ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
ماجد كيالي المستقبل 26-2-2012 جاءت ثورة السوريين مفاجئة وعفويّة
ومدهشة لأنها لم تكن متوقّعة أصلاً
ولأنها أتت فوق التوقّعات، بالتضحيات
والتصميم والشجاعة المبذولة فيها،
أكثر بكثير مما حصل في تجارب الثورات
في البلدان العربية الأخرى. وعلى الرغم من كل ذلك فإن هذه الثورة
اعتورها العديد من النواقص والمشكلات
والتحدّيات التي هي من طبيعة مجتمعها
نفسه، الذي ظلّ لعقود معزولاً عن
السياسة ومحروماً من العمل السياسي،
والذي كان متذرّرا، بقدر ماكان
منمّطاً ومغلقاً، بفعل السلطة
الشمولية التي تحكّمت لعقود بالبلاد
والعباد. ماذا يعني ذلك؟ هذا يعني أن الاستبداد ليس
مجرّد كلمة تقال، ولا مجرّد توصيف
لواقع سياسي، فهو أشمل من ذلك وأقسى،
فالاستبداد يعني تهميش الشعب بوصفه
شعباً، ومصادرة الدولة، أي دولة
المؤسسات والقانون، والحطّ من إنسانية
الإنسان، وجعل موارد البلاد والعباد
ملكية خاصة، وأزيد من إنه استيلاء على
المكان (البلد) فهو بمثابة محاولة
للاستيلاء على الزمان، أيضاً، أي على
التاريخ؛ على الماضي والحاضر
والمستقبل. لذا ففي ظل وضع هذه مواصفاته لايمكن
انتظار ثورة نموذجية، نظيفة وكاملة
ومستقيمة وشاملة، ومن سينتظر ثورة
كهذه، تأتيه من رحم الواقع القائم، فلن
يجدها. ومعنى ذلك أن الثورات تشبه
مجتمعاتها، وتأتي على قياس مستوى
تطوّرها السياسي والاجتماعي
والثقافي، وللأسف فهي، أيضاً، تتطبّع
ببعض خصائص النظام الذي تعارضه،
وتشوبها بعض أعراض مقاومته لها. المفارقة أن الثورة السورية هذه واجهت
نقداً قاسياً وظالماً ومتعسّفاً، وغير
مسبوق، بنفس مقدار مواجهة النظام لها،
شكّك بمشروعية الثورة، وبمقاصدها،
معتبراً إياها مجرد مؤامرة ينبغي
وأدها بوسائل العنف. في هذا الإطار تبدو سورية نوعاً من "جيوبولوتيكا
" فقط، أي باعتبارها مجرّد موقع
جغرافي استراتيجي وسياسة علاقات قوّة
دولية، وكأن سورية هذه ليس فيها شعب،
له رؤى ومصالح وحقوق، ويستحق أن يكون
سيد مصيره. ووجهة النظر هذه تتعمّد الخلط بين ثورة
السوريين من اجل حريتهم وكرامتهم،
وبين الصراع الدولي والإقليمي، على
سورية، وهو أمر موجود ولا يمكن إنكاره.
لكن هذه المسألة شيء وقضية الحرية
والكرامة شيء آخر، بل ان تمكين الشعب
من هذا وذاك هو ما يحصّن سورية ويقوّي
منعتها، فضلاً عن انه يعزّز وحدتها
الوطنية، إزاء الخارج. أيضاً، ثمة نوع من نقد آخر يتوجّس من هذه
الثورة، باعتبار التخوّف مما يمكن أن
ينجم عنها، وضمنها تخوّفات مشروعة
وتخوّفات متوهّمة أو مبالغ فيها،
ناتجة عن نزعات هويّاتية، أو مصلحية،
أو جرّاء التحسّب من المسّ بنمط عيش
جزء من الشعب. ويأتي ضمن ذلك تخوّف البعض من الثورات
بدعوى إنها ذات لون واحد، في حين إن
الثورات هي بمثابة ظاهرة مجتمعية
مفتوحة ومشرعة على مختلف التيارات
والألوان والأطياف، التي تتوخّى إنهاء
واقع الفساد والاستبداد. والحقيقة هنا
أن التخوّف إنما يأتي بالضبط من عدم
الانخراط في هذا المسار، لسبب أو لآخر،
لأن ذلك يفيد بقبول تأبيد واقع الظلم
السائد، في حين أن انخراط كل لون أو كل
تيار في الثورة هو الذي يعطي الثورة
المعنيّة ألوانها، وتعدّديتها
وتنوّعها. هذا لايعني أن الثورة، وضمنها الثورة
السورية، هي فوق النقد، بل إن النقد هو
عملية ضرورية وحيوية لتصحيح مسار
الثورة وترشيد وسائلها وتقويم
ممارساتها: فالثورة التي تنطلق لنقد
الواقع القائم تنتج نقدها أيضا. لكن ميزّة هذا النوع من النقد، عن غيره،
إنه ينطلق من مشروعية الثورة
باعتبارها ممراً إجباريا، على
مشكلاتها ونواقصها، للخروج من
الانسداد المحكم، الذي أعاق تطوّر
الدولة والمجتمع والإنسان والفكر
والسياسة والاقتصاد والفن في
مجتمعاتنا، والذي تتحمّل مسؤوليته نظم
الاستبداد الخاوية، والتي اشتغلت على
نهب ثروات البلاد والعباد وهدرها. على ذلك ثمة للثورة السورية مشكلاتها
ونواقصها ومن ضمنها ضعف مؤسساتها
القيادية، وتشتت قواها، وضعف تنظيمها
لفعالياتها، وعدم تبلور خطاباتها،
وانفلاش بعض قواها نحو العنف. ماذا يعني ذلك؟ هذا يعني أن الثورات هي
عملية صعبة ومعقّدة وطويلة، وإنها
تحتاج إلى مواكبة نقدية جدية ومسؤولة،
فالثورة ليست بمثابة عملية انقلابية
تغيّر في أسابيع أو في أشهر واقعا له من
العمر عدة عقود، وربما عدة قرون. في هذا الإطار لا مناص أمام الثورة
السورية، التي بات لها ما يقارب العام،
من التأكيد على طابعها كمقاومة شعبية
سلمية، ولا مناص لها من طرح خطابها
باعتبارها ثورة تتوخّى الحرية
والكرامة، وتحقيق النقلة اللازمة نحو
إقامة نظام ديمقراطي مدني (أي لا عسكري
ولا ديني) يؤسس لقيام دولة المواطنين
الأحرار والمتساوين، أي دولة مؤسسات
وقانون. وهذا الخطاب ضروري لحشد التأييد للثورة،
وإشاعة الطمأنينة لدى البعض، باعتبار
أن هكذا نظام هو الذي يكفل صيانة
التنوّع والتعدّدية في البلد، ولأن
هكذا نظام ليس فيه أغلبية دائمة
وأقليّة دائمة، ولا أغلبية لا تحترم
رأي الأقلية، ولا أكثريات وأقليات على
أساس هويات فرعية، دينية أو أثنية،
وإنما ثمة أكثريات وأقليات بحسب
المصالح الاقتصادية الطبقية وبحسب
التوجهات السياسية والفكرية؛ وفي إطار
من التداول السلمي للسلطة. وباختصار، وبما يتعّلق بالثورات
العربية، وضمنها الثورة السورية، لندع
السياسة والثقافة والتحفّظات
والمزايدات والمواربات جانباً،
ولنقلها بصراحة وبجرأة: هذه ثورات من
اجل الحرية والكرامة، من اجل التحول من
"رعية" إلى مواطنين أحرار، لذا
فإن هذه الثورات الشعبية هي ثورات
أخلاقية، وتستدعي الحساسية الأخلاقية
أساساً، أما السياسة وباقي مستلزماتها
فستأتي فيما بعد. ================= عمر قدور المستقبل 26-2-2012 "أنا إنسان ماني حيوان"؛ هذه العبارة
"الصرخة" التي قالها السوري محمد
أحمد عبد الوهاب متوجهاً بها إلى
الرئيس، الصرخة التي تناقلها النشطاء
السوريون قبل مدة على صفحاتهم كأنها
لسان حالهم، مع الاعتذار أحياناً لما
تحمله من تعالٍ على الحيوانات، خاصة أن
قوات النظام لم توفّر الأخيرة فيما
اشتُهر بمجزرة الحمير!. في الواقع واظب النظام على توجيه الإهانة
تلو الأخرى للسوريين. ففي البداية
اختزل مطالبهم الجوهرية العميقة وحاول
تسويقها على أنها "مناشدات" تخص
معاناة معيشية أو إدارية لبعض
المناطق، مع أن وفد أهالي درعا الذي تم
استدعاؤه إلى القصر قدّم لائحة صريحة
ووطنية تركز على الحريات العامة قبل كل
شيء. حاول النظام في الأشهر الأولى
رشوة المتظاهرين عبر زيادة الأجور
وتخفيض سعر مادة المازوت الأساسية،
لكن المظاهرات لم تتوقف رافعة شعار:
"الشعب السوري مو جوعان". بل حاول
ثني الشباب عن المشاركة بتقديم الرشوة
تلو الأخرى، كإعطاء فرص امتحانية
استثنائية لطلاب الجامعات أو تخفيض
مدة الخدمة العسكرية، لكن الشباب لم
تُثنه تلك الرشاوى الصغيرة عن غايته
الأساسية في معركة الكرامة. لقد عُدّت
التنازلات الرخيصة للنظام بمنزلة
الإهانة الفظة لأنها تقايض كرامة
السوري بما هو أدنى منها بكثير، وأيضاً
دون أدنى اعتبار لما يقوله السوريون
وكأن النظام يترفع عن مجرد الاستماع
إليهم. "أنا إنسان ماني حيوان". لقد تجرأ
مواطن لم يكن معروفاً من قبل على
مخاطبة الرئيس بها. وفي الوجه المضمر،
أو غير الواعي بالضرورة، تجرأ هذا
المواطن على المساواة بينه وبين
الرئيس بحكم الإنسانية التي يُفترض
أنهما يتشاركان بها. لكن النظام عبر
تاريخه لم يرَ في السوريين إلا بشراً
من درجة أدنى في أحسن تقدير، وما لقب
"سيد الوطن" الذي يتكرر في
الإعلام ويردده أبواق النظام سوى وصف
سياسي مهذب للتفاضل الذي يقيمه النظام
بينه وبين من يُفترض أنهم مواطنوه. أن
يضطر شخص ما إلى التذكير بأنه إنسان
فهذا يعني أن المهانة بلغت حدوداً
قصوى، وأن المهانة التي تجرعها لم تكن
عارضة يوماً، بل هي متوارثة على الطرف
المقابل لتوريث العرش. في الأمثولات القديمة أن طفلاً فقط تجرأ
في مملكة الخوف على القول: "إن الملك
عار". ورغم أن السوريين كسروا حاجز
الخوف منذ حوالى سنة إلا أن صرخة "أنا
إنسان" تماثل بصراحتها وبساطتها
صرخة ذاك الطفل، وهي تكشف العري
المجازي الذي وصل إليه السوري عبر
الانتهاك الطويل لحقوقه. لكن هذه
المكاشفة الفجة تواجه العري بشجاعة،
وتذهب إلى هدفها دونما اكتراث
بالتوريات التي قد تلطف من فداحة الأمر.
ونحن إذ نذكر قائلها فلأن اليوتيوب
ووسائل الميديا الحديثة نقلت لنا صورة
القائل، ولولا ذلك ربما كانت ستذهب
مثلاً وسيضيع نسبها كعادة الأمثال،
ويصبح القائل سورياً بلا تحديد أو
تعيين، سورياً عاش في زمن هذا النظام
الذي ساوى بين الناس في المذلة. لقد كشفت الثورة السورية عن جوهر النظام
وافتقاره إلى أدنى حس إنساني، وعندما
يصل الأمر إلى وصف المنتفضين بأنهم "جراثيم"
فهذه دلالة فاقعة على رؤية النظام
الحقيقية للشعب، وأيضاً دونما اكتراث
بالعبارات التي قد تلطّف من صفاقة هذا
الوصف. إن ما كيل من أوصاف للثائرين
يتناغم مع ثقافة النظام ككل، وهي في
أحسن الأحوال تصم المعارضين بأنهم
عملاء لمؤامرة كونية كبرى، أي ليسوا
سوى أدوات غير عاقلة لمخططات تفوق
تفكيرهم وإدراكهم لمصالحهم. هم، كما
يصوّرهم النظام، كائنات مسلوبة
الإرادة، فالذي سلب المجتمع إرادته
خلال عقود يعزّ عليه رؤية الناس وقد
بدأوا أخيراً يستعيدون حقهم الأدنى في
القرار. أكثر من ذلك؛ ينكر النظام على
الآخرين أن يروا المعاناة الإنسانية
للشعب السوري، وفي حالة فريدة من نوعها
يحكم قبضته على "مواطنيه"، فلا
يراهم أكثر من رهائن يبتز بهم العالم،
وكلما زادت الضغوط الدولية يقتل عدداً
أكبر منهم في دلالة على القدرة والقوة!. لم يتعدّ ما فعله النظام خلال سنة سوى
محاولة إعادة السوريين إلى حظيرة
الطاعة العمياء، بل إعادتهم إلى محض
كائنات بيولوجية تستهلك أقل قدر من
الحياة. ويتضح من سلوك النظام في أثناء
الانتفاضة أن غايته المثلى هي إعادتهم
إلى وضع أسوأ مما كانوا عليه من قبل. إن
أعمال الإبادة التي ارتكبت، وما تزال
ترتكب، بدم بارد، هي الخلاصة
الموضوعية لما راكمه النظام من غياب
لكل النوازع الإنسانية المعروفة. وليس
جديداً بالطبع ألا يرى الاستبداد
إنسانية الخاضعين له بما أن المستبد
ذاته ينأى باطراد عن إنسانيته، وليس
جديداً أيضاً أن خوف المستبد لا يجعل
منه أكثر إنسانية. لكن وحش الاستبداد
يقع أخيراً ضحية جشعه، فهو إذ يصل إلى
التدمير الكلي لشروط الحياة الكريمة
فإنه يدفع ضحاياه إلى الحافة التي
يتساوى بها الموت والحياة، وباستعارة
محرّفة من الإرث الماركسي؛ لا يبقى
للضحية إطلاقاً ما تخسره بما في ذلك
حياتها. إن مشاهد الإذلال الفظ الذي مارسته قوى
الأمن والشبيحة والتي شاهدها العالم
كفيلة بأن تجرح إحساس كل صاحب ضمير،
باستثناء شخصيات النظام التي لم تكلف
خاطرها عناء البحث عن ذرائع وتبريرات
حتى، لأن البحث عن ذرائع يعني الاعتراف
بأحقية مَن تعرضوا للإذلال بكرامتهم
بينما المطلوب هو إهدارها تماماً، ولو
اقتضى ذلك إهدار حياتهم ذاتها، وبلا
ضرورة أيضاً. لذا لم يكن إعدام الحمير
مهزلة تُضاف إلى فظائع القوى المذكورة
بقدر ما يعبّر عن نزوع نيكروفيلي تجاه
كل حي بوسعهم القضاء عليه، وهذا ما
تجلى مؤخراً بإنذار القناصة للأحياء
والبلدات التي سيطروا عليها بأنهم
سيطلقون النار على كل من يتحرك. ما تعرض له السوريون في سبيل استرداد
كرامتهم هو الأفظع في مسيرة ما يسمى
بالربيع العربي، لكن البداية كانت هي
ذاتها كل مرة. وفي استذكار لما حدث،
قامت الشرطية فادية حمدي بتوجيه صفعة
للبوعزيزي على وجهه أمام نحو خمسين
شاهداً، بعد أن ضربته بالهراوة لمّا
احتجّ على مصادرة بضاعته من الفاكهة.
عندها عزّت عليه نفسه وانفجر باكياً من
شدة الخجل، وبحسب ما رواه الباعة وبقية
الشهود صاح البوعزيزي بالشرطية قائلاً:
"لماذا تفعلين هذا بي؟ أنا إنسان
بسيط، لا أريد سوى أن أعمل". "أنا
إنسان" صاح بها البوعزيزي في وجه
الشرطية، وربما عزّ عليه أن يكملها على
طريقة السوري محمد أحمد عبد الوهاب
فآثر إحراق نفسه على واقع يُصفع فيه.
وكما نُشر فيما بعد فإنه قبل أن يحرق
نفسه كتب لأمه على صفحته في الفيس بوك:
"مسافر ونسأل زعمة السفر باش ينسّي
محمد بوعزيزي"؛ لقد كان رجاء من يخشى
العدم المطلق بعد ملامسة العدم خلال
وجوده في الحياة. من حسن حظ التونسيين أن صرخة البوعزيزي
أتت نتائجها سريعة، ولم تمض سوى أيام
قبل أن يوجه الرئيس التونسي المخلوع
كلمته قائلاً: "لقد فهمتكم". أما
صرخة محمد أحمد عبد الوهاب فلم تلقَ
إلا التعاطف من أقرانه، وفي كل ظهور
لرجالات النظام يتيقّن السوريون أكثر
فأكثر من أن مَن اعتاد على تكميم
الأفواه، ووصل به الأمر إلى اقتلاع
الحناجر، لا بد أن يكون قد فقد نهائياً
القدرة على الإصغاء. ================= الملك الشجاع في زمن
المتقاعسين!! يوسف الكويليت الرياض 26-2-2012 عندما يتكلم
الملك عبدالله لا يبحث عن الكلمات التي
تبالغ بالأوصاف والأفعال ولهذا عندما
يقول: «بدون الشعب السعودي أنا لا شيء،
ولست مقتنعاً بما تم حتى الآن، وما
أصبو إليه سيتحقق بجهودكم معي..» هذا
الانكار للذات لا نسمعه إلا من مَنْ
يثق بنفسه ومواطنيه، وقد عودنا الملك
عبدالله أن تكون آماله متقدمة على
غيرها، وقد أعطانا الصورة المشرفة
عالمياً وعربياً وإقليمياً.. هذا الرجل لا يقتصر همه واهتمامه بوطنه
فقط، فقد رأينا كيف كان رده المباشر
على مكالمة الرئيس الروسي، وأن مواقفه
لا تهتز أو تتغير ليجامل زعيم دولة
عظمى، وفي الأمس الأول في اجتماع
أصدقاء سوريا كان الأمير سعود الفيصل
يتكلم بالمفاهيم الواضحة أي أن الحلول
أمام «حكم فقد شرعيته وصار أشبه بسلطة
احتلال» هو المنطق المسؤول أمام تراخي
المواقف العربية والدولية، أي أن
المملكة تلتزم الاتجاه الذي يعطيها حق
المكاشفة مهما كانت النتائج.. فإذا كان الملك عبدالله أول من بادر بنصح
الأسد، ثم اضطر لسحب السفير وأعطى
لوزير خارجيته أن لا يتسامح مع الحلول
المائعة في تونس، فالهدف أن الداخل
والخارج وخاصة القضايا العربية في
الميزان الواحد.. فالشعب السوري يواجه حكماً ليس لديه أي
نية أن يوقف مجازره ويتعامل مع مواطنيه
بحرب إبادة معلنة، ولذلك جاء موقف
المملكة متطابقاً مع أخلاقية وشرف
المسؤولية التي تتحملها برضى تام،
وعملية المزايدة بعدم تسليح المعارضة
لتدافع عن وجودها وشعبها خيار يعطي
الأسد صلاحيات استمرار سياسته، وهذا
يتنافى وأخلاقيات الإنسان العربي، وقد
ثبت أن النظم العربية لا تملك الجدية
بالتعامل مع الأحداث المصيرية، وقد
بنى الغربيون وأمريكا سياساتهم على
نفس الاتجاه، أي الوقوف على الطرف
البعيد، والاهتمام بالمساعدات وإجلاء
الأطفال والنساء ومعالجة الجرحى وهذا
لا يوازي الفعل الإجرامي الذي جاء
مؤتمر تونس ليساوي بين القاتل
والمقتول.. ضمير الملك عبدالله أعطى للشعب السوري
دفعة معنوية لأنه صوت الحق بين
الصامتين أو مَن أظهروا تقاعساً
واضحاً رغم امتداد الجريمة لكل مَن يقع
على مرمى جيش وشبيحة الأسد، يعزز ذلك
أن المملكة هي قوة الدفع لأي عملية
سياسية متحملة المسؤولية باعتبار
الأمة العربية كلاً لا يتجزأ.. الملك عبدالله مثلما يخاطب مواطنيه
بمفاهيم العمل الدائب، ويقود حركة
تعمير وإصلاح غير مسبوقة في كل ميادين
التنمية والتحديث في بلده في سبيل أن
يكون في طليعة الدول المتقدمة وضمن خطط
آنية وطويلة الأمد، لا يغفل رؤيته عن
الأمة العربية، وهذه المزاوجة في
المواقف هي السلوك الحقيقي لرؤية
الملك عبدالله الذي أعطى قيمة لدور
بلده وأمته.. لا أحد ينكر ثقل المملكة الاقتصادي
والاستراتيجي وأنها من يقود السفينة
في مجمل القضايا العربية والإسلامية،
والتاريخ حافظة للذاكرة الإنسانية
وتسجيل المواقف التي تتجاوز أزمنتها
لا يصنعها إلا الرجال الأوفياء
لقناعاتهم وشرف كلمتهم، وهذا ما أعطاه
وانتهجه الملك عبدالله في كل الأدوار
التي تعامل معها. ================= د. وائل مرزا الأحد 26/02/2012 المدينة رُفعت الأقلام وجفّت الصحف. فرَضَت حمص
العديّة نفسَها أيقونةً للربيع العربي
دون منازع. ومهما حدث بعد اليوم، ستبقى
قصةً للسموّ الإنساني ترويها أجيال
العرب إلى يوم الدين. حملت حمص لواء ثورة الحرية والكرامة
مبكراً. رفَعته عالياً وارتفعت معه إلى
عنان السماء. دفعت ولاتزال تدفع الكثير
ثمناً لذلك، لكنه لم يسقط من يدها على
الإطلاق. لاعجب أن يُصاب النظام السوري بالجنون
ليفعل بالمدينة مايفعله منذ أسابيع.
فهو يعرف أن بقاء اللواء مرفوعاً بيدها
رغم كل تضحياتها يمثّل أكبر طعنةٍ
لكبريائه التي باتت ممرغةً بالتراب. منذ أشهر، كان النظام يفعل الأفاعيل
ليُطفىء الجذوة التي تُشعلها حمص.
لكنها كانت تصرّ دائماً على أن تبقى
شوكةً في حلقه، وعلى أن تكون القدوة
والنموذج. قبل ستة أشهر، شهد حي بابا عمرو الحملة
الأولى المكثفة عليه. أطبق عليه رجال
الأمن وعصابات الشبيحة واستباحوه
لأكثر من خمسة أيام. اعتقدوا بعدها أن
النموذج انتهى، لكن أحد شهود العيان
روى للعالم القصة في رسالة تاريخية
اختار لها عنوان (ليلة صمود بابا عمرو)كان
مما قاله فيها: «جاء يوم الجمعة التالي
ليوم فك الحصار وبعد صلاة الجمعة تجمع
أكثر من 2000 شاب من شباب ذلك الحي في
الساحة الرئيسية وليلحق بهم 1000 شاب آخر
من الأحياء المجاورة ليصدحوا بصوت
واحد ( تبت يدا أبي لهب ، تبت يداك يا
أسد ) رفعوا اللوحة البيضاء ذات
الثلاثة أمتار المكتوبة بخط اليد (
بابا عمرو لن تركع ) ولمدة ساعة ونصف (
الشعب يريد إسقاط النظام ) ( ما منحبك ما
منحبك ، حل عنا إنت وحزبك ) ( بالروح
بالدم نفديك بابا عمرو ) ، ومسحت كتابات
الأمن من الجدران الرئيسية واستبدلت
بعبارات إسقاط النظام ، وهنا جن جنون
قوات الأمن فلم تكتمل 24 ساعة على
خروجهم من بابا عمرو حتى يقوم أهلها
بالنزول متحدين بهذا الشكل ، فأرسلوا
ثلاثة باصات محملة بقوات الأمن لفض
المظاهرة واعتقال من فيها وما كان منهم
إلا أن بدأوا بمهاجمة المتظاهرين
بالسيارات المدنية الصغيرة وقاموا
بدعس الناس عن قصد وعمد ( إن دل هذا على
شيء فيدل على فقدان صوابهم ) ومع هذا
بدأ الناس بالحديث عما سيقومون به من
مسيرات بالجمعة القادمة... وعلى صعيد
المتظاهرين فإن ما يشاهد من إصرارهم
ووقوفهم بوجه رشاشات الرصاص والمدافع
يجعل الإنسان يدرك معنى الآية الكريمة
( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما
بأنفسهم ) يجعل الإنسان يقف مذهولاً من
قوة التثبيت التي يثبت الله فيها الناس
في الشارع – تراهم يسألون ما أخبار أهل
بانياس وما أخبار أهل درعا طمنونا عنهم
بالرغم من أنهم بالمحنة سواء إن لم يكن
أكثر..» كانت خلاصة القصة: لم يعد حيّ بابا عمرو
بعد تلك الحملة إلى الوراء، ولم تتحرك
حمص بأسرها أبداً إلا إلى الأمام. كان هذا قبل أن يزجّ النظام بكامل قوته
العسكرية في معركته الأولى والأخيرة،
ضدّ شعبه. بقيت حمص مشتعلةً فصبّ جام غضبه عليها،
عسكرياً هذه المرة، في شهر تشرين
الثاني الماضي. استمرّ القصف والحصار
أياماً طويلة ولكن، مرةً أخرى، خرجت
المدينة من محنتها كالعنقاء. وهاهي اليوم تعيش الفصل الثالث من قصتها
الفريدة. أكثر من ثلاثة أسابيع من قصفٍ
متواصل عن بُعد، لايمارسه إلا الجبناء.
رضيت حمص بالشهادة إذاً، لكنها باتت أصدق
شاهدٍ في هذا العصر على موت الإنسانية. لن نتحدث عن نظامٍ عالميٍ يُثبت مرةً تلو
الأخرى حجم نفاقه، حين يكون عاجزاً
وقتما يريد وقادراً عندما يشاء.. لكن
السؤال صار مشروعاً حول قدرة العربي
والمسلم على النظر إلى نفسه في المرآة،
دون أن يشعر بعجزه وخذلانه العميق تجاه
إخوته في سورية. باختصار، غادرت حمص إلى أبد الآبدين هامش
التاريخ ونقلت نفسها لتكون فصلاً
رئيساً في متنه، وتصبح عنواناً من
عناوينه الكبرى.فماذا يكتب التاريخ
عمن يتفرجون عليها؟ ذكرنا مايلي سابقاً ونعيده لأن اللحظة
تقتضي التأكيد: منذ أكثر من أربعة عقود، كتب نزار قباني
أبياتاً قال فيها: وقبرُ خالدَ في حمصٍ
نُلامسهُ فيرجف القبر من زواره غضبا،
يارُبّ حيٍ رخام القبر مسكنه وربَّ
مَيتٍ على أقدامه انتصبَ. كان ذلك في
زمن الهزيمة والانكسار ووسط أجوائها
الكئيبة المسكونة بالذل والعار. ليت
نزار كان حياً اليوم ليرى كيف تفوح من
قبر خالد رائحة الفخر والعزة والكرامة.
ليته كان موجوداً فيرى كيف عادت الحياة
في أروع معانيها تدبُّ في أحفاد ابن
الوليد، وكيف باتوا يُسطّرون ملامح في
التضحية والعطاء والفداء لم يشهد
التاريخ المعاصر لها مثيلاً. لن يرجف قبر خالد من زواره غضباً بعد
اليوم يانزار. وأبطال حمص المنتصبون
بقاماتهم العالية يقهرون الخوف
والمستحيل، ويرتفعون بها إلى عنان
السماء بشكلٍ يفخر به ساكن القبر كما
لم يفخر من قبل على مدى قرون. ================= مؤتمر «أصدقاء سوريا»...
ورهان تكثيف الضغط كارين دييانج - تونس ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن
بوست وبلومبيرج نيوز سيرفيس" تاريخ النشر: الأحد 26 فبراير 2012 الاتحاد اتفق الزعماء الدوليون الذين اجتمعوا هنا
في تونس يوم أول من أمس (الجمعة) على
مخطط موحد للضغط على دمشق يأملون أن
يضع حدّاً لحملة نظام الأسد الدموية ضد
المدنيين السوريين، وحمله على التنحي
والتسريع بإجراءات نقل السلطة، ولكنهم
لم يذهبوا أيضاً إلى حد الاتفاق على
تقديم مساعدة عسكرية للمعارضة السورية.
وفي هذا السياق، اتفق المؤتمر الذي سمي
بمؤتمر "أصدقاء سوريا" على تشديد
العقوبات ضد الأسد وحكومته، ودعا
الأمم المتحدة إلى تجهيز قوة لحفظ
السلام في أفق إرسالها إلى هناك، إلى
جانب ضرورة تأمين مساعدات دولية ضخمة
لإعادة الإعمار حينما يتوقف العنف
الحالي وربما يتنحى الأسد عن السلطة
أيضاً. وبعد مرور عام تقريباً على الانتفاضة
الشعبية التي حصدت أرواح 6 آلاف سوري،
عكس غياب الاتفاق على تدابير أشد
تخوفاً بشأن عسكرة نزاع يخشى البعض أن
يؤدي إلى اندلاع حرب أوسع في قلب الشرق
الأوسط. وقد أتى الاجتماع في وقت قال
فيه أوباما في واشنطن إن الولايات
المتحدة وحلفاءها سيبحثون "كل
الوسائل المتاحة" من أجل وقف أعمال
القتل في سوريا، وهي واحدة من أقوى
الكلمات التي استعملها خلال هذه
الأزمة. ومن جانبها، قالت وزيرة
الخارجية هيلاري كلينتون للمجتمعين:
"إننا لا نستطيع الانتظار حتى تتحول
هذه الأزمة إلى كارثة أكبر". ولكن رغم دعواتهم إلى إنهاء "فوري"
للقصف الحكومي لمدينة حمص ومعاقل أخرى
للمعارضة من أجل السماح بدخول
المساعدات الإنسانية إلى البلاد بشكل
آمن، إلا أن جل المشاركين هنا كانوا
مدركين لحقيقة أن تحركاتهم قد لا تتكشف
عن نتائج فورية ملموسة. كما أن التنديد
الموحد بالأسد حجب خلافاً في المؤتمر
الذي جرى وراء أبواب مغلقة بشأن ما إن
كان ينبغي تسليح قوات المعارضة
السورية أم لا. فحين سُئل حول ما إن كان
يفضل تزويد "الجيش السوري الحر"
المؤلف بالأساس من منشقين عسكريين
سوريين، أجاب وزير الخارجية السعودي
سعود الفيصل قائلاً: "أعتقد أنها
فكرة ممتازة". وقد تحدث الفيصل إلى
الصحفيين لدى دخوله إلى اجتماع خاص مع
كلينتون. ولكن وزير الخارجية التونسي
رفيق عبدالسلام، مستضيف المؤتمر، لفت
إلى أن البيان الختامي للمؤتمر لا
يتضمن أي إشارة إلى مساعدة عسكرية أو
تدخل خارجي إذ قال: "من المهم أن تكون
ثمة عملية آمنة لانتقال السلطة"،
مشدداً على معارضة حكومته للمساعدة
العسكرية حيث قال: "إننا لا نريدها
أن تنزلق إلى حرب أهلية بأي شكل". واللافت أن الوزيرة كلينتون استعملت لغة
غير دبلوماسية قوية للتنديد بدعم
روسيا لنظام الأسد واستعمالها هذا
الشهر ل"الفيتو" إلى جانب الصين
ضد قرار لمجلس الأمن الدولي يدعوه إلى
التنحي. وقالت كلينتون في هذا الصدد:
"إنه أمر دنيء بكل بساطة"، مضيفة
"وأتساءل، إلى أي صف يقفون؟ من
الواضح أنهم لا يقفون إلى جانب الشعب
السوري". وفي هذه الأثناء، عرفت مواقف إدارة
أوباما تحولاً في أعقاب التصلب الروسي
ووسط استمرار ارتفاع حصيلة القتلى في
صفوف المدنيين في سوريا بعد مرور نحو
عام على بدء الانتفاضة الشعبية. فنظراً
لمقاطع الفيديو والتقارير الصحفية حول
المذبحة التي اكتسحت وسائل الإعلام
الدولية، ووفاة صحفيين مشهورين أثناء
محاولتهم نقل حقيقة ما يجري إلى العالم
الخارجي، أصبحت سوريا أيضاً موضوعاً
في حملة الانتخابات الرئاسية
الأميركية. وهذا الأسبوع، انتقلت إدارة أوباما من
التشديد على أن من شأن تقديم مساعدة
عسكرية للمعارضة أن يشكل خطأ، إلى
التحذير من "تدابير إضافية" في
حال لم يذعن الأسد. وفي هذا الإطار،
قالت كلينتون في لندن يوم الخميس
الماضي إن العناصر المسلحة من
المعارضة "ستصبح قادرة على نحو
متزايد" على شن هجمات ضد القوات
العسكرية الحكومية. وقد حضر اجتماع تونس ممثلون عن 70 بلداً،
وتحدث خلاله بعض المشاركين عن دروس تم
تعلمها خلال الاحداث التي أكملت عامها
الأول وتم فيها خلع أربعة زعماء عرب،
حكموا بلدانهم مدداً طويلة، عن السلطة
في ظروف مختلفة تماماً، من بينهم
الزعيم التونسي السابق بن علي. وقال
دبلوماسي إن المؤتمر شكل على الأقل
خطوة كبيرة نحو وضع المجتمع الدولي في
موقف يتيح له التوصل إلى اتفاق سريع
حول مزيد من الخطوات في حال أصبح ذلك
ضروريّاً. وقالت كلينتون: "إن المرء لا يستطيع
فقدان تصميمه أو صبره"، محذرةً من
أنه "سيكون ثمة مزيد من أعمال القتل
قبل أن يرحل (الأسد) أخيراً". وأضافت
قائلة إن على "أصدقاء" السوريين
أن "يحافظوا على تركيزهم... وعلى
الأمور التي اتفقنا حولها" في
المؤتمر، مثل زيادة الضغط الدولي على
الأسد ومن يدعمونه. وقد وصف مسؤولون من إدارة أوباما اللغة
القوية التي استعملتها كلينتون خلال
الأيام الأخيرة باعتبارها مفيدة من
أجل زيادة الضغط على الأسد. ولكنهم
أوضحوا في الوقت نفسه أن الخطوات نحو
تسليح المعارضة من المرجح أن تتحول إلى
واقع ملموس في حال لم يذعن الزعيم
السوري. وعلى رغم أنه لا يتم إرسال أي شحنات أسلحة
رسمية إلى الثوار -ولا يُعرف عن أي
حكومة تفضيلها لتدخل مباشر من قبل قوات
عسكرية خارجية- إلا أنه من المعروف عن
عدد من البلدان في المنطقة قيامها
بتسهيل وصول الإمدادات وتخطيطها
لتقديم مساعدة مباشرة ممكنة. هذا وعقدت كلينتون اجتماعاً خاصاً مع
برهان غليون، رئيس المجلس الوطني
السوري المعارض، الذي مُنح مقعداً حول
طاولة اجتماع تونس؛ غير أن مسؤولين
أميركيين، طلبوا عدم الكشف عن
هوياتهم، لم يخفوا قلقهم لكون المجلس
الوطني السوري الذي يقوده معارضون
منفيون في الغالب فشل حتى الآن في كسب
ثقة الأقليات التي تخاف على مصالحها في
مرحلة ما بعد الأسد. ================= تاريخ النشر: الأحد 26 فبراير 2012 معاذ الوري الاتحاد استخدمت كل من روسيا والصين "حق النقض"
(الفيتو) ضد قرار مجلس الأمن حول الشأن
السوري، والذي كان قراراً ضعيفاً على
أية حال. وأعطى ذلك الموقف جرأة غير
مسبوقة للنظام في دمشق على المضي قدماً
في مجازره الوحشيّة (وتكثيفها أيضاً)
ضد أهل مدينة حمص المحاصرة، حيث يُعتقد
أن عدد القتلى (وأغلبهم على أيدي قوات
الحكومة) تجاوز 8000، حيث لا تتوافر حتى
الآن أرقام دقيقة، وذلك لعدم السماح
لمراقبين مستقلين أو للإعلام بدخول
البلاد. ونعتمد نحن، لمعرفة ما يحدث في سوريا، على
ناشطين جسورين، يعملون ببسالة في حمص
وحماة وإدلب ودرعا وغيرها من المدن
السورية، حيث يصرون على التعبير عن
ثورتهم وإيصال صوتها وصورتها لعالم
أعمى تعمد تجاهلها، وقد يصعب أحياناً
قراءة كلماتهم المكتوبة، لكن أفلامهم
المصورة تزرع في ذاكرتك مشاهد ترى فيها
لحماً منزوعاً عن العظم، مما يجعلك
تتساءل: "هل كان سابقاً يشبه
الإنسان؟". لعله إنسانٌ مثلك، أو مثل
جارك أو طبيبك. طفل مثل أخي، أو اثنان
مثل أبناء عمّي، أو أربعة مثل أصدقائهم
الذين يلعبون معهم في أمان في حديقة
منزلنا... كلهم أموات، على الأرض
يتمددون، وعلى بطونهم وظهورهم آثار
الأعيرة النارية. حتى الجنين في بطن
أمه لم يسلم من رصاصات الغدر تلك، هم
هناك يسبحون في بركة من دماء، تشهد
عليهم أعيننا المذهولة وقد اتسعت
حدقاتها خوفاً وحزناً وغضباً وخجلاً
وعاراً. ثمّة دائماً أصوات في الأفلام المصورة
تلك: أصوات تتحدى الظلم، وتقاوم
الوحشية، أصوات مهيبة جليلة، فيقول
لنا داني عبد الدايم: "لسنا حيوانات،
نحن بشر نطلب النجدة"، ويوثق
الدكتور محمد المحمد كل حالة تأتيه في
"المشفى الميداني" بما تبقى من
صوته المبحوح. وهناك صرخات الجرحى
الذين لا يعلمون (ولا تعلم أنت) إذا
كانوا سيحيون ليروا يوماً جديداً.
وأخيراً، هناك صوت بشار الأسد يأتيك في
القنابل... يتفجّر منها وفيها، الصوت
ليس بعيداً وليس قريباً، لكنه هناك.
وتتساءل أنت: كم من الأرواح أزهقت وأنت
تستمع، وكم منها ستبقى سجينة ما شهدت
عليه! وتترك الشاشة، وتغفو قليلاً
آملاً ألا يزداد عدد القتلى، لكن ثمة
إدراكاً حزيناً يداخلك بأن العدد
سيكون أكبر حين تستيقظ، سوف يموت الناس
وأنت نائم. إن هذه الأصوات في جميع أنحاء سوريا ما هي
إلا أصداء للخلل في مجلس الأمن، أصداء
مجتمع دولي مشلول، أصداء "حق النقض"،
والذي هو حق حصري لا تتمتع به سوى
الولايات المتحدة، والصين، وروسيا،
وفرنسا، والمملكة المتحدة، أي الأعضاء
الخمسة الدائمين في مجلس الأمن، لضمان
إفشال أي قرار لا يعجبهم. فماذا تبقى من
شرعية مؤسسة في الأمم المتحدة تعاني من
نزاعات وخلافات وصراعات أسست أصلاً
لتخفيفها! وماذا تبقى من شرعية مؤسسة
لا تقدّم لدول كالهند، واليابان،
وألمانيا عضوية دائمة؟ أو أية دولة
أفريقية، إسلامية، أو أميركية جنوبية؟ باتت المقترحات لإصلاح حال مجلس الأمن
أوراقاً على الأرفف تتدثر بالغبار، في
حين بدا واضحاً لنا بأن فشله في معالجة
الأزمات الدولية هو القاعدة وليس
الاستثناء، وليس مثال لإظهار هذه
الحقيقة أفضل من الصراع العربي
الإسرائيلي. ويعتقد البعض أن الحل لتلك
المشكلة يمكن أن يكمن في قرار «متحدون
من أجل السلام» تتبناه الجمعية العامة.
فإذا فشل المجلس في الارتقاء إلى ميثاق
الأمم المتحدة، وفي تحقيق مسؤوليته
تجاه السلم والأمن العالميين، يفترض (نظرياً
على الأقل) أن التصويت بأغلبية الثلثين
في الجمعية العامة ينجح فيما فشل في
تحقيقه مجلس الأمن. غير أن نقل قرار من
مجلس الأمن إلى الجمعية العامة يستغرق
وقتاً طويلاً بسبب بيروقراطية الأمم
المتحدة الأسطورية، وهذا الوقت هو
مالا يملكه من يعيشون حالياً تحت القصف
المستمر. فمثلاً استغرق التصويت
لاتخاذ قرار -رمزي أصلاً- في الجمعية
العامة ما يقارب الأسبوعين، وخلال تلك
المدة هلك ما لا يقل عن 800 شخص تحت نيران
القصف. غالبًا ما تتجسّد اتفاقات واختلافات
السياسات العالمية في مشهد تُستبعد
فيه أصوات وتجارب من هم في قلب الأزمة،
والقرارات التي تتخذ أو لا تتخذ في تلك
الأماكن البعيدة، تناقش دون أي إشارة
جدية لتلك الأرواح التي هي أكثر تأثراً
بها. نتحدث ونناقش فشل المجتمع الدولي،
كما لو كان موضوعاً أكاديمياً مجرداً،
كما لو لم تكن هناك مجتمعات تواجه
أزمات مصيريّة. قبل بضعة أيام، توفي
أنثوني شديد، صحفي «النيويورك تايمز»
اللامع في سوريا إثر أزمة ربوية، وقد
حاول أنثوني أثناء حياته أن يضع أناساً
عاديين عالقين في فوضى دموية عارمة -في
سوريا والعراق وفلسطين ولبنان- في مركز
مقالاته، علّنا نفهم أن هناك أناساً
تعلقت مصائرهم بتلك القرارات. مأساة الشعب السوري هي أحدث مثال على فشل
مجلس الأمن خاصة والمجتمع الدولي عامة
في التعاطي مع الأزمات الدولية. فمما
لا ريب فيه أن أولى الأولويات هي وضع حد
فوري لسفك الدماء ومحاسبة الأسد
وحكومته، لكننا يجب أن نرفض تغييب
الأولوية الكبرى والموضوع الأهم:
فأناس، أناس مثلنا بآمال وطموحات،
أناس يبدون شجاعة استثنائية في حالات
لا نتخيلها، خُذلوا من أناس، أناس
مثلهم. وعلى حد قول سفير فرنسا لدى
الأمم المتحدة قبل أسبوعين، فإن أقل ما
يجب أن يُحدثه ذلك هو أن يُفاقم عارنا. ================= الزمن السوري الجديد:
الحوائل والتحولات تاريخ النشر: الأحد 26 فبراير 2012 د. رضوان السيد الاتحاد كان أهل حمص ينتظرون اقتراب موعد
الاستفتاء، لكي يخفّف الأسد من
غلوائه، فيسمح لهم بالتنفُّس، رجاء أن
يوافقوه في الذهاب إلى صناديق
الاستفتاء! وما حصل أيٌّ من ذلك، ولذا
فلن يذهب الناس إلى صناديق الاستفتاء،
لأن السوريين ما عرفوا من نظامهم غير
الفتك والقتل! وبغض النظر عن رأي
الواقعين تحت رحمة القتل، لماذا يُجري
النظام السوري هذا الاستفتاء إذن؟! لقد
اختلفت في ذلك أنظارُ المراقبين حتى من
داخل النظام. فمنهم من يقول: لقد وعد
الرئيس بالإصلاح، وها هي خطوة واسعة
تتحقق مع الدستور الجديد! وكان هناك من
قال إنه يريد إثبات وجود كثرة من
السوريين لاتزال تؤيده، كما يبدو من
الخروج يوم الاستفتاء. وكان هناك من
قال إنّ المقصود من الاستفتاء الإثبات
للغربيين أنّ النظام ليس ضعيفاً ولا
عاجزاً، وسيظل مصراً على "برنامجه"
المعلن مهما تكن الصعوبات: التغيير
باتجاه الديمقراطية، وفي الوقت نفسه
الإصرار على فرض الاستقرار مهما كلّف
الأمر! إنما لماذا هذا الإصرار من جانب
النظام السوري على الاستبداد والقتل،
رغم معرفة الجميع أنّ زمناً جديداً
دخل، وأنه لا إمكانية لانتزاع البقاء
مهما بلغ من هول المذابح؟! وبالتأكيد؛ فإنّ أحداً لا يعرف يقيناً
كيف يفكّر النظام الآن في دوائره
العليا بمسألة البقاء وأعبائها
وتكاليفها. فالذي حصل في سوريا ويحصل
منذ عام، حصل مثله أو أقلّ في أربعة
بلدانٍ عربيةٍ فأدّى إلى سقوط النظام،
وهكذا فالمنطقيَّ أن يقال إنّ النظام
سيسقط في سوريا أيضاً! وربما لم يكن
أرباب النظام يصدقون ذلك في الشهور
الأولى إذ كان الأسد نفسه قد قال إنّ
أحداً لا يستطيع إلاّ أنّ يفكّر في
إمكان السقوط. ولذا فقد كان من
التوقَّع أن يُقْبل النظام على الأخذ
بالمبادرة العربية، والتي تؤمّن
مساراً أو تحولاً تدريجياً، يفيد منه
النظام بشكلٍ عام، وإن أدّى إلى ذهابه
خلال عامٍ أو عامين. وهو لم يفعل ذلك في
نظر المراقبين، لأنه مطمئنٌّ إلى
مواقف كلٍ من إسرائيل وإيران
وحلفائهما. فإسرائيل ظلّت مع النظام
بعد نشوب الحراك ضده أكثر من ستة أشهر،
ثم انقسم السياسيون: اليمين مُصِرٌّ
على فائدة بقاء الأسد، والوسطيون
والليبراليون يعتبرون أنه من الأَجدى
التفكير بمن بعده، لأنه ساقطٌ لا محالة!
وبعد جهدٍ جهيدٍ اتفق الطرفان على
النأْي بالنفس أو عدم الكلام علناً
مهما حدث في سوريا، لأنّ الإسلاميين
قادمون بعد الأسد، وهم أسوأ بأي حالٍ
على إسرائيل من الأسد ونظامه. وقد
انعكس هذا الموقف الإسرائيلي على
الموقف الأميركي، فمنذ الشهر الثالث
أو الرابع على الثورة السورية، هناك
تصريحات يومية عن ضرورة تنحّي الأسد،
وقد بادرت أميركا وأوروبا إلى إيقاع
عقوباتٍ مؤلمةٍ بالنظام في سوريا،
لكنّ الأميركيين على الخصوص خفضوا
حملاتهم أخيراً مُراعاةً لوجهة النظر
الإسرائيلية، ولأنهم لا يريدون فتح
جبهةٍ جديدةٍ في سنة الانتخابات.
والاعتبارات الأميركية هي الاعتبارات
التركية. فقد تحمّس الأتراك كثيراً
عندما لم يكن العرب الخليجيون متحمسين.
وقد أتاحوا للثوار والنازحين ملاذاتٍ
آمنةً بتركيا. لكنهم ما لبثوا أن
توقفوا عن الحماسة: بسبب تردد
الأميركيين، وبسبب المصالح
الاستراتيجية المتبادلة مع
الإيرانيين. وما يقال عن الأتراك والأميركيين يقال
أكثر منه عن إيران. فطهران حليفة
النظام السوري منذ مطلع الثمانينيات،
وعبر هذا التحالف أمكن الوصول إلى نشر
مناطق النفوذ بالعراق ولبنان. ووسط
التهديد الزاحف الآن، يكون من الخطأ
إظهار أي تنازل. ولذا انصبّت المساعدات
الإيرانية على النظام السوري وستظلُّ
تنصبُّ، ولذلك أيضاً يظلُّ النظام
السوري واثقاً من صلابة موقفه لأنّ دعم
إيران لن يتزعزع. وقد دفعت عواملُ
مختلفةٌ روسيا والصين للوصول إلى
الموقف نفسه. وبالإضافة لذلك كُلِّه؛
فالنظام السوري يعيش في محيطٍ آمن:
إسرائيل والعراق ولبنان، إضافةً إلى
أنّ الأُردنّ لايزال شديد التردد حتى
الآن! إنّ هذه الاعتبارات هي الحوائل التي
تحولت إلى تحصيناتٍ يقف النظام السوري
خلفها في مساعيه للبقاء. ولا شكَّ أنّ
الهجمة على المواطنين والقتل المستمر
هما من عوامل الضعف وليس القوة. كما أنّ
من عوامل الضعف ما يحصل لديه من
انشقاقاتٍ، والوضع الاقتصادي
المتردي، والعزلة السياسية العربية
والعالمية. بيد أنّ أهمَّ عوامل الضعف هي كما كانت
منذ الشهر الأول للأزمة: إصرار الشباب
في النواحي الخمس على إسقاط النظام:
درعا وحماة وحمص وإدلب وريف دمشق.
وتُضاف الآن دمشق ذاتها وربما حلب. وقد
أظهر الشعب السوري استعداداً هائلاً
للتضحية وللصمود في الخنادق عندما لا
يستطيع التقدم. وقد استطاع تشكيل
المجلس الوطني، واستطاع تحت ضغط
الجمهور الغاضب إرهاق الأجهزة الأمنية
والتأثير على معنويات الجيش وتماسكه؛
فضلاً عن الإرهاق الشديد الذي نزل
بالجميع، وهذا التحدي الأسطوري الذي
شكلته أحياء بابا عمرو والخالدية
والإنشاءات بحمص! وهناك من جهةٍ أُخرى الإصرار العربي
المتنامي منذ منتصف 2011. وقد تقدمت قطر
الصفوف، ثم تبعتْها سائر دول الخليج
فالدول العربية. ومن تصريحات العاهل
السعودي ضد القتل، وصدامه مع الرئيس
الروسي، نتبين أنّ السعودية مُصرَّةٌ
الآن على العمل بكلّ سبيلٍ لوقف العنف
والقتل في سوريا. وعلى أيّ حال؛ فإنّ
دول الخليج قادت العرب بالجامعة إلى
طرح المبادرة المعروفة، واستحصلت على
موافقة الأوروبيين والأميركيين
والأتراك عليها. ثم مضت إلى مجلس الأمن
بالمبادرة على أثر الفشل مع النظام
السوري. وعندما واجهت المبادرة الفيتو
الروسي والصيني، تبلورت المجموعة
الدولية الضخمة المعروفة بأصدقاء
سورية، والتي اجتمعت أول من أمس، ورسمت
خطةً للضغط على النظام السوري حتى
يتوقف عن القتل أو يسقط. وما عاد خافياً
أن التدخل بسوريا لن يتخذ الشكل الذي
اتخذه بليبيا، ولا شكل التدخل الخليجي
باليمن. فلن يكون هناك تدخُّلٌ عسكريٌّ
من جانب قواتٍ أجنبية، لكنْ ربما جرى
فرض مناطق آمنة أو ممرات آمنة أو تأمين
الظروف للإمدادات الصحية والغذائية.
إنما من جهةٍ أُخرى هناك الدعم بكافة
أشكاله- ومنها العتاد العسكري
للمعارضة بالداخل، والدعم المادي
والسياسي للمجلس الوطني السوري. وإذا
نجح العرب والدوليون في توحيد
المعارضة بالخارج، وفرض نوع من
التنسيق والتنظيم للمعارضة العسكرية
بالداخل؛ فإنّ النظام لن يصمد طويلاً
مهما تردد الإسرائيليون، ومهما تعهّد
الإيرانيون و"حزب الله" والمالكي
بالدعم والتأييد! لقد كانت شهوراً قاسيةً وقاسيةً جداً على
الشعب السوري. إنما بعد مؤتمر أصدقاء
سوريا فإنّ الوضع انتقل من الثبات
والدفاع إلى الندية والهجوم. وبين
أسباب انقلاب الوضع لمصلحة الشعب
السوري، سقوط هيبة النظام، بحيث ما
استهان النظام بالقتل فقط؛ بل استهان
الضحايا أيضاً، وهذا عاملٌ مُهمٌّ في
إسقاط الخوف، وفي الاندفاع للمواجهة،
ويضاف إليه إحساس المحتجين بأنّ
المستقبل لهم، وإحساس أهل النظام أنهم
من مواريث الماضي. قال العاهل السعودي للرئيس الروسي إنه لا
حوار مفيداً معه ولا مع النظام السوري،
لأنّ الروس آثروا الفيتو على
التفاوُض، ولأنّ النظام السوري يستمر
في قتل شعبه. أمّا الوقوف مع الشعب
السوري فأمرٌ يقتضيه الدين وتقتضيه
الأخلاق. ولذا يمكن القول الآن إنّ
الدم العربي السوري سوف ينتصر على
السيف. ================= علي حماده 2012-02-26 النهار سأبدأ اليوم بما وقع تحت ناظري البارحة
على موقعي في "فايسبوك"، وهو ما
كتبه أحد الأصدقاء عن سوريا: "أتريد
ان تعرف شيئا عن سوريا؟ أتريد ان تعرف
ما هي سوريا؟ ببساطة يا سيدي هي شهيد
يسعفه شهيد، فيداويه شهيد، فيشيعه
شهيد، فيصلي عليه شهيد، فيدفنه شهيد!"
كم هي معبّرة هذه الصورة، وكم تعكس
حقيقة ما يعيشه المواطن السوري في هذه
المرحلة حيث تواجه احلامه في الحرية
والكرامة والديموقراطية والاصلاح
بجهنم من الرصاص والقذائف المدفعية. ومع اقتراب الثورة من عيدها السنوي الاول
وبلوغ أعداد الشهداء أرقاماً مخيفة
تقارب العشرة آلاف، ترتسم ملامح أمّ
الثورات العربية المعاصرة، فهي التي
تختصر عبر معاناة شعب سوريا كل الثورات
التي سبقتها. إن سوريا تهدي في كل يوم
شهداء يسقطون في سبيل التحرر من السجن
الكبير الذي بناه حافظ الاسد وأورثه
الى أولاده والبطانة. ومع ذلك تستمر المعركة الكبرى مع نظام
يدرج القتل المنظم لكل نسمة حرية تسكن
في قلب مواطن، ضمن لائحة الاهداف
المشروعة الواجب سحقها وإزالتها من
الوجود. والمعركة آيلة الى مزيد من
التعقيدات. فعلى المستوى الداخلي،
تعتبر معركة حمص مفصلية للنظام
والمعارضة الشعبية على حد سواء،
فالنظام يريد اسقاطها من اجل توجيه
ضربة ميدانية ومعنوية كبرى للحركة
الثورية وقطع تواصلها بين الشمال
والجنوب، وفكّ الطوق الثوري المفروض
على العاصمة دمشق. اما المعارضة فتقاتل في حمص للحفاظ على
معقل محوري للثورة يمثل بيئة حاضنة لكل
حراك ضد النظام. في مطلق الاحوال،
وبعكس التقديرات المتشائمة، فإن سقوط
باباعمرو ومعها حمص، إن حصل، سيكون
مردوده على النظام محدوداً، باعتبار
أن إسقاط مدينة معادية لا يحل المشكلة
بل يعقّدها، فحمص مثل بقية المدن التي
يتعامل معها النظام بوحشية متناهية،
هي أشبه بأرض وشعب يواجهان قوة احتلال.
وفي هذه الحالة، فإن النظام أوقد الضغائن وعمل على تسعير
الاحقاد، حتى صار السوريون يعتبرون احتلال نظام
الاسد أكثر خطورة ومضاضة من احتلال
اسرائيلي، مما حوّل كل مواطن مقاوماً. إن المسار القائم حالياً، وبعد بلوغ معدل
القتل مستوى المئة شهيد يوميا، يدل على
أن الثورة ستتحول في عيدها الاول
انتفاضة مسلحة، وما أسهل إغراق سوريا
بالسلاح متى تقرر ذلك جدّيا! ================= «مؤتمر أصدقاء سورية»:
عجز دولي آخر أمام النظام السوري الأحد, 26 فبراير 2012 خالد الحروب * الحياة بعد الفشل الاممي الفاضح في مجلس الامن في
حماية الشعب السوري من بطش النظام،
يقدم العالم ضوءاً اخضر جديداً للنظام
يمثل في نتائج «مؤتمر اصدقاء سورية»
الذي عقد في تونس اول امس. وكما تفاقمت
وحشية القتل الرسمي في اعقاب الضوء
الاخضر الاول الذي منحته روسيا والصين
للحكم في دمشق، فسوف تتفاقم تلك
الوحشية بعد المؤتمر الكارثي الذي لم
يخرج سوى بمناشدات لوقف العنف «فوراً».
لو لم يعقد هذا المؤتمر لكان افضل
للشعب السوري وثورته العظيمة والدموية.
لو لم يعقد لبقي في الأفق ثمة غموض «تهديدي»
ما قد يحسب النظام حساباً له ولو في
الحدود الدنيا من الحسابات. لكن ما حدث
في تونس كشف المدى الهائل الذي يمكن ان
يصل إليه العجز الدولي والعربي أمام
مشهد جريمة يومية معلنة تمارس على مرأى
ومسمع العالم يومياً ومن دون ادنى شعور
بالتردد او الخشية من الحساب. بعد الفيتو الروسي-الصيني المزدوج ارتفع
مباشرة معدل القتل اليومي وتضاعف،
ودخلت الدبابات والمدفعية إلى المعركة
التي يخوضها النظام ضد شعبه من طرف
واحد. وفر الروس والصينيون درع حماية
ديبلوماسياً وسياسياً لاستمرار
الجريمة من طريق تكبيل العالم برمته
وشل حركته. وفي الوقت نفسه تكفل العراق
وإيران بالدعم اللوجستي الميداني
والاستخباراتي والمالي الذي يعزز قدرة
النظام على مواصلة حربه للبقاء على صدر
الشعب السوري ولو على حساب عشرات
القتلى يومياً. وبعد مشهد مؤتمر تونس
المجلل بالعجز لنا ان نتوقع تضاعفاً
آخر في معدل القتل اليومي. يحدث هذا في
حقبة ما بعد الحرب الباردة وبروز
مفاهيم التدخل الانساني التي تعززت في
التسعينات في البلقان ورواندا وغيرهما
من المناطق. وكان من المؤمل ان تترسخ
هذه المفاهيم أممياً وقانونياً وتأخذ
مكانها في منظومة التشريعات الاممية
والقانون الدولي، وتتطور معها آليات
للتطبيق والتنفيذ تحمي الشعوب من بطش
طغاتها وأنظمتها الديكتاتورية التي
كانت تستبد وتولغ في دماء شعوبها
محتمية بمبدأ «السيادة». خلال حقبة الحرب الباردة الطويلة اصبح
هذا المبدأ، السيادة، الأقنوم الاكثر
قداسة في السياسة الدولية، وعنى ضمن
كثير مما عناه حق الدولة والنظام
القائم فيها بالقيام بأي شيء داخل
حدوده السيادية حتى لو كان ذلك قمعاً
وقتلاً ضد شعبه، ولا يحق لأي دولة في
الخارج ان تتدخل في ممارسات النظام
وسياساته الداخلية. كان الصراع
الاستقطابي الحاد بين الاتحاد
السوفياتي والولايات المتحدة آنذاك قد
ادخل السياسة الدولية في أنفاق بالغة
القتامة، وكان التنافس لجذب الانظمة
والحكومات في مدارات هذا القطب او ذاك
قد همش كل القضايا التي لها علاقة
بحقوق الانسان والحريات وكرامة الشعوب.
في تلك الحقبة، وخلال سنوات السبعينات
مثلاً، ولغ بول بوت وقوات الخمير الحمر
في دماء الشعب الكمبودي وأبادوا ما
يقارب ثلاثة ملايين تحت مرأى ومسمع
العالم. لم يكن يومها اعلام معولم او
اجتماعي ينقل كوارث القتل اليومي في
حقول الابادة ساعة بساعة. على رغم ذلك
كان الكل يراقب ويعرف ماذا يحدث هناك،
لكن بول بوت كان يحتمي بدعم الصين
ويستثمر الاستقطاب الدولي ويتذرع
بمفهوم «السيادة». بعد انهيار الاتحاد السوفياتي ونهاية
الحرب الباردة بدا وكأن العالم يدخل
مرحلة جديدة تضعف فيها الاسس العصبوية
لمفهوم السيادة إذا قام على انقاض
الشعب وترافق مع بطشه وقمعه بل وحتى
إبادته. في تسعينات القرن الماضي ومع
تفكك يوغوسلافيا الديكتاتور جوزيف
تيتو انطلقت كل الرغبات الصربية
الشوفينية لبناء صربيا الكبرى ولو ادى
ذلك إلى ابادة المسلمين في البوسنة
والهرسك وكل البلقان. ثم تبعت ذلك
الحرب الصربية في كوسوفو وضد شعبها
وللاهداف ذاتها. تلطى العالم يومها
طويلاً وهو يراقب وحشية الجيش الصربي
في المجازر التي نفذها ضد البوسنيين ثم
الكوسوفيين لاحقاً. كانت «صربيا» تبرر
ما تقوم به بكونها الوريث الطبيعي
للدولة اليوغوسلافية وانها تحافظ على
وحدة و «سيادة» الوطن وتمنع انقسامه،
وهي ممارسة «مقبولة» وفق سياسات الحرب
الباردة المتوحشة والمريرة. آنذاك
تطور مفهوم التدخل الانساني الخارجي
الذي يقوم على واجب العالم ممثلاً في
الامم المتحدة في التدخل لنصرة الشعوب
التي تتعرض لبطش وقمع وإبادة حتى لو
كان ذلك التدخل ضد مفهوم السيادة كما
هو معروف تقليدياً. لكن وعلى رغم تطور
هذا المفهوم، إلا ان آليات تطبيقه
وتنفيذه بقيت قاصرة ولم تتطور في الشكل
الكافي والمقنع. من ناحية اولى ظل «التدخل»،
المنبثق اساساً من الفصل السابع من
ميثاق الامم المتحدة الذي يشرع لمجلس
الامن استخدام القوة في الحالات التي
يتعرض لها امن وسلام العالم للخطر،
مربوطاً بموافقة الدول الخمس الدائمة
العضوية في المجلس والتي لها حق الفيتو.
معنى ذلك ان مفهوم «التدخل الانساني»
بقي مرهوناً بمنظومة مصالح القوى
الكبرى وحساباتها الاستراتيجية
وتحالفاتها. وهذا يقود إلى سوء استخدام
هذا المفهوم وتوظيفه لخدمة تلك
المصالح، ومحاولة تطبيقه في حالة
ومنعه في حالات اخرى وفق المصالح
وازدواجية السياسة. على رغم
الاختلالات الكثيرة كان ولا يزال
مفهوم «التدخل الانساني» انتقالاً
مهماً في السياسة الدولية يفتح آفاقاً
اكثر انسانوية في حقل السياسة البشع،
ويدفع الى الأمام حقوق الشعوب
وحرياتها ولو خطوة على حساب الانظمة
المستبدة. اتاح ذلك كله مساحات جديدة
ايضاً للتدخل من دون موافقة مجلس الامن
وتجاوز معضلة الفيتو كما حدث في
البلقان حين عارضت موسكو (دائماً
وأيضاً!) التدخل لوقف المجازر ضد
البوسنيين والكوسوفيين. لو استمر عجز
العالم يومها وتكلس الفعل الدولي وراء
مجلس الامن لتمكن متطرفو الصرب
وقواتهم العسكرية من ابادة كل من تبقى
في تلك المناطق من غير الصرب. ماذا يفيدنا كل ذلك اليوم في ما خص الشأن
السوري؟ يفيدنا في ضرورة اجتراح وسائل
دولية وإقليمية جديدة تتبنى مفهوم
التدخل الانساني (العسكري) بآليات
جديدة تتجاوز التكلس الذي يواجهه
العالم بسبب عجز مجلس الامن وارتهانه
للفيتو الروسي والصيني. الفيتو
المذكور تقوده أولاً الشوفينية
الروسية المتطرفة التي يقودها
فلاديمير بوتين المهووس بالقومية
والأمجاد الروسية ويريد اعادتها الى
الخريطة بكل الأشكال وعلى حساب كل
القضايا، وبوصلتها معارضة الغرب في كل
مكان وفي كل وقت. بوتين ألقى خطاباً من
يومين في تجمع انتخابي في روسيا توعد
فيه العالم ب «روسيا المنتصرة» دوماً،
وقال لتجمع من المتطرفين القوميين
الروس من مؤيديه ان «النصر والمجد
يسريان في الجينات الروسية» وأن الوقت
قد حان لإظهار ذلك للعالم. واحد ميادين
اظهار ذلك حالياً يتمثل في سورية، ذلك
ان المسألة ليست مصالح روسية في سورية
بل صورة روسيا البوتينية في العالم كما
يريدها رجل مهووس بالسلطة وجنون
العظمة. إذاً، ما دخل السوريين الذين
يعانون من القتل اليومي على يد النظام
بمطامح بوتين وجنونه السلطوي، ولماذا
يدفعون ثمناً باهظاً من اجل ذلك؟ هنا
يصبح تطبيق «التدخل الانساني» مسألة
لا بديل عنها لأنه الآلية الوحيدة التي
تستطيع ان توقف الإجرام الحاصل يومياً
ضد الشعب السوري. والجدل الذي صار
فارغاً من ناحية عملية ضد التدخل
الاجنبي لا يقدم اي بديل يمكن ان يوقف
الابادة الحالية. مر عام كامل على
الثورة السورية التي بدأت واستمرت
سلمية ودافعت عن سلميتها شهوراً
طويلة، فيما اصر النظام على عسكرتها
ودفعها دفعاً نحو استخدام السلاح كي
يسوغ قمعه وبطشه. ليست هناك اسرار ولا
عبقريات تحليلية في فهم واستيعاب ما
يحدث. نظام حكم عائلي قائم على
الزبائنية والفساد والبطش والقتل يعلن
من دون مواربة انه مستعد لتدمير مدن
سورية وشعبها من اجل البقاء في الحكم
والسيطرة ومواصلة نهب مقدرات سورية
وإذلال الشعب السوري. من كان عنده بديل
عن التدخل الخارجي فيلطرحه على
السوريين! رأينا تلك البدائل فاضحة
ومكشوفة في مؤتمر اصدقاء سورية، وهم
اصدقاء كثر، لكن فعلهم قارب الصفر فيما
الدماء السورية العزيزة تسيل كل يوم
وكل لحظة. * محاضر واكاديمي - جامعة
كامبردج ================= فايز سارة الشرق الاوسط 26-2-2012 تطرح الأزمة السورية في تطوراتها الحالية
احتمالات كثيرة، ربما كانت الأبعد عن
طروحات جرى تداولها على مدار عقود من
السنوات، انقضت على ولادة الكيان
السوري الحديث في عام 1936. ومنذ حصوله
على الاستقلال في عام 1946، وطوال تلك
العقود، بل وفي العقود التي سبقتها،
بلور السوريون في صورتهم الجغرافية –
السياسية الحالية شخصية وطنية واحدة
متجاوزين ما أظهروه من ميل وتعاطف مع
البلدان العربية المجاورة ومن حنين
إلى دولة عربية واحدة، جاءت نتائج
الحرب العالمية الأولى لتؤكد لهم أنها
غير ممكنة بسبب ظروف إقليمية ودولية
محيطة. كان أحد التعبيرات الوطنية السورية
المبكرة إطلاق المؤتمر السوري الذي
كان بمثابة مجلس نيابي، أكد استقلال
سوريا وكيانيتها، ثم جاءت ثورة سوريا
الكبرى 1925 - 1927، لتؤكد نزعة السوريين
إلى التحرر من الانتداب، تبعها رفض
السوريين لمشروع الانتداب الفرنسي
بتقسيم سوريا إلى خمس دول، مما أدى إلى
إفشال المشروع وإبقاء سوريا كيانا
واحدا تحت الانتداب، وصولا إلى
الاستقلال اللاحق، وهكذا ولدت سوريا
دولة موحدة بوعي وإرادة السوريين
وتصميمهم، وفق عشرات القرائن التي
تؤكد ذلك. غير أنه ومع تطورات الأزمة الراهنة، أخذت
تتوالى طروحات حول الطوائف والجماعات
المختلفة، واحتمالات الحرب الأهلية أو
الطائفية في سوريا، قبل أن يجري تداول
موضوع تقسيم سوريا، وهو موضوع لم يرد
حديث واضح عنه، إلا في وثائق
إسرائيلية، كانت نشرت بعد الغزو
الإسرائيلي للبنان في عام 1982، عبر مقال
كتبه عويد عينون في مجلة إسرائيلية
مغمورة عن بلقنة المنطقة وتقسيم دولها
إلى كيانات متناحرة متصارعة، لكن ذلك
لم يتجاوز حدود ما تم نشره وجرى الحديث
فيه. وعودة الحديث عن تقسيم سوريا في هذه
المرحلة، إنما تستند بصورة أساسية إلى
اتجاهات تطور الأزمة التي تعيشها
سوريا منذ عام تقريبا. والتي يبدو أخطر
تجلياتها في استمرار الحل الأمني -
العسكري الذي تتابعه السلطات السورية
في التعامل مع الأزمة، والتصعيد
الأخير الذي طرأ في حصار وقصف مدن وقرى
كثيرة، وهذا كله دفع إلى تنامي مواجهات
مسلحة، وخاصة في المناطق الملتهبة،
وسط عجز النظام عن التوجه نحو خيار
سياسي، يعالج الأزمة السورية
باعتبارها أزمة سياسية واقتصادية
اجتماعية. وارتباط الحديث عن التقسيم بالاحتدام
السياسي والأمني الراهن يطرح جدية
الفكرة. ذلك أن سوريا شهدت في فترات
سابقة من عهد البعث احتدامات سياسية
أمنية، تكررت في الستينات وفي
السبعينات والثمانينات، وكانت
الأخيرة أشدها عنفا ودموية، وكلها لم
تطرح فكرة تقسيم سوريا، ومع نهاية كل
مرحلة من الاحتدامات السابقة، كان
السوريون يتجاوزون ما حصل، ويواصلون
حياتهم العامة في إطار وحدتهم
الكيانية والسياسية، وهو ما يمكن
القول: إنه سيتم فيما لو تم التوصل إلى
إنهاء مرحلة الاحتدام الراهنة دون
الذهاب إلى تداعيات خطرة أبرزها تعميم
العنف الداخلي، وحصول تدخل عسكري
خارجي واسع. غير أن العوامل الداخلية ليست الوحيدة في
التأثير على الدفع نحو تقسيم سوريا،
ذلك أن هناك عوامل خارجية إقليمية
ودولية ذات تأثير مماثل في عالم شديد
الترابط. ففي منطقة الشرق الأوسط، يصعب
اليوم القيام بتغييرات كيانية، خاصة
بسبب التداخلات البشرية القائمة،
الأمر الذي يعني أن تقسيم بلد ما، أو
إدخاله في أتون حرب أهلية، سيجر البنى
السكانية في البلد المعني للتفاعل مع
امتداداتها في البلدان المجاورة، مما
سيفتح الباب أمام إعادة رسم الخريطة
السياسية لبلدان المنطقة كلها أو
أكثرها على الأقل، الأمر الذي سيضرب
ويضر بالاستراتيجيات الإقليمية
والدولية وبمصالح كثير من الدول ذات
العلاقة وبينها الدول الغربية. لقد بينت السنوات الثلاثون الماضية أن
محاولات تقسيم بلدان في المنطقة جوبهت
بمعارضات جدية وقوية، ومنها محاولة
تقسيم لبنان في خلال الحرب الأهلية (1975
- 1990) وكذلك المحاولة في العراق بعد
الحرب الأميركية عليه في عام 2003، بل إن
مشروعا ناجزا لانفصال الأكراد في شمال
العراق لم يقيض له النجاح بفعل العوامل
الإقليمية والدولية المعارضة
للانفصال. إن المعطيات السورية العامة، والظروف
الإقليمية والدولية، تشير إلى صعوبة
فكرة تقسيم سوريا، لا سيما في المرحلة
الراهنة، غير أنه لا يمكن الركون إلى
ما سبق، واعتباره يرسم مصيرا نهائيا،
يمنع تقسيم سوريا، ذلك أنه في حال حدوث
تغييرات كبيرة في سوريا والمنطقة مثل
تعميم العنف وتوسيعه، وزيادة حدة
التدخلات الإقليمية والدولية في
الشؤون السورية، وتضارب المصالح بين
الدول ولا سيما المؤثرة في الأزمة
السورية، يمكن أن يجعل التقسيم أمرا
ممكنا، كما حدث في البلقان حيث أعيد
رسم حدود كياناته السياسية والسكانية
على أسس جديدة. ================= إيجابيات مؤتمر «أصدقاء
سوريا»! طارق الحميد الشرق الاوسط 26-2-2012 هناك من أُحبط من مؤتمر «أصدقاء سوريا»،
وحتى من طريقة إدارته، لكن هذا ليس
بالضرورة صحيحا، خصوصا إذا تذكرنا أن
سوريا، والمنطقة برمتها، تشهد حالة
خلع أكثر ضرس فاسد بالمنظومة العربية،
وهو أمر لا يمكن أن يتم من دون ألم، أو
تدخل جراحي. فمع المحبطين حق حينما يستمعون لخطاب
الرئيس التونسي عن سوريا، ولا يتم
إدراج كلمة السيد برهان غليون ضمن
الكلمات التي تم بثها علنيا، حيث ألقيت
بالجلسة المغلقة. لكن سيقل الإحباط
عندما نعلم أن الأمير سعود الفيصل،
وزير الخارجية السعودي، قام بارتجال
كلمة، قبل إلقاء كلمته الموزعة
بالجلسة المغلقة، أشاد فيها «ببعض» ما
قاله الرئيس التونسي. وأشاد الفيصل في
كلمته المرتجلة «بكل» ما قاله برهان
غليون في خطابه «القوي والمعبر»، بل إن
الفيصل أشاد بمداخلة لأحد السوريين من
حمص، واعتبرها ملخصة لمعاناة السوريين.
وهذا ليس كل شيء، بل إن ما يسعد
السوريين، والعرب، يتلخص في ما قاله
الأمير سعود الفيصل في كلمته، حيث
اعتبر أن نظام الأسد الذي يعربد في
سوريا هو نظام سلطة احتلال، كما احتج
الفيصل على الاكتفاء بالإعانة
الإنسانية، واعتبرها عملية تسمين
للضحية التي سيفترسها الوحش! ومن الإيجابيات الأخرى في مؤتمر تونس أن
الفيصل، الذي فتح باب الاعتراف
بالمعارضة السورية في خطابه الأخير
بالجامعة العربية وتحقق في تونس رغم كل
ما قاله البعض من قبل، قد فتح الباب
أيضا للمطالبة بتسليح الثوار
السوريين، وذلك حين قال الفيصل ردا على
سؤال حول تسليح الثوار السوريين بأنه «فكرة
ممتازة». بل إن الأمير سعود الفيصل قال
أيضا إن الأسد سيرحل «راغبا أو مكرها»،
وهذا كله يعني أن السقف الذي سيهوي على
رأس نظام الأسد قد ارتفع كثيرا، وذلك
دفاعا عن الشعب السوري المظلوم. كل ما سبق يقول إن الأمور ليست بمحبطة
جدا، ولو استشهد البعض بكلمة أمين عام
الجامعة العربية، فالأوضاع على الأرض
في سوريا تجاوزت لغط الكلام، وكما قلت
ذات مرة فإن الساسة الآن سيرقصون على
إيقاع دمشق، وتأكيدا لذلك فهناك
معلومات مهمة سمعتها من مصادر رفيعة
مختلفة تقول إنه قد انبثق عن دول «أصدقاء
سوريا» تشكيل مصغر للجنة، أو قل خلية
عمل، غير معلنة، مهمتها متابعة تطورات
الأحداث في سوريا، وتتكون من مجموعة
دول منها: السعودية، والإمارات، وقطر،
وتركيا، وأميركا، وفرنسا، وبريطانيا.
وهذا أمر ليس بالمحبط بكل تأكيد، فتلك
الدول معنية بشكل مباشر بالملف
السوري، ويكفي أن نتذكر أن اللقاء
الثاني ل«أصدقاء سوريا» سيعقد بتركيا،
مما يفترض معه أنه سيكون لإسطنبول دور
أكثر تأثيرا في قادم الأيام، وقد يكون
من ضمن عمل تلك المجموعة توحيد صفوف
المعارضة السورية، وأكثر. ومن الأخبار
الجيدة، أيضا، إنجاز الاتفاق بين
الجيش الحر والمجلس العسكري لتشكيل «وزارة
دفاع» للثورة السورية. وعليه فإن جل هذه الأخبار لا تعتبر محبطة،
بقدر ما أنها تعني بداية العد التنازلي
لنهاية طاغية دمشق قاتل الأطفال. ================= ياسر أبو هلالة الغد الاردنية 26-2-2012 يشبه استخدام نظام بشار الأسد للسلاح
الطائفي استخدام السلاح الكيماوي
المحرم دوليا. وحتى في أعتى
الدكتاتوريات يلجأ لهذا النوع من
السلاح بعد استنفاد الأسلحة التقليدية.
من اليوم الأول استخدم بشار المذعور
مما حل بأقرانه من الطغاة كل أسلحته.
استدعى السلاح الإسرائيلي بكل نفوذه
الدولي والإقليمي، بقاء النظام ضمانة
لأمن إسرائيل، وهو ما صرح به رامي
مخلوف علانية للصحافة الأميركية.
استعاد لحظة الحرب الباردة واعتبر
سورية قاعدة متقدمة لروسيا العجوز
المتصابية. وفي ليلة وضحاها أصبح
النظام القومي العلماني وكيلا للمرشد
الأعلى للثورة الإسلامي يجمع له الخمس.
وفوق ذلك استخدام أبشع الأساليب
الإجرامية للنظام الأمني من قتل
الأطفال واغتصاب النساء والتشويه
والتمثيل. لم تفلح كل تلك
الأسلحة القذرة في إخماد ثورة الشعب
السوري، لكنها، وللأسف، نجحت في إطالة
عمر النظام. وهو في النهاية اعتمد
الخيار الشمشوني لتذهب البلاد إلى
الجحيم ولأذهب معها. وقد تأكد هذا
الخيار بعد مشاهدة ما حل بالقذافي، فهو
يعلم حجم الأحقاد التي ورثها نظام الأب
والابن، وبالتالي لن يترك البلاد
لتنعم بنظام ديمقراطي يحترم كرامة
الإنسان، بل سيتركها نهبا للحرب
الأهلية الطاحنة التي ستمتد من إيران
والعراق إلى سورية ولبنان، ويأمل أن لا
يظل الخليج بمنأى عنها. يدرك النظام
الدموي من خلال خبرته في الحروب
الأهلية في لبنان والعراق مدى الضرر
الذي تتركه، تماما كالسلاح الكيماوي
الذي تبقى آثاره لعقود. والذين يتحدثون
عن "تطييف" الثورة السورية،
يتجاهلون عن عمد أن النظام بطبيعته
وتركيبته طائفي. وأنه يشن حربا طائفية
من طرف واحد. والناس يدافعون عن أنفسهم
في مواجهة جيش طائفي. لم يكتف
النظام بأجهزته وجيشه الطائفي، بل لجأ
من اليوم الأول إلى"التشبيح" أي
تجنيد المدنيين من أبناء الطائفة
العلوية. وفي لقائه مع أنس سويد إمام
باب السباع اعترف بشار بخطأ تسليح
الحيين العلويين في حمص، وقال إنه
سيحاسب النائبين اللذين قاما بالتسليح.
كل أهالي حمص ذاقوا الأمرين من السياسة
الطائفية للنظام، وكانت هذه من أسباب
انتشار الثورة بسرعة فيها. لقد تعامل
النظام مع المدينة وكأنها محتلة
ويمارس فيها سياسة تطهير طائفي. لم
يكتف بإنشاء حيين علويين النزهة
والزاهرة وجلب إليهما أبناء القرى من
الطائفة العلوية، أعلن المحافظ عن "حلم
حمص" الذي تستولي فيه "الدولة"
على قلب المدينة السني، وإعادة تركيبه
وفق خطط المحافظة الطائفية. ستشهد سورية
اقتتالا طائفيا بعد سقوط النظام،
ولهذا يخطط بشار من اليوم الأول. لكن لن
يدوم طويلا، لأن التيار العام في سورية
غير طائفي. العلويون يدركون قبل غيرهم
أن مصلحتهم هي في دولة المواطنة لا
دولة الطائفة، وأن كل عقود التمييز لم
تنجح في إحداث تنمية حقيقية في مناطقهم.
ولكنها نجحت في بناء إمبراطوريات
مالية لرامي مخلوف ورفعت الأسد
وغيرهما من أذرع النظام الطائفي. إن التحدي
الأساسي للثورة السورية ليس هدم
النظام الطائفي، فتلك مهمة باتت قريبة
المنال، التحدي الصعب هو بناء النظام
الديمقراطي وعماده المواطن الفرد
الإنسان، لا الطائفة.. ======================= عيسى الشعيبي الغد الاردنية 26-2-2012 بمناسبة الاستفتاء على الدستور السوري
المقرر هذا اليوم، وبسبب تواضع ثقافتي
الحقوقية، استعنت بموسوعة "ويكيبيديا"
الشهيرة، فوجدت أن الدستورهوالقانون
الأعلى الذي يحدد القواعد الأساسية
لشكل الدولة ونظام الحكم وشكل
الحكومة، ينظم السلطات العامة من حيث
التكوين والاختصاص والعلاقات بين
السلطات، بما في ذلك حدود كل سلطة،
ويبيّن الواجبات والحقوق الأساسية
للأفراد والجماعات، ويضع الضمانات لها
تجاه السلطة. هذه التوطئة الجافة ليست من أجل فتح نقاش
في باب الفقه الدستوري، ولا للتذكير
بأهمية هذا العقد المبرم بين الدولة
والمجتمع في كل زمان ومكان، وإنما
استحضرتها لأمر آخر شغل جانباً من
اهتماماتي العامة غداة احتدام مطالب
النخب السياسية والجماعات الحزبية،
وقادة الرأي العام، بإجراء تعديلات
دستورية هنا، أو وضع دساتير جديدة
هناك، تتوافق مع المناخات التي أفرزها
الربيع العربي. إذ بحسب ما أعلم، فإن كل دول العالم لديها
دساتير مكتوبة ومقرة على نحو ما،
باستثناء بريطانيا وربما إسرائيل، وأن
جودة هذه الوثيقة المرجعية، المفترى
عليها في بلادنا، تختلف باختلاف درجة
تقدم المجتمعات التي تواضعت على
إقرارها، سواء أكان ذلك عبر جمعية
تأسيسية منتخبة أو من خلال استفتاء
شعبي، فوق أن تعديل أي من موادها يتم من
خلال إجراءات مشددة تتطلب موافقات
معقدة على نحو ما هو عليه حال تعديل
الدستور الأميركي مثلاً. في اجتهادي المتواضع أن كل الدساتير، على
تفاوت نصوصها بين بلد كفرنسا وآخر
كالصومال مثلاً، هي دساتير جيدة ولا
مشكلة للمواطنين معها، حتى أنه يندر أن
يقرأها أحد، أو يتذكرها فرد ويدفع بها
في معرض شكوى أو تظلّم، لاسيما وأن
سائر هذه الدساتير تنص شكلاً على وجوب
احترام الحريات، وتقول بتساوي
المواطنين وتكافؤ الفرص بينهم، وتضمن
الحقوق الأساسية، بما في ذلك حق العمل
والسفر والتعبير والاجتماع والتظاهر
وغير ذلك الكثير. وعليه، فإنه إذا كانت هناك شكوى ما لدى
الأفراد والجماعات، لا تكون في العادة
ضد الدستور بعينه، وإنما ضد القوانين
والمراسم الاشتراعية النافذة، حيث
كثيراً ما تصبح الدساتير مجرد حبر على
ورق، حتى وإن لم يتم تعليقها أو تعطيل
العمل بها، بموجب قانون طوارئ هنا أو
أحكام عرفية هناك، خصوصاً في العديد من
دول العالم الثالث، وعلى الأخص لدى
الأنظمة الانقلابية التي شاعت في
العالم العربي خلال النصف الثاني من
القرن الماضي. ذلك أن الأنظمة الاستبدادية لديها هي
الأخرى دساتير مكتوبة، تتساوق نصوصها
مع معظم المبادئ والقواعد والأحكام
المعمول بها لدى أغلبية دول العالم
المتقدم. إلا أن هذه الأنظمة التي تمسك
بمفاتيح الحكم كافة، من مال وسلطة وقوة
وشرعية ثورية، قلما تلتفت إلى شيء اسمه
الدستور، ولا تقيم أي وزن لحقوق
الأفراد، ولا تعترف باختصاص السلطات،
ولا تأبه للضمانات المكفولة بالنص
الدستوري الملقى على الرف يعلوه
الغبار. ولو أخذنا عيّنة من الواقع العربي
الراهن، لوجدنا أن الدستور السوري
القائم، على سبيل المثال، يتضمن في
متنه نصاً يقول "إن الحرية حق مقدس
وتكفل الدولة للمواطنين حريتهم
الشخصية وتحافظ على كرامتهم وأمنهم"،
"وأن المواطنين متساوون أمام
القانون في الحقوق والواجبات".
وأكثر من ذلك، ففي هذا الدستور الذي
ستجري عليه اليوم عملية استفتاء
عجيبة، مادة تنص على أنه "لا يجوز
تعذيب أحد جسدياً أو معنوياً أو
معاملته معاملة مهينة" وأن "من
سام شخصاً ضروباً من الشدة لا يجيزها
القانون، رغبة منه في الحصول على إقرار
عن جريمة أو على معلومات بشأنها، عوقب
بالحبس من ثلاثة أشهر إلى ثلاث سنوات"
ويا للمفارقات. وهكذا، فإن العبرة ليست في النصوص
الدستورية المفترى عليها، وإنما في
تغول السلطات التي تضع نفسها فوق
الدستور والقوانين معاً، وأن الخطل
كله في احتكار السلطة وتأليه القادة،
وإبطال آليات الرقابة والمساءلة،
وإسكات الرأي العام، وشراء الضمائر
بالترغيب والترهيب، ومن ثم جعل
الدستور ذاته مجرد خرقة بالية لا أهمية
لها، حتى لا نقول ممسحة زفر ملقاة على
طرف مائدة المطبخ في يوم من أيام إعداد
وليمة عامرة لضيوف أعزاء. ------------------------ المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |