ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الخميس 01/03/2012


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

الأزمة السورية: كيف هي النهاية.. ومتى؟

2012-02-29

الوطن السعودية

حتى اليوم، لا تبدو أن هناك رؤية دولية واضحة المعالم لنهاية الأزمة السورية التي تقترب من عامها الأول، وسط استمراء نظام الأسد بقتل المزيد من السوريين يوما بعد آخر، وتفاقم الأزمة الإنسانية على الأرض، مما ينبئ بكارثة محورها الأساسي الإنسان السوري الأعزل.

لا يزال الجهد القائم لحل الأزمة في سورية يعاني من البعثرة التي فرضها الفيتو الصيني الروسي في مجلس الأمن، ولم تفلح المحاولات جميعها التي جرت بعد ذلك في لملمة شتات الجهدين العربي والدولي، لدرجة أن مؤتمر أصدقاء سورية المنعقد في تونس مؤخرا والذي كان يعول عليه أن يكون منصة انطلاق الحلول الكاملة، فشل في تحقيق هذا الهدف، ناهيك عن انقسام المعارضة الذي فيما يبدو أنه أحد أهم عوامل تعطيل الحل في الأزمة.

المواقف الدولية تجاه الأزمة السورية، لا تزال دون المأمول، فخطوة الاتحاد الأوروبي الأخيرة بتشديد العقوبات الاقتصادية على نظام الأسد، بالرغم من أهميتها إلا أنها لم تعد أمرا كافيا في ظل وجود شرخ في الجدار الدولي يمكن للأسد ونظامه أن يتنفس منه، وحتى الدعوات التي أطلقها الفرنسيون بضرورة إحالة نظام الأسد إلى القضاء الدولي، غير مجدية، لوجود أمثلة وشواهد عديدة لم تنل منها العدالة الدولية حتى اللحظة.

ومن بواعث السخرية أن طرح الدستور الجديد للاستفتاء، تزامن مع بلوغ جنون النظام الأسدي ذروته، وذلك باختطاف عشرات النساء والأطفال وقتل الشيوخ الكبار الذين كانوا برفقتهم عند إحدى النقاط الأمنية، ودون التوقف عند صحة نتائج التصويت من عدمها، أو الالتفات إلى المواقف الدولية المقللة من شأنها، يمكن القول إن مقاطعة 42.6% من السوريين للاستفتاء وعدم موافقة 11.6% من المشاركين على الدستور، يعني أن نصف السوريين ضد النظام، وهي نسبة كافية لأن يفقد أي زعيم في العالم شرعيته.

المجازر اليومية التي يتعرض لها السوريون منذ أكثر من 300 يوم، وارتفاع معدل القتل اليومي بشكل مخيف يتطلب أن يكون هناك جهد دولي يحقق حلولا عاجلة وشاملة وفعلية، وهو ما عبر عنه صراحة الموقف السعودي الأخير، والذي أكد على أن الرياض ستكون في طليعة أي جهد يسعى لحماية الشعب السوري، وهو ما يعني أن المملكة تسعى لإلقاء كامل ثقلها في هذه الأزمة التي طال أمدها.

إزهاق الأرواح في سورية، ليس سببه نقص الغذاء أو الماء أو الدواء، وعلى الرغم من أهمية العناصر الثلاثة السابقة لحياة الإنسان، إلا أن سياسة التجويع التي حاول نظام الأسد فرضها على بعض القرى والأرياف التي حاصرها لأسابيع لم تفلح في ثني الثوار عن المضي في مشروع إسقاط النظام. ما يجري على أرض الواقع في سورية هو أن هناك عشرات الأرواح تزهق يوميا بسبب الآلة العسكرية، ومن أجل إنقاذ تلك الأرواح لا بد من تهيئة متطلبات القضاء على العوامل المهددة للحياة، وهو ما يجعل من فكرة تسليح الثوار أمرا لا مفر منه.

=================

مقتل شاهدة على جرائم نظام الأسد

بقلم/سمير عواد

مراسل الراية في برلين

الراية

29-2-2012

سألت ماري كولفن نفسها، ما إذا كانت غبية جدًا، حتى فقدت عينها اليسرى وذلك من أجل الحصول على ريبورتاجات مثيرة. حصل هذا في عام 2001 خلال تغطيتها الحرب الأهلية في سيريلانكا، وأصابت عينها شظية قنبلة، جعلتها تتميز عن زملائها من الصحفيين بأنها تضع عصبة سوداء على عينها اليسرى.

فهمت ماري أن هذا هو مصيرها، وربما ثمن باهظ للبحث عن الحقيقة، كتابة تقارير تنقل إلى العالم،حقيقة ما يدور عند نشوب الحروب، كما تبين لها أن وجودها كصحفية يسهم في إطلاع العالم على الحرب وعلى ما يدور في المدن المحاصرة، كما فعلت حين كانت في "مصراته" التي هدد الدكتاتور الليبي معمر القذافي بمحوها من الوجود، وحين حاولت أن تفعل في "حمص".

وأسرت إلى زميل لها أنها تشعر أن مهمتها في الحياة هي الكتابة عن الحروب وفظائعها، وكشف الحقائق كما هي، رغم المخاطر التي تتعرض لها خلال تأدية عملها. ماري كولفن الصحفية في صحيفة"صنداي تايمز" البريطانية كانت واحدة من مئات الصحفيين الأجانب الذين أمضوا وقتًا طويلاً في جبهات ليبيا، يكتبون التقارير إلى أن تحررت ليبيا من نظام القذافي.

في ذلك الوقت كان الثوار يسيطرون على نقاط الحدود، وبوسع كل صحفي دخول الأراضي الليبية. الوضع في سوريا مغاير تمامًا. فقد منع النظام السوري دخول صحفيين عرب وأجانب، رغم أن ما يجري في سوريا من إبادة لمعارضي الرئيس بشار الأسد، هو ما دفع المجتمع الدولي للتدخل عسكريًا في ليبيا، ومنع القذافي من تنفيذ تهديداته بسحق معارضيه.

عن طريق فرض تعتيم إعلامي على مظاهرات الاحتجاج في سوريا، يعتقد الرئيس السوري، أنه بوسعه ضرب معارضيه وسحقهم ودفنهم في قبور جماعية وزجهم في سجون التعذيب، دون أن يعلم العالم بما يفعله. الذي يريد معرفة ما يدور في سوريا، ليس أمامه سوى الأفلام التي يبثها موقع"يو تيوب" وهذه الأفلام لا تعكس دائمًا الحقيقة، قد يكون بعضها مزورًا وتصبح الحقيقة مزورة.

ماري كولفن أرادت الحصول على الحقيقة وعن قرب. لذلك قررت أن تجازف بحياتها مثلما فعل قلة من الصحفيين الأجانب، وسافرت سرًا بمساعدة معارضين سوريين إلى حمص المحاصرة، لهدف إطلاع العالم على حقيقة ما يجري.

في آخر تقرير لها قبل مصرعها، وصفت ماري كولفن معاناة الجرحى في "بابا عمرو" وهم يصارعون الموت، وتحدثت كيف شاهدت جسد شاب يرتعش بعدما أصيب بجروح بليغة، وظلت قريبة منه إلى أن انتقلت روحه إلى باريها. قالت إن أكثر من ألفين من العجزة والأطفال والجرحى، يتواجدون في حي"بابا عمرو" وأن مجموعة من جنود"جيش سوريا الحر" الذين انشقوا عن الجيش النظامي، يوفرون الحماية لهم، والسؤال إلى متى؟. وقالت إن النظام في دمشق يريد حل الخلاف مع معارضيه في حمص على طريقته الخاصة. لذلك يتعرض حي"بابا عمرو" منذ تاريخ الثالث من فبراير، إلى قصف متواصل بالقنابل والصواريخ.

وأبلغت ماري كولفن هيئة الإذاعة البريطانية"بي بي سي" قبل مصرعها بيوم واحد في رسالة عبر الهاتف أنها سمعت 14 انفجارُا خلال نصف دقيقة، وتدل شظايا القنابل أن الجيش السوري يستخدم قنابل روسية الصنع وثقيلة زنتها 130 كيلوجرامًا منها 30 كيلوجرامًا من مادة تي أن تي شديدة الانفجار. ونقلت ماري كولفن إلى العالم عبر البي بي سي أن قوات النظام السوري لا توفر سلاحًا ثقيلاً إلا وتستخدمه في قصف المدنيين.

ماري كولفن كانت تعرف خطورة الذهاب إلى سوريا في هذه المرحلة، وخصوصًا العيش والعمل في منطقة محاصرة، وقالت لزميل لها في بيروت إنها تعرف أن قوات النظام السوري، تستخدم كل ما لديها من أسلحة ودون هوادة. وكشفت صحفية فرنسية غادرت حمص خوفًا على حياتها، أنها سمعت من الثوار أن قوات النظام تطارد الصحفيين الأجانب وقد علمت بمكان تجمعهم في مركز إعلامي أعده الثوار بشكل مؤقت، وأن قنابل قوات النظام قد تستهدف المركز.

هناك احتمال أن يكون الصحفيون كشفوا بأنفسهم عن مكان وجودهم في حمص، من خلال إرسال التقارير والصور عبر الهاتف عبر الأقمار الصناعية، وهذا الهاتف هو الوسيلة الوحيدة للاتصال بالعالم الخارجي، بعدما قطع النظام شبكة الهاتف. بالإمكان تحديد مواقع استخدام هذا النوع من الهواتف ومراقبة ما يصدر عنها من رسائل بواسطة نظام مراقبة خاص يقال إن سوريا حصلت عليه من بلدان أوروبية، وبذلك عرض الصحفيون غير المرغوب بوجودهم في مناطق المعارضة أنفسهم لقنابل قوات النظام السوري.

في فجر 22 فبراير سقطت قنابل على منزل نصف مدمر كانت تتواجد فيه ماري كولفن وبعض الصحفيين الغربيين، وحال القصف المستمر دون مغادرتهم المكان. ووصف أحد مساعديها السوريين حقيقة ما حصل ذلك اليوم: بعد قصف شديد على مكاننا، خيم هدوء، قررت ماري كولفن والمصور ريمي أوشليك السير نحو مخرج المنزل، وقبل وصولهما إلى الباب الرئيس سقطت قنبلة على مقربة منهما، قتلتهما فورًا.

لم تعش ماري كولفن لتتابع إجابتها عن السؤال: إذا كان من المجدي تحمل المخاطر من أجل الكشف عن الحقيقة ومحاولة إطلاع العالم على حقيقة ما يدور في سوريا. مصرعها وحده إجابة صريحة عن السؤال.

=================

الأزمة السورية بعد مؤتمر تونس

مسعود ضاهر

التاريخ: 29 فبراير 2012

البيان

بعد الفيتو الروسي والصيني في مجلس الأمن، دعت فرنسا إلى مؤتمر "أصدقاء سوريا" لإيجاد حل للأزمة السورية، بعد أن عجزت جامعة الدول العربية ومعها مجلس الأمن، عن القيام بهذه المهمة. وبعد مشاورات سريعة، تقرر عقد المؤتمر في تونس التي أبدت استعدادها لاستضافته في 24 فبراير 2012.

سبقت ردود فعل روسيا والصين السلبية، انعقاد المؤتمر وساهمت في إفشاله، إذ تعطي الدولتان الأولوية المطلقة للحل السياسي، عبر وقف العنف من طرفي السلطة والمعارضة معا، ورفض كل أشكال العنف العسكري والتدخل الخارجي. ووقف العنف يجب أن يسبق أي تشكيل محتمل لقوات السلام المقترحة، شرط أن تكون قوات لحفظ السلام فقط، وأن تنال مسبقا موافقة الحكومة السورية للسماح لها بالانتشار على أراضيها، على أن يكون الهدف المرتجى منها هو حماية المواطن السوري، دون أن تشكل غطاء لتفجير حرب أهلية.

وقد حذر الروس والصينيون من استخدام مؤتمر أصدقاء سوريا، لأهداف لا تمت بصلة إلى مصلحة الشعب السوري ورفضوا المشاركة فيه، بعد أن اعتبروا أن الهدف منه لم يكن توحيد السوريين عبر الحوار الإيجابي بين الحكومة السورية والمعارضة، بل تشجيع أطراف من المعارضة على استخدام المزيد من العنف، ودعمها وتسليحها لإسقاط النظام.

بعد انعقاد المؤتمر في العاصمة التونسية في موعده المحدد، وبحضور ممثلين لأكثر من خمسين دولة ومنظمة إقليمية ودولية، وعدد من الشخصيات الدولية، بدا واضحا أن المجلس الوطني السوري المعارض حضر منفردا دون سائر قوى المعارضة. وفي ذلك دليل على فشله في إقناع أطراف أخرى في المعارضة لحضور المؤتمر إلى جانبه، بالإضافة إلى رفض كل من روسيا والصين المشاركة، وعدم دعوة ممثلين عن الحكومة السورية، لأن المجلس يرفض الحوار مع النظام ويصر على إسقاطه بكل الوسائل المتاحة.

تراوحت كلمات المشاركين بين التحذير من تحويل سوريا إلى ساحة صراع دموية مفتوحة أمام التدخل الخارجي، ودعوة الحكومة السورية إلى التخلي عن العنف والقتل والدمار وانتهاك حقوق الإنسان، وتأكيد التضامن مع الشعب السوري والعمل على تحقيق تطلعاته في الحرية والكرامة والديمقراطية، ورفض التدخل العسكري في سوريا من أي طرف كان، والتحذير من تكرار النموذج الليبي لاختلاف سوريا عن ليبيا في الموقع والدور.

بعبارة موجزة، برز تناقض حاد بين قوى ترفض التدخل الأجنبي العسكري المباشر، وقوى تطالب بتسليح المعارضة براجمات للصواريخ ومضادات للدبابات والطائرات. وانقسم العرب بين مطالبين بالحل السياسي ومشجعين للتدخل العسكري، ومطالبين بالتزام المشاركة في العمل على إسقاط النظام السوري بكل الوسائل المتاحة، ومنها التدخل العسكري. ورأى البعض في ذلك سابقة خطيرة في العلاقات الدولية، وتدخلا سافرا في مصير الشعب السوري، واعتداء على استقلال سوريا وسيادتها.

وبات انقسام المعارضة أكثر حدة، بعد أن توزعت آراء ممثليها بين مطالب بالتدخل العسكري الكامل لإسقاط النظام، ورافض بصلابة لثلاث قضايا أساسية: لا للتدخل الخارجي، لا لعسكرة الانتفاضة، ولا للطائفية والحرب الأهلية. ونبه بعض ممثلي المغارضة إلى أن العنف المفرط الذي ترتكبه قوات النظام، قاد إلى ولادة "الجيش السوري الحر" الذي يخوض قتالا شرسا مع قوات الجيش النظامي، مما سهل دخول "تنظيم القاعدة" في المواجهات العسكرية الدائرة على الأراضي السورية، وأضعف دور المعارضة السلمية بصورة ملحوظة.

فباتت الحلول العسكرية في صدارة النقاشات في مؤتمر تونس، الذي سيستكمل أعماله في تركيا بعد ثلاثة أسابيع. لكن الرهانات الخاطئة والمواقف المتناقضة، تطرح علامات استفهام كثيرة حول المؤتمر. فلمصلحة من تم تغييب جميع القوى المعارضة باستثناء المجلس الوطني؟

وهل لم يعد هناك خيار سوى تسليح المعارضة لإسقاط النظام بالقوة، بدل الدعوة إلى الحوار لحقن دماء السوريين والحفاظ على دولتهم المستقلة؟ ومن المستفيد من دخول تنظيم القاعدة إلى الأراضي السورية، والذي أكدته تقارير استخباراتية أمريكية، للقيام بتفجيرات ضخمة كتلك التي شهدتها دمشق وحلب في الأشهر القليلة الماضية؟ وهل تحويل سوريا إلى ساحة صراع دموية مفتوحة أمام تدخلات خارجية تحضيرا لحرب أهلية فيها تستمر لسنوات طويلة، هو الحل الأمثل لأمن واستقرار منطقة الشرق الأوسط كلها، وليس سوريا وحدها؟

لقد تجاهل البيان الختامي للمؤتمر، ذكر الممرات الإنسانية والاعتراف بالمجلس الوطني السوري كممثل شرعي وحيد للشعب السوري، وخرج بنتائج أقل مما كان متوقعا، أبرزها التمسك بالنموذج اليمني ومحاولة تطبيقه على سوريا، وتقديم مساعدات للمعارضة ودعوتها إلى توحيد صفوفها، وفرض عقوبات جديدة على سوريا، ودعوة الرئيس السوري بشار الأسد للتنحي مع ضمان حمايته وعائلته، مع التبشير المستمر منذ عام بأن أيامه باتت معدودة، والتمسك بقرارات الجامعة العربية، والمطالبة بتشكيل قوة عربية ودولية لحفظ السلام في سوريا، والدعوة إلى مؤتمر تركيا.

تمخض مؤتمر تونس عن قرارات غير فعالة، ولا تعبر عن الحد الأدنى لطموحات المعارضة التي ازدادت تفككا. لذلك رأى بعض المحللين السياسيين أن دور العرب والأوروبيين والأمم المتحدة قد انتهى، وبات مصير سوريا في مهب صراعات دولية لا يمكن التكهن بنتائجها المدمرة على منطقة الشرق الأوسط.

وبرز تساؤل مشروع في هذا المجال: هل أن التورط الأميركي العسكري المباشر أو عبر تسليح المعارضة لإسقاط النظام، سيقتصر على سوريا أم يتعداها، كما دعا كيسينجر مؤخرا، إلى تغيير الأنظمة السياسية في سبع دول عربية، وليس في سوريا وحدها؟

ختاما، شكل مؤتمر تونس تراجعا إضافيا لدور العرب وجامعة الدول العربية، بعد تفويض الأميركيين بحل الأزمة السورية على طريقتهم. لكن التدخل الأميركي المباشر رهن باستعداد أميركا لإسقاط النظام السوري بالقوة، وقد دعت تركيا للقيام بدور وساطة أخيرة، قبل أن تضع اللمسات الأخيرة على التحضير اللوجستي لتعديل موازين القوى داخل سوريا وعلى المستويين العربي والإقليمي، وإعطاء فرصة إضافية للروس والصينيين لمراجعة حساباتهم قبل فوات الأوان.

=================

السوريون...وخذلان المجتمع الدولي

إيريكا سولومون

الاتحاد

29-2-2012

واصل الجيش السوري قصفه لحي بابا عمرو بمدينة حمص للأسبوع الرابع على التوالي يوم السبت الماضي فيما يحاول الصليب الأحمر إجلاء المدنيين العالقين في المدينة وإبعادهم عن الخطر. وحسب آخر حصيلة نقلها المرصد السوري لحقوق الإنسان يوم السبت الفائت، سقط في مدينة حمص المحاصرة ما لا يقل عن تسعة قتلى، فيما أفادت وكالة الأنباء السورية الرسمية، "سانا"، مقتل 18 عنصراً من أفراد الأمن على يد "الجماعات الإرهابية المسلحة" في كل من حمص ودرعا وإدلب وريف دمشق.

وفي أول ردود فعلهم على مؤتمر "أصدقاء سوريا" الذي عُقد في تونس السبت الماضي، اعتبر نشطاء المعارضة السوريون بأن العالم قد تخلى عنهم وتركهم لمصيرهم، منددين بالنتائج الهزيلة، حسب قولهم، للمؤتمر.

وفي هذا الصدد قال نذير حسيني، الناشط من حي بابا عمرو "إن القادة الدوليين يواصلون إعطاء الفرصة تلو الفرصة لنظام الأسد كي يضيف إلى الآلاف من القتلى الذين سقطوا على أيدي قواته"، وكانت اللجنة الدولية للصليب الأحمر قد أعلنت عن استئناف المفاوضات بين قوات النظام والمعارضة للسماح لهم بالدخول إلى الحي لإجلاء المدنيين والمصابين، لكن حسيني قال إن الأهالي يرتابون في الشريك المحلي للصليب الأحمر متمثلًا في الهلال الأحمر السوري، مشيراً إلى أنهم لا يريدون العمل مع منظمة تعمل تحت سلطة النظام.

غير أن اللجنة الدولية للصليب الأحمر نفت أن يكون الهلال الأحمر منضوياً تحت لواء النظام، مشددة على أنه منظمة مستقلة، وبأن متطوعيه يخاطرون بحياتهم لمساعدة الجميع دون استثناء، فوفقاً للصليب الأحمر تمكن الهلال الأحمر السوري يوم الجمعة الماضي من إجلاء 27 شخصاً من الحي المحاصر، وإنْ كان الجميع ما زال ينتظر إخراج أربعة صحفيين غربيين جُرح اثنان منهم في هجمات سابقة قتلت صحفيين آخرين يوم الأربعاء المنصرم وما زالت جثثهم في الحي.

ووصف الناشطون في حمص المدينة التي تضم 800 ألف نسمة وتقع على مفترق طرق مهم يربط دمشق بحلب والساحل بالداخل السوري ما جرى في مؤتمر أصدقاء سوريا يوم الجمعة الفائت بأنه فشل ذريع للجهود الدولية وبأنه لن يساعدهم في شيء، وهو ما عبر عنه الناشط وليد فارس من بيروت قائلاً: "لا أهتم كثيراً بمؤتمر تونس، كل ما يهمني اليوم هو تأمين المساعدة لعائلتي المحاصرة في حمص"، مضيفاً أن "الحسابات السياسية ليست هي حسابات الثوار في الميدان"، وقد أظهر شريط فيديو حمّله الناشطون على الإنترنت من حي الخالدية بحمص خروج مجموعة من الأهالي لتشييع أحد القتلى وهم يصرخون "نقسم بالله لن نصمت على شهدائنا". وفي الخلفية ظهرت أعمدة الدخان المتصاعدة من البنايات التي يقول النشطاء إنها تعرضت لقصف قوات النظام السوري.

ويضيف الناشط حسيني أن المدنيين يمرون بأوقات حرجة للغاية في حي بابا عمرو وأن "المئات من الجرحى متكدسون في البيوت، والناس يموتون لعدم توافر كميات مناسبة من الدم ولا نستطيع معالجتهم". وكان يُفترض بمؤتمر أصدقاء سوريا المعقود في تونس أن يصعد الضغط الدبلوماسي على النظام السوري علَّه يوقف آلة القتل ضد الشعب الذي خرج لمناهضة حكمه المستمر لأحد عشر عاماً قضاها في السلطة. وأكدت وزيرة الخارجية الأميركية، هيلاري كلينتون، في كلمتها أمام المؤتمر على أن الأسد سيُحاسب على إراقته للدماء، كما انتقدت بشدة روسيا والصين اللتين عطلتا قرارين أمميين ضد سوريا، لكن بالنسبة للعديد من السوريين الذين يعانون يومياً من القتل لم تعد الخطابات تجدي نفعاً، ففي بلدة الزبداني المضطربة عبر أحد الأطباء عن تخوفه قائلاً "إني مرعوب من أنه بعد كل هذه الجهود قد ينتهي بنا الأمر إلى ما يشبه حماة في 1982 بحيث سنقتل جميعاً فيما العالم ينتظر ويتفرج".

وكان والد الأسد قد سحق انتفاضة مسلحة قام بها إسلاميون في مدينة حماة قبل ثلاثين عاماً، ما أدى إلى قتل عشرات الآلاف من المدنيين، ومحو أجزاء بأكملها من المدينة.

ويتابع الطبيب الذي طلب عدم الكشف عن هويته أن سكان الزبداني "يشعرون بالاستياء إزاء ما تمخض عنه مؤتمر أصدقاء سوريا، نحن نريدهم أن يسلحوا الثورة، لا أفهم ماذا ينتظرون، هل يريدون رؤية نصف سكان سوريا مقتولين؟". ويبدو أن جميع الجهود الدبلوماسية التي تبذلها الدول العربية ومعها الدول الغربية تراوح مكانها في ظل المواقف الصينية والروسية المعارضة للتدخل في الشؤون الداخلية لسوريا، وهما الدولتان اللتان تغيبتا أيضاً عن حضور مؤتمر أصدقاء سوريا في تونس، وسبق لهما أن شددا على رفضهما التدخل العسكري في سوريا.

ومن جانبها نفت إيران التي تعتبر الحليف الأوثق لدمشق ما تناقله بعض المسؤولين الغربيين من إرسالها سلاحاً إلى سوريا لمساعدة النظام على قمع المظاهرات، وهو ما ردت عليه وكالة الطلبة الإيرانية نقلاً عن المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، "رامين مهمانباراسات"، قائلًا "إن موقف إيران إزاء سوريا هو دعم الإصلاحات التي يستفيد منها الشعب ومعارضة أي تدخل في الشؤون الداخلية للبلد".

لكن رغم العنف المستشري واستمرار إراقة الدماء في عدد من المدن السورية قام "الأسد" بتنظيم استفتاء يوم الأحد الماضي للتصويت على دستور جديد يقول إنه سيمهد الطريق أمام انتخابات برلمانية تعددية خلال ثلاثة أشهر، وهو ما ردت عليه المعارضة بمطالبة السوريين بمقاطعة التصويت، مصرة على ضرورة تنحي النظام، كما أن وزير الخارجية التركي، أحمد داوود أوغلو، تساءل كيف يمكن لاستفتاء أن يعقد وسط العنف، قائلاً في مؤتمر صحفي عقده في إسطنبول "من جهة يقول الأسد إنه ينظم استفتاء على الدستور، ومن جهة أخرى يواصل قصف المناطق المدنية بالدبابات.

=================

عذاب سورية وسعادتها

د. مكرم خُوري - مَخُّول

2012-02-28

القدس العربي

يفترض البعض ان تسلسل الاحداث في سوريا وبالتحديد منذ آذار 2011 هو بمثابة حدث «غريب». صحيح ان لسورية خصوصيتها الثقافية والجيو-سياسية منذ قديم الزمان، الا ان ما يحدث في سورية منذ عام هو تكرار لحالات حصلت مرارا في تاريخ البشرية المنتشرة في بقاع الارض والتي درست من جوانب علمية متعددة وقدمت بشآنها اوراق سياسية من قبل اكاديميين يعملون كمستشارين للحكومات المختلفة. ذلك ان المقارنة بين الحالات المختلفة وبالتحديد بين الظروف الاقتصادية والعسكريه والسياسية المحلية والقطرية والعالمية وتآثيرها على الازمات الداخلية والصراعات الدولية وانعكاسها على تجارب المجتمعات المختلفة، هي مسآلة في غاية الاهمية لإستخلاص العبر (علمياً). ففي كل ازمة سياسية فئات يتم زجها في الصراع وتدفع الثمن وبالرغم من ذلك فهناك من يدعي انه لا يمكن المقارنة بين التجارب المختلفة للعذاب والمعاناة. فمعايير تعريف العذاب واسبابه وسبل ازالته تختلف بين مجتمع واخر رغم ان مدارس فكرية شتى تحاول عولمة المفهوم عندما تروج للمبدآ الكوني القائل ان «عذاب كل انسان هو عذاب مستقل ومميز، وبالتالي فهو مقدس». ويردف اعضاء هذه المدارس الفكرية اختزالا وتبسيطا، انه بينما يصاب بعضنا برصاصة في انفه وبالرغم من ذلك يمتلك قوة التحمل على الوصول سيرا الى المستشفى والدم ينزف منه، شوكة تجرح خنصرا آخرا، فيفقد وعيه وتتجمع حوله الحارة بالضمادات والثلج.

بين الحالتين تستل بسمو وبعض او الكثير من التواضع احيانا مهنة الطب لتخفف الالم الجسدي ولربما العذاب النفسي وفقا للحالة. اما الفجوة ما بين تخفيف الالم والاستعداد للاقلاع ومن ثم التحليق الى درجات السعادة المرجوة، فتتراوح وفقا للظروف. وهذا ايضا ليس بالاكتشاف الجديد. فلقد ارسى الفيلسوف اليوناني افلاطون (تلميذ سقراط واستاذ ارسطو في كتابه «الجمهورية» وذلك ثلاثة قرون قبل الميلاد الحجر الرئيس لفكرة وممارسة جلب السعادة للمواطنين عبر الاداء الوظيفي لنظام الحكم المفضل لديه وهو حكم «الفلاسفة او الحكماء». فرغم مدارسهم المختلفة ولمدة عشرين قرنا منذ «جمهورية» افلاطون، لم ينس الفلاسفة التذكير وباستمرار ان الهدف المنشود من التبحر الفلسفي هو تحقيق العيش بسعادة، ابتداء بالفلسفة البوذية نحو خمسة قرون قبل الميلاد ومرورا بالمدرسة المنفعية (او النفعية) التى شملت احد مؤسسي جامعة لندن الفيلسوف الانجليزي جيريمي بنثهام ( 1748-1832) والذي ما زالت جثته المحنطة موجودة ومعروضة في كلية «يونيفرسيتي كوليج لندن». الا ان النقلة الفكرية النقدية ظهرت الى العلن فقط بعد سقوط الملايين من الجنود والابرياء خلال الحرب العالمية الثانية عندما برزت «فلسفة السياسة « بشكل متفرع من «فلسفة الاخلاق»، حيث كان ذلك عبر نتاج اعمال الفيلسوف النمساوي-البريطاني الاصول، كارل بوبير  (1902-1994) وبالتحديد في كتابه » المجتمع المفتوح واعداؤه»، والذي نشر في عام 1952. جاءت اعمال بوبير لكي تنبه المهتمين بالفلسفة والممارسة السياسية ان تحقيق السعادة ليس بالمسعى السهل وانه علينا لربما ان نكتفي بتخفيف معاناة المواطنين، وبضمن ذلك، العذاب الذي قد تسببه لهم السلطة السياسية في حياتهم اليومية نتيجة سوء الادراة والفساد وقلة التسامح وعدم قبول الآخر والتخويف واستعمال القوة والابتزاز على جميع انواعه والخ.

ويركز هذا الجانب من فلسفة بوبير، والذي اطلق عليه اسم «سلبية النفعية»، انه من حيث المبدأ، يجب ان يعمل الافراد الذين يتمتعون بالاخلاق والخصال الحميدة على الحد من المعاناة والعذاب بدلا من التركيز على الهدف السامي والمنشود والبعيد في ظنه وهو زيادة منسوب السعادة والمتعة، وذلك في رد كما يبدو على غالبية الفلاسفة ولربما بالتحديد على الفيلسوف الفرنسي فرانسوا فولتير (1694 1778) الذي قال ان «المتعة هي الغاية، والواجب وهدف كل المخلوقات العقلانية» رغم اختلاف رقعة التعريف ما بين السعادة والمتعة. فآين سورية من كل ذلك؟

 بناء على المواد المتوفرة للجمهور وليس استنادا لأي تقرير خاص، سوف اجازف بالإدعاء ان بعض المجموعات التي عملت ولربما ما زالت تعمل في الجهاز السياسي السوري سببت العذاب ( بمفهومه الموسع ) لبعض المواطنين في سورية ، وذلك قبل بداية الاحتجاجات في مارس 2011 .

ولإكمال عملية المحاكاة سأفترض ان بعض المناوئين او الغاضبين او جرحى او ذوي ضحايا العام المنصرم، سيسخطون خالطين الامور وقائلين : الا يكفي ما تشاهده على التلفزيون؟ عندها سألفت نظرهم الى مقالتي تحت عنوان »سورية والرآي العام العربي» والتي نشرتها في 4 شباط 2012 في «القدس العربي» ولذلك ارى انه من واجبي الاخلاقي (وكل من يتفق مع هذا المنطق) ان نتساءل ( بعد ان افترضنا ان الحكومة السورية تسببت بالعذاب والاذى لبعض المواطنين ) فيما اذا ما كان العمل على توسيع رقعة العذاب والالم، والذي اصبح يشمل عددا اكبر من المواطنين السوريين في العام الاخير نتيجة اعمال العنف التي تمارس من قبل المناوئين للسلطة السورية او نتيجة التدخل الخارجي بواسطتهم، ضد مواطنين اخرين، هو الحل الاخلاقي الأمثل في نظرهم . يقول المثل الانجليزي : » خطأ على خطأ لا يساوي صوابا »، والذي يذكرنا بمثلين عربيين اضافيين : «زاد الطين بلة» ، او، «اجا ليكحلها عماها». ولكن من جهة اخرى قد يدعي من يؤيد نمط الممارسات السياسية او الامنية ( السابقة او الحالية ) للحكومة السورية ( وليس بالضرورة نوعية نظام الحكم ) ان ما تقوم به سلطات الدولة السورية هو عين الحق، وبذلك قد يتفق مع السياسي والفيلسوف » النفعي » جون ستيوارت - ميل ( 1806- 1873) الذي برر الاستناد على » مبدأ الأذى » ، بان الممارسات الحالية للسلطات السورية، خاصة العنيفة منها، قد تكون مبررة لأنها تهدف الى الدفاع عن غالبية المواطنين وحمايتهم او منع اصابتهم بالاذى، في وجه اقلية ارهابية مدسوسة خارجة عن القانون، وبذلك تكون هذه السلطات قد قامت بواجبها والحفاظ على سلامة المواطنين وسيادة الدولة .

 اي ان استعمال القوة مبرر عندما يمارس لمنع اذى الآخرين . اي ان ادعاء الحكومة السورية ان عليها مساعدة الغالبية العظمى من المواطنين العزل وانقاذهم من ارهاب العصابات المسلحة المدعومة من انظمة عربية او غربية، فهي تقوم بواجبها كسلطة مسؤولة في دولة سيادية للحد من عذاب غالبية السكان . هذا الموقف لا ينفي كون المجموعات المناوءة للحكومة السورية، حتى ولو كانت هي الاقلية (المدعومة او غير المدعومة عربيا او اوروبيا)، والتي تستعمل العنف على مختلف انواعه ضد السلطة، تتعرض هي بذاتها اثناء استعمالها العنف الى الالم ولربما الموت (وهنا لا يمكن شمل الضحايا الابرياء) عند اختيارها القيام باعمال العنف الذي يصنف عادة كاعمال عدوانية او اخلال بالامن العام في اية دولة ( انظر ما حصل مؤخرا في بريطانيا حيث تعالت الاصوات بانزال الجيش الى الشارع بعد يومين من اعمال الشغب والاحتجاج ) . بعض الناس سيقومون بالقاء اللوم على هؤلاء المناوئين لأنهم اختاروا هذا الطريق ( بحرية واستقلال او مخدوعين رغما عنهم ) حيث جلبوا تلك المعاناة على انفسهم وجنوا على آخرين من الابرياء . وبذلك فبدلا من الانتقاص من العذاب، تسببوا بالمزيد منه. وامتدادا من المنطلق ذاته فبالامكان الادعاء ان اية مطالبة بتدخل عسكري خارجي او القول ان » تسليح المعارضة السورية هي فكرة ممتازة» قد يؤدي الى تصعيد على الارض والتسبب في المزيد من العذاب والمعاناة . لا بل اكثر من ذلك، فان ايهام المناوئين او من يؤيدهم بشكل مستقل او لأنه واقع في فخهم، عبر الحملات الاعلامية الخارجية التي تحاول خلق جو مشحون يهدف الى الحشد الجماهيري ضد الدولة السورية وبالتالي الى اطالة المعاناة نتيجة الاقتتال الداخلي، هي اعمال غير اخلاقية لأنها اعمال انانية لا تضع نصب اعينها سعادة الموطن السوري ولا التخفيف عنه لا بل استعمال مشاهد المصابين والجثث كوقود لخدمة اهذافها في اسواق الطاقة العالمية . وان تقديم الدعم المادي والعسكري لتوسيع رقعة الحرب الاهلية بين الشعب الواحد لا يمكن ان تكون اخلاقية ابداً . ولربما التمعن بما كتبه زعيم الثورة الصينية ماو تسي تونغ ( 1893 1976) في الجزء الاول من مذكراته المترجمة الى الانجليزية (ص 200) عن تاريخ الحروب الاهلية قد يذكر البعض بخصائص الحرب الاهلية حيث كتب:

 «لا يوجد سوى شكلان اثنان اساسيان للقتال : الهجوم والدفاع . ان كان ذلك في الحرب الاهلية الصينية او في أية حرب ماضية كانت أم حديثة، في الصين أو في مكان آخر. فالسمة المميزة للحرب الأهلية في الصين تكمن في اختلاف مدة وفترات حملات التطويق والإبادة والحملات المضادة ». رغم ما يحصل في حمص، فحتى الآن، لم يعلن ( وعادة لا يعلن في هذا المجال ) عن الاستراتيجية العسكرية للحكومة السورية ولا تلك الممارسات المسلحة من قبل المناوئين له .

 ولكن ما من شك ان هناك عائقا عسكرياً يمنع القوات المسلحة العربية السورية وقوى الامن او الشرطة من فرض سيطرتها على بعض الاحياء او الحارات في بعض المدن نتيجة العنف الممارس من قبل المناوئين لسلطة الدولة المركزية وهذا ما يسبب تبني الجيش التكتيك الذي يتبناه ( كما يبدو الحصار اولا وبعدها الاختراق؟ ). فتكتيك الحكومة السورية ناجم عن اعمال المناوئين وهم بذلك لا يقللون من العذاب الذي يسببونه للمواطنين ( لاحظ ان العالم تحرك لتدخل الصليب والهلال الاحمر فقط بعد مقتل الصحفيين الاجانب ). اما اذا كان بعض المواطنين في حمص على علم ودراية بالحاصل ( وعادة من الصعب فهم التحركات الجارية من قبل المواطنين العاديين المحاصرين ) ، فهم يتصرفون كمن يريد الحفاظ على قرار موته بيده، وقد يعتقد البعض ان ذلك من حقهم. فيستشف من التقارير التي تنشر في المجلات المتخصصة بالشؤون العسكرية لغاية الآن انه ورغم الخسائر بالارواح والمعدات في اوساط الجيش السوري الا ان الجيش كبير ومدرب ولا يزال صامدا ولم يستعمل من قوته الا القليل رغم حرب الاستنزاف القائمة ضده والتي يخوضها او يواجهها رغم انه لم يتدرب على اشكالها ( المحلية - الاهلية…..حرب شوارع وعصابات والخ ) من ذي قبل . وساستشهد باقوال الجنرال مارتن ديمبسي رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة الذي قال » ان التدخل في سورية سيكون «صعبا للغاية .

مضيفا في حديث لمحطة (سي.ان.ان) الاخبارية الأمريكية انه «سيكون خطأ كبيرا اذا اعتقدنا ان هذه ليبيا اخرى»… وان الجيش السوري «مؤهل جيدا» ولديه نظام دفاع جوي متطور ومتكامل بالاضافة إلى اسلحة كيماوية وبيولوجية » . . «.

هذه التصريحات تكشف عدة امور بما في ذلك تكاثر ذوي المصالح الذين، اما انهم تجار سلاح يحصدون الارواح في طريقهم الى البنك بينما تقوم وسائل اعلامهم بضخ الرسائل التي تلهب المشاعر ، او انهم ليسوا من قوم الخبراء في ادارة الحملات العسكرية او انهم على جاهزية نفسية عالية للاقدام على الانتحار او انهم يريدون تقسيم سورية لكي يتسنى لهم اقامة مشاريع الغاز الاقليمية لدر الارباح . لكن ما يجعل من تصرفاتهم غير اخلاقية وبشكل متزايد هو استعمال السكان، الذين لا يريدون المرور في رحلة العذاب، كرهائن رغما عنهم، بينما يدفع السكان العاديون الثمن نتيجة قيام الطرف الاخر ( اي الحكومة السورية ) بفرض سيطرته .

المناوؤن للحكومة السورية وبالتحديد من السوريين الذين اخذوا يستعملون العنف ( خلافا للمرتزقة الخارجية ) قرروا الخروج عن » القاعدة المنفعية » والتي وفقا لها كانوا يطيعون قواعد وقوانين الحكومة السورية وقفزوا بسرعة من الاحتجاج السلمي الى القتال المسلح . لكن بالامكان وفقا للمدرسة المنفعية ان ندعي ان اعمال هؤلاء خلال العام الماضي سببت » عدم النفعية » للسوريين ككل ولم تنتقص من عذابهم . بالمقابل، اعمال الحكومة السورية تشير الى انها اختارت الشق الآخر للنفعية والمسمى ب » العمل النفعي » من وجهة نظرها، للتصدي لعدم النفعية من قبل المناوئين . ما بين » العمل المنفعي » للحكومة ( والمبرر بتفضيل مصلحة الغالبية على الاقلية ) وعمل المناوئين الذين اختاروا » عدم النفعية » عبر استعمال العنف، على الاقل في هذه المرحلة، والذي سيزيد من معاناة وعذاب المحاصرين والمواطنين الابرياء، انما تضع ممارساتهم محط ضعف اخلاقي اكبر، قد يخرج منه ضرر اخطر وهو صبغ اعمال اطراف المعارضة المختلفة، وبالتحديد تلك التي لا تستعمل العنف وضد التدخل العسكري ، وخاصة اذا ما ذكرنا ما قاله رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة : «اتحدى اي شخص يحدد لي بوضوح حركة المعارضة في سورية في هذه المرحلة » ، بلون الدم وبرفع منسوب العذاب لتصبح المتعة، وكم بالحري السعادة، منالا بعيدا من كل السوريين .

=================

الأزمة السورية بين التراشق الغربي الروسي والحسابات الإسرائيلية

عثمان ميرغني

الشرق الاوسط

29-2-2012

الأزمة السورية، التي تقف على أعتاب إكمال عامها الأول، دخلت مرحلة السباق على الزمن ما بين تصعيد النظام للعنف والقتل مستفيدا من التباطؤ الدولي والتعقيدات الإقليمية والدولية، وما بين قدرة المنتفضين على الصمود وقدرة تنظيمات المعارضة على تصعيد الضغط على النظام، وفي الوقت ذاته إقناع الأطراف الدولية المترددة حيالها بأنها قادرة على ترتيب أوضاعها ورص صفوفها وتقديم بديل قادر على طمأنة وكسب تأييد مختلف مكونات المجتمع السوري. فالصورة المعقدة أصلا ازدادت تعقيدا منذ الفيتو الروسي - الصيني في مجلس الأمن، ثم في أعقاب مؤتمر «أصدقاء سوريا» الذي أحبط الذين عولوا عليه، وصعدوا من التوقعات المرجوة منه، لأن المؤتمر انتهى إلى مجرد بيان عام من دون خطوات عملية واضحة يمكن أن تغير من الواقع على الأرض، بل إن المؤتمر كشف حجم الهوة بين الأطراف بعد أن أعاد الغربيون موقفهم السابق الرافض للتدخل العسكري، والمتحفظ حتى حيال دعوات تسليح المعارضة السورية.

الأزمة كانت وستبقى حتى إشعار آخر أسيرة الحسابات والتعقيدات الإقليمية والدولية، والتراشق الدائر بين عدد من العواصم الغربية، في مقدمتها واشنطن من جهة، وروسيا والصين من الجهة الأخرى، يعكس جانبا من هذه التعقيدات. فروسيا رغم تحركاتها الأخيرة لتبرير استخدامها للفيتو لا تزال تتمسك بموقفها الداعم لدمشق، وتقول إنها تريد حلا سلميا يجنب سوريا الحرب الأهلية، لكنها ترفض استغلال الأمم المتحدة كأداة لتغيير الأنظمة.

فهم الموقف الروسي يحتاج إلى أبعد من التفسير القائل بأن موسكو تشعر بأنها خدعت سابقا في قرار مجلس الأمن المتعلق بليبيا، ولذلك تعارض أي قرار دولي يترك نافذة مواربة يمكن أن تستخدم للتدخل العسكري في سوريا. فموسكو لا تنظر بعين الريبة إلى المواقف الغربية إزاء سوريا وحسب، بل تتشكك في تحركات الغرب في محيط الاتحاد السوفياتي، ولا تزال تشعر بالمهانة لتراجع نفوذها الدولي أمام المد الغربي الذي زحف على حدودها في الجمهوريات السوفياتية السابقة.

في مذكراتها التي نشرت أواخر العام الماضي، تروي وزيرة الخارجية الأميركية السابقة كوندوليزا رايس تفاصيل لقاء بينها وبين بوتين عقب الثورات الملونة في عدد من الجمهوريات السوفياتية السابقة، فتقول: «أبلغني بوتين أنه يعارض أي ثورة من الشارع»، ورغم أنه لم يقل لها صراحة في ذلك اللقاء: إن بلاده ترى تلك الثورات على أنها مؤامرة غربية، فإن رايس فهمت تلميحاته بأنه يراها بمثابة أداة غربية لحرف روسيا عن مسارها. هذا الكلام الصادر من بوتين ربما يعكس نظرته المتشككة في الثورات العربية، وتناغمه مع موقف الرئيس السوري عندما يصف الانتفاضة ضد نظامه بالمؤامرة.

المفارقة أن الدول الغربية التي تشن حملة عنيفة على الموقف الروسي إزاء سوريا تلتقي مع موسكو في مسألة البحث عن حل سياسي للأزمة، بل وسبق لبعضها أن نصح العرب والمعارضة السورية بعدم إغلاق الباب في وجه دعوات روسيا لحوار بين النظام والمعارضة. كيف يمكن تفسير هذا الموقف؟ الواقع أن استراتيجية الغرب تتراوح بين الرغبة في إضعاف المحور السوري – الإيراني، ومراعاة المخاوف الإسرائيلية، ومن هنا يمكن تفسير الموقف الرافض لتسليح المعارضة على أساس أن هذا الأمر سيؤدي إلى حرب أوسع قد تثير الاضطرابات على حدود إسرائيل. فالحديث عن الانقسامات كمبرر لمعارضة تسليح المعارضة السورية لا يبدو مقنعا عندما يصدر من العواصم الغربية التي دعمت الثوار الليبيين بالغارات والمعلومات الاستخباراتية وسكتت عن تسليحهم، رغم أنهم كانوا أكثر تشتتا من المعارضة السورية.

الأمر ذاته يمكن أن يقال ردا على حجة أن تسليح المعارضة السورية لن يعني بالضرورة إسقاط نظام الأسد، لأن ميزان القوة يبقى مختلا بشكل كبير لصالح النظام، وفي هذه الحالة فإن زيادة السلاح في ميدان المواجهة لن يعني سوى وقوع المزيد من الضحايا المدنيين، فهذا الأمر كان ينطبق أيضا على الحالة الليبية، حيث كان نظام القذافي يملك قوة هائلة في مواجهة الثوار، لكن الغرب لم يعترض وقتها على تسليحهم، بل شجعه. الحقيقة أن تحذيرات الغرب من تسليح المعارضة السورية مردها الخوف على إسرائيل، فواشنطن وعدد من العواصم الغربية الأخرى تبدي مخاوف من حرب داخلية واسعة وانفلات الأمن والاستقرار وانتشار السلاح بين مجموعات كبيرة على حدود إسرائيل، مع احتمال دخول جماعات جهادية على الخط.

المخاوف على إسرائيل تمتد أيضا إلى احتمال أن يؤدي سقوط نظام الأسد إلى وصول «الإخوان المسلمين» إلى السلطة على غرار تونس ومصر والمغرب. فآخر ما تريده إسرائيل هو أن تجد نفسها محاصرة بأنظمة إخوانية على حدودها من مصر إلى سوريا، وحركات موالية لإيران من حزب الله في لبنان إلى حماس في غزة.

هذه العناصر المتداخلة قد تكون مؤشرا على احتمال حدوث تلاق، بين الغرب وروسيا، في تفضيل خيار حل سياسي على الطريقة اليمنية، بمعنى ترتيب انتقال للسلطة يذهب فيه الرئيس ويبقى جزء من النظام ضمن صيغة مشاركة في السلطة مع المعارضة تحافظ على الاستقرار وترتب لتحول داخلي تدريجي. أما إذا تعذر هذا الحل وطالت الأزمة، فإن إسرائيل ستكون مستفيدة أيضا شريطة ألا تتسع المواجهات أو يحدث انفلات على الحدود مع وجود كميات كبيرة من السلاح في أيادي المقاتلين. فإطالة الأزمة قد تعطي المزيد من الوقت لواشنطن وإسرائيل لاتخاذ قرار بشأن توجيه ضربة لإيران، بينما سوريا مشغولة بوضعها الداخلي، وحزب الله يفتقد طريق الإمداد الرئيسي.

العامل الوحيد الذي يمكن أن يربك كل هذه الحسابات المعقدة يكمن في مدى قدرة السوريين على تصعيد انتفاضتهم بالشكل الذي يزعزع النظام ويصعد الضغوط على المجتمع الدولي بما يجبره على تغيير حساباته.

=================

الموقف التركي من الثورة السورية!

أكرم البني

الشرق الاوسط

29-2-2012

بين تصعيد لفظي وصمت مريب تنوس السياسة التركية من الأحداث السورية، وثمة إحساس لدى غالبية الناس بأن هذا الجار الأقرب لهمومهم ومشكلاتهم قد خذلهم، بل إن العبارات مثل: «نفد صبرنا»، و«لن نقف مكتوفي الأيدي»، أو «لن نسمح باستمرار القتل اليومي».. التي يكررها غير مسؤول تركي صارت تقابل هنا بابتسامات مفعمة بالمرارة!

وبسقف «عملي» يبدو أن أنقرة لا يمكنها تجاوزه، أو لا تريد، تصطدم طموحات الحراك الثوري وتكرس خيبة أمله بأن تكون تركيا السند الأول الداعم له، وأن تكون أراضيها محطة لتدخل أممي ودور يحمي المدنيين ويمكن الشعب المنتفض من مواجهة جبروت آلة القمع السلطوي!

هذا السقف لم يتجاوز في محصلته العامة، الدعم اللفظي للثورة السورية والإدانات المتعددة الوجوه للعنف السلطوي المفرط، وهو الدعم الذي يترافق عادة، وللأسف، مع تصعيد مواز في المواقف العربية والغربية، ونضيف توفير أماكن مؤقتة أو مخيمات لإيواء آلاف اللاجئين وإقامة بعض المشافي الميدانية لاستقبال الجرحى، وأيضا الدعم الذي يقدم للمعارضة السورية على اختلاف تياراتها ومكوناتها، كإيواء بعض الضباط والعسكريين الفارين، ومنح المعارضة السورية فسحة من النشاط السياسي والإعلامي وحق إقامة المؤتمرات والاجتماعات على الأراضي التركية!

ثمة مخاوف وحسابات مصالح تلجم دخول تركيا في صراع مكشوف ومفتوح مع النظام السوري؛ أولها: تقدير خطورة الانجرار في حال الاحتكام إلى الخيار العسكري ضد القوات السورية، إلى اشتباك مع إيران أو مع حلفائها في العراق ولبنان وما يستتبع ذلك من تداعيات قد تضع القطار التركي على سكة لا يريدها، وربما تستنزف قواه وتهدد طموحاته، وبخاصة في حال طال زمن المعركة واتخذت مسارات متعددة. ثانيها: التخوف من انتقال الصراعات الأهلية بعد انفلاتها في سوريا إلى الداخل التركي، بفعل مكونات عرقية وثقافية متداخلة بين البلدين الجارين وعبر حدود طويلة تزيد على 800 كيلومتر. ثالثها: التحسب من أن يستثمر حزب العمال الكردستاني المعارض فرصة الصراع المفتوح بين الطرفين كي يزيد نشاطه ويصعد عملياته ضد أنقرة، مما قد يربكها ويشغلها ويزعزع الاستقرار هناك. رابعها: الخشية من التورط في أزمة مرشحة لمزيد من الاحتدام والتفاقم، ويرجح أن تطول كثيرا، خصوصا أن أمامها نظامين صمدا لفترة طويلة في مواجهة انتفاضة شعبية عارمة وهما أضعف بكثير من النظام السوري، ليبيا واليمن!

إن تنامي النزعة العثمانية عند قطاع مهم من النخبة السياسية، والصعوبات التي لا تزال تقف أمام انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، دفعت سياسة أنقرة موضوعيا نحو تمكين نفوذها في المشرق العربي لتغازل حنينها إلى ماضيها الإمبراطوري وتعوض أي انتكاسة يمكن أن تصيبها على المسار الغربي، لكن طموح الحكومة التركية ورغبتها في الإفادة من الثورة السورية بما يعزز وزنها ودورها الإقليميين يجب أن لا يفضيا في حساباتها إلى أي خسارة!

نعم هي سياسة براغماتية فاقعة لا تخفى على أحد لتعزيز النفوذ الإقليمي تحكمها حسابات الثمن والتكلفة لقاء المبادئ والقيم، وثمة أدلة كثيرة تؤكد هذه الحقيقة، منها ليس فقط الفجوة الكبيرة بين التصريحات النارية وضعف الفعل الملموس، بل موجة التصعيد ضد النظام السوري التي سبقت الانتخابات البرلمانية التركية، التي بدت لكل ذي عين كأنها جزء من المعركة الانتخابية لكسب مزيد من الأصوات المتعاطفة مع معاناة الشعب السوري لصالح حزب العدالة والتنمية، ومنها أيضا تأخر انضمام أنقرة إلى الدول الملتزمة بالعقوبات الاقتصادية التي أقرت ضد النظام السوري، ومنها ترددها اللافت - ولنقل ضعف حماسها - لمبادرة الجامعة العربية ولدعم وإنجاح بعثة المراقبين!

ما سبق يفسر، وإن كان لا يبرر، الموقف التركي من الأحداث السورية، ويوضح لماذا لا تزال السياسة التركية متحسبة في مواقفها ومترددة في دفع الأمور إلى نهايتها. هل تبحث عن أوسع غطاء عربي وعالمي يضمن لها أقل الخسائر قبل أن تتخذ قرارا قاطعا ونهائيا من الحكم السوري. وهل يشكل مؤتمر «أصدقاء سوريا» هذا الغطاء، أم تحتاج في حساباتها وتخوفاتها إلى أكثر من ذلك، إلى قرار أممي واضح من مجلس الأمن يضمن حياد السياسة الروسية، ويحاصر التدخل الإيراني في حماية الحليف السوري، ويستند إلى دعم عربي قاطع وحاسم؟!

ربما تأمل أنقرة قطف ثمار الثورة السورية من دون أن تقدم سوى الحد الأدنى من التضحية، لكن ليس من المبالغة القول بأنها تواجه اليوم مأزقا بالغ التعقيد ويبدو أنها بدأت تخسر ما راكمته مواقفها الجريئة الداعمة للقضية الفلسطينية من شعبية عربية عموما وسورية خصوصا، ولكونها نموذجا للتنمية الناجحة ولضمان حقوق الناس وحرياتهم يحتذى به لبناء العمارة الإسلامية الديمقراطية، والأهم أن خسارة أنقرة في المنطقة العربية جراء ترددها وسقفها المحدود في دعم الثورة السورية ستكون كبيرة، فالأتراك هم خير من يعرف أن على نتائج هذه الثورة سيترتب الكثير وأهمه إعادة رسم المنطقة ومناطق النفوذ والمصالح الاصطفافات.

لكن موقف حكومة أردوغان لا يمكن أن يبقى تحت هذا السقف، فعلى الرغم من كل التعقيدات التي تحيط بالثورة السورية، لن تستطيع أن تتهرب طويلا من ردود الفعل المتنامية لدى الرأي العام العربي والتركي من الأحداث السورية. فاستمرار سياسة القمع المعمم والعنف المفرط وتصاعد حدة الضغط والاستياء الشعبيين، سيؤدي بلا شك إلى تطور حثيث في سياسة أنقرة. فهل تحمل الأيام القادمة مواقف جديدة للقيادة التركية تعيد بناء الثقة بينها وبين الشعوب العربية؟ أم ربما تتعزز خسارتها إما بموقف خاطئ، أو باتخاذ موقف صحيح لكن ربما في التوقيت الخاطئ؟!

=================

ما الذي قالته السعودية للأسد؟

طارق الحميد

الشرق الاوسط

29-2-2012

قالت السعودية، مرارا وتكرارا، إن واجبها الديني والأخلاقي يحتم عليها أن تتخذ الموقف الذي تتخذه اليوم ضد النظام الأسدي، وذلك حماية للسوريين العزل، وحماية لسوريا نفسها من مجهول ما ينتظرها في ظل القمع الوحشي الذي يرتكبه الأسد بحق السوريين.

فقد قال العاهل السعودي للرئيس الروسي، الأسبوع الماضي، إن مقاييسه، ومقاييس بلاده، تجاه ما يحدث في سوريا هي: الدين والأخلاق، وكرر مجلس الوزراء السعودي، أول من أمس، وبرئاسة الملك عبد الله بن عبد العزيز، أن السعودية تجدد تأكيدها «أنها ستكون في طليعة أي جهد دولي يحقق حلولا عاجلة وشاملة وفعلية لحماية الشعب السوري». وعليه؛ فإن هناك من يقول: لماذا لم تحاول السعودية مع الأسد نفسه علها تنجح بإقناعه؟ والبعض الآخر من المحسوبين على النظام الأسدي يتطاولون على السعودية، مثل سفير طاغية دمشق في نيويورك، وغيره، ويقولون إن السعودية تريد محاضرتهم بالديمقراطية!

فهل السعودية تملي شروطها فعلا على طاغية دمشق، وتشترط عليه خطوات محددة، أم أنها تتخذ هذه المواقف الحاسمة الآن دون أن تكون قد بذلت جهودا سلمية مع الأسد من قبل؟ للإجابة عن هذه التساؤلات لا بد من قراءة القصة التالية، وتأمل فارق الحكمة فيها، والصدق والنبل بين من ينصح صادقا، ومن يقتل شعبه فقط من أجل أن يحكم!

فمع بدء الثورة اتصل بشار الأسد بالسعودية قائلا إن الأمور تزداد سوءا في سوريا، ولم يقف معه أحد، وإنه أمام صعوبات مالية، وخلافه. وقال الأسد وقتها إنه يشعر بأن الجميع تخلى عنه، ويطلب النصيحة، وقال إنه مستعد للتجاوب مع ما سيسمعه، وما سيطلب منه. كان اتصال الأسد هذا، موضع حديثنا، بنفس الوقت الذي كانت تتهم فيه وسائل الإعلام الأسدية أمراء سعوديين بالوقوف خلف الثورة السورية، وأنها، أي الثورة، مؤامرة وهابية. كان الرد السعودي على الأسد هو التالي: لا نريد شيئا على الإطلاق، فحل المشكلة السورية هو في سوريا وبيدك أنت تحديدا. وكل ما نطلبه هو التوقف عن القتل. لا تقتل. أما النصيحة التي نقدمها لك فهي بكل بساطة كما يلي: اخرج وخاطب السوريين، واجعل خطابك مختصرا لا يزيد على عشر دقائق، وقدم لهم أكثر مما طلبوه، امنحهم أكثر من مطالبهم التي خرجوا من أجلها، وبذلك تكون أنقذت سوريا، واستجبت لشعبك.

هكذا كانت النصيحة، التي سمعها من السعودية، لا أكثر ولا أقل، وبالتأكيد أن القارئ الكريم يلاحظ النصيحة الحكيمة، والمختصرة، لكن الذي حدث بالطبع هو العكس. فخطابات الأسد طالت، وقواته ما زالت تقتل السوريين، وعلى مدى أحد عشر شهرا، ووعوده الإصلاحية واهية، فها هو الأسد يخرج بدستور مثير للسخرية يضمن له الحكم حتى عام 2028، والأدهى أن النظام الأسدي يقول إن نسبة التصويت بالإيجاب على الدستور المهزلة كانت 89 في المائة!

فهل السعودية هي التي تعادي الأسد؟ بالطبع لا. فالأسد هو عدو نفسه، مثلما أنه عدو السوريين.

=================

كلينتون: أخشى أننا نسلح الظواهري!

عبد الرحمن الراشد

الشرق الاوسط

29-2-2012

في تصريح لمحطة «سي بي إس» الأميركية قالت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون إنها ليست مع تسليح الشعب السوري الثائر على النظام. قالت: «نحن نعلم أن زعيم (القاعدة) أيمن الظواهري يؤيد المعارضة السورية. فهل نؤيد (القاعدة) في سوريا؟ والآن أصبحت حماس تؤيد المعارضة السورية. فهل نؤيد حماس في سوريا؟». ثم تساءلت: «لو كنتَ مخططا عسكريا أو وزيرا للخارجية (الأميركية) وتريد أن تتخذ قرارا، فهل ترى مقومات المعارضة الحقيقية، غير ما نراه؟ كل ما نراه معاناة إنسانية تفطر القلب».

هكذا تختزل الثورة السورية، صومال أو أفغانستان جديدة!

نعم، يمكن أن تتحول سوريا إلى صومال آخر إذا كانت الوزيرة كلينتون تنظر هكذا إلى أكبر ثورة في تاريخ المنطقة، أكبر من كل ثورات الربيع العربي الأخرى، حجما وحماسا ودما وتأييدا في عرض العالم العربي. على كلينتون أن تتذكر أنه من الأيام الأولى، قبل أكثر من 11 شهرا، عندما اندلعت مظاهرات درعا بعد سجن الأطفال وتعذيبهم وقهر آبائهم، حينها لم تكن قد أطلقت من الشارع رصاصة واحدة، بل كان كله رصاص الأمن السوري. لم ينشق عسكر، ولم يرفع سلاح، ومع هذا كان أول بيانات الحكومة السورية يدعي أن المتظاهرين جماعات دينية متطرفة، مرة سلفية ومرة أخرى إرهابيون مندسون. واستمر الحال في سوريا بمظاهرات سلمية لعدة أشهر امتدت لكل المناطق، واعتمد النظام في دعايته على أن هناك جماعات إرهابية مسلحة، حتى ظهرت أول صور لمنشق عسكري، حسين هرموش.

لقد حرص النظام على ترويج رواية الجماعات المتطرفة، واتهام السلفيين و«القاعدة»، وأظهر أناسا على شاشات تلفزيونه يدعي أنهم مندسون جاءوا بترتيب خارجي.

نحن نعرف أن النظام السوري كان الحاضن الأول لتنظيم القاعدة عندما كان ينطلق عناصره من أراضي سوريا نحو العراق خلال السنوات السبع الماضية. ولدى الجانب الأميركي الكثير من البراهين على أن معظم الانتحاريين، وبقية الإرهابيين، عبروا الحدود من سوريا إلى العراق. أيضا هناك الكثير من المعلومات عن فريق مهم من «القاعدة» لجأ إلى إيران بعيد حرب أفغانستان واستوطن هناك، ولا يزال يعمل من داخل إيران، الحليف الأول لسوريا. وبالتالي ليست مصادفة أن يذيع أيمن الظواهري، زعيم «القاعدة»، بيانه مؤيدا الثورة ضد النظام السوري. وهنا نحن أمام احتمالين لا ثالث لهما؛ أنها لعبة ضمن استراتيجية النظام السوري الراغب في تخويف الغرب من الثورة السورية محذرا أنها جماعات إرهابية وبيان الظواهري يؤكد ذلك. والثاني أن «القاعدة» بالفعل تبحث لنفسها عن مكان في قضية هي الأكثر شعبية في العالمين العربي والإسلامي.

فإذا كانت كلينتون ترى أن بيانات «القاعدة»، وربما دخول مقاتلين من «القاعدة» وبقية الجهاديين المتطرفين في ساحة الحرب السورية، سبب للابتعاد وإغلاق الباب أمام الثورة السورية، فإننا نؤكد أنها ترتكب خطأ كبيرا. سوريا، مثل كوريا الشمالية وإيران وكوبا، من بين دول قليلة في العالم لا يزال نظامها يقوم على القمع الأمني الشرس. ونحن أمام ثورة شعبية لا يمكن أن تقبل بالعودة إلى الوراء، وإذا أرادت الولايات المتحدة أن تنظر إلى تطلعات 25 مليون سوري على أنها جزء من نشاط «القاعدة» فقد يختطف الإرهابيون الثورة حقا، وستكون «القاعدة» هي البطلة التي تتصدى لنظام الأسد.

إسقاط النظام، مسألة وقت، أمر لا أحد يشكك فيه هنا، ويبقى لكل قوة في المنطقة، أو في العالم، أن تقرر لنفسها كيف تتعامل مع تركة نظام الأسد، وإن كانت تسمح بسرقة الحدث لجماعات تبحث عن قضية ومكان وجمهور، ك«القاعدة» التي خسرت كثيرا في السنوات القليلة الماضية.

ومن خلال رصدنا لما يكتب ويقال في عرض العالم العربي اليوم، نرى ظهور صيحات الجماعات الجهادية المتطرفة لتبني الثورة السورية، لاعتقادها - أولا - بأنها قضية شعبية، وثانيا لأنها ترى التلكؤ الدولي والاكتفاء بالمؤتمرات بعد عام من الإبادة الممنهجة.

ونحن نتفهم أن ترفض كلينتون تسليح الثوار وهي ليست واثقة من حقيقتهم، لكن ماذا عن البديل؟ البديل تكرار سيناريو ليبيا، حركة مسلحة على الأرض بدعم جوي دولي. ومن خلالها يمكن فرز القوى الوطنية السورية من الجماعات الجهادية المرفوضة، أو كما تسميهم دمشق بالمندسة. أما خيار التخلي عن سوريا فسيورث أرضا محروقة، بجماعات تقاتل النظام وأطراف النظام لزمن طويل تعشعش في أرضها جماعات إرهابية محسوبة على النظامين السوري والإيراني.

=============================

حمص في دوامة العقاب الجماعي والتطهير المذهبي

الاربعاء, 29 فبراير 2012

الحياة

جوناثان ليتيل *

في زاوية من المسجد مسجّى الجثمان الشمعي في كفن، وجلل رأسه بإكليل من بلاستيك. وعلى مقربة من النعش ركع ولد باكٍ هو أخو القتيل، ولمس وجه أخيه حانياً. ويبلغ عمر الميت 13 سنة. الليلة الماضية كان يحطّب اغصان شجر بجوار المنزل، على ما يروي والده في وسط أسرته وأقاربه، أحمر العينين ومنتفخ الجفنين: «الأرجح أنه أضاء النقال (الخليوي) الذي يحمله، فقتله القناص». والحادثة ليست مصادفة ولا فريدة من نوعها. فالشارع الذي تقيم به العائلة هدف ثابت لقناص يختبئ في مدرسة الحي، ويتمرن على التصويب بالقطط حين يعوزه البشر. «لم نعد نجرؤ على إخراج النفايات»، يقول أحد الجيران. ويريني رجل آخر شارك في العزاء، جثمان أخيه على شاشة هاتفه النقال، وقال إن القتيل كان يحاول حماية ابنه البالغ من العمر 11 سنة. وشرح لي أنه اضطر الى نقر جدران بين بيته وبين الجامع ليتمكن من الخروج سالماً.

ولولا أبو بلال وأبو عدنان وعمر تلاوي، وهم ثلاثة ناشطين في «دائرة» الإعلام، لما اهتدينا الى المسجد، وبلغناه قبل تشييع الولد القتيل، اليوم في 26 كانون الثاني (يناير). بعد الدفن، حشرنا أنفسنا 7 أشخاص في سيارة واحدة، واتجهنا الى حي كرم الزيتون، شرقاً. عمد السائق عند المفترقات المفضية الى «شوارع الموت»، كما يسميها الأهالي، إلى «دعس البنزين» والإسراع، تفادياً لنيران القناصة. وفجأة ينعطف السائق ويدخل طريقاً ضيقة. بعض الناس يركضون، وآخرون ينتظرون غير بعيد من الشارع العريض، وإنما على حدة ولصق حائط منزل أو في مدخله. وبلغنا هناك مستوصفاً أو مشفى مرتجلاً يعالج فيه مسعفون شاباً اخترقت جمجمته رصاصة. كان يتقيأ دماً غزيراً وهو يحاول أن يطوي صدره على بطنه وفخذيه. ووقف المسعف، وهو ليس طبيباً، عاجزاً ومقراً بعجزه. فلفّ مسعفون رأس المصاب بشرشف، وحملوه الى سيارة لتنقله الى عيادة. وروى أحد الشهود: «عمر الضحية في تذكرة الهوية 27 سنة، وأصيب قرب مسجد سعيد بن عامر القريب وهو يحمل أدوية لأهله، وقبل ساعة قتل أحد المارة وهو يغادر المسجد برصاصة في عنقه».

ولم يكد الراوي ينهي روايته حتى جيء بجريحين. الأول رجل مكتهل أصيب في أعلى صدره، وجريحة منقّبة تدير في الحاضرين عينين هلعتين وتحت الغطاء الاسود بدا جزء من فكها مكسوراً. والقناص هو نفسه، فهو في المرات كلها يصيب العنق ويقتل. وهذه المرة، نجت المرأة «المحظوظة» من موت أكيد. وتمسك الرجل وهو يلهث بيد ماني (المصور ورفيق الكاتب). ولم يجد القائمون على المستوصف بداً من إرساله في شاحنة صغيرة، وإلى جانبه صديق يحمل كيس الدم الذي يغذي الجسم. وفي الأثناء كان الناشطون الاعلاميون يصورون الوقائع. وتولى عمر التعليق على الصور بالصوت، بينما أمسك أبو بلال برأسه المنحني وهو يغالب الانهيار.

لم تكن المشاهد التي مرت إلا البداية. فبينما كان القائمون على المستوصف يسألون الشهود، علت أصوات الزمور القريبة، ودبت الفوضى في الأرجاء. فالجريحان اللذان أرسلا الى العيادة للتو أعيدا ميتين. وانشغل جهاز التمريض ب3 جرحى جدد أصيبوا بانفجار قذيفة قرب مستوصف آخر. وتمدد على الطاولة رجل رابع ينازع، لم يلبث أن لفظ نفسه الأخير في ارتعاشة لم أدرك معناها إلا حين همد الجسد. وكنت أسأل أحد الجرحى حين أدخل رضيع أصيب في عانته. وترامت من الطريق الى الداخل أصوات مضطربة، وتراكض الناس في الاتجاهات كلها. خرجتُ لأستطلع ما يحصل. فوجدت رجالاً غاضبين يجبرون المصور ماني على الاستدارة الى الجدار ويحولون بينه وبين التصوير. وأخيراً أفلح ماني في إخراج كلمات من فمه: «إنه أحد الشبيحة ويريدون قتله»، ومنع ماني من تصوير مقتل الشبيح.

ويرابط الشبيحة على تخوم الأحياء العلوية في حمص، ويصلون شوارع أحياء السنّة وطرقاتها بالرصاص من غير توقف، فيقتلون من يرميهم سوء طالعهم بالمرور في هذه الأحياء. ويروي بعض الشهود حوادث اغتصاب وتعذيب وفظاعات، وغالباً ما يعمد الثوار الى مقايضة معتقليهم من الجنود أو من الاستخبارات، لكنهم يقتلون الشبيحة من غير تردد. وحين غادرنا، ماني وأنا، بعد بعض الوقت الحي، واجتزنا الشارع العريض الذي يرابط القناص في أحد مبانيه، وقعت عيناي مصادفة على الشبيح، عارياً ومدمى، موثوق اليدين ومحطّم الرأس، تجرّه شاحنة صغيرة للجيش السوري الحر، وتعرضه على الأنظار، ويستقبل الأهالي الجثمان بالهتاف «الله أكبر».

بعد 3 أيام، وكان يوم أحد، ذهبنا الى أحد معاقل المعارضة شمال حمص. وشهدنا المناظر ذاتها. لم يكن علينا هذه المرة أن نترك المبنى الذي نزلنا به، فمركز الإغاثة قائم في ملجأ المبنى. ووصل الجريح الأول قبيل ساعة الظهيرة، وأماطت رصاصة جلدة معدته عن هذا الجزء من جهازه الهضمي بينما كان يحمي أولاده من قناص يختبئ على سطح مكتب البريد في الحي. ولم يلبث أن لحق أحد اولاد الرجل بوالده. وفقد الولد إصبعين من اصابع يده اليسرى. وقيل لنا إن رجلاً قتل في مرمى القناص قبل وقت قصير. ومضت ساعتان قبل أن يؤتى بولد في العاشرة من عمره، فاحم الشعر وأجعده، عمد الطبيب الى لف يديه بالشاش. والرصاصة التي اخترقت صدره قتلته في الحال. نظر ابن عمه الى جسده الصغير ونشج «الحمدلله الحمدلله». قبل الليل، حمل رجل أصيب في رئتيه، وأنقذ من الموت المحتم وكان مشرفاً عليه.

وعلى مقربة من شارع عريض، نبهني دليلي ومرافقي الى قصبة معدنية طويلة ربطت بآخرها علاّقة معدنية، تستعمل في جر الجرحى والقتلى الذين يصيبهم القناص أو يرديهم لا لشيء أو غرض، بل إرهاباً وعقاباً على تمردهم الجماعي أو رفضهم الانحناء والركوع صامتين لسيدهم. أردت الاشتراك في تشييع الفتى، واسمه طه، لكن التشييع لم يحصل قبل مغادرتي. فالمخابرات حبست الجثمان في المشرحة، واشترطت على الوالد لقاء الإفراج عن الجثمان، توقيع «اعتراف» بأن «الارهابيين»، أي الجيش السوري الحر، قتلوا ابنه. وعلم الناشطون أن أسرة قتلت كلها أثناء مجازر كرم الزيتون. ومع الليل، خرج ماني المصور، مع جنود من الجيش السوري الحر ليصور الجثث: 11 قتيلاً بينهم 5 أولاد، 3 منهم ذبحوا. العائلة من السكان السنّة، وكانت تقيم في ضاحية حي علوي. وقادت ماني تحرياته الى افتراض استدراج مذهبي مقصود، على ما أوضح في تحقيق نشره في عددي 28 كانون الثاني (يناير) و30 منه في صحيفة «لوموند». وارتكبت مجزرة ثانية في الوقت ذاته قتلت فيها أسرة من 6 أفراد، بينهم 4 أطفال، قتلوا برصاصة في الرأس أو العين. واستحال الحصول على الجثامين قبل الاثنين التالي وهدوء الاشتباكات المستعرة في المدينة القديمة.

ومساء نهار المجزرة بنصيحين (مقتل ال11 ضحية) خطط الجيش السوري الحر للرد عليها، لكنه حرص على أن يقتصر الانتقام على العسكريين: الحواجز ومبنى الأمن العسكري. فضباط الجيش الحر وجنوده يبذلون وسعهم لتفادي انحراف الثورة الى الانتقام المذهبي والطائفي.

ويقول مهند العمر، أحد قادة مجلس بابا عمرو العسكري: «نُدرك أن النظام يلعب ورقة المواجهة الطائفية. وإذا طال النزاع، من الممكن أن يصبح مذهبياً، فالطائفة العلوية تساند النظام، ولكن إذا سقط، لن تحصل عمليات انتقام، وسيحاكم الذين شاركوا في القتل، ولا شيء غير المحاكمة. فالطائفة العلوية جزء من المجتمع السوري، مثلنا تماماً».

ولا ينكر أحد أن مدنيين علويين خطفوا - غالباً لمقايضتهم بمخطوفين على الحواجز - وقتل بعضهم. والناشطون الذين حاورتهم يلقون المسؤولية على جماعات «غير منضبطة» لا يعرف عنها إلا أنها مؤلفة من عائلات بدوية تتحكم بها تقاليد ثأر راسخة. وعلى رغم كل الوساطات، لم يفلح الجيش السوري الحر ولا الناشطون المدنيون في الحؤول دون ثأر البدو من علويين أبرياء، خصوصاً حين تقتل النساء ويغتصبن أو حين يقتل الأولاد. ويهجم النظام على المناسبة، ويتهم معارضيه بالإرهاب. والحق أن ثمة فرقاً، بين سياسة منهجية يرمي النظام من ورائها الى إيقاع مجازر طائفية، وبين عجز سلطة جنينية تتنازعها دواعٍ متناقضة تقصّر عن السيطرة على أكثر عناصرها تطرفاً.

غداة مقتل طه، التقيت سينمائياً من دمشق وناقشنا المسألة. فقال لي: «لا شك في حصول مواجهات دينية هنا. ويتحدث الطرفان جدياً عن التطهير الإثني، لكن هذا يخص حمص ولا يتعداها الى غيرها. أنا مدني، وعليَّ أن أكون هنا، وإذا لم يكن أمثالي هنا انقلبت الحرب مذهبية. وإذا سارت الامور في الاتجاه الصحيح في البؤر الاخرى، خارج حمص، وإذا غلبت صيغة للثورة أفضل من صيغتها هنا، أمكن احتواء النزعات المذهبية في حمص». وهذا رهان لم يربحه أصحابه بعد. ومنذ مغادرتي المدينة، في 2 شباط (فبراير)، تتعرض حمص يومياً لقصف مدمر، أوقع الى اليوم (17 شباط) 718 قتيلاً أحصاهم المرصد السوري لحقوق الانسان بأسمائهم. وتكاد الاتصالات أن تكون مقطوعة كلياً، والخبز مفقود، والمشافي والمستوصفات والعيادات تغص بالجرحى. ويلوّح الغرب والجامعة العربية بالقبعات الزرق والممرات الانسانية، ودون الإجراءين «فيتو» روسيا والصين.

يثير هذا ذكريات أليمة وسيئة، فبين 1993 و1995، وكنت يومها في البوسنة، قتل حوالى 80 ألف شخص وصحافيو العالم والعاملون الإنسانيون يتفرجون، ومعهم قوات أممية حظر عليها تكليفها القانوني إطلاق النار، واستثنى الكلاب المسعورة من القيد. وإذا كان هذا كل ما يمكن اقتراحه على السوريين، فخير لهم ولنا أن يتركوا الى مصيرهم، وهذا أليق بالاستقامة.

* روائي فرنسي – أميركي حاز جائزة «غونكور» الرواية على «ربات الصفح» في 2009، عن «لوموند» الفرنسية (الحلقة الخامسة من تحقيق ميداني)، 18/2/2011، اعداد منال نحاس

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ