (صمتا أو إفصاحا) ظهر في تونس
وليبيا واليمن، وظهر في سوريا على
الخصوص. بيد أن وضع المؤسسة ليس أحسن
حالا في أكثر الدول العربية
والإسلامية. وقد ظهر في زمن الثورات أيضا أن المؤسسات
الدينية المسيحية هي أيضا ليست على ما
يرام. فبحجة أنهم أقليات ويخشون من
المستقبل وقفوا بوضوح ضد التغيير،
وتحدثوا عن تطرف إسلامي يريد
الاستيلاء على السلطة، وحرمان
المسيحيين من حقوقهم، وإرغامهم على
الهجرة! وهناك أمر دال آخر يتعلق بسوريا على
الخصوص. فالملاحظ أن المؤسسة الدينية
الشيعية، التي تقودها إيران إلى حد
بعيد، وقفت مع المعارضة البحرينية،
وضد المعارضة السورية، لأن النظام
السوري - كما قالوا - هو نظام ممانعة
وإنما يراد إسقاطه بمؤامرة من
الولايات المتحدة وأصدقاء إسرائيل!
وهذا الكلام ظل مؤثرا لأكثر من ستة
أشهر في أوساط الإسلاميين السنة أيضا،
وبخاصة «الإخوان المسلمون» والحركات
المشابهة (باستثناء الإسلاميين
السوريين بالطبع!)، لأنه كما هو معروف،
فقد كان هؤلاء جميعا في المعارضة
وبينهم وبين إيران وسوريا علاقات
حسنة؛ وفي حالة حماس والجهاد
الإسلامي، ما هو أكثر من العلاقات
الحسنة! التحول حاصل، وإنما تجب المتابعة في مجال
النهوض بالفكر الإسلامي، وفي مجال
إعادة بناء المؤسسات الدينية. وقد صار
شيخ الأزهر رائدا في المجالين. ================= لماذا تدعم روسيا بشار
الأسد؟() ديمتري ترينين() المستقبل 17-2-2012 عاد اثنان من كبار المسؤولين الروس وهما
وزير الخارجية سيرغي لافروف ومدير
الاستخبارات الروسية الخارجية
ميخائيل فرادكوف من زيارة قاما بها إلى
دمشق. لم تكن مهمتهما إزاحة (الرئيس السوري)
بشار الأسد عن السلطة وتوفير المنفى له
في روسيا، بل تناول الحديث معه الحوار
مع المعارضة وإجراء استفتاء بشأن
دستور جديد للبلاد واستئناف الجامعة
العربية لمهمتها التي تهدف إلى "استقرار"
سوريا. روسيا من جهتها، ستقف بصلابة
إلى جانب الصين في مجلس الأمن الدولي،
لمنع أي إدانه رسمية للنظام السوري،
وأي تدخل عسكري خارجي أو فرض أي عقوبات
عليها. ولأن الدخول الروسي إلى اللعبة جاء
متأخراً جداً، فإن محاولة المصالحة
محتومة بالفشل. لقد بدأت الحرب الأهلية
السورية في الواقع ولن تنتهي في وقت
قريب. أميركا، أوروبا، تركيا ودول
الخليج تخلّت عن الأسد وتطالب برحيله. لكن الوساطة الروسية كانت لتملك فرصة
للنجاح لو أن لافروف وفرادكوف زارا
دمشق في الصيف الماضي، أو حتى في
الخريف الماضي، واستمرا في مسيرة
الزيارات المكوكية الديبلوماسية.
ونظراً لدور روسيا التقليدي في دعم
سوريا وتزويدها بالأسلحة، كان يمكن
لموسكو أن تنجح في لعب دور صانع السلام
أكثر من أنقرة. لكن مهمة لافروف
وفرادكوف اليوم تبدو وكأنها بادرة
لإنقاذ ماء الوجه. ويفسر موقف روسيا من سوريا غالباً بمدى
أهمية سوريا بالنسبة لموسكو. صحيح أن
سوريا تحتل موقعاً إستراتيجياً في قلب
الشرق الأوسك وأن علاقات موسكو مع
عائلة الأسد ترجع إلى أربعة عقود من
الزمن. غير أن أياً من هذه العوامل يجب المبالغة
بها. سوريا ليست حليفاً لروسيا: طرطوس
هي منشأة إعادة تزويد وليست قاعدة
بحرية، وإجمالي عمليات بيع السلاح
الروسي إلى سوريا خلال العقد الماضي
بلغت حوالي 1.5 مليار دولار ما يضع دمشق
في المرتبة السابعة من بين زبائن موسكو.
ولفهم موقف موسكو من سوريا وأسباب
خلافاتها مع الغرب وعدد من الدول
العربية، يجب التطلع من منظار أوسع. في العام الماضي، امتنعت روسيا عن
التصويت في مجلس الأمن الدولي على قرار
فرض منطقة حظر طيران فوق ليبيا،
وبالتالي سمحت بصدور القرار. وسرعان ما
تحول القرار الذي صدر لحماية الليبيين
المدنيين الأبرياء من مجزرة ضدهم في
بنغازي، إلى حرب بعيدة شنها حلف شمال
الأطلسي ضد الحكومة الليبية، الأمر
الذي أدى في نهاية الأمر إلى الإطاحة
بنظام (العقيد الليبي الراحل معمر)
القذافي ومقتل الديكتاتور مع العديد
من أنصاره وربما عدد من المدنيين أيضاً.
لقد تخطت العمليات العسكرية للناتو
بنود قرار مجلس الأمن الدولي، الأمر
الذي لم يظهر أنه أزعج الحكومات
الغربية. الحكومة الروسية محافظة بشكل علني: إنها
تمقت الثورات. غير أن ذلك أكثر من مجرد
موقف يخدم أيديلوجيتها. عندما ينظر
الكرملين أو مكتب فرادكوف- إلى الصحوة
العربية، يشاهدون أن الديموقراطية
تؤدي مباشرة إلى "الأسلمة". ويعتقد الروس أن الولايات المتحدة والقوى
الغربية الأخرى لن تتدخل عسكرياً إلا
في حال لم يتكبدوا خسائر مباشرة تطالهم
كما في ليبيا. غير أن سوريا مسألة أكثر
صعوبة. وتزويد الجيش السوري الحر
بالأسلحة والمعلومات الاستخبارية لن
يكون كافياً للتفوق على قوات الأسد،
ويلوح في الأفق احتمال نشوب حرب أوسع
بمشاركة عربية وتركية. ومثل هذه الحرب لن تكون منطقية إلا في حال
كانت الخطوة الأولى في دراما أكثر جدية.
ويشك الروس في أن السبب الحقيقي وراء
الضغوط الغربية على دمشق هو سلب طهران
من حليفها الوحيد في المنطقة. وخلف
نشاط دول الخليج وبشكل خاص قطر في
المسألة السورية، ترى موسكو النفوذ
الإقليمي المتزايد للملكة العربية
السعودية، المنافس اللدود لإيران في
المنطقة. كما تلعب الطموحات "العثمانية
الجديدة" لتركيا دوراً في هذه
المسألة. لكن ما يقلق الروس أكثر من أي
شيء آخر هو أن إسرائيل قد تشن ضربة على
إيران وجر الولايات المتحدة، وبالتالي
تسريع نشوب حرب كبرى ضد إيران في وقت ما
من العام الحالي. وقد يكون لصانعي السياسة الروسية نقطة أو
اثنتان يتحدثان فيهما عندما يناقشون
سياسات الشعوب الأخرى. غير أنهم بحاجة
للتراجع قليلاً والنظر إلى سياستهم
الخاصة. إن توريد أسلحة إلى دولة تعيش في حرب
أهلية أمر مسيء سياسياً وأخلاقياً على
السواء. إن مواجهة أميركا وأوروبا، حتى
إذا كانت السياسات الغربية مضللة، أمر
يتعارض بوضوح مع المصالج الروسية
الأوسع. القول لقطر أن تصمت ليس مجرد
عمل غير ديبلوماسي لكنه غير حكيم أيضاً.
ويجب تجنب الاشتباك العلني مع تركيا
والمملكة العربية السعودية. وعلى هذا قد يعلق البعض بالقول إنه بعد
خسارة عقود بيع أسلحة إلى ليبيا بقيمة 4
مليارات دولار، ومواجهة احتمال خسارة
مبلغ مماثل من التجارة مع سوريا، فإن
موسكو لا تملك خياراً سوى اتخاذ الموقف
المتصلب. سيكون مؤسفاً في نهاية اليوم
إذا سادت هذه الحجة. ترجمة: صلاح تقي الدين () جريدة النيويورك تايمز 2009 - 2012 () ديميتري ترينين هو مدير مركز كارنيغي
موسكو ومؤلف كتاب "مرحلة ما بعد
الإمبراطورية: قصة أورو- آسيوية". ================= ممرات آمنة لمساعدة
الشعب السوري الجزيرة السعودية 17-2-2012 على الرغم من أن نتيجة التصويت المؤيد
لمشروع القرار العربي في الجمعية
العامة للأمم المتحدة غير ملزم، ولا
يفرض على النظام السوري تغيير سلوكه في
تعامله مع شعبه، ولا على الأنظمة التي
تساند نظام بشار الأسد حتى الآن، إلا
أنه يضيف زخماً ضاغطاً على كل هذه
الأطراف، وكونه يأتي قبل بدء أعمال
مؤتمر أصدقاء سورية الذي سيعقد في تونس
غداً، فإنه -بلا شك- سيضيف ضغطاً دولياً
لا بد وأن يأخذه المجتمعون في تونس في
الحسبان، خصوصاً فيما يتعلق بفكرة
إنشاء ممرات آمنة على الأرض السورية
تكون قنطرة لإيصال المساعدات
الإنسانية التي تحتاجها المناطق
والمدن السورية التي يحاصرها الجيش
السوري النظامي. هذه الفكرة التي تضمنها مشروع القرار
العربي الذي حظي بالتأييد الواسع من
المجتمع الدولي، والتي حتماً ستحظى
بدعم مؤتمر أصدقاء سورية الذي ستشهده
تونس، ستصبح محركاً أساسياً للتحركات
الدولية مما سيعيد الملف السوري إلى
مجلس الأمن مجدداً عبر هذا الطرح
الإنساني، حيث تعمل أكثر من منظمة
دولية إنسانية تعمل في نطاق الأمم
المتحدة والكثير من الدول وبخاصة
الدول العربية وتركيا وفرنسا على
إعداد مشروع أممي يدعو لوقف العنف
وحماية المدنيين، ومعالجة البعد
الإنساني للوضع في سورية من خلال إيجاد
ممرات آمنة وتمكين المنظمات الناشطة
في الحقل الإنساني من الوصول إلى
المناطق المنكوبة. مثل هذا القرار الذي ستخرج مسودته الأولى
-حسب ما يتوقع كثير من المتابعين للشأن
السوري- من رحم مؤتمر أصدقاء سورية في
تونس، يُعدُّ استجابة للتحدي الكبير
الذي تواجهه الأسرة الدولية والمتمثلة
في الاستجابة لاستغاثة ملايين
السوريين المحاصرين بالجوع والبرد،
والمفروض عليهم حصار عسكري يتسبب في
قتل المئات منهم يومياً. ومثل هذا القرار الإنساني لا تجرأ روسيا
ولا الصين باعتراضه في مجلس الأمن،
خصوصاً بعد حصول مشروع القرار العربي
في الجمعية العامة للأمم المتحدة على
دعم كاسح. ================= د. عبدالوهاب الأفندي 2012-02-15 القدس العربي (1) ليسمح لي القراء بلحظات في عالم
الأساطير الذي يبدو أن حكام سورية
يعيشون فيه في عزلة عن كل بقية أهل 'الدنيا'،
ولنصدق معهم رواية تعرض سورية ذات ليلة
لغزوة من 'عصابات إرهابية مسلحة' قامت،
على طريقة أطياف فلم الرعب 'غزوة خاطفي
الأجساد'، بتقمص أجساد مواطني سورية
الذين تحول كثير منهم تحت سطوتها
السحرية إلى مندسين وعملاء لإسرائيل
والسعودية وقطر والقاعدة (فنحن ما نزال
في عالم الخيال حيث الكل يجوز). فما
يكون واجب الدولة وأجهزة الأمن وقتها؟ (2) أضعف الإيمان أن يتصدى 'حماة الديار'
لواجبهم، في حماية الديار من هؤلاء
الغزاة والمندسين، فيطهر منهم درعا
وحماة وجسر الشغور وإدلب وريف دمشق
وحمص وتل كلخ، وكل ربوع سورية سقاها
الله، في رمشة عين أو أقل من ذلك. (3) جملة اعتراضية: أليس غريباً أننا لا نحيا
جغرافيا بلداننا العربية الأثيرة إلا
في أيام محنتها؟ في السبعينات، حفظنا
أحياء بيروت حياً حياً: الأشرفية،
الكرنتينا، عين المريسة، فرن الشباك،
الحمرا، إلخ...). وفي الثمانينات
ارتحلنا في مدن وقرى فلسطين مع
الانتفاضة، وفي التسعينات وما بعدها
استكشفنا مدن العراق ونواحيه، وأحياء
بغداد. وفي بداية الثورات العربية،
سمعنا بسيدي أبوزيد والحوض المنجمي في
تونس لأول مرة، ثم سكنا ميدان التحرير
وحفظنا كل الشوارع والجسور المؤدية
إليه، ثم انتقلنا عبر مدن ليبيا من
بنغازي والبيضا وطبرق، إلى أجدابيا
والزاوية ومصراته والبريقة فطرابلس،
ثم الجبل الأخضر والزنتان. وها نحن
نطوف بسورية، وخاصة حمص التي حفظنا
أسماء كل حي فيها كأننا هناك. (4) مهما يكن، فإن الجيش السوري قد أعد
لمنازلة إسرائيل التي هزمت الجيش
السوري قبل ذلك ثلاث مرات، رابعتها في
لبنان عام 1982، حين قبع جنوده في
مخابئهم، وتركوا شارون يسرح ويمرح في
أحياء بيروت كأنه في بيته. وعليه فلا
يمكن أن تخيفه عصابات مارقة، مسلحة
كانت أم غير مسلحة، بل المنتظر منه
التصدي ببسالة لهذه العصابات في أيام
معدودات حتى يعود إلى سورية الأمن
والطمأنينة. (5) ولكن ما نراه على أرض الواقع يخالف هذا
السيناريو المتخيل. ذلك أن 'حماة
الديار' يفعلون كل شيء سوى منازلة
العصابات في الميدان، ويكتفون بقصف
المدن عن بعد بأطنان من القنابل وآلاف
الصواريخ، ويقطعون الماء والكهرباء
والطعام عن كل المناطق، أملاً في أن
يموت أفراد العصابات جوعاً وعطشاً.
وحين يتخيلون أن المنطقة خلت إلا من
المدنيين العزل، فيقتحمونها كما كان
الحال في الزبداني، سرعان ما يولون
الأدبار عند أول طلقة. بل بلغ بهم الجبن
أن يوسطوا مشايخ الحي حتى يسمح لهم
بالانسحاب سالمين. وقبل أيام عرض الجيش
السوري الحر لقاء مع جنود أسروا عند
أحد الحواجز، وكان الآسر يسألهم: لماذا
استسلمتم قبل إطلاق طلقة واحدة وأنتم
بحمد الله لا تشكون من نقص في سلاح أو
ذخيرة؟ فلم يكن عندهم جواب. (6) سواء علينا أصدقنا أساطير النظام
المتداعي، أو صدقنا ما تراه أعيننا من
أرض الواقع، فإن هناك نتيجة واحدة لا
مفر منها، وهي أن هذا أجبن جيش عرفه
التاريخ. فهو يعلم أن كل من يواجههم
تقريباً من المدنيين العزل، إضافة إلى
فئة قليلة من المنشقين ذخيرتهم لا تكفي
لأكثر من معركة. ولكنه، رغم أنه مزود
بالدبابات والدروع وكل أنواع الأسلحة
الحديثة، لا يجرؤ على اقتحام حمص أو
إدلب، فزعاً وخوفاً من حفنة من 'العصابات
المسلحة'، ويريد أن يهدم كل بيوت حمص
على رؤوس أبنائها قبل أن يجازف بمجرد
الدخول إلى شوارعها على دبابة! (7) لدينا إذن سؤال بسيط لأحبابنا ممن
ينافحون عن نظام 'الممانعة' السوري
الأسدي (هذا إذا صرفنا النظر عن أن
دلالة لفظ الممانعة هي في نهاية
المطاف، مجرد 'تدلل')، وهو التالي: إذا
كان جيشكم الباسل يجبن عن مواجهة
النساء والأطفال العزل في حمص وإدلب،
فكيف بربكم سيواجه جيش الدفاع
الإسرائيلي في الميدان؟ هذه بلا شك
أسطورة يصعب التظاهر بتصديقها، حتى في
عالم الخيال. (8) المسرح العبثي الذي يكابده أهل سورية كان
أجدر أن يثير الضحك لولا رائحة الموت
التي تفوح منه، فهو فيلم رعب هزلي على
نمط فيلم 'شون أوف ذي ديد'. ففي جانب من
الصورة رئيس متأنق الملبس، باسم
الثغر، محاط بالمعجبين، يعلن إصلاحات
ديمقراطية لا مثيل لها واستفتاء خلال
أيام على دستور يتيح لشعب سورية انتخاب
من شاءوا. وفي الجانب الآخر، نفس الشخص
على هيئة دراكولا أمير الظلام، أنيابه
تقطر من دماء شعبه، وهو محاط بشياطين
يقتلون ويعذبون ويدمرون مدناً
بكاملها، ويأمرون الناس بالسجود
لدراكولا الذي يقول في الصورة الأخرى
أن من حق الشعب إعادته إلى قلعته في
أعالي ترانسفانيا متى شاءوا! (9) في عالم الأوهام الذي أبدعه صاحبنا وفريق
الإخراج المرافق له، يحلم الرجل بأن
ينتخب ليحكم سورية لأربعة عشر عاما
أخرى. (وكيف لا 'ينتخب' بمائة في المائة
من الأصوات والناس يسجدون له طوعاً
وكرهاً، نستغفر الله؟). أما في عالم
الحقيقة، فإن الشعب السوري أسقط الرجل
وشبيحته في أعظم استفتاء شهده
التاريخ، استفتاء لم يلق فيه الناخبون
بورقة في صندوق اقتراع (وهم فاعلون لو
أتيحت لهم الفرصة) ولكن بأرواحهم
وأبنائهم وأجسادهم ومصادر رزقهم وكل
شيء يملكونه أو يعتزون به. رفعت
الأقلام، وجفت الصحف، وقال الشعب
كلمته: ارحل. وكل الباقي تضييع وقت ليس
إلا، وأفلام تثير السخرية والغثيان
معاً. ================= ثورة الحرّيّة والكرامة
.. خواطر وبصائر .. د. عبدالمجيد البيانوني صيد الخاطر 17-2-2012 بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيم يقول الله تعالى : ( .. ويومئذٍ يفرح
المؤمنون بنصر الله .. ينصر من يشاء ،
وهو العزيز الرحيم .. وعد الله لا يخلف
الله وعده ، ولكنّ أكثر الناس لا
يعلمون .. يعلمون ظاهراً من الحياة
الدنيا ، وهم عن الآخرة هم غافلون .. ) .. استوقفتني هذه الآيات الكريمة في بدايات
سورة الروم ، وكأنّها تتحدّث عن واقع
شعبنا المجاهد المرابط في بلاد الشام ..
الواقف بصوته الصادح ، وصدره العاري ،
وظهره المكشوف ، ليس له في محنته إلاّ
الله .. وقد تخلّى عنه الأقربون ، وجفاه
الأبعدون .. إن ّهذه الآيات تحرّر المؤمن من أسر
الواقع ، واقع المحنة والابتلاء ،
وتحلّق به في آفاق قدرة الله المطلقة ،
التي لا يعجزها شيء ، ووعده الذي لا
يخلف ، وتصل دنيا المؤمن بآخرته ،
وتقرّب بينهما ، بل تصل بينهما بما
يجعل الآخرة حاضرة في قلب المؤمن وعقله
، وفي كلّ لحظة من حياته ..وقد خطرت لي
خواطر ورؤى من وحي هذه الآيات أحببت أن
أسجّلها : (1) إنّ الصورة التي تجري على أرض سوريّة
الحبيبة ، بكلّ أجزائها وتفصيلاتها ،
وتبايناتها ووحشيّتها .. هي صورة
مكشوفة مجسّمة ، عن واقع السجون
والمعتقلات ، التي زرعها النظام
الطاغي على مدار عقود من السنين في طول
البلاد وعرضها ، وتفنّن في قهر الشعب
وإذلاله فيها .. فهي ليست غريبةً على
الشعب السوريّ ، الذي يعيش المعاناة
والقهر ، والذلّ والبطش منذ عقود ،
ولكنّ النظام القمعيّ الظالم كان
يزوّر الحقائق ، ويفتري الأكاذيب ،
ويعتّم على فساده وجرائمه ، بآلة
إعلاميّة ضخمة محتكرة ، ويتواطأ معه
أسياده ، الذين يرون فيه حامي حمى
إسرائيل .. ولكنّ اليوم غير الأمس ،
والجيل الجديد غير سابقه ، وسبحان
العليم الحكيم ، مالك الملك ، مغيّر
الأحوال ، وقاهر الجبابرة ، ومذلّ
الأكاسرة .. (2) لماذا هذه الثورة .. ثورة الحرّيّة
والكرامة .؟ إنّها ليست طموحاً
سياسيّاً ، لمنازعة حاكم ولا منافسة
على مناصب ومغانم .. إنّها ثورة السجين
على جلاّديه ، وثورة مسلوب الحرّيّة
والكرامة على سالبيه وغاصبيه ، إنّها
ثورة على قيود العبوديّة التي تتراكم
على الأيدي والأرجل والأعناق عاماً
بعد عام .. حتّى بلغت نصف قرن .. إنّها
ثورة على القهر وإهدار الحقوق ، التي
تقايض بالكرامة ، وترهن بالاستعباد ،
ويستبدل بها التسبيح والتقديس للطاغية
مقابل أدنى الفتات .. ومنذ نصف قرن ، والنظام المتسلّط على
سورية يعتمد سياسة العصابات ،
والمافيات القذرة في الاغتيالات
للتعامل مع خصومه السياسيّين ،
والتخلّص من حلفائه الأقربين ،
والانتقام من شركائه ، والإيقاع بين
الفرقاء المختلفين.. وإنّ سجل الاغتيال السياسي الذي تورّطت
به أجهزة القمع السورية هو الأكبر
والأضخم مقارنة بأيّة دولة أخرى، ولم
يقتصر الاغتيال السياسي على حدود
سورية فقط ، بل امتدّ إلى كل أنحاء
العالم، من الكويت إلى لبنان، ومن مصر
إلى ألمانيا.. إنّه لم يتورّع ، ولن يتورّع حتّى عن
اغتيال أقرب حلفائه وداعميه ،
والمتحالفين معه ، أو أبنائهم ، في
سبيل مقايضة سياسيّة ، أو إيصال رسالة
متعدّدة الاتّجاهات ، أو إحداث زوبعة
يغطّي فيها على بعض جرائمه ومخازيه ! وإنّ من قصور الإنسان وضعفه أن يقف أسير
اللحظة الحاضرة ، فلا يستشرف آفاق
المستقبل ، ولا يستنطق سنن الله في
الخلق .. فربّما سارع اليأس إلى قلبه
عند ذلك والإحباط .. فانسحب من الواقع ،
وألقى سلاحه ، ونادى على نفسه بالهزيمة
.. (3) الحرّيّة والكرامة توأمان لا ينفصلان ،
أو هما وجهان لعملة واحدة .. فحرّيّة
الإنسان تولد مع ولادته ، وكرامته هي
من إرهاصات وجوده .. أي من حين اكتشاف
حمله .. ألم يقل ربّنا جلّ وعلا : ( .. ولقد
كرّمنا بني آدم .. ) ، وقال الخليفة
الفاروق الراشد عمر رضي الله عنه : "
متى استعبدتم الناس ، وقد ولدتهم
أمّهاتهم أحراراً .؟! " وها قد هبّ
شعبنا السوريّ الأبيّ يطلب الحرّيّة
والكرامة .. بعد عقود من الصبر على
الذلّ والهوان ، والاستبداد والطغيان
.. ونحن اليوم أحوج ما نكون إلى أن
تتحلّى النفوس بثقافة الحرّيّة
والكرامة .. التي تقتضي أوّل كلّ شيء أن
نحترم الإنسان أيّاً كان .. انتماءه
وعرقه ، ومذهبه في الحياة ودينه .. وأن
نحترم رأيه وفكره ، وحقّه في التعبير
عنه بكلّ وسيلة مشروعة ، وأن نلغي من
قاموس تعاملنا مفردات التخوين
والاتّهام ، التي هي جزء من اختصاص
واحتكار لغة النظام وثقافته ، وزرعه
وإنتاجه ، وقد أجهد نفسه ، وجنّد
طاقاته كلّ هذه العقود من السنين
لصناعتها وإنتاجها ، وزرعها وسقايتها
، وتسويقها وتصديرها ، حتّى جعل شعبنا
الأبيّ ممسوخ الكيان ، مشوّه الشخصيّة
، تسبق تلك الثقافة العفنة على لسانه
قبل فكره ، وتسيطر على فكره قبل عقله ..
وهل الاستبداد والطغيان الذي يثور
عليه شعبنا الأبيّ إلاّ هذا .؟! فما بال
بعض الناس لا يزال تسيطر على لسانه
وفكره لغة التخوين والاتّهام ،
والسباب والإرهاب الفكريّ والنفسيّ .؟!
أيظنّ هؤلاء أنّ الشعب يهرب من استبداد
إلى استبداد ، ومن ثقافة فساد إلى
أختها .؟! إنّ على هؤلاء أن يراجعوا
ثقافتهم فيثوروا عليها ، ويتطهّروا
منها قبل أن يعلنوا الثورة على نظام
الاستبداد والفساد .. وإلاّ فإنّهم
ساقطون نفساً ، وساقطون فكراً ،
وساقطون مجتمعاً .. ولن يقبل شعبنا بعد
اليوم بمثل هذه العقليّة المتخلّفة ،
واللغة البائدة ، والثقافة المفسدة .. (4) وما يجري اليوم في سورية ملحمة من ملاحم
الجهاد التاريخيّة النادرة ، ملحمة من
أروع ملاحم الصراع بين الحقّ والباطل ..
ملحمة يقف فيها الإيمان أمام الكفر
والنفاق ، ويقف الصدق أمام الكذب
والدجل ، والخداع والتلبيس ، ويقف
العدل أمام الظلم والقهر ، والبغي
والعدوان .. ملحمة يقف فيها شعبنا
الأعزل المصابر أمام آلات القتل
الثقيلة المدمّرة ، ووحشيّة الإنسان ،
إذ يتجرّد من كلّ القيم ، ويتسلّط على
أخيه الإنسان .. ملحمة يكتبها الأطفال والنساء ، والشباب
والرجال ، والشيوخ المستضعفون .. ملحمة
تسطّر حروفها بدماء الشهداء ، وبكاء
الأطفال ، وأنّات الثكالى ، ودعاء
الأرامل ، وجراح المعذّبين ، وآلام
المعتقلين .. فهل ينسى التاريخ ما يجري على أرض الشام .؟!
وهل يغفل عنه فلا يسطّره .؟! (5) ولئن ضاعت الحقيقة أو ضيّعت عند بعض الناس
، حتّى من السوريّين أنفسهم .. فإنّ
التاريخ سيذكر تلك الدماء الزكيّة ،
التي روّت تراب الوطن بغير حساب .. سيذكر التاريخ بلا تزييف إعلاميّ كاذب ،
ولا دعايات مضلّلة ، أنّ هذه الدماء
التي أريقت في سبيل حرّيّة الإنسان
وكرامته .. في سبيل وقف تيّار الفساد
الهادر ، الذي ضرب جذوره في الأرض ،
بتعمّد وسبق إصرار ، وفي أعماق بعض
النفوس ، واستشرى بتخطيط ماكر عقوداً
من الزمن .. سيذكر التاريخ أنّ أصالة هذا الشعب لا
يمكن أن تغيّب ، أو تمحى ، أو تستبدل ..
إلاّ إذا استُبدل تكوينُ الإنسان نفسه
، فأصبح مخلوقاً آخر .. سيذكر التاريخ .. ولا يمكن لأحد أن يزيّف
ذاكرته : عمق الجرح الغائر ، الذي شقّه
الأب الطاغية في جسد الوطن ، وما صنع له
من نظام مغرق في الفساد .. ثمّ ورثه
الابن كما تورث المزرعة وقطيع الغنم ،
ليكمّل ما اختطّ أبوه .. سيذكر التاريخ عمق الجرح الغائر في كيان
الإنسان السوريّ ، وما عانته شخصيّته
من تشويه وإفساد ، وتخريب وتدمير ،
حتّى أصبحت ترى المعروف منكراً ،
والمنكر معروفاً ، والزور والبهتان
حقّاً مقدّساً ، والكذب صدقاً ،
والإفساد في الأرض إصلاحاً ، لا يشبهه
إصلاح .. وغدت تدعو إلى المنكر ، وتنصر
أعوانه ، وتحارب المعروف ، وتستخفّ
بأهله .. وإنّها لغربة للحقّ ما بعدها
من غربة .. سيذكر التاريخ أنّ طاقات الأمّة ومواردها
، وخيراتها وثرواتها أهدرت كلّها بين
أيدي الطاغية وأعوانه ، وجلاّديه
وأذنابه .. سيذكر التاريخ أنّ هذه العظمة الكاذبة
المصطنعة ، التي بناها وبنيت له ما
كانت إلاّ أوهاماً خادعة ، ونسجاً
واهناً من خيوط العنكبوت ، أحيطت
بهالات من الأوهام والأكاذيب ، فذهب
ضحيّة زيفها وخداعها أولئك المفتونون
، وثبت أمامها فرسان الحقّ الأحرار ،
الأشاوس الأطهار ، الصابرون على المرّ
، القابضون على لهيب الجمر ، الظاهرون
على الحقّ ، كما بشّر بهم المصطفى
صلوات الله وسلامه عليه ، لا يضرّهم من
خذلهم أو خالفهم ، حتّى يأتي أمر الله ،
وهم على ذلك .. (6) ولا عجب من كلّ ما يحدث في هذه الثورة
المُباركة ، فالذهب يعرض على النار
ليذهب خبثه ، ويُحرَق صدأه ، وتظهر
حقيقته ، ويسطع بريقه .. ( .. فأمّا الزبد
فيذهب جفاءً ، وأمّا ما ينفع الناس
فيمكث في الأرض ، كذلك يضرب الله
الأمثال (17) ) الرعد . لقد شاءت إرادة الله لهذا الشعب الحرّ
الأصيل أن يكشف عن أصالة معدنه ونفاسته
، وأن يميز الخبيث من الطيّب ، فيفضح
أولئك المنافقين ، الوصوليّين
المنتكسين ، الذين جعلوا من الوطن
العزيز مرتعاً لكلّ خسيس ، وجعلوا من
أبنائه الأحرار سوقاً للنخاسة ،
يبيعون فيها ويشترون ، ويساومون
ويماكسون ، ويزايدون ويتناجشون ، بلا
حاجز يحجزهم ، ولا ضمير يردعهم ، وراجت
تجارتهم الزائفة الخبيثة ، على حين
غفلة من أهل الحقّ واستغفال ، فحسبوا
أن سوق نخاستهم ستدوم أبد الدهر .. (7) ولقد شرعتُ قبيل هلاك طاغية ليبيا بأيّام
بكتابة مقالة عن توقّع هلاكه القريب ،
وإرهاصات ذلك ، ففاجأنا الحدث قبل
إتمام المقالة ، فنظرت إلى مسوّدة
أفكارها بين يدي فكأنّها كتبت منذ عشر
سنين .. وإنّ واقع الثورة في سورية
ليبشّر بمثل ذلك ، وإنّه لصبر بعده
الفرج بإذن الله .. فانظروا إلى الأمور
ببصائر الإيمان ، لا بالأبصار الكليلة
، وضعف الإنسان ، وبنور الحقّ لا
بوساوس الشيطان .. ( إنّما ذلكم الشيطان
يخوّف أولياءه ، فلا تخافوهم ، وخافون
إن كنتم مؤمنين ) . (8) وأنت أيّها الطاغية ، ومن سار في فلكك
وركابك ! ومن أعانك على قتل شعبنا الحرّ
وتعذيبه ، ولو بكلمات التأييد ، ولو
بشطر كلمة ، ولو بصمت الموتى ، أو قسمات
الرضا على الوجوه .. نقول لك بكلّ ثقة
ويقين بوعد الله ونصره ، وإيمان بعدله
وحكمته : إنّ يوم سقوطك بإذن الله قريب
قريب .. وإنّ ساعة الحساب تتراءى لنا
كما تتراءى الشمس من وراء حجب السحاب
الرقيق ، وما بين سطوعها وإحراقها إلاّ
لحظات مرور السحاب وانقشاعه ، وإننا
على يقين بالله جلّ وعلا ، أنّك تعيش في
بؤس بئيس ، وشقاء تعيس ، لا ينافسك فيه
إلاّ من كان على شاكلتك من الطغاة
المجرمين ، وأنّك تتخبّط في ظلمات
بعضها فوق بعض ، وكلّ لحظة قادمة تحمل
لك من البؤس والعذاب ما لا تتخيّل ..
وإنّ موتك أو حياتك ، وإعدامك أو هربك
سيّان أمام ما تعيشه من شقاء لا يمكن
لبشر أن يطيقه .! هذا إن بقي فيك ذرّة من
كيان البشر أو مشاعر البشر . .. وأنتم يا أعوان الطاغية وأزلامه وشبّيحته
، منكم القتل لنا , ولنا وسام الشهادة ،
وشرف الدم ، وكرامة الخلود .. ومنكم
الخيانة للوطن شعبه وتاريخه ، أرضه
وسمائه ، ومنّا الإخلاص للحقّ وحمل
الأمانة .. ومنكم التجييش الطائفي ،
وبثّ الحقد وإشعال الفتن ، ومنا الحرص
على وحدة الشعب ، وحسن التعامل
والتعايش .. ومنكم الكذاب والشبيح ،
والمخبر الخسيس ، ومنا الطفل الشهيد ،
والمرأة المجاهدة ، والثائر الحرّ ،
والمثقّف والأديب ، والمعتقل المصابر
.. ومعكم الظالمون المستبدّون ،
والمنافقون المطبّلون ، أعداء الحقّ
والحريّة ، والوطن والإنسانية ،
بسلاحهم وقواتهم ، وتشجيعهم وتأييدهم
، وفكرهم الفاسد الخرب ، ومعنا الله
جلّ جلاله ، ومعنا قوى الحقّ والعدل ،
والحرية والكرامة ، ومعنا أحرار جيشنا
الأبطال ، أهل الأمانة والشهامة ،
والعزّة والكرامة .. وإنّا لمنتصرون بإذن الله غالبون ، وعد
الله لا يخلف الله وعده ، ولكنّ أكثر
الناس لا يعلمون .. وسيعلم الذين ظلموا
أيّ منقلب ينقلبون.. اللهم فارج الهمّ ، كاشف الغمّ ، مجيب
دعوة المضطرّين ، رحمن الدنيا والآخرة
ورحيمهما ، أنت ترحمنا ، فارحمنا
اللهمّ برحمة تغننا بها عمّن سواك ،
واجمع كلمة عبادك على الحقّ والتقوى
وعجّل بالفرج على عبادك المؤمنين ،
برحمتك يا أرحم الراحمين . ======================== فهمي هويدي المصدر:
الجزيرة نت 14/2/2012 نحن مدينون باعتذار إلى الشعب السوري،
الذي يذبح تحت أعيننا كل يوم منذ أحد
عشر شهرا، في حين خذلته الشعوب العربية
ووقفت منه موقف المتفرج، كأنما صار "قلب
العروبة" محاطا بعرب بلا قلب. (1) من الجمعة 3 فبراير/شباط إلى الجمعة
التالية 10 منه تم قتل 755 سوريا. ومنذ
بداية الانتفاضة الأسطورية في منتصف
مارس/آذار الماضي قتل النظام القائم
حتى الآن نحو ثمانية آلاف شخص واختفى
عشرة آلاف وامتلأت السجون بعدد لا يحصى
من المواطنين، وكانت الجريمة الوحيدة
التي ارتكبها كل هؤلاء أنهم تمنوا أن
يسترد بلدهم كرامته وحريته، بعد نحو 45
عاما من الاستبداد والقهر. حتى إننا طوال الأشهر التي خلت أصبحنا لا
نرى في سوريا سوى أنها بلد غارق في دم
أبنائه. شوارعها لا تسير فيها سوى
جنازات الضحايا ومدرعات القتلة.
ومدنها موعودة بالخراب والدمار كلما
ارتفع فيها صوت يطالب بالحرية. بل إننا
ما عدنا نسمع سوى أزيز الصواريخ
والقاذفات واستغاثات المحاصرين
المطالبين بوقف المجازر، وهتافات
المصرِّين على إسقاط النظام، والداعين
إلى أي تدخل عربي أو دولي يكبح جماح
غارات التتار الجدد. (2) هذه الجريمة المستمرة منذ أحد عشر شهرا لم
تحرك شيئا في العالم العربي، الذي
اكتفت أغلبيته بمتابعة ما يجرى عبر
شاشات التلفزيون، تماما كما يحدث مع أي
مسلسل تركي! من المفارقات أن العالم العربي والإسلامي
اهتزَّا وانتفضَا حين ظهر كتاب "الآيات
الشيطانية" وحين نشرت إحدى الصحف
الدانماركية رسوما مسيئة للنبي محمد
عليه الصلاة والسلام، لكنهما لم
يكترثَا بالمذبحة المستمرة التي يتعرض
لها الشعب السوري. وإذ أفهم مشروعية الغضب للمقدسات الدينية
فإنني أستغرب ذلك التقاعس عن التعبير
عن الغضب دفاعا عن كرامة المسلمين
وعزتهم. الأمر الذي يكشف في جانب منه عن
مدى الخلل في المفاهيم السائدة التي
تفصل بين عقيدة الإنسان وكرامته،
وتقصر الغيرة والحمية على الأولى دون
الثانية. علما بأن للعقائد ربا يحميها،
أما انتهاك حرمات الناس واستباحة
كراماتهم فهو يمثل عدوانا على حق من
حقوق الله، يستوجب الاستنكار
والاستنفار ويستدعى الاحتشاد والخروج
للضرب على يد الظالم. إذا قال قائل إن الجامعة العربية قدمت
مبادرات وأوفدت مراقبين وذهبت إلى
مجلس الأمن لتستقوي به في مواجهة نظام
دمشق، فلن أختلف معه. لكني أقول فقط إن
الجامعة تمثل الحكومات ولا تمثل
الشعوب، ثم إن المراقبين ذهبوا حقا
وعادوا ولم يفعلوا شيئا غيَّر من
المعادلة، وإنما استثمر النظام مهمتهم
لكسب الوقت بهدف الانتهاء من قمع
المظاهرات. أما اللجوء إلى مجلس الأمن فقد أجهضه
الفيتو الروسي والصيني. ولم يعد أمامنا
من مبادرات حل الإشكال على الصعيد
الدولي سوى مؤتمر أصدقاء سوريا الذي
دعت إليه فرنسا، والمؤتمر الدولي
الموازي الذي دعت إليه تركيا. إلا أن
أهم تطور رسمي حدث على الصعيد العربي
تمثل في سحب بعثة المراقبين، وطرد
سفراء سوريا لدى تونس ودول مجلس
التعاون الخليجي، واعتراف ليبيا
بالمجلس الوطني الذي يمثل الثورة
السورية. (3) في الحالة الليبية كان واضحا أن سقوط
القذافي مسألة وقعت بسبب تدخل حلف
الناتو. وهو ما تكرر في اليمن منذ أن
أطلقت المبادرة الخليجية بتأييد غربي
واضح. إذ لم يكن أمام الرئيس علي عبد
الله صالح إلا أن يغادر في نهاية
المطاف. أما في الحالة السورية فالأمر
أكثر تعقيدا، إزاء استحالة التدخل
الدولي، واستحالة المصالحة بين
المجتمع والنظام بعد كل الدم الذي
أريق، واستعصاء الحسم الداخلي عسكريا،
وهشاشة الضغوط العربية، الأمر الذي
يعني ثلاثة أمور أولها أن النظام
السوري المتماسك بصورة نسبية حتى الآن
لا يزال قادرا على الاستمرار ما لم
تحدث مفاجأة غير متوقعة. الأمر الثاني أنه في ظل الخرائط العربية
الراهنة والأوضاع الدولية القائمة
يبدو أنه كتب على الشعب السوري أن يخوض
معركته وحيدا. الأمر الثالث يترتب على
سابقه، وهو أن المعركة ستطول وأن
معاناة الشعب سوف تستمر وسوف تتزايد
معها فاتورة التضحيات والآلام. مستقويا بعوامل وأوراق الداخل، وبالدعم
الإقليمي والمساندة الخارجية، فإن
النظام السوري وجد نفسه مطمئنا إلى
الاستفراد بالشعب السوري، وغير مستعد
للتراجع خطوة إلى الوراء. وبالتالي فكل
ما يطلقه من شعارات تحدثت عن التغيير
والحوار الوطني والإصلاح السياسي ما
عاد لها معنى، ولم تعد تؤخذ على محمل
الجد، وبات واضحا للجميع أنها من ذرائع
المراوغة وكسب الوقت. يراهن النظام السوري في الداخل على
القبضة الأمنية القوية، وعلى مساندة
قطاع عريض من الطائفة العلوية، التي
يلوح بها كفزاعة لا تخوف فقط من
احتمالات الحرب الأهلية، ولكنها فزاعة
أيضا لإزعاج الجارة تركيا التي يزيد
فيها عدد العلويين على عشرة ملايين
نسمة. وبالمناسبة فإن النظام السوري
يستخدم ورقة الأقليات العرقية
والدينية ليس فقط للتخويف من بدائله،
ولكن أيضا لتحدي الجيران وترهيبهم. ففي مواجهة الضغوط التركية مثلا فإنه لا
يستخدم الورقة العلوية فقط وإنما يلوح
أيضا بتوظيف الورقة الكردية. إذ رغم أن
أكراد سوريا في حدود 200 ألف نسمة أغلبهم
في محافظة القامشلي، فإنهم في شمال
تركيا أكثر من 12 مليونا واشتباكاتهم مع
أنقرة لها تاريخ طويل. يستقوي النظام أيضا بالتأييد الإيراني
الواسع النطاق الذي استصحب تأييدا
عراقيا ودعما من حزب الله في لبنان.
ومعلوم أن ثمة تحالفا إستراتيجيا بين
سوريا وإيران، راهنت فيه طهران على
نظام الأسد وليس على الشعب السوري،
وهذا التحالف يؤمن البلدين بدرجة أو
أخرى في مواجهة التهديد الإسرائيلي،
لكن له دوافعه المذهبية أيضا. إذ من
شأنه أن يعزز موقف الطائفة العلوية
الأقرب إلى الشيعة في سوريا، كما يعزز
موقف حزب الله في لبنان، في حين أن
تغيير النظام في دمشق لا يقلب هذه
المعادلة لصالح السنة في سوريا فحسب،
ولكنه يهدد بتغيير الوضع في العراق، من
حيث إنه يقوي ساعد أهل السنة هناك في
مواجهة الأحزاب الشيعية المهيمنة
والموالية لإيران. الخلاصة أن النظام السوري في مقاومته لأي
تغيير سياسي يستقوي بعدة أوراق في يده.
ويخوِّف من قلب المعادلات الإقليمية،
كأنما يبعث إلى الجميع برسالة تقول إنه
إذا كان سيئا فالذي سيترتب على رحيله
أسوأ. في الساحة الدولية يراهن النظام السوري
على مساندة روسيا والصين. وهو ما تجلى
في الفيتو الذي استخدماه في مجلس الأمن
للحيلولة دون معاقبته. ويدفع البلدين
إلى الموقف الذي اتخذاه أنهما ضد تمدد
النفوذ الأميركي في المنطقة. وقد أعلنا
صراحة أن الدول الغربية "خدعتهما"
حين لم يعارضا فرض الحظر الجوي على
ليبيا. إذ بعد أن فعلا ذلك أطلقت يد حلف
الناتو في العمليات العسكرية، وتم
تجاهل روسيا والصين. وهما لا يريدان
تكرار هذا المشهد مرة ثانية، إضافة إلى
ذلك فلروسيا علاقات خاصة مع دمشق، إذ
لها قاعدة خدمات بحرية في ميناء طرطوس
ثم إن كل السلاح السوري يتم شراؤه من
موسكو، أما الصين فلديها حساسية من
تأييد أي تحول ديمقراطي عبر مجلس الأمن
ولا تريد للمجلس أن يتدخل في الشأن
الداخلي لأي بلد، لأن ذلك يمكن أن يرتد
على بكين ويستدعي ملفات داخلية كثيرة
تسبب إحراجا لها. (4) الغائب عن المشهد حتى الآن هو ضغط الشعوب
العربية، خصوصا في دولة مثل مصر، التي
يفترض فيها الريادة ويتعامل معها
الجميع باعتبارها "الشقيقة الكبرى"،
الأمر الذي يستدعي السؤال التالي:
لماذا لم يحرك شلال الدم المتدفق في
سوريا شيئا يذكر في الشارع العربي عامة
والمصري خاصة؟ هناك عدة عوامل أسهمت في
ذلك الغياب منها ما يلي: إن مصر منذ أن
وقعت معاهدة السلام مع إسرائيل في عام
1979 استقالت عمليا من موقع الريادة،
ودخلت في طور الغيبوبة الكبرى التي لا
تزال مستمرة حتى الآن. وفي غيبوبتها
تلك فإنها لم تنكفئ على ذاتها فحسب،
ولكنها التحقت بما سمى معسكر "الاعتدال"
الذي أصبح من الناحية العملية يدور في
فلك السياسة الأميركية. وحين حدث ذلك
من جانب "الشقيقة الكبرى" فلك أن
تتصور صداه في أرجاء البيت العربي. إن أجواء الربيع
العربي أغرقت عدة أقطار في شأنها
الداخلي لأن سقوط الأنظمة تطلب جهدا
كبيرا لتأسيس الأنظمة الجديدة، الأمر
الذي صرف الانتباه عن أمور أخرى مهمة
حاصلة في الساحة العربية. إن بعض النخب
يحفظون للنظام السوري وقفته إلى جانب
المقاومة الفلسطينية، ويرون في تلك
الوقفة حسنة تغفر له الكثير من سيئاته،
في حين أن لديهم شكوكا في بعض عناصر
معارضة النظام. إن الملف السوري
أشد تعقيدا مما يتصوره كثيرون. إذ لا
خلاف على أن النظام القائم في دمشق
يهيمن عليه حفنة من الأشرار، إلا أن
القوى الخارجية التي تسعى لإسقاطه
يحركها طابور طويل من الأشرار أيضا.
الأمر الذي حيَّر كثيرين ممن صاروا
يفاضلون بين الشيطان الذي يعرفونه
والشيطان الذي لا يعرفونه. إن تدويل القضية
أصبح مثيرا للشك والريبة، بعد تجربة
حلف الناتو في ليبيا، علما بأن الوضع
الذي نحن بصدده الآن أصعب، لأن ليبيا
وراءها الثروة النفطية فقط، أما سوريا
فوراءها خريطة جديدة للمشرق، وربما
للشرق الأوسط، إذا وضعنا في الاعتبار
تأثير سقوط النظام السوري على إيران
وتركيا. ما العمل إذن؟ ردي أننا ينبغي أن نصيح
بأعلى صوت قائلين: لا لاستمرار المذبحة
ولا لتدخل حلف الناتو. وفي هذا الصدد لا
مفر من الاعتراف بأن انهيار النظام
العربي يحول بيننا وبين أن نتوقع حلا
عربيا يضغط لكي يوقف المذبحة ويسلم
السلطة للعناصر الوطنية السورية. ويبدو أنه لم يعد أمامنا سوى أن نراهن على
الشعوب العربية التي صحت أخيرا، وعلا
صوتها الذي حجبته الأنظمة
الاستبدادية، وقد سمعنا مؤخرا صوت تلك
الشعوب في مظاهرات تونس وليبيا
وموريتانيا. وإلى أن نسمع صوت بقية
الشعوب العربية وفي مقدمتها شعب مصر،
فإننا لابد أن نقدم اعتذارا للشعب
السوري عن خذلاننا له وتقاعسنا في
إعلان التضامن معه، وإذا لم يسامحونا
ولم يقبلوا اعتذارنا فهم معذورون. لست
مخولا من أحد في تقديم اعتذار، لكني
أقدمه عن نفسي مستشعرا درجة عالية من
الحزن والخزي. =========================== متى يُحاكَم النظام
السوري لارتكابه جرائم ضد
الإنسانية؟! بدرية عبدالله العوضي القبس 16/2/2012 الممارسات المنهجية للنظام الدكتاتوري
في سوريا في ارتكاب جرائم ضد الانسانية
وجرائم الحرب ضد الشعب السوري منذ مارس
2011 وحتى الآن، تتطلب من دول المجتمع
الدولي ومنظمات حقوق الانسان الدولية،
التصدي الفاعل والفوري لمعاقبة كل
القيادات الامنية والسياسية في هذا
النظام المشاركين بشكل مباشر او غير
مباشر في ارتكاب هذه الجرائم المجرمة
دوليا، استنادا الى المادة 27 من نظام
روما الاساسي للمحكمة الجنائية
الدولية لسنة 1998 التي تقرر ما يلي: 1 - يُطبق هذا النظام الاساسي على جميع
الاشخاص بصورة متساوية من دون اي تمييز
بسبب الصفة الرسمية، وبوجه خاص، فإن
الصفة الرسمية للشخص، سواء كان رئيسا
لدولة او حكومة او عضوا في حكومة او
برلمان او ممثلا منتخبا او موظفا
حكوميا، لا تعفيه بأي حال من الاحوال
من المسؤولية الجنائية بموجب هذا
النظام الاساسي، كما انها لا تشكل في
حد ذاتها، سببا لتخفيف العقوبة. 2 - لا تحول الحصانات او القواعد الاجرائية
الخاصة التي قد ترتبط بالصفة الرسمية
للشخص، سواء كانت في اطار القانون
الوطني او الدولي، دون ممارسة المحكمة
اختصاصها على هذا الشخص. وتبين المادة 28 من نظام روما الاساسي
للمحكمة الجنائية الدولية، مسؤولية
القادة والرؤساء الآخرين، على النحو
التالي: «يكون القائد العسكري او الشخص
القائم فعلا بأعمال القائد العسكري
مسؤولا مسؤولية جنائية عن الجرائم
التي تدخل في اختصاص المحكمة
والمرتكبة من جانب قوات تخضع لامرته
وسيطرته الفعليتين، او تخضع لسلطته
وسيطرته الفعليتين، وفق الحالة، نتيجة
لعدم ممارسة القائد العسكري او الشخص
سيطرته على هذه القوات ممارسة سليمة..». هذا التدخل الانساني والدولي تؤكده
المادة 14 من هذا النظام الاساسي
للمحكمة الجنائية، التي تقرر ما يلي:
يجوز لاي دولة طرف، ان تحيل الى المدعي
العام اي حالة يبدو فيها ان جريمة او
اكثر من الجرائم الداخلة في اختصاص
المحكمة قد ارتكبت، وان تطلب الى
المدعي العام التحقيق في الحالة بغرض
البت، فيما اذا كان يتعين توجيه
الاتهام لشخص معين او اكثر بارتكاب تلك
الجرائم، لتحقيق العدالة الدولية، كما
جاء في ديباجة نظام روما الاساسي،
المصدق عليها من 120 دولة، من بينها 4 دول
عربية (جزر القمر 2006، الاردن 2002،
جيبوتي 2002، وأخيرا تونس عام 2011). بموجب هذه المادة ينبغي على كل من الاردن
وتونس، لكونهما من الدول الاطراف في
نظام روما الاساسي، اتخاذ المبادرة
لدى المحكمة الجنائية الدولية، لردع
النظام الحاكم في سوريا الذي تفوق في
جرائمه على جميع اشكال الجرائم
المحددة في المادة 7 من نظام روما
الاساسي، عند تحديد الجرائم ضد
الانسانية منها ما يلي: أ - القتل
العمد، ب - الابادة، ه - السجن او
الحرمان الشديد على اي نحو آخر من
الحرية البدنية بما يخالف القواعد
الاساسية للقانون الدولي، و - التعذيب،
ز - الاغتصاب، او اي شكل آخر من اشكال
العنف الجنسي على مثل هذه الدرجة من
الخطورة، ح - اضطهاد اي جماعة محددة او
مجموع محدد من السكان لاسباب سياسية او
عرقية او قومية او اثنية او ثقافية او
دينية، او لاسباب اخرى من المسلم
عالميا أن القانون الدولي لا يجيزها،
وتدخل في اختصاص المحكمة، من اهمها، ط -
الاختفاء القسري للاشخاص، من المعروف
ان هذه الجريمة تعد من الاساليب
الاجرامية التي يمارسها النظام السوري
بشكل منتظم ضد سجناء الرأي
والسياسيين، ويقصد «بالاختفاء القسري
للاشخاص»، القاء القبض على اي اشخاص
واحتجازهم او اختطافهم من قبل دولة او
منظمة سياسية، او بإذن او دعم منها
لهذا الفعل او بسكوتها عنه، ثم رفضها
الاقرار بحرمان هؤلاء الاشخاص من
حريتهم او اعطاء معلومات عن مصيرهم او
اماكن وجودهم، بهدف حرمانهم من حماية
القانون لفترة زمنية طويلة. تفوق النظام السوري على جميع الانظمة
الدكتاتورية العربية والاجنبية في
ارتكاب جرائم ضد الانسانية. جاء على
لسان احد اللاجئين السوريين الهارب من
الجحيم مع محطة BBC
العربية بتاريخ 12 فبراير 2012. على
الحدود اللبنانية - السورية، عندما قال:
هربت مع اولادي بعد اختطاف ابني البالغ
من العمر ثلاث سنوات ونصف السنة، مقابل
أن أسلم نفسي للقوات العسكرية
الحكومية، وحيث إنني على علم بطبيعة
هذا النظام الدموي وان ابني لن يرجع
سالماً حتى وان سلمت نفسي لهم، فقد رجع
ابني مقتولا بعد تعذيبه، بقطع أصابع
يديه وأذنه. وأضاف ان ما يحصل في السجون
السورية يفوق بكثير ما حصل في «سجن أبو
غريب العراقي». لا بد من التنويه ان اللجوء إلى الأسلوب
اللاإنساني لمعاقبة أي شخص يعارض
النظام السوري الحاكم، تؤكده تقارير
لجان التحقيق الدولية، وآخرها التقرير
الصادر عن المفوضية العليا للأمم
المتحدة، حول أوضاع حقوق الإنسان في
سوريا، سبتمبر 2011، وتقرير المجلة
المستقلة للتحقيق بشأن سوريا، نوفمبر
2011، والأدهى من ذلك ان الجرائم ضد
الإنسانية ترتكب دائماً باسم حفظ أو
إقرار القانون والنظام في الدولة أو عن
الدفاع عن وحدة الدولة وسلامتها
الإقليمية. ومع ذلك نتساءل مع الآخرين:
متى يحاكم النظام السوري لارتكابه
جرائم ضد الإنسانية، وجرائم الحرب
المحرمة دولياً بموجب اتفاقيات جنيف
للقانون الدولي الإنساني؟! ------------------------ المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |