ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأربعاء 22/02/2012


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

سوريا تحتاج نظامًا جديدًا.. قبل دستور جديد!

بقلم : خيرالله خيرالله

كاتب لبناني

الراية

21-2-2012

الأكيد أن سوريا في حاجة إلى دستور جديد. لكنها في حاجة أوّلا إلى نظام جديد مكان النظام الحالي القائم منذ تسعة وأربعين عاما والذي لا شرعية له. مثل هذا النظام الجديد البديل من النظام الحالي يستطيع طرح مشروع دستور جديد على استفتاء شعبي وذلك تتويجًا للثورة المباركة التي يشارك فيها السوريون من كل المناطق والفئات الشعبية.

لا يحقّ لنظام منبثق عن سلسلة من الانقلابات العسكرية الحديث عن دستور جديد في ظلّ عمليات قتل مستمرة لأبناء الشعب السوري وتدمير منظم للمدن والقرى والبلدات السورية.

لا خيار آخر أمام هذا النظام الذي حدد يوم السادس والعشرين من فبراير المقبل موعدا للاستفتاء سوى الرحيل. آن أوان اعتراف النظام بأنّه انتهى وأن لا شيء يمكن إنقاذه، لا دستور جديدا... ولا تهديدات بإحراق المنطقة.

مرّة أخرى، يحاول النظام السوري إيجاد مخرج من أزمته. هدد في الماضي بفتح جبهة الجولان مذكّرا العالم أنه ضمانة لإسرائيل. لم تنجح تلك المحاولة لسبب في غاية البساطة عائد إلى أن الفلسطينيين الذين أرسلهم إلى جبهة الجولان كي يقتلوا بدم بارد رفضوا الاستمرار في اللعبة.

كذلك، فشلت محاولة لفتح جبهة جنوب لبنان. جرت التضحية ببعض الفلسطينيين المساكين إلى أن تبيّن أن ليس في قدرة أي طرف لبناني إعادة فتح جبهة الجنوب إرضاء للنظام السوري. حتّى "حزب الله" الإيراني لا يستطيع استخدام سلاحه في عملية إعادة فتح جبهة الجنوب. وظيفة هذا السلاح معروفة. تتمثّل في إرهاب اللبنانيين وفرض حكومة من لون معيّن عليهم وليس الإقدام على مغامرة جديدة يمكن أن تعود بالويلات على أبناء الوطن الصغير، خصوصا أهل الجنوب الذين لم يعيدوا بعد بناء كلّ ما تهدّم في حرب صيف العام 2006.

إذا كان مطلوبا إجراء استفتاء في سوريا، فإنّ الثورة السورية التي ستطفئ بعد أيام شمعتها الأولى، هي بمثابة استفتاء مستمرّ. إنه استفتاء يومي يصوّت فيه السوريون بدمائهم الزكية.

وإذا كان هناك من يشكك في أن السوريين في استفتاء مستمر، قالوا فيه كلمتهم، هناك الموقف العربي. كلّ الدول العربية تؤيد المبادرة التي تدعو الرئيس بشّار الأسد إلى التنحي. لبنان "ينأى بنفسه" لأسباب عائدة إلى أنه مغلوب على أمره وأن من يتحكم بالقرار الحكومي هو "حزب الله" وتوابعه على رأسهم النائب المسيحي ميشال عون حليف صدّام حسين في السنة 1990 وبشّار الأسد في السنة 2012!

أمّا الجزائر، التي تتحفظ من دون أن تتحفّظ عن القرارات العربية والدولية المتعلقة بالنظام السوري، فهي أسيرة اللغة الخشبية التي يعتمدها نظام غير قادر على استيعاب أن العالم تغيّر وأن الشعوب العربية ترفض العيش في ظلّ شعارات بالية تقوم على فكرة معاداة الأجنبي، ولكن بالكلام فقط. هل الجزائريون، الذين يطمحون في أكثريتهم إلى الهجرة إلى فرنسا، يأخذون على محمل الجدّ الشعارات التي يستخدمها النظام لتبرير المواقف المسايرة للنظام السوري؟

في كلّ الأحوال، قال العالم كلمته متحدّيا الفيتو الروسي والصيني. أظهر الاستفتاء الحقيقي في الجمعية العامة للأمم المتحدة أن هناك أكثرية دولية تؤيد الطرح العربي الداعي إلى تنحي بشّار الأسد. هناك ثلاثة استفتاءات جرت بديلا من الاستفتاء على الدستور السوري الذي يطرحه النظام. الاستفتاء السوري والاستفتاء العربي والاستفتاء الدولي.

كلّ ما هو مطلوب الآن، اقتناع أهل النظام بأنّ لا مجال لإصلاحات من أي نوع كان. هذا نظام غير قادر لا على السلم ولا على الحرب. تخصص في الماضي في نقل أزماته إلى الخارج السوري. منذ أقلّ من سنة تفجّرت الأزمة في سوريا نفسها. لم يمتلك النظام من حلول سوى السعي إلى إلغاء الآخر. يمكن اختصار أزمة النظام السوري بعبارة واحدة: هل في استطاعة نظام إلغاء شعبه من أجل أن يبقى في السلطة؟

الجواب عن هذا السؤال إن ذلك ممكن ولكن ليس إلى ما لا نهاية. من يعتقد أن في الإمكان إلغاء شعب من الشعوب لم يتعلّم شيئا من تجارب الماضي القريب. هل استطاع الاتحاد السوفييتي بكلّ جبروته إلغاء شعب من شعوب دول أوروبا الشرقية أو حتى من الجمهوريات التي كان يتشكلّ منها؟

في حال ليس مطلوبا الذهاب إلى أبعد من العالم العربي، هل استطاع النظام السوري إلغاء لبنان أو الشعب اللبناني على الرغم من ممارسته القمع في أرجاء الوطن الصغير ما يزيد على ثلاثة عقود؟ أين صارت مواقع الجيش السوري التي كانت في لبنان حتى العام 2005؟

=================

الأقصى .... والمسؤولية العربية والإسلامية

حديث القدس

 20 شباط 2012

القدس

 الجولات الاستفزازية التي تقوم بها مجموعات يهودية متطرفة، بما في ذلك مجموعات تنتمي لحزب الليكود الحاكم في اسرائيل، في الحرم القدسي الشريف تحت حماية الشرطة الاسرائيلية، والجولات التي يقوم بها جنود اسرائيليون في باحات الاقصى باسلحتهم، والاقتحامات التي تقدم عليها قوات الشرطة وحرس الحدود والأجهزة الأمنية الاسرائيلية، والتي تزايدت مؤخرا ، يشكل تصعيدا جديدا تتحمل الحكومة الاسرائيلية كامل المسؤولية عن تداعياته المختلفة، خاصة وان هذا التصعيد يشكل حلقة من حلقات التطبيق الاسرائيلي للسياسة المتشددة التي تنتهجها الحكومة الاسرائيلية والتي تشمل ، فيما تشمل، توسيع الاستيطان وإحكام عزل القدس العربية المحتلة وتنفيذ مخططات تهويدها، عدا عن مختلف الممارسات الاسرائيلية التي تستهدف الشعب الفلسطيني وحقوقه الثابتة والمشروعة.

ولعل هذه الحلقة تعتبر الأكثر خطورة خاصة وان الجماعات المتطرفة المذكورة تستهدف الأقصى وتعلن جهارا نيتها إقامة الهيكل مكان الحرم القدسي وتعد العدة والمخططات لذلك علنا تحت سمع وبصر الحكومة الاسرائيلية، بل ان أحد أبرز المتطرفين الذين يقودون هذه الحملات ينتمي الى حزب الليكود الحاكم وكان مرشحا لقيادة هذا الحزب - فايغلين - ونال نسبة تأييد لا بأس بها امام منافسه بنيامين نتنياهو.

وتكمن الخطورة بشكل رئيسي بان هذه الجولات الاستفزازية والمخططات المبيتة تشكل انتهاكا فظا لحرمة هذا المكان المقدس واعتداء صارخا يمس المسلمين اينما كانوا، وهو ما يتناقض مع ما تدعيه اسرائيل من حفاظها على الاماكن المقدسة واحترامها المزعوم لحرية العبادة. وقد اثبتت اسرائيل امس بجولات متطرفيها واقتحامات قواتها انها شريك أساسي لكل اولئك الذين يستهدفون الأقصى وذلك بسماحها بانتهاك حرمته وبملاحقة وإزعاج المصلين واعتقال بعضهم، عدا عن محاولات ناطقيها الرسميين تضليل الرأي العام العالمي بالزعم ان المصلين المسلمين يحتجون على وجود سياح وان هؤلاء السياح تعرضوا للرشق بالحجارة.

والسؤال الذي يطرح نفسه ازاء هذا التصعيد الاسرائيلي الذي بتنا نشهد تجلياته يوميا او كل بضعة ايام هو: الا تدرك اسرائيل ومتطرفوها عواقب تجاوز خطوط حمراء في قضية حساسة الى هذا الحد بالنسبة للشعب الفلسطيني بأسره، بل بالنسبة للأمة العربية والإسلامية؟!.

وفي الوقت الذي ترفض فيه الشعوب العربية والاسلامية وتستنكر هذه الممارسات الاسرائيلية وتدينها وتشعر بالغضب إزاء استمرار تكرارها فان السؤال المطروح على الأنظمة العربية هو: ما الذي فعلتموه وما الذي ستفعلونه لحماية الأقصى والحفاظ على الحق العربي والإسلامي؟ واذا كانت ردود فعلكم السابقة تتسم بإصدار بيانات الشجب والاستنكار فما الذي يقف وراء صمت بعض العواصم العربية اليوم ؟ واذا كانت اكثر من دولة عربية قد طرحت سابقا ان استمرار علاقاتها مع اسرائيل وحفاظها على معاهدة السلام معها يستهدف خدمة القضية الفلسطينية ولعب دور في عملية السلام فما الذي ستقوله هذه الدول اليوم واسرائيل ماضية في انتهاكاتها وتمس القضية الأكثر حساسية وهي المقدسات الاسلامية في القدس والاقصى تحديدا؟!.

ما يتعرض له الأقصى اليوم يشكل اختبارا لمصداقية مواقف الدول العربية والاسلامية وهو المحك الحقيقي ، فإما ان تثبت الدول العربية انها أهل لحماية الأقصى والقدس وتتحرك بشكل جاد وفاعل يتجاوز لغة البيانات والاستنكارات المعهودة لتوقف اسرائيل عند حدها، واما ان تعلن عجزها التام. فالمطلوب اليوم موقف عربي - إسلامي موحد وجاد وفاعل وتحرك على كل الساحات الدولية وفي مواجهة اسرائيل حتى يمكن وقف هذا العبث الاسرائيلي بالمقدسات الاسلامية، وحتى يمكن حماية الحق العربي الاسلامي في المدينة المقدسة.

=================

المسؤولية المشتركة تجاه الأزمة السورية  

علي الغفلي

الخليج

21-2-2012

يتلقى المرء أخبار التطورات المؤسفة في سوريا فيصاب بكافة مشاعر الفزع والاكتئاب، وهي حالة تشبه تلك التي تعتري الإنسان بعد الاستيقاظ من كابوس مزعج في منتصف الليل . بيد أن الأمر أسوأ من ذلك بكثير، فحالة الخوف والغضب لا تزال مسيطرة عليك، لأنك في حقيقة الأمر لم تخرج بعد من الكابوس المستمر منذ أحد عشر شهراً في القطر السوري، وربما وصلت النفس البشرية إلى مرحلة الإعياء جراء المرارة المزعجة التي يفرضها عنف نظام الأسد على كل من يتفهم مطالب الشعب السوري ويتعاطف مع معاناته الإنسانية .

يتمثل الاعتبار الأبرز في أزمة تغيير نظام الحكم في سوريا في حصيلة الاعتداءات اليومية التي تشنها آلة الفتك ضد المدنيين المطالبين بإنهاء النظام، والتي توقع العشرات من القتلى والجرحى والمعتقلين الذين تورد وسائل الإعلام بشكل يومي أخبار سقوطهم نتيجة بطش براثن الأسد بهم . وفي خلفية الأحداث السياسية في سوريا يوجد العديد من الاعتبارات الاستراتيجية الخاصة بمنطقة الشرق الأوسط والتي تشمل “إسرائيل” وإيران والدول الخليجية والتنافس بين كل من روسيا والولايات المتحدة، وتلقي هذه الاعتبارات بظلالها الثقيلة على احتمالات التصرف تجاه الثورة الشعبية في سوريا .

في الوقت الذي تستدعي التكلفة الإنسانية المتزايدة التي يفرضها عنف نظام الأسد ضد المدنيين ضرورة أن تتحرك الأطراف الدولية للقيام بعمل ما من أجل وضع حد للمعاناة البشرية في سوريا، فإننا نأسف حين نرى أن الحسابات الاستراتيجية التي تجريها بعض الأطراف الدولية تتسبب في صنع حالة العجز التي لاتزال تشل قدرة المجتمع الدولي على التدخل الفاعل في الأزمة السورية . إن الشعب السوري هو المتضرر الأكبر جراء استمرار الأزمة في بلاده، إذ إنه يدفع ثمناً باهظاً في سعيه إلى التخلص من نظام حكم مستبد وشرس، وعلى الرغم من عظم المثابرة والتضحية التي يقدمها، إلا أن تحقيق هدفه في الإطاحة بالنظام الحاكم لا يتبدى في الأفق القريب .

إن حلم الشعب السوري في التخلص من الاستبداد وبناء عهد الحكم الرشيد مؤجل، وإلى أن يحين أوان تحقيقه سوف يتعين على الجميع الاستمرار في مكابدة الكابوس الجاثم على ضمير العالم الإنساني . لقد حاولت الجامعة العربية أن تتدخل من أجل مساعدة الدولة السورية والشعب السوري على اجتياز الأزمة، فحالفها التوفيق في تحديد الدور المناط بها ولكنها ارتبكت في ممارسة متطلباته . وتملكت الأمم المتحدة أحاسيس الاحباط بسبب التأخر في مناصرة رغبة السوريين في الانتقال إلى عهد الديمقراطية، ولكنها عجزت عن مساعدة جامعة الدول العربية في تمرير مبادرتها تجاه معالجة الأزمة التي يصنعها تعنت نظام بشار الأسد . ولم تتردد كل من موسكو وبكين في تعميق جراحات الشعب السوري، وذلك بعد أن فشلتا في تغليب الحاجة إلى إنقاذه من عنف النظام الحاكم على حسابات التنافس الاستراتيجي مع الولايات المتحدة وأوروبا .

لقد سقط نظام بشار الأسد من حيث الجوهر على الرغم من بقائه إلى الآن، ولم يتبق سوى أن يزول ويذهب إلى نهايته المحتومة القادمة لا محالة . لا تتردد بعض التقديرات في القول إن إنهيار نظام الأسد قد يحتاج إلى عام إضافي كي يتحقق بشكل كامل، وهي فترة طويلة جداً بالقياس إلى حجم الخسائر البشرية والمعاناة الإنسانية التي سوف يتوجب على الدولة والشعب السوريين دفعها خلال الفترة القادمة . وعلى الرغم من التيقن من زوال النظام الحاكم في سوريا في نهاية المطاف، إلا أن هذا النظام يبدو ناجحاً حتى الآن في تحقيق هدفه المركزي تجاه الثورة الشعبية، وهو الدفع بالجميع إلى خانة اليأس، سواء اليأس من إجراء أية إصلاحات سياسية أو اليأس من انسحابه من السلطة .

تشكل موسكو وطهران ودمشق، إضافة إلى بكين، إئتلافاً من الدول التي تتبنى مصالح جيوستراتيجية مشتركة قائمة على جملة من معطيات النفوذ والأهداف في هذه المنطقة من العالم، وتبدو هذه الأطراف مصممة على صيانة علاقة الائتلاف بينها، وتراهن على استمرار عجز المجتمع الدولي عن التصرف إزاء الأزمة السورية، ومن ثم تقليص مدى التوقعات المتعلقة بسقوط نظام الحكم في سوريا . وفي المقابل، تنتاب الدول العربية مخاوف جمة تجاه تبعات التصعيد العسكري ضد نظام الأسد، ولا توجد مؤشرات جادة على استعداد أحد في الولايات المتحدة وأوروبا للمجازفة باستخدام القوة العسكرية لمعالجة الأزمة السورية، وذلك تحسباً للتكاليف الضخمة والنتائج الوخيمة التي يمكن أن تجرها الحرب على المنطقة بأسرها .

و الحال كذلك، فإن نظام بشار الأسد يمتلك أسباباً عديدة للاعتقاد بأنه يقوم على أرضية صلبة من الترتيبات الاستراتيجية في المنطقة، يمكن لها أن تضمن نجاته على الرغم من افتقاده التأييد الشعبي في سوريا . بيد أن المأساة لا تزال مستمرة، وهي تتجسد تحديداً في الثمن الباهظ الذي يدفعه الشعب السوري، والمرشح للاستمرار بالارتفاع طالما غابت الأسباب اللازمة من أجل تحريك الأوضاع في اتجاه الحل .

إن المسؤولية تجاه الأزمة السورية مشتركة، يقع النصيب الأكبر منها على عاتق نظام بشار الأسد، الذي يتعين عليه تغليب مصلحة الدولة والوطن والشعب على أي اعتبار آخر . ويتعين على قوى ومؤسسات المعارضة أن تجري التغييرات اللازمة في أساليب تخطيط وتنفيذ نشاطاتها الهادفة إلى تغيير نظام الحكم، وذلك من أجل السيطرة على التكلفة البشرية في صفوف الشعب السوري، وعدم المبالغة في التعويل على الأثر الذي تتركه ضخامة أعداد الضحايا يومياً في صنع دوافع المجتمع الدولي للتحرك، إذ إن هذا المجتمع يعد عاجزاً عن التدخل بالشكل الذي تستحقه الأزمة السورية . ويتعين على كل من روسيا والصين أن تستوعب الأبعاد الكاملة للمساندة السياسية التي تقدمانها من أجل حماية نظام الأسد، إذ ليس في جعبة هذا النظام البائس والباطش شيء يقدمه لهما في المقابل سوى إشراكهما في الخزي الذي يتخبط فيه .

=================

الأزمة السورية.... التظاهرات في قلب دمشق

زينة كرم - بيروت

تاريخ النشر: الثلاثاء 21 فبراير 2012

الاتحاد

استخدمت القوات السورية الذخيرة الحية والغاز المسيل للدموع يوم السبت الماضي ضد المتظاهرين في محاولة لتفريق الأعداد الغفيرة من المحتجين الذين خرجوا في الأصل لتشييع جنازة قتلى سقطوا في وقت سابق لتتحول إلى إحدى أكبر المسيرات الاحتجاجية التي شهدتها العاصمة دمشق منذ اندلاع الانتفاضة الشعبية ضد نظام الأسد قبل أحد عشر شهراً. وكانت موجة العنف غير المسبوقة التي تفجرت في دمشق قد اندلعت بالتزامن مع زيارة يقوم بها المبعوث الصيني إلى سوريا، حيث قال إن بلاده تدعم حلاً للأزمة السورية يقوم على الاقتراحات التي طرحتها مسبقاً الجامعة العربية، وإن كان من غير المرجح أن تؤيد بكين دعوة الجامعة لتنحي الأسد وتسليمه السلطة لنائبه، ولاسيما أن الصين ومعها روسيا دعمتا دمشق في مجلس الأمن الدولي باستخدامهما لحق النقض "الفيتو" لإحباط مشروع قرار يدين نظام الأسد في سوريا ويطالبه بالتخلي عن السلطة.

وخلال زيارته لدمشق يوم السبت الماضي حث نائب وزير الخارجية الصيني، "زهاي جون"، الأطراف جميعاً في الأزمة السورية على انتهاج أسلوب الحوار لحل المشاكل والكف عن استخدام العنف الذي أدى حتى هذه اللحظة إلى سقوط ما لا يقل عن 5400 قتيل حسب الإحصاءات الرسمية للأمم المتحدة. وفي بيان رسمي نشرته وزارة الخارجية الصينية على موقعها الإلكتروني أكد أن "الصين تؤيد جميع جهود الوساطة التي تقوم بها الجامعة العربية لإيجاد حل سياسي للأزمة السورية، وتدعو جميع الأطراف المعنية للرفع من وتيرة التواصل والمفاوضات للتوصل إلى حل مناسب وسلمي". ولم يوضح البيان ما إذا كانت الصين تساند مطالب الجامعة العربية بتنحي الأسد من السلطة وتسليمها لنائبه، وهي الخطة التي سبق أن عارضتها في مجلس الأمن الدولي، كما صوتت ضدها أيضاً في الجمعية العامة للأمم المتحدة خلال الأسبوع الماضي.

ويبدو أن الزيارة التي يؤديها "زهاي" إلى سوريا تندرج في إطار جهود بكين لصرف الانتقادات الدولية اللاذعة التي تعرضت لها إثر استخدامها حق النقض "الفيتو" في الرابع من شهر نوفمبر الجاري في مجلس الأمن الدولي لإسقاط مشروع قرار يدين سوريا تقدمت به المجموعة العربية، ولكن سوريا لا تحظى بالدعم الصيني فقط، بل تستفيد أيضاً من المساندة الإيرانية التي تعتبر أوثق حليف لها في الشرق الأوسط، فقد أوردت قناة "بريس تي، في" الإيرانية أن سفينتين إيرانيتين دخلتا ميناء طرطوس السوري لتدريب القوات السورية البحرية وفقاً لاتفاق موقع بين البلدين قبل سنة. وأضافت وكالة أنباء "مهر" شبه الرسمية في إيران أن الأسطول الذي رسا في الميناء السوري يتكون من مدمرة وسفينة إمدادات، وأوضح تقرير الوكالة أن الأسطول وصل إلى سوريا يوم الجمعة الماضي بعد يوم من حصوله على ترخيص من قبل القوات المسلحة المصرية للمرور عبر قناة السويس إلى البحر الأبيض المتوسط، ولم يتسن التأكد من صحة التقرير، كما أن سوريا لم تدلِ بأي تعليق رسمي حول هذا الموضوع.

وبالعودة إلى المواجهات التي شهدتها العاصمة السورية دمشق فقد أصيب عدد من المحتجين بجروح عندما أطلقت قوات الأمن النار على مشيعي الجنازة بحي "المزة" وسط العاصمة، ونقل ناشطون ومراكز مهتمة، من بينها المرصد السوري لحقوق الإنسان في لندن، خبر سقوط قتيل واحد، بالإضافة إلى إجراء حملة من الاعتقالات طالت عدداً من الناشطين بعد تفريق المظاهرة. وكانت الجنازة تشيع جثامين ثلاثة أشخاص قتلوا في احتجاجات متفرقة شهدتها دمشق والمناطق القريبة منها. وقد أفادت لجان التنسيق المحلية عن مقتل شخصين بالرصاص يوم السبت الماضي وإن لم يتسن التأكد من الحصيلة النهائية. وحسب شهود عيان حضروا المظاهرة فقد بلغ عدد المحتجين 15 ألف مشارك تقريباً لتصبح بذلك هي الأكبر من نوعها التي تخرج في دمشق لمناهضة النظام. وفيما عاشت معظم المدن السورية الأخرى طيلة الفترة السابقة على وقع المظاهرات اليومية التي تجوب الشوارع مطالبة بسقوط النظام ظلت العاصمة دمشق بمنأى عن الاحتجاجات بسبب القبضة الأمنية الشديدة للنظام الذي طوقها بالقوات الأمنية.

وقد أظهرت مقاطع الفيديو التي صورها النشطاء مجموعة من الأشخاص تهتف "الله أكبر... الله أكبر"، بالإضافة إلى رفعها شعارات مثل "واحد واحد الشعب السوري واحد". وقد أشار المرصد السوري لحقوق الإنسان إلى سقوط أربعة قتلى في مختلف أنحاء سوريا يوم السبت الماضي، واللافت أن العنف في دمشق اندلع، كما سبقت الإشارة، بعد وقت قصير من وصول المبعوث الصيني إلى العاصمة لإجراء مباحثات مع الرئيس السوري وبحث أمور الوضع المتأزم في البلاد. ولم يخرج الأسد في حديثه إلى المبعوث الصيني عن الخط الذي التزمه منذ تفجر الأزمة بنسبتها إلى مؤامرة تحاك ضد بلاده، حيث نقلت عنه وكالة الأنباء السورية الرسمية قوله إن الانتفاضة التي تشهدها سوريا "تهدف أساساً إلى تقسيم البلاد وضرب موقعها الجيوسياسي ودورها التاريخي في المنطقة". أما المبعوث الصيني فقد أعرب للصحفيين عقب لقائه الأسد عن أمله في قدرة السلطات السورية على استعادة الاستقرار إلى البلاد، مؤيداً في الوقت نفسه الاستفتاء على الدستور الذي يعتبر عنصراً أساسيّاً في محاولات النظام السوري لحل الأزمة. وعلى رغم انضمام الصين مجدداً إلى روسيا لرفض مشروع قرار غير ملزم تقدمت به المجموعة العربية يوم الخميس الماضي لدى الجمعية العامة للأمم المتحدة، فقد أكد المبعوث الصيني أن بلاده "لا تملك أي مصالح أو أجندات خاصة" تجاه ما يجري، مضيفاً في معرض دفاعه عن استخدام بلاده ل"الفيتو" أن الصين تسعى لاستقرار سوريا وسلامة شعبها.

=================

ثورة من رحم الأحزان والأكفان

اوكتافيا نصر

2012-02-21

النهار

فيما تحلق الطائرات الأميركية من دون طيارين في الأجواء السورية لجمع المعلومات أو استعداداً للتدخّل دعماً للمعارضة السورية، رست السفينتان الايرانيتان في ميناء طرطوس في رسالة تضامن واضحة مع نظام الأسد.

وفيما تحذّر الصين من نشوب حرب أهلية وتطلب من الأسد فرض النظام من جديد، يفوتها أن هذا ما يحاول الرئيس السوري ان يفعله منذ 11 شهراً، إنما من دون جدوى.

وفيما يشرح الجنرالات والسياسيون والخبراء في الغرب تعقيدات التدخّل في سوريا وتحدياته، يدّعون أنهم لا يعرفون أن بلدانهم متورّطة أصلاً بقوّة. فالدعم الذي توفره هذه البلدان للجيش السوري الحر والمساعدة التي تقدّمها للمعارضة السورية من خلال الجيران والحلفاء مثل تركيا والأردن والعراق هي التي تشكّل شريان الحياة للانتفاضة السورية ومقاومتها لقوات الأسد.

قتل نحو 7000 شخص حتى الآن في سوريا، وقد وصلت التظاهرات والقتال إلى العاصمة دمشق حيث أظهر شريط فيديو بُثّ على موقع يوتيوب الإلكتروني أشخاصاً يلوّحون بعلم سوري يعود إلى مرحلة ما قبل الأسد. ومع ذلك، لا يزال الأسد يتوهّم، وينوي إجراء استفتاء على دستور جديد هذا الأسبوع. ويتزامن هذا الاستفتاء مع اجتماع يعقده "أصدقاء سوريا" من أجل التحرّك ومحاولة وقف حمام الدماء.

ليس السؤال المطروح الآن، هل يجب التدخل وما الشكل الذي يجب أن يتخذه هذا التدخل؟ بل إن السؤال الملح هو، ما مدى السرعة التي يجب التدخل بها وبأي ثمن؟

يحتدم السباق داخل سوريا بين فريقَين عقد كل منهما العزم على تحقيق أهدافه. فمن جهة، يتمسّك معسكر الأسد بالسلطة حتى لو كلّفه ذلك عزلة دولية واشتداد المقاومة الداخلية وسقوط أعداد لا تحصى من القتلى. ومن جهة أخرى هناك الجيش السوري الحر المصمم على الوصول بالثورة إلى خواتيمها بإطاحة الأسد من السلطة وتحقيق تغيير حقيقي غير مسبوق في سوريا.

ربما كان يصعب تصوّر مثل هذا السيناريو قبل سنة، لكن حقيقته الساطعة اليوم تثبت أن الثورة في سوريا تتّجه الى ان تكون أم الثورات العربية.

البلد الوحيد الذي كنا نستبعد من قبل حدوث ثورة فيه أو إطاحة نظامه، يقف الآن على عتبة التاريخ حاملاً قلبه بيد والسيف باليد الأخرى.

لن تكون التضحيات، مهما بلغ حجمها، كافية إذا غرقت سوريا في حرب أهلية كما يتخوّف كثر، وكما يتمنّى البعض. لكن المعارضة السورية تعرف ذلك وقد احتاطت له على الأرجح، هذا إذا كانت جادّة في كلامها عن الحرية التي تقول إنها تسعى إلى تحقيقها.

يحتاج العالم العربي إلى ثورة حقيقية يقودها الشعب، أي إسقاط فعلي للديكتاتور من خلال ثورة يخوضها الناس العاديون. كل دقيقة مهمّة في هذه المرحلة، والاستعداد أساسي - الاستعداد للمعركة ولما بعد المعركة.

سيكون لافتاً إذا أظهرت لنا سوريا أن الشعب الذي لم نكن نتوقّع أن يثور، انتفض بالفعل وبثبات حتى الآن، وبالاتّكال على نفسه في الميدان، لا بل أكثر من ذلك أنه ثار كما يجب أن تكون الثورة.

يقول الشاعر العظيم نزار قباني "إن الثورة تولد من رحم الأحزان"، كم يبدو هذا الكلام صحيحاً الآن. وقد تضيف سوريا إليه، من خلال تضحيات عشاق الحرية في صفوف العرب، أن الثورة الحقيقية تولد من رحم الأحزان والأكفان.

=================

في انتظار الخارج

امين قمورية

2012-02-21

النهار

بعد 11 شهراً من المواجهات، يبدو ان النظام السوري عاجز عن إنهاء الاحتجاجات المطالبة برحيل الرئيس بشار الأسد، وقت تؤكد المعارضة السورية انها نزلت إلى الشوارع ولن تتراجع قبل سقوط النظام.

وتبدو خيارات النظام حاليا محصورة في الرهان على الحسم الامني واستغلال تصدع الموقف الدولي بفعل الفيتو المزدوج في مجلس الامن واللعب على عامل الوقت،أملا في إنهاك الشارع وإجباره على التراجع ورفع الراية البيضاء تحت وطأة العمليات العسكرية.

في المقابل، يراهن الشارع على الضغط الدولي، والحض على طلب النجدة المباشرة والسريعة على خلفية المشاهد المتتالية للمجازر التي ترتكب في حمص وغيرها من المناطق في حق المدنيين.

 لكن يبدو أن سقوط نحو ستة آلاف قتيل حتى الان ليس كافياً بعد لرحيل الأسد وليس رادعا للمعارضين السوريين للتراجع.

ومع صعوبة تحقيق الحسم الداخلي في سوريا، تتجه الانظار الى الخارج وما يمكن أن يسفر عنه الحراكان العربي والدولي في المرحلة المقبلة في رهان من كلا طرفي المعادلة على تحقيق مكاسب سياسية للاضرار بالطرف الاخر واضعافه.

واذا كان حكام دمشق نجحوا في توظيف "الفيتو" المزدوج غطاء لمواصلة هجومهم، فان الخطوة التي أقدمت عليها الديبلوماسية العربية في الجمعية العمومية لم تغير شيئا من المشهد السوري، وإن أفلحت في الحصول على الأصوات المطلوبة للقرار بغالبية ساحقة، فغاية ما حصلت عليه الدول العربية هو قرار غير ملزم من المنظمة الدولية، يعزل النظام الى حد ما دوليا، لكنه لم يحقق أدنى مطالب السوريين الرازحين تحت القصف اليومي.

 ما يجري في المحافل الدولية يكشف للمرة الاولى وبوضوح تام، كيف تحول الصراع على سوريا، اقليمياً ودولياً، ساحة اختبار مكشوفة للقوى العظمى، في ما يعيد الى الذاكرة مشاريع الحروب الاقليمية المباشرة او بالوكالة لاعادة تقسيم الخرائط الجيوسياسية. وفي انتظار ما سيسفر عنه "مؤتمر اصدقاء الشعب السوري" في تونس، يمكن القول ان المنطقة كلها تعيش على وقع الحدث السوري الذي يتحول، يوماً بعد يوم، الصاعق الأكبر في أي تفجير اقليمي محتمل، في ضوء المعادلة الدولية التي تحكم الصراع على سوريا، وعلى مواقع النفوذ في المنطقة.

كل هذا يعني أن الموقف من سوريا، على المستوى الدولي، يتجاوز الحدود السورية وعوامل الصراع السوري الداخلي، كما يتجاوز في بعض أبعاده الصراع العربي - الاسرائيلي، وتاليا ينبغي عدم انتظار ما ستحمله التطورات الداخلية بل انتظار ما اذا كانت عمليات التفاوض والمساومة بين اللاعبين الكبار، في حال حصولها، قادرة على ايجاد معادلة جيو سياسية جديدة تحفظ لروسيا والصين مصالحهما او بعضا منها، الا اذا كانت مثل هذه التسوية مستحيلة الآن وعندها يظل صاعق التفجير مشتعلاً.

=================

"رأس السوق" لبيع نظام الأسد؟!

راجح الخوري

2012-02-21

النهار

ماذا يمكن ان تقول روسيا لدول مجلس التعاون الخليجي، التي تدعم بقوة تغيير النظام في سوريا؟ هل تريد ان تشرح موقفها المنافي للمنطق في دعمها الأعمى للأسد وتسليحه ودعمه سياسياً بالفيتو، ثم في الوقوف ضد الاجماع الدولي في الجمعية العمومية؟ وهل تظن انها تملك حجة يمكن ان تقنع احداً من الخليجيين والعرب اجمعين؟

واضح تماماً ان موسكو تريد ان تحفظ خط الرجعة في علاقاتها مع دول المنطقة، ربما بعدما اقتنعت ضمناً بأنها ستخسر النظام، وان ليس من الضروري ان تخسر في المقابل الدول العربية وخصوصاً الخليجية بعد سياسة الانفتاح التي سبق للملك عبدالله ان نفخها في العلاقات السعودية - الروسية.

واضح اكثر ان هذا هو وقت "رأس السوق"، كما يقال في اعمال التجارة، بمعنى ان موسكو تملك الآن فترة اسبوعين فقط لتقايض موقفها الداعم للنظام بمنافع في المنطقة وتبييض سمعتها في العالم، وبعد هذه الفترة تفقد "البضاعة الروسية قيمتها السوقية"... كيف؟

اولاً: تشعر موسكو بفداحة موقفها بعد الاجماع الدولي في الامم المتحدة ضد النظام السوري وتتخوف من عزلة دولية قد تطاولها بعد اجتماع "اصدقاء الشعب السوري" في تونس في 24 الجاري، وثمة تساؤلات روسية متزايدة مفادها: ما النفع اذا ربحنا نظاماً سيخرج منهكاً من حربه ضد شعبه، إن خرج، وخسرنا في المقابل العرب واحترام العالم؟

ثانياً: أبدت المعارضة السورية تكراراً استعدادها للحفاظ على المصالح الروسية، فلماذا المضي في استعداء الشعب السوري، وخصوصاً بعدما تأكد ميدانياً فشل الحل الامني، والدليل ان التظاهرات وصلت الى قلب دمشق وحلب وان القصف المدفعي دمر احياء في حمص ولم ينه المعارضة، اضف الى ذلك ان الانشقاقات في الجيش الى ازدياد وهذا يعني ان الرهان الروسي على بقاء النظام بات خاسراً؟

ثالثاً: لقد فشلت موسكو في اقناع النظام بوقف موقت للنار في حمص بطلب من المعارضة ولأسباب انسانية، وهذا سبب لها احراجاً وهي التي دأبت على الدعوة الى الحوار، فقد سبق لميدفيديف وبوتين ان قالا قبل اشهر إن على النظام ان يرحل اذا لم يتوصل الى حوار يؤدي الى الاصلاحات.

رابعاً: في 4 آذار تنتهي الانتخابات الروسية وتنتفي حاجة بوتين لإظهار انه يحافظ على روسيا دولة كبرى تواجه اميركا والغرب، وهو ما يعجب الناخب الروسي وسيدفعه الى تأييد بوتين. بعد هذه الفترة تتقدم حسابات المصالح، بمعنى ان ما قد تبيعه موسكو اليوم للخليجيين وربما بالدولار وللعالم بالخروج من موقع "الروسي البشع" قد لا تجد من يشتريه غداً. فهل نحن فعلاً امام استدراج روسي للعروض الخليجية لبيع النظام السوري؟!

=================

الإسرائيليون مذعورون .. وكذلك شبيحة الأسد!!

ياسر الزعاترة

الدستور

21-2-2012

يرى مراقبون أن التقرير السنوي الذي أصدره مؤخرا "معهد أبحاث الأمن القومي" في جامعة تل أبيب تحت عنوان "تقديرات إستراتيجية لإسرائيل لعام 2011" هو الأكثر سوداوية بين تقارير المعهد منذ إنشائه عام 1983.

ويرى التقرير أن "الصورة قاتمة على كل الجبهات: تدهور خطير في الوضع الإستراتيجي لإسرائيل وفي مكانتها الدولية، تراجع مكانة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط يُفقد إسرائيل هيبتها الردعية، الجبهة الداخلية ليست جاهزة لحرب، المستوى السياسي لا يبادر إلى شيء لتحريك العملية السياسية، وإسرائيل تبدو عاجزة أمام الربيع العربي".

هذا الكلام ليس من عندنا، وبوسع المدافعين عن نظام بشار الأسد أن يواصلوا الحديث عن المؤامرة التي يقودها "برنار ليفي" لحساب نتنياهو، من أجل ضرب نظام المقاومة والممانعة في دمشق، أو تفتيت المنطقة وفق نظرية "الفوضى الخلاقة"، إلى غير ذلك من أحاديث المؤامرة الكونية التي يقودها الغرب وأمريكا من أجل السيطرة على المنطقة.

لسنا ضد مقولة المؤامرة، فالغرب يتآمر علينا، والكيان الصهيوني جزء من المنظومة الغربية، وربما أصبح عبر أذرعه السياسية موجها لسياسات تلك المنظومة فيما خصَّ هذه المنطقة على وجه التحديد، لكننا نرى أيضا أن هذه الأمة ليست كمَّا مهملا تغوص في لحمها المؤامرات كما تغوص السكين في قطعة الزبدة، بدليل أن كثيرا من المؤامرات الكبيرة التي استهدفتها قد تكسَّرت على صخرة صمود أبنائها وقواها الحية؛ من مؤامرة أوسلو التي كان ينبغي أن تنتهي بتنصيب الكيان الصهيوني سيدا على منطقة الشرق الأوسط، إلى احتلال العراق الذي كان ينبغي أن ينتهي بإعادة تشكيل المنطقة على أساس مصلحة الكيان الصهيوني والولايات المتحدة بشكل خاص، وصولا إلى مشروع السلطة الفلسطينية بطبعتها الجديدة الذي كان ينبغي أن ينتهي بتأبيد الصراع وجعله مجرد نزاع حدودي بين دولتين لا تسيطر الفلسطينية منها سوى على ما يتركه الجدار الأمني من الضفة الغربية (أقل من خمسين في المئة)، مع أن هذا المشروع لم يُدفن عمليا إلى الآن، ولن تدفنه سوى انتفاضة شاملة تستلهم الربيع العربي.

الظواهر الثلاثة الأساسية التي قد تقود الكيان الصهيوني إلى كارثة بحسب التقرير إياه هي "الربيع العربي، انهيار عملية السلام والتراجع الكبير في مكانة أمريكا عالميا"، وبمفهوم المخالفة، فالظواهر الثلاثة هي التي تمنحنا الأمل بالمستقبل الواعد لهذه الأمة، ومن ضمن ذلك إنهاء المشروع الصهيوني برمته، إضافة بالطبع إلى البعد الذي ورد آنفا ممثلا في تآكل الجبهة الداخلية الإسرائيلية على مختلف المستويات العسكرية والأمنية والسياسية والاجتماعية، وهذه الأخيرة هي السبب الذي أفضى إلى هزيمة تموز 2006 وفشل الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وتبعا لها الخضوع لحركة حماس والموافقة على جزء كبير من شروطها فيما خصَّ شفقة شاليط بعد الفشل في الوصول إلى الجندي رغم خمس سنوات من البحث المضني.

لا أعتقد أن ثمة خلافا كبيرا حول هذا البعد الأخير، ربما باستثناء آراء لبعض المهزومين الذي لا يرون ضعف الطرف الآخر وتآكل مكانته. كما لا خلاف على تراجع مكانة الولايات المتحدة على الصعيد الدولي، وأهميته الكبيرة فيما يتعلق بوضع المنطقة، ليس فقط لأن دولة الاحتلال قد استندت إلى القوة الأمريكية في غطرستها وتجاهلها للقوانين الدولية، بل أيضا لأن الأمة العربية والإسلامية كانت الأكثر تضررا من التفرد الأمريكي بالمشهد الدولي.

يبقى الربيع العربي الذي يشكل عنصر الخلاف بيننا وبين بعض القوم، وهنا يمكن القول إن أهمية هذا الربيع تكمن في تهديده للسياج الأمني (الرسمي العربي) الذي استند إليه الكيان، ومنح القرار للشعوب العربية التي لم ولن تعترف يوما بشرعية الاحتلال لأي شبر من الأرض الفلسطينية، كما لا ترى غير القوة سبيلا للتخلص من ذلك الاحتلال.

عندما يفكر نتنياهو ببناء سياج أمني على الحدود الأردنية، وآخر على الحدود اللبنانية، فهذا يعكس إدراكه لحقيقة أن تدفق الملايين عبر الحدود في لحظة معينة لا يبدو مستبعدا، لاسيما إذا تزامن مع انتفاضة عارمة في الضفة الغربية. ولا تسأل بعد ذلك عن نهاية أحلام التسوية والتطبيع التي تتطلب ثمنا لا يمكن دفعه من دون تهديد المكانة الإستراتيجية للكيان برمته، مع أن دفع ذلك الثمن لن يقنع الجماهير العربية بشرعية الكيان.

هل نحتاج أكثر من ذلك كي نتفاءل بهذا الربيع العربي المتزامن مع تطورات أخرى إيجابية ذكرت آنفا، أم أن علينا أن نشارك في "كربلائية" آل الأسد، وننسى أن شعب سوريا أكثر مقاومة وممانعة من أي نظام مهما كان، فضلا عن أن يكون نظاما دكتاتوريا فاسدا لا يفكر إلا في بقائه مهما كان الثمن (خطاب بشار الأسد ورامي مخلوف الموجه للغرب والذي يركز على أمن الكيان الصهيوني دليل على ذلك).

=================

الى الشعب السوري .. اعتذار مشفوع بالاعتزاز

حسين الرواشدة

الدستور

21-2-2012

معهم حق اخواننا السوريون حين يصرخون "يا وحدنا" او حين يشعرون باليتم او الخيبة من اشقائهم العرب الذين تركوهم في الميادين مكشوفي الصدور والظهور امام ابشع انواع القتل والحصار والاعتقال والتشريد.

على مدى عام كامل، جرّب النظام كل ادوات "الترويع" والترهيب لاخماد ثورة الشعب واضعاف روحه المعنوية، استعان بحلفائه واصدقائه، وجيّش المرتبطين به من الشبيحة ورجال الدين والمال لضرب وحدة الشعب وتمزيقه واللعب على اوتار "الطائفية" والمذهب، قطّع اصابع الفنانين وحناجر المنشدين وهتك اعراض "الحرائر" واغتال طفولة الاطفال لكنه فشل في ازهاق روح الانتفاضة وعجز عن استعادة جمهورية الخوف وارتبك امام صرخات "الحرية" وانهزم في وجه ارادة الناس المطالبين بالكرامة والتحرر والاستقلال.

من واجبنا –نحن الذين نتسمر امام الشاشات الملطخة بدماء اهل سوريا العزيزة- ان نعتذر لهم، ومن حقهم علينا ان نشهر غضبنا على هذه "الجريمة" التي ارتكبت ضدهم، ذلك –بالطبع- اقل الواجب واضعف الايمان، اما الذين انحازوا "للقمع" دفاعا عن وهم "الممانعة" وفتحوا اعينهم على المشهد من زاوية "المؤامرة" التي روّج لها النظام واختاروا "القتال" في خندق "العروبة" المغشوشة التي اختزلت في "بقاء الزعيم" حتى آخر مواطن، هؤلاء لا يمثلون الا انفسهم ولا يعبرون الا عن ثقافاتهم الاستعلائية وموازينهم المزدوجة وعقدة النقص التي ولدتها فيهم طبائع الاستعباد.

لا قيمة "للعروبة" اذا تخاصمت مع الحرية، ولا معنى "للممانعة" اذا استلبت كرامة الناس، ولا جدوى من الصمود اذا كان المستهدف هو الشعب الاعزل، ولا منطق في الدفاع عن الوطن اذا اختزل في زعيم او نظام، ولا معنى للشجاعة اذا جاءت على ظهر "دبابة" تدك بيوت الناس الآمنين، ولا اسوأ من موقف او خيار يحاول ان يعيد "شرعية" انتزعت مع اول قطرة دم سالت من اوردة ثائر او شهيد، ولا اسخف من مقولة: اقتل شعبي.. فأنا اذن ممانع!!

ما يحدث في سوريا جريمة، وابشع منها ان نصمت عليها، او ان يتواطأ البعض مع النظام الذي ارتكبها، واذا كان ليس بمقدور الحكومات العربية وجامعتهم ان يفعلوا اكثر مما فعلوا فان من واجب الشعوب العربية ان تنهض لتتحمل مسؤولياتها تجاه اشقائها السوريين فمن المخجل في "الربيع العربي" الذي اسقط منا اوهام الخوف والرق والشعور بضعف الحيلة ان نقف صامتين على هذه المجازر او عاجزين عن تقديم اي عون او مساعدة لاخواننا الذين يواجهون القذائف بالاهازيج، والدبابات بالزعاريد وجحافل "التتار" بالتكبير ودق الاجراس والاعتماد على الله ثم على "بسالة" الثائرين.

وبمقدار ما نشعر بالخجل ونحن نعتذر لأخواننا هناك: لدماء شهدائهم وصرخات حرائرهم وأنّات اطفالهم الجائعين المشردين، واستغاثات ابطالهم الصامدين، نشعر ايضا بالاعتزاز بهم، ونندهش من صمودهم وارادتهم التي لم تكسر، ومن اصرارهم على انتزاع حريتهم وكرامتهم حتى لو كان ثمنها مليون شهيد.

حين قرأت امس رد ابنة نزار قباني على سفير سوريا في الامم المتحدة تذكرت فلول "المؤامرة" الذين اغرقونا بمدائحهم للنظام، وقلت في نفسي: ليتهم يتعلمون من هذه الفتاة التي شعرت بالاهانة لمجرد ان اشعار ابيها جرت على لسان رجل لم ير الوطن الا في صورة زعيم قاتل، ولم ير نزار قباني الا في قصيدة تنعي العروبة.. هذه هي التي ذبحت لكي "يحيا النظام".

لا خيار امام "الدم" السوري سوى الانتصار، هذا منطق التاريخ ومنطق الواقع ويخطىء من يتصور عكس ذلك او يراهن عليه، فالشعب الذي ظل واقفا اكثر من عام، ودفع نحو عشرة آلاف شهيد وتحمل عجز الاشقاء و"تمنع" الغرباء عن التدخل الذي يرفضه اصلا، واصرّ على سلمية ثورته رغم فداحة القتل، وابدع في كشف "عورات" النظام، هذا الشعب الذي اراد الحياة لا بد ان ينتصر ولا بد ان يستجيب له القدر!!!

=================

جراح سورية الدامية...محنتنا الحضارية وأزمتنا الأخلاقية

د. يحيى مصطفى كامل

2012-02-20

القدس العربي

في مسرحية كاسك يا وطن الرائعة طالما استوقفني العبقري الراحل الماغوط بمشهدٍ مدهشٍ مؤلمٍ في تركيزه لمعاني عميقة تتخطى قصر الزمن الذي يستغرقه...فيه نرى البطل وقد قصد أحد المسؤولين ليشكو له موت ابنته نتيجة الفقر والإهمال فيجيبه الأخير بأن الاستعمار وحده وليس غيره يتحمل المسؤولية على موتها...أبداً لا يتقبل ذلك المسؤول المحتقن أية محاولة للشرح مؤكداً استحالة أن يتسبب أي طرفٍ آخر سوى الاستعمار في هذه الجريمة، حتى إذا ما ألح عليه الأب المكلوم انفجر المسؤول منتحباً بصورةٍ مضحكة معترفاً بعبثية ما كان يؤكده ويقسم عليه من هراء...

لعل هذا المشهد المسرحي يحاكي مشاهد متكررة من تاريخنا العربي المعاصر بما يغني عن آلاف الكلمات والتحليلات وخاصةً فيما يتعلق بردود الأفعال والتعليقات على مأساة الشعب السوري، إذ أننا هنا بإزاء نظامٍ مجرمٍ أشبه بالتشكيل العصابي يشن هجمة الوحشية وحرب إبادة على شعبٍ أعزلٍ في غالبه يُضام حقه على مرأى من العالم أجمع...نظامٌ فاشل أسقط بحماقة رموزه ورعونة دمويته كل دعاوى المبادئ التي طالما ستر بها حقيقته التي تقرن بين القمع والإقصاء؛ وعلى ذلك فهي صورة أبسط وأوضح من المعتاد في محيطٍ ديدنه التعقيد والتشابك، إلا أننا على الرغم من ذلك نجد من يدافعون عنه ويجدون له المبررات من قوميةٍ إلى تحرريةٍ إلى إصرارٍ على السيادة الخ... لست أضيف جديداً حين أؤكد أن منطقتنا على مفترق طرقٍ مشرفٍ على كل الاحتمالات في عالمٍ جديدٍ ذي قوى فتيةٍ صاعدة، وليس من قبيل الصدفة أن ذلك يتزامن مع وصولنا إلى الفصل الأخير من قصة قرنٍ أو ما يقارب ذلك من بحث العرب عن الحداثة بكل ما لازمه من آلامٍ واضطراباتٍ وتخبط، لذا فإني أعتقد أنه من المشروع طرح أسئلةٍ عديدة ، بالإضافة إلى ضرورة تقييم تلك التجربة نقدياً.

...و ليس كالثورة السورية تقحمنا في خضم تلك التساؤلات؛ فالبلد مهد الفكر القومي العربي، عرف أهم منظريه وأنطقهم وأبعدهم أثراً...كما أن له قدم السبق في الانقلابات العسكرية، وعلى ذلك فهو أفضل مثالٍ على الملابسات والإشكاليات العميقة التي صاحبت ميلاد هذه الأفكار وخيرُ شاهدٍ على فورات الحماسة التي أفضت إلى الكابوس الذي يعيشه الشعب السوري. مما لايخفى على أحد أن لهاث العرب وراء الحداثة استجابةٌ لتحدي واستفزاز الغرب المتفوق الذي صفعهم مرتين، مرةً بالاحتلال المباشر والمرة الأخرى بزرع الكيان الصهيوني يرهقهم ويستنزفهم، وأمام ضعفهم وتشرذمهم وشعورهم العميق بالإهانة أخذوا يصيغون أحلاماً عن قومية جديدة لها جذورٌ في الوجدان والعاطفة كما جعلوا يحاولون الاستفادة من الغرب بصورةٍ انتقائيةٍ وفق تصورهم عما يحتاجونه ...وفي دفاعٍ عن ذاتٍ جريحة ترى في ماضيها تفوقاًُ فكرياً وفنياً رفضوا الكثير من الأفكار الحداثية التحررية بدعوى التزام الأصالة ملتفتين أكثر إلى الجانب التقني والعلمي والعسكري وتنظيمات الأحزاب (وبخاصةٍ السرى منها) على حساب الحرية الفردية في المعتقد والأفكار؛ واندفع هؤلاء المنظرون يروجون لتعاليمهم في أوساط العسكر لما يمثلونه من فصيلٍ أحكم تنظيماً على خلفيةٍ اجتماعيةٍ من التأخر والترهل، وفي معادلة الفرد أمام الدولة انحازوا للأخيرة بوصفها تجسيداً للكيان المنظم التقني الفعال الذي سينتشل المحيط الإقليمي من تخلفه وانهياره...

مع الزمن وتكاثر وتعاقب الطغم العسكرية والأمنية ذابت المشاعر الحارة والنوايا الطيبة بين أهل السلطة ولم يتبق من هذا المشروع فعلياً سوى جدران الدول الباطشة كالسجون ونار العسكر وفولاذهم يضرب الشعوب بلا هوادة وأغاني جميلة تثير الشجون والذكريات عن مشاريع وتجارب وحدةٍ فاشلة مشفوعة بوصلات التخوين والردح بين الأنظمة...

لم يتحقق شيء، لا التقدم ولا الحرية ولا الثأر من الغرب وإسرائيل والأنظمة تلقي بتبعة كل ذلك على الاستعمار كالبطل في مسرحية الماغوط...و بقيت الشعوب تحن بصورةٍ غامضة إلى كل تلك الأحلام والطموحات...

من حقنا إذن أن نتساءل أين مكمن الخطأ وأساسه؟

هل سرق العسكر والطغاة حداثتنا وهربوا بها أم أنها، وبصيغتها القومية العربية تحديدا، تقوم على أسسٍ واهية أصلاً وتتجاوز الواقع الموضوعي؟ كيف تأتى أن كل المشاريع التحديثية، سواء منها من تحالف مع الشرق أو من تحالف مع الغرب انتهى إلى القمع والبطش الأمني وجميعاً انتهوا إلى الفشل والهزائم بصورةٍ أو بأخرى؟ هل يُعقل أن ما يعرف بالدول التقدمية، أي الجمهوريات، قتلت من شعوبها واعتقلت وعذبت أكثر بمراحل مما فعلته الأنظمة الرجعية وأنها أطلقت جيوشها على الناس تذيقهم من العذاب والمهانة جهاراً نهاراً ما تتحرج عن فعله جيوش الاحتلال؟!

أجل الغرب مجرم، ولكننا حكامنا لم يكونوا أبداً ملائكة...

أجل، لقد كان تحدي إسرائيل لنا تحدياً وجودياً وحضارياً وقد فشلت هذه الأنظمة فيه بامتياز ولم تتسلح سوى بالمناورات والمزايدات و بتهم العمالة يلقيها زعماء تلك الأنظمة على بعضهم البعض في لعبة كراسي موسيقية سخيفة لم تعد تمتع أو تقنع أحداً بعد أن تكشف أنهم جميعاً سواء في الوضاعة واللصوصية والقمع وأن أحداً منهم لم يشذ عن العلاقات مع قوى خارجية وإنما تتفاوت الدرجة قرباً وتنسيقاً فحسب... النظام الإسرائيلي نظام حقير وعنصري لكن رد فعل تلك الأنظمة عليه كان المزيد من القمع تجاه شعوبهم والعنصرية تجاه طوائف بعينها عبر سياسة فرق تسد استخدموها للسيطرة والمناداة بصيغٍ من الوحدة وأنماطٍ من الدولة الحديثة تخطت الخصوصيات المحلية والطائفية... في البداية لم تعترف بها ثم تبين على مر التاريخ والأحداث أنها في صلب تصورات هؤلاء القادة عن كيفية إدارة الدولة والمجتمع...

أجل إن أسرائيل كيانٌ حقير ولكن تلك الأنظمة لا تقل عنه حقارةً خاصةً أنها لم تطرح بديلاً حضارياً مشرقاً تثبت به قدر شعوبها وجدوى وجودها.

لم تعرِ الثورة السورية وحشية النظام وبنيته الطائفية وإفلاسه فحسب وإنما كشفت عن خللٍ عميق في مشروعنا الحضاري وفي تصدينا لمشاكلنا، فهي اندلعت لأسبابٍ موضوعيةٍ مشروعة من القمع والإقصاء والإهانة والإفقار، وعوضاً عن الترحيب بها انتصاراً للحق أوحتى محاولة الفهم والدرس نرى الكثيرين ممن تصلبت أفكارهم على رطاناتٍ محفوظة ومكررة يأبون في تشنجٍ إلا أن يروا في ثناياها أصابع خارجية ومؤامرات متخذين من الغرب وإسرائيل مشجباً مريحاً يعلقون عليه فشل ذلك النظام ومحنته...قد تحاول الدول استغلال الموقف وهذا من طبائع السياسة، إلا أن ذلك لا يعني النيل من نقاء الثورة؛ أما الأقبح من ذوي القناعات العتيقة فهم أوائك الذين تلتقي مصالحهم الفئوية مع النظام فيدافعون عنه باسم المقاومة على حساب الدم السوري...

يا سادة إن الثورة السورية قبل أن تثير تلك التساؤلات تكشف عن أزمةٍ أخلاقيةٍ عنيفة لدى الكثير من مثقفينا ونخبنا...أولئك الذين يتحدثون باسم الشعوب بينما يكفرون بمقدرتها وأولية حراكها منتظرين الخلاص من أنظمةٍ مجرمة أسقطوا عليها تصورات مثالية من الوطنية والممانعة الخ والذين يصطفون معها نكاية في الغرب فقط... ليس من شريفٍ يود التدخل الغربي أو ينتظر منه خيراً، غير أن المسؤولية الأساسية في ذلك المأزق تقع على عاتق الأنظمة التي لا مانع لديها من دفع أوطانها إلى هوة الجحيم بديلاً عن الرحيل.

إن الشعوب العربية تتحرك وتتحرر، وعلينا الإجابة على كل تلك الأسئلة التي أسلفت لكي نضمن أن يأتي الغد كما نتمناه. أنا لا أزعم أن لدي الإجابة عليها، إلا أنني أعلم أن ميراثنا من شعارات الوحدة وهتافات الحماسة تحتاج إلى إعادة النظر والتنقيح في أقل تقدير...آن أن نمتلك الشجاعة للاعتراف بأخطائنا وعلينا أن نفهم لماذا انتهت كل مشاريع التحديث إلى كوارث بغية إرساء قواعد مشروعٍ جديد قادرٍ على الاستمرار والنجاح..كما أعلم أن قارئ التاريخ في المستقبل لن يملك سوى أن يشيح وجه عن الستة عقودٍ من الجنون الماضية في اشمئزاز.

' كاتب مصري

=================

... أن ينطق المجلس السوريّ

الثلاثاء, 21 فبراير 2012

حازم صاغيّة

الحياة

يحتمي النظام السوريّ اليوم بالفيتو الروسيّ - الصينيّ. إلاّ أنّه يحتمي أيضاً بتفتّت المجتمع السوريّ وبالتناقضات الناجمة عن تفاوته الدينيّ والإثنيّ، الطبقيّ والمناطقيّ، التي لا تزيدها استطالة النزاع إلاّ احتداماً.

فإذا أضفنا طبيعة السلطة السوريّة كسلطة اعتادت الإمساك بخناق المجتمع، بدا الأفق غنيّاً بالكوارث والدمار. ذلك أنّ تصدّع الطرف المُمسك سيضاعف تصدّع الطرف الممسوك لعقود طويلة. وكلّما تعاظم الألم والحقد، زاد توقّع الأسوأ: وعي سلاحيّ وسلفيّ أكثر، مشاعر طائفيّة أقوى، خطف وديّات عشائريّة...

قدرة «المجلس الوطنيّ السوريّ» على تقصير أمد هذا الوضع قد تكون محدودة. إلاّ أنّ هذه المحدوديّة لم تُستعمل حتّى اليوم، وما استُعمل معها لم يُستعمل كما يجب. الحائل دون ذلك عدد من الثقّالات المترسّبة عن وعي «قومجيّ» هو الوعي نفسه الذي استخدمه النظام طويلاً ودائماً لقمع الشعب السوريّ ولإبقائه خاضعاً مدجّناً.

الصمت والتأتأة لا يجديان هنا نفعاً.

المقصود بذلك مبادرة للخارج وللداخل معاً قد تقصّر أمد الوضع هذا وقد تحدّ من احتمالاته الأسوأ.

صحيح أنّ العالم قد لا يكون في وارد التدخّل لأسباب كثر الحديث عنها، وأنّ الفيتو الروسيّ - الصينيّ يصعّب مثل هذا الاحتمال في حال وجوده. إلاّ أنّ «المجلس الوطنيّ» أمام فداحة الوضع القائم مطالَب بإغراء العالم بأن يتدخّل، علماً بأنّه قد ينجح في هذا وقد يفشل. يزيد في إلحاح ذلك ضرورة موازنة الحضور الإسلاميّ الراديكاليّ، الكاره للغرب، في صفوف المعارضة، وهو حضور مؤهّل للتعاظم مع تمادي القمع والإحساس بأنّه «ما إلنا غيرك يا الله».

الإغراء، وهنا تتلاقى مخاطبة الخارج والداخل، يمكن أن يرتكز إلى رفع الصوت في مخاطبة الأقليّات الدينيّة والمذهبيّة والإثنيّة (العلويّين، المسيحيّين، الأكراد...)، ورفع الصوت في إدانة ما يستفزّهم وما ومن يخيفهم، وفي تزكية ما يطمئنهم خطاباً ورموزاً. مثل هذا السلوك، الذي أشار إلى ضرورته كبار المسؤولين الغربيّين، شرط حيويّ لتوسيع الانخراط في الانتفاضة، وعلى المدى الأبعد، لوقف التفسّخ الذي يضرب النسيج الوطنيّ السوريّ. وإذا كان من العلامات الإيجابيّة الأخيرة توسّع حركة التظاهر ووصولها إلى أمكنة أساسيّة في دمشق وحلب، فهذا ما يطرح مخاطبة بيئة رجال الأعمال وطمأنتها إلى مركزيّة دور القانون في تنظيم الحياة الاقتصاديّة للمستقبل، ناهيك عن توفير ضمانات في ما خصّ الملكيّة وحرّيّة التجارة وتشجيع المشاريع.

وفي مجال الإغراء، لا بدّ من إنهاء سياسة «اللا حرب واللا سلام» المدمّرة للنظام السابق، والقول الصريح والقاطع بأنّ دمشق المستقبل ستكون في غير هذا الوارد. وهنا ثمّة موروث عن عهد الأسد الأب قابل للاستكشاف، يتصدّره ما عُرف ب»وديعة رابين» في 1993، حين أوصل رئيس حكومة إسرائيل الراحل رسالته الشفويّة إلى السوريّين، عارضاً إنهاء النزاع الإسرائيليّ السوريّ وتطبيع العلاقات بين البلدين مقابل انسحاب من الجولان خلال خمس سنوات.

فحتّى حافظ الأسد، الذي لم يكن يريد الحرب، فاوض مرّة بعد مرّة على أساس «الوديعة». إلاّ أنّه، لأنّه لم يُرد السلام كذلك، أحبط النتيجة وأبقى الأمور على حالها.

هذه العناوين مأخوذة معاً يجمع بينها منح الأولويّة للوطنيّة السوريّة ومصالحها على كلّ اعتبار آخر. أمّا بالمعنى العمليّ المباشر فهي قد تساعد على تقصير أمد الألم والتفسّخ وعلى محاصرة الآثار والنتائج الناجمة عنهما.

طبعاً لا توجد حلول قاطعة ونهائيّة وخلاصيّة، كما لا توجد ضمانات. ما يوجد هو المسؤوليّة عن شعب والواجب حياله، وأوّل المسؤوليّة والواجب هو النطق.

=================

لماذا يرفض الغرب التدخل في سورية؟

الثلاثاء, 21 فبراير 2012

الياس حرفوش

الحياة

بحجة تفكك المعارضة، يعلن الغرب إحجامه عن التدخل لوقف المأساة التي يواجهها الشعب السوري. بعد نيكولا ساركوزي وديفيد كاميرون، اللذين كانا الراعيين الحقيقيين لإنقاذ ليبيا من حكم معمر القذافي، وبعد الامين العام للحلف الاطلسي الذي لعبت قواته الدور الاكبر في حماية الثوار الليبيين ولو من الجو، ها هو رئيس هيئة الاركان الاميركية الجنرال مارتن ديمبسي يقول بوضوح ان «سورية ليست ليبيا اخرى»، ثم يضيف: «أتحدى أن يستطيع أي شخص أن يحدد لي بوضوح حركة المعارضة في سورية في هذه المرحلة».

كلهم يطالبون المعارضة السورية ببرنامج سياسي وخطة عمل لما بعد حكم بشار الاسد. وكلهم يشكون من ان هناك «معارضات» داخل المعارضة السورية. وكل هذا صحيح ومنطقي. والمعارضة نفسها تعترف بتفككها، وهي مطالبة بالعمل أكثر لتوحيد صفوف المعارضين الحقيقيين للنظام (اي غير اولئك الذين يعيّنهم النظام «معارضين»)، وللعمل على طمأنة الداخل والخارج الى المرحلة المقبلة. لكن الشكوك تدور حول خلفيات المواقف الغربية من النظام ومن المعارضة، والتي بات يمكن ان ينطبق عليها القول بأنها مطلب حق يراد به باطل.

أليس غريباً ان يوضع هذا الشرط على المعارضة السورية، بحجة انها غير موحدة، بينما يعرف الجميع طبيعة التفكك الذي كان قائماً داخل «المجلس الانتقالي» في ليبيا، وبين صفوف المعارضة الليبية، بين اسلاميين ودعاة دولة مدنية، وحتى بعض من عملوا مع النظام السابق. ومع ذلك، فان تلك الاختلافات لم تحُل دون توفير الدعم الغربي، السياسي والعسكري، للمعارضة الليبية، ولولاه لكان معمر القذافي ما زال يدير «الجماهيرية العظمى» حتى اليوم من باب العزيزية.

كلنا يعرف ذلك، والأدهى هو الاعتراف الغربي بأن القدرات العسكرية للنظام السوري تسمح له بإدارة المواجهات لفترة طويلة، فضلاً عن الامكانات التي يمكن ان يوفرها له الدعم الايراني والروسي، والبلدان اعلنا بوضوح حرصهما على بقاء هذا النظام. اي ان النظام السوري لا يقاتل وحده، بينما المعارضة متروكة لتدبر امرها، تعينها بعض المساعدات المالية التي تحصل عليها من رجال اعمال سوريين يقيمون في الخارج، ولا تعتمد في تسلّحها سوى على بعض عمليات التهريب، اضافة الى ما يستطيع العناصر المنشقون حمله معهم عند فرارهم، ومن الطبيعي ان لا يتعدى ذلك اسلحتهم الفردية.

كيف يمكن اذن في ظل هذا التفاوت الكبير في ميزان القوى، ان تتوقع الدول الغربية ان المعارضة ستتمكن بمفردها من اسقاط النظام؟ ثم، هل يصعب توقع ما يمكن ان يحصل في سورية في حال تمكن هذا النظام من البقاء؟ هل يمكن تقدير حجم القتل واعمال الانتقام التي ستقع في هذه الحال، والتي سيكون ما يحصل اليوم بالمقارنة معها مجرد نزهة بالنسبة الى المعارضة؟

لقد لعب الجيشان التونسي والمصري دوراً كبيراً في منع تحوّل رغبة هذين الشعبين في الحرية الى مجازر على يد نظامي بن علي وحسني مبارك. وساهم الجيشان بالتالي في الحؤول دون التدخل الخارجي، فأنجبت الثورتان نظامين جديدين من دون حاجة الى هذا القدر من الدماء الذي يسيل اليوم في شوارع المدن السورية، ومن قبلها في ليبيا. ولكن ما العمل اذا كان الجيش السوري، بمعظم ضباطه وافراده، جيشاً عقائدياً مهمته الاولى هي حماية النظام. وتربيته العسكرية تقوم على عدم التردد في قمع الشعب اذا تجرأ يوماً على رفع صوته في وجه قيادته؟

التدخل الخارجي ليس الحل الافضل لوضع حد للمأساة السورية. لكن ظروف المواجهة تؤكد يوماً بعد آخر انه من دون هذا التدخل ستتفاقم هذه المأساة وسيزداد عدد القتلى. فقد بات واضحاً ان البديل لعدم التدخل هو ترك سورية تنزلق الى الحرب الاهلية. قد يكون هذا ما يريده دعاة عدم التدخل وأعداء الشعب السوري، ولكنه بالتأكيد ليس ما يستحقه السوريون.

=================

سوريا: حرب أهلية ومسألة دولية

باسم الجسر

الشرق الاوسط

21-2-2012

كل شيء يدل على أن الانتفاضة الشعبية في مدن سوريا، تحولت إلى ثورة، وأن الثورة في تصاعدها آخذة في التحول إلى حرب أهلية، بل إلى «مسألة دولية». وهذا ما لم يحصل في الدول العربية الأخرى التي عصفت بها «نسائم» الربيع العربي.

لقد استمد النظام السوري من الفيتو الروسي - الصيني في مجلس الأمن، عزما للمضي في قمع الثورة الشعبية. ولا شيء في الأفق يدل على أن حلا تفاوضيا سلميا بين النظام والثائرين، وارد أو ممكن في الظروف الراهنة. كذلك أبواب الحل الدولي أو العربي هي شبه مغلقة.

لقد نجح الرئيس الراحل حافظ الأسد، ذات يوم، في أن يقنع الشرق والغرب والدول العربية بدوره الإقليمي المميز والفاعل، فلم يسأله أحد عن طبيعة حكمه ولا عن قساوة ودموية تعاطيه مع معارضيه في حماه وتدمر، مثلا.. بل أعطوه لبنان جائزة ترضية. ولكن ظروف وأوضاع العالم والشرق الأوسط، عام 2012، تختلف كثيرا عما كانت عليه في الثمانينات والتسعينات من القرن العشرين. لم تكن إيران قد مدت يدها بهذا الشكل العقائدي السياسي والعسكري إلى العراق وسوريا ولبنان وغزة والخليج العربي. ولم يكن الاتحاد السوفياتي قد انهار، بعد. ولم تكن قضية حقوق الإنسان والديمقراطية قد اتخذت دوليا هذه الأهمية التي لها، اليوم. ولم يكن الربيع العربي قد أسقط أربعة أنظمة حكم سلطوية، شبيهة بالنظام السوري الحاكم.

صحيح، أن العرب تأخروا في تدخلهم وتقديم حلولهم للمأساة التي تعصف بالشعب السوري، منذ سنة تقريبا. كذلك تأخر المجتمع الدولي، لا بسبب الموقف الروسي - الصيني فحسب، بل أيضا لأن ليبيا هي غير سوريا، وأن تجربة العراق، الذي أهداه الرئيس بوش إلى إيران على طبق من الفضة، لا تشجع على تكرارها، لا سيما في سنة انتخابية. وصحيح أن الجيش السوري ما زال ممسوكا من النظام البعثي - العلوي، وأن إيران وموسكو تسندان النظام، وبالتالي من الصعب تكرار موقف الجيشين التونسي والمصري السلبي من الرئيسين بن علي ومبارك. ولكن كل ذلك لا يعني أن المجتمع الدولي قد نفض يده مما يحدث في سوريا، أو أن الدول العربية التي أعلنت موقفها السلبي من النظام السوري، سوف تتراجع أو تغير موقفها. كما لا يعني - وهذا هو الأهم - أن الانتفاضة الشعبية في سوريا سوف تتوقف ويستسلم السوريون أمام النظام القائم، لا سيما أنهم يعرفون ماذا ينتظرهم إن هم استسلموا!

لقد تحولت المسألة السورية من مجرد انتفاضة شعبية تطالب بالحرية والكرامة والديمقراطية، إلى قضية إقليمية وقومية ودولية. وهذه الأبعاد الجديدة التي اتخذتها، تزيدها تعقيدا، ولا تساعد على إيجاد مخارج منها أو حلول لها. ولكن أيا كان الحل السياسي فإنه يبقى أفضل من الحرب الأهلية التي تهدد بنقل المعركة إلى الأقطار المجاورة لسوريا، وإلى إشعال أكثر من فتنة طائفية ومذهبية في الشرق الأوسط.

إن الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي لا تخفي رغبتها بل وسعيها لفصل سوريا عن إيران، ولا أمنيتها في أن يتحقق السلام بين العرب وإسرائيل، ولا تحتاج إلى التآمر على إيران النووية أو على جبهة الممانعة والمقاومة أي حلف إيران - سوريا - حزب الله - حماس، بل إنها تعلن هذا الموقف في كل مناسبة. حتى إنها باتت، بعد أن تقدم الإسلاميون من الحكم في مصر وتونس - وربما في غيرهما غدا - ميالة، أو مقتنعة أو مضطرة، إلى التفاهم والتعاون معهم، وبالتالي فإنها لن تتراجع أو تساوم على موقفها المناهض لنظام الحكم السوري. أو عن دعمها بشكل أو بآخر للثورة السورية. ومن هنا فإن الخوف ليس فقط من أن تتحول الانتفاضة الشعبية السورية إلى حرب أهلية مذهبية، بل أيضا، من أن تتحول سوريا إلى ساحة لتصفية حسابات الغرب مع إيران. كما تحولت الثورة الإسبانية في ثلاثينات القرن العشرين.

لن تقدم الولايات المتحدة وفرنسا وروسيا على أي خطوة حاسمة في هذه السنة الانتخابية التي تمر بها. كما أن الدول العربية لا تبدو قادرة على أن تفعل أكثر مما فعلت. فهل يعتبر النظام السوري نفسه ممسكا بورقة رابحة تمكنه من الاستمرار في قمع الانتفاضة الشعبية ضده؟ عسكريا ربما. أما سياسيا ودوليا وعربيا، فالجواب هو: كلا.

ذلك أن مصير المعركة الناشبة في سوريا تحول من نضال شعب من أجل استرداد حريته وكرامته، إلى معركة إقليمية، بل ودولية، كبرى.

=========================

لغة السياسة ولغة الثورة

الياس خوري

2012-02-20

القدس العربي

بعد الفيتويين الروسي والصيني في مجلس الأمن، دخلت سورية منعطفاً جديداً.'كأن النظام اخذ ترخيصا دوليا بايصال القمع الى وحشية غير مسبوقة، عبر القصف اليومي المستمر على حمص، واتخذ قراره بالحسم العسكري مهما كانت النتائج.

غير ان الحسم اثبت لا جدواه، فعدا الاعداد الهائلة من الشهداء والجرحى، والدمار الكبير الذي يعصف بالمدن السورية، فان النظام يجد نفسه امام باب موصد، ولا يجد عند ضحاياه سوى المزيد من التصميم على المقاومة. ما يواجهه نظام الجمهورية الوراثية في سورية ليس قوى عسكرية يمكن الانتصار عليها وسحقها. انه يواجه ثورة شعبية حقيقية صارت عميقة الجذور، بحيث ان انتصاراته العسكرية تصير بلا اي معنى. يدخل الى الزبداني فتنفجر دمشق في المزة، يقصف حمص فتندلع في درعا، يحاول في حماه فتتصدى حلب.

لم يعد الحسم ممكنا، ولن ينفع الفيتو ولا التشجيع الروسي ، فالثورة صارت خارج قدراته على السيطرة.

هذه الحقيقة التي بات يعرفها الجميع، لن تكون للأسف لحظة اعادة نظر بالنسبة للنظام. بشار الأسد اضاع كل الفرص معتقدا انه قادر على تكرار 'درس الدم' الذي صنعه النظام في حماه عام 1982، متناسيا ان الزمن قد تغير، وان ما كان ممكنا في الماضي صار مستحيلا اليوم. لذا يجد نفسه في حفرة الدم، التي يغرق فيها، من دون ان يدري.

الثورة السورية امتلكت اساليبها، وابتدعت المزاوجة بين التظاهر السلمي وحماية هذا التظاهر، وهي تجربة فريدة في الثورات. وقد وصل السوريون الى هذه المزاوجة بسبب جنون آلة القمع، التي كانت تسعى منذ بداية الثورة في درعا الى الحسم العسكري، وتدفع في اتجاه الصدام المسلح بين آلة النظام العسكرية والشعب.

لقد عرف السوريون كيف يتجنبون الانجرار الى العسكرة الشاملة لثورتهم، وهم يستحقون في هذا اكثر من تحية تقدير، فحتى بعد القصف المروع لحمص، وجدت دمشق وسيلتها الى نقل التظاهر الى قلب المزة، معطية البعد الشعبي للثورة مكانته، بوصفه اداتها الأولى.

غير ان الثورة السورية لا تواجه خطر العسكرة فقط، بل تواجه ايضا خطر انفصال السياسة عن ارض الواقع، عبر محاولات القوى الاقليمية والدولية استخدام سورية كساحة صراع مفتوحة بينها.

وعلى الرغم من بعض الاصوات التي دعت الى التدويل والتدخل العسكري، من قبل اطراف في المعارضة السورية، فان التدويل والتدخل الخارجي بدأهما النظام عبر استجارته بروسيا وايران. فالسلاح يتدفق الى جيش النظام، والارتهان الكامل للسياسة الروسية بات عنوانه السياسي الوحيد. وللأسف فان المدافعين عن التحالف مع روسيا ينسون ان احلام روسيا القيصرية التي تداعب خيال السيد بوتين لا علاقة لها بالزمن القديم الذي اندثر مع سقوط الاتحاد السوفييتي.

في مقابل الدعم الفعلي بالمال والسلاح الذي يتلقاه النظام، فان الشعب السوري لم يتلق من اصدقائه الجدد المفترضين، اي من اوروبا والولايات المتحدة ودول الخليج النفطي، سوى الوعود.

لكن قد نكون اليوم امام منعطف جديد عنوانه الدعم الانساني من جهة، ودعم غير محدد الملامح للجيش السوري الحر من جهة أخرى، لكنه لن يكون سوى دعم محدود هدفه احتواء الثورة.

وهنا تقع المفارقة الكبرى في الثورة السورية، النظام عاجز عن الحسم لكنه لا يرى امامه سوى طريق العنف، وهو بهذا يستدرج البلاد الى ان تصير ساحة مفتوحة للصراعات الاقليمية والدولية، اما القوى التي تساعد الثورة فانها تريد احتواءها، وهذا لن يتم الا عبر اطالة امد المعاناة، ووسط بحر من الدم.

لغة الثورة التي صنعها شابات وشبان التنسيقيات، وصارت رمزا حيا للبطولة التي تجسدها حمص في صمودها الاسطوري، لا علاقة لها بلغة هذه السياسة الدولية والاقليمية الحربائية، التي لا ترى في معاناة الشعب السوري سوى وسيلة لتصفية حساباتها. روسيا تريد ان تتسلق الجثث كي تعود دولة عظمى، والولايات المتحدة تريد ان تستغل الموت السوري من اجل تلقين روسيا درسا واضعاف سورية كوطن، والخليج النفطي لا يرى في الثورة السورية سوى نافذة على صراعه السياسي والمذهبي مع ايران.

هذا الواقع على عكس ما يعتقد البعض هو المخرج الوحيد للنظام، فالنظام يعلم ان زمنه قد افل وان لا عودة الى الوراء، لذا فهو يرى في اطالة امد الأزمة وفي وضعها في خدمة الصراعات الدولية وسيلته الوحيدة من اجل اطالة عمره. لذا سيستمر في حربه الدموية وفي مراوغاته، على امل ان يستفيد من تحول الوطن السوري الى ساحة، كي يجد لنفسه مكانا في التسويات، ومع مراهنته على عسكرة فالتة من عقالها تجري في المدن والأرياف، تقوم بتدمير الثورة السورية من داخلها.

لم تعد سورية امام احتمالات الحسم العسكري مثلما تخيل قادة نظام الاستبداد، النظام الاستبدادي يريد وضعها اليوم في فك الصراعات الاقليمية والدولية، وبذا يكون قد استكمل استباحته للبلاد مثلما فعل غيره من انظمة القمع العربية التي تهاوت بعدما اوصلت البلاد الى الكارثة.

الأمل اذا هو خارج معادلات اللغة السياسية المهيمنة اليوم، الأمل معقود على شباب الثورة السورية وشاباتها، على شعب قرر ان يرفض الذل ويبني حريته بيديه، ويؤسس وطنا مصنوعا من ارادة ابنائه.

لغة الثورة هي التي يجب ان تسود، لا لغة السياسات الاقليمية والدولية التي تقود سورية الى المسلخ.

الثورة تنتصر بابنائها، بهم وحدهم، بارادتهم كي تعود دمشق قلب العروبة، وتعود سورية وطنا لجميع ابنائه بلا اي تفريق طائفي او عرقي.

وحين ستعود سورية سوف يكتشف جميع اللاعبين الدوليين والاقليميين ان الثورات العربية رغم الصعوبات التي تواجهها، هي المدخل الى استعادة المنطقة لسيادتها وقرارها الوطني، وهي العتبة كي تعود الأمور الى نصابها في المنطقة وينتهي عهد الانحطاط الطويل الذي اضاع كل قضاياها، وعلى رأسها قضية فلسطين.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ