ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأحد 04/03/2012


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

هل يستطيع الدهاء إنقاذ النظام من السقوط؟

شاكر النابلسي

الوطن السعودية

3-3-2012

لن ينفع الأسد الدهاء، ولن ينفعه كذلك (فاروق الشرع).. فالنظام السوري ساقطٌ لا محالة، وإن طال الزمان، ومن علامات هذا السقوط أن الغرب لم يعد حذراً وخائفاً، من وصول الإخوان المسلمين إلى السلطة

لا شك أن الضغوط على النظام السوري قد تضاعفت الآن، بعد إعلان الاتحاد الأوروبي الحجر الاقتصادي الشامل على سورية لكي يفلسها اقتصادياً، معتبراً أن المنقذ الاقتصادي الوحيد لسورية الآن هو المساعدات الإيرانية والتسهيلات الائتمانية العراقية، التي يقوم بها البنك المركزي العراقي والإيراني من ورائه، لدعم الاقتصاد السوري المنهار، والذي حسب تقارير اقتصادية كثيرة لا يستطيع الصمود أكثر من ثلاثة أشهر قادمة.

ومقابل هذه الضغوط الاقتصادية القاتلة، ومحاولةً لتجنب سكين الاتحاد الأوروبي، وقبلها سكين أميركا، يحاول النظام السوري الانتصار على المعارضة بالدهاء.

والسؤال الآن هو: هل بشّار الأسد داهية؟ وهل مثل هذا الدهاء يمكن أن ينقذ النظام السوري المتهاوي الآن، تحت ضربات المعارضة السورية، وتحت الضربات السياسية والاقتصادية التي يوجهها الاتحاد الأوروبي وأميركا إلى النظام السوري، إضافة إلى موقف دول الخليج إلى جانب المعارضة السورية؟

من الواضح أن فينومينولوجيا (علم الظواهر) الثورة العربية يقول لنا الآن، إن الثورة العربية قد اندلعت في أقطار مختلفة من العالم العربي، ليس بسبب الفقر فقط والفساد فقط ونسبة البطالة المرتفعة فقط، ونسبة السرقة من المال العام فقط، ونسبة الأمية فقط، ونسب أخرى مكشوفة ومطمورة. فهذه النسب موجودة في الواقع العربي منذ أكثر من نصف قرن، ومنذ رحيل الاستعمار عن العالم العربي في الخمسينات من القرن الماضي وبعد الخمسينات.. ولكن فينومينولوجيا الثورة العربية تقول لنا، إن الثورة العربية اندلعت بسبب انتهاء "صلاحية" الأنظمة السياسية القروسطية العربية، بحيث لم تعد هذه الأنظمة قادرة على الإصلاح، بل أصبح وجودها يُشكَّلُ ضرراً كبيراً على الصحة العامة، كالطعام، أو الدواء الفاسد الذي انتهت صلاحيته، وأصبح تناوله بمثابة السُّم في جسم الإنسان الذي يتناوله.

إذن، من هنا نقول، إن الثورة العربية لم تعد خياراً لأصحاب الحكم، أو للمعارضة، بقدر ما أصبحت حتمية وقدرية كالحياة والموت، لا مفر منها، ولا مندوحة عنها، وكل ما نملكه هو أن نخضع لها، ونحاول أن نستجيب لمطالبها، ونتحمل عذابها، وآلامها، وتضحياتها، وثمنها، الذي يبدو باهظاً في بعض الأحيان كما هو الحال في مصر وسورية. ولو دوَّرنا بيت شعر المتنبي الذي يقول فيه: "على قدر أهل العزم تأتي العزائم"، ليصبح: "على قدر أهمية ووزن البلدان تأتي الثورات" لأدركنا أن مصر، وكذلك سورية، التي وصفناها من قبل بأنها بيضة "قبان العرب" تستحق كل هذا العذاب، وكل هذا الشقاء، وكل هذه التضحيات والدماء.

لن ينفع بشّار الأسد الدهاء الآن، ولن ينفعه كذلك (فاروق الشرع).. فالنظام السوري ساقطٌ لا محالة، وإن طال الزمان، ومن علامات هذا السقوط أن الغرب لم يعد حذراً وخائفاً، من وصول "جماعة الإخوان المسلمين" إلى السلطة، كما كانت تدَّعي الأنظمة السياسية العربية التي أسقطها "الإخوان" في تونس، ومصر، وليبيا.. فقد أظهر "الإخوان" تناقضات وثُغراً في إيديولوجيتهم خلال صراعهم مع حافظ الأسد، كما يقول المستشرق الألماني كارستين ويلاند. "ففي أربعينات وخمسينات القرن الماضي تعاطف (الإخوان) مع الاشتراكيين ومع المبادئ العَلْمانية للاشتراكيين، وتعاطفوا مع النظام الاقتصادي الرأسمالي المرتبط بالدعوة للحريات السياسية وحقوق الإنسان. ويقوم (الإخوان) في كل الدول العربية ذات الحكم الاستبدادي بالكشف عن قضايا عامة ترتبط بنمط الديموقراطية الغربي، ويتقاربون مع حركات المعارضة العَلْمانية بثلاث قضايا أساسية: الدعوة لحقوق الإنسان، والتأكيد على المبادئ الإنسانية في الإسلام، واحترام التعددية السياسية، والإيديولوجية، وحرية الكلام." (سورية: الاقتراع أم الرصاص؟ ص248). وقد ترجمت "جماعة الإخوان المسلمين" هذه المبادئ السياسية الحديثة على أرض الواقع العربي في البلدان العربية، التي فازت بانتخاباتها التشريعية، ووصلت إلى السلطة، مما طمأن الغرب إلى صدق نوايا هذه "الجماعة"، وأنها لم تعد "البعبع" الذي يخيف الغرب كما صورتها له السلطات السياسية الساقطة. ولعل الدعم السياسي الذي تلقته الثورة في تونس، والدعم العسكري والسياسي الذي تلقته ليبيا، والدعم السياسي والاقتصادي الذي تتلقاه الثورة الشعبية السورية الآن، مرده الى تيقن الغرب من أن وصول "جماعة الإخوان المسلمين" إلى السلطة، لن يخيف الغرب، ولن يعيد له كرة الإرهاب الملتهبة، كما كان عليه الحال في نهايات القرن الماضي، وبدايات القرن الحالي، وهو ما يهدد النظام السوري الآن وينذر بزواله، بعد أن زالت العقبة الكأداء من أمام الغرب في موقفه من الثورة السورية، وبدأ بدعمها بادئاً ذلك بالحصار الاقتصادي للنظام السوري، و "الفاشية الإسلامية" التي قال بها أدونيس (مجلة "بروفيل" النمساوية، ونقلها راديو ألمانيا، 26/2/2012)، وعدم تأييده للثورة السورية، لأن من يقودها من الأصوليين، كما يزعم، هما من باب الخيال المريض، لإرضاء مقرري "جائزة نوبل" المستعصية عليه، ولإرضاء اليسار الطفولي الغربي والشرقي على السواء.

=================

المطلوب قرار دولي شجاع

رأي الراية

الراية

3-3-2012

من المؤسف أن يفشل المجتمع الدولي في اتخاذ قرار شجاع يُنهي مأساة الشعب السوري الذي يُواجه إبادة جماعية من نظام حكم لا يرحم استفاد من الانقسام الدولي والفيتو الروسي - الصيني غير المبرّر الذي شجّعه على مواصلة خياره الأمني لقمع شعبه وسعيه الدموي لإخماد الثورة الشعبية، فمارس تقتيلاً وتنكيلاً والجميع بإصدار قرارات إدانة لا تُزيد الأمور إلا تعقيدًا فيما أن الشعب السوري يُطالب بالإنقاذ عبر تدخّل دولي سريع يُنهي معاناته.

فما حدث بباباعمرو بمدينة حمص من ممارسات لا إنسانية ومنها إعدام 56 شخصاً بدون محاكمة بعدما سيطر النظام الحكومي على المنطقة تُؤكّد أن النظام لن يتراجع عن الخيار الأمني وأنه يضع المجتمع الدولي أمام امتحان عسير باعتبار أن الأمر أصبح لا يُحتمل ويجب أن يتحرّك المجتمع الدولي وفي طليعته العرب بشكل عاجل لإنقاذ الشعب السوري من هذا النفق المظلم وآلة القتل اليومي عبر منابر أخرى وليس مجلس الأمن الذى بات محل شكوك بعد الفيتو الروسي - الصيني المزدوج.

القرار الذي اتخذه الاتحاد الأوروبي أمس وقرّر فيه الاعتراف بالمجلس الوطني ممثلاً شرعيّاً للشعب السوري يُمثّل البداية لموقف دولي جماعي لمحاصرة النظام، فكان من الأوجب أن يسبق العرب والدول الإسلامية الأوروبيين في هذا الموقف لأن فيه تأكيداً على عزلة النظام ومنح الثورة السورية الشرعية داخليّاً وخارجيّاً وبالتالي دعمها بالمال والسلاح وإن اقتضى الأمر التدخّل العسكري عربيًّا لصالحها بعدما فقد النظام شرعيّته محليّاً وخارجيّاً باعتبار أن الضغط على النظام يجعله يُعيد النظر في خياراته مجدّداً ويعترف بمطالب الشعب السوري بالحرية والديمقراطية والتغيير ويرضخ للواقع ويقبل بالتنازل طوعاً أو كرهاً.

من المهم أن يُدرك المجتمع الدولي أن قضية سوريا أصبحت واضحة ولا تحتمل التسويف والمماطلة، لأن في ذلك منح النظام المزيد من الوقت لإبادة الشعب السوري وتنفيذ مجازر جديدة ولذلك فإن المطلوب تسريع الخيارات الأخرى ومن بينها خيار التدخّل العسكري العربي المدعوم دوليّاً من أصدقاء سوريا وإن الاعتراف الأوروبي بالمجلس الوطني يجب أن يُحفّز الآخرين لاتخاذ قرارات شجاعة جديدة تُلزم النظام بالامتثال لوقف إطلاق النار والسماح بإدخال مساعدات إنسانية غذائية وطبية إلى المدن السورية المحاصرة بواسطة الهلال والصليب الأحمر.

إن المدخل الحقيقي للحل السياسي للأزمة السورية يتمثّل في خروج النظام السوري عن السلطة بأي وسيلة كانت ومحاسبة رموزها وإن العرب معنيون أكثر من غيرهم بإخراج هذا النظام خاصة بعدما رفض تطبيق المبادرة العربية التي كانت تُشكّل خريطة طريق حقيقية للخروج من الأوضاع المؤلمة التي تشهدها سوريا. فالشعب السوري المنكوب يحتاج من المجتمع الدولي قراراً دولياً إنسانياً يعترف أولاً بالمأساة الإنسانية التي يعيشها وثانياً يعمل على إخراجه منها وهذا لن يتمّ إلا بالاعتراف العربي والإسلامي بالمجلس الوطني كممثل شرعي ووحيد له ودعمه بالمال والسلاح لمواجهة النظام.

=================

الفيتو العربي يسقط مصالح روسيا

د.مطلق سعود المطيري

الرياض

3-3-2012

 تضاربت الانباء حول لقاء روسي خليجي هذا الاسبوع (يعقد أو لا يعقد)، وهو لقاء لو تم سيكون لقاء بين طرفي المعادلة الرئيسيين في الوضع في سوريا ، وسيكون اجتماعا يساوي إن لم يتعد بالأهمية اجتماع مجلس الأمن الذي شهد الفيتو المزدوج "الروسي الصيني" .. الجانب الروسي في الأزمة السورية هو الركن المتين الذي يستند عليه النظام البعثي في دمشق ، والدول الخليجية وفي مقدمتها المملكة هي القوة الدولية الوحيدة التي يستند عليها الشعب السوري ، أي أن الاجتماع المرتقب سيكون بين رهانات النظام ورهانات الشعب ، لم تشهد العلاقات الروسية الخليجية اختبارا بهذا الحجم من شد الأعصاب وتضارب المواقف منذ سقوط الاتحاد السوفيتي 1990 مثل هذا الاختبار ، دول الخليج تريد نهاية أزمة الشعب السوري ، وروسيا تريد بداية حوار مصالحة ومصالح تجاوزتها دماء أطفال سوريا و مسحت كل بيانات ودعوات الإصلاح الزائفة.

روسيا وعلى لسان رئيس وزرائها لا تريد أن يتكرر السيناريو الليبي في دمشق ، وهذا تصريح يفهم سياسيا على أنه يجب أن تؤخذ مصالح روسيا بعين الاعتبار وعدم رضاها عن استفراد الناتو بقيادة العالم ، والتأكيد على أن الأمن الدولي لا يمكن تحقيقه إلا بمشاركة روسية ، والمراد بالمشاركة الروسية أو القصد منها هو ألا تفقد الشركات الروسية مواقعها التي تشكلت على مدى عقد في الأسواق الإقليمية وبخسارتها هذه الأسواق تفقد عقودا كبيرة جدا ويحتل مكانها وكلاء اقتصاد تلك الدول التي ساهمت في تغيير النظم في تلك الدول ، وكما هو واضح أن موسكو تريد أن تعالج فشلها أو خسارتها في ليبيا ، وهنا روسيا تتوجه بموقفها إلى واشنطن وحلف الناتو محذرة ومعترضة سمحنا لكم في ليبيا فاتركوا لنا دمشق موقف أعاد إلى الأذهان صراع الحرب الباردة بين واشنطن وموسكو ، حرب أقطاب وكل قطب وله مناطق نفوذه ، هذا المعطى التاريخي الذي تجدد مع موقف موسكو ورؤيتها للأحداث لم يخرج على أنه موقف ذهب باتجاه الماضي ولم يقرأ المستجدات جيدا هذه المستجدات التي جعلت القوى العظمى تبحث لها عن دور في شكل التغيير في المنطقة بعد ان كانت بعيدة عن مضمونه ، كما ان فعل التغيير "الربيع العربي" لم يحدد بنسب ثابتة إلى هذا اليوم المشاركة العربية هي الأعلى أم الأجنبية فإن ارتفعت النسبة الأجنبية في ليبيا فهي لم تكن كذلك باليمن حيث المبادرة الخليجية هي من رتب للتغيير مع الشعب اليمني ومازالت وهذه تغيرات لم تفهمها موسكو إلى الآن.

منذ أن سحبت المملكة مراقبيها من سوريا وتلتها مباشرة شقيقاتها في الخليج ، أخذ مسار الأحداث يتجه نحو الشعب السوري ومطالبه المشروعة في التغيير ، ولم يكن للمملكة اتجاه تذهب نحوه إلا خلاص الشعب السوري ، ولم يثن عزمها الفيتو الروسي أو الصيني المساند له ، فقد تلا هذا الفيتو المخيب للآمال ، دعوة المملكة لتسليح الشعب السوري ليحقق مبتغاه بزوال عصابة القتل عن الحكم في دمشق ، فإن كان صانع القرار في موسكو فرحا بمطالبة تل أبيب لواشنطن للتباطؤ في عملية التغيير بسوريا لحسابات أمن إسرائيل فعليه أن يغير تجاه زيارته من الرياض إلى تل أبيب ، فالرياض لا تسمع إلا صوت الشعب السوري وإن أراد المبعوث الروسي أن يساوم بمصالحه على حساب الدم السوري فلم يجد أمامه إلا فيتو خليجي يفقده جميع مصالحه بالمنطقة.

=================

هل من ربيع إيراني قادم؟!

يوسف الكويليت

الرياض

3-3-2012

 هل ما يجري بسوريا تمرين لما سيجري في إيران، الأولى تحكم بالطائفة العلوية وهمشت كل القوى الوطنية الكبرى، وصارت الثورة حتمية، لأن الأقليات غالباً ما تبني مصالحها على تحالفات الخارج، وهذا ما حدث مع سوريا وإيران، ثم قفزت روسيا والصين لأن تكونا شريكتين استراتيجيتين لهذه الدولة التي لا تراعي الحقوق أو الواجبات..

إيران، وقبل الربيع العربي، مرت باضطرابات بين الحكومة والمعارضة بسبب تزييف الانتخابات لكن القمع وسجن زعمائها أدى إلى هدوء مشوب بالتفاعلات في أي وقت، والانتخابات القادمة قد تمر لأن الاستعدادات الأمنية وحضورها بالشارع ومحاولة سد الفجوات بين المرشد خامنئي، ورئيس الجمهورية نجاد لتعبر هذه الانتخابات، لا يلغي الأمور المستترة والتي تغلي من الداخل..

فدمج القوميات الأذرية والعربية والكردية والبلوشية وغيرها فشل لصالح وضغط القومية الفارسية، والتي لا تخفى أنها الأصل وأن تلك الفروع يجب أن تخضع لدولة فارس، ومع أن الدستور يقر بحقوق تلك القوميات إلا أن الواقع ينفي منحها حقوقها والتكلم بلغاتها والتعليم بها، ومحرومة من شمول التنمية، والأهواز الغنية بالثروات النفطية مثل يعطي نموذج أساليب العزل والفصل العنصري، والقسوة طالت الأجناس من غير الفرس، وهنا أصبح هاجس الدولة أن مباركتها للثورات العربية، ما هي إلا خوف من انتقالها إلى إيران والجاهزة لكل المفاجآت..

فسياسة الإلغاء لمكونات تعد الأكثر من الجنس الفارسي لا بد أن يطرح بعد الثورة، لأن المحرضات جاءت من الدولة وقوميتها، وحتى الانتخابات قد لا يكون لتلك الجماعات دور مؤثر أي أن إشراكها سيأتي صورياً، ومشكلة إيران أنها ترفع الإسلام شعاراً لقوميتها، وإلا فإن الطائفة السنية التي تتجاوز الثلاثين في المائة مضطهدة تمارس شعائرها بحذر، وتجري محاولات كبيرة في تشييعها، إلا أن التمسك بعقيدتها أعجز الحكومات القديمة والحاضرة على اختراقهم..

نأتي إلى الضغط الدولي الذي بدأ يؤثر بشكل كبير على الاقتصاد ومداخيل المواطنين وارتفاع الأسعار وتعطيل الآلة الصناعية بسبب المقاطعة، وهي عوامل تدركها الحكومة، لكنها تكابر، وإذا ما أضفنا للوضع السوري التي تتحمل أعباءه على حساب لقمة المواطن بدفع البلايين والأسلحة والمتطوعين، فإن تلاقي هذه المآزق يجعل الأمن الإيراني، مهما كانت قبضة الجيش والحرس الثوري، على نفس ما جرى لترسانة الشاه التي اختفت بعد عدة أشهر، لأن أي جيش مهما قوي وزادت نفوذه لا يمكنه ردع الشارع إذا ما انفجر، وثورة الخميني ذاتها شاهدة على هذا الواقع، ويمكن تكرارها بلون آخر ومطالب جديدة تجعل الشارع هو القائد الجديد للربيع الإيراني..

=================

تسليح المقاومة السورية هو المخرج الأمثل

أ.د. سامي سعيد حبيب

السبت 03/03/2012

المدينة

الثورة السورية باعتبارها حلقة في سلسلة ثورات الربيع العربي تشترك معه في عدد من العوامل و تتمايز عنه في أخرى ، القاسم المشترك الأكبر في الثورات العربية هو تضييع الأنظمة الحاكمة التي ثارت ضدها الشعوب لمصالح مواطنيها السياسية الداخلية و الخارجية و المعيشية و عجزها عن توفير الحياة الكريمة مادياً و معنوياً و إفلاسها الحضاري في مجابهة التحديات العصرية بسبب الاستبداد السياسي و الإقصاء لكل قوي أمين من أبناء تلك البلدان و بسبب استشراء الفساد الذي نخر هيكل الدول المعنية من قمة الهرم و حتى قاعدته . و عامل مشترك آخر هو أن كل الثورات العربية التي انطلقت العام الماضي 2011م بدأت سلمية و استمرت في سلميتها ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً إلى أن أجبر بعضها النظام الذي أخذ يقتل أبناء شعبه العزل كما في الحالة الليبية إلى حمل السلاح و الدخول في ما يشبه الحرب الأهلية.

مما يؤخذ على الأنظمة الفاسدة التي ثار ضدها شعوبها كان استقواءها بالعالم الخارجي ضد الشعوب بتخويف ذلك العالم الخارجي ببعبع الإسلاميين و تمكنهم من سدة الحكم و ما قد يعنيه ذلك عالمياً ، و بالحرص على مصالح إسرائيل تارة أخرى كما فعل العقيد القذافي.

أحد التناقضات التي كان يعتقد بداية ً أنها كانت تميز الثورة السورية هي الظن الساذج الذي ساد في بداية الثورة السورية لدى البعض بأن رأس النظام السوري الرئيس بشار الأسد الذي كان يعرف عنه أنه «إصلاحي» النزعة رجل معقول نسبياً لدرجة أن أحد رموز الدعوة الإسلامية في العالم العربي قال إن مشكلته ليست في شخصه بل في طائفته التي تقف من ورائه ، و أن بشار الأسد المثقف الواعي و طبيب العيون يختلف عن المجرم الأثيم سفاك الدم الهالك معمر القذافي. لكن سرعان ما ولت تلك الأيام و تبخرت ظنونها و خيالاتها غير الواقعية و أثبت بشار الأسد أنه معمر ثان ٍ و أنه كمعمر الذي استقوى بإسرائيل و المرتزقة يستقوي بالصين و روسيا و إيران ، و أنه كمعمر «سيقاتل» لآخر رمق و أنه سيطارد أبناء شعبه و يقتلهم أطفالاً و نساءً و رجالاً شيباً و شباباً مدينةً مدينة و بيتاً بيتاً و شارعاً شارعاً و زنقة زنقة ، و إن كانت زنقات معمر في سرت و الزنتان و الزاوية و الُكفرة ... الخ فزنقات بشار في حارة بابا عمرو بحمص و في حماة و في درعا و في دمشق و حلب و أدلب ... الخ. .

إحدى نقاط التباين بين مسار الثورة السورية و سابقتها الليبية هو الإجماع الذي تم التوصل إليه بإنشاء منطقة محظورة الطيران في الحالة الليبية مما أعطى الثوار الفرصة المتكافئة نسبياً في قتال كتائب القذافي بينما من الواضح أن تكرار ذاك السيناريو يبدو بعيد المنال لعدد من الأسباب أهمها الفيتو الروسي – الصيني المزدوج ، و منها إعلان حلف الأطلسي عن تردده في توفير مثل ذلك الغطاء الجوي بسبب حساسية المنطقة نظراً للصراع العربي الإسرائيلي مما قد يخرج عن السيطرة إلى حرب عالمية ثالثة يقدح شرارتها التدخل العالمي في حرب سورية داخلية ، و هي مخاوف واقعية يخشاها الجميع.

و بناءً على كل تلك السيناريوهات المعقدة إضافة إلى تعقيدات التركيبة السكانية السورية التي هي في حقيقتها امتداد لذات التعقيدات للتركيبات السكانية الإقليمية لدول الجوار فليس أمام الثورة السورية إلا أن تتحول تدريجياً إلى العسكرة ، أو جزء منها ، كما هو حاصل في ما أصبح يعرف بالجيش السوري الحر المنشق على الجيش السوري ، لكن ذلك الجيش الحر يعوزه السلاح ، و الذي لا مناص من تسليحه و لا مناص من أن يكون ذلك التسليح نوعياً و سريعاً دون تلكؤ و لا التذرع بمخاوف وقوع تلك الأسلحة المتطورة في أيدي الإسلاميين إن أراد العالم أن تتمكن الثورة السورية من مقارعة الحديد و النار بالحديد و النار و أن تتطهر بلاد الشام من نظام الأسد و حزب البعث الدكتاتوري البغيض و من التحالف الإيراني السوري الطائفي في المنطقة. و الله أسأل أن يحفظ الشعب السوري المسلم الشقيق و أن يجنب سوريا الإنزلاق إلى دوامة حرب أهلية لا ينتفع منها سوى إسرائيل و من وراءها من الأعداء. و ليتني أكون مخطئأً فيميل من هم في سدة الحكم في سوريا إلى ما يشبه النموذج اليمني لحقن الدماء ، لكن ذاك يبدو محالاً إذ أن منطلقاتهم هي المصالح الشخصية الضيقة و لن يتركوها إلا مكرهين ، و ( إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده )

=================

الرياض والثورة السورية..رؤية استراتيجية

مهنا الحبيل

السبت 03/03/2012

المدينة

الصعود المتدرج لحسم المملكة موقفها النهائي من الثورة السورية فاجأ المشهد بثلاث رسائل قوية أُتبعت بإعلان مبادئ حازم تُجاه قرار إنقاذ الشعب السوري عبر الخيار الوحيد وهو الإمداد المسلح للثورة السورية في طريق التحرر والخلاص من النظام الإرهابي القائم في دمشق والمدعوم بقوة عسكرية وسياسية واقتصادية ولوجستية أجنبية من إيران ومن أذرعتها في لبنان وفي العراق مع التسليح والخبرة العسكرية الروسية والتغطية الدولية الضخمة من موسكو والصين , ومع الإشادة المستحقة لموقف المملكة المهم جداً لكننا سنعرض للبعد الاستراتيجي المهم والذي يطرحه المحللون السياسيون كنطاق أشمل لفهم مسار القضية الأبرز والأكثر تأثيراً على مستقبل الوطن العربي وخيار الشعب السوري التاريخي .

فخلال الأسبوع الماضي فقط أرسلت المملكة ثلاث رسائل قوية احداها إلى موسكو أعلنتها وكالة الأنباء السعودية وليس تسريباً أو حديثاً لمصدر مسئول في إشارة مهمة تعني بالضرورة أن هذه الرسالة لا تقف عند موسكو بل وعواصم غربية أخرى , حيث نقلت واس رد خادم الحرمين على الرئيس الروسي الذي تضمن إدانة في صيغة عتب , وإعلان واضح أن المملكة لن تدخل في دائرة ابتزاز ولن تغيّر موقفها الداعم للشعب السوري بقول الملك انه لا فائدة من الحوار الآن بعد استخدام موسكو الفيتو الخطير ضد الشعب العربي , ثم اتبع ذلك بموقف الأمير سعود الفيصل الذي اعترض على سقف مؤتمر أصدقاء سوريا في تونس وانخفاض طرحه في ترديد اللغة الإنسانية رغم أنّ الجميع يعلم أن المذابح والتردي الإنساني مصدره واحد وهو بطش النظام وهو ما أشار له الأمير سعود بوضوح انه مالم يواجه هذا العدوان فان المآسي لن تتوقف ورغم عودة الأمير سعود بعد مناشدة من أطراف مهمة إلاّ أنّ انسحابه عكس حجم الجدية الكبيرة التي تعنيها الرياض في عدم التسليم للمشهد الحالي المتخاذل أمام مذابح الشعب السوري خاصة حين اختتم الأمير تصريحاته بقوله – تسليح الجيش الحر فكرة ممتازة .

وجاء قرار مجلس الوزراء الاثنين الماضي ليقدم دعماً قوياً لمواقف الأمير سعود ويثبتها في مدارها النهائي, ولفهم هذا المعطى جيّداً وسبب ترجيح المراقبين له بأنه سيدخل أبعاداً تنفيذية مهمة هو إدراك الجميع بأن هذا التكالب الإقليمي على الشعب السوري يعني مذابح تاريخية أكبر لو نجح في إخماد الثورة ومن ثم الزحف الإيراني الشامل على منطقة الخليج , ويجب الانتباه هنا جيّداً بان رسائل الغرب وكما توقعنا سابقاً كانت تدور على ترك المشهد لإنهاك الشعب السوري خشية من سقوط النظام في هذا الوقت وهو ما حذرت منه تل أبيب .

والمتأمل في رسائل الرياض وخطابات وتصريحات المسئولين الأمريكيين يجد أنّ واشنطن ورغم الموقف الإعلامي المندد بالأسد إلاّ أنّها كانت عملياً قريبة من الموقف الإسرائيلي ولذلك فهم المراقبون بصورة واضحة رسائل الرياض المنددة بالتخاذل الدولي بأنه موجه للغرب قبل الروس العاجزين عن تثبيت النظام مهما فعلوا , وهنا يبرز لنا السؤال الكبير بعد توضيح البعد الاستراتيجي والموقف السياسي ما هي الرؤية السعودية للدعم وإمكانية تنفيذها على الأرض ؟

ولو قلنا باستبعاد أنموذج الحصول على منطقة عازلة بين الحدود التركية والسورية وحمايتها دولياً فان المشهد سيتحول من الداخل السوري عبر ما أثبتته قوة وفدائية عناصر الجيش الحر وقدرات صمودها رغم فارق العدد وضعف التسلح فكيف ذلك ؟

الأمر هنا يعني أنّ هناك قدرة كبيرة جداً بانضمام المتطوعين السوريين للجيش الحر من الداخل ثانياً تزايد الانشقاقات ثالثاً تلقي الدعم بالتسليح العسكري من دول الخليج وحلفائها وإسناد قوة الجيش الحر الذي ستسمح قوته ومركزيته بمنع أي اختراق أو تدفق من عناصر متشددة يشكل دخولها جانبا سلبيا على ثورة الشعب السوري بعد الدروس المروعة التي تقدمها تلك العناصر من مدخل للمحاور الدولية والإقليمية ونشر الفوضى في الأوطان .

هذا التطور المتوقع جداً بعد التسليح ورغم كل صور المذابح سيُعزز إمكانية الوصول للمرحلة الثانية وهي فرض المنطقة العازلة من قبل الجيش الحر والثوار حين وصولهم للحدود , وبالتالي التقدم بالإرادة الشعبية على واقع الجغرافية السورية , المهم زحف قوات الجيش الحر الذي سيبرز بعد التسليح والغطاء المدني الإنساني الضروري أن يحقق بأكبر قدر ممكن لتقليل عدد الضحايا والتخفيف على الشعب وإلا فالإستراتيجية العسكرية ستتقدم رغم الدماء , وخلافاً لما يثيره البعض من مخاوف تفجر طائفي أو فوضى عسكرية فان إعادة قراءة المشهد السوري وأدبيات وقوة انضباط الثورة يؤكد على أنّ تقدم الثوار سيكسبها المزيد من الاستقرار , فإذا أضيف إلى ذلك تصاعد النجاح العسكري ومركزية الانشقاق الواردة جدا بشهادات حتى من الطائفة العلوية فان هذا الدعم الذي تتوجه له الرياض قابل للغاية لتحقيق النصر الموعود وإغاثة الشعب بنظام مستقر تملك أطراف المشهد السوري عناصره المدنية أما الفوضى والمذابح والتصفيات الطائفية فهي ليست مخاوف بل قائمة الآن عبر النظام وحلفائه الإيرانيين في حين تمثل ثورة السوريين خيار الإنقاذ والاستقرار لكل المدنيين .

=================

مجزرة حماة تستنسخ في بابا عمرو

الجزيرة السعودية

التاريخ: 03 مارس 2012

تتكرر مجزرة مدينة حماة التي ارتكبتها قوات حافظ الأسد عام 1982م، لكن هذه المرة بيد الابن بشار الأسد، وبمجزرة أشد، وذلك في مدينة حمص، وبالتحديد في حي بابا عمرو، بعد انسحاب عناصر الجيش السوري الحُرّ الذي ظل يدافع عن الحي قرابة أربعة أسابيع.

قوات بشار الأسد دخلت حي بابا عمرو فَجْر أمس الجمعة، وبدأت فور انتشارها في الحي في تجميع شباب الحي والأهالي المتبقين الذين فضلوا البقاء في منازلهم، وهم لا يتعدون بضعة آلاف، وتم تجميعهم في مقر الجمعية الاستهلاكية، ومن ثَمَّ تم تنفيذ القتل الجماعي بمجموعات من الشباب، وكانت الوجبة الأولى عشرة من الشبان.

وبعد أن أتمت كتائب بشار الأسد السيطرة على بابا عمرو مكملة الاستيلاء على أحياء مدينة حمص كافة أُعطي الأذن لقوافل الهلال والصليب الأحمر الدوليين لإيصال المساعدات الطبية والغذائية إلى حي بابا عمرو، التي ظلت تنتظر إلى ما بعد الظهر بحجة تسهيل دخولها، فيما انشغلت كتائب بشار الأسد، وبخاصة عناصر الفِرْقة الرابعة المدرعة المتخصصة في تنفيذ المجازر بحق الشعب السوري، في تنفيذ مهامها، التي تنحصر في مطاردة الشباب والقبض عليهم وتنفيذ عمليات القتل بعد أن ينكل بهم، وتوجيه السباب والإهانات إليهم.

الصورة مأساوية جداً في أحياء مدينة حمص، وبخاصة في حي بابا عمرو، وهو ما أكدته شهادات متطوعي الهلال والصليب الأحمر الدوليَّيْن، الذين يؤكدون أنهم لم يسبق أن تعاملوا مع مثل ما يحصل في مدينة حمص؛ ما يعيد للذاكرة السورية والعربية ما جرى في مدينة حماة حينما اجتاحها جيش حافظ الأسد عام 1982م.

المجازر التي ارتُكبت في أحياء مدينة حمص وباقي المدن السورية يوم الجمعة، والتي لا تزال تتواصل بوتيرة عالية، تتطلب تحركاً عربياً وإسلامياً ودولياً عاجلاً لإنقاذ ما تبقى من المدنيين الأبرياء في المدن المحتلة من قِبل كتاب بشار الأسد ومساعدة الشرفاء من السوريين الذين انضموا إلى الجيش السوري الحُرّ، سواء من المنشقين من كتائب بشار الأسد ومن القادرين من الرجال الذين بدؤوا في تشكيل قوات شعبية رديفة للجيش السوري الحُرّ، وهو ما يتطلب مدهم بالأسلحة والعتاد؛ لتمكينهم من حماية المدنيين والدفاع عنهم؛ حتى لا تتكرر المجزرة التي تُرتكب في حمص؛ إذ استطاع الجيش السوري الحُرّ أن يصمد قرابة أربعة أسابيع، وانسحب بعدها لنفاد الذخيرة، وهو ما يفرض مد هؤلاء الرجال الشرفاء الذين رفضوا الظلم بالأسلحة؛ لتمكينهم من حماية أهلهم من الشعب السوري.

=================

سوريا: ماذا لو انتصر النظام؟

تاريخ النشر: السبت 03 مارس 2012

د. سعد بن طفلة العجمي

الاتحاد

مع أن كل المؤشرات تفيد بأن نظام الأسد بسوريا ساقط لا محالة، إلا أن هذه قراءة "خيالية" في شكل الساحة السورية لو لم يسقط النظام في هذه الثورة العارمة واستطاع "إخمادها" ولو إلى حين.

مؤكد أن سقوط النظام مسألة حتمية طال الزمن أم قصر، فالنظام يزداد عزلة دولية يوماً بعد يوم، والثورة تتصاعد وتتكاثر تفجراً كل ساعة، والنظام لا يمتلك سوى ورقة واحدة مارسها منذ اندلاع الثورة قبل عام: قتل وقمع وتدمير، مع العمل على حرف مسار الأمور نحو طائفية يعمل على تأطيرها في كل مدن سوريا وقراها وبلداتها وضيعها، لتكون "اللبننة" هي السيناريو الأخير في محاولات البقاء اليائسة كي يبقى النظام ضمن فوضى متناثرة تسقط سوريا ولكنها تبقي على بقايا النظام.

لنفترض أن النظام قد استطاع إخماد الثورة، وسحق الجيش السوري الحر، وأوقف التظاهرات -أو قل الكبرى منها في المدن الكبرى، وبقيت معارضة "طفيفة" هنا أو هناك، فكيف ستكون سوريا بعد ذلك؟

الحقيقة أن النظام لو نجح في إخماد الثورة، فإنه لن ينجح أبداً في إخماد النار تحت الرماد، فأرقام المذبحة هائلة بحيث هزت الضمير العالمي -أو معظمه، وارتدادات الثورة طالت كافة الفئات الاجتماعية السورية، ومن ثم فإن مجرد التفكير بنهاية الثورة إلى الأبد، هو تفكير مخالف للمنطق، فما هي إلا مسألة وقت حتى تندلع ثانية، لنتذكر أن أحداث حماة تجددت وإن بعد ثلاثين عاماً، ولكن هذه الثورة لن تنتظر حتماً ثلاثين عاماً أخرى كي تشتعل من جديد. وهي مسألة يدركها النظام، فكيف سيكون تفكيره لو نجح في إخمادها المؤقت؟

سيقوم النظام بتحسينات تجميلية يحاول بها إعادة ترتيب صفوفه، ولملمة هزيمة مؤسساته الأمنية، واستعادة بقايا الهيبة التي سحقتها أقدام الثوار، واسترجاع صورة القوة الوهمية التي أسقطتها الثورة الشعبية، وسيحاول تقديم ما يبرر لحلفائه الثلاثة -إيران والصين وروسيا- استمرار دعمهم له وخصوصاً في المحافل الدولية: مظاهر تمثيلية لديمقراطية كاذبة، وإطلاق حريات النقد التي ستطال كافة المسؤولين وقد يكون بينهم الرئيس نفسه، والدعوة لانتخابات مثل سابقاتها وسط حضور منظمات محلية ودولية موالية لمراقبتها، وإطلاق "مبادرات" قطرية تدعي محاولة رص الصف الداخلي، وإعلان عفو شامل مثل سابقاته، أي عفو "الأبواب الدوارة": يخرجونهم لجلسة تصوير ثم يعيدونهم إلى أقبية السجون!

كما سيعلن النظام عن "منح" مالية وتوزيعات غذائية وتسهيلات اقتصادية وقوانين اقتصادية شبيهة بالقانون رقم 10 لعام 1991 المشجع للاستثمار الأجنبي الذي تلاشى في جيوب الاحتكاريين ورجال السلطة وأقرباء الرئيس مثل رامي مخلوف، وذلك في محاولة يائسة لإعادة استمالة رجال الأعمال وبالذات في دمشق وحلب. وقد يعلن النظام التخلص من "أكباش فداء" باسم محاربة الفساد والمفسدين لعله يحد من سخط الشعب على الاحتكار الذي امتص خيراته.

ولكن هذه الإجراءات المعلنة، ستترافق مع عمليات بطش منظمة، واعتقالات وتصفيات جسدية ستطال الجميع، ولن تستثني حتى طائفة الرئيس "العلوية" التي أظهر كثيرون بينها مساندتهم للثورة أو التعاطف معها، وسيعمل على بناء الأجهزة الأمنية بطريقة أكثر طائفية وانتقائية، مسخراً كافة الإمكانيات لإعادة بنائها ومنحها التسهيلات المطلوبة لضمان ولائها، ولكن هل سيكفي هذا؟

الجرح الطائفي يتعمق في سوريا يوماً بعد يوم بسبب بطش النظام، والهوة بين معارضي النظام -وهم الغالبية الساحقة- وبين مؤيديه ستزداد علناً، وستكون الفوارق الطائفية حدوداً معلنة وواضحة لها.

على رغم انعدام أسباب التفاؤل على المدى المنظور بعد سقوط النظام، إلا أن سقوطه أصبح ضرورة لا مفر منها، فانتصار الأسد على الثورة، يعني هزيمة سوريا، وهذا ما لا يتمناه محب لهذا البلد المنكوب.

=================

سوريا: الولد سرُّ أبيه!

توماس فريدمان()

المستقبل

3-3-2012

تبدو مشاهد الجيش السوري وهو يدك مدينة حمص لقمع الانتفاضة القائمة ضد نظام الرئيس السوري بشار الأسد كإعادة لسيناريو فيلم سيئ جداً قام ببطولته والد بشار (الرئيس الراحل) حافظ في مثل هذا اليوم تحديداً قبل ثلاثين عاماً. أعلم ذلك، لأني شاهدت النسخة الأصلية.

كان ذلك في نيسان 1982 وكنت قد وصلت لتوي إلى بيروت كمراسل لصحيفة نيويورك تايمز. وسمعت مباشرة قصصاً مرعبة عن الانتفاضة التي وقعت في شباط من ذلك العام في مدينة حماه السورية بقيادة الأخوان المسلمين. وانتشرت الأخبار في حينها (حيث لم تكن هناك وسائل اتصال كالانترنت والهواتف الخليوية) عن أن الرئيس حافظ الأسد سحق الانتفاضة من خلال قصف وحشي لجميع ضواحي حماه، ثم تلغيم المباني وتفجيرها وسكانها لا يزالون فيها. وفي أيار حصلت على تأشيرة لزيارة سوريا في الوقت نفسه الذي أعيد فيه فتح أبواب مدينة حماه. وكان النظام السوري "يشجّع" السوريين على التوجه إلى المدينة المدمرة وأخذ العبر من المشاهد، فاستأجرت سيارة تاكسي وتوجهت إلى هناك.

لقد كان المشهد صاعقاً. مساحات شاسعة من الأبنية قد دمرت بالكامل ثم، وبطريقة محترفة، مهّدت لتحويلها إلى مواقف سيارات بحجم ملاعب كرة قدم. إذا ركلت الأرض، قد تكتشف بعض قطع الملابس أو كتباً ممزقة أو أحذية مدفونة. وقدرت منظمة العفو الدولية عدد الأشخاص الذين قتلوا في هذه المجزرة بحوالي عشرين الفاً. لم أشاهد يوماً وحشية بهذا القدر ووضعت لاحقاً كتاباً حول هذه الواقعة أطلقت عليه عنوان "قوانين حماه".

قوانين حماه ليست قوانين على الإطلاق. تقوم بكل ما عليك القيام به من أجل البقاء في السلطة ولا تهزم أعداءك فقط. تقصفهم في بيوتهم ثم تحدلهم لكي لا ينسى أولادهم وأبناء أولادهم ابداً المشهد، ولكي لا يجرؤوا يوماً بعدها على تحديك مجدداً.

لكن وبعد ثلاثين عاماً، يبدو أن أبناء هؤلاء الأولاد السوريين قد نسوا. لقد تخلّوا عن مخاوفهم. هذه المرة لم يعد الأخوان المسلمون وحدهم من يتمرّدون في مدينة واحدة. الأمر طاول جميع شبان سوريا في جميع المدن. ويقول نافتيج ديلون (مدير مبادرة شباب الشرق الأوسط والزميل في مركز ولفنسون للتنمية في معهد بروكينغز) وطارق يوسف (زميل غير مقيم في مركز ولفنسون للتنمية بمعهد بروكينغز متخصص في التنمية الاقتصادية وتاريخ الاقتصاد مع تركيز خاص على الشرق الأوسط) واضعا كتاب "جيل في الانتظار: الوعد غير المحقق للشبان في الشرق الأوسط" أن حوالي 100 مليون شخص تتراوح إعمارهم بين 15 و29 عاماً يعيشون في الشرق الأوسط، بعد أن كانوا حوالي 67 مليون شخص في العام 1990، وأن معظم ما وعدتهم به حكوماتهم من وظائف، فرص زواج، شقق سكنية، ومشاركتهم في حق تقرير مستقبلهم، لم يتحقق. وهذا ما تسبب بهذه الانتفاضات البركانية.

إن معظم العلويين يتظاهرون دعماً للأسد، كما هي حال بعض السنة الذين استفادوا من النظام وخاصة في حلب ودمشق. ويتطلع هؤلاء العلويين والسنة إلى الفوضى وأعمال الشغب التي نشبت عقب مباراة لكرة القدم في مصر ويتساءلون "الأسد أم الفوضى؟ سوف نرضى بالأسد". ما العمل؟ سيكون مثالياً مشاهدة انتقال سلمي من حكم الأسد الأحادي إلى نظام سياسي تعددي توافقي. لا نريد حرباً أهلية في سوريا التي قد تؤدي إلى زعزعة المنطقة بأكملها. تذكروا: مصر تنفجر داخلياً، ليبيا تنفجر داخلياً، تونس تنفجر داخلياً... سوريا تتفجّر وتفجّر.

لا أعلم ما هو كاف لإقناع الأسد بالتنحي عن السلطة لصالح حكومة وحدة وطنية، لكني أعلم ما هو ضروري: عليه أن يخسر اثنين من أهم الدعائم التي تساعده على الاحتفاظ بسلطته. الأول هو الصين، إيران وروسيا. وهنا على الأمم المتحدة، الاتحاد الأوروبي والدول العربية والإسلامية أن تستمر في دعوة موسكو، بيجينغ وطهران لوقف دعمها الأسد في عمليات القتل الجماعية التي يرتكبها ضد المدنيين العزّل. لا تبالي الصين، إيران وروسيا بالإدانات الأميركية، لكنها قد تهتم لنداءات بقية العالم.

والداعم الثاني لا يمكن إزالته إلا من قبل السوريين أنفسهم. على المعارضة السورية المتفككة لغاية اليوم أن تتوحد وتحاول التواصل مع العلويين كما مع المسيحيين السوريين والتجار السنة وإعطائهم ضمانات بأنهم سيكونون في مأمن في سوريا الجديدة لكي يتخلوا عن دعمهم للأسد. من دون ذلك، لا شيء سيجدي. وكلما أظهرت المعارضة السورية لنفسها كما للسوريين والعالم بأنها تسعى إلى إنشاء تعددية في سوريا حيث يعامل الجميع كمواطنين متساوين- كلما زاد ضعف الأسد وحظيت سوريا ما بعد الأسد بفرصة الاستقرار والكرامة. وكلما بقيت المعارضة السورية متفككة كلما زاد الأسد قوة وكلما زاد التصاق السوريين به خوفاً من الفوضى ما يعطيه المزيد من القوة لفرض قوانين حماه.

ترجمة: صلاح تقي الدين

() عن النيويورك تايمز

=================

سوريا: دعوات لتسليح المعارضة

كارين دييونج

الاتحاد

3-3-2012

قد تؤدي بعض التوجهات العربية الداعية لتسليح المعارضة السورية إلى تخطي المقاربة الحذرة التي تدعمها الولايات المتحدة ودول أخرى المتخوفة من أن إدخال السلاح إلى سوريا لمساعدة المقاتلين المناهضين لحكم الأسد قد يعجل بإشعال فتيل حرب أهلية تقود إلى انفجار كبير في المنطقة. فقد تردد أن السعودية وقطر أعلنتا خلال الأسبوع الجاري استعدادهما لمساعدة ثوار المعارضة السورية لكي يتمكنوا من تحمل أعباء حماية المدنيين من المجازر التي يتعرضون لها على يد قوات الأسد، فيما مرر البرلمان الكويتي قراراً غير ملزم يوم الخميس الماضي يدعو الحكومة إلى إمداد الثوار بالسلاح وقطع العلاقات مع نظام دمشق.

وفي الإطار نفسه أعلن المجلس الوطني السوري تشكيل مجلس عسكري بغية توحيد صفوف الثوار تحت قيادة سياسية موحدة باستراتيجية مباشرة، وهو ما أكده رئيس المجلس، برهان غليون، قائلاً: "لقد بدأت الثورة سلميّة وحافظت على طبيعتها السلمية لشهور طويلة، ولكن الوضع اليوم مختلف".

ومن جانبها استمرت إدارة أوباما في الإصرار على ضرورة تبني نهج الضغوط الاقتصادية والدبلوماسية باعتباره الطريق الأمثل لدفع بشار الأسد إلى التنحي وتمكين الشعب السوري من نيل حقوقه المشروعة، وقد عبر عن هذا الموقف، مساعد وزيرة الخارجية، جيفري فيلتمان، في جلسة استماع أمام مجلس الشيوخ الأميركي يوم الخميس الماضي حيث قال إنه: "ليس واضحاً لنا ما إذا كان تسليح المعارضة سيوقف إراقة الدماء، أو سيقود إلى سقوط نظام الأسد".

لكن دبلوماسيّاً عربيّاً بارزاً قال إن "الناس يشعرون بالإحباط وهم يصلون إلى خلاصة مؤداها أن الجهود الدبلوماسية ليست كافية وحدها في ضوء الانتهاكات التي يرتكبها النظام السوري". وأضاف الدبلوماسي، الذي رفض الكشف عن هويته، أن السعوديين والقطريين مستعدون للتحرك "ما أن تتاح الفرصة العملية" خلال الأيام أو الأسابيع القليلة المقبلة، فالتأخير، كما يقول الدبلوماسي، مرده إلى عوامل لوجستية وليست سياسية.

وإضافة إلى التعاطف مع الشعب السوري الذي يعاني من ويلات التنكيل تحت حكم الأسد ترى عواصم عربية أن سقوط النظام في دمشق يمثل ضربة قوية لإيران الداعم الوحيد للنظام في المنطقة. فيما الدول العربية التي لعبت دوراً كبيراً في دعم ثوار ليبيا وحماية المدنيين هناك تريد الاستمرار في تكريس فاعلية نظامها الإقليمي والبروز كلاعب أساسي في الشرق الأوسط.

وعلى رغم التحفظ الأميركي الظاهر إزاء تسليح المعارضة السورية في هذه المرحلة يعتقد الدبلوماسيون في المنطقة أن إدارة أوباما لن تعارض ميل بعض الدول العربية لتسليح الثوار منفردة، وهو ما أكده الدبلوماسي العربي الذي رفض الإفصاح عن هويته بالقول إن "إدارة أوباما لن تقف وتصرخ ضد تحركات بعض الدول في المنطقة"، مضيفاً أن وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون التي قادت جهود حشد جبهة دولية ضد نظام الأسد "لن تقف ضد جهود العرب لتسليح الثوار في سوريا".

وقد اعترف فيلتمان بأنه "كلما طالت الأزمة زادت الانقسامات الطائفية وتعمقت وتنامى خطر اندلاع صراع طائفي طويل الأمد ليتصاعد معه خطر الإرهاب والتطرف". وتابع مساعد وزيرة الخارجية الأميركية أن الجيش السوري النظامي مجهز جيداً ولديه دبابات ومدفعية يستخدمها ضد الثوار "ولا أعتقد أن الدول التي تتحدث عن تقديم مساعدات للمعارضة تعني إرسال الدبابات إلى الثوار".

وهذا التباين في القوة بين جيش الأسد والثوار أكده أيضاً "دانيال بيمان"، أستاذ الدراسات الأمنية بجامعة جورج تاون الأميركية، قائلاً: "إنه من الصعب المساواة بين المعارضة والنظام في أرض المعركة"، فالدعم الذي سيُقدم للثوار لن يزيد عن "أسلحة خفيفة وأخرى أوتوماتيكية، وبعض القنابل، وهي أمور لن تصمد أمام الدبابات"، وتدرس الإدارة الأميركية تزويد المعارضة بأنواع من المعدات غير القتالية وبعض التدريب يشمل أجهزة اتصال شبيهة بتلك التي قدمتها للثوار في ليبيا.

ومع أن جزءاً بسيطاً فقط من الجيش السوري الذي يصل قوامه إلى مئات الآلاف من الجنود يعتبر وفيّاً لنظام الأسد، إلا أن الوحدات الأساسية في الجيش بما فيها تلك المنخرطة في الحملة القمعية على مدينة حمص، يقودها أقارب الأسد، أو ضباط اختيروا لولائهم المطلق للنظام، ويحصل أغلب الجيش السوري على السلاح من روسيا وإيران مع تأكيد مسؤولين أميركيين على استمرار تدفق شحنات السلاح على البلاد.

وأكثر من ذلك يبقى العرب أنفسهم منقسمين حول مسألة تزويد المعارضة بالسلاح، فقد أشار الأمين العام للجامعة العربية، نبيل العربي، إلى أن المنظمة "لا علاقة لها بالتسليح"، وأنه يعارض على الأرجح "استخدام القوة" في سوريا.

وبالإضافة إلى فرض العقوبات الاقتصادية على أركان النظام، والحديث عن إدخال مساعدات إنسانية، تسعى الولايات المتحدة ودول أخرى إلى تكثيف الضغط على النظام وعزله من خلال دعم تجمع المعارضة الرئيس ممثل في المجلس الوطني السوري وتوجيه دعوات إلى مساندي الأسد والأقليات بالانشقاق والانضمام إلى الثورة قبل سقوط النظام.

=================

في جمعة "تسليح الجيش الحر"

علي حماده

2012-03-03

النهار

بعد مقاومة بطولية دامت شهورا طويلة، كانت آخرها وأصعبها الايام ال28 الاخيرة حيث اندفعت الآلة العسكرية الضخمة للنظام في سوريا لتسحق وتحرق كل ما كان في باباعمرو، سقط الحي ولم تسقط معه الثورة، ولا "الجيش السوري الحر" الذي استبسل حتى اللحظة الاخيرة وانسحب بمعظم رجاله بعدما امن خروج غالبية السكان، والناشطين والصحافيين الاجانب الى اماكن اكثر امانا.

واللافت ان "الجيش الحر" تمكن حتى في الساعات الاخيرة قبل سقوط بابا عمرو من تأمين انتقال الصحافيين الاجانب المصابين عابرا بهم خطوط جيش النظام الى لبنان. ويدل هذا على قدرة الجيش الحر على التحرك، وعلى مدى ارتقائه المعنوي والاخلاقي حيث اثبت ان المنطقة لم تسقط بيد بشار اسد بل ان انسحاب المقاتلين مكّن قواته من الدخول اليها. ومن المفيد ان نتابع في الايام المقبلة الشهادات التي سيدلي بها الصحافيون الذين وصلوا الى بلادهم حول حقيقة الجرائم التي ارتكبها جيش النظام في سوريا في حمص ولا سيما في حي باباعمرو.هؤلاء سيكونون سفراء الثورة السورية، وسفراء الجيش السوري الحر وكتيبة الفاروق التي تشبه الى حد بعيد العديد من كتائب "الجيش الحر" المنتشرة في طول البلاد وعرضها. خرج "الجيش السوري الحر" من معركة باباعمرو كبيرا، لا بل كبيرا جدا حيث اثبت انه تحول خلال بضعة شهور قوة يعتد بها على ارض سوريا الثائرة.

و اذا كان من اهمية استثنائية لمعركة باباعمرو، فإنها تتمثل في ترسيخها فكرة تسليح المعارضة بعدما ثبت ان التعامل مع النظام لا يمكن ان يستمر سلميا في ظل تفاقم القتل المنظم والجرائم الجماعية التي يرتكبها النظام في حق الشعب السوري. ومن هنا فقد رافقت معركة باباعمرو حركة ناشطة عربيا عكست اقتناعا بأن زمن الحوار مع النظام انتهى. وتجلى ذلك في التصريحات القوية التي ادلى كل من وزير الخارجية السعودي الامير سعود الفيصل ورئيس الوزراء القطري الشيخ حمد بن جاسم في "مؤتمر اصدقاء سوريا" في تونس. وما مبادرة "المجلس الوطني السوري" قبل ايام الى تشكيل مكتب عسكري لتنسيق المقاومة المسلحة في وجه النظام سوى تأكيد على ان المرحلة المقبلة ستكون مرحلة عسكرة الثورة، بدءا بتسليح القوة الاساسية على الارض اي "الجيش السوري الحر".

لقد اثبتت الوقائع على الارض انه في غياب تدخل عسكري خارجي في سوريا لن يكون في الامكان اسقاط النظام بالحراك السلمي وحده ولا سيما عندما يواجه نظام ثورة سلمية بالمدفعية والدبابات. والسؤال هنا كيف سيتم تسليح "الجيش الحر"؟ ووفق اي معايير؟ وضمن اي افق زمني؟

ايا يكن من امر فإن تسليح "الجيش الحر" صار حتميا، واندفاعه في اتجاه تحويل الثورة السلمية حرب تحرير صار مسألة وقت فقط. ومن هنا يصح ان يطلق منذ الآن على الثورة السورية وصف حرب التحرير الوطني. فلا سوريا حرة ما لم يسقط النظام طوعا او كرها!

=================

بابا عمرو ليس حماة 82 والسوريون لن يركعوا

ياسر الزعاترة

الدستور

3-3-2012

قلنا مرارا وتكرارا إن الحملة العسكرية على مدينة حمص كانت ولا تزال تستبطن ذكريات حماة في وعي النظام وجهازه الأمني والعسكري، وخلاصة الموقف أن يجري تركيع المدينة التي باتت أيقونة الثورة، الأمر الذي سيبث الرعب في أوصال المدن الأخرى وينهي الثورة.

من أجل ذلك كان الهجوم الشرس بالمدافع والدبابات، وكان القتل والتدمير، وكانت العقوبات الجماعية، لكن مزيدا من التدقيق سيؤكد للمراقب أن مشهد حماة 82 يختلف تماما عن زمن حمص 2012، ليس لجهة الاختلاف الواضح بين التمرد المسلح الأول (المحدود من الناحية العملية)، وبين الانتفاضة الشعبية الثانية بشمولها للنسبة الأكبر من الشعب السوري، بل أيضا بين الزمن الأول والزمن الثاني، أكان لجهة المواقف السياسية العربية والإقليمية والدولية، أم لجهة معطيات الثورة الإعلامية، حتى لو وقع تشابه بين الموقف الروسي الصيني اليوم وبين الموقف إبان الحرب الباردة (أيام مجزرة حماة 82).

نتذكر هنا كيف عوَّل النظام قبل شهور على أن إسكات حماة سيؤدي إلى وأد الثورة، فكان أن تحركت حمص، إلى جانب عدد من المدن الأخرى، فيما انخرطت دمشق وحلب في الانتفاضة على نحو أكثر قوة ووضوحا.

والحال أن ما جرى في حمص يعكس بدوره مخاطر عسكرة الانتفاضة كما ذهبنا خلال الشهور الماضية، وهي العسكرة التي أرادها النظام. لا نعني بعض أنشطة الدفاع عن النفس التي تجري هنا وهناك، بل نعني تحويل الانتفاضة بمجملها إلى نشاط عسكري يحشر الغالبية بين دور المتفرج، وبين من يمنح الحاضنة لمن يحملون السلاح.

الانتفاضة المسلحة لا تنجح دون مدد خارجي قوي، الأمر الذي لم يتوفر إلى الآن، فيما نعلم أن المؤسسة العسكرية والأمنية للنظام لا زالت متماسكة بهذا القدر أو ذاك تبعا لبنيتها الطائفية، وهذا ما يزيد الوضع صعوبة وتعقيدا، فضلا عن المدد الخارجي الذي يتمتع به النظام من إيران والعراق، وربما لبنان أيضا.

في المقابل تبدو الانتفاضة السلمية هي الأكثر قوة، وإن لم تكن سهلة في الحالة السورية تبعا لوجود نسبة من السكان تنحاز للنظام وترى مصلحتها في وجوده، لكن حراك الغالبية اليومي في سائر المدن يبقى الخيار الأفضل حتى لو تحركت بعض المناطق في إطار عسكري بهذا القدر أو ذاك تحت وطأة الاضطرار.

ما جرى في حمص، وبابا عمرو تحديدا يؤكد مخاطر العسكرة، ليس فقط لجهة المواجهة الصعبة بين الأسلحة الخفيفة والأسلحة الثقيلة، فضلا عما يترتب على ذلك من قتل ودمار، بل أيضا بسبب ما يترتب على المعركة من توجيه الأنظار إلى نقطة معينة حتى من قبل السوريين أنفسهم، مقابل تراجع الاهتمام بالفعاليات الشعبية الكبيرة التي تهتف ضد النظام وتستقطب المزيد من الناس يوميا.

إن شعور النظام بنشوة الانتصار على حي بابا عمرو ومجمل التمرد المسلح في حمص إنما يعكس وضعه البائس أكثر من أي شيء آخر، إذ أي نظام هذا الذي يلخص انتفاضة شعبية شاملة في تمرد مسلح محدود في مدينة من المدن، ليست هي الأولى ولا الثانية من حيث الأهمية في البلاد؟!

كل ذلك يعكس ارتباك النظام، لاسيما أن أحدا لم يكن يعتقد أن الحي سيصمد حتى النهاية (ينطبق الأمر على المدينة)؛ لا المعارضة ولا السوريين ولا حتى الناس في الخارج، لكن ما يجري كان يفضح حقيقة النظام الدموية، كما يكشف حقيقة المعركة الاضطرارية التي كانت تتم بين جنود منشقين فضلوا الموت على توجيه الرصاص لأبناء شعبهم وبين جيش النظام، أو لنقل وحدات مختارة منه يقودها ماهر الأسد ويخطط عملها الخبراء الإيرانيون.

لولا الأحوال الجوية السائدة لكانت جمعة الأمس أكثر قوة في ردها العملي على دخول كتائب ماهر الأسد لحي بابا عمرو، وبالطبع في سياق التأكيد على أن سقوط الحي عسكريا لا يعني سقوط الثورة، بل يعني أن دماء حمص ستمنحها المزيد من القوة والمدد وصولا إلى الانتصار القادم لا محالة.

اليوم تذهب الأوضاع نحو الحرب الأهلية، وإذا ما تدفقت الأسلحة للمعارضة، فقد نكون إزاء صومال أو أفغانستان أخرى، الأمر الذي ستترتب عليها تضحيات وخسائر كبيرة، لكن مسؤولية هذا الوضع إنما يتحملها النظام وحده، مع ضرورة التأكيد على استمرار الفعاليات السلمية التي تؤكد على أن ما يجري هو ثورة شعبية دفعها النظام بعناده وجبروته نحو مسار لم تكن تريده. ولا قيمة هنا لأية مواعظ توجه للشعب أو تهجو الثوار، وعلى المخلصين أن يطالبوا بشار وعائلته بالرحيل الفوري حفاظا على سوريا وشعبها ومقدراتها ودورها في ميدان الصراع مع أعداء الأمة، اللهم إذا اعتقدوا أن الشعب السوري عميل للخارج، وأن النظام وحده هو المقاوم والممانع (ساء ما يحكمون).

=====================

أي ثمن لعسكرة الثورة السورية؟

شحاتة عوض

2012-03-02

القدس العربي

مع إقتراب الذكرى الاولى لانطلاق الثورة السورية يبدو الفارق شاسعا بين الشعارات التي رافقت الأيام الأولى لاندلاع شرارتها والتي أكدت على التمسك بسلمية الحراك الشعبي ورفض أي نزوع نحو العنف أو التسليح، وبين الموقف الراهن الذي يجد فيه الثوار أنفسهم أمام خيار العسكرة والتسلح كمسار إجباري أخير لا مفر منه أمام ألة القتل الغاشمة التي يشنها النظام بلا هوادة لدرجة تحول معها القتلى من أبناء الشعب السوري الى مجرد أرقام لا تتوقف عن التصاعد مع صبيحة كل نهار.لم تعد مسألة التسلح مجرد رغبة في منازلة النظام والعمل على إسقاطه بالقوة بل صار الأمر ضرورة للبقاء على قيد الحياة ومواجهة خطر الإبادة الذي يتعرض له كل سوري يفكر في التمرد على نظام الاستبداد. وفي مواجهة ذلك لم يعد بمقدور مكونات الثورة السياسية والميدانية في الداخل والخارج ،الإستمرار في التمسك بما رفعته من شعارات عن سلمية الثورة ورفضها لاي تسليح او تدخل خارجي لاسيما مع حالة الإنسداد الكامل الذي وصلت اليه كل الجهود والتحركات لايجاد حل سلمي للازمة يحقن دماء السوريين ويجنب هذا البلد العزيز مخاطر الإنزلاق نحو عنف ربما لا يمكن السيطرة على حدوده أو أفاقه .

لقد ظلت كل قوى الثورة السياسية والميدانية وعلى مدى شهور قابضة على خياراتها السلمية وحريصة على لاءاتها الثلاثة التي رفعتها منذ اليوم الاول 'لا طائفة لا تسلح لا تدخل خارجي' رغم فداحة التضحيات التي قدمها السوريون دماء زكية سالت على إمتداد ربوع الوطن السوري .وحتى مع ظهور بعض مظاهر التسلح المحدودة التي كانت نتاجا طبيعا لإستمرار اعمال القتل والتنكيل ومحاولة للدفاع عن النفس والوجود في مواجهة عصابات النظام، فإن الجسد الأكبر للثورة ظل مدافعا عن سليمة الشارع ورفض أي حديث عن التسليح أو التدخل الخارجي. بيد أنه ومع إنحياز النظام بالكامل وبشكل سافر لخياره الأمني الذي يقوم على فكرة سحق الإنتفاضة حتى لو إقتضى الأمر إفناء الشعب السوري كله، ومع تنامي حركة الإنشقاقات في صفوف الجيش وإنضمام الالاف من الضباط والجنود إلى الثورة، وصرخات المحتجين التي تناشد العالم إنقاذهم من جلاديهم، وجدت العناوين السياسية للثورة نفسها وتحت ضغط الشارع الثائر وأمام التزامها الأخلاقي ،مضطرة ة لطلب المساعدة وتدخل المجتمع الدولي لوضع حد لهذه المأساة الإنسانية .

لكن بعد مضي كل هذه الشهور ومع سقوط كل هؤلاء الشهداء على محراب الحرية والكرامة ومع وصول كل الجهود العربية والدولية لإجبار النظام على التوقف عن قتل شعبه، إلى طريق مسدود ومع تبدد أي أمل في تدخل دولي يضع حدا لحفلات القتل الجماعي، باتت هناك قناعة لدى كثير من الأطراف الإقليمية والدولية ومعها القطاع الأكبر من المعارضة السورية بأنه لا مهرب من تسليح المعارضة كطريق وحيد للدفاع عن النفس والبقاء على قيد الحياة ومحاولة وقف نهر الدم السوري عن الفيضان. غير أن أطراف المعارضة السورية وهي تسير في هذا الطريق تدرك جيدا أن معادلة التسلح من أجل البقاء في مواجهة خطر الإبادة، على بساطتها من الناحية النظرية تبدو بالغة التعقيد على أرض الواقع ومحفوفة بالكثير من المخاطر والمخاوف من خروج الأوضاع عن السيطرة بالكامل. فالمعارضة وهي تسير مضطرة نحو العسكرة تعلم يقينا أن هذا الخيار دونه الكثير من المخاطر الهائلة وأن النظام ربما يجد في ذلك طوق نجاة لإطالة عمره القصير، وتبرير مواصلة الولوغ في دم السوريين، كما أنه وهو كحيوان جريح وفي مواجهة التصعيد العسكري ضده ربما يلجأ الى سياسة الأرض المحروقة التي قد تقضي على الأخضر واليابس في سورية .وهذا يضع المعارضة بجناحيها السياسي والعسكري أمام تحديات جسام من خلال العمل على تجنب أو على الأقل تخفيض هذا الثمن الباهظ الذي يمكن أن يدفعه الشعب السوري كله نتيجة هذه الخطوة. ومن هنا يبدو أن السؤال عما إذا كانت الثورة السورية تتجه للعسكرة قد تجاوزته التطورات ويصبح السؤال هو أي ثمن يمكن أن يكون لهذه العسكرة؟.

في هذا السياق يمكن أن نقرأ إعلان الدكتور برهان غليون رئيس المجلس الوطني السوري عن تشكيل مكتب إستشاري عسكري يتولى عملية تنظيم وتنسيق تزويد المعارضة بالسلاح 'والحليلولة دون حدوث عمليات تسليم مباشر للأسلحة بطريقة فوضوية'. هذا الأعلان يعكس أحساسا عميقا من جانب المعارضة لخطورة ما هي مقدمة عليه، فإذا كان التسليح شرا لا بد منه فلا أقل من أن تتوفر ضمانات لأن يكون هذا السلاح بيد جهة واحدة هي الجيش الوطني الحر الذي يتشكل بالأساس من عسكريين محترفين إنشقوا عن الجيش النظامي وهولاء لديهم درجة عالية من الإنضباط والقواعد العسكرية التي تحكم سلوكهم وليسوا مجرد متطوعين مدنيين لا خبرة عسكرية لديهم وحتى لا ينتهي الأمر إلى أن تتحول المعارضة مع تدفق السلاح بدون تنظيم إلى ميلشيات مسلحة يصعب السيطرة عليها وعلى تصرفاتها وفي هذه الحالة سنكون أمام سيناريو كابوسي يسعى كل العقلاء والمخصين لثورتهم إلى تفاديه بشتى السبل وهو إنزلاق البلاد نحو إقتتال أهلي لا يبقى ولا يذر ويقضى على كل أحلام السوريين بغد أفضل.فالجميع يدرك هول أن يلتقي السلاح مع مشاعر الكراهية والثأر لدى أشخاص لا يمكن السيطرة عليهم في مجتمع بالغ التعقيد مثل المجتمع السوري.

غليون سعى أيضا للتأكيد على الطابع الدفاعي للأسلحة وأنها 'للدفاع عن المدنيين وليس لشن حرب' محاولا بذلك تبديد المخاوف من إندلاع حرب أهلية في سورية. لكن ليس معلوما على وجه اليقين إلى أي حد تبدو هذه التطمينات، مقنعة لأطراف كثيرة عربية ودولية لا تزال تنظر بقدر كبير من التوجس والقلق من بدء تدفق السلاح إلى داخل سورية. فالجامعة العربية نأت بنفسها عن مسألة تسليح المعارضة السورية ونفت على لسان أمينها العام نبيل العربي وجود أي قرار عربي بهذا الشان معتبرا أن محاولة لإزكاء العنف لن يخدم سورية. وحتى الولايات المتحدة وفرنسا اللتان تدعمان بشدة مطالب المعارضة بتغيير النظام لا تخفيان قلقهما من وصول السلاح إلى جهات متطرفة مثل تنظيم القاعدة وغيرها حيث عكست تصريحات المسؤولين في البلدين ترددا واضحا في هذا الصدد .

ولا تقتصر التحفظات على مسألة لجوء المعارضة للتسلح، على الأطراف العربية والدولية بل إن هناك قطاعا داخل المعارضة السورية نفسها ينظر إلى هذه المسألة باعتبارها هزيمة كبرى للثورة السورية وسلميتها وإنتصارا لخيارات النظام الذي سعى منذ البداية لجر البلاد إلى سيناريو الإقتتال الداخلي. أنصار هذا الإتجاه يرون إن عسكرة الثورة السورية سيقود البلاد إلى الهاوية، ورغم أنهم قد يكونون محقين في هواجسهم تلك لكنهم في المقابل لا يقدمون إجابات مقنعة عن كيفية وقف حرب الإبادة التي يتعرض لها الشعب السوري بينما العالم كله واقف مكتوف الإيدي غير قادر على فعل شىء في مواجهة هذه المذبحة المتواصلة.

غير أنه ومع توفر كل المبررات الأخلاقية والإنسانية لقرار تسليح المعارضة كأحد السبل لوقف أعمال القتل في سورية بكل ما يحيط به من مخاوف وبالنظر إلى تعقيدات المشهد السوري فان السلاح وحده في غيبة مشروع سياسي واضح ورؤية موحدة، سيصبح نوعا من الإنتحار الجماعي للوطن السوري بأكمله. ومن هنا فإن على المعارضة السورية أن تتسلح قبل ذلك بقدر معتبر من المسؤولية التي تقوم على إدراك أن ذلك السلاح وإن كان ضرورة في هذه اللحظة لمواجهة قمع النظام، فإنه ليس بديلا عن توحيد صفوفها ومواقفها ورؤاها لسورية الغد، وأن تدرك أنها أمام أختبار بالغ الدقة والصعوبة في مواجهة شعبها ومكوناته المختلفة بكل ما تحمله من هواجس وقلق بشأن مستقبل الوطن، وفي مواجهة المجتمع الدولي والعربي الذي لايزال في غالبيته، ينظر إلى هذه المعارضة بعين الشك في قدرتها أن تطرح نفسها بديلا مقنعا للنظام في حال سقوطه. إن هذا الأمر هو أحد الاسباب المهمة التي تفسر حالة التردد والإرتباك التي تبدو عليها أطراف عربية ودولية كثيرة في تعاطيها مع المحنة السورية وتأخرها في الإعتراف بالمعارضة كبديل عن النظام حتى الآن.

ومن هنا فإن على كل مكونات المعارضة السورية أن تدرك أنها لم تعد تملك ترف الإنقسام والتلاسن الإعلامي فيما بينها وأن تتوقف عن تخوين بعضها بعضا على شاشات الفضائيات بينما الشعب السوري يذبح من الوريد إلى الوريد. فلم يعد هناك مزيد من الوقت يمكن إضاعته لأن كل يوم يضيع يدفع فيه الشعب السوري والوطن برمته ثمنا فادحا ربما لايمكن تعويضه حتى بعد أزاحة النظام وهو في كل الأحوال سيسقط في النهاية. إن توحيد صفوف المعارضة تحت راية واحدة وعنوان واحد ومخاطبة العالم بخطاب واحد هو السبيل الوحيد لإنتصار الثورة السورية، وهو أمر لم يعد قابلا للتأجيل حتى لا يصل الشعب السوري لقناعة بأنه ليس فقط مبتلى بحكامه بل وبمعارضيه ايضا.

=================

الثورة السورية: علاج الأعراض يُسقط أوهام المشككين

السبت, 03 مارس 2012

نسيم ضاهر *

الحياة

بين جميع الانتفاضات العربية، تفي الوثبة السورية على وجه التمييز بعلامات ومعالم الثورة الشعبية المأخوذة على محمل المعنى الشامل والانخراط النضالي العميق. وقد يكون الجاري في إمارة الصمت المملوكية التي أقامها المؤسس الآتي من حزب البعث بسطوته العسكرية واستيلائه على مقاليد السلطة في عاصمة الأمويين، عنوان نسق جذري من نمط أصيل لم يألفه المجال العربي، ولم ترقَ إلى نموذجه التحولات السياسية المتصلة بمسمى الربيع العربي. فعبر الحضور المجتمعي المثابر والمتمادي، ومن حجم التضحيات الجسام المتواصلة بلا تردد وبلا كلل، تستمر عملية المكابدة والرفض القاطع لنظام الاستبداد في خضم مخاض تفاعلي يحظى بسمات التغيير الحقيقي، ويعاني عوارض الحدث التاريخي النابع من جوف مجتمع مقهور يتلمّس طريق الخلاص.

إن ثمّة نواقص بائِنة ما فتئت تثقل على أداء فريق المعارضة السورية، منبتها عضوي، من المحال إنكار وجودها، ومن الضار استئخار معالجتها، إذ تخرج عن الظرفيات والجزئيات. ولئن كانت لا تبدل من التعريف الأساس، أو تنال من جوهر مسألة التحرر وضرورة اقتلاع منزع الهيمنة من جذوره، فهي، بالتأكيد مصدر قلق مشروع ومؤشر عثرات. مع ذلك، الأصل أخلاقياً، عدم جواز مطالبة الضحية في ساحة المواجهة بفروض محكمة الصواب، نقية من الشوائب. كما أن مسؤولية تصحيح المسار واحتواء التناقضات الثانوية، إنما تقع على عاتق صُنَّاع الهندسة السياسية وأهل الوكالة المعطاة، مرحلياً، ريثما تنبثق تباعاً إطارات مقتدرة ينتظم فيها أصحاب الكفاءات ويلتقي في مبناها ممثلو القواعد على تنوعها واختلاف مشاربها ومرجعياتها. تبعاً لهذا الاستدراك، يتعين على المجلس الوطني بالتحديد، النهوض بمهمة توحيد الرؤى المستقبلية، ومحاورة سائر مناهضي النظام وسياساته القمعية الدموية، بغية إيجاد صيغة جامعة تحاكي صمود المُحتجّين المنكّل بهم يومياً، وتحوز شرف تمثيل أمانيهم، لمخاطبة الأسرة الدولية بلسان الجمع وذهنية العاملين على إسقاط النظام وتصفية مخلفات أحقاده وعدائه للمجتمع المدني. ومن النافل أن هذا النهج يؤول إلى جذب من بقي متردداً حيال المجرى الثوري، وطمأنة مكونات المجتمع السوري كافة، لناحية الحقوق الأساسية والمساواة ضمن القالب الدولتي الجامع، الديموقراطي الحداثي في بُنية أركانه وعلى مساحة أرجائه، من دون رمادية ولا استثناء.

في الملموس، وربما المبالغ فيه لدى المشككين، هناك موضوعان يحتلان الأولوية بين بنود مفكرة المعارضة، أو هكذا يفترض تصدّرهما للترتيب: أولهما تطييف الحراك، وثانيهما، عسكرة الانتفاضة. كلاهما شديد الأهمية وجدير بالمتابعة، لاستخلاص مدى رسوخ الطابع الوطني وتوكيد خضوع العمل المسلح للقرار السياسي. ثم إن الإجابة المزدوجة المطلوبة حيال ما يعتبر صدقية وسلمية كفاح قارب السنة، تختصر الكثير من هواجس الأصدقاء ومخاوف الداعمين من الانزلاق نحو التمزق الطائفي وعودة شبح العسكرتاريا والانقلابات. وحيث بقي الرد الميداني من جانب الجيش السوري الحر في حدود حماية المدنيين وإعاقة تحرك القوات النظامية (كما تعطيل خطوط إمدادها ومهاجمة مراكز المخابرات كأهداف تتولى القمع)، سُجِّلَ أيضاً تنازع رتب القيادة، من دون مسّ بالتوجه العام.

بيْدَ أن العلاقة بين المجلس الوطني والمجلس العسكري ما تجاوزت حد التنسيق، بينما تدعو القاعدة السليمة إلى ضبط المجهود العسكري وفق محددات وتحت مظلة الهيئة السياسية المشرفة، المرجعية الوحيدة في أعلى سلم الإمرة. أما قياس النجاح بغياب التمرد فهو منطق شكلي تبريري، يقتضي الخروج منه عاجلاً، إنفاذاً لغايات الثورة، وضماناً لسلوكها جادة الديموقراطية نحو الدولة المدنية القادرة على التزام المفاهيم الدستورية وتراتبية المؤسسات بشفافية وقناعات.

في الموازاة، يعمل النظام جاهداً على إسباغ التطيف في جبهتين: أولاً، من خلال تحديات الأقليات في الداخل، وثانياً، بالتهويل من وزن الإخوان المسلمين في المجلس الوطني، لدرجة الإمساك به كلياً وإضمار مآرب جهنمية بالتلطّي وراء واجهة جلها سُذّج انقطعوا عن النسيج الاجتماعي. هنا تتقن حلقة السلطة المراوغة، بعد أن مزقت طوال عقود النسيج عينه. وكلما أطالت المكابرة والقمع المنهجي، علمت جيداً قابلية زرع اليأس في أوساط الاحتجاج ودفع دافعي الدماء نحو راديكالية دينية ترتد سلباً على الثورة المدنية. أي أن إيقاظ شياطين الشقاق والفتنة كان وما زال رياضة النظام المفضلة، الذي يُعوِّل على أسوأ ما قد يعتمل في الوعي الجمعي نتيجة المزاوجة بين البطش الوحشي وإشعار مقاوميه بأنهم نِعاج في نهاية المطاف، تخلى عنهم مشغلوهم الخفيون، الضالعون في مؤامرة زادها الضحايا على عادة الأجنبي الماكر الأناني الغدَّار. فليس بالمستغرب أن يضحي استحضار تدخل عسكري استعماري الغايات والنتائج، ورقة رابحة وركن إشغال المعارضة، تمهيداً لتقطيعها ونسف جهودها، مشفوعاً بتخييب آمال الخلاص وبيان استحالة الحسم، نظراً إلى تروّي أصدقاء الشعب السوري ومجانبتهم، لغايته، مسألة كسر شوكة النظام العسكرية (فيما روسيا وإيران تجاهران بالدعم المباشر ورعاية النظام)، ولتردد المعارضة في هذا الشأن، حيث تسكن بعض أطرافها عقدة قومجية تضع حامليها في موقع المذنب والتابع افتراضياً.

من قال إن الثورة عملية بسيطة، ولا تعرف إلّا المُشعّ والسهل والناصع البياض؟ وهل من يعتبر أن المجريات السورية خالية من الخيارات الصعبة والتعقيدات المفضية إلى تردد وضعف أداء، وأيضاً إضاعة فرص ذهبية تحت ضغط المعاش والمُتصوَّر أو الخوف من كسر المسلمات في آن؟ تواجه الثورة السورية – كما هي عليه في بلد مسلوب فقد جسمه الاجتماعي مقداراً من المناعة إثر محاولات ترويضه وتصحيره المتتالية – كَمَّاً من الصعاب، ولا يمكنها أن تكون في منأى عن مخاض المد والجزر، كما عن جدلية التجاذب والتناقضات. عليها، وهي الخارجة على التجسّد في القائد الأوحد والرعية الممتثلة الصاغرة، أن تبتكر وتجرؤ على الاعتراف بالأعراض والمعوقات كي تتعافى، ولها أنها لم تفقد البوصلة بعد أن اختارت مرغمة أسمى الأهداف وأقسى المهام، تُعمِّدها بالدم وتصرخ الحرية كل طالع نهار. وإذ يبقى التعاطف معها، وإسناد حراكها، طليعة واجبات الأحرار كيفما قلبت أوراقها، وحيثما لمعاني الإنسانية والتضامن من معنى، جاز التعاطي مع مسارها مُتخففاً من المجاملات والتغاضي عن الثغرات. أما أهل حضانة الاستبداد والنفاق، أصحاب الرهان على كبوة الضحية وانتصار الجلّاد، من المتخفين وراء ستار الممانعة فلعلَّ تجريحهم المقيت المبني على قوالب فكرية متحجرة، وليد حَوَلٍ مُزمنٍ ومرضٍ عُضال، لن يشفوا غليلهم، مهما طالت إقامتهم في غرفة الانتظار.

* كاتب لبناني

==================

الإسلاميون في الثورة السورية!

أكرم البني

الشرق الاوسط

3-3-2012

لا يكتمل الحديث عن الثورات العربية عموما والسورية خصوصا إلا بقراءة أحوال الإسلاميين ودورهم فيها، وهو حديث عن مروحة واسعة من القوى السياسية والجماعات الدينية، والأهم عن فئات شعبية واسعة وجدت في الملاذ الديني عزاء روحيا يعينها على مواجهة واقع قائم على الاستبداد والفساد وأوضاع تنموية ومعيشية مزرية كرست تباينا صارخا بين قلة من ملاك الثروة وجموع غفيرة يكويها الفقر والتخلف والجهل. يحتل «الإخوان المسلمون» الموقع الأبرز بين الأحزاب الدينية في سوريا، ليس فقط لأن التنظيمات الأخرى غير مؤثرة أو وازنة، كحزب التحرير الإسلامي الذي لا يزال ضعيف الحضور والانتشار، وزادته ضعفا حملة الاعتقالات التي طالت، مطلع الألفية، أهم كوادره في دمشق وحمص وحلب، وإنما أيضا لأن «الإخوان المسلمين» كانوا الشغل الشاغل للبلاد في غير مناسبة ولم يغيبوا عن المشهد السياسي، ولأنهم استطاعوا بعد سنوات الملاحقة والقمع الشديد الوقوف نقديا من الماضي وتجديد حضورهم عبر رؤية سياسية جديدة استندت إلى مطالب الناس في الحرية والكرامة ودولة المواطنة، مما أهلهم للمشاركة في أكثر من ائتلاف سياسي معارض، في إعلان دمشق ثم جبهة الإنقاذ، وأخيرا في المجلس الوطني السوري!

إن تمسك «الإخوان المسلمين» بسلمية الثورة وروحهم التشاركية وانضوائهم في صفوف المعارضة السياسية، إذ يدل على عمق مراجعتهم النقدية وما خلصوا إليه حول احتكامهم للعملية الديمقراطية والأساليب اللاعنفية، فإنه لم يقنع الجميع، وثمة من لا يزال يطعن في صدقية مواقفهم ويثير الشكوك حول جدية تحول جماعة دينية تميزت تاريخيا بعصبيتها الآيديولوجية وبأساليبها العنفية نحو الديمقراطية، خاصة أنها لا تزال تحمل اسما ذا مدلول طائفي يجعلها ساحة خصبة لنمو اجتهادات واندفاعات تهدد خيارها الديمقراطي، ويعتقد هؤلاء أن هذا التنظيم يضمر عموما غير ما يظهر، وأنه لبس رداء المدنية والسلمية لإعادة بناء جسور التواصل شعبيا وسياسيا بعد هزيمته في مطلع الثمانينات، وأنه غير مرة أظهر براغماتية مقلقة في الموقف من النظام السوري، آخرها تجميد نشاطه المعارض إبان أحداث غزة، محذرين من المستقبل، ومن أنه لن يمر وقت طويل حتى تتكشف حقيقته، وتعود حليمة لعادتها القديمة، لنقف أمام مشروع سياسي ديني وما يترتب على ذلك من نتائج مدمرة للمشروع الديمقراطي.

في المقابل، ثمة إسلاميون هم أشبه بجماعات تلتف حول بعض المشايخ وعلماء الدين وتمنحهم الولاء والثقة، منهم من تمايزوا على أساس نهجهم الداعي للسلمية واللاعنف، ومنهم من اقتدوا بنجاح النموذج التركي الذي حفر عميقا في البيئة الإسلامية السورية مشجعا نمو جماعات على صورته ومثاله، عرفوا باسم التيار الإسلامي الديمقراطي، ومنهم من انساقوا خلف رؤى سلفية أو أفكار جهادية، لعبت بعض القنوات الفضائية الدينية دورا في نشرها والتأثير على الحراك الشعبي، خاصة أن لديهم ما يكفي من التأويلات للنصوص الدينية لإضفاء الشرعية على أهدافهم وأساليبهم في ظل احتقان غير مسبوق للغرائز ولده العنف السلطوي المفرط. ولم يضعف حضور هذه الجماعات النقد الذي تعرضت له من أحزاب إسلامية بأنها قد أساءت للحراك الشعبي وأفقدته تعاطف الناس وجرته إلى تحديات خطرة كان في غنى عنها، فالحق يقال، إنه واطرادا مع ازدياد شدة القمع والتنكيل والانزياح الطائفي، ازدادت الدعوات للتطرف والجهاد، وازداد الرصيد الشعبي لهذه الجماعات، بجانب التفاف الكثيرين حول شعاراتها ورموزها، خاصة أولئك الذين لم تعد لديهم قدرة على تحمل المزيد من القهر وفقدوا الأمل في أي معين، محلي أو عربي أو أممي، يرد عنهم بعض الأذى والضرر!

من جهة أخرى، هناك الإسلام الشعبي الذي ينمو وينتشر في القرى والأرياف وأحزمة المدن الفقيرة، والذي يثير بطقوسه وشعائره الجمعية حالة من التضامن والتكافل بين الناس تعينهم على ما هم فيه، خاصة أن الدين يشكل لدى عموم السوريين أحد عوامل الضبط والتماسك الاجتماعيين، ويعد عند الكثيرين المعيار القيمي الذي يحول دون الانفلات والتردي الأخلاقي، وهذا النوع من الإسلاميين لا يخضع عادة لأحزاب دينية ولا يحكمه مشروع أو برنامج سياسي محدد، بل يشكل عادة ميدانا للتنافس والصراع بين قوى وتنظيمات الإسلام السياسي، وبالفعل كان لهؤلاء دور عفوي كبير في انطلاق الحراك السوري وفي مده بأسباب الاستمرار وبالتضحيات الثمينة، خاصة مع بروز هم جامع وملح لدى غالبيتهم حفزته الثورات العربية على إحداث تغيير في المجتمع يضمن لهم كرامتهم وحقوقهم، ويزيل التمييز والفوارق من كل الجوانب الحياتية التي عانوا منها طيلة عقود، وما عزز حضورهم ومشاركتهم الاختيار الرمزي ليوم الجمعة من أجل تسخين الاحتجاجات واعتماد المساجد محطات للتجمع وانطلاق المظاهرات، ولجوء المحتجين إلى بعض الهتافات والشعارات الدينية في مواكب التشييع، والأهم أثر القمع المعمم والعنف المفرط في كسر حياد الكثيرين منهم وجرهم جرا لخوض غمار هذا التحدي!

ومع أخذ ما سبق بعين الاعتبار والتفهم، فمن العدل والإنصاف القول إن الرصد الموضوعي لقوى الإسلام الشعبي في الثورة السورية يكشف اليوم تجاوزا للعفوية وحضورا لأوساط ذات مصداقية من المتدينين والإسلاميين المستقلين، احتلوا الصفوف الأمامية وتصدوا ببسالة للقمع والتنكيل، ينتمون إلى فئات شبابية لا تسيرها قيادات سياسية أو مواقف آيديولوجية محددة، ترى في عقيدتها الدينية ما يحفزها للدفاع عن قيم الحرية والكرامة والمساواة وما يقطع مع الأساليب القسرية والتسلطية! والحال أنه أيا كان وزن الإسلاميين على اختلاف أطيافهم في الحراك الشعبي، وأيا كان دورهم، فإن عليهم مسؤولية كبيرة لا تحتمل التأجيل في خصوصية المجتمع السوري وطابع مكوناته، تتمثل في محاربة كل أشكال التعصب والتطرف وإثبات عمق التزامهم بقيم الثورة في الحرية والكرامة واحترام حقوق الإنسان، للرد على محاولات الطعن في صدقيتهم، ولدحض هواجس ومخاوف تتنامى لدى الناس من حالات الفرز والاصطفاف الديني أو الطائفي.

==================

المنطقة وسوريا.. التنبؤ بالمستقبل

عبد الله بن بجاد العتيبي

الشرق الاوسط

3-3-2012

في التاسع والعشرين من يناير (كانون الثاني)، عام 1848، وقف «توكفيل» أمام مجلس النواب الفرنسي، وحذر من «رياح ثورية في الجو»، وبالفعل، قامت في فرنسا «انتفاضة فبراير» في نفس العام، أي بعد كلمته بأيام قليلة، وكم كان واقعيا حين «أقر لاحقا بأنه لم يكن يتحدث عن أي تحسس ملموس بما كان سيحصل قريبا بمقدار ما كان منطلقا في كلامه من الرغبة في إيقاظ زملائه النواب من سبات الرضا عن الذات» (دور الفئات الدنيا في الثورات الشعبية).

قبل عام، وبعد انتشار رقعة الاحتجاجات العربية، خرج بعض رجال الدين وبعض المثقفين العرب ليقولوا على الملأ إنهم قد تنبأوا بتلك الاحتجاجات قبل حدوثها، وهو قول صدقه البعض وروجوا له، وليت أنهم امتلكوا شيئا من تواضع توكفيل وواقعيته، واعترفوا بأنها أحداث استثنائية كبرى جرت في التاريخ ولم يكن بمقدور أحد التنبؤ الفعلي بها.

لقد كتب عن مستقبل الشرق الأوسط بشكل عام وعن دوله المتفرقة وقضاياه المتعددة الكثير ولم يرد في شيء من تلك الكتابات حديث عن احتجاجات أو ثورات تسقط أنظمة وتخلق واقعا جديدا، وقصارى ما جرى - بعد الأحداث لا قبلها - محاولات جادة لقراءة ما كان يجري ومتابعة تفاصيله واستحضار كل الأبعاد الممكنة لتشكيل رؤية متماسكة تجاهه، وهو ما نجح فيه البعض وأخفق فيه آخرون.

اليوم، في سوريا، تنبأ كثير من المراقبين بأن النظام الأسدي قادر، بحكم تاريخه وتجربته الحزبية والعائلية، على ارتكاب أفظع الجرائم، غير أن الكثيرين كانوا يتنبأون بأن العالم في هذه اللحظة التاريخية غير قادر على تحمل مثل هذه الجرائم وتلك الوحشية، والذي ثبت اليوم هو أنه بالنظر للمواقف الدولية، فإن حسابات الأرباح والخسائر تفوقت على كل المبادئ السياسية والقيم العالمية والأخلاق الإنسانية.

لقد شهدت سوريا، الأسبوع الماضي، ما هو أشبه بالمسرحية الهزلية التي رعاها وروج لها النظام تحت مسمى «الاستفتاء على الدستور»، وهي مسرحية تنتمي للكوميديا السوداء، ذلك أن أصوات الناس التي تتغرغر بالدماء لا يمكنها أن تدخل صناديق الاقتراع، والمدن والأرياف التي تقصفها الدبابات والصواريخ لا تستطيع الخروج بحثا عن الماء أو الدواء فضلا عن أن تخرج للتصويت.

إن مسرحية الاستفتاء في سوريا يفترض أن تكون تبتعها أمس (2 مارس/ آذار) مسرحية شبيهة في أقوى الدول الداعمة لنظام الأسد، وهي إيران، حيث أول انتخابات تشريعية بعد قمع «الثورة الخضراء» بطرق احترافية تتقنها إيران منذ زمن، ويبدو أنها أرادت تصدير هذه الخبرة للنظام الأسدي في سوريا، وأمعنت فيها حين لم تكتف بالدعم المعنوي، بل ألحقته بالدعم المادي، فلم تزل وسائل الإعلام تنقل الكثير من هذا الدعم، ولم تزل آثاره على الداخل السوري تبدو لكل متابع. وهي على كل حال انتخابات معروفة النتيجة سلفا، فهي لن تغير شيئا في إيران لا على المستوى الداخلي ولا الخارجي، وإن تغيرت بعض الوجوه فحسب.

ومسرحية ثالثة ستكون لدى الداعم الدولي الأكبر للنظام الأسدي في المحافل الدولية، ألا وهي الانتخابات التي ستجري في 4 مارس في روسيا، وهي الأخرى لن تأتي بجديد، فالمنتصر فيها معروف قبل أن تبدأ، وستستمر على الأرجح سياسة المرجيحة بوتين - ميدفيديف.

لئن طرح البعض أن الانتخابات الروسية كانت تشكل عائقا أمام تزحزح الموقف الروسي تجاه سوريا، فيبدو مهما لامتحان هذا الطرح الدعوة التي وجهتها دول مجلس التعاون الخليجي لوزير الخارجية الروسي لاجتماع يعقد الأربعاء المقبل في الرياض تستمر فيه الدبلوماسية الخليجية في محاولاتها الحثيثة لإنجاح مساعيها في دعم موقفها المتقدم تجاه الأوضاع في سوريا.

لقد منح الفيتو المزدوج الروسي - الصيني فرصة لجميع الدول لتوضيح مواقفها السياسية وتفعيل دبلوماسيتها ورؤيتها، وهو ما يفترض أن يمهد الطريق عبر امتحان السياسيات والرؤى وعبر تعدد المواقف واستمرار المفاوضات لعودة أكثر تماسكا لمجلس الأمن تكون قادرة على تجاوز الفيتو والخروج بقرار دولي أكثر حزما.

إن روسيا التي تطرح تخوفها من التدخل العسكري، ومن أنه سيؤدي إلى ما يشبه النموذج الليبي، وعينها منصبة على مصالحها وصراعها مع الغرب، تتجاهل في الآن ذاته الشعب السوري وأن النظام الأسدي يقود البلاد لما هو أسوأ من النموذج الليبي على مستوى الشعب والمواطنين، ولئن كان الوضع الليبي يوحي بما تحدث به عبد الرحمن شلقم عن معاناة الشعب الليبي وفقدان الأمن في ليبيا الجديدة اليوم، فإن ما يمكن أن يحدث في سوريا في ظل استمرار الأوضاع على ما هي عليه سيكون أسوأ بمراحل مما يجري في ليبيا.

إن سياسة النظام الأسدي الدموية لم تزل تدفع بالأوضاع في سوريا نحو مزيد من التصعيد، وما تفعله في بابا عمرو وريف دمشق وغيرها يبدو أنه كان محفزا للمجلس الوطني السوري للرضوخ لمطالبات الداخل ونداءات دول الخليج المؤيدة له لتسليح الجيش السوري الحر حتى يستطيع الناس دفع شيء من جبروت النظام وقوته العسكرية وحماية المدنيين، ومع أهمية هذه الخطوة من المجلس الوطني السوري، فإن الأهم أن ينجز أمرين أشد صعوبة من هذه الخطوة؛ الأول أن يضمن المجلس التئام العمليات العسكرية لجميع الأنشطة المسلحة في الداخل تحت قيادة موحدة حتى يتجنب فوضى السلاح. الثاني: أن يسعى المجلس جهده للحصول على دعم عسكري خارجي يكون بمثابة الضامن لإنجاح المعارضة المسلحة في الداخل.

ربما كان الجزء الأصعب الذي ينبغي للمجلس الوطني السوري، وللدول الداعمة له وللشعب السوري، وعلى رأسها دول الخليج، يكمن في استحضار قضايا الأقليات والإثنيات والهويات، لأنها قابلة للاشتعال على الأرض، وأن إرسال رسائل وعي بها وتطمين تجاهها يجب أن يكون على رأس الأولويات بعيدة المدى، بحيث يتم إبعاد مخاوف الأقليات بخطاب وطني شامل مع تحديد واضح لحقوق الإثنيات، وابتعاد قدر المستطاع عن أي جماعات هوياتية تفرق ولا تجمع.

==================

سوريا.. خدعة روسية جديدة؟

الشرق الاوسط

طارق الحميد

3-3-2012

صرح المرشح الرئاسي الروسي فلاديمير بوتين بتصريحات جديدة لافتة حول الأوضاع في سوريا، واللافت أن تلك التصريحات لم تكن أمام الناخبين الروس، بل كانت أمام ست صحف دولية، فهل هذه خدعة روسية جديدة، أم هي رسالة للغرب، والمنطقة؟

يقول فلاديمير بوتين، إن روسيا ليس لديها «أي علاقة مميزة مع سوريا. لدينا موقف مبدئي حول طريقة تسوية هذا النوع من النزاعات، ولا نؤيد هذا الطرف أو ذاك»، مضيفا أن لا «علاقة خاصة» بين موسكو ودمشق، وأن روسيا لا تعتزم الانحياز لجانب دون الآخر. كما قال إن مصالح بلاده التجارية مع سوريا لا تزيد على مصالح بريطانيا، أو غيرها من الدول الأوروبية. وهذا ليس كل شيء، بل إن بوتين رفض التعبير صراحة عن أي دعم للأسد، حيث قال ردا على سؤال طرحه صحافي عن فرص الأسد بالبقاء مع الثورة السورية «لا أعرف، ولا يمكنني أن أطلق تكهنات من هذا النوع». فهل ما يقوله بوتين، الرئيس القادم لروسيا، هو ملامح تغيير في الموقف الروسي، أي أن موسكو بدأت تدشن سوق البيع السياسي؟ أم أن هذه خدعة أخرى لإعطاء فرصة جديدة للأسد عله ينقض على الثورة السورية ويقضي عليها؟

قبل الإجابة لا بد من رواية قصة باتت معروفة، وهي ليست بسر، حيث راج أن الروس أبلغوا من زارهم مؤخرا، ويقال إن من ضمنهم شخصية لبنانية سياسية، بأن الأسد باق كرئيس لسوريا ما بقي بوتين رئيسا للوزراء في روسيا، وهذا كلام واضح، حيث لم يقل إنه ما دام بوتين في السلطة، أو ما بقي على قيد الحياة. وهذا الأسبوع يتوقع أن يكون بوتين رئيسا لروسيا، وتحديدا بعد غد، واللافت في تصريحات بوتين أنها جاءت أمام صحافيين دوليين، كما أن بوتين يقول، إن بلاده تريد علاقات كاملة مع جورجيا، أي أن بوتين يحضر لمرحلة جديدة في ظل رئاسته. كما أن هناك معلومات سمعتها من مصادر عربية مختلفة، بعضها يقول، إن موسكو تقول لهم توقفوا عن التصعيد ضدنا، وأمهلونا حتى يوم 4 من هذا الشهر، أي يوم غد (الأحد)، وحتى نتجاوز الانتخابات الرئاسية الروسية، وهناك مصادر أخرى تقول إنها سمعت في موسكو أن روسيا قد لا تعارض رحيل الأسد، ولكن ليس سقوط النظام كاملا! ورأينا بالطبع السفير الروسي لدى إسرائيل وهو يحذر الإسرائيليين في شريط فيديو مسرب من أن «الأسد السيئ أحسن لهم من (الإخوان المسلمين)»، وتلك كلها رسائل متناقضة بالطبع، بل إن في تصريحات بوتين نفسها ما هو مريب، خصوصا حين قال، إن طائرة مروحية روسية حاولت إنقاذ الصحافية الفرنسية في حمص ولم تنجح، ملقيا باللوم على الثوار، والمقلق هو: هل كانت القوات الروسية تشارك في قمع السوريين مساعدة للأسد؟

وعليه، فللإجابة عن التساؤلات نقول، إنه لا يمكن الوثوق بموسكو، ويجب التحرك لدعم الثوار السوريين بالسلاح، وخلافه، خصوصا أن السوريين يقتلون من قبل قوات الأسد بلا رحمة.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ