ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
الإصرار الروسي
والتورّط الصيني في الأزمة السورية مها بدر الدين الرأي العام 19-2-2012 مرة أخرى وليست الأخيرة، تقف روسيا
بإصرار إجرامي وعناد هسيتيري ضد مشيئة
الشعب السوري في السير قدماً نحو
التغيير والارتقاء إلى مصاف الدول
الحرة والديموقراطية، فترفض ثانية
قراراً يدين أخلاقيات النظام السوري
الساقط في بحور من الرذيلة والكفر
والإجرام الذي تعدى حدود الشر
والجبروت المألوفة، معطية الفرصة
لحليفها السوري لاستكمال مشروعه
الاستبدادي القاضي بوأد الثورة السوري
في مهدها وإبادة الثائرين في محاولة
يائسة لإعادة السيطرة على الأراضي
السورية المتمردة على مدنسيها. فقد شهدت الجمعية العامة للأمم المتحدة
سقوطاً روسياً إنسانياً مدوياً أمام
أكثر من ثلثي أعضاء الجمعية العامة من
الدول التي انتصرت لحق الشعب السوري في
تقرير مصيره وتحديد مستقبله ورفضه
للحكم القمعي برئاسة بشار الأسد الذي
تمادى في انتهاكه الصريح لحقوق
الإنسان الأساسية التي أقرتها
الديانات السماوية ونصت عليها جميع
المواثيق والأعراف الدولية المختصة
بهذا الشأن، مبدياً في هذا تحدياً
وقحاً للمجتمع الدولي وقوانينه التي
نظمت علاقة السلطة بالشعب ضمن حدود
سياسية وإنسانية تجاوزتها الآلة
العسكرية الأسدية بسرعة قصوى كسرت
خلالها جميع الإشارات الحمراء التي
تنظم هذه العلاقة التي تحولت على
الأراضي السورية إلى علاقة دموية بين
النظام المتسلط والشعب المتسلط عليه. ويبدو أن روسيا قد حاولت خلال الأيام
السابقة لانعقاد الجمعية العامة أن
تعرض موقفها المتغطرس للبيع في
الأسواق العربية بعد أن استجلت إصرار
الجامعة العربية على تقديم مبادرتها
كحل وحيد وسلمي للأزمة السورية،
واستشعرت توجه الدول العظمى المؤكد
نحو إيجاد حل ناجع ينهي معاناة الشعب
السوري، فعملت على فتح قنوات اتصال مع
دول مجلس التعاون الخليجي باعتبارها
الأكثر تحمساً لإنهاء الأزمة السورية
لصالح الشعب السوري من جهة والدول
الأكثر غنىً اقتصادياً ووفراً مالياً
من جهة أخرى، لعلها تثمن الموقف الروسي
وتعطيه حق قدره المادي فتشتريه
لتستميل روسيا من معسكر الأسد الخائر
إلى معسكر الشعب الثائر. ورغم بعض التصريحات الاقتصادية الخليجية
هنا وهناك عن تحسن العلاقات
الاقتصادية مع الجانب الروسي والصيني
بما يوحي باستعداد الخليج لشراء موقفي
الدولتين صاحبتي الفيتو اللعين، إلا
أنه يبدو أن رفضهما للقرار الأخير في
الجمعية العامة يدل على عدم تناسب
العرض الخليجي مع الطلب الروسي، ويبدو
أن روسيا تراهن في تفاوضاتها
الاقتصادية الإعجازية مع الطرف
الخليجي على التصعيد العسكري والدموي
في الشارع السوري الذي يدفع وحده تكلفة
عدم التفاهم المادي بين روسيا والخليج
على ثمن الموقف الروسي الذي يصر على
تسويق نفسه على أنه ماسك الخيط الرئيس
في الأزمة السورية. هذه الإصرار الروسي ذو الأساس الاقتصادي
ورط معه التنين الصيني الشهي لغزو
الأسواق العربية وخاصة الخليجية منها،
فالصين دولة صناعية بالدرجة الأولى
ولا يربطها مع النظام السوري تلك
المصالح السياسية القوية التي يمكن أن
تدفعها إلى استخدام حق النقض في مجلس
الأمن إلا أذا قدمت لها وجبة سورية
دسمة بنكهة روسية تفتح شهيتها
الاقتصادية لتحقيق حلمها بالسيطرة على
الأسواق العالمية وإغراقها ببضائعها
المختلفة، لكنها لم تنتبه إلى أن
حساباتها الاقتصادية لم تتطابق مع
تصاعد الأحداث على الساحة السورية
فوجدت نفسها تقف في المحافل الدولية مع
معسكر الدول المؤزمة التي تغامر
بمكانتها الدولية وعلاقاتها السياسية
والاقتصادية مع المجتمع الدولي في
سبيل صفقة سياسية خاسرة يتجه حسم
نتيجتها نحو إرادة الشعب السوري
المتمسك بحقه في تقرير مصيره وحصوله
على الحرية والتحرر من أغلال النظام
السوري الفاسد. ولم يفطن التنين الصيني إلى أن تورطه
بدماء السوريين المسالمين سيفقده
الكثير من قوته الاقتصادية في الأسواق
العربية خاصة الخليجية منها تسعى كل
الدول الصناعية لغزوها لما تسجله من
درجات كبيرة في مقاييس الاستهلاك
العالمي في المجالات كافة، فالأسواق
الخليجية تملك قوة شرائية عالية
تمكنها من استبدال الصناعات الصينية
في أسواقها بصناعات أخرى بمنتهى
السهولة والسلاسة، بل أنها يمكن أن
تؤثر على الاقتصاد الصيني نفسه لو لعبت
على أحبال النفط والطاقة التي تستورد
الصين أكثر من 55 في المئة من
احتياجاتها النفطية من منطقة الخليج
العربي. لقد حقق قرار الجمعية العامة للأمم
المتحدة رغم العناد الروسي والغباء
الصيني دفعاً معنوياً للشعب السوري
لاستكمال مسيرته في العمل على التخلص
من حكم الأسد وعصابته وإسقاط النظام
الحالي لإقامة دولة ديموقراطية حديثة
يستحقها الشعب السوري بعد سنوات طويلة
عجاف كان آخرها إحراق الأرض السورية
بأخضرها ويابسها، كما أعطى هذا القرار
الفرصة للمجتمع الدولي مرة أخرى
للعودة إلى مجلس الأمن في محاولة
لإيجاد حل يكفل إنقاذ الشعب السوري من
براثن الأسد القاتل بعد أن استشرى
إجرامه على الأرض السورية وحان الوقت
لاستئصاله من جذوره، ورغم عدم إلزامية
هذا القرار إلا أنه يعتبر مسماراً
جديداً يدق في نعش النظام الذي كثرت
فيه المسامير وبانتظار المسمار الحاسم
لإيداعه في مثواه الأخير بعد أن فقد
منذ زمن شرعيته السياسية وانتهت
صلاحيته الأخلاقية. فهل يعيد الدب الروسي والتنين الصيني
النظر في موقفهما من القضية السورية
والنية تتجه للعودة إلى مجلس الأمن،
فتمتنعان عن استخدام حق النقض بعد أن
اتضح اتفاق المجتمع الدولي على نبذ
استبداد النظام السوري؟ أم أن تعنتهما
سيدفع المجتمع الدولي للانقسام حول
نفسه والوقوف موقف العاجز أمام هذا
الإصرار غير المنطقي وترك الحل السوري
بأيد السوريين مهما كانت النتائج؟. ================= “الأهل” و“الجزار” و“المافيا”
في الثورة السورية د. وائل مرزا الأحد 19/02/2012 المدينة بعد أيام من بداية الحصار على عاصمة
الثورة السورية مدينة حمص، رفع الثوار
في درعا لافتةً كتبوا عليها: «أهالي
حوران يناشدون الجزار وزعماء المافيا
الروسية والصينية البدء بقصفهم فوراً
وأن يوقفوا القصف على أهلنا في حمص»! تختصر هذه اللافتة الروح التي تكمن وراء
استمرار الثورة في سورية. تُجسد درجةً
من التلاحم الاجتماعي والشعور بوحدة
المصير لم يسبق لها أن وُجدت في هذا
البلد، على الأقل على مدى العقود
الماضية. ومن خلال العبارة المكتوبة على اللوحة،
يُعرّف السوريون أنفسهم ويُعرّفون
عدوهم. فهم (أهلٌ) أينما كانت مناطق معيشتهم في
سورية. وهذه هي الصفة الوحيدة التي
تكفي لوصفهم والحديث عنهم. لاحاجة
لصفةٍ أخرى لبيان الهوية. لاداعي لذكر
مذهب أو طائفةٍ أو انتماء آخر أياً كان.
والسوريون بهذا يعيدون أيضاً تحرير
معنى الانتماء لأن له دلالات حساسة على
الصعيدين الفكري والعملي، ولأن له
أثراً بالغاً في تشكيل حاضر سورية
ومستقبلها على جميع المستويات. فعناصر
وطبيعة الانتماء هي التي تشكل أرضية أي
فعلٍ حضاري يمارسه الإنسان في الواقع،
وهي التي تكون دائماً بمثابة المحرّك
والموجّه للممارسات التي يقوم أو
لايقوم بها ذلك الإنسان. تصهر الثورة، بأهدافها وتضحياتها،
السوريين في بوتقةٍ واحدة من الانتماء
إلى بلدهم الذي يحلمون بولادته
الجديدة، فتأتي ممارساتهم دائماً في
اتجاهٍ تُحددّه تلك البوصلة. وحين
تتقدم حمص الصفوف لتحمل الراية وتقدم
في سبيل ذلك كل ماتقدمه هذه الأيام،
يُصبح طبيعياً أن تنبري حوران، ومعها
مناطق أخرى عديدة، لترفع عن حمص شيئاً
مما تعانيه، ولو جاء هذا بشكلٍ يتجاوز
القدرة على قياسه بالمنطق الإنساني
العادي. إذ لايوجد في القاموس المعاصر
لهذا المنطق شيءٌ يشبه مايُطالب به أهل
حوران حين يقولون: إذا كان الثمن
الوحيد لإيقاف القصف على أهلنا في حمص (أي
على جزءٍ من جسدنا الواحد) يتمثل في قصف
منطقتنا (أي جزءاً آخر من هذا الجسد)
فنحن لسنا مستعدين لدفع الثمن فقط، بل
ونُطالب به في أسرع وقت!.. وفي معرض التعريف بالعدوّ لاتأتي صفاتٌ
مثل (الجزّار) و (المافيا) في اللافتة
المذكورة أعلاه على أنها نوعٌ من
الشتيمة أو التشفّي، وإنما تمثل
تحديداً لهوية الطرف المقابل ل (الأهل)
ولطبيعة علاقته معهم. وهو تعريفٌ ينبثق
من الممارسات العملية، بغضّ النظر عن
كل الدعاوى الكاذبة ومايرافقها من
عمليات تزييفٍ وخداعٍ ومداورة.
والواضح أن التعريف المبنيّ على
الممارسات أصدقُ بكثير من أي تعريفٍ
آخر. من هنا، يفقد النظام السوري كل أهلية
لاستحقاق أي صفةٍ أخرى فيما عدا صفة (الجزّار).
وممارساته التي تتمحور حول (ذبح) الشعب
السوري بكل الوسائل الممكنة لاتترك
مجالاً لبقاء أي صفاتٍ أخرى تحمل مسحةً
من الإنسانية في أقل معانيها، فضلاً عن
إمكانية وصفه بأي صفاتٍ تتعلق
بالسياسة ومقتضياتها. لم يعد ثمة مجالٌ
لهويةٍ سياسية أو حتى إنسانية يمكن أن
ينظر الشعب إلى النظام من خلالها.
لايتوقف الأمر عند الحديث عن شرعية
سياسية لم يعد لها أي رصيد، وإنما أصبح
متعلقاً بسؤالٍ محيّر حول فقدان كل
قيمةٍ إنسانية وأخلاقية تتعلق بالبشر. وعلى الطريقة نفسها، يأتي تعريف الروس
والصينيين بإضافة صفة (المافيا) إليهم
تعبيراً صادقاً عن تقويم السوريين
للخلفية التي تحكم الرؤية السياسية
للدولتين إلى الثورة السورية وقضيتها
العادلة. إذ لم يعد ممكناً تفسير
المواقف الصادرة عنهما إلا في إطار
العقلية (المافيوية) السياسية التي
لاتتجاوز فقط كل الأخلاقيات، وإنما
أيضاً كل شرعٍ وقانون. نفهم ويفهم
السوريون أن تكون المصالح عنصراً
رئيساً في العملية السياسية، وخاصةً
في مجال العلاقات الدولية، فهذا عُرفٌ
وتقليد مألوف. لكن الإصرار المستمر على
الشراكة في جريمة قتل الشعب السوري،
وعلى حماية رأس النظام بأي ثمن، وتعطيل
كل قرار يهدف لتأمين عمليةٍ انتقالية
للسلطة تحفظ الحدّ الأدنى من
الاستقرار للمنطقة، لايترك مجالاً
لتفسيرٍ آخر. لكل هذا، تختصر اللافتة، التي رفعها أهل
حوران منذ أيام، كثيراً من شجون الثورة
السورية وشؤونها. تختصرها بعبقريةٍ
باتت من ملامح هذه الثورة. فهي تُحدد
تعريف أطراف المعادلة من ناحية،
وتُحدد طبيعة العلاقة بينهم من ناحيةٍ
أخرى. لكن الأهم في الموضوع أنها تُعبّر عن
الروح الحقيقية الكامنة وراء استمرار
الثورة. وهذا أمرٌ ربما يتعامل معه
النظام السوري ومَن وراءه بعقلية
الإنكار، لكن الواضح أن العالم بأسره
بات يوقن به بشكلٍ متزايد، ولو متأخراً..
يظهر هذا من قرارات الجامعة العربية
الأخيرة، مروراً بالزخم المتزايد
لمؤتمر (أصدقاء سورية) القادم في تونس،
وانتهاءً بتصويت أكثر من ثلثي أعضاء
الجمعية العامة للأمم المتحدة لصالح
مشروع قرار يحمل كل أنواع الإدانة
للنظام السوري والدعم لحقّ الشعب
السوري في تقرير مصيره. لاتملك الثورة السورية ورقةً ليسمع
العالم صوتها إلا ورقة الإصرار
والعزيمة والثبات. وهي إذ تُدرك هذه
الحقيقة فإنها لاتعتمد، بعد الله، إلا
عليها في نهاية المطاف. ================= "الربيع العربي"
وروسيا وجمهوريات آسيا الوسطى عفيف رزق المستقبل 19-2-2012 في قراءة هادئة لإنعكاسات الاحداث، التي
حصلت على الساحة العربية منذ أكثر من
سنة، على الساحة الروسية ومن ثم على
الساحات المرتبطة بها والتي تتأثر
بها، لوجدنا ان الرؤية الروسية، في
بداية هذه الأحداث، كانت تتصف بموقف
محافظ وتميل الى دعم وتأييد القيادات
التاريخية الحاكمة في البلدان
العربية، هذا من جهة، ومن جهة أخرى نجد
أيضا" ان هذه الرؤية خلت من أي
محاولة جادة او دراسة معمقة لفهم حقيقة
ما جرى و يجري من تطورات على أرض الواقع.
لقد ذكر بعض المهتمين بأن الدوافع
الكامنة وراء تكوين هذه الرؤية عديدة
منها مثلاً: اعتبار الدبلوماسية
الروسية ان هذه الاحداث، محض، داخلية،
لذا على موسكو تجنب التدخل وبالتالي
عليها ان تعارض بشدة أي تدخل خارجي من
أي طرف كان؛ وثانياً تخوف الإدارة
الروسية من إستغلال الإسلاميين لهذه
الاحداث للسيطرة على الحكم في البلدان
التي عانت وتعاني من هذه التطورات،
والتخوف الأكبر إنتقال عدوى هذه
الاحداث الى الفضاء السوفياتي السابق
والخاضع للهيمنة الروسية مباشرة
كالقوقاز الشمالي، او غير مباشرة
كالجمهوريات السوفياتية السابقة في
أواسط آسيا الصغرى. لقد تطورت هذه الرؤية ودخل عليها تغيير
جذري تبعاً للمصالح الروسية في بلدان
منطقة الشرق الاوسط، وفي غيرها من
البلدان؛ فبعض المحللين الروس وجد أن
هذه الثورات والانتفاضات هي السبيل
الوحيد كي يصل الاسلاميون الى رأس
السلطة، وبعضهم الآخر أقر بأن هذه
الثورات شعبية اجتماعية، وان القوة
المحركة لها هي الشباب وان مطالبها
شرعية، محقة وضرورية بدءاً من تغيير
النظام وتجديد السلطة كي تقوم على أسس
ديموقراطية، تأخذ بمبادئ إحترام حقوق
الانسان وحرية المعتقد والرأي...
ومحاربة الفساد المعشش في ثنايا
المجتمع.. انتقلت هذه القراءة المتأنية
والحذرة الى جمهوريات آسيا الوسطى
الست: آذربيجان، قيرغيزيا، أوزبكستان،
كازاخستان، تركمانستان وطاجيكستان،
فتبين ان العوامل والظواهر التي تسببت
بهذه الثورات والانتفاضات كانت، الى
حد بعيد، متشابهة مع تلك التي تعاني
منها الجمهوريات الآسيوية. من هذه
العوامل والظواهر، أولاً: عمر السلطة
الحاكمة. في العديد من الجمهوريات
الآسيوية التي احتفلت بإستقلالها مطلع
تسعينيات القرن الماضي، على أثر
إنهيار الاتحاد السوفياتي السابق، لم
تعرف تداولاً للسلطة، أي لم تنتقل
السلطة من فرد الى آخر بعد انتخابات
مثلا"، واذا صودف انتقال للسلطة فان
ذلك يتم اما عبر انقلاب عسكري وإما
وفاة الحاكم، وهذا ما اتصفت به انظمة
الحكم العربية التي عرفت انتفاضات،
حيث تجاوز عمر بعض الحكام، في السلطة،
الذين تمت اطاحتهم الاربعة عقود. الى
جانب ذلك اشتهرت انظمة الحكم في هذه
البلدان، مجتمعة، بظاهرة اخفاء
المعلومات عن المواطنين وخصوصاً اخفاء
الاستياء الشعبي من اسلوب الحكم،
فلجأوا الى التقليل من تأثر ساحات
بلدانهم بما يجري في البلدان الاخرى
عبر اتخاذ الاجراءات واصدار القوانين
الهادفة لمنع حرية الكلمة ومنع التجمع
وتقييد حرية المعتقد ومراقبة وسائل
الاعلام عن كثب، وعلى وجه الخصوص مواقع
التواصل الاجتماعي، المنظم الرئيسي
للإحتجاجات والاعتراضات. وتشاركت،
أيضاً، أنظمة الحكم بمفهوم آخر لتولي
السلطة، هو مفهوم التوريث الذي لعب
دورا" حاسما" في انتصار الثورات
في بعض الدول العربية. واذا كان حكام
الجمهوريات الآسيوية قد تجنبوا، الى
حد ما، تطبيق هذا المفهوم، فانهم لجأوا
الى وسيلة اخرى تؤدي الى النتيجة نفسها
وهي ادخال الأبناء والاقارب في
الادارة ليتولوا المراكز، الامنية في
الغالب والمدنية، المهمة والتي تعتبر
حاسمة في عملية الإمساك بالسلطة. ثانيا": تتشارك البلدان العربية
والجمهوريات الآسيوية في ظاهرة ملفتة
هي ظاهرة تفشي الفساد عند افراد الطبقة
الحاكمة، وتقارب النسب المئوية بين
هذه البلدان في مستوى الفساد. ففي
دراسة نشرت نتائجها أواخر العام
الماضي "منظمة الشفافية الدولية "،
وهي منظمة غير حكومية، وتشتهر بدقة
معلوماتها وبموضوعيتها، وترصد الفساد
على مستوى العالم؛ أظهرت الجداول
التقارب في النسبة: لقد احتلت مصر
مرتبة ال129 - من بين 183 بلداً شملتها
الدراسة - في حين ان كازاخستان احتلت
المرتبة ال120؛ وكانت مرتبة كل من ليبيا
واليمن على الشكل التالي 168 و 164،
مقارنة بطاجيكستان وقيرغيزيا:152 و164.
علامة اخرى اظهرتها الجداول هي ازدياد
الوعي بالفساد وآثاره المدمرة لدى
مختلف الفئات الشعبية، كما اظهرت تحسن
وعي المواطن في الدول العربية، التي
شهدت انتفاضات، بسيئات الفساد. ومن
المحتمل ان يكون لهذه الظاهرة الدور
المهم في تحرك الافراد في مجتمعات
البلدان الآسيوية نحو الاصلاح. ثالثا": إن أهم ما يلفت في تحرك هذه
المجتمعات العربية والآسيوية هو دور
العامل الديني في هذا التحرك. ما لا شك
ان المنظمات الدينية استطاعت ان تكون
العمود الفقري للتحرك في البلدان
العربية وذلك لاسباب عديدة اهمها
العامل التنظيمي الذي تمتاز به،
مقارنة بالفوضى التي سادت افراد
المجتمع المدني غير المنظم... لقد وعت
انظمة البلدان الآسيوية اهمية هذا
العامل لذا لجأت الى عمليات التضييق
والتدخل في شؤون المنظمات الدينية. ففي
دراسة نشرت اواخر العام الماضي وشملت
البلدان الآسيوية الست، جاء فيها ان
الحكومة الحالية في طاجيكستان تشعر
بقلق واضح من المكون الديني، فهي تخطط
لبناء مسجد ضخم يتسع لعشرة الآف مصل في
العاصمة، وهذا العمل، برأي الخبراء
يُسهل للسلطات مراقبة النشاط الديني،
ويأتي في اطار الاجراءات للسيطرة على
الحياة الدينية، وفي الاطار نفسه قامت
السلطات في قيرغيزستان، مؤخراً،
بإغلاق اكثر من 170 مسجداً غير مسجل وغير
مرخص. وهذا ما يحدث في اوزبكستان حيث
الرئيس اسلام قاسيموف الذي يُعتبر من
اشد الزعماء ممارسة للقمع في المنطقة،
وقد اشارت وزيرة خارجية الولايات
المتحدة في آخر زيارة لها الى المنطقة
بانه يتعين على الرئيس الاوزبكي النظر
الى العواقب التي تنتج عن عمليات
القمع، والدور الذي تلعبه في ازدياد
التعاطف مع الحركات الاصولية. وفي
كازاخستان بدأ يظهر، كما تقول
الدراسة، النشاط الرسمي، المدعوم من
الرئيس سلطان نازارباييف، لتعزيز
سيطرة الدولة على الدين وذلك عندما
اصدر " قانون الاديان " الذي يحظر
اقامة غرف للصلاة في المباني الحكومية
ويفرض اعادة تسجيل الجمعيات الدينية
لتسهيل مراقبتها... وهكذا فان خيبة
الامل المترافقة مع الافتقار الى أبسط
قواعد الحريات العامة والى احزاب
سياسية معارضة ومؤثرة، تشكل بيئة
مثالية لنمو التيارات الاسلامية التي
تعمل جاهدة لتولي السلطة عند أول فرصة
ممكنة... ================= الأحد, 19 فبراير 2012 عبدالله إسكندر الحياة الحوار غير قائم بين الحكم السوري
والمعارضة. العلاقات السورية-العربية
شبه مقطوعة. غالبية دول العالم تندد
بممارسات الحكم السوري وتطالب
بإجراءات لوقفها. ومع العقوبات
الخارجية التي تطاول شخصيات أساسية في
النظام ومؤسسات يشتبه بأنها وراء
تمويله، تتزايد المطالبات الدولية
بتحويل الملف السوري الى محكمة
الجنايات الدولية بشبهة ارتكاب جرائم
ضد الانسانية، وذلك رداً على الامتناع
عن تلبية المطالب الشعبية. في حين ان
العمليات الحربية ضد المدن السورية
ومعاقل الاحتجاج تحصد كل يوم أعداداً
من الضحايا تفوق اليوم السابق. أي أن الحكم السوري يعيش عزلة داخلية
وعزلة إقليمية ودولية، بفعل رفضه
التعامل مع الحركة الاحتجاجية
ومطالبها، وفي الوقت نفسه يصعّد حملات
القمع الدموي ضد مواطنيه. في هذا الوقت
بالذات يطلق هذا الحكم الدعوة الى
استفتاء على دستور جديد، واضعاً
الخطوة في إطار البرنامج الإصلاحي. لكن احداً، لا في الداخل ولا في الخارج،
باستثناء «الحلفاء الإستراتيجيين»،
اعتبر ان هذا الاستفتاء هو فعلاً في
اطار خطة إصلاحية. ولا يتعلق هذا الامر
بمضمون الدستور، الذي أعلن أن استفتاء
شعبياً سيجري بعد ايام للمصادقة عليه،
إذ إن المسألة تتجاوز الجانب القانوني
الدستوري إلى الوظيفة السياسية التي
سعى اليها الحكم السوري. لقد شابت هذا الإعلان ثغرات كثيرة جعلته
غير ذي معنى إصلاحي. رغم نصه على تعديل
المادة الثامنة وتحديد ولاية الرئيس،
وهما من المطالب التي كانت رفعت في
بداية الحركة الاحتجاجية. فالأصل في الأصلاح ان يتناول أسس الحكم
وكيفيته، وذلك من خلال أوسع حوار
ومشاركة ممكنة للذين يعترضون على
الوضع، ولا أن يكون مجرد بحث لتقنيين
تحت رعاية الحكم وإشرافه. إن الإصلاح
في جوهره سياسي، ولا يمكن ان يكون إلا
سياسياً. وهذا ما يفرض الحوار السياسي
مع المعارضة بكل أطيافها، خصوصاً تلك
التي تمثل الشرائح الواسعة من
المواطنين... ومن أجل إمكان إجراء مثل هذا الحوار، لا
بد من استقرار أمني وإطلاق فعلي
للحريات ليتمكن كل صاحب رأي من إبداء
رأيه والدعاية له من دون خوف. وواضح أن
هذا المناخ ليس قائماً في سورية اليوم.
وإنما ما نلاحظه هو العكس تماماً، من
حملات عسكرية واعتقالات وقتل مستمر.
فكان يُفترض قبل البدء في هذه العملية،
تهدئة الوضع الامني والسياسي، عبر سحب
القوات العسكرية من الشوارع ووقف
القتل واطلاق جميع معتقلي الرأي ووقف
ملاحقة جميع المعارضين السياسيين، لا
بل توفير حمايتهم القانونية. وواضح ان
ما نلاحظه لا يستجيب هذه الظروف التي
يجب ان تكون بديهية من اجل الاصلاح. واكثر من ذلك، يصح التساؤل عن كيفية إجراء
هذا الاستفتاء في ظل عمليات عسكرية
ومواجهات مسلحة تشهدها غالبية المدن
السورية، في شكل او آخر. هكذا، ليس هناك
مناخ سياسي أو أمني يتيح فعلاً أن يكون
الاستفتاء شفافاً ونزيهاً، ما يفقده
أي قيمة إصلاحية. اما لماذا استعجل الحكم بإطلاق الدعوة
الى الاستفتاء، فذلك لا يمكن فصله عن
حاجته الماسة لتوفير أوراق في أيدي
حلفائه، خصوصاً بعد الفيتو في مجلس
الامن، إذ إن الحكم لم يترك وسيلة إلا
واستخدمها للإعلان أنه وعد وزير
الخاريجة الروسي لافروف بالإسراع في
إعلان إصلاح، ما يتيح لموسكو
الاستمرار في الدفاع عنه في مواجهة
خصومه. واليوم بعد سقوط آلاف الضحايا من
السوريين واختفاء آلاف آخرين، ومع
استمرار الحملات العسكرية، يفقد الحكم
شرعية القيام بأي إصلاح، فهو متهم
بالقتل وعليه أن يجيب عن ذلك. ولا يعفي
المسؤولين فيه من المحاسبة مجرد إعلان
استفتاء على دستور. فالمسألة الآن هي
المحاسبة للذين تورطوا بدم السوريين
وليس توقع إصلاح منهم. لقد جاء هذا الإعلان في ظل استمرار الظروف
السياسية التي أدت إلى اندلاع الحركة
الاحتجاجية واتساعها. ولا تظهر أي
إشارة الى تغيير النهج الرسمي والتخلي
عن الحل الأمني. ولذلك يمكن الاعتقاد
ان الاصلاح المقترح هو استمرار لهذا
الحل وواجهة جديدة له. ================= الشعب يطالب بإسقاط
النظام وليس تغيير الدستور الأحد, 19 فبراير 2012 خالد الدخيل * الحياة لم يكن قليلاً أن تتولى مصر باسم المجموعة
العربية، تقديمَ قرار الجامعة العربية
للجمعية العامة للمنظمة الدولية من
أجل التصويت عليه الخميس الماضي. كانت
مصر قد دخلت مع سورية عام 1958 في أول
وحدة بين نظامين سياسيين عربيين في
العصر الحديث، وكلا البلدين كانا
يتشاطران الطرح القومي العربي في
ستينات القرن الماضي وسبعيناته. في
سورية كانت هناك الصيغة البعثية، وفي
مصر كانت الصيغة الناصرية، وأكثر ما
يميز إحداهما عن الأخرى آنذاك هو ترتيب
مفردات الشعار «وحدة حرية اشتراكية».
وقوف مندوب مصر على منصة الجمعية
العامة ليقدم القرار العربي للمجتمع
الدولي، يشير إلى حجم المياه التي مرت
من تحت جسر العروبة، كما كانت عليه في
تلك المرحلة. العالم العربي يغادر ذلك
الزمن، ليس خروجاً على العروبة، كما
يقول المستفيدون من النظام السوري،
وإنما لتحرير هذه العروبة من ربقة
الاستبداد. النظام السوري نفسه بكل ممانعته، أرغمته
الثورة التي يصفها بأنها مؤامرة، على
الخروج -ولو شكلياً- من ذلك الزمن.
الفرق بين ديباجة دستور سورية الحالي
وبين «مشروع الدستور الجديد» يكشف ذلك.
تبدأ ديباجة الدستور الحالي هكذا: «لقد
كان حزب البعث العربي الاشتراكي أول
حركة في الوطن العربي أعطت الوحدة
العربية محتواها الثوري الصحيح، وربطت
بين النضال القومي والنضال الاشتراكي.»
وانسجاماً مع ذلك، تنص المادة الأولى
من الدستور نفسه على أن «الجمهورية
العربية السورية دولة ديموقراطية
شعبية واشتراكية... وهي عضو في اتحاد
الجمهوريات العربية». في ديباجة مشروع
الدستور الجديد غابت صفتا «الديموقراطية
الشعبية والاشتراكية»، واختفت
العضوية في اتحاد الجمهوريات عن اسم
الدولة، وبقي التركيز الواضح على
الصفة العربية والانتماء العربي
للدولة وللشعب. وتمشياً مع ذلك، نصت
المادة الأولى على أن «الجمهورية
العربية السورية دولة ديموقراطية (كذا)
ذات سيادة، غير قابلة للتجزئة.... وهي
جزء من الوطن العربي». نص المادة
الثامنة الشهيرة في الدستور الحالي،
الذي يضع حزب البعث في موقع قيادة
المجتمع والدولة معاً، حلّ محله نص
يقول بأن النظام السياسي للدولة «يقوم
على مبدأ التعددية السياسية، وتتم
ممارسة السلطة ديموقراطياً عبر
الاقتراع». هل يعكس الدستور الجديد إذن استجابة
لمطالب الثورة؟ ديباجة الدستور الجديد
تجيب على ذلك بالنفي القاطع، حيث تقول
بأنه «منذ مطلع القرن الحادي والعشرين
واجهت سورية، شعباً ومؤسسات، تحديَ
التطوير والتحديث في ظروف إقليمية
ودولية صعبة استهدفت السيادة الوطنية،
مما شكل الدافع لإنجاز هذا الدستور
كأساس لتعزيز دولة القانون». لاحِظْ
جملتَيْ «منذ مطلع القرن الحادي
والعشرين» و «مما شكل الدافع لإنجاز
هذا الدستور»، فالأولى تشير إلى عام 2000،
الذي ورث فيه الرئيس بشار الأسد الحكم
عن والده، وتشير الثانية إلى أن
الدستور الجديد ما هو إلا استجابة
لتحدي ظروف إقليمية ودولية استهدفت
السيادة الوطنية. بعبارة أخرى،
الدستور الجديد ليس استجابة لتطلعات
الشعب وطموحاته، بقدر ما أنه محاولة
لتفادي الضغوط الإقليمية والدولية. حتى ما قبل نشر الدستور الجديد، كان
الرئيس بشار لا يتوقف عن القول بأن
تأخر الإصلاح في عهده يعود بشكل رئيس
إلى الغزو الأميركي للعراق، والحربين
الإسرائيليتين على لبنان وغزة، أي إلى
الضغوط الإقليمية والدولية، ثم فجأة
صارت هذه الضغوط هي الدافع الأهم وراء
كتابة الدستور الجديد. بغض النظر عن ذلك، هل يمثل الدستور الجديد
خطوة إصلاحية حقا؟ وهل هي خطوة متأخرة؟
ليس هناك إجابة على هذا السؤال أفضل
مما قاله بشار الأسد نفسه في حديثه
المطول لصحيفة «وول ستريت جورنال»
الأميركية، والذي نُشر في 31 كانون
الثاني (يناير) 2011. آنذاك، كان الرئيس
التونسي زين العابدين بن علي قد هرب،
على خلفية الثورة الشعبية، وكان
الرئيس المصري حسني مبارك يصارع ثورة
مماثلة، ولم يكن قد تنحَّى بعد. سُئل
الرئيس السوري عن رأيه في ما يحدث
لتونس ومصر، وكانت إجابته بالنص: «إذا
لم تر حاجة للإصلاح قبل ما حصل في مصر
وتونس، فإن الوقت صار متأخراً جداً
لعمل أي إصلاح». وهذا كلام صحيح ودقيق
جداً، لكن الرئيس الأسد لم يكن يتحدث
للشعب السوري، ولا للأمة العربية التي
يعتبر نظامه ينتمي إليها، بل كان يتحدث
للدول الغربية، وللرأي العام الغربي،
لأنه إذا كان هذا الكلام صحيحاً في
حالة ثورتين لم تتعرضا لحل أمني شرس
وبشع، مثلما يحصل في سورية، ولم يستمر
الرئيس في أي منهما أكثر من شهر قبل
التنحي أمام زخم الثورة، فإنه الكلام
الأصح والأدق في حالة الدستور السوري
الجديد، الذي يأتي وسط أبشع حملة أمنية
يتعرض لها شعب على يد حكومته. وإذا كان
الرئيس السوري صادقاً في حديثه
للصحيفة الأميركية، فلماذا لم يلتزم
بكلامه الصحيح والدقيق جداً عندما
واجه نظامه الثورة؟ لكن الرئيس لا
يعترف بهذه الثورة، ويعتبرها مؤامرة.
وتمشياً مع كلام الرئيس، لا يعترف
الدستور الجديد بالثورة، ويعتبرها
مؤامرة أيضاً. لمن هذا الدستور إذن؟ هو
للرئيس، ولنظامه السياسي، كما كان
عليه حال الدستور عام 1971، والتعديلات
التي أدخلت عليه، وآخرها تعديل سن رئيس
الجمهورية حتى يتناسب مع سن الرئيس
بشار بعد وفاة والده حافظ الأسد. لم
يُكتب الدستور الجديد للشعب السوري،
مثله في ذلك مثل القديم. لا يضيف الدستور الجديد كثيراً الى ما
كانت عليه نصوص الدستور الحالي (القديم).
المحك الحقيقي في التطبيق وليس في
النصوص. الدستور القديم ينص مثلاً، كما
الجديد، على كثير من الحريات والحقوق:
حرية الرأي، والديموقراطية، وحق
الانتخاب، والمساواة بين المواطنين،
وحرمة المنازل... إلخ. لكن لم يتم
الالتزام بأي من تلك النصوص من قبل
النظام السياسي الحاكم. ما يؤكد أن
الدساتير العربية ليست أكثر من حبر على
ورق، ولا يتذكرها المسؤولون العرب إلا
حين يتحدثون للصحافة الأجنبية، وربما
في المحادثات مع مسؤولي الدول الغربية.
وإذا كان النظام السوري جمهورياً،
ويأخذ بمبدأ الديموقراطية منذ 1971، حسب
الدستور القديم، والقانون هو أساس
الحكم، والمواطنون متساوون أمام هذا
القانون، فلماذا بقي الحكم في أسرة
واحدة لأكثر من أربعين سنة؟ وإذا كان
الدستور القديم يكفل حرية التعبير،
فلماذا كانت الحال ولا تزال، أنه إذا
ما تجرأ أحد المواطنين على ممارسة هذه
الحرية يقوده ذلك إلى غياهب السجون
والتعذيب؟ وإذا كان الدستور الجديد لا
يختلف كثيرا عن الدستور القديم، فمن
الذي يضمن ألاّ يتعامل النظام السياسي
مع الدستور الجديد مثلما تعامل مع
الدستور القديم؟ لكن أسوأ ما في الدستور الجديد أنه صدر
على يد النظام نفسه، وبالآلية نفسها،
وفي غياب كل الضمانات، تماماً كما كان
عليه حال الدستور القديم. كيف يكون
الدستور جديداً ومحل اطمئنان وثقة،
وقد صدر على يد النظام السياسي القديم
نفسه، وفي ظل حملة أمنية بشعة ضد شعب
يفترض أن الدستور آلية حمايته
المقدسة؟ لم تكن المشكلة، لا قبل
الثورة ولا بعدها، مع الدستور، كانت
المشكلة ولا تزال مع النظام السياسي،
الذي استخدم الدستور غطاء لاستبداده،
وانتهاكاته لحقوق المواطنين. من هنا
يطالب الناس بإسقاط النظام، وليس
بتغيير الدستور. وبالعودة إلى تصويت الجمعية العامة، تعكس
النتائج مدى عزلة النظام السوري
عربياً ودولياً. لم تكن من بين الدول
التي صوتت ضد القرار دولة عربية واحدة.
دولتان عربيتان فقط امتنعتا عن
التصويت، وهما الجزائر ولبنان. كان عدد
الدول التي صوتت لصالح القرار 137 دولة،
والتي صوتت ضده 12 دولة، من بينها سورية
نفسها، وامتنعت عن التصويت 17 دولة.
الدستور الجديد لم يقنع أحداً خارج
سورية. الإعلام السوري يتفادى في
تغطيته الموضوع الحديث عن التصويت،
ويركز على تصريحات المسؤولين الروس. ما
يعني أن صدور الدستور الجديد، وقبله
قانون الإعلام الجديد، لم يغير شيئاً
في السياسة الإعلامية للنظام. ماذا
يقول ذلك عن مصير الدستور الجديد؟ بل
ومصير النظام نفسه؟ * كاتب وأكاديمي سعودي ================= فايز سارة الشرق الاوسط 19-2-2012 أكثر الأبعاد بروزا في ثورة السوريين هو
بعدها السياسي؛ إذ هي صراع بين النظام
ومعارضيه في المستوى الشعبي من خلال
المتظاهرين، من جهة، ومن خلال مواقف
الجماعات والكتل السياسية من جهة
ثانية، وقد رد النظام، من جانبه، على
التظاهر والاحتجاج السياسي ومواقف
المعارضة بحملات أمنية، قبل أن تتطور
تلك الممارسات إلى حملات أمنية –
عسكرية واسعة، تمخضت عن قتل وجرح
واعتقال وتشريد عشرات آلاف السوريين
وتدمير ممتلكاتهم، مما عزز فرصة بروز
البعد العسكري المسلح في الثورة
السورية، إضافة إلى مثيله السياسي،
وكان بين تعبيرات البعد العسكري
انشقاقات داخل المؤسسة العسكرية –
الأمنية نتيجة رفض المنشقين المشاركة
في الحملات العسكرية – الأمنية أو
انحيازهم للحراك الشعبي، ولجوء بعض
المشاركين في الحراك إلى السلاح
للدفاع عن النفس والرد على الحملات
الأمنية، وما تسببه من آثار مدمرة في
المناطق التي تستهدفها، إضافة إلى
توالي عمليات عسكرية في مناطق سورية
ملتهبة، وهذه بعض تعبيرات البعد
العسكري - المسلح. وعلى الرغم من أهمية ومركزية البعدين
السياسي والعسكري في الثورة، نتيجة
تأثيرهما القوي والحاسم على مجريات
الثورة والنتائج النهائية للصراع بين
النظام ومعارضيه وحسم مصير الثورة،
فإن ثمة جوانب أخرى مهمة في الثورة
بينها جوانب اقتصادية وثقافية، ولا
يقل البعد الاجتماعي للثورة أهمية عن
الجوانب السابقة، وإن كان الأقل بروزا. وتعبيرات البعد الاجتماعي في ثورة
السوريين كثيرة، وقد يبدو الأهم فيها
في ثلاثة مفاصل أساسية، تتضمن ما طرأ
على الواقع الاجتماعي من متغيرات في
دوره ومساهمته في النشاط العام،
والثاني تمثله عمليات الدعم والمساندة
التي تتواصل للثورة وحواضنها
الاجتماعية، والثالث يبدو في الأشكال
التنظيمية، التي يسعى السوريون إلى
تغيير فيها، أو خلق أطر جديدة منها. أول تعبيرات البعد الاجتماعي يتمثل في
التغيير الجوهري الطارئ على المشاركة
الشعبية في النشاط العام، وبالتأكيد
فإن ثورة السوريين تمثل حضورا ساخنا في
النشاط العام. وفي هذه الثورة لم يزدَد
فقط نشاط الرجال على اعتبارهم الأساس
في الأنشطة العامة كما في المظاهرات
والاحتجاجات، بل انضمت إليهم نساء كن
خارج الفعاليات العامة عادة، وانضم
إلى النشاط أطفال ويافعون لم يكونوا
يشاركون في السابق بأي نشاطات، وبهذا
المعنى فإن الثورة أحدثت تحولا كبيرا
في الواقع الاجتماعي وقطاعات فئاته
وفي علاقاتها الداخلية، بل يمكن القول
في هذا الجانب: إن تبدلات اجتماعية
حدثت في مدن وقرى الحراك الشعبي خاصة
وفي مجمل الواقع السوري عامة. وثاني تعبيرات البعد الاجتماعي ترسمه
حقيقة تضامن السوريين مع بعضهم البعض
في مواجهة أعباء الثورة، وهو أمر لم
يقتصر على ما قامت به الحواضن
الاجتماعية للثورة في المناطق التي
تحملت العبء الأساسي من حيث احتمال تلك
الحواضن، لما أصابها من تدمير وخسائر
كبيرة، وتحملت هذه المناطق، إضافة إلى
مناطق أخرى، فواتير الأضرار البشرية
والمادية التي أصابت المتظاهرين
والنشطاء، وفي هذا الجانب تم تأمين
مساعدات متعددة ومتواترة، لا ينقص من
أهميتها ما أصابها من إرباكات
وارتباكات، تشاركت في صنعها عوامل
موزعة بين النظام وخارجه. وثمة أمر آخر في هذا الجانب من تعبيرات
البعد الاجتماعي للثورة، وهي الصلة
التي أقامها السوريون في الخارج مع
مواطنيهم في الداخل، وعلى الرغم من أن
الظاهر الأهم في هذه الصلة تمثله
المساعدات المالية والعينية والطبية
والتضامن الواسع، فإن الأكثر أهمية من
ذلك تمثله أحاسيس سوريي الخارج بأنهم،
بالفعل، جزء من السوريين، وسعيهم إلى
إعادة تأسيس روابطهم وعلاقاتهم مع
بلدهم وشعبهم على الرغم من أن بعضا
منهم مستقرون وحاملو جنسيات البلاد
التي يعيشون فيها. والجانب الثالث من جوانب البعد الاجتماعي
يمثل ميل السوريين إلى البحث عن هويات
اجتماعية مستقلة عن الهويات المماثلة،
التي أقامها النظام في عقوده الماضية،
وهي هويات ظهرت عبر منظمات مهنية
ونقابية للعمال والأطباء والمهندسين
وغيرهم، كان الهدف منها إحكام القبضة
على المجتمع بقطاعاته وفئاته وجعله في
خدمة النظام ومبررا لمنظومته
الآيديولوجية ومواقفه السياسية، وقد
عززت الثورة الرغبة في خروج المجتمع
السوري من هذه الأطر والهويات، ودفعه
باتجاه الحرية، وهكذا أخذت القطاعات
والفئات الاجتماعية المختلفة تطلق
مبادرات تشكيل تجمعات مهنية ونقابية
مثل رابطة الصحافيين ومثلها رابطة
الكتاب، وجرى إطلاق هيئات تخص
الفنانين المبدعين في أكثر من مجال، بل
خُلقت أطر لم تكن موجودة سابقا مثل
تنسيقيات الأطباء، وترافق ذلك مع جهود
تُبذل في أوساط متعددة إلى جانب مخاضات
تتواصل داخل المنظمات المهنية
والنقابية التابعة للنظام بهدف دفع
بعضها لتغيير توجهاتها، أو لخلق
انشقاقات في داخلها. لقد تركت الثورة بصماتها الثقيلة في
الحياة الاجتماعية للسوريين بفئاتهم
وقطاعاتهم، ومدت تأثيراتها إلى
السوريين في المهاجر، وهذه تطورات لم
تشهدها سوريا خلال عقود طويلة من
تاريخها الحديث والمعاصر. ================= إذن.. نظموا مؤتمر أصدقاء
الأسد! طارق الحميد الشرق الاوسط 19-2-2012 إذا كانت الخارجية التونسية تقول إنها لن
تدعو المجلس الوطني السوري لمؤتمر
أصدقاء الشعب السوري القادم، بينما
ستوجه الدعوة لكل من روسيا والصين، فإن
السؤال هنا هو: وما الفائدة من هذا
المؤتمر؟.. بل ولماذا لا يُدعى لمؤتمر
أصدقاء الأسد من باب أولى؟! فكم هو غريب أن يقول وزير خارجية تونس
السيد رفيق عبد السلام إنه «لن يكون
هناك بالتأكيد تمثيل رسمي للمجلس
الوطني السوري» في مؤتمر أصدقاء الشعب
السوري، مشيرا إلى أن المراجع المختصة
«تناقش الموضوع»، ومضيفا أن «الأمور
مرهونة بأوقاتها»، ومتمنيا تشكيل
مجموعة من المعارضة «يكون لها تمثيل
حقيقي»! والحقيقة هي أن القول بأن المعارضة
السورية غير موحدة أمر غير واقعي،
خصوصا في ظل نظام ديكتاتوري إجرامي
طوال أربعين عاما مثل نظام الأسد، الأب
والابن، بل السؤال هو: من الذي وحد
المعارضة العراقية قبل إسقاط صدام
حسين غير الأميركي خليل زلماي، وفي
لندن؟.. ومن وحد المعارضة الليبية غير
الفرنسيين والقطريين؟.. بل إنه قبل
سقوط القذافي تمت تصفية عبد الفتاح
يونس، والتي يبدو أنها لم تكن عملا
انتقاميا بقدر ما كانت أشبه باغتيال
أحمد شاه مسعود، أي إزاحة من المشهد
السياسي استعدادا لمرحلة جديدة. فالمقصود بمؤتمر تونس أن يكون مساندا
للثورة السورية، ورسالة واضحة للنظام
الأسدي، وليس العكس، فدعوة الروس
والصينيين ستكون بمثابة محاولة لتفريغ
مؤتمر تونس من محتواه، وهذه طريقة
أسدية شهيرة، فالمؤتمر المزمع عقده
بتونس ليس ملحقا لمجلس الأمن حتى تحضره
موسكو وبكين، بل هو مؤتمر من أجل اتخاذ
قرارات تصب في مصلحة السوريين العزل،
وليس من أجل وقف القتل فقط، بل ومن أجل
تحقيق المرحلة الانتقالية، وفقا لرغبة
الثورة السورية، التي تبنتها الجامعة
العربية. ولذا يبدو أنه من المستحسن اليوم أن يكون
هناك مؤتمر لأصدقاء الأسد تُدعى له كل
من موسكو وبكين وبيروت، وبعض مسؤولي
الجامعة، وحتى القاهرة، ويُعقد حيثما
شاءوا، أما مؤتمر أصدقاء الشعب السوري
فيجب أن يدعى له أولا المجلس الوطني
السوري، مع الاعتراف به بالطبع، وكذلك
الدول الفاعلة، والراغبة، في إنهاء
معاناة السوريين، ووضع حد لجرائم
الأسد، مثل السعودية وتركيا وقطر
والإمارات والأردن، والدول
الأوروبية، وعلى رأسها فرنسا
وبريطانيا وألمانيا، ومعها أيضا
أميركا، وذلك ليتم اتخاذ قرارات،
وأفعال حقيقية، يلمسها السوريون
العزل، خصوصا من هم تحت القصف المدمر
طوال أسبوعين، مثل أهل حمص ودرعا وإدلب..
وذلك ليخرج مؤتمر أصدقاء الشعب
السوري، كما أوضحنا، بقرارات وخطوات
عملية لدعم المعارضة السورية بكل
أشكال الدعم، بما فيها السلاح، وكذلك
فرض الممرات الإنسانية الآمنة، واتخاذ
الخطوات الممكنة لبذل جهد دبلوماسي
سواء داخل مجلس الأمن مجددا، أو خارجه،
لإنهاء حقبة الأسد البالية، وضمان
تفعيل دور محكمة العدل لتباشر مهمة
تتبع من ارتكبوا جرائم ضد الإنسانية
بسوريا، وذلك وفقا للقرارات العربية
الأخيرة. هذا هو المطلوب من أصدقاء الشعب السوري،
وعدا ذلك فيجب أن يسمى أي مؤتمر لا
يتبنى مثل هذه المسائل بمؤتمر أصدقاء
الأسد! ================= عيسى الشعيبي الغد الاردنية 19-2-2012 لا يحسن بالمحلل السياسي ذي العقل البارد
مقاربة المشهد السوري وفق معطيات
اللحظة التاريخية الراهنة، ولا
التعاطي مع متغيراته المتواصلة من
منظور مسبق، يستبطن حالة رغائبية أو
موقفاً قبْلياً كونته مدركات مستخلصة
من مظاهر عابرة وظواهر تمر في حالة
انتقالية متحركة، وعززته على مدى
الأحد عشر شهراً الماضية تطورات قابلة
للمحاكمات النقدية المختلفة باختلاف
الرؤى والأهواء والمصالح المتضاربة. وعليه، يجدر بنا
ونحن نقرأ الحيثيات الجوهرية، ونتابع
التفاصيل اليومية المتزاحمة على
الأرض، وننظر إلى التحركات الجارية
على المسرح السياسي الدولي، أن نقبل
سلفاً بحقيقة أن للأزمة السورية
المتفاقمة منطقاً خاصاً بها، وصيرورة
مستقلة عن غيرها، وأن تفاعلاتها
الجارية على كل صعيد قد اجتازت نقطة
اللاعودة، الأمر الذي يدعونا إلى
ضرورة استشراف آفاقها المحتملة، من
زاوية رؤية أن هذه الأزمة لم تعد محلية
بقدر ما باتت معضلة إقليمية ودولية
تخاطب قوى وأطرافاً عديدة. إذ في الوقت الذي
يتحول فيه الحراك الشعبي السلمي، تحت
ضغط آلة حربية تعمل دون كوابح، إلى
تمرد مسلح يغذي نفسه بنفسه من انسداد
الأبواب والانجراف والاستعصاء، تخرج
المعالجات من بين أيدي قوى الصراع
الداخلي، وتتجاوز ممكنات الحلول
الموضوعية نطاق البيئة الإقليمية،
لتدخل بقضها وقضيضها على مدار التدويل
الذي أخذ يسير بخط مستقيم يفضي
بالضرورة إلى نهاية تلوح لكل ذي بصيرة
إمكانية رؤيتها بالعين المجردة في أفق
غير بعيد. ولعل ما يشير إلى
هذه الخلاصة الأولية، أن المنظمة
الدولية قد عقدت في غضون نحو أسبوعين
فقط، ثلاثة اجتماعات متتالية، سواء
على صعيد مجلس الأمن أو لجنة حقوق
الإنسان أو الجمعية العامة، وهي وتيرة
حراك دولي لم يسبق أن تم تسجيلها في أي
أزمة مشابهة، الأمر الذي يؤكد أنه تجرى
على قدم وساق عملية استكمال النصاب
اللازم وإعداد العدة لتدخلات دولية
متدرجة، ومتعددة الأشكال، لإخراج
الأزمة من عنق زجاجة طويل ومحكم
الإغلاق. وما اجتماع "أصدقاء
سورية" المقرر انعقاده في تونس يوم
الرابع والعشرين من الشهر الحالي، إلا
عملية إغلاق متممة للجزء المتبقي من
الدائرة التي كانت تضيق مع مرور الوقت،
وذلك إن لم نقل إنه بناء الرافعة
اللازمة، وتكوين المظلة الشرعية
الانتقالية البديلة، واستكمال ما
نسميه بالنصاب السياسي الأخلاقي
للشروع في سلسلة متتابعة من التدخلات
المباشرة وغير المباشرة، بدءاً من
الممر الإنساني، ومروراً بتلبية
الاحتياجات الدوائية والغذائية
الملحة لشعب محاصر، وانتهاء بدعم
المجلس الوطني السوري وربما تسليح
الجيش الحر. وهكذا، فإن
الأزمة السورية المستعصية على خيار
التدخل العسكري الخارجي، نظراً لضعف
دافعية الدول الغربية، ومخاوفها
المبررة إزاء مخاطر الوقوع في وهدة من
التعقيدات غير المحسوبة، فإن المنطق
الذاتي لهذه الأزمة سيملي موضوعياً
نفسه بنفسه، بصورة مغايرة لما جرت عليه
المسارات الليبية واليمنية وغيرها،
ويشق بذاته طريقاً التفافياً قد يكون
طويلاً نحو مخارج تواتي الأطراف
الراغبة في التدخل بالحد الأدنى من
الأكلاف، وتفي بحاجة الثوار السوريين
إلى الإسناد الكافي للعبور من برزخ
الصخور الناتئة. وليس من شك في أن
نجاح الجامعة العربية، بعد طول تردد
وإخفاق، في نقل ملف الأزمة السورية إلى
ساحة المنظمة الأممية، وإغلاق روسيا
لبوابة مجلس الأمن في وجه مبادرة كان
من شأنها أن تعيد تعويم النظام الغارق
في دماء شعبه، قد فتح دروباً أوسع من ذي
قبل أمام عملية تدخل جراحي عميقة، يقوم
بها أطباء لا يلبسون القفازات، ولا
يستخدمون التخدير الموضعي، لاستئصال
ما بدا لهم أنه ورم غير حميد استفحل في
الجسد السوري، وطالت مضاعفاته محيطاً
إقليمياً أوسع يمر بعملية تغيير شاملة
وعميقة. =================== سورية بين «حلفاء النظام»
و «أصدقاء الشعب» عبدالوهاب بدرخان الحياة 16/2/2012 لم يعرف النظام السوري كيف يتعامل مع
الانتفاضة الشعبية عندما كانت سلمية
فحسب، لذا استخدم كل ارهاب الدولة
وأصرّ على القتل والتنكيل والتعذيب
والخطف كي يدفعها الى «التعسكر» ولو
جزئياً، حتى يتمكن عندئذ من السعي الى
الحسم العسكري، كما يفعل اليوم. لكن
مئات التظاهرات السلمية لا تزال تخرج
وتتحدّاه يومياً واسبوعياً، وهي التي
تشكل جوهر الانتفاضة. لكن، الحسم من أجل ماذا؟ فيما تُدّك حمص
والزبداني وغيرهما بالمدفعية
والصواريخ وبمشاركة الطيران الحربي،
أعلن - مثلاً - أن الرئيس السوري تسلم
نسخة من الدستور الجديد المعدّل. لا
بدّ أنه يعتقد أنه «سيحسم» عسكرياً، أي
سيكسر الانتفاضة، ثم ينصرف الى العمل
كالمعتاد، ليقول كما قال مرّات عدة أن
سورية تجاوزت الأزمة وأنها تستطيع
الآن أن تطرح «الاصلاحات» التي تؤمن
للنظام امكان الانتقال ب «الممانعة»
الى مرحلة جديدة مظفرة. لا شك في أن هذا وهم آخر من أوهامه
الكثيرة، لكن الدعم الروسي والايراني (بمشاركة
«حزب الله» اللبناني) وحتى الصيني،
الذي اتخذ أخيراً أشكالاً عملانية
مباشرة شجع النظام على اعتباره خياراً
صائباً. «اقتل شعبك ولا تتحدّث اليه»،
لا يُستَبعد أن تكون هذه هي التوصية،
فجميع من يؤازرون نظام دمشق مرّوا بهذه
التجربة ونجحوا بدليل انهم لا يزالون
موجودين، بل موجودين الى جانبه. وفي
النهاية، ظن العالم ان وزير الخارجية
الروسي أستُحِثّ الى دمشق لترشيدها،
فإذا به اصطحب مدير الاستخبارات
للتأكد بأن «خطة الحسم» تسير وفقاً لما
يرام، الى حدّ أن يسأل نظيره السوري هل
يمكن أن يدعوه قريباً الى «الغداء في
حمص». أصبحت مساندة الحلفاء الثلاثة
أكثر اهتماماً بالتفاصيل وبسدّ الثغر
الحدودية، فالروسي قدّم ملاحظات مرفقة
بخرائط، والصيني دعي الى تقديم ودائع
مالية لدعم صمود النظام، و «فيلق القدس»
الايراني استعد لكل ما تتطلبه معركة
يعتبرها معركته، وتشدد «حزب الله»
حيال أي سلاح يهرَّب من لبنان حتى لو
اضطر لشراء ما يصادفه في السوق ليمنع
وصوله الى خارج الحدود، وقدّم الجيش
اللبناني مساهمته بحملة وانتشار في
الشمال، أما العراق فكرّس وضعه كممر
ايراني وشريان حيوي يوفر للنظام كل ما
يلزم لانجاز الحسم. لكن، مرة أخرى، مَن يحسم ضد مَن، ومن أجل
ماذا في نهاية المطاف طالما أن النظام
السوري لن يتمكن من البقاء مهما أمعن
في «الحسم»؟ ما يتأكد حالياً هو أنه
يعلّق خلاصه على استدراج صراع اقليمي -
دولي على سورية، أما حلفاؤه الثلاثة
فيستخدمونه كلٌ لأسبابه في موقعة ضد
اميركا والغرب. كانت روسيا والصين
كظمتا الاهانة في مسار الأزمة الليبية
اذ لم تستطيعا تمكين نظام القذافي من
ابادة قسم من شعبه لتتجنبا ما تعتبرانه
«خدعة» وقعتا ضحيتها، ولم يسمح لهما
موقع ليبيا على تخوم اوروبا امكان
التصدي والردّ، أما موقع سورية وطبيعة
نظامها فيزيّنان مثل هذه الفرصة. في
ليبيا أتاحت الدولتان الكبريان التدخل
ظانّتين أنه لن يحصل أو سيفشل في تحقيق
هدف الشعب الليبي، وفي سورية تريان أن
الغرب لا يريد التدخل لذا تتدخلان بغية
استدراجه لهزمه ومنعه من تحقيق الهدف
نفسه وقد توفّر لهما نظام لا يتورع عن
خوض هذه الحرب بالوكالة في سبيل أن
يبقى، وإلا فمن بعده الطوفان. كان متوقعاً أن ما بعد «الفيتو» المزدوج
لن يكون كما قبله. فالوجوه انكشفت
تماماً الآن، والحل السياسي الذي
اقتبسه العرب عن اقتراح روسي أثبتت
روسيا بإفشاله في مجلس الأمن أنها كانت
تشتري الوقت لدمشق، ولم تكن تبحث عن أي
حل آخر غير انتصار النظام على شعبه.
وطالما أنه لم يعد مجدياً للعرب أن
يدوروا في لعبة روسيا أو في لعبة
النظام، فقد كان من الطبيعي أن تغيّر
الجامعة طبيعة مبادرتها، أولاً بنزع
أي غطاء عربي تبقّى للنظام وبإنهاء
مهمة المراقبين غير مأسوف على رئيسها «المستقيل»،
ثم بالعودة الى مجلس الأمن لطلب «قوة
لحفظ السلام» سترفضه روسيا ما يبرر
تالياً تشكيل «تحالف دولي لأصدقاء
سورية» ولو تحت المظلة «غير الملزمة»
للجمعية العامة للأمم المتحدة. أي أن
الجامعة وسّعت الخيارات، وفيما أبقت
الحل السياسي على الطاولة فتحت الباب
أمام تدويل يبقى وجهه عربياً. وفي
المقابل يجري أيضاً توسيع الخيارات
الدولية، فالأمم المتحدة تأخذ في
الاعتبار ان ممارسات نظام دمشق اقتربت
جداً من الابادة وباتت تستوجب التدخل
لأهداف انسانية. قد يتوصل الحوار الجاري بين دول الخليج
وموسكو الى اختراقٍ ما، إلا أنه لن
يلبي سوى جزء من المساومات العديدة
التي طرحتها روسيا كثمن لتخليها عن
النظام السوري، أما الجزء الأهم
المتعلق بإيران ومنظومات الصواريخ
والرادارات الغربية فلا تملك دول
الخليج القدرة على معالجته. قد ينشّط
هذا الحوار اعادة البحث في «السيناريو
اليمني» للرئيس السوري، فروسيا مدركة
أن نظام دمشق آيل الى السقوط لكنها
توظّفه في توسيع بازار المساومات
للاستفادة منه قبل سقوطه، وقد تكون
ايران استبقت التحرك الخليجي فرشَت
روسيا لتدعم صمود النظام وسعيه الى «الحسم»
بل لتدفع الى مواجهة دولية بين «حلفاء
النظام» و «أصدقاء سورية»، وهي مواجهة
تريدها موسكو لإجبار دول الغرب على
المساومة الكبرى، وكلما تأخرت هذه أو
استعصت كلما عنى ذلك أن حمام الدم في
سورية سيتسع. للأسف، وصل المجتمع الدولي الآن فقط الى
الموقف الذي بدا حتمياً منذ اللحظة
الأولى للانتفاضة السورية. ترك النظام
يقتل ومنحه فرصاً ليرتدع، وها هو يتركه
يدمّر ويمعن في خيار الابادة. لا يبدو
أن كلفة الدم، وقد ناهزت العشرة آلاف
قتيل وأضعافها من الجرحى، بلغت الحدّ
الذي يدفع المجتمع الدولي الى تحرك
استثنائي لوقف كارثة محققة ومعلنة،
فهو تأرجح كثيراً في استكناه مدلولات
الحراك الشعبي العربي وقيمه وطموحاته.
وفي مقابل وضوح المنحى المصلحي لدى
روسيا، ووضوح توافق موضوعي ايراني -
اسرائيلي على تفضيل بقاء النظام، لا
يوجد مثل هذا الوضوح لدى دول الغرب لا
سيما الولايات المتحدة التي لا يزال «ما
بعد النظام» غامضاً ومشوّشاً في
نظرها، وهي إذ بلغت مرغمةً مرحلة «تحالف
الأصدقاء» فإنها قد تستهلك شهوراً
دموية طويلة قبل أن تحسم أمرها بالنسبة
الى مصير النظام، ما يعني شهوراً
مفتوحة على كل أنواع الابتزاز. ------------------------ المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |