ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
إلى أين يذهب بشار الأسد
بالطائفة العلوية؟ زين الشامي الرأي العام 16-3-2012 المجزرة التي شهدها حي «كرم الزيتون» في
مدينة حمص أخيرا وذهب ضحيتها نحو 45
شخصا غالبيتهم من الاطفال والنساء، لم
تكن المجزرة الاولى التي ترتكب بحق
مدنيين عزل منذ بدء حركة الاحتجاجات
الشعبية ضد نظام الرئيس بشار الاسد في
سوريا، فقد حصلت مجازر مشابهة في درعا
وجبل الزاوية في ادلب واحياء اخرى من
مدينة حمص ومناطقها مثل «الرستن» و «تلبسية»
و»القصير» وغيرها. لكن ربما تكون مجزرة
«كرم الزيتون» اكثر ايلاما من غيرها
لعدة اسباب من بينها انها ارتكبت بحق
ضحايا غالبيتهم من الاطفال والنساء،
وهي اضافة الى ذلك تم تصوير ضحاياها
عبر كاميرات الاجهزة النقالة ما سمح
بعرضها لاحقا على وسائل الاعلام فيما
لم تتوفر الفرصة لمجازر اخرى لأن تصور
او ربما لأن الضحايا كانوا من الشبان
والرجال. لكن رغم ذلك تبقى المجزرة مجزرة بغض النظر
عن هوية وعدد الضحايا واعمارهم
واجناسهم او حتى الى اي دين وطائفة
ينتمون. فما قامت به عصابات الهاغاناه
وشتيرن في كفر قاسم في اربعينيات القرن
الماضي في فلسطين وبغض النظر عن عدد
الضحايا واعمارهم كان مجزرة، وما
فعلته القوات الاسرائيلية في «قانا»
في جنوب لبنان اكثر من مرة بحق اهالي
المنطقة هو مجزرة، وما فعله هتلر بحق
اليهود كان مجزرة، كذلك ما فعله صدام
حسين بحق الاكراد حين استخدم السلاح
الكيماوي بحقهم كان مجزرة. نحن نريد
القول ان قتل عدد من الناس الابرياء هو
فعل مدان مهما كان مرتكبه او الدوافع
التي كانت وراءه. من ناحية ثانية، لم تكن مجزرة «كرم
الزيتون» هي المجزرة الاولى التي
يرتكبها النظام السوري او قواته
الامنية او مؤيدين له او «شبيحته»، لقد
ارتكب هذا النظام مجازر عدة في
الثمانينات على هامش حربه مع «الاخوان
المسلمين» حين قتل اسر وعائلات
بكاملها في مدينة حماه، وحين تمت تسوية
الكثير من منازل المدينة بالارض فوق
ساكينها. كذلك شهدت منطقة جسر الشغور
في ادلب مجزرة مروعة في تلك الحقبة،
وهي المجزرة التي احيا ذكراها
الناشطون السوريون في العاشر من مارس
الماضي. أيضا تم ارتكاب مجزرة بحق
السجناء السياسيين في سجن صيدنايا عام
2008 راح ضحيتها العشرات. ما نود قوله ان النظام السوري وحده من
يتحمل مسؤولية تلك المجازر بغض النظر
عن المنفذين الذين هم في النتيجة مجرد
اداة، وهم لم يكونوا ليفعلوا ذلك لو لم
يحظوا بالتغطية الكاملة لجريمتهم
النكراء. هذا يجب ان يقود الى نتيجة
واحدة مؤداها ان غريم وخصم الشعب
السوري هو النظام السوري نفسه وليس زيد
او عمرو من الناس، وليس جماعة او طائفة
معينة ينتمي اليها من ارتكب ونفذ
الجريمة. ننحن ندرك ونعي تماما ان المصاب اليم جدا
وان هناك الكثير ممن يفكرون
بالانتقام، ومنهم من بات يحمل طائفة
بأكملها مسؤولية المجازر التي ترتكب،
لكن التفكير بمثل هذه الطريقة لن يقود
الا الى نتائج ترضي النظام وتلتقي مع
ما يرسم له، الا وهو ادخال البلاد في
حالة من الاقتتال الطائفي بحيث يضل
السوريون البوصلة والغاية الرئيسية
التي ثاروا من اجلها، الا وهي بناء
دولة الحرية والعدالة والكرامة واسقاط
النظام بكل ما فيه من رموز. ثم من ناحية اخرى، ان طريق الثأر هي طريق
طويلة ولن تنتهي، فكلما امعن طرف في
ارتكاب جريمة فسيرد عليه الطرف الآخر
بارتكاب جريمة انتقامية، وهذا كله
يقود الى متاهات الحرب الاهلية التي
ستحرق معها الاخضر واليابس وتدمر
السوريين جميعا. هذا لا يعفي ابدا ابناء الطائفة العلوية
وخاصة نخبهم السياسية المثقفة التي
عانت من النظام مثلما عانى بقية
السوريين من ان يقوموا بدور تاريخي في
هذه اللحظات العصيبة لأن ترك النظام
السوري «الاسدي» يقود الطائفة الى حيث
يريد سيكون له عواقب لا تحمد عقباها
على مصير ومستقبل الطائفة ككل. نقول
ذلك لأننا نعرف تماما ان النظام او «العائلة
الحاكمة» سيأتي يوم وتواجه مصيرها
المحتوم، اما البقية من ابناء الطائفة
فسيعيشون في سورية كما عاشوا فيها
لآلاف السنين مع بقية اخوانهم من
الطوائف الاخرى، وهذا يعني ان من مصلحة
هذه الطائفة ألا تدخل او تسمح بادخالها
في نفق الحرب الطائفية، خاصة اذا ما
علمنا انها محاطة بمحيط ونسيج اجتماعي
طائفي وديني مختلف وهو اكبر منها عدديا
سواء على المستوى الداخلي او الاقليمي.
ان خيار الطائفة بأن تحافظ على مسافة
بينها وبين النظام لصالح المصلحة
العليا للوطن السوري وثورته هو افضل
الضمانات لها ولسورية المستقبل فيما
لو اراد الجميع ان يعيش بخير ووئام
وتحت حكم دولة القانون والمؤسسات. من ناحية ثانية، فإن افضل انتقام لضحايا
واهالي المجزرة هو الانتقام من الاسد
ونظامه بحيث لا يصبح اهالي الضحايا او
ممن يفكرون بالانتقام كما يتوقع
النظام ويريد ويتمنى، اي ان يتحول
الضحايا الى طائفيين، حاقدين، قتلة. ان التحدي الحقيقي هو أن يبقى المنتفضون
ومن اصابتهم الجريمة مخلصين للقيم
والمثل التي جاءت الثورة السورية
لأجلها الا وهي بناء دولة جديدة قائمة
على القانون والعدالة والمحاسبة وعلى
قيم التسامح، الشهامة، النبل، و
المحبة، لأنه لو كان عكس ذلك فكيف
للسوريين أن يصبحوا احرارا، اقصد لو
تخلى الثائر عن القيم النبيلة؟ صحيح ان هناك من يقول ان الناس تغيرت بعد
هذه المجازر المروعة وان الغضب والألم
يجعلهم يقولون أشياءً أخرى الآن... لكن
رغم ذلك نقول ان الغضب هو نتيجة منطقية
وصحية وطبيعية لهول ما يحدث ولكن عند
التفكير العميق بما حدث فإن الثائر لا
يتحول إلى مجرم، وشتان بين المجرم
والثائر. المجرم يقتل بغرض القتل اما
الثائر فإنه مستعد للموت دائما من اجل
قيم انسانية كبيرة يؤمن بها. ================= راجح الخوري 2012-03-16 النهار دخلت الازمة السورية مرحلة استنزاف على
كل المستويات ليس من الواضح كيف ومتى
يمكن ان تنتهي. الاستنزاف العسكري تمثل امس، وبعد مرور
سنة على اندلاع الازمة، بعودة الجيش
الى اقتحام درعا التي انطلقت الاحداث
منها وتعرضت لأكثر من اقتحام دون ان
يؤدي هذا الى عودة الهدوء، بمعنى ان
الاقتحامات لم ولن تنهي الاعتراضات،
وان اجتياح حمص وادلب وريف دمشق لن
يعيد الامور الى ما كانت عليه. الاستنزاف الديبلوماسي يتمثل في مهمة
كوفي انان الذي حصل من الاسد على كلمة
"لعم" وقد فسّرتها دمشق بالقول
"لا يمكن الرد بنعم او لا... لأننا
نفرق بين مطالب الشعب ومن يستغلها،
ولأن الجيش في حال الدفاع عن النفس"
[!] هذا الرد يمثل قمة السخرية من انان و"اقتراحاته
المدروسة"، وهو ما يؤكد ان الاسد رفض
فعلاً الاعتراف به ممثلاً للجامعة
العربية وانه يعتبره مجرد وسيط دولي
غير معني بايجاد تسوية للوضع السوري
على اساس المبادرة العربية التي تدعوه
الى التنحي. لمزيد من الاستنزاف يريد النظام ان يبدأ
وقف العنف من جهة المعارضة وتريده
روسيا ان يكون متزامناً، بينما تريده
الجامعة العربية والامم المتحدة ان
يبدأ من جهة النظام الذي بدأ العنف إذ
ليس معقولاً مطالبة الناس بوقف الدفاع
عن انفسهم. اكثر من هذا رد الاسد على
مطالب انان الثلاثة بثلاثة مطالب
استنزافية: تعهّد المسلحين وقف النار -
تعهّد دول الجوار وقف ادخال الرجال
والسلاح – تعهّد الدول الممولة
للمعارضة وقف التمويل. كل هذا يشكل
استنزافاً لمهمة انان التي يفترض ان
تقرر التحرك المقبل في مجلس الامن،
فاذا تعاون الاسد يصبح من الممكن اصدار
قرار، وإن لم يتعاون، وهو الارجح، يصبح
من الضروري تزخيم الموقف الدولي لوقف
المأساة. وعندما يعلن في واشنطن ان الرد السوري على
انان، جاء سلبياً كما كان متوقعاً وهذا
"غير مقبول لأن ليس فيه اي اشارة الى
تنحي الاسد وانتهاكات الجيش للمدن
وسحب القوات"، فإن ذلك يعني ان الرد
على استيضاحات انان سيكون في حاجة الى
مزيد من الاستيضاحات التي تستنزف
مزيداً من الوقت. اما الاستنزاف السياسي فيتمثل اولاً في
اتكاء الجامعة العربية على مهمة انان
الفاشلة، وثانياً في الاكتفاء بابتلاع
المرارة من "الفيتو" الروسي
والصيني، الذي يمنع مجلس الامن من
اتخاذ قرار، في حين تستطيع الدول
العربية بلورة موقف جاد يخيّر موسكو
بين الاستمرار في دعم النظام وخسارة
عشرين دولة عربية، وثالثاً في التفكك
المعيب الذي يضرب صفوف المعارضة
السورية، ورابعاً وهو الادهى، في تبني
اميركا نظرية النأي بالنفس اللبنانية
عن المأساة السورية، فلقد سئم العالم
من تكرار باراك اوباما القول: ليس
السؤال ما اذا كان الاسد سيسقط بل متى
سيسقط! ================= النظام المقاوم في سوريا
الشقيقة الجمعة، 16 آذار 2012 01:58 إبراهيم عسال العبيدي السبيل منذ متى كان النظام السوري نظام مقاوم؟!
ثم أيّ نظام عربي أو إسلامي كان يمثّل
حالة من المقاومة على مر الستون عاما
الماضية؟! والله أنّها لكذبة قالوها في
زمن الانكسار وصدقناها، والحقيقة أنّه
لو كان هناك نظام عربي أو إسلامي واحد
مقاوم حقا لتحررت فلسطين، وعادت
القدس، ولكنها الخديعة التي ابتلينا
بها وقد دفع الفلسطينيون الثمن خلال
العقود الستة الماضية، مع الشعوب
العربية والإسلامية الشريفة
المجاهدة، وها هي شعوب تلك الأنظمة
تنتفض على جلاديها وتدفع الثمن من دماء
الأبرياء الذين كشفوا اللثام عن وجوه
حكامهم وبدؤوا بطردهم إلى خارج الزمان. إنّ نظام المقاومة الذي يمثّله النظام
السوري، هو (مقاومة المقاومة)! أيّ
بمعنى نظام استباحة الحرمات والتنكيل
بكل من يجرؤ على الكلام من الشعب
العربي السوري، لذلك تم تأسيس نظام
استخباراتي، تعجز مردة الشياطين عن فك
طلاسمه، فكل جهاز استخباراتي يوجد
عليه جهاز استخباراتي آخر، وهل كل هذا
لحماية سوريا والشعب السوري، أم بهدف
حفظ النظام العام والطمأنينة للشعب في
بلاده؟! والله قد سألنا هذا السؤال
لأهل سوريا، فكانت الإجابة ما رأَينا
وما سمعنا عن الدولة البوليسية، التي
كل النظم الاستخباراتية فيها لحماية
الرئيس وعائلته وحاشيته. ما كان نظام الحكم السوري يوما من الأيام،
يعمل لاسترداد ما سُلب من الأراضي
المحتلة، بل هو حكم عائلة تتندّر على
حساب الشعب والمقاومة. أغلبنا يتذكّر
أحداث حماة أو "مجزرة حماة"، حين
جيش حافظ أسد الجيوش الجرارة بقيادة
أخيه رفعت أسد من سرايا الدفاع واللواء
47 دبابات، واللواء 21 ميكانيك، والفوج 21
إنزال جوي "قوات خاصة"، فضلا عن
مجموعات القمع من نظامه الاستخباراتي،
وفصائله الحزبية المسلحة، وهذا ما
نشرته بعض التقارير، والمخفي أعظم،
ليقضي على حالة الوعي في العقل السوري،
فكانت البداية يوم 2/2/1982، تطويق مدينة
حماة وقصفها بالمدفعية ثم اجتياحها
عسكريا، واستمرت 27 يوما وفقا
للتقارير، والخلاصة من 10000 إلى 40000 قتيل
أغلبهم مدنيون، ناهيك عن السجون
السرية والقمع الفكري والسياسي
والجسدي ناهيك عن الفساد الأخلاقي
والاجتماعي الذي عشش في عقول الناس. وفي هذا السياق لا ننسى ما فعله النظام
السوري في لبنان من قتل واعتقال، وهتك
أعراض وتحريض ودق أسافين بين المكونات
الاجتماعية لهذا البلد الصغير، وعندما
كانت ورقة "فتح المقاومة" رابحة
بيد نظام حافظ أسد، للمزاودة على غيره
من الأنظمة العربية، كان أبو عمار رحمه
الله حليفا وحبيبا، ولكن عندما تكشّفت
نوايا هذا النظام، بعد عدة حروب خاضتها
"المقاومة الفلسطينية" مع الكيان
الصهيوني الزائل، وعرّت هذا النظام،
وأنّه لا رغبة له بتحرير الجولان ولا
لبنان ولا فلسطين، بل هو صمام الأمان
للكيان الزائل، شنّ عليها وعلى
رجالاتها حربا إعلامية، ومن ثم أمر
بإبعادهم عن أرض سوريا. والسؤال لو كان
هذا النظام صادق في وطنيته ومقاومته
مَن منعه عن خوض حرب لبنان عام 1982، مع
المقاومة الفلسطينية واللبنانية في
تلك الأيام، وتحرير جولانه المحتل؟!
إذاً النظام لا يريد المقاومة، بل هي
المزاودة الحاكمة، والنفاق الديني
والسياسي المكشوف، ولم يكتفِ بذلك، بل
شنّ حربا ضروسا على "المقاومة
الفلسطينية" ورجالاتها في لبنان عام
1983 مستعينا بنظام القذافي ومعهم بعض
المساكين من أبناء الفصائل
الفلسطينية، الذين عرفوا، متأخرا، كم
كانوا مسيّرين في يد هذه الأنظمة، كما
ولا ننسى عام 1985 وبمباركة نظام حافظ
أسد، دخول حركة أمل الشيعية بقيادة
نبيه بري المخيمات الفلسطينية، وشنّها
حربا شنيعة ضد المدنيين من أبناء
المخيمات الفلسطينية. أمّا بالنسبة لحركة حماس فكانت الورقة
الرابحة جدا لحالة مزاودة قد تستمر 100
عام بيد النظام السوري، خاصة بعد أن
تكشّفت نواياه وأنّه نظام لم يحارب
الكيان الصهيوني الزائل ولن يحارب،
إذاً المسألة تحتاج إلى "لعبة ماكرة"
فكانت حماس المقاومة الإسلامية،
الباحثة عن حضن دافئ وفق المفاهيم
السياسية والاجتماعية والدينية، وهذا
الأمر حق لكل إنسان يحتمي من شرور
الدنيا، وحماس لم تحتمِ على حساب
المبادئ ولا القيم ولا على حساب الدين
الحنيف، بل هي بحاجة إلى منبر إعلامي،
وبيوت تقيها حر الصيف وبرد الشتاء،
ولأن هذا النظام يتقن لعبة المزاودة،
ويستطيع التلوُّن، كما كان سابقا، كان
دعم حركة حماس وفتح المكاتب في سوريا،
يسجّل له عدة أهداف: الهدف الأول: أنّه وضع في بيته جزء من
الإخوان المسلمين، الأعداء
التقليديين، وبذلك اتّقى شرّهم ولو
مؤقتا، وزاود عليهم أيضا. الهدف الثاني: أنّه بفتحه الباب ودعمه
لحركة حماس، هذا الفصيل الفلسطيني
المقاوم، يستطيع أن يزاود على القيادة
المريضة لمنظمة التحرير الفلسطينية،
بل وعلى كل الشعب الفلسطيني والعربي
والإسلامي، كما وأنّه هو لن يحارب "إسرائيل"،
فهناك من سيقوم بهذه المهمة تحت
عباءته، ووفق رؤيته متى وكيف، وهنا
مكمن الخطورة. الهدف الثالث: أنّه سيلهي شعبه عن تخاذله
في تحرير المحتل من بلاده، بكذبة "المقاومة
اللبنانية والفلسطينية! وأنّه يملك
الحق في الرد وفي وقت الرد، على أيّ
اعتداء صهيوني على أرضه!" وما إلى
ذلك من المهاترات. الهدف الرابع: سيبقى هذا النظام جاثما على
صدر شعب سوريا الحر، بل وعلى صدور
أحرار الأمة، وفق معتقدات حزبية نكرة،
ومقولات سياسية تقشعر لها الأبدان،
ومصادرة للفكر وللعقل، فلا حرية شخصية
ولا دينية، ولا سياسية، ولا اجتماعية،
بل هو الإله المعظّم الذي يجب أن تسجد
له كل سوريا، وضمن هذه الفلسفة
الموروثة للحكم في هذا النظام، فإنّه
لن يسمح بأيّ حالة مقاومة حقيقية على
الإطلاق. ولأنّ حجم الضغط هائل على الشعب السوري
البطل، وعلى العديد من الشعوب العربية
والإسلامية نتاج نفاق هذا النظام، كان
لا بد من طريقة للتنفيس من حجم الضغط،
فخرجت لنا من ثنايا فكره منفسات على
الصعيد الإعلامي، طوال سنوات القهر
الماضية، فكان ينفق الملايين من
الليرات السورية على المسلسلات
البطولية الورقية، وعلى المسلسلات
الدرامية الغارقة في الحب والعري
والفسق، وعلى المسلسلات الكوميدية،
ليتم إقناع المشاهد السوري والعربي
والمسلم في كل أرجاء المعمورة بحجم "الخدعة"
التي أُنشئ عليها هذا النظام، وهي
المقاومة والحرية. ولكن الله غالب على أمره، فكان أن اشتعلت
شرارة المقاومة السورية بشكل عفوي
بحت، وليس كما يشاع ويقال، فانتفض
الأحرار مطالبين بكف يد النظام
واستخباراته وعسكره وحزبه عن حياة
الناس، فطالبوا بالحرية والعيش
الكريم، وأن يكونوا أحرارا في زمان وعى
الناس فيه معنى الحرية والعدالة،
وكانوا من أزمان سابقة توّاقين إلى
ذلك، لولا الخوف من البطش والتنكيل
الذي مارسته أجهزة هذه الأنظمة التي
وطّدت الكيان الصهيوني الزائل، وصادرت
حق شعوبها في الحرية والمقاومة، فكان
أن تصدّى هذا النظام لهؤلاء الثوار،
وكانت الدماء والأشلاء والمجازر، وما
قصفُ المساجد بغريب على وحشية وزندقة
هذا الطاغية، ولكن الله سبحانه وتعالى
ناصر المستضعفين، فها هي أرتال هذا
النظام البائس تتلاشى كل يوم، وها هي
الانشاقاقات تتوالى، ليصبح قريبا جدا
بإذن الله تعالى النظام السوري في عداد
الأموات. ================= د. عبد الوهاب الأفندي 2012-03-15 القدس العربي (1) عقدت مجلة فورين بوليسي في عدد مارس
الجاري مقارنة ذات مغزى بين حملة
النظام السوري ضد معارضيه وحملة
فلاديمير بوتين ضد دولة الشيشان
وعاصمتها غروزني التي صعد بها إلى سدة
الرئاسة في عام 2000، بعد أن سوى بغروزني
الأرض. وقد حققت حملة بوتين الوحشية
شعبية عالية له وسط الروس الذين أذل
الشيشان جيشهم في العقد السابق ودحروه
رغم قلة عددهم وقدرات روسيا. وقد جاءت
المقارنة على وجوه، منها استراتيجية
تهديم المدن على رؤوس أصحابها،
واستهداف الصحافيين للتغطية على
الفظائع. ولم تشر الصحيفة إلى وجه
ثالث، وهو وصف المعارضين بالإرهابييين
المتصلين بالقاعدة. (2) روى أحد الصحافيين في المجلة تجربته
الشخصية في غروزني في أواخر عام 1999،
حينما شن بوتين، رئيس الوزراء وقتها،
حربه على الشيشان، وكيف كان ومرافقوه
يضطرون إلى الذهاب إلى منزل مهجور
لإجراء مكالمات هاتفية، على ألا
تستغرق سوى دقائق قبل إغلاق الهاتف
ونزع بطاريته ومغادرة المكان. ومن مكان
غير بعيد يراقبون الصواريخ الروسية
وهي تمطر على موقع إجراء المكالمة. فقد
كان الروس أتقنوا وقتها تقنية توجيه
الصواريخ التي تستخدم إشارات الهاتف
لتحديد موقع الضحية. وكانت نفس التقنية
استخدمت لاغتيال رئيس الشيشان الأسبق
اللواء جوهر دودايف عام 1996 بينما كان
يجري مكالمة هاتفية مع ممثل الرئيس
الروسي لمناقشة خطوات إقرار السلام في
الإقليم! 3) النظام السوري يستخدم نفس التقنيات
لاغتيال النشطاء والصحافيين، كما فعل
مع فريق الصحافيين الأجانب في حي بابا
عمرو الشهر الماضي. ويؤكد المراقبون أن
تقنيين وضباطا روسا يساعدون النظام
السوري في هذه العمليات. والغرض
المزدوج من استخدام تقنية 'الدمار
الشامل' والأرض المحروقة هذه نشر
الرعب، وفي نفس الوقت حجب المعلومات
حتى لا يعرف العالم بالجرائم المرتكبة. (4) هناك بالطبع اختلاف جوهري بين الشيشان
وسوريا، لأن الأول إقليم صغير محاط من
جميع الجهات بأراضي قوة عظمى تفوقه
مئات المرات مساحة وعدد سكان، وتمتلك
ترسانة نووية. وقد نجح الشيشان الأشاوس
في هزيمة الجيش الروسي مع ذلك عدة
مرات، ولكنهم لم يكتفوا بذلك، بل قاموا
في عام 1999 بمحاولة اجتياح مناطق أخرى
من الأراضي الروسية. وعليه لم يكن بوسع
روسيا القبول بهذا الوضع. (5) غالبية الروس كانوا يختلفون مع الشيشان
ديناً وعرقاً، ولم يكن هناك تعاطف
معهم، خاصة وأن مقاتليهم ظلوا
يستخدمون تكتيكات إرهابية تستهدف
الروس بدون تمييز. وعليه حين شن بوتين
الحرب عليهم بلا رحمة، تلقى التأييد من
الروس بدلاً من الانتقاد. وقد شن بوتين
في نفس الوقت حملة ضد القوى الليبرالية
وضد الإعلام الحر، حيث لقي عشرات
الصحافيين مصرعهم، وسجن المعارضون
بتهم ملفقة، حتى دانت البلاد لبوتين. (6) في سوريا بالمقابل، تشن الحرب على البلد
كافة وحواضرها ، ومن داخلها. ونظير هذا
أن يشن بوتين الحرب على موسكو
وبطرسبيرغ وفلاديفوستوك وغيرها من
حواضر روسيا. ولو فعل لكان سقط بدون
تأخير. ففرق بين أن تشن حرب على أقلية
متمردة في ركن قصي، وأن تشن الحرب على
كل الشعب في كل البلاد. 7) بنفس القدر فإن محاولة خنق انسياب
الأخبار من الداخل السوري في عصر
الانترنيت يختلف عن محاولة حجب
المعلومات من إقليم صغير داخل دولة
كبرى، وفي غياب السند القانوني
والتعاطف السياسي مع مطالب الشيشان في
الاستقلال، والتوجس من الميليشيات
التي كانت تهيمن على أمورها. وحتى لو
كان هناك تعاطف، فلم تكن الدول الكبرى
لتجازف بمواجهة مع دولة نووية عظمى حول
شأن كهذا. (8) من هنا فإن استخدام التقنية التي نجحت في
إخضاع الشيشان لا تصلح لإخضاع الشعب
السوري، لأن موازين القوى مختلفة،
والقدرات مختلفة، والزمن مختلف. ولعل
النموذج الأقرب لما يجري في سوريا هو
نموذج رواندا أو صربيا، حيث مارست
ميليشيات متطرفة التطهير العرقي
والإبادة في حق الجيران، خرجت فيها على
كل الأعراف والمحرمات. فقد قتل الجار
جاره، وأجبر أفراد الأسر على قتل
أقربائهم، وتفشى الاغتصاب والإحراق.
وفي العموم أهملت إنسانية الضحية
وافتقدت إنسانية الجناة الذين تحولوا
إلى وحوش ضارية. وقد مني الجناة في
نهاية المطاف بهزيمة فادحة، حيث تحول
القادة (وفي حالة الهوتو، حتى قطاع
كبير من الشعب) إلى مطاردين هائمين على
وجوههم في الغابات والمنافي، أو في
السجون. (9) ولكن حتى هنا يوجد فرق مهم، وهو أن كل من
الصرب والهوتو كانوا أغلبية في
البلدان التي حكموها، ومع ذلك لم يغن
ذلك عنهم شيئاً. أما الأسد وشيعته فهم
أقلية من أقلية. وهم فوق ذلك، وبخلاف
قادة الصرب والهوتو الذين كانوا
يتقدمون صفوف أتباعهم في ميادين
القتال، تعيش النخبة منهم خارج الزمان
والمكان، يبتاع قادتها وزوجاتهم آخر
مستحضرات الموضة الباريسية وأحدث
الألبومات الموسيقية الأمريكية،
بينما يتساقط أهل سوريا حولهم قنصاً
وقصفاً وذبحاً وتجويعاً. ولهذا فإن
سقوطهم سيكون مدوياً ومأساوياً على
طريقة التراجيديا الإغريقية. 10) ما لم يدركه الأسديون وهم يحتفلون في
قوقعتهم الباريسية ببقائهم في الحكم
بعد مرورعام على الثورة هو أن النظام
قد سقط حكماً منذ وقت طويل بعد أن دفن
نفسه في تلال جماجم ضحايا مجازره. ومثل
هذا الموت الأخلاقي الشامل لا يشبه
سقوط الأنظمة العادية، بل هو لعنة
ستطارد أجيالاً من مسانديه، شأن
النازيين في ألمانيا والهوتو في
رواندا. وإذا كانت المنشأة الروسية
الإيرانية قد أبقت الجثة واقفة لبعض
الوقت، فإنها لم تنجح في إخفاء رائحة
الموت التي تفوح منها. ================= سنة على الانتفاضة
السورية: أضاليل 'أرباح' النظام صبحي حديدي 2012-03-15 القدس العربي إذا جاز الاختلاف في الرأي حول ميزان
الأرباح والخسائر بين الشعب والنظام،
في حصيلة سنة من عمر الانتفاضة
السورية، فإنّ الوقائع الملموسة على
الأرض تتمتع باستقلالية عظمى في ترجيح
كفّة الحقيقة، وهي تالياً لا تتيح رفاه
السفسطة والجدال: بين ما فعلته وتفعله
أدوات بطش النظام، في مدن ومناطق مثل
درعا وريف دمشق وحماة وحمص ودير الزور
واللاذقية، وما استخدمته من صنوف
الأسلحة الثقيلة كافة؛ وما حصدته من
نتائج هزيلة على صعيد وأد الحراك
الشعبي، وإعادة زرع ثقافة الخوف في
نفوس السوريين. ليس من اللائق، هنا،
تفعيل سجال بين رأي ورأي آخر، حول
الرابح والخاسر بين فرقة نظامية خاصة،
لا تشبه في تسليحها وامتيازاتها
وتركيبها، أية وحدة عسكرية على وجه
الكون، وبين شارع شعبي، سلمي، لم يحمل
أي سلاح، خفيف أو ثقيل، أبيض أو ناري،
حتى هذه الساعة (إذْ أنّ كتائب 'الجيش
السوري الحرّ' حكاية أخرى، ومعظمها لا
يسلّح المتظاهرين بقدر ما يحاول
حمايتهم، خاصة في التجمعات السكانية
الواسعة). كما يتوجب، عقلياً على الأقل، أن يُسقط
المرء مبدأ النسبية من الميزان ذاته،
لأنّ إقامة تناسب من أي نوع بين تعاظم
التظاهرات يوماً بعد يوم، في خطّ
متصاعد من حيث العدد والتنوّع والنطاق
الجغرافي، لا يتناسب البتة مع اشتداد
طرائق النظام الوحشية، والهمجية
الصرفة، في محاولة كسر هذا الإيقاع.
فليس من مقدار نسبي هنا، في توزيع حصص
الانتصار أو الانكسار بين الشعب
والنظام، لأنّ اتساع الحراك الشعبي،
ضمن هذه السياقات الشاقة من القمع
والترهيب والقتل والاعتقال والحصار
والقصف العشوائي والأرض المحروقة، هو
انتصار صرف للشعب، لا يُنازع. في
المقابل، فإنّ عجز أجهزة النظام
المختلفة، من الوحدة العسكرية إلى
المفرزة الأمنية وقطعان الشبيحة
والميليشيات، عن تضييق خرائط
الاحتجاج، رغم كل ما اعتُمد من خيارات
قصوى لم تحرّم جريمة ولا مذبحة ولا
حصاراً، أياً كانت العواقب الإنسانية
أو السياسية أو الوطنية، هو هزيمة صرفة
للنظام. فما الذي يتبقى في الميزان من 'أرباح'
للنظام، إذْ لا مفرّ من أن يكون قد كسب
في هذه الجولة أو تلك، واستغلّ ورقة
هنا وأخرى هناك، وإلا يقول قائل، بحقّ
فكيف تمتّع بدرجة عالية من التماسك
الداخلي، ولم تتعرّض مؤسساته المختلفة
لانهيارات من أي طراز؟ وإذا صحّت،
وتتضح صحتها كلّ يوم، تلك الخلاصة
البيّنة التي تشير إلى أنه لم يفلح في
حسم المعركة ضدّ الشعب، ولم تنقلب
خساراته إلى مكاسب، فما الذي جعل
النظام يصمد طيلة عام كامل؟ وأخيراً،
هل يجوز الحديث عن وصول الوضع في سورية
إلى صيغة 'لا غالب ولا مغلوب'، كما
يعتبر الكثيرون، بحيث أنّ النظام لم
يسقط، والانتفاضة لم تنكسر؛ وما هي
آفاق المستقبل إذاً، وفي صالح مَنْ
يسير الزمن، وما الذي سيتبدّل في
موازين القوى الداخلية، أوّلاً، وتلك
التي تتقاطع مصالحها حول الملف السوري
عربياً وإقليمياً ودولياً؟ والحال أنّ 'أرباح' النظام ليست سوى تلك
الثمار ذاتها التي توجّب أن تطرحها
خياراته في مواجهة الانتفاضة، ولا
سيما اعتماد الحلّ الأمني العنفي
المباشر في المقام الأوّل، ثمّ رفده
بسلسلة مخططات خبيثة لتفريق الصفّ
الوطني، والترهيب من الحرب الأهلية
والطائفية، ومحاولة افتعال الشرارات
التي يمكن أن تؤدي إلى اندلاعها،
وتهويل احتمالات عسكرة الانتفاضة،
وتضخيم موقع المكونات الإسلامية
المتشددة داخل صفوفها، وتدبير أعمال
إرهابية تُنسب إلى 'القاعدة'، وإثارة
هواجس الأقليات... فضلاً عن تغطية هذا
المناخ، كلّه، بأكاذيب 'الإصلاحات'
السياسية التي تستهدف ذرّ الرماد في
العيون. 'أرباح' النظام هي، في اختصار
بسيط، مزيج من ارتكاب الجرائم وإشاعة
الأضاليل، في غمرة يقين مركزي لم
تتزحزح عنه الطغمة الحاكمة: إمّا نحن،
أو الطوفان! على سبيل المثال الأبرز، كان النظام قد
أدرك منذ اليوم الأول أن اعتماد الحلّ
الأمني العنفي المباشر، بما انطوى
عليه من فظائع تقشعر لها الأبدان، خاصة
في اغتصاب النساء والصبايا، وتعذيب
الأطفال والتمثيل بجثثهم، سوف يفلح
ذات يوم في جعل بعض السوريين يبحثون عن
السلاح، أي سلاح، دفاعاً عن النفس.
ولقد حدث مراراً أنّ صواب النظام طاش
أكثر، حتى بلغ مستوى السعار والجنون،
لأنّ هذا المخطط لا يتحقق بالسرعة التي
ينتظرها، ولم تتلهف غالبية من
السوريين على اقتناء السلاح،
واستخدامه على أي نحو، سواء ضدّ عناصر
أجهزة النظام، أو أهلياً بين مواطن
معارض وآخر موالٍ. ومجموعة المجازر،
التي ارتُكبت هنا وهناك، وفي حمص وجبل
الزاوية بصفة خاصة، نفّذتها أجهزة
النظام وحرصت على تسريب أشرطتها،
والإبقاء على جثث ضحاياها، بل وتعمّدت
ترك شهود عيان يسردون أهوالها لكي
تنقلب إلى مادة تحريض موثقة، تُلهب
النفوس وتدفع الناس إلى حمل السلاح
وطلب الثأر. المستوى الثاني، العجيب والمحزن، من هذا
الطراز في 'الأرباح'، هو ذاك الذي يكسبه
النظام من طرف غير منتظَر، أو بالأحرى
لا يُنتظَر منه في المنطق البسيط، على
الأقلّ إلا أن يُلحق بالنظام الخسائر،
لا أن يُكسبه المغانم. هذا الطرف هو بعض
شرائح 'المعارضة' السورية، التي سرعان
ما انقضت على حكاية تسلّح أفراد من
المواطنين، فاعتبرت أنهم حرفوا
الانتفاضة عن مسارها، بل خانوا مبدأ
السلمية والنضال بالصدور العارية
المفتوحة وحدها. هؤلاء انتظروا من
المواطن السوري أن يبقى في حال ملائكية
طهرانية مطلقة، مكتوف اليدين، نقيّ
المشاعر، طيب القلب... وهو، مثلاً، يدخل
إلى بيته فيبصر ابنته مغتصبة، وطفله
قتيلاً مشوّه الجثة، وزوجته مصلوبة
على نافذة، وجدران بيته كُتبت عليها
عبارة 'إما الأسد أو لا أحد'! طراز ثانٍ من 'الأرباح' يدور حول احتمالات
الحرب الطائفية، وخاصة بين غالبية
السنّة في صفّ، وغالبية الأقليات
المذهبية والدينية في صفّ آخر؛ بحيث
يبدو النظام حامي الأقليات وضامن
حقوقها وحافظ وجودها من الانقراض،
وتبدو الانتفاضة في موقع الطرف النقيض
الذي لن يستأثر بسورية ويلتهمها لقمة
سائغة فحسب، بل سيمارس فيها صنوف 'التطهير'
المذهبي والعرقي. ليس هنا المقام
المناسب للخوض في تفاصيل هذه المسألة،
الشائكة المعقدة التي لا يجوز
اختزالها إلى صياغات تبسيطية شعبوية،
ولكن لا مناص هنا أيضاً من العودة إلى
ذلك المواطن السوري الذي يُراد منه أن
يكون أقرب إلى الملاك في مشاعره، بصدد
مسؤولية بعض أبناء الطائفة العلوية عن
فظائع النظام. فإذا زلّ لسانه هنا، أو
عبّر عن حسّ طائفي بالفعل مرفوض ومدان
لا ريب، ولكنه ليس بكثير على بشر من لحم
ودمّ فإنّ الطامة الكبرى تكون قد وقعت،
وصارت الحرب الأهلية على الأبواب، قاب
قوسين أو أدنى! هنا أيضاً، أن يصدر هذا السلوك الغوغائي،
الديماغوجي التضليلي بامتياز في
الواقع، عن دوائر النظام وأجهزته
وأشياعه، ليس داخل سورية فحسب، بل
خارجها أيضاً؛ أمر لا يدعو إلى كبير
استغراب، إذْ أنّ عدم صدوره هو الغريب
العجيب. ولكن أن يصدر عن بعض أطراف 'المعارضة'،
بصرف النظر عن خلفيات القائل الطائفية
أو الدينية، اتكاء على وقائع فردية
معزولة، تلقائية أو غريزية تخصّ
العلاقة بين الفعل وردّ الفعل، أمر
يصبّ المياه في طواحين النظام، بل
يُكسبه مغنماً من حيث لا يحتسب مهندسو
إشعال الحرائق الطائفية! وليس جديداً
التشديد على أنّ النظام طوّر طرائق
عديدة في تنفيذ هذا الخيار الخبيث،
وتعمّد وضعه ضمن سياسة أعرض ذات أغراض
داخلية وخارجية، تمتزج فيها عناصر
إخافة المواطنين من كوابيس حرب أهلية
بين الطوائف والمدن والبلدات والقرى،
وإخافة المواطنين من بعضهم البعض،
وإخافة الخارج الإقليمي والدولي من
مغبّة ما ينتظر سورية من أخطار التقسيم
والتفتت. ولقد حدث أن تنطح لترهيبنا،
نحن السوريين، أشقاء عرب 'ممانعون' و'مقاومون'
ذرفوا دموع التماسيح على استقرار
سورية ووحدتها الوطنية، حتى كاد البعض
منهم أن يطالبنا بتأجيل الانتفاضة بضع
سنوات... حتى تنقضي الأخطار المحدقة
ببلدنا وشعبنا! وبالطبع، لم نعدم 'أخصائياً'
عبقرياً مثل الباحث الأمريكي جوشوا
لانديس، المطبّل للنظام على نحو تعجز
عنه أبواق السلطة ذاتها، يحذّر من أنّ
سورية لم تكن موحّدة في أيّ يوم، وأنّ
انقسامها إلى طوائف وإثنيات ناجم عن
تشرذم حدودها بين الدول! طراز ثالث من 'الأرباح' هو ذاك الذي يتساءل
عن السبب في تماسك مؤسسات النظام حتى
الساعة، وعدم وقوع انشقاقات
دراماتيكية على مستوى عالٍ في مختلف
أجهزة السلطة، المدنية أو الحزبية أو
العسكرية أو السياسية. الجاهل بطبيعة
النظام السوري يُعذَر جزئياً، حين
تفوته حقيقة أنّ أي انشقاق لمسؤول كبير
سوف يستتبع قيام الأجهزة بنشر غسيله
القذر على الملأ، لأنّ الغالبية
الساحقة من هؤلاء هم لصوص فاسدون،
أجراء صغار أو كبار عند شبكة المافيا
التي تنهب سورية منذ أربعة عقود ونيف.
أمّا ابن البلد، السوري، سليل هذا
الفريق أو ذاك في 'المعارضة'، فكيف
للمرء أن يعذره إذا اعتبر أنّ غياب
الانشقاقات الكبرى هو الدليل على
تماسك النظام؟ ومن ذا الذي يمكن أن
ينشقّ، في نهاية المطاف، إذا كان أمره
مستوراً وهو منضوٍ صامت تحت 'خيمة'
النظام، في حين أنّ أولى نتائج انشقاقه
سوف تكون افتضاح موبقاته جمعاء؟ طراز رابع يكسبه النظام من تلك الحماية
الخاصة التي تمتّع بها على الدوام،
ويتمتع بها اليوم أيضاً، المعلَنة
بالنسبة إلى دول مثل إيران وروسيا
والصين، والمبطنة بالنسبة إلى دول مثل
إسرائيل والولايات المتحدة ومعظم دول
الإتحاد الأوروبي. صحيح أنّ البعض من
الحماة هؤلاء لا يتورّع عن رفع وتائر
الضغط اللفظي على النظام، وتشديد
العقوبات الاقتصادية على رجاله؛ إلا
أنّ الثابت حتى الساعة هو اليقين بأنّ
نظام بشار الأسد، بوصفه نسخة عن نظام
أبيه حافظ الأسد، هو أهون الشرور التي
يمكن أن يسفر عنها مستقبل سورية، بل هو
الشرّ الأفضل كما برهنت تجربة 42 سنة.
المصيبة ليست هنا، لأنّ السذّج أو
الأتباع هم وحدهم الذين ينتظرون خير
سورية من الجهات ذاتها التي ساندت نظام
الاستبداد والفساد؛ بل في أنّ بعض
أطراف 'المعارضة' يأخذ على أطراف أخرى
أنها تنوي الدخول إلى دمشق، على ظهر
دبابة أمريكية (الأمر الذي يوحي،
ضمناً، أنه لا مشكلة في الدخول على ظهر
دبابة إيرانية، مثلاً!). هذه، وسواها، 'أرباح' لا تغادر نطاق
الأضاليل، اقتات عليها النظام طيلة
الأشهر الماضية، وسيفعل بعض الوقت
أيضاً؛ إلى حين، قصير الأجل غنيّ عن
القول، فالضلالة تذهب بريح المضلِّل،
ما دامت لا تجد ضالتها في مضلَّل. ليست
سورية في وضع عالق، وثمة حصيلة يومية
لشعب غالب إزاء نظام مغلوب، والميزان
للأبقى، الغالب. الكثير فات، ولم يتبقّ
إلا القليل. ================= رأي القدس 2012-03-15 القدس العربي الاحتفالات بمرور عام على انطلاق
الانتفاضة الشعبية السورية المطالبة
بالتغيير الديمقراطي جاءت اقل حماسا
مما كان متوقعا، لأن النظام ما زال
قويا ومستمرا في حلوله الامنية
الدموية التي ادت حتى الآن الى سقوط
ثمانية آلاف انسان معظمهم من
المدنيين، ويحظى بدعم دول عظمى مثل
روسيا والصين، بينما يعاني المجلس
الوطني السوري، المظلة الاكثر تمثيلا
للمعارضة، من انقسامات حادة في صفوفه
انعكست سلبا على معنويات الكثيرين
داخل سورية وخارجها. ان يصمد المناهضون للنظام في المدن
السورية لأكثر من 12 شهرا في مواجهة
قوات عسكرية وامنية شرسة، فهذا اعجاز
بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى، ولكن
السؤال هو: الى متى سيستمر هذا الصمود
في ظل تراجع عمليات الدعم العربي
والدولي بشكل ملحوظ؟ القطاع المنتفض من الشعب السوري اراد
بانتفاضته هذه ان يستعيد كرامته
وحريته، ويؤسس لدولة حديثة تحترم حقوق
الانسان وتقوم على القضاء العادل
المستقل والفصل بين السلطات واجتثاث
الفساد من جذوره، ولكن طموحات
المعارضة السورية التي تطالب بالتدخل
الدولي العسكري ،على غرار ما حدث في
ليبيا، لاسقاط النظام اصطدمت بالفيتو
المزدوج الروسي الصيني، وتلكؤ الدول
العربية، والخليجية خاصة، في التجاوب
مع نداءات الاغاثة الصادرة من المناطق
المنكوبة في حمص وحماة وإدلب على وجه
الخصوص. ولا نبالغ اذا قلنا ان جامعة الدول
العربية ارتكبت اخطاء كارثية في
ادارتها للأزمة في سورية، عندما اساءت
تقدير الدعم الروسي الصيني للنظام
السوري اولا، وعندما صعّدت آمال
السوريين المناهضين له، اي النظام، في
امكانية التدويل وجرّ الولايات
المتحدة والدول الغربية الاخرى الى
التدخل عسكريا واطاحة النظام، مثلما
نجحت في اطاحة نظام العقيد معمر
القذافي في ليبيا. النقاط الخمس التي جرى التوصل اليها في
ختام اجتماع وزراء الخارجية العرب مع
نظيرهم الروسي سيرغي لافروف اعترفت
للمرة الاولى بوجود جماعات مسلحة
مناهضة للنظام وتخوض حرب استنزاف ضده،
عندما طالبت احداها بوقف اطلاق النار
من الجانبين، ورفضت نقطة اخرى التدخل
الخارجي، واكدت ثالثة على الحل
السياسي كمخرج من الأزمة، وكخيار
اساسي لحقن الدماء. وجاءت مهمة كوفي
عنان مندوب الامم المتحدة والجامعة
العربية لتؤكد على النقطة الاخيرة اي
الحل السياسي، وحتمية الحوار بين
المعارضة والنظام. النظام السوري الذي يشعر بحالة من الثقة
العالية، بسبب الدعم الذي يحظى به من
حلفائه الروس والصينيين والايرانيين،
ونجاحه في السيطرة النسبية على اهم
معاقل الانتفاضة في ادلب وحمص وحماة،
انزل الملايين، حسب التقديرات
الرسمية، الى الميادين العامة في مدن
كثيرة، للتعبير عن مدى التأييد الذي
يحظى به في اوساط انصاره ومؤيديه. من الصعب التنبؤ بما يمكن حدوثه في الاشهر
المقبلة، لكن هناك مؤشرات تعكس بعض
التغيير في مواقف دول غربية وعربية
تجاه انتفاضة الشعب السوري المشروعة،
مثل حديث الفريق ضاحي خلفان تميم رئيس
شرطة دبي عن مخاوف خليجية من سيطرة
الاسلاميين على الحكم في سورية، وتردد
صدى هذه المخاوف في بعض الاوساط
الامريكية والاوروبية التي تعارض
تسليح المعارضة، خشية سقوط هذه
الاسلحة في ايدي جماعات متشددة مثل 'القاعدة'. اجتماع 'اصدقاء سورية' الذي سيعقد في
اسطنبول في الثاني من الشهر المقبل،
وتشارك فيه اكثر من ستين دولة، سيعطي
صورة افضل عما ستتخذه هذه الدول من
خطوات، وما يمكن استشفافه من
التصريحات التركية وبعض العربية
والغربية هو عودة التركيز على الحلول
السياسية وتقديمها عما عداها. الحلول السياسية تعني بقاء النظام مع
اجراء بعض الاصلاحات الديمقراطية
الجدية، وابرزها تداول السلطة
والتعددية الحزبية، وانخراط المعارضة
في حوار مع النظام للوصول الى هذه
الأهداف. الكرة الآن باتت في ملعب المعارضة، ولكنه
ملعب مليء بالمطبات والحفر، فعندما
تحدث الشقوق في صفوفها، وتتبادل
قيادتها الاتهامات بالتخوين
والعمالة، سواء للنظام او لجهات
اجنبية، فإن الصورة تبدو قاتمة وبما
يخفف الضغوط على النظام، ويزيد من
التفاف انصاره خلفه. مشكلة الشعب السوري ليست محصورة في
النظام الديكتاتوري وحسب، وانما في
معارضته ايضا التي لم ترتق الى مستوى
تضحياته. ================= الجمعة, 16 مارس 2012 راغدة درغام – نيويورك الحياة بدأت الرقصة الأصعب بين كبار اللاعبين
الإقليميين والدوليين مع دخول الأمين
العام السابق للأمم المتحدة كوفي أنان
حلبة قيادة التانغو على نغم المفاوضات
في شأن سورية. الاستراتيجيات
الأوروبية بدأت تتناثر وتتشعب،
والمواقف الأميركية أخذت في التراجع،
وذلك بذريعة الانطواء تحت علم مهمة
أنان. روسيا مرتاحة لأن الجولة الأولى
من استراتيجية أنان كمبعوث مشترك
للأمم المتحدة ولجامعة الدول العربية
أتت لصالح موسكو، فمواقفه الافتتاحية
كادت تتطابق مع المواقف الروسية في شأن
كيفية البدء بالبحث عن الحلول
والمخارج من الأزمة السورية. جامعة
الدول العربية عبر الأمين العام نبيل
العربي رفعت علم المفاوضات كما يريدها
أنان تاركة المساحة له لتعريف مهامه
كما يرى. فجأة أحاط الغموض مرجعية
ولاية كوفي أنان بعدما كان المفهوم
الأساسي أن هذه الولاية مبنية على
التباحث في آليات نقل السلطة في دمشق
عبر عملية سياسية. تزامن هذا الغموض
المؤاتي مع تجنيد كثير من المراكز
الفكرية الأوروبية والأميركية نفسها
اما لرفض «التورط» في سورية والاكتفاء
بالانزواء بعيداً عما يحدث هناك، أو
كما فعل المجلس الأوروبي للعلاقات
الخارجية ECFR، فإنه تقدم بإستراتيجية
لإعطاء «دور القيادة في صياغة وقف
النار» الى موسكو و «الانضمام الى
إصرارها بأن تكون المفاوضات مع النظام
(في دمشق) غير مرتكزة الى الشرط المسبق
بزوال نظام بشار الأسد». كاتب هذه
المذكرة السياسية، جوليان بارنز-دايسي،
وصف بنفسه استراتيجيته المقترحة بأنها
«مثيرة للاشمئزاز»، انما «قد لا يكون
هناك سواها لوقف سفك الدماء». هذا
التحوّل في السياسات والمشاعر وفي فكر
قطاعات مهمة في الساحة الأوروبية
الأميركية يتطلب من الدول العربية
التي تعارض هذا الطرح، أن تُطوّر
استراتيجياتها وتعيد صياغة بعضها
جذرياً. تكتيك المواجهة السياسية مع
روسيا أو التحدث بلهجة قاسية مع كوفي
أنان يبقى مجرد تكتيك، ولا يشكل
استراتيجية. كذلك أسلوب التخجيل أو
انتظار الفشل لا يشكل استراتيجية. فإذا
كانت الدول الرافضة لاستمرار النظام
في دمشق وبقاء بشار الأسد في السلطة
متمسكة بهذا الموقف، فعليها صياغة
سياسة تأخذ في حسابها الآن ان هناك مَن
يعارض إصرارها على أن يكون انتهاء حكم
بشار الأسد شرطاً أساسياً من
المفاوضات، سيما تلك التي يقوم بها
المبعوث الأممي والعربي كوفي انان.
عليها ان تصيغ إستراتيجية تأخذ في
الحساب انها ستكون في مواجهة ليس فقط
مع روسيا والصين، وإنما أيضاً مع
الولايات المتحدة وأوروبا عملياً،
فتسليح المعارضة السورية أيضاً تكتيك
وليس إستراتيجية. وما تتطلبه المرحلة
الراهنة هو التفكير في نوعية البديل في
السلطة في دمشق وهويته كعنصر أساسي من
عناصر احتمال التفاهم مع روسيا
بالدرجة الأولى، ذلك ان لغة المصالح لم
تعد تلك التقليدية المحصورة بالنفط
والمال والتواجد العسكري في منطقة
الشرق الأوسط، بل ان الكرامة والإهانة
باتتا عنصراً مهماً في الاعتبارات
الروسية ما بعد انهيار الاتحاد
السوفياتي، هذا الى جانب جدية شعور
روسيا بالتهديد المباشر لها إذا استمر
صعود الإسلاميين الى السلطة، الأمر
الذي يتطلب من دعاة التغيير في سورية
التمعن فيه بجدية. كوفي أنان يعتبر نفسه طوق النجاة الأخير
لبشار الأسد، وهو عازم ألاّ يكون
المفاوض على الساحة المحلية السورية
فحسب، وانما بين كبار القيادات، وعلى
رأسها الأميركية والروسية. أنان يريد
إنجاح مهمته، بطبيعة الحال، وهو يعتبر
أن لا مجال له للنجاح إذا دخل حلبة
الحلول السياسية وفي يده ورقة إعدام
النظام في دمشق يقدمها الى الأسد ليوقع
عليها. العكس تماماً صحيح، فأنان يدرك
ان في حال اتخاذ الأسد قرار الانتحار
السياسي، فإنه لن ينتحر وحيداً. يدرك
ان تسليم ورقة الإعدام السياسي لبشار
الأسد سيغلق باب الحلول السياسية.
والسؤال هو: ماذا في ذهن أنان؟ الأرجح ان في جيب انان عدة أوراق جاهزة
للحرق كما في جيبه عدة أوراق جاهزة
للمقايضة. أولويته ارتكزت الى ضرورة
فتح قناة مباشرة بينه شخصياً وبين بشار
الأسد نفسه، وهو يحبذ أن تبقى القناة
على ذلك المستوى ولا تنزلق الى قناة
بين كوفي أنان وبين وزير الخارجية وليد
المعلم، مهندس السياسة السورية مع
الجهات الدولية، فكوفي أنان يريد
تحميل بشار الأسد شخصياً مسؤولية فشل
مهامه -إذا فشل-، وهو يريد ان يقدم له
إغراءات النجاح -إذا توافرت عناصر
النجاح-. كوفي أنان عُرف دائماً بأنه الرجل الذي
يُحسِن الإبحار Navigator، ذو النفس الطويل والمفاوض
المحنّك. أنان لا يحب الفشل ويكره ان
يكون محط انتقاد. انه سلس الشخصية لكن
معدنه صلب. علاقاته مع الحكومة السورية
وأركانها اتسمت بالصداقة ولقد كان
متساهلاً مع دمشق أثناء المواجهة بين
سورية وبين فرنسا والولايات المتحدة
الناتجة عن دور سورية في لبنان، سيما
قبيل اغتيال رئيس الحكومة اللبنانية
السابق رفيق الحريري قبل 7 سنوات
وبعده، حين كان أنان الأمين العام
للأمم المتحدة. خلفية تلك المواقف التي اتخذها أنان
حينذاك مازالت غامضة حتى اليوم، وليس
واضحاً ان كان أنان مازال متمسكاً بما
أدى به الى تلك المواقف أو أنه أعاد
النظر، وهذا عامل مهم في تفكيره نحو
مهامه الجديدة الآن كمبعوث، وليس
كأمين عام. الأمين العام الحالي للأمم المتحدة بان
كي مون يقف في خندق مختلف، انه في طليعة
الناقدين بحدة للنظام في دمشق وهو قد
استنتج ان مصير هذا النظام هو الزوال
بعدما فقد شرعيته أمام شعبه وتعاطى مع
شعبه بالقتل. بان كي مون اتخذ لنفسه
مبدأ يريد أن يكون عنوان سيرته
التاريخية، وهو مبدأ عدم الإفلات من
العقاب. كيف سيفرز هذا الاختلاف الجذري بين
الرجلين نفسه؟ ليس معروفاً بعد،
ولربما يلتقيان تماماً إذا أفشل بشار
الأسد مهام كوفي أنان، أما إذا كانت
هناك صفقة أو صيغة سياسية قوامها
استمرار الرئيس والنظام في السلطة،
فالأرجح أن تبرز الخلافات. بان كي مون لا يتعاطى مع المسألة السورية
عاطفياً، وإنما من منظور تقويمه
للتغيير الذي أتى الى المنطقة العربية
قبل سنة، فهو يرى ان لا مجال لعودة
الأمور الى نصابها، وهذا في رأيه يعني
ان لا مناص من انتهاء حكم الحزب الواحد
في سورية ولا مجال لاحتكار حزب البعث
الحكم هناك. وهذا يعني أيضاً ان ما دام
الرئيس السوري ينظر الى المعارضة على
أنها ارهاب، لن يكون هناك مجال لتسوية
سياسية. أما إذا كان الهدف هو تقديم
صيغة لإستراتيجية خروج مقبولة، حتى
ولو كانت بضمانات حصانة على نسق خروج
الرئيس اليمني علي عبدالله صالح من
السلطة، فالأرجح ان يضع بان كي مون
حينذاك الواقعية في المرتبة الأولى
باسم إنقاذ الأرواح. علاقة كوفي أنان مع الأمين العام لجامعة
الدول العربية نبيل العربي ليست
بالقدر نفسه من التعقيد، فنبيل العربي
ليس في مواجهة مع أنان، لأن أنان لربما
يعطيه خشبة خلاص انتقالية، علماً بأن
الدول العربية منقسمة الآن في مسألة
كيفية التعاطي مع سورية، ولربما قرأ
نبيل العربي جيداً المؤشرات الآتية من
العواصم الغربية واستنتج انها تريد «استراحة
مؤقتة» عبر مهام أنان، لمعالجة
المسألة الروسية وليس السورية فقط. السفير الأميركي السابق لدى الأمم
المتحدة، الديبلوماسي المخضرم توماس
بيكرنغ، عضو مجلس الإدارة في «اللجنة
الوطنية للسياسة الأميركية الخارجية»National
Committee on American Foreign Policy أثناء حفل تكريم اللجنة للرئيس التنفيذي
لشركة كوكا كولا مهتار كنت، وللسفير
الأميركي السابق لدى أفغانستان كارل
ايكنبري، قال انه لا يرى أي مجال لمهمة
ديبلوماسية كمهمة كوفي أنان «إذا
انطلقت من شروط مسبقة»، وأضاف ان «الموقف
المبدئي أوافق معه، انما لا أرى أي
مجال للنجاح إذا انطلقت المهمة من شروط
مسبقة». هذا هو أيضاً رأي وزير الخارجية الروسي
سيرغي لافروف. إنه مصرّ على ألاّ يكون
للتفاوض مع الأسد أي شروط مسبقة، بعكس
الموقف الخليجي، القائل بأن العملية
الانتقالية السياسية هي الشرط المسبق
للمفاوضات. السفير بيكرنغ يرى ان هناك
حاجة ماسة للقيادات العربية، سيما
الخليجية، لأن تدقق في أسباب ذهاب
موسكو الى درجة اختيار «عزل نفسها عن
العالم العربي» بسبب سورية. يرى ان لا
خيار أمام جميع اللاعبين سوى «استغلال
الفرص» المتاحة من أجل «تحقيق الأهداف»
البعيدة المدى. التفكير في صفوف الدول المصرّة على رحيل
بشار الأسد هو ان الأسد لا يستطيع
الاستمرار في النهج الروسي، لأنه «محاصر،
ومفلس، يواجه مقاومة مسلحة، نظامه
شوفيني». رهانهم هو على تضعضع النظام
من الداخل عبر النفس الطويل للمعارضة
ومَن يسلّحها. رهانهم هو على إرهاب
النظام عبر إنهاكه بالتسليح والتطويق
اقليمياً ودولياً. انهم يرون ان
التغيير في القيادة قرار حاسم وان لا
مفر من رحيل الأسد. معظم الاستراتيجية
تبدو متكئة على «إذا»، بمعنى الرهان
على إذا وافقت تركيا على الممرات
الإنسانية، وإذا تراجعت واشنطن عن
التأرجح في مواقفها، وإذا التأمت
مجدداً صفوف الأوروبيين، وإذا رأت
الصين ان في صالحها الابتعاد عن تعنت
روسيا. «إذا» تكتيك أيضاً، وليست
إستراتيجية. الإستراتيجية الأفضل هي تلك التي تدقق
بعمق في: لماذا تتصلب روسيا؟ وماذا
تريد؟ فالكل الآن يحاول إغراء روسيا
بالتعاون، كل لحساباته الخاصة. الإستراتيجية الخليجية نحو روسيا لا بد
ان تنطوي على الإقرار بأهمية سورية
لموسكو كنقطة تواجد استراتيجي في خضم
الهجمة الغربية على المنطقة من بوابة
صعود الإسلاميين الى السلطة.
بالتأكيد، هناك عنصر رفض موسكو
للإهانة والإبعاد، وهي تقول بوضوح إنه
مهما كلف الأمر، نحن هنا ولا نهان. انما
عنصر صعود الإسلاميين الى السلطة ليس
مجرد صفحة عابرة هامشية في الاعتبارات
الروسية. انه مسألة وجودية. روسيا
مطوقة بخمس جمهوريات اسلامية، وهي
تعتبر انه في منتهى الغباء لها ان
تصادق على تمويل ودعم خليجيين وغربي
للإخوان المسلمين -أو للسلفيين-
للاستيلاء على السلطة في العالم
الإسلامي، فهذا في رأي موسكو انتحار،
وهذا ما يجب على الدول الخليجية ان تقر
به قبل أي شيء آخر. فمفتاح التغيير في دمشق ليس فقط في رحيل
النظام، وانما في الاتفاق مسبقاً،
سورياً وإقليمياً ودولياً، على ان
البديل لن يكون إسلامياً. ================= سوريا: عندما يصبح الحق
في التدخل واجبا أمير طاهري الشرق الاوسط 16-3-2012 ما نفع التاريخ إن لم نتعلم منه درسا؟ قفز هذا التساؤل إلى ذهني وأنا أتابع مهمة
كوفي أنان اليائسة إلى سوريا. كان
الأمين العام السابق للأمم المتحدة قد
اختير من قبل خليفته بان كي مون
والجامعة العربية للتوجه إلى دمشق
لإقناع الرئيس الأسد بوقف المذابح
التي يقوم بها تجاه شعبه. وقد ذكرتني
المهمة الجديدة لأنان بمرحلة أخرى في
تاريخه المهني الدبلوماسي عام 2003،
عندما أصبحت الحرب على العراق وشيكة،
ذهب أنان إلى بغداد في «فرصة أخيرة»،
محاولا إقناع صدام حسين بقبول «الحل
السلمي». وفي طريقه إلى العراق، تحدث أنان لستة من
الصحافيين أثناء العشاء على هامش
المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس،
بسويسرا، وكان جميعنا يشعر بأن مهمة
أنان لن تسفر عن أي شيء، وعندما
أخبرناه بحقيقة شعورنا لم يتأثر
تفاؤله. وبعد أن تركنا الطاولة، توجهت بالسؤال
إلى أنان حول ما يجب على صدام عمله
لتجنب التدخل الأجنبي. وعلى الرغم من
امتناعه عن التصريح بأية تفاصيل، فإنه
أجاب بقائمة من المطالب تقضي - لو وافق
صدام على تنفيذ نصف بنودها - على نظام
حكم البعثيين في بغداد. فيما يبدو أن
أنان وهؤلاء الذين دعموا مهمته أغفلوا
حقيقة بسيطة: إن الأساليب الدبلوماسية
لا تجدي نفعا مع نظم كنظام صدام. لنعد إلى سوريا الآن، في بداية الثورة
تردد الرئيس الأسد للحظة في مفترق طرق،
كان السؤال الذي طرحه على نفسه هو:
أأقتل، أم لا؟ وقرر الأسد أن يقوم
بالقتل سواء اعتمادا على تحليلاته أو
بضغط من حاشيته، لكن الأسد عندما اتخذ
قرار القتل لم يكن هناك نقطة رجوع. وككل اللغات، يمتلك كل نظام سياسي
المفردات الخاصة به. فعلى سبيل المثال،
لا يستطيع المرء فهم النظام النرويجي
عبر قواعد تنطبق على النظام السياسي
السوري والعكس. فدراسة مفردات النظام
السوري الحالي سوف تظهر عجز الأسد عن
الشروع في إصلاحات قد ترضي معارضيه. وكل نظام سياسي لديه خرافاته، ففي حالة
النظام السوري، نجد مجموعة من
الأكاذيب في شكل خرافات: الكذبة الأولى هي تأييده للوحدة العربية،
حيث يفترض أن يكون النظام السوري أداة
تحقيق لتلك الوحدة الوهمية. وعلى الرغم
من ذلك، نعلم جيدا أنه في ظل قيادة
عائلة الأسد، كانت سوريا أبعد ما يكون
عن ذلك الهدف، حيث كان حزب البعث، الذي
تم استخدامه من قبل عائلة الأسد كستار
سياسي، أداة لانقلاب عسكري أنهى
الاتحاد مع مصر في عهد عبد الناصر. ومنذ
ذلك الحين، عملت سوريا الكثير على
تقسيم العرب أكثر مما عملت لتوحيدهم.
على مدار العقود الثلاثة الماضية،
كانت سوريا أقرب إلى إيران من أي دولة
عربية أخرى، وانتهى بها الأمر كتابع
للنظام الخميني، ولا عجب في أن يتحدث
المتحدث الرسمي الإيراني عن سوريا
كأنها مقاطعة ضمن الجمهورية الإسلامية
الإيرانية. أما الكذبة الثانية، فهي تلك المتعلقة ب«المقاومة»
ضد إسرائيل، على الرغم من حقيقة أنه
منذ تولى عائلة الأسد السلطة أصبح خط
وقف إطلاق النار مع إسرائيل هو أكثر
الحدود الإسرائيلية مع الدول المجاورة
هدوءا. الكذبة الثالثة تتعلق بادعاء النظام
حماية الأقليات، على الرغم من ذلك، حرم
نظام البعث، بجرة قلم، الأقليات
الكردية من جنسيتهم. وقيام النظام
بتقسيم السوريين إلى «أقليات» تحتاج
الحماية هو سبب كاف من أجل استمرار
الطائفية، بينما لا يحصل أي من
الأقليات على حقوق مواطنة كاملة، حيث
يتم تصوير الأغلبية السنية على أنها
وحش في انتظار أن تنزع عنه أصفاده. وخلال الأشهر القليلة الماضية، أضاف
النظام أكاذيب جديدة بالإضافة إلى
الأكاذيب الأساسية، فأخبر الأسد
المبعوثين الدوليين أنه لو تنحى فسوف
تقع البلاد في الحرب الأهلية، بينما
الحقيقة أن سوريا غير مقسمة إلى
معسكرين متساويين في الحجم، الذي يعد
السبب الرئيسي في قيام الحروب
الأهلية، فإذا تنحى الأسد جانبا
فسيصبح بإمكان السوريين، بما فيهم
الجزء المؤيد للنظام، العمل معا من أجل
انتقال سلمي. يعمل الأسد الآن باستماتة للتحريض على
حرب أهلية. وقد حاول النظام التابع له
تقسيم المعارضة من قبل، حتى من خلال
تكوين جماعات معارضة مزيفة تابعة
لأجهزة الاستخبارات الخاصة به، بينما
قامت الشبيحة التابعون له بالكثير من
المجازر الجماعية بهدف استثارة رد فعل
مسلح يسمح له بوصف معارضيه
بالإرهابيين. ولكن الخبر السعيد أنه،
آجلا أم عاجلا، سوف يتم كشف تلك
الأكاذيب السياسية. إن التحليلات السابقة ليس الهدف منها
إحباط أنان أو الجهود الدبلوماسية مثل
تلك التي يقوم بها. بل على النقيض من
ذلك، فمن الحكمة أن نعطي فرصة
للدبلوماسية كما حدث في العراق، لنقنع
الرأي العام العالمي بأنه لا يوجد حل
دبلوماسي للأزمة السورية ما دام الأسد
باقيا في السلطة. لقد أظهرت مهمة أنان الحقيقة التي يعيها
كثيرون منذ البداية، حيث تتجه سوريا
نحو وضع يصبح فيه حق التدخل، المعروف
الآن في القانون الدولي، واجبا على
هؤلاء القادرين على إحداث تغيير. ومع الأسد، والطغاة أمثاله، لا يستطيع أي
دبلوماسي، حتى إذا كان بعبقرية أنان،
أن يصل لأي حلول، وليس بإمكان
الدبلوماسية أن تقنع نظام الأسد بأن
يتصرف عكس الاتجاه السياسي الخاص به،
فالنظام الذي نشأ من خلال العنف واستمر
في السلطة عبر المذابح، والاعتقالات
الجماعية، والرقابة والفساد، لا
يستطيع أن يتصرف على عكس طبيعته. ففي
هذا النظام الفاسد لا يمكن لأفضل
الرجال أن يفعل الكثير، بينما يمنع
النظام الشريف الرجال الفاسدين من
القيام بما هو أسوأ، عندما يقوم أشرار
بإدارة نظام فاسد تصبح تلك مأساة. ============================ ذكرى ثورة.. جرح سوري
ينزف في خاصرة الضمير الإنساني ..
نظام الأسد لم يلتزم بخطوط حمراء
واستخف بآدمية الإنسان فنكل بالأسرى
والمعارضين ورقص على جثثهم أبها: نزار عبدالباقي 2012-03-14 الوطن السعودية في مثل هذا اليوم من العام الماضي، كتب
طفل صغير يدرس في إحدى مدارس درعا
عبارة "الشعب يريد تغيير النظام"،
تأثرا بما يشاهده على شاشة التلفزيون
من مشاهد الربيع العربي. ورد عليه آخر
كاتبا على الحائط نفسه "يسقط بشار"،
فارتعدت فرائص مدير المدرسة وسارع إلى
إبلاغ سلطات الأمن بالواقعة. غضب مسؤول الأمن السياسي في المحافظة
العميد عاطف نجيب ابن خالة الرئيس
بشار، وأمر باستدعاء 16 تلميذا اشتبهت
إدارة المدرسة في أن الفاعل أحدهم.
وعندما أخبره بعض وجهاء المدينة بأنهم
مجرد أطفال قاصرين تحجج بأنه يريد
التعرف عليهم فقط وأوهمهم بأن المسألة
منتهية. لكنه نكث بوعده بمجرد حضورهم
فأمر باعتقالهم وصار يتهرب من مقابلة
الأهالي ولا يرد على اتصالاتهم
الهاتفية. عندها ذهب كبار رجال البلدة لمقابلة نجيب
في أحد الأماكن العامة، وطلبوا منه حل
المشكلة فلم يرض. فقام أحد الرجال وأخذ
عقاله عن رأسه ووضعه على الطاولة كناية
عن رفضهم الخروج قبل حل المشكلة، فنادى
نجيب أحد عناصر الأمن وأمره بوضع
العقال في الزبالة، فأرجع الرجل عقاله
وقال لهم المسؤول المتغطرس "إن
أردتم أطفالكم فأنسوهم وأحضروا لنا
نساءكم لنعطيكم منهن أطفالا". لم يدر هذا "المسؤول" البذيء أنه
بكلماته المتجاوزة المشينة، يحرر
شهادة وفاة نظامه الفوضوي، وما توقع أن
تشتعل تحت أقدام سادته وأسياده غضبا
وحرقة، ولعله توهم أن يقبل الحشد
الغاضب كلماته وأن يذعن لأوامره ولو
جانبها الصواب. ثورة عارمة هكذا بلغت درجة الانحطاط عند رموز النظام
الفاسد، وهكذا وصلت به الجرأة مرحلة
الإساءة لشعبه والطعن في أعراض نسائه
واستفزازه في أعز ما يملكه، وهو العربي
المسلم. هكذا نزعت حكومة "الأسد"
عن نفسها ثوب الحياء ورداء العفة،
وتجردت من أخلاق الإسلام ومن كل القيم
والأعراف. لكن لأن كرامة المسلم لا
يمكن أن تمحى من قلبه، ولأن نخوة
العربي لا تختفي وشرفه لا يدنس فقد ثار
الأهالي في وجه المسؤول الأحمق وهموا
بقتله لولا أن تدخل بعضهم وقاموا
بتهريبه عبر سطح المبنى بعدما تعذر
خروجه من بابه. لكن الأهالي الغاضبين
لم يرجعوا إلى منازلهم ولم يرضوا
بتناسي مصير أبنائهم ولجؤوا إلى
الشارع واستخدموا سلاح الاحتجاجات
السلمية، فكان أن اندلعت مظاهرات
عارمة في كل أنحاء مدينة درعا واجهها
النظام الذي فقد بوصلة الحكمة كعادته
بالبطش والتنكيل، ما أسفر عن سقوط
أربعة قتلى وعشرات الجرحى، لكن
المظاهرات لم تتوقف، ولم تنطفئ جذوة
الغضب فبقيت مشتعلة في النفوس. صلف النظام ولامتصاص الغضب الشعبي العارم لجأت
الحكومة إلى الكذب فأعلنت عن فتح تحقيق
في الحادثة وتوعدت بمحاسبة المسؤولين
المقصرين، مع وعد بإطلاق سراح الأطفال
المحتجزين، وما إن عاد الأهالي إلى
بيوتهم حتى أسفر النظام عن وجهه
القبيح، فاعتقل بعض المتظاهرين
وأهانهم على مرأى من الناس، فعادت
المظاهرات مرة أخرى فانتشرت قوات
الأمن بكثافة وواجهت الحشود التي
أرادت تشييع قتلى اليوم السابق والتي
قدرت بعشرات الآلاف بالرصاص والغازات
المسيلة للدموع، وقتلت بعضهم واعتقلت
آخرين. عندها تبين للشعب أن لا خلاص إلا
عبر ثورة عارمة تقتلع النظام من جذوره.
فخرج بصدور مفتوحة، وهامات مرفوعة،
وأيدٍ ممدودة بالحب والخير لجميع
أبناء الوطن. أوصل الشعب رسالته
الصادقة للعالم أجمع بصورة سلمية
حضارية، مطالبا بحقوقه المشروعة ورد
كرامته المهدورة وحقوقه المسلوبة.
فانحاز إليه أصحاب الضمائر اليقظة
والقلوب المؤمنة. لكن النظام بقي
مكابرا وأصر على صلفه وإجرامه ونفاقه،
ولم يقف إلى جانبه سوى العصابة المجرمة
التي تشاركه حكمه، ولصوص فاسدون
وإمعات يرضون بفتات الحرام والسحت. هكذا تعامل النظام الأمني المتوجس من كل
شيء، والذي أدمن التعامل مع شعبه بمبدأ
التخوين، واعتاد امتهان كرامة
الأحرار، وتجاهل أصوات العقل ورفض
الخضوع لمبدأ الحكمة، فكان حال الشعب
كمن يقول لساسته "أليس فيكم رجل رشيد"؟ رهان خاسر راهنت السلطة الفاسدة على قدرة آلتها
العسكرية وزبانيتها و"كلاب أمنها"
وأساليبها الإرهابية وتوقعت أن تفلح
في تخويف الثوار وإرغامهم على التراجع
والانسحاب، لكنها تناست أن هؤلاء
الأبطال تربوا في مجتمع فطري محافظ،
ونشؤوا في بيئة تغلب عليها الطبيعة
العشائرية التي تتمثل فيها أخلاق
الرجال ونخوتهم وشهامتهم وصفاتهم
العربية الأصيلة، وترفض الذل وتأبى
الضيم ويبذل أبناؤها أرواحهم رخيصة في
سبيل الحفاظ على شرفهم وصون مقدساتهم
وحرماتهم. لم يكن في مقدور السلطة أن تعي خطل
سياستها، ففاقد الشيء لا يعطيه،
وافتقرت للقدرة على التعامل مع الواقع
الجديد، بإجابات منطقية تستجيب للحد
الأدنى من الواقعية والمنطق، وتمسكت
أبواق إعلامه بخطاب عتيق عفا عليه
الدهر وغاب عنه أن الجميع سواسية في
المواطنة والحقوق المشتركة، سواء كان
مواليا أو معارضا، وبذلك منحت السلطة
من حيث لا تدري الثوار الوقود الذي
أشعل الأرض تحت أقدامها وأجَّج الحريق. أساليب مرفوضة لكن الشعب الذي نفض عن نفسه غبار الخوف
واقتلع من قلوب أبنائه بذور التخاذل
والتراجع صمَّم على المضي قدما حتى
نهاية الشوط وما له من سلاحٍ غير
الإيمان بربه وقرب نصره، وما أمضاه من
سلاحٍ تتهاوى أمامه أصنام المغرورين
والمتألهين الذين فقدوا الثقة بأنفسهم
فلجؤوا إلى كلابهم الأمنية فأطلقوها
على شعوبهم. ولم ترعوِ سلطة الزيف
والضلال، وبدلا من أن تسترضي شعبها في
قضيته العادلة وتقوم بمحاسبة من
تطاولوا عليه ولطَّخوا سمعته، فقد
هدَّدت بالرد القاسي إذا لم يرجع الناس
إلى بيوتهم ويوقفوا احتجاجاتهم، وما
درت أن من أراد الحرية لن يقنع
بالعبودية، وأن من اختار الكرامة لن
يرضى بالذل. فتوتر الوضع توترا شديدا
واستمرت المواجهات بصورة يومية. وقام
الشعب الكريم بتحطيم جزء من صنم الأب
حافظ الأسد، فهاج نظام الجاهلية
الحديثة وماج، وأزبد وأرعد، وتفنن في
استخدام أدوات القمع ووصل به الأمر حد
مهاجمة المساجد وقصفها وتحطيم مآذنها
على غرار ما حدث للمسجد العمري. اختلاف الواقع كانت تلك هي خطيئة النظام الكبرى التي
أشعلت فتيل الثورة السورية، فالعقلية
المتحجرة التي ترفض التعلم والتأمل
وإدراك ما حل بالعالم من تغيرات معاصرة
ظنت أن الطريقة التي اتبعها الأب سابقا
هي الحل الأنجع، وما درت أن واقع اليوم
قبل الأمس، وأن الشعب الذي ذبح بالآلاف
قبل 30 سنة قد خرجت من أصلابه أجيال لا
تعرف الخوف ولا ترضى بالاستكانة
والمذلة، وأن العالم الذي سكت على
مأساة الأمس وغض عنها طرفه يشهد اليوم
تحولات لا تسمح بتكرار ما حدث. هكذا بدأت قصة الثورة التي ما زالت مشتعلة
رغم مرور عام في أكثر بلدان العالم
شمولية وديكتاتورية، وكانت تراكمات
الماضي وأخطاء النظام سببا في اشتعال
أوارها وتأجيج نيرانها. لم يكن انطلاق
الثورة صدفة، فالأحداث الجسام لا
تصنعها الصدف، والعقل لم يعترف يوما
إلا بالأسباب والمسبِّبات، فقد كانت
جذوة الثورة تتقد بين الصدور منذ وقت
طويل بسبب ممارسات النظام الذي كان
يتجسَّس أفراد أمنه على الناس ويحصي
أنفاسهم ويحلِّل خيالات مبدعيهم
وأحلام أطفالهم، ذلك النظام الذي حصر
ثروة البلاد على فئة قليلة لا تمثِّل
سوى تلك الأقلية البغيضة البعيدة عن
توجهات الناس وعقيدتهم الصافية، فكانت
كنبتة سامة في أرض خصبة معطاء أهدت
العالم ورودا وزهورا وثمر. تتابعت الأيام وإصرار الشعب الأبي يزداد
على مر الأيام، فقد أدرك أن النظام
الذي يحكمه رغم أنفه بدأ يتهاوى
ويتداعى، وأنه قدَّم أسوأ ما عنده ولم
يتبق في كنانة شره مزيد. واستمرت
السلطة الحمقاء تسوم شعبها كل صنوف
الأذى وتمارس بحقه أسوأ أنواع العقاب
الجماعي بعد أن اعتمدت على تحالف شرير
غير مقدس من الجيش والشبيحة وأبواق
النظام، يساعدهم ويبرر أخطاءهم كيان
مجاور معزول لم يجد في الدنيا صديقا أو
نصيرا، يمدهم بالمال وبالمقاتلين. استباحة المقدسات انتفخ رأس النظام الفاسد، فما كان
بشَّارا، ولم يكن له من صفات الأسد
نصيب. لم يحمل لشعبه بشريات، بل كان
نذير شؤوم وعلامة نحس عندما رهن إرادة
بلاده للغير، ورضي أن يفتح بلاد
العروبة والإسلام لأحفاد المجوس ونظام
الملالي، فدنسوا ثراها الطاهر ولوثوا
صفاء سمائها التي أظلت بالأمس من
لقنوهم أعظم الدروس. استخدم زبانية "الأسد"
كل الأسلحة بدءا بالهراوات والعصي
وانتهاء بالطائرات والمدافع، فوجهوها
إلى صدور المدنيين العزَّل العامرة
بالإيمان، وطفق النظام البائس الجبان
يطارد الشباب والأطفال والشيوخ
والنساء في المدارس والمساجد، فروَّع
الآمنين وأرهب المستأمنين، وارتكب
أقذر الجرائم. لم ير المواطنون من
حكومتهم سوى استباحة المحرمات
والتطاول على كل المقدسات. ازداد توحش
رجال الأمن وأعوانهم فغصت المقابر
بالشهداء، وامتلأت المستشفيات
بالجرحى حتى بات إعدامهم هو الحل! لم تكن في عرف الأجهزة الأمنية السورية
حدود حمراء لحملتها المسعورة، ودخلت
في قاموس الشعب الكريم ممارسات لم يكن
له بها سابق عهد مثل اختطاف الأطفال
والفتيات، ولعل أكثرها بشاعة هو
اغتصاب شقيقات المعارضين وقريباتهم
واغتصابهن لإجبار أقربائهم على تسليم
أنفسهم! سرقة الموتى سادية غير مسبوقة، قوامها الاستخفاف
بآدمية الإنسان والتنكيل بالأسرى
والمعارضين والرقص على جثثهم وقتلهم
خلال التعذيب. حتى الموتى لم يسلموا من
الاعتداء، فكانت أعضاؤهم تسرق وجثثهم
تتعرض للتمثيل. كل ما لا يحتمله العقل
ولا يدركه أصحاب الفطرة السليمة جرى
فعله على أرض سورية، أرض الخلافة
والفتوحات الإسلامية، وكأن "بشار"
نسي أرض الجولان العربية التي تركها
والده لقمة سائغة لأحبابه وأصحابه في
تل أبيب!! لم ترحم آلة القتل الرهيبة
الأطفال، فالنظام ابتكر أدوات جديدة
لقتلهم ليقينه أنهم بذور الثورة ومصدر
التهديد الرئيس له، فكان الأسد كسلفه
فرعون الذي يخشى ميلاد طفل يقتلع عرشه
وينهي عهد استبداده. وإن كان الشعب الصابر لم يفاجأ بتصرفات
نظامه الهوجاء، فقد كانت صدمته كبيرة
في آخرين تواطأوا معه لتنفيذ هذا
المخطط الرهيب، أولهم علماء المذهب
الضال الذين أفتوا بحرمة الخروج على
حاكم يقتل شعبه وينتهك حرماته ويحارب
عقيدته، ويقود نظاما للرعب يغتال
الأطفال ويغتصب النساء ويدمر المساجد.
فطالبوا بتقديم فروض الولاء والطاعة
له حتى وهو يترنح من شدة التقتيل
والتنكيل. كذلك صدم الشعب في مؤسسته العسكرية التي
أفقدها النظام قوميتها واحتكر الدخول
إليها على من يوافقون توجهاته، ولم
يكتف بذلك، بل كوَّن ميليشيات الشبيحة
لتكون مرادفا له. ففقد الجيش شرفه
العسكري، ونسي واجبه المقدس في حماية
الشعب والوطن، وتحوَّل إلى آلة قتل
ودمار، ورضي بعض قادته أن يكونوا حماة
للطغاة، يأتمرون بأوامر أصحاب
العصابات السوداء. ذلك أنه نظام طائفي
راهن على ورقة الطائفية البغيضة
واستخدمها أسوأ استخدام، فأوهم من
يوالونه في المذهب بأن بقاءهم مرتبط
ببقائه، وهذا خطأ فاضح وكذب بواح، لأن
انتصار الثورة يعني إشاعة العدل وعدم
استقواء الأغلبية على الأقليات. المملكة أول من صدع بالحق كان العالم يراقب ما يجري ويأمل في إذعان
النظام إلى صوت العقل، لكن الصبر طال
والجهلاء سادرون في غيهم، وماضون في
خيباتهم، بعد أن فشلوا في قراءة معطيات
الواقع السياسي المعاصرة، فبدأ بعض
الأحرار والعقلاء في نصح النظام، سرا
وجهرا، وطالبوه بكف يده عن المدنيين،
لكنه لم يستجب. تردد بعض الساسة وقادة
العالم في الحديث، وعندها تحركت
المملكة العربية السعودية وصدع مليكها
بكلمة الحق، فكانت كلماته تحمل في
طياتها النصح للنظام بالإقلاع عن
ممارساته الطائشة وأفعاله المشينة،
وألقى خطابا تاريخيا أذهل العالم
المتردد ووجد صدى واسعا في كل أنحاء
المعمورة، لكن تلك الكلمات الواضحة
الصادقة لم تجد استجابة في آذان النظام
الصماء، فكانت الخطوة التالية التي
صفقت لها قلوب الجميع قبل أيديهم هي
سحب السفير السعودي من دمشق وتبعته
بقية دول الخليج والعرب فبدأ النظام
يعاني العزلة والوحدة، وبدأت مؤسسات
المجتمع المدني العالمية وأجهزته
العدلية تتحرك حتى ضاق الحبل على نظام
الجور والفساد. لم تتحرك المملكة بداعي
مصالحها الخاصة، بل كان موقفها مبنيا
على أساس زعامتها للعالم الإسلامي
وريادتها للدول العربية، كيف لا وهي
قبلة المسلمين وحاضنة مقدساتهم؟ ولم تكتف المملكة بموقفها الخاص، بل
تقدمت الصفوف للتنسيق ودعت الأشقاء
والأصدقاء لتوحيد الموقف، وعندما وقفت
روسيا إلى جانب الباطل ورفضت رأي
الأغلبية وعارضت إصدار قرار يدين
زبانية "الأسد" في مجلس الأمن، لم
يتردد خادم الحرمين الشريفين في إيصال
صوت العرب والمسلمين عندما رفض بلهجة
حازمة حاسمة دعوة الرئيس الروسي
للنقاش حول ما يجري في سورية، قائلا إن
النقاش كان يجب أن يسبق الموقف الروسي،
وأن أي حديث لن يجدي الآن، وهو موقف
استثنائي ربما لم يتوقعه كثيرون، لكن
حتما ستكون له آثار إيجابية ربما تكون
قد بدأت الآن في إذعان روسيا للتنسيق
مع الجامعة العربية مؤخرا. عام كامل مر حتى الآن منذ خروج الثورة من
أكمامها، ما زال الشعب المؤمن يواصل
جهاده نحو الخلاص، وبينما يزداد
إيمانه بعدالة قضيته تتهاوى أركان
نظام الحكم الفاسد واحدا تلو الآخر.
ربما تكون فاتورة الخلاص باهظة أو
مكلفة، لكن كل ليل لا بد من فجر يعقبه،
وكل ديكتاتور لا محالة زائل. سيكتمل
بدر الحرية ليضيء سماء بلادهم التي
كانت ذات يوم قبلة الدنيا ومحط أنظارها
وسينفض سامر الطغاة والمغامرين
والمقامرين، و"سيعلم الذين ظلموا أي
منقلب ينقلبون". ================= رأي الراية الراية 15-3-2012 إذا صحّ ما أكّده مسؤولون أمريكيون عن
الرد السلبي للنظام السوري على
المقترحات التي قدّمها موفد الأمم
المتحدة والجامعة العربية كوفي أنان
لحل الأزمة في سوريا فإن الوضع في
سوريا مرشّح للتصعيد أكثر خلال الأيام
القليلة المقبلة. فرفض الجهود التي
يبذلها أنان ورفض الاعتراف به كممثل
للجامعة العربية يعني عودة الأمور إلى
المربع الأول. النظام السوري الذي ما زال يتبع الحل
العسكري في مواجهة الثورة الشعبية
والذي يتسبّب يوميًّا في مقتل العشرات
سيُواجه اختبارًا صعبًا يوم الجمعة
المقبل حين يعرض كوفي أنان نتائج مهمته
في سوريا خاصة أن ثمة إجماعًا دوليًّا
على خطورة الوضع المأساوي على الأرض في
سوريا وعلى ضرورة وقف القتل وتقصير أمد
الأزمة. مقترحات أنان التي تمحورت حول ضرورة
الوقف الفوري للعنف وعمليات القتل
ووصول المنظمات الإنسانية وفتح حوار
سياسي. كان يجب أن تكون محل ترحيب من
النظام السوري فهي في الوقت الذي توفر
فيه مخرجًا للنظام السوري تُساهم في
إيقاف شلال الدم المتواصل في سوريا منذ
عام كامل. إن استمرار النظام السوري في اقتحام
المدن والبلدات التي تُطالب بالحرية
والتغيير ومحاصرتها وقتل المدنين
واعتقالهم وتعذيبهم لا يستقيم أبدًا
مع ما يقوله النظام عن سعيه للحوار مع
مكوّنات المجتمع السوري ومع المعارضة
في الداخل والخارج فمن الواضح أنه
يُحاول شراء الوقت من خلال القضاء على
الثورة السورية وإجهاضها ليستطيع
مستقبلاً التفاوض من منطلق القوّة. الواقع المؤلم والمأساوي الذي بات يعيشه
الشعب السوري في مدنه وبلداته وقراه لا
يحتمل ترف العودة إلى الحديث عن مجموعة
من المبادرات الاستكشافية للخروج من
الأزمة في سوريا فالجميع يعرف أن هناك
مبادرة عربية كما أن النقاط الخمس التي
أُعلن عنها في القاهرة بعد لقاء وزراء
الخارجية العرب مع وزير الخارجية
الروسي والتي استندت إلى المبادرة
العربية وقرار الجمعية العامة للأمم
المتحدة بشأن الأزمة في سوريا تُعتبر
خريطة طريق واضحة لحل الأزمة أمّا
الحديث عن مبادرات جديدة فإنه يُطيل
عمر الأزمة في سوريا ولا يُقصرها كما
أنه يمنح النظام السوري وقتًا لارتكاب
مزيدٍ من أعمال القتل والعنف. جلسة الأمن المقبلة التي سيُقدّم إليها
موفد الأمم المتحدة والجامعة العربية
كوفي أنان تقريرًا عن جهوده لحل الأزمة
والرد السوري على مقترحاته يجب أن تخرج
بقرار واضح يدين العنف وأعمال القتل
التي تستهدف المدنيين في سوريا وضرورة
وقفها وتقديم المتورّطين فيها المحاكم
الدولية لأن أي فشل جديد للمجتمع
الدولي في إدانة عنف النظام السوري
سيعني ضوءًا أخضر جديدًا له لكي يستمر
في ممارسة العنف والقتل. ================= عام .. يغاث فيه السوريون
ويعصرون فهيم الحامد عكاظ 15-3-2012 اليوم تكمل الثورة السورية عامها الأول
بحصيلة مروعة من الدمار، فعدد القتلى
تجاوز 10 آلاف، ومثلهم من الجرحى، ومئات
الآلاف من المعتقلين، مدن مدمرة، بلد
مشلول، لاجئون، كارثة حقيقية يعيشها
الشعب السوري. عام مثقل بالأحزان والآلام للسوريين بسبب
نظام استبدادي عنجهي، يعشق القتل
ويتفنن في الإجرام ويصر على الإمعان في
ارتكاب المجازر المروعة. النظام الدموي أنهك الشعب، ولم ينهك ثورة
الكرامة، والنظام أدخل سورية في إعصار
دموي، ولم يستطع ضرب وحدة الثورة؛لأن
ثورة الكرامة هي ضد الدكتاتورية،
وليست ثورة للفرد أو الطائفة، بل هي
ثورة شعبية، وما يؤكد على ذلك هو
تسميتها «بثورة الكرامة»، التي لن
يتمكن النظام من قمعها أو كسرها تحت أي
ظرف من الظروف. حتى ولو استمر القتل
الجماعي والتدمير الكلي، لأن الكرامة
كانت ولاتزال هي الهدف الأسمى للجميع. ورغم دخول أطراف خارجية، إقليمية مثل
إيران ودولية مثل روسيا والصين كطرف
فاعل لدعم النظام السوري؛ سياسيا
وماديا، إلا أن الشعب السوري استمر في
إعطاء ثورة الكرامة نفس الزخم والقوة. ورغم استمرار أنهار الدم في بابا عمرو
وإدلب وحماة إلا أن عضد الثورة اشتد،
ولم يضعف، وزادت رقعة الاحتجاجات
وبلغت ذروتها وستستمر حتى إسقاط
النظام، أو هروبه . عام مر على اندلاع ثورة الكرامة وهي
الملحمة التاريخية التي صنعها أبناء
سورية، والتي ستكون خالدة في الفكر
والعقل والوجدان، ضد نظام انتهت
صلاحيته وبقيت ديكتاتورية. لقد لفتت ثورة الكرامة أنظار العالم،
وأدهشتهم وأصبحت محور اهتمامهم وتبارى
الجميع في تحليل أبعاد هذه الثورة التي
ألهبت حماسة الشعب السوري، ووحدت
مشاعرهم وإرادتهم. قد ينجح النظام في القتل والتدمير، ولكنه
يخطئ، إذا اعتقد أن من الممكن القضاء
على آمال الشعب السوري وتطلعاته
المشروعة في إيصال ثورة الكرامة إلى
هدفها الاستراتيجي وهو إسقاط النظام
الدكتاتوري. وأقول لثورة الكرامة النصر قادم وبما
شاهدناه في ثورة تونس عندما قالوا «
إذا الشعب يوما أراد الحياة فلا بد أن
يستجيب القدر». وبعد السنة الأولى
لثورة الكرامة سيأتي عام بعده، فيه
يغاث السوريون ويعصرون. ================= عبدالمنعم مصطفى الخميس 15/03/2012 المدينة مر عامٌ تقريبًا منذ اندلاع شرارة الثورة
في سوريا، بلغ الشعب خلاله مرحلة
اللارجوع، ودخل النظام بعده نفق
اللامفر، والمعارضة في نفق اللااتفاق،
والعالم في نفق اللاإرادة، والنظام
الإقليمي العربي في نفق اللاحيلة. ومع كل هذه اللاءات المرتبكة والمربكة،
قد تصل معطيات السياسة إلى مرحلة يصعب
فيها تصور إمكانية التعامل مع الملف
السوري وفق «معادلة صفرية»، يتعيّن أن
يسحق أحدُ طرفيها الطرفَ الآخر
بالضربة القاضية، وذلك لحسابات تتعلّق
بقدرات النظام السوري، وإمكانيات شعبه
أولاً، وبمخاوف المنطقة ثانيًا،
وبالموقف الدولي ثالثًا. يراهن النظامُ السوريُّ داخليًّا على
عوامل عجز، جرى إنتاجها وتكريسها في
الداخل على مدى أكثر من أربعين عامًا،
منذ تولّى الأسد الأب زمام الحكم في
دمشق، وتتطلب معادلة صناعة العجز في
الديكتاتوريات، جهدًا ونشاطًا
واستثمارًا سياسيًّا وأمنيًّا
دؤوبًا، تنوء بحمله الجبال، ولا يقدر
عليه سوى أولو البأس من أساطين
الاستبداد. أول منتجات صناعة العجز هو «الخوف»، أي
إنتاج وقائع تشي بعزم النظام على
الذهاب إلى نهاية العالم من أجل إزاحة
كلِّ منَ تسوّل له نفسه مجرد التفكير،
ليس في معارضة النظام فحسب، وإنّما في
عدم التغني بإنجازاته، وقدراته،
وعبقريته الفذة دون انقطاع.. ولهذا فإن
الترويج لقصص البطش، والقمع،
والتنكيل، يصبح جزءًا لا يتجزأ من
عملية يتعهدها النظام ذاته بالرعاية
والاهتمام، ولا بأس من بعض الممارسات
شديدة القسوة على نطاق واسع، كما حدث
في مجزرة حماة قبل أكثر من ثلاثين
عامًا، وكما يفعل الأسد الابن في حمص،
وإدلب، وحماة. ثاني منتجات صناعة العجز، دستوري، أو
تشريعي، فالنصوص التي يجري طبخها
بعناية داخل مؤسسات يهيمن عليها رجال
النظام، لا تدع نافذة للأمل في تغيير
سلمي يتم عبر صناديق الاقتراع، وعلى
طلاب التغيير أن يغامروا بولوج أبواب «حظرها
دستور النظام»، وجرّمتها قوانينه،
ليصبحوا مجرمين، وملاحقين من قِبل
مؤسسات الرعب والتخويف الرسمية. ثالث منتجات صناعة العجز، بناء جماعات
مصالح أو قوى ضغط ترتبط وجوديًّا،
ومصلحيًّا، باستمرار النظام القائم،
وهو ما حدث على مدى أربعين عامًا، نشأت
وترعرعت خلالها تلك الطبقة التي
رأيناها قبل عشرة أعوام، تشرف على
تعديل الدستور خلال ربع ساعة فقط،
لتمكين الأسد الابن من وراثة المقعد
الرئاسي للأسد الأب. رابع منتجات صناعة العجز، هو تمزيق أوصال
الشعب إلى فئات وطوائف، يخشى بعضها
البعض، ولا يجد أكثرها الشعور بالأمان
إلاّ فوق وسادة النظام ذاته. خامس منتجات صناعة العجز، هو بناء
تحالفات خارجية مع قوى تكمن مصلحتها في
استمرار النظام ذاته دون تغيير، وهو ما
حدث مع إيران، ومع روسيا، ومع تركيا في
بعض المراحل.. ومع إسرائيل. لكنّ الشعب السوري، كسر في مارس من العام
الماضي حاجز الخوف، وبتنا نرى الآن،
بعد قرابة عام على الثورة في سوريا،
وجوهًا للمعارضة في الداخل بدون «لثام»!
فيما حلّت الصور التليفزيونية الجيدة -أحيانًا-
محل صور كاميرات الهواتف النقالة. أمّا النصوص التشريعية فقد كسرها النظام
ذاته -عبر تعديلات دستورية كسيحة-
بعدما اكتشف متأخرًا أنها تعرقل فرصه
في الإفلات من الموت مختنقًا بحبالها. وفيما تواصل بعض جماعات المصالح المرتبطة
بالنظام الالتفاف حوله، فإن بعض
الجماعات قد هرب بعض رموزها إلى
الخارج، بما في ذلك صهر بشار الأسد
الذي تحدّث من باريس مؤخرًا منتقدًا
على استحياء ما يفعله زوج ابنته بشعبه. يبقى من منتجات صناعة العجز، رابعها،
وخامسها، فأحد عوامل استمرار الثورة
دون حسم، والنظام دون سقوط، هو خلافات
المعارضة السورية في الداخل أو في
الخارج، ولعل استقالة ثلاثة من أبرز
رموز المجلس الوطني السوري في الخارج
بينهم كمال لبواني عضو مجموعة العمل
الوطني السوري في عمان أمس، إحدى
العلامات الصارخة على وجود خلافات
وانقسامات، يقول معارضون إنها ستقود
خلال ساعات إلى استقالة 80 عضوًا آخرين
بالمجلس، المؤلم في أسباب هذا
الانقسام هو كما يقول بعض المعارضين،
وجود «مشروع استبدادي» جديد داخل
المعارضة السورية، فيما يستأثر خمسة
أشخاص فقط بإدارة المجلس الوطني
المعارض. أمّا خامس منتجات صناعة العجز في سوريا،
وهو التحالفات الخارجية للنظام، فقد
رأينا كيف استطاع الروس والصينيون
إجهاض إمكانية حماية الشعب السوري من
بطش رئيسه، بالفيتو المزدوج الشهير
قبل أسابيع. مع اللاءات الخمسة التي أشرنا إليها في
مقدمة المقال، وعوامل العجز الخمسة،
التي فصّلناها، هل ثمة أمل في التوصل
إلى حل؟.. بالطبع.. نعم.. فلا مستحيل في السياسة، ولا
شيء يدوم على حاله، لكن التعاطي مع
اللاءات الخمسة الأولى، قد يحتاج من
كافة الأطراف الحصول على «وقت مستقطع»
مثل ذلك الذي تحصل عليه فرق كرة السلة،
أو الكرة الطائرة، عندما تتأزم عليها
الأمور، لتعيد تقييم موقفها، وترميم
صفوفها، أو أننا نحتاج إلى ما يسمّيه
الجنرالات في الحروب «وقفة تعبوية»،
لسحب الجرحى إلى الصفوف الخلفية، ونقل
الذخيرة والآليات إلى الخطوط الأمامية. مثل هذا الوقت المستقطع، أو الوقفة
التعبوية، يحتاج بدوره إلى غطاء من
القوة، وغطاء من الأخلاق، الأول: يوفره
إعلان لا يحتمل الالتباس يصدر عن طرف
ذي مصداقية، يتطابق قوله مع فعله، يؤكد
عزم المجتمع الدولي، على التدخل بكافة
الوسائل، لحماية الشعب السوري من
مجازر يدبرها النظام ضده. والثاني:
يوفّره التزام قانوني بموجب قرار
أممي، مرتبط بمهلة زمنية قصيرة، يتعين
خلالها على النظام السوري، وقف كافة
أعمال العنف ضد شعبه، والبدء في عملية
سياسية بموجب المبادرة العربية، تتيح
للنظام فرصة الخروج الآمن، وتتيح
للثورة فرصة تحقيق أول أهدافها بإسقاط
النظام. لكن ما تقدم يتطلب -طبقًا للرئيس الأمريكي
باراك أوباما- توفر ثلاثة عناصر: أولها-
وحدة المعارضة السورية.. ثانيها- تسليح
المعارضة السورية.. ثالثها- بناء تحالف
دولي قادر على الفعل. تحقيق العناصر الثلاثة السابقة خلال وقت
مستقطع، أو وقفة تعبوية، قد يضع النظام
السوري تحت ضغط لا قِبَل له باحتماله،
وقد يجنب سوريا سيناريوهات الحرب
الأهلية، فيما لو استوعب النظام -وهو
براجماتي بحكم تركيبته- عواقب ملاحقته
حارة.. حارة، وزنقة.. زنقة، وبيت.. بيت. ================= تاريخ النشر: الخميس 15 مارس 2012 د. وحيد عبد المجيد الاتحاد إلى أين تتجه سوريا بعد عام كامل على
اندلاع انتفاضتها التي بدأت في منتصف
مارس 2011 ثم توسعت وخلقت حراكاً شعبياً
يستهدف تغيير نظام الأسد؟ هذا هو
السؤال المحوري الذي تبدو الإجابة
عليه صعبة بمقدار صعوبة الوضع في سوريا.
فهناك من يرى أن النظام لا يزال قوياً
بدليل صموده في مواجهة احتجاجات
متزايدة على مدى عام كامل. وثمة من
يعتقد أن دعاة التغيير هم الأقوى بدليل
استمرارهم في مواجهة قمع سافر أدى إلى
قتل أكثر من سبعة آلاف وإصابة عشرات
الآلاف واعتقال مثلهم أو أقل أو أكثر
حيث يستحيل تقدير أعداد ضحايا هذا
القمع بدقة. والحال أن كلاً من المقاربتين صحيح إذا
أُعيدت صياغة التقييم المتضمن في كل
منهما، بحيث يجوز القول إن النظام لا
يزال قوياً، لكن ليس بالدرجة الكافية
التي تمكِّنه من إخماد الاحتجاجات،
وإن المحتجين يملكون مقومات للقوة،
لكنها لا تكفى لإسقاط هذا النظام. إنها، إذن، معادلة صعبة حقاً في ظل عدم
قدرة أي من طرفيها على تغيير التوازن
القائم على الأرض لمصلحته طوال سنة
كاملة. فكثيرة هي مقومات قوة كل من
الطرفين، وعوامل الضعف فيهما. ويمكن
إجمال أهم مقومات قوة النظام في أربعة
على الأقل: أولها استمرار ولاء قوات
الجيش والأجهزة الأمنية، رغم الإنهاك
الذي أصابها لوجودها المتواصل في "الميدان"
لسنة كاملة والعبء الأخلاقي الذي
تحمله على كاهلها جراَّء تورطها في قتل
متظاهرين سلميين ومدنيين أبرياء أو
إعطاء أوامر لقتلهم. وبسبب هذا
التماسك، لا يزال عدد العسكريين
المنشقين محدوداً، لا يزيد على 15 ألفاً
وفق مصادر المعارضة، وليس حسب تقارير
محايدة يصعب الحصول على المعلومات
الدقيقة اللازمة لها. وعندما يكون
مجموع قوات الجيش نحو 220 ألف جندي
نظامي، لا يمكن اعتبار مثل ذلك
الانشقاق مقدمة لتغيير ملموس في ميزان
القوة على الأرض. وفضلاً عن هذه القاعدة العسكرية الأمنية
التي يعتمد عليها النظام اعتماداً
أساسياً، فثمة قاعدة اجتماعية يستند
إليها وتمثل عاملاً ثانياً لقوته، وهي
الأقليات التي تخشى تغييراً يدفع
البلاد نحو المجهول. ولا يقتصر خوف
الأقليات من هذا التغيير على العلويين
الذين يمثلون القاعدة الاجتماعية
والسياسية الأكثر أهمية للنظام السوري
منذ أكثر من أربعة عقود. فالعلويون هم
الأكثر قلقاً بطبيعة الحال لأنهم
محسوبون بشكل مباشر على نظامي الأسد
الأب والابن. ولذلك لم ينضموا إلى
الاحتجاجات، وعلى استحياء في معظم
الأحوال، إلا قليل جداً منهم، أشهرهم
الفنانة الممثلة فدوى سليمان التي
تعرضت لحملة تشويه ضارية شارك فيها
شقيقها على شاشة التلفزيون. لكن
المسيحيين أيضاً قلقون من تغيير لا
يعرفون نتائجه. ويزيد قلقهم نجاح أحزاب
إسلامية في حصد نتائج مثل هذا التغيير
في تونس ومصر، وتوقع تكرار ذلك في
ليبيا في مدى قريب واليمن في أمد أبعد.
لذلك فهم أكثر الأقليات خوفاً من
التغيير بعد العلويين. وهناك أيضاً فريق من الكرد المنقسمين على
أنفسهم، وقطاع لا بأس به من الأغلبية
السُنية لا يقتصر على فئاتها
الاجتماعية العليا والوسطي التي حققت
مكاسب في ظل نظام الأسد. ففي أوساط
السُنة، كما بين الأقليات، كثير ممن
تعاملوا مع العراقيين الذين فروا إلى
سوريا هرباً من العنف في بلادهم، ورووا
قصصاً تشيب لها الولدان. ولأن سوريا
استقبلت أكبر عدد من العراقيين
الفارين بحياتهم، فقد صارت تجربتهم
مصدر قلق من إمكان حدوث مثلها بشكل أو
بآخر، خصوصاً في ظل خطاب إعلامي رسمي
جعلها فزاَّعة لترويع الناس وتخييرهم
بين استمراره والحرب الأهلية. ويعتبر ضعف تنظيم المعارضة هو ثالث
مقومات قوة النظام السوري. فلا وجود
لقيادة موحدة أو زعماء يستطيعون توحيد
صفوف هذه المعارضة المنقسمة والموجود
معظمها في الخارج، وإن كان أهم
فصائلها، وهو "المجلس الوطني السوري"،
تمكن من التواصل مع المحتجين في الداخل
عبر لجان محلية في كثير من المناطق
المشتعلة. وعندما تكون المعارضة عاجزة عن الاتفاق
إلا على إسقاط النظام، ومفتقدة خطة
لليوم التالي لتحقيق هذا الهدف،
ومختلفة على كل شيء من الأيديولوجيا
إلى الاستراتيجيا، يصبح هذا الانقسام
من أهم مصادر احتفاظ النظام بقوته حتى
اليوم. ولا يمكن إغفال أهمية الدعم الروسي
والصيني دولياً والمساندة الإيرانية
الكاملة وما يقترن بها من أبعاد
إقليمية. فلا تزال موسكو وبكين تعتبران
سوريا الأسد رصيداً استراتيجياً.
ولذلك تحاولان المحافظة عليه بكل ما
لديهما من إمكانات بما في ذلك "حق"
النقض في مجلس الأمن. أما إيران فتعتبر
حماية نظام الأسد قضية حياة أو موت لأن
سقوطه يفقدها الدولة الوحيدة
المتحالفة معها في المنطقة ويضعف أهم
أوراقها الإقليمية وهي "حزب الله"
في لبنان. غير أنه في مقابل هذه المقومات الأربعة
لقوة النظام السوري، يمتلك المحتجون
بدورهم مقومات للقوة يمكن إجمال أهمها
في أربعة أيضاً. وأول هذه المقومات
بالضرورة هو امتلاك إرادة التغيير
والاستعداد للتضحية من أجله. وهذا يفسر
استمرار الاحتجاجات وتصاعدها
والإصرار على تحدى النظام رغم التكلفة
الفادحة المترتبة على ذلك، والتي بلغت
مبالغ تفوق قدرة البشر على التحمل في
بعض المناطق وخصوصاً في حمص. ومن
مقومات قوتهم أيضاً نجاحهم في كسب معظم
الدول العربية بعد أن بدا ذلك بعيد
المنال على مدى أشهر عدة. وها هي هذه
الدول تمضى قدماً في الضغط على النظام
الذي أحرق أوراقه معها ورفض الجهود
التي بذلتها لإيجاد حل سلمي. ويدخل في
هذا الإطار أيضاً نجاح المحتجين في فرض
قضيتهم على جدول الأعمال الدولي
المتخم بالقضايا والأزمات رغم حساسية
وضع سوريا إقليمياً. ولا يمكن أن يكون توسع نطاق الاحتجاجات
وانتشارها إلا عاملاً ثالثاً للقوة
لأنه يحول دون القضاء عليها، بخلاف
الحال في انتفاضة عام 1982 التي اقتصرت
على حماة، فكان سهلاً إخمادها خلال
أسابيع بالقوة. ومن مقومات قوة الاحتجاجات السورية أيضاً
أنها تكتسب في كل يوم خبرات جديدة
تتبادلها "التنسيقيات" في
المناطق المختلفة، وتبتكر بالتالي
أساليب غير مألوفة في الحشد والتعبئة،
وتقدم تجربة ملهمة في كسر الحصار
الإعلامي الذي يفرضه النظام وتستخدم
وسائل متجددة لتصوير فعالياتها وبثها
عبر الفضائيات ومواقع التواصل
الاجتماعي على "الإنترنت". وإذا كانت هذه المقومات كافية لاستمرار
الاحتجاجات، والحيلولة دون العودة إلى
ما قبل شرارتها الأولى في 15 مارس 2011،
ربما يكون السؤال الأساسي في مطلع
عامها الثاني هو: كم من الوقت يلزم
لتحقيق التغيير الذي تنشده قطاعات
متزايدة من الشعب السوري؟ ================= رد الأسد على مقترحات
أنان بنعم ولكن... لكسب وقت يحتاج
إليه الحسم العسكري اميل خوري 2012-03-15 النهار دخلت الأحداث الدامية في سوريا عامها
الثاني من غير أن يتم التوصل إلى اتفاق
على وقفها لأسباب عدة محلية وعربية
واقليمية ودولية، وباتت الحلول
المطروحة لها شبيهة بقول بخيل لضيفه:
"صحيح ما تكسر ومكسور ما تاكل وكول
لتشبع"... لقد دعت الحلول التي طرحت حتى الآن الى
وقف أعمال العنف من دون الاتفاق على
الآلية التي تحقق ذلك، فإرسال قوات
عربية ودولية لهذه الغاية رفض من سوريا
ومن روسيا والصين لأنه يشكل في نظرها
تدخلا في شؤون سوريا الداخلية،
والرئيس الاسد لا يوقف أعمال العنف من
جانب واحد، بل من جانب الثوار ايضا
بحيث يسري عليهم ما يسري عليه وإلا
واصل الحرب على من يسميهم الجماعات
الارهابية والعصابات الى ان يقضي
عليها، عندها يصير في الامكان وقف
اطلاق النار وتصبح الابواب مفتوحة
للبحث عن حلول سياسية. أما طلب تسليح
المعارضة وتحديداً "الجيش السوري
الحر" فإنه قد يشعل حرباً أهلية لا
أحد يعرف متى تنتهي ولا إلى أين تمتد
خارج الحدود. وإنشاء ممرات آمنة لتسهيل
إيصال المساعدات الإنسانية إلى
النازحين السوريين وإلى العائلات التي
هي في حاجة ماسة إليها تعارضه سوريا
وكذلك روسيا لئلا تفتح هذه الممرات
الباب لتدخل عسكري خارجي بحجة حماية
هذه الممرات، عدا ان سوريا تطلب ان يتم
توزيع هذه المساعدات من خلال منظمات
انسانية تثق بها... وطلب تنحي الرئيس
الاسد عن السلطة وتسليم صلاحياته الى
نائبه تمهيداً لتشكيل حكومة وحدة
وطنية واجراء انتخابات نيابية حرة
ونزيهة تنتخب الاكثرية المنبثقة منها
رئيساً جديداً للجمهورية، فهو طلب
مرفوض سورياً وروسياً لأن الشعب
السوري هو الذي يقرر ذلك وليس لأي خارج
أن يغير نظاماً أو رئيساً في أي دولة...
فضلاً عن أنه ينبغي الاتفاق على من
يخلفه في السلطة خوفاً من وصول
الأصوليين إليها. والسؤال: لماذا كانت الثورة الشعبية في
سوريا مختلفة عنها في دول عربية أخرى؟ تجيب مصادر ديبلوماسية بالقول: إن الجيش
في مصر وفي تونس حسم الأمر بوقوفه مع
الشعب ضد النظام، الامر الذي حمل
الرئيس حسني مبارك والرئيس زين
العابدين بن علي على التنحي. وفي ليبيا
حسم تدخل حلف شمال الاطلسي عسكرياً
الصراع بين النظام والثوار لمصلحة
الشعب وإلا لكانت استمرت المعارك
بينهما وظلت آلة القتل تعمل إلى الآن.
ولولا الضغط العسكري والسياسي السعودي
والخليجي على الرئيس اليمني علي
عبدالله صالح لكان القتال استمر ولم
يضطر الى الاستقالة. لكن الوضع في
سوريا كان مختلفاً، فلا الجيش
بغالبيته وقف ضد النظام لكي يفرض
تغييره، ولا الشعب السوري الأعزل في
استطاعته مواجهة جيش مسلح تسليحاً
قوياً والانتصار عليه رغم سقوط عدد
كبير من القتلى والجرحى كل يوم علّه
يتعب ويستسلم، ولا الدول العربية
استطاعت تنفيذ القرارات التي صدرت
عنها في غياب آلية لا اتفاق عليها، ولا
مجلس الامن الدولي استطاع هو أيضاً
تنفيذ قراراته وقد عطلها "الفيتو"
الروسي والصيني. وهكذا بات الشعب
السوري وحده في مواجهة مع الجيش ومع
أنصار النظام. وهذا يطرح سؤالا لا جواب عنه حتى الآن وهو:
سوريا إلى أين؟ فلا أصدقاؤها الذين
اجتمعوا في تونس استطاعوا انقاذها من
الأزمة، ولا الجامعة العربية التي لا
تملك سوى إصدار بيانات للتنديد
والاستنكار لما يجري، ولا مجلس الأمن
الدولي استطاع ان يفعل شيئاً بسبب
اصطدامه ب"الفيتو" الروسي و"الفيتو"
الصيني، ولا سبيل للتخلص من "الفيتو"
سوى الاتفاق على ثمن سياسي تدفعه
الولايات المتحدة الأميركية ودول
الغرب لروسيا، وقد يكون هذا الثمن
مرتفعا ويرفض احد دفعه فيستمر القتل في
سوريا إلى اجل غير معروف. والسؤال الآخر: ماذا في استطاعة اصدقاء
سوريا المدعوين في 2 نيسان الى مؤتمر
يعقد في اسطنبول ان يفعلوا في ظل هذا
الوضع المعقد، وماذا في استطاعة
الامين العام السابق للأمم المتحدة
كوفي أنان أن يفعل إذا تبين له ان جواب
الرئيس الاسد على مقترحاته الخمسة ليس
قاطعاً ويحتاج بعضها الى ايضاح وشرح
ربما كسباً للوقت الذي يحتاج اليه
الحسم العسكري؟ وفي المعلومات ان الرئيس الأسد يرفض وقف
اطلاق النار الا بعد ان يقضي على ما
يسميها المجموعات الارهابية
والعصابات لأن لا شيء يضمن وقف النار
مع وجود هذه المجموعات، وان البحث في
الحلول السياسية بما فيها مسألة
التنحي عن السلطة، يجري بعد القضاء على
هذه "العصابات" ويتم تطهير البلاد
منهم كي يعود الامن والاستقرار الى كل
المناطق السورية. ثمة من يعتقد بأن الرئيس الاسد يسعى الى
تحقيق انتصار عسكري كي يوافق على حل
سياسي يرضى به الشعب، وان المسألة هي
مسألة حل بوجود الاسد في السلطة او من
دون وجوده فيها. ================= الدول الكبرى تتعثّر في
خياراتها السورية .. أيّ ضغوط تعوّض
العجز الغربي؟ روزانا بومنصف 2012-03-15 النهار يمثل سعي الدول الغربية والولايات
المتحدة، في اصرارها على اللجوء الى
مجلس الامن لاستصدار قرار يدين ما يحصل
في سوريا على رغم الموقف الروسي
المتصلب في دعمه النظام السوري وتبنيه
الكامل لرؤيته التطورات الدموية في
سوريا، عجزا حقيقيا واقرارا علنيا
بهذا العجز وتاليا استمرارا للدوران
في دائرة مفرغة. وتقر مصادر ديبلوماسية
غربية بأن الامر يكتسب صعوبة جمة في ظل
خيارات تحددت على وقع رفض الخيار
العسكري منذ الاساس، للاعتبارات التي
شرحتها الدول الكبرى والتي تتصل بعدم
وجود قرار دولي يسمح بذلك وعلى اساس ان
سوريا ليست ليبيا. في حين ان النقاط
التي اعلن الاتفاق حولها بين وزراء
الخارجية العرب ووزير الخارجية الروسي
سيرغي لافروف تنطوي على صعوبات تكمن في
ايجاد آلية للتنفيذ، اذ ان الخلاف حول
مساواة ما يقوم به النظام بالمعارضة
امر جدي وكذلك الامر بالنسبة الى
الموازنة بين وقف هذا الطرف العنف
اولاً او ذاك. فهذه النقاط لا تسمح
بالتفاهم بسهولة في حين ان هناك حدودا
لما يمكن ان تقوم به الدول الغربية
التي تنتظر ان توفر لها مبادرة المبعوث
الدولي المشترك مع الجامعة العربية
كوفي انان دينامية لأي تحرك مقبل علما
ان عجز المعارضة السورية عن جمع صفوفها
والتوحد من اجل تقديم البدائل التي
يحتاج اليها الغرب لدعمها يبقى العامل
الحاسم حتى الان. وهذا يعني ان الدول
الكبرى الداعمة للثورة هي امام نفق
مسدود نوعا ما لجهة هامش الحركة التي
تتمتع به بحيث يثار سؤال على ضوء كل ذلك
هو: هل يمكن التسليم بأن الدول الكبرى
وكل الاجراءات التي اتخذتها
والمطالبات برحيل الرئيس السوري يمكن
ان تسقط رهاناتها ومطالباتها امام
استمرار النظام في استخدام آلته
العسكرية ضد المدنيين؟ وما هو اثر هذه
المعادلة القائمة على تهاون كل هذه
الدول أو تراجعها أو عجزها امام نظام
في حال قدرته على تجاوز كل هذا المحور
الدولي الذي يعترض على ما يقوم به؟ تقر المصادر الديبلوماسية المعنية ان
تكرار زعماء الدول الكبرى بأن ايام
الرئيس السوري باتت معدودة في ظل عدم
القدرة على وضع هذا المطلب موضع
التنفيذ بالسرعة المطلوبة، يضر بصدقية
هؤلاء الزعماء من دون ان يعني ذلك
التخلي عن مطلبهم، وان تطور الامور قد
يفرض تعديل زعماء الدول الكبرى خطابهم
وربما ايضا مقاربتهم للامور في سوريا.
وتقول هذه المصادر ان هناك استمرارا في
البحث عن وسائل للضغط الى جانب محاولة
التأثير على كل من روسيا والصين التي
يزور موفدها الى المنطقة باريس غدا
للقاء كبار المسؤولين، علما ان الصين
التي عرضت مشروعا من ست نقاط لحل
الازمة السورية دعمت ايضا مهمة كوفي
انان ولا تعتبرها الدول الكبرى عائقا
مقدارَ ما تعتبر ان الصين تتأثر وتؤيد
موقف روسيا بحيث يبقى موقف هذه الاخيرة
هو الاساس في عرقلة الموقف الدولي
الموحد. هل من وسائل ضغوط اضافية يمكن
ان يستخدمها الغرب؟ على رغم درس بعض الدول في الاتحاد
الاوروبي طرد السفراء السوريين
المعتمدين لدى دول الاتحاد كجزء من
الضغط على النظام السوري، فان هذه
الخطوة بعيدة الاحتمال على الاقل من
جانب دول اوروبية مؤثرة، كفرنسا مثلا،
التي سحبت وبريطانيا سفيريهما
المعتمدين لدى العاصمة السورية في
محاولة لممارسة المزيد من الضغوط على
النظام كما فعلت ذلك ايطاليا ايضا. لكن
خطوة طرد السفراء السوريين المعتمدين
في هذه الدول مستبعدة ايضا لعدم امكان
الحصول على اجماع حولها من كل دول
الاتحاد خصوصا تلك التي كانت من ضمن
اوروبا الشرقية سابقا، علما ان دولا في
الاتحاد الاوروبي لم تكن تحبذ في
الاساس اللجوء الى سحب السفراء من
العاصمة السورية كونه يكتسب، ابعادا
سلبية لجهة امكان شعور السوريين
بالعزلة وانهم متروكون في الوقت الذي
كان سفراء كالسفير الفرنسي والسفير
الاميركي يجرون اتصالات مع المعارضة
في سوريا إبان وجودهم فيها. وذلك يعني
انه مقدار ما تكتسب هذه الخطوة
ايجابيات معينة لجهة فرض المزيد من
العزلة الدولية على النظام وممارسة
المزيد من الضغوط عليه، فإن لها سلبيات
ايضا بالمقدار نفسه. وتجد الدول
الغربية نفسها مضطرة الى اتخاذ خطوات
والمزيد منها للضغط على النظام في حين
انها استنزفت الكثير منها حتى الآن،
إنْ لجهة العقوبات الاقتصادية او لجهة
كل العقوبات التي اتخذت وصولا الى
اللوائح التي تضم اسماء مسؤولين من
النظام ومن محيطه والتي تقر مصادر
ديبلوماسية انه الاجراء الذي قد يكون
الاقسى باعتبار انه يمس اشخاصا يجدون
انفسهم على لائحة تمنعهم من التنقل
وتحظر نقل اموالهم والناس عموما لا تحب
ان تجد اسماءها على لوائح من هذا النوع.
خلال استقبال الرئيس الفرنسي نيكولا
ساركوزي رئيس الحكومة نجيب ميقاتي في
الاليزيه، قال له الرئيس الفرنسي
واثقا ان الرئيس السوري سيحاكم في
نهاية الامر امام محكمة دولية على ما
ارتكب وهو كرر هذا الكلام اخيرا اكثر
من مرة علما ان مثل هذه الاحالة في حاجة
الى قرار من مجلس الامن ايضا. لكن السقف
مرتفع في هذه المطالبة التي بدأ جمع
الادلة لها من فرنسا وبريطانيا علما ان
المصادر المعنية تقر ايضا بأن النموذج
الذي اعتمد مع الرئيس اليمني علي
عبدالله صالح ومنحه عفوا عما قام به لم
يكن موفقا لجهة احتمال التساهل في مثل
هذه الامور. ================= راجح الخوري 2012-03-15 النهار تسلّم كوفي أنان ردّ الرئيس الاسد على "المقترحات
المدروسة" التي قدمها له ليتبين
انها تحتاج الى "درس" ثم الى"ايضاحات
جديدة" تليها "استيضاحات"، بما
يعني ان عليه ان ينتظر ريثما ينهي
النظام مسيرة الحل العسكري المظفرة. ربما لهذا دعاه رجب طيب اردوغان الى"عدم
السقوط في ألاعيب الايجابيات التي
يقدمها الاسد لكسب المزيد من الوقت".
لكن ماذا في وسع انان ان يفعل في انتظار
رد الاسد على الاستيضاحات غير القول
"إن هناك حلولاً اخرى عند المجتمع
الدولي"، وهذا يدعو الى الشك طبعاً
في وجود "الفيتو" الروسي الذي يقف
حارساً للحل العسكري! مقترحات انان ثلاثة: سحب القوات العسكرية
- السماح بالتظاهرات السلمية - اطلاق
حوار جدي برعاية الجامعة العربية
والامم المتحدة. لكن بعد ساعات على
مغادرته دمشق بدأت المحاولات لإفشال
مهمته. اولاً: تولت موسكو الرد على البند الاول،
فاشترط سيرغي لافروف ان يكون الانسحاب
متزامناً "لأن انسحاب القوات
الحكومية من جانب واحد غير واقعي
والأمر لن يحصل شئنا ام ابينا". اكثر
من هذا، طالب لافروف بمراقبين دوليين
يشرفون على الانسحاب، وواضح ان تشكيل
هؤلاء يتطلب من الوقت ما يتيح للنظام
المضي في الحل العسكري الى النهاية،
وهو ما يسقط انتقاد لافروف للاسد امام
الدوما لأنه تأخر في الاصلاحات، وقد
بدا الامر مجرد محاولة لعدم قطع شعرة
معاوية الروسي مع الدول العربية! ثانياً: حاولت دمشق وموسكو شق ولاية انان
الى شطرين، بما يفصل بين قسميها العربي
الذي يطالب الاسد بالتنحي لصالح نائبه
وفقاً لمبادرة الجامعة العربية في 22
كانون الثاني، والدولي المتصل بعجز
الشرعية الدولية عن تبني قرار الجامعة
المذكور بسبب "الفيتو" الروسي -
الصيني. ومن خلال هذا تحديداً يمكن فهم
الالتباس الذي احاط بالنقطة الخامسة
بعد اجتماع لافروف مع الوزراء العرب،
والتي ربطت مهمة انان بقرار الجامعة
الذي يطلب تنحي الاسد! لم يكن هذا خافياً، فمع التصعيد العسكري
لتركيع المعارضة جاء الاعلان عن موعد
الانتخابات النيابية ليؤكد ان مهمة
انان لن تكون اكثر من سياحة على هامش
حمامات الدم، فليس من الواضح ما هي
الحلول الاخرى التي يقول انان ان
المجتمع الدولي يملكها! وزير خارجية قطر الشيخ حمد بن جاسم يقول:
"اذا كان هناك من يعتقد ان نبدأ من
الصفر ونستمر اشهراً في المحادثات،
فأعتقد ان لا الشعب السوري ولا العالم
يستطيع ان يصبر اكثر... ان الوقت قصير
وبان كي - مون يعرف ان الوقت قصير وقد
اعلن ذلك". لكن الدبابات تتقدم، تدمر الاحياء وتسحق
مهمة انان، والمعارضة تتشظى والعالم
يتفرج من وراء سياج شائك هو "الفيتو"
الروسي... فماذا بعد؟! ================= من غزة إلى قندهار مرورا
بحمص- القاتل واحد وإن تعددت الساحات
عبد الحميد صيام 2012-03-14 القدس العربي المكان- غزة الزمان: من الجمعة إلى الإثنين 9- 12 آذار /مارس الحصيلة: 25 شهيدا و 76 جريحا من الشباب
والأطفال والنساء الفاعل: جيش الاحتلال الصهيوني عاد رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو من
زيارته لواشنطن مزهوا كالطاووس بعد
إنصياع المؤسسة الرئاسية لإملاءاته
وتسابق المرشحين لنيل بركاته ورضاه.
تسلم أوباما الملف الإيراني معلنا أن
حصول إيران على سلاح نووي يشكل تهديدا
لأمن الولايات المتحدة. إذن أمريكا
ستتكفل بشن الحرب على إيران نيابة عن
إسرائيل إذا ما تكاملت الأسباب ولكن
ليس قبل إنتهاء الحملة الانتخابية
والفوز بدورة ثانية، بالضبط مثلما جرى
في العراق حيث قامت أمريكا باحتلاله
وتفكيكه وتدمير مصادر قوته وإطلاق
الغول الطائفي فيه نيابة عن إسرائيل. العالم مشغول بمجازر حمص وبرنامج إيران
النووي. إذن لا بأس 'نتسلى قليلا على
دماء الفلسطينيين في غزة'. فمن جهة
نختبر نظام 'القبة الحديدية' بعد
إستكماله، ومن جهة أخرى نختبر أسلحة
الفصائل غير المنضبطة لسلطان حماس،
ومن جهة ثالثة نختبر ردود فعل عواصم
الربيع العربي وخاصة القاهرة بعد
سيطرة الإسلاميين على البرلمان، ومن
جهة رابعة نعرقل نية المصالحة
الفلسطينية، إذا ما توفرت، ومن جهة
خامسة نساعد حركة حماس في بسط سلطتها
على كافة تفاصيل القطاع ومن جهة سادسة
نبعد الأضواء عن برامج تهويد القدس
وتوسيع المستوطنات والبدء بشق خطوط
السكك الحديدية التي تربط المستوطنات
بإسرائيل. إذن لا بأس... لتقم مجموعة من
سلاح الجو بتصيد كمشة من الفلسطينيين.
فكيفما حسبت وجمعت وطرحت، تعود
الغارات وسقوط الضحايا على كياننا
بالخير العميم. كبار المفاوضين وصغارهم في رام الله
مشغولون بصياغة رسالة خطية لنتنياهو
حيث أكد كبيرهم أن الرسالة تحتوى على
أسئلة حادة وصريحة وأنهم لا يقبلون
بأقل من إجابات صريحة حول الحدود
والدولة المستقلة والقدس والمستوطنات.
أما حركة حماس فمشغولة بالتهدئة ونقل
مقراتها من دمشق إلى الدوحة والقاهرة
وعمان وتثبيت أيديولوجيتها الجديدة
القائمة على الانتقال من المقاومة
المسلحة إلى المقاومة الشعبية.
والحركة مشغولة بترتيب اتصالات لزيارة
جديدة للعلامة الشيخ إسماعيل بن هنية،
طيب الله ذكره، ليلقي خطبة جمعة في
جامع جديد بعد الأزهر وعقبة بن نافع في
القيروان. أليست هذه الخطب نتائج
مباشرة للربيع العربي بالمنظور
الحمساوي؟ ترتفع الطائرات ذات الكاميرات الدقيقة
والأسلحة الفتاكة فوق القطاع.. تتصيد
زهير القيسي، الأمين العام للجان
المقاومة الشعبية ومرافقه أبو أحمد.
الصورايخ تنهال على القطاع.
دماءالأبرياء تتناثر على الطرقات.
مجموعة من الطلبة كانوا في طريق عودتهم
إلى بيوتهم. إنفجر الصاروخ قربهم ليقتل
الشاب نايف قرموط إبن الخمسة عشر ربيعا
على الفور أمام عيون زملائه الذين
قدموا ستة جرحى رشقت دماؤهم شوارع
المخيم. هيلاري كلنتون وزيرة الخارجية
الأمريكية أدانت الفلسطينيين بسبب
إطلاق مقذوفات بدائية تعكر نوم
المستوطنين. بان كي مون، من جهته، طالب
بالتهدئة مساويا بين الضحية والجلاد
وكأن قطاع غزة يحتل جزءا من إسرائيل.
اللجنة الرباعية العتيدة طالبت في
إجتماع على مستوى الوزراء في نيويورك
باستئناف المفاوضات تحت الرعاية
الأردنية. أما الجامعة العربية فليست
معنية بأمور غزة الآن وعلى أجندتها ما
هو أهم من غزة حيث تضغط القوى الفاعلة
فيها لتسليح المعارضة السورية. بعد يوم
أو يومين يختفي ذكر قطاع غزة ولا أحد
يتذكر الحصار ولا الضحايا ولا
المعاناة ويعود المفاوضون إلى
مفاوضاتهم. المكان: حمص الزمان: الأحد 11 آذار/ مارس الحصيلة: 47 شهيدا- 26 طفلا و 21 إمرأة الفاعل: شبيحة النظام السوري بعد قيام الجيش والشبيحة باسترداد حي
بابا عمرو في حمص هربت آلاف العائلات
من أمام الجيش المنتصر على شعبه. حي كرم
الزيتون كان مسرحا لعملية جديدة ليلة
السبت حيث قامت القوات النظامية
بتطويق الحي والسماح للشبيحة بالدخول
مسلحين بحقدهم وهمجيتهم وسكاكينهم على
طريقة قبائل الهوتو الرواندية عندما
كانوا يبحثون عن قبائل التوتسي
لإبادتهم. تكومت العائلات الفزعة
المكونة من الأطفال والنساء داخل
البيوت بعد أن قتل الرجال أو فروا من
أمام الجيش الفاتح. دخل الحي الشبيحة
الأكثر همجية واستعذابا للقتل. قاموا
أولا بذبح الأطفال بالسكاكين أمام
عيون أمهاتهم أو بضربهم على رؤوسهم
ضربات حادة ينفلق الرأس الصغير تحت
تأثيرها. فتاتان في سن الثالثة عشرة تم
إغتصابهما أولا ثم مثل في جثتيهما
وطرحتا عاريتين. طفلة صغيرة قطعت
أوصالها. لم يشبع القتلة دما وتعذيبا
وهم ينتصرون على ضحاياهم. لعقوا ما
تبقى من دم على حواف الخناجر ورقصوا
طربا حول الأشلاء ثم خرجوا ليستكملوا
حفلة الابتهاج بتحرير كرم الزيتون بعد
تحرير بابا عمرو. قائد المجموعة أرسل
برقية لمرؤوسيه في دمشق يقول فيها لم
يبق أمامنا إلا مدينة أو مدينتان أو
ثلاث مدن وبعض القرى والضيع في ريف
دمشق وعشر مجازر أو عشرون لتحريرها من
العناصر الإرهابية الذين يقيدون
حركتنا قبل التوجه لتحرير الجولان
المحتل لمدة 45 سنة فقط. المكان: مقاطعة بانجواي بولاية قندهار الزمان / الأحد 11 آذار/مارس الحصيلة: 16 شهيدا- 9 أطفال و 3 نساء و 4 مسنين الفاعل: جندي وربما أكثر من عناصر الجيش
الأمريكي يخرج الجندي 'مجهول الإسم' ذو ال 38 عاما 'يعني
ليس عيّلا' من قاعدته العسكرية الساعة
الثالثة بعد منتصف ليلة السبت وقد صمم
على عمل ما. يخترق بيوت النائمين ويفرغ
رصاصاته في رؤوس تسعة أطفال وثلاث نساء
وأربعة رجال. بحث عن المزيد لم يجد أحدا.
أحرق بعضهم والتقط صورا تذكارية على
هاتفه المحمول. شعر الآن بلذة عالية
وهو ينتقم لجراحه التي أصابته عندما
كان جنديا في العراق عام 2010. لا فرق
عنده بين عراقي أو أفغاني؟ كلهم
يستحقون القتل. 'نقتل هؤلاء المتوحشين
كي نعلمهم الديمقراطية'. بدأ البحث عنه
في القاعدة العسكرية بعد أن قام جندي
أفغاني بإبلاغ القيادة بأنه 'تأبط شرا
وخرج'. لم يعثروا عليه.. عاد إلى القاعدة
بعد أن أشبع وحمة القتل لديه. سلم نفسه
قائلا: 'أريد أن أمارس حقي بالصمت وعدم
الإدلاء بأي تصريح'. أين اللوثة إذن
التي قيل إنه مصاب بها منذ جراحه في
العراق؟ وكيف أعيد تأهيله وإرساله إلى
جبهة قتال أخرى؟ أم أنه لم يقتل ما فيه
الكفاية من العراقيين فجاء إلى قندهار
في كانون الأول /ديسمبر الماضي ليحصد
مزيدا من الأرواح؟ الرئيس باراك
أوباما أدان الحادث ووعد بالتحقيق
الفوري. ضحايا أبو غريب يبتسمون على
فكرة التحقيق. بعض الفاعلين جاؤوا إلى
أفغانستان ليبولوا على الضحايا
ويحرقوا نسخا من القرآن نيابة عن القس 'تيري
جونز' الذي تراجع في اللحظة الأخيرة عن
خطته بعد تدخل من الرئيس. ماذا لو فعلها
بشار وأعلن أنه سيحقق في موضوع الضحايا
الأبرياء من الأطفال والنساء في كرم
الزيتون ولحق به نتنياهو ليحقق في
أستهداف صاروخ جوي للطلبة الصغار. تشابهت الضحايا... وتشابه القتلة وإن
تنوعت الساحات. من ذا بعد يصدق أن نظام
الهيمنة الإمبريالي ونظام الفصل
العنصري الاستيطاني ونظام
الدكتاتورية المتوحشة ليست حليفة
لبعضها البعض وأوجها مختلفة لعملة
واحدة؟ ' استاذ جامعي وكاتب عربي مقيم
في نيويورك ================= عام على الثورة السورية:
مجازر ودمار.. تماسك للنظام وانقسام
المعارضة.. والجيش انتصر ميدانيا
والمعارضة ربحت اعلاميا 2012-03-14 القدس العربي لندن 'القدس العربي': تمر اليوم الذكرى
الاولى لبدء الانتفاضة السورية والتي
انطلقت مثل الثورة التونسية في مدينة
بعيدة عن المركز، في جنوب البلاد،
وبدأت سلمية و'شقاوة' اطفال كتبوا
شعارات معارضة للنظام لتتطور الى قمع
اودى بحياة اكثر من 8 الاف شخص حسب
تقديرات للامم المتحدة اضافة الى اكثر
من تسعة الاف مشرد في تركيا وعدد آخر من
النازحين الى لبنان والاردن وبشكل اقل
الى العراق. وهناك الالاف من السجناء ممن يقبعون في
سجون النظام والتي تمارس الاجهزة
الامنية ابشع انواع التعذيب التي لم
تشهده السجون السورية منذ 30 عاما حسب
تقرير لمنظمة العفو الدولية 'امنستي
انترناشونال'. تراجع ميداني على المستوى الميداني يواصل المقاتلون من
اعضاء جيش سورية الحر تراجعهم بعد
خسارتهم معقلهم في بابا عمرو، حيث
تركوا وراءهم منطقة دمرها قصف النظام
وشوارع سويت ومآذن قصفها الجيش لانها
دعت الى مواصلة المقاومة. وبعد حمص
تحرك الجيش السوري واحكم سيطرته على
مدينة ادلب في شمال البلاد، وجاءت هذه
العمليات تتويجا لعمليات قمع وقتل
مورست خلال العام الماضي على جسر
الشغور ودرعا والرستن ودوما
واللاذقية، وحماة وحمص التي ارتكبت
فيها ميليشيات النظام مجزرة قتل فيها
الاطفال والنساء بطريقة بشعة في حي كرم
الزيتون، ومثل العراق اصبحت سورية
منطقة خطرة على الصحافيين حيث قتل فيها
حتى الآن 3 صحافيين وقضى آخر في الطريق
وجرح آخرون اثناء معركة حمص. وظل مستوى
القوة بين المعارضة والنظام غير
متوازن، فالجيش الحر والفصائل المحلية
ينقصها العتاد وتقاتل بأسلحة خفيفة. انقسامات ويرفض المجتمع الدولي تسليحها لعدم
اقتناعه بها كقوة متماسكة، وغير تابعة
لمعارضة سياسية لم تتفق بعد على اجندة
واضحة وتشهد انقسامات في الرأي،
وانشقاقات كانت اخرها استقالة كل من
كمال اللبواني وهيثم المالح وكاثرين
التلي من عضوية المجلس الوطني السوري
الذي يطمح لان يكون ممثلا للمعارضة
والسوريين ولكنه اتسم منذ انشائه بعدم
الانسجام بين اعضائه وشهدت اجتماعاته
اتهامات واتهامات مضادة بالتخوين
والسباب وقوائم العار. ولم تستطع تركيا
وفرنسا رأس الحربة ضد النظام ولا قطر
او السعودية ممثلتا جناح الصقور في
الجامعة العربية ردم الهوة بين اطراف
المعارضة المنقسمة ميدانيا وفي الخارج. ولم يتغير الوضع الدولي كثيرا فما زالت
روسيا والصين تدعمان حلا سياسيا
للازمة، وتقفان امام اي قرار دولي ضد
سورية، حيث استخدمتا الفيتو ضد قرار لم
يطالب بتنحي الاسد، في شهر شباط (فبراير)،
واتسم الموقف الامريكي بعدم الوضوح
وتضارب التصريحات بين ممارسة الضغوط
الدبلوماسية، والعقوبات وقبل ايام
تحدثت الصحف الامريكية عن 'تفكير' في
الخيار العسكري. وحتى الآن فشلت الامم
المتحدة باقناع النظام او المعارضة
بوقف اطلاق النار، وفشل كوفي عنان،
مبعوث الامم المتحدة والجامعة العربية
في مهمته مثلما فشلت ليدي آموس، مفوضة
الامم المتحدة للشؤون الانسانية
باقناع السلطات السورية السماح لدخول
فرق المساعدات الانسانية لحمص التي
قالت انها 'مدمرة، ولم يكن ملف الجامعة
العربية بأحسن من الامم المتحدة فقد
اتسم تعاملها مع سورية بالفوضى، فشلت
لجنة المراقبة العربية وفشل الحل
العربي الذي تميز بعدم الواقعية، وفشل
المبادرة العربية في الامم المتحدة
لانها استبعدت الاطراف المهمة في
المعادلة السورية، وهما روسيا والصين
واللتان لم تردا تكرار الدرس الليبي. لم يكن عام انجازات لم يكن عام الثورة الاول اذن عام انجازات
بقدر ما كان عاما من التجربة والخطأ
والقتل والموت الجماعي. فقد ظل النظام
السوري متماسكا على المستوى السياسي
والعسكري، ولم يشهد انشقاقات باستثناء
وزير في رتبة معاون لوزير النفط،
وانشقاقات جنود من المجندين، وواصل
النظام 'اصلاحاته' التي اعتبرتها
المعارضة والمجتمع الدولي على انها
لعب في الوقت الضائع. ومع ذلك لا يزال
النظام يحظى بدعم كبرى المدن السورية،
دمشق وحلب، ودعم الاقلية العلوية
الحاكمة والاقليات المسيحية وسط تردد
كردي في الدخول في الثورة السورية. الاعلام اهم انجاز حققته الثورة السورية كان
الانتصار في الحرب الاعلامية، حيث
ملأت المعارضة الفضاء الالكتروني
بالافلام البشعة عن ذبح مغني الثورة
الحموي ابراهيم قاشوش، وذبح اطفال كرم
الزيتون وبابا عمرو وادلب والقصير، كل
هذا بدعم من مؤسسات دولية مثل 'افاز'
والمرصد السوري وامنستي وهيومن رايتس
ووتش، ومحطات تلفزة عربية. وما تحقق
حتى الآن لم يؤثر على المواقف السياسية
للدول الداعمة للنظام، وحتى نظام
العقوبات الاقتصادية لم يؤد الى عزلة
النظام الكاملة بسبب دعم لبنان، وحزب
الله وايران ولم يمارس العراق رقابة
مشددة وحتى تركيا التي كانت سورية
شريكا اقتصاديا لها. والاهم من ذلك لم
يتوقف تدفق السلاح للنظام من روسيا
الداعم المهم للنظام والمرتبط معه
بعقود قيمتها مليارات دولار، حيث زوده
بدبابات روسية الصنع وساعد في اقامة
نظام دفاع جوي باليستي، ولدى روسيا
مصالح عسكرية في طرطوس التي اقامت فيها
قاعدة عسكرية. سنواصل الدعم ويوم الثلاثاء اكد نائب وزير الدفاع
الروسي انطوني انطونوف ان روسيا لن
توقف شحن الاسلحة لسورية لان هناك
عقودا بين البلدين، مؤكدا ان روسيا لا
تقوم بعمل يخالف القانون الدولي،
مؤكدا ان العلاقة بين البلدين جيدة
وهناك تعاون عسكري بينهما 'ولا نرى
اليوم اية حاجة لاعادة النظر بها'. ونفى
المسؤول ارسال روسيا قوات خاصة
لمساعدة القوات الروسية من اجل
التخطيط لعمليات ضد المقاومة، ولكنه
قال ان جزءا من العقود العسكرية هي
ارسال مدربين مع شحنات الاسلحة. واكد
المسؤول ان اي وقف لاطلاق النار يجب ان
يشمل الطرفين الحكومة والمقاومة وان
الجيش السوري لن ينسحب من مواقعه طالما
لم يوقف المقاتلون اطلاق النار. ونقلت
صحيفة 'اندبندنت' عن مسؤول غربي قوله ان
المصالح الاقتصادية الروسية مع سورية
هي سبب مهم في موقفها من الاحداث. وعلق
قائلا ان اصرار روسيا على ارسال
الاسلحة لسورية يناقض موقفها الداعي
لحل سلمي للازمة. واضاف قائلا انه كانت
روسيا مخلصة في التوصل لحل للازمة 'فلماذا
تواصل تزويده بالسلاح او الضغط على
النظام السوري؟'. ومع تدفق السلاح للنظام يقوم الجيش
بتغيير شكل المواجهة على الارض حيث
تتراجع المقاومة التي لم تتلق سلاحا او
مالا من دول الخليج على الرغم من تعهد
دوله بدعم المقاتلين وحديث عن تدفق
السلاح والمال وذلك حسب شهادات من
مهربين على الحدود اللبنانية. والى
جانب نجاحات النظام فالقمع واشكاله
يتطور داخل السجون. 31 اسلوب تعذيب ففي تقرير لمنظمة 'امنستي انترناشونال'
نشر يوم امس وتحدث عن انتهاكات حقوق
الانسان تمارس على السجناء في السجون
السورية وان هناك 31 اسلوب تعذيب من
اسوأ الاساليب التي لم تعرفها سورية
منذ 30 عاما، وتشمل اساليبب التعذيب على
ايهام السجناء بانهم مصلوبون،
واجبارهم على القضاء لايام في غرف ضيقة
مع جثث موتى، وتعليق السجناء مشبوحين
لايام، وحالات اغتصاب. ونقل عن آن
هاريسون من دائرة الشرق الاوسط في
المنظمة الدولية قولها ان الشهادات
التي جمعت تثير القلق حول الاعتقال
واساليب التحقيق والتي تهدف الى اهانة
واثارة الرعب في نفوس السجناء من اجل
اسكاتهم'، وبنى التقرير نتائجه على
شهادات سوريين هربوا الى الاردن. وعرض
قصص اغتصاب قام بها امام رجال الامن او
باستخدام الزجاجات المهشمة، او قضيب
حديدي. ووصف شاب اسمه طارق مشهدا مرعبا
'نادى الضابط احضروا خالد، كنت في
الخلف ولهذا لم اكن قادرا على النظر
وانزلوا بنطاله وكان يعاني من جرح في
الفخذ ثم قام الضابط باغتصابه، وكان
خالد يصرخ اثناء اغتصابه ويضرب رأسه
بالجدار'. وقالت صحيفة 'اندبندنت' ان
معظم القصص التي وردت في التقرير تؤكد
الروايات التي نقلتها عن ناشط في دمشق
الشهر الماضي، والتي تحدث فيها عن وضعه
في غرفة مثل الصندوق وبقي معلقا في
الهواء لايام. واعد التقرير نيل ساموند
الباحث في المنظمة حول سورية وكتب في
الصحيفة نفسها قائلا ان عملية جمع
الروايات من اللاجئين السوريين في
الاردن كانت تجربة صعبة لكن الناجين من
جحيم سورية كانوا يريدون قص ما تعرضوا
اليه من تعذيب. واشار الى شهادة كريم (18
عاما)، من درعا والذي قال ان جلاديه
استخدموا الالات حادة لقطع اجزاء من
لحمه، فيما وصف غازي (22 عاما) كيف
استخدم المحققون معه اسلوب 'السجاد
الطائر'، وكيف ضربوه بالكرباج وتركه في
وضعه وكانوا يأكلون ويشربون ويدخنون.
وقال ساموند ان كل الشهادات تشير الى
نفس الوسائل، اللواط، او اجبار السجين
على مراقبة تعذيب افراد من عائلته، و'حفلات
استقبال' والتي تشمل على الضرب والصفع
والشتم. وفي واحدة من الحالات وضع المحقق امام
سجين صورة بشار الاسد وقال 'هذا ربك'.
ويتساءل ساموند ان لا احد يعرف ماذا
سيحدث ولا كيفية منع الممارسات الشرسة
لكن من الواضح ان النظام كما يظهر
النظام يواصل عملياته التي تقوم على
التعذيب والارهاب ضد السجناء. شطارة الاسد وفي افتتاحية 'ديلي تلغراف' وعبرت فيها عن
عدم راحتها من استمرار العراق بدعم
الاسد، مع انها لا تستغرب من دعم ايران
المتواصل للنظام. وتضيف انه مع تزايد
مستوى العنف ودخوله مرحلة جديدة من
الدموية فان الاسابيع الماضية كانت
جيدة للنظام، الذي استعاد سيطرته على
حمص وسحق المقاومة فيها واعاد احتلال
مدينة ادلب في شمال البلاد. وقالت ان
الاسد قام بمخاطرة عندما نشر الدبابات
والاسلحة الثقيلة عندما اعتقد ان
بامكانه توسيع مستوى الدمار ويحافظ
على دعم حلفائه في الوقت نفسه. وكل
الاشارات تظهر ان استراتيجيته نجحت
فروسيا والصين لا تزالان تقدمان له
الدعم في مجلس الامن. واشارت للعراق كواحد من الدول الداعمة
للنظام السوري، حيث قالت ان نوري
المالكي، رئيس الحكومة العراقية تدفعه
دوافع طائفية لحماية الطائفة العلوية
الحاكمة في سورية. وقالت انه ايا كانت
دوافع نوري المالكي فيجب ان يقال له
بصريح العبارة ان عليه التوقف عن دعم
الاسد. وتقول الصحيفة ان الاسد رفض خطة
كوفي عنان، المبعوث الدولي، واعلن عن
انتخابات جديدة في شهر ايار (مايو) من
اجل اقناع حلفائه، ولشراء الوقت، وفي
النهاية فالاقتصاد السوري وانهياره
سيسقط الرئيس. وعليه فالوقت ليس مناسبا لان يقترح رئيس
الحكومة البريطانية تدخلا انسانيا على
غرار ما حدث في البوسنة، كما جاء في
مقاله في مجلة 'نيوزويك'. وعوضا عن ذلك
فيجب التحلي بالصبر والواقعية، وعلينا
ان نطمئن انفسنا بان الاسد وان سكر من
دماء الموت فان الاقتصاد الذي ينهار
ببطء كالسم البطيء في الجسد كاف
لانهائه. منذ الصيف الماضي كتب الكثير
من المحللين خبر وفاة النظام وانهياره
ولكنهم لا يزالون ينتظرون، فالنظام
ميت لا محالة ولكن متى سيقرر الاطباء
وقف اجهزة التنفس عنه. ================= الخميس, 15 مارس 2012 سامي حسن * الحياة أظهر السوريون خلال ثورتهم شجاعة مذهلة
أثارت إعجاب القاصي والداني، وقدموا
تضحيات جسيمة، بلغت حصيلتها مئات
الآلاف بين شهيد وجريح ومعتقل. من رحم
ثورتهم ولأجلها، ولإيصال رسالتها،
وتأمين مستلزمات انتصارها، أبدع
السوريون هياكل تنظيمية وإعلامية (التنسيقيات)،
وشكلوا عشرات الحالات السياسية
والمدنية (مواطنة، تجمع نبض، حركة
معاً، الكتلة الوطنية، ائتلاف اليسار،
اللقاء الوطني، نساء سوريات لدعم
الانتفاضة، شمس، طريق، تجمع الشارع،
رؤية إلخ)، وأصدرت العديد من النشرات
والصحف والمجلات (أوكسجين، عنب بلدي،
سورية بدّا حرية إلخ). وغطت صفحات
الفايسبوك سماء العالم الافتراضي. إذاً، تبدو جلية حاجة المرء لقسط لا
يستهان به من الغباء وفقدان البصر
والبصيرة لتصديق تلك الرواية. بل إن
النظام نفسه، هو أول غير المصدقين لها.
مع ذلك، وحتى كتابة هذه السطور، لم
تهتز قناعته بجدوى اتباع المبدأ
الغوبلزي الشهير «اكذب ثم اكذب ثم اكذب
حتى يصدقك الناس». في 18 آذار(مارس)، وهو التاريخ الذي يعتبر،
بنظر الكثيرين، الانطلاقة الفعلية
للثورة، خرجت في درعا تظاهرة للمطالبة
بإطلاق سراح عدد من الأطفال الذين
اعتقلوا بسبب كتابتهم شعارات على
الجدران مناوئة للنظام. وكان سوء
المعاملة والإهانة والإذلال الذي تعرض
له أهالي المعتقلين، سبباً رئيسياً
لهذه التظاهرة. وكان أهالي درعا قد
ردوا على بثينة شعبان بهتافهم الشهير «يا
بثينة ويا شعبان/ الشعب السوري مو
جوعان»، الأمر الذي اعتبر بمثابة نفي
للبعد الطبقي الاجتماعي في الثورة. مع
ذلك، نميل للاعتقاد بأن الثورة
السورية لا تختلف عن غيرها من ثورات
الربيع العربي من حيث شمولية مطالبها
لمختلف نواحي الحياة السياسية
والاجتماعية والاقتصادية. فالقضاء على
الفقر والبطالة وتحقيق العدالة أهداف
لا تقل أهمية عن غيرها من أهداف الثورة.
لكن، في جمهورية الخوف، تصبح الحرية،
هدفاً رئيسياً، يكاد يغطي على غيره من
الأهداف. ويغدو طبيعياً، أن تحضر هذه
الكلمة السحرية، بقوة في شعارات
المتظاهرين وهتافاتهم وأغانيهم،
فتصدح حناجرهم بصوت يكاد يعانق السماء:
«سورية بدّا حرية». ================= الخميس, 15 مارس 2012 عبدالعزيز التويجري * الحياة أعلنت إسرائيل رأيها صريحاً في النظام
السوري الذي لا يزال منذ 12 شهراً يقتل
شعبه المطالب بالحرية والكرامة والحكم
الرشيد، حيث أبدت اعتراضها على أي
محاولة تسعى للإطاحة بهذا النظام،
بحجة أن التعامل اليوم مع نظام سيئ في
دمشق هو أفضل من التعامل غداً مع نظام
مجهول ربما سيكون أسوأ، وهي تقصد هنا
احتمال وصول، من تسميهم والولايات
المتحدة الأميركية «الإسلاميين» إلى
الحكم. وهو تعبير ملتبس لأن أكثر من
خمسة وتسعين في المئة من الشعب السوري
مسلمون، والمجلس الوطني السوري الذي
اعترف به الاتحاد الأوروبي، يضم
أطيافاً سياسية ومذهبية متعددة وليس
طيفاً واحداً. الحقيقة التي انكشفت أخيراً في شكل واضح،
هي أن النظام الحاكم في سورية يحظى
برضى الكيان الصهيوني منذ أكثر من
أربعين عاماً، وإن كان الظاهر من
المواقف والتصريحات يوحي بغير ذلك.
فمنذ حرب حزيران (يونيو) 1967 والإعلان من
دمشق عن سقوط القنيطرة في يد
الإسرائيليين قبل سقوطها فعلياً بأربع
وعشرين ساعة، ظلت الحدود السورية مع
فلسطين المحتلة هادئة آمنة، بينما كان
النظام السوري رفع شعار الصمود
والتصدي الذي أصبح لاحقاً الصمود
والممانعة، وهو وهم استخدم لخداع
الشعب السوري، بل لخداع الأمة العربية
بأسرها. وقد خدعت فعلاً ردحاً من الزمن
حتى هبّ الشعب السوري، مطالباً
بالحرية والكرامة والخلاص من النظام
الطائفي القمعي. وكان من نتائج ذلك
انكشاف حقيقة هذا النظام في صورته التي
كان يدلسها وهي سلطة طائفية غاصبة
لحقوق الشعب السوري، وقاهرة له،
وضالعة في تأمين الحماية لإسرائيل
والعمل على تمزيق وحدة الصف
الفلسطيني، وتأليب هذا الفصيل على
ذاك، وزرع الخلافات بين القيادات
الفلسطينية حتى لا تكون لهم كلمة واحدة
وموقف واحد في مواجهة الاحتلال
الصهيوني لوطنهم. وفي الجانب الآخر من سياسة هذا النظام،
الارتباط الكامل مع التوجه الطائفي
لإيران وأتباعها في لبنان، وأخيراً في
العراق، وفتح المجال لها لتتغلغل في
سورية وتؤسس فيها ركائز قوية وتحقق
نفوذاً كبيراً يخدم تطلعاتها المذهبية
والإقليمية، ولتسلخها عن محيطها
العربي وتدفعها للتآمر عليه. ولهذا لا نستغرب موقف الولايات المتحدة
الأميركية الذي يسير في ركاب إسرائيل،
ويقدم مصالحها على مصالح الشعب
الأميركي، حين أحجمت عن دعم المعارضة
السورية بحجة واهية روّجتها إسرائيل
وروجها النظام الطائفي في سورية، وهي
وجود أفراد من القاعدة في الأراضي
السورية واختراقهم صفوف المعارضة
الوطنية السورية. وحقيقة الأمر أن
إسرائيل تفضل بقاء النظام الطائفي
القمعي في سورية وتدجينه، لأنه يوفر
لها حماية حدود الجولان مع الأراضي
الفلسطينية المحتلة من أي مخاطر
محتملة على الكيان الصهيوني، ويتحكم
في «حزب الله» وفي تحركاته. فماذا يعني هذا الموقف الإسرائيلي
الأميركي المشبوه حيال ما يجري في
سورية من سفك للدماء وتدمير للمدن وقمع
للحريات؟ إنه يعني، ويا للأسف،
استمرار معاناة الشعب السوري الصابر
المظلوم في ظل نظام طائفي قمعي دموي
مصمم على تدمير البلاد وإفناء العباد،
من أجل أن يبقى حاكماً متسلطاً بدعم من
قوى طائفية عربية وإقليمية وقوى دولية
لها مصالحها الضيقة وصراعها مع قوى
دولية أخرى على الهيمنة والنفوذ. ولن
تنتهي هذه المأساة قريباً ما دامت
الأمم المتحدة عاجزة حتى الآن عن اتخاذ
القرار المناسب بسبب هذا التصارع
الدولي، وما دامت جامعة الدول العربية
شبه منقسمة تجاه هذا الوضع، وما دامت
منظمة التعاون الإسلامي بعيدة من
التأثير فيه في شكل فعّال، على رغم
التهجّم عليها وإعلان وفاتها من فوق
منبر المسجد الأموي في دمشق في خطبة
الجمعة التي ألقاها فقيه النظام محمد
سعيد رمضان البوطي، أضف إلى ذلك عدم
قدرة المعارضة السورية على لمّ صفوفها
وتوحيد موقفها. إن ما يجري في سورية اليوم جريمة نكراء لم
يسبق لها مثيل في التاريخ المعاصر، سوى
جرائم إسرائيل في فلسطين وجرائم الصرب
في البوسنة وكوسوفو. وإذا لم يتخذ
المجتمع الدولي قراراً سريعاً وحازماً
لوقف هذه المجازر اليومية في المدن
والقرى السورية، في أي شكل من الأشكال،
فإن التاريخ سيسجل في صفحاته أن من
أحجم عن نصرة الشعب السوري وإنهاء
معاناته، هو ضالع في هذا العمل
الإجرامي البشع وشريك فيه. فقد تبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود من
الفجر. * أكاديمي سعودي ================= وقف القتل مفتاح كل
الحلول... وفيه نهاية النظام الخميس, 15 مارس 2012 عبدالوهاب بدرخان * الحياة عام مضى على الانتفاضة السورية لم يتعلّم
فيه الشعب شيئاً لا يعرفه عن النظام
لكنه لم يكن يتصوّر أن تبلغ الوحشية حد
التمثيل بجثث الأطفال والنساء كما في
مجزرة كرم الزيتون في حمص، أما النظام
فتعلّم أشياء كثيرة عن الشعب الذي بالغ
في تجاهله والاستهانة به لكنه لم يتوقع
التضحية والثبات والإصرار التي لا
تزال تواجهه رغم القتل والتدمير
والمجازر المبرمجة والمتعمّدة. أما
الخارج، قريبه وبعيده، فروّعته
العدوانية والدموية لدى حكم ساقط يصرّ
على البقاء ويعتقد أنه سيواصل جرائمه
ويُفلت من العقاب كما فعل دائماً.
والواقع أن الخارج لم يزعج النظام، ولم
يشكل له أي تهديد يقلقه، لذا أفلت
قتلته ليغيروا على حمص، ثم على إدلب،
ثم أينما شاء بعدهما. كانت الانتفاضة سلميةً تماماً وكان
النظام يعلم ويقول إنه يواجه «عصابات
مسلحة» لتبرير قمعها بالقوة. واستمرّت
سلمية في معظمها، ولأنها كذلك دفعت
وتدفع مزيداً من العسكريين إلى
الانشقاق لأنهم ببساطة لا يريدون قتل
الأهل ولا التنكيل بهم. لو احترم النظام سلميّتها لما طالبت
بأكثر من الإصلاح، ولو أبدى جدية في
الحوار والإجراءات الإصلاحية لما
طالبت بإسقاطه، ولو حقن الدماء لما
تعسكرت بداعِ مؤكد هو الدفاع عن النفس،
ولما ذهبت إلى حد الاستغاثة بأي تدخل
خارجي. فالعسكريون المنشقّون وذووهم
ومدنهم وبلداتهم تحوّلوا أهدافاً
للغزو والاضطهاد. كان معروفاً أن
النظام يسعى إلى مزيد من العسكرة -
ليحصل على إعادة ل «سيناريو حماه» الذي
بحث عنه منذ اليوم الأول - ففي حال كهذه
سيتعامل مع الوضع بموازين القوى
والتفوق الناري. وبهذه الموازين العسكرية والأمنية
سيتعامل بالتأكيد مع مشاريع الحلول
السياسية سواء جاءت من طريق روسيا أو
موفد الأمم المتحدة والجامعة العربية
كوفي أنان أو أي جهة أخرى. فهو لا يريد
وسطاء ولا موفدين بل ترخيصاً مفتوحاً
بالإجهاز على الشعب ليخمد الانتفاضة.
وحدهم الروس اقتنعوا بروايته عن «العصابات
المسلحة»، وكان الوزير سيرغي لافروف
واضحاً في كلمته أمام الوزراء العرب إذ
قال إن ثمة فرصة لقرار في مجلس الأمن «إذا
لم تدفعه رغبة في دعم سيطرة المعارضة
المسلحة على المدن». ولم يقل إن
المطلوب من أي قرار دولي منع النظام من
ارتكاب مجازر أو تشجيعه على المزيد
منها. روسيا تعتبر النظام محقاً في
اعتداءاته والشعب مخطئاً في الدفاع عن
نفسه. في القاهرة كان لافروف يمثّل الرئيس
السوري، وفي دمشق أجلس الأخير كوفي
أنان ليقصّ عليه روايته التي قدمها منذ
اليوم ولم يبدّل فيها شيئاً. فهو لا
يقرّ بأن لديه أزمة بل تمرداً على
السلطة، ولا يعترف بوجود معارضة بل «جماعات
مسلحة إرهابية» لا مجال للحوار معها.
قرأ النظام إيفاد أنان إليه كمؤشر عجز
دولي واعتراف ب «شرعية» الجرائم ضد
الإنسانية التي اقترفها. ولذلك فهو كرر
الرواية إياها ليستخلص منها «الحلول»،
وهي أمنية أولاً حصدت حتى الآن أكثر من
عشرة آلاف قتيل وعشرات آلاف المحتجزين
والمخطوفين الذين لا يُعرف شيء عن
مصيرهم، ثم سياسية وفقاً لما يناسب
بقاءه من دون تغيير. وليس مؤكداً أن
أنان سيتجاهل أو يصدّق هذه الرواية
كلياً أو جزئياً، لكنه أُبلغ أن النظام
سيتمسّك بها في التعاطي مع مهمته، سواء
بالنسبة إلى مطلب «وقف العنف» أو إيصال
المساعدات الإنسانية أو التسوية
السياسية. أما النقاط الخمس التي اتفقت عليها
الجامعة العربية وروسيا فلا شك في أن
نظام دمشق اعتبرها لمصلحته. لا يهمه أن
يُساوى بمعارضيه في «وقف العنف من أي
مصدر كان» فهذا مصطلح مضلل كان هو من
روّجه على سبيل المراوغة وتبريراً
للقتل. أما «إنشاء آلية رقابة محايدة (على
وقف النار) فلدى النظام خبرة في
تضليلها وحرف عملها حتى لو كانت تحت
إشراف الأمم المتحدة. والأكيد أن
النظام رحّب بالبند القائل «لا تدخل
خارجي» الذي بات هو نفسه يملّ من
تكراره منذ ترجمه بأنه ترخيص علني له
كي يواصل القتل بلا حساب للعواقب. ثم
بند «إتاحة المساعدات الإنسانية لجميع
السوريين من دون إعاقة» وهو يقع كلياً
تحت أمرته واستنسابه ألا «تعوّق»
الحصارات التي يفرضها هنا وهناك
تمهيداً لعمليات الاقتحام والغزو.
فالبند الخامس المتعلق ب «دعم جهود
أنان» الذي يلحظ أن هذا المبعوث الأممي
يعمل «استناداً إلى المرجعيات التي
قبلتها الأمم المتحدة والجامعة
العربية» وليس مؤكداً أن فهم الطرفين
لهذه «المرجعيات» متطابق. لكن هذه النقاط لا تتضمن ولو مجرد إشارة
إلى المسؤولية عن المجازر والدمار،
وبالتالي فلا قيمة لها في مجلس الأمن
طالما أنها تغفل جرائم النظام. قد يقال
إن قبول روسيا ب «المرجعيات» في طيّات
اتفاقها مع الجامعة يمكن أن يشكل
تراجعاً جزئياً عن «الفيتو» ضد قرار
لمجلس الأمن يتضمنها، أو محاولة «التفاف
على الفيتو» وفقاً لنبيل العربي، لكن
موسكو تربط كل شيء بموافقة دمشق التي
سبق أن رفضت قرارات الجامعة - فهل بدأت
موسكو تنعطف؟ سؤال مفعم بالشكوك،
فالجامعة تعمل كمن لا حول له سوى
اللحاق بالكاذب حتى يثبت العكس.
وللتذكير فإن هذه القرارات «المرجعية»
تطلب نقل صلاحيات الرئيس إلى نائبه،
بعد أن يكون العنف قد توقف. لم تقل «المرجعيات»
ولعلها تضمر أن الهدف هو الحفاظ على
الدولة والجيش، وبالتالي سيكون على
النائب أن يستند إلى طاقم يختاره لضبط
الأجهزة لأنه لن يتمكّن من العمل وهو
رهينة الأجهزة وآمريها الحاليين الذين
لا يعترفون إلا بالحل الأمني ولا
يبالون بالدولة أو بالجيش. إذا كان
لروسيا نفوذ فعلاً فلا بد أن تمارسه
لتفعيل هذا الحل الذي كان اقتراحها في
الأساس لكن تذبذبها يكاد يجعله أشبه ب
«سيناريو الأحلام». انطلاقاً من أن المبعوث الأممي يفاوض
الرئيس السوري باعتباره «الدولة» فمن
شأن هذا الرئيس أن يحدد قواعد اللعبة
إعمالاً لمفهوم «السيادة»، وهو
سيستوحي «روايته» ليدّعي: 1) أنه يكافح
«الإرهاب» ولا يستطيع «وقف القتل»، 2)
أنه يلاحق العسكريين المنشقّين
ويعاقبهم لمخالفتهم الأوامر، 3) أنه
باشر الإصلاحات المطلوبة وأنجز أخيراً
الدستور الجديد، 4) وأنه لن يحاور
المعارضة المرتبطة ب «الجيش السوري
الحر» باعتبارها «جماعات إرهابية»...
وبالطبع فالمعارضة ترفض بدورها أي
حوار من «نظام الشبّيحة». وإذ يبقى «وقف
القتل» مفتاح كل الحلول فليس متوقعاً
أن يوافق النظام عليه، لأن فيه نهايته.
أما المعارضة فتراهن مجدداً على مؤتمر
إسطنبول ل «أصدقاء سورية» وهؤلاء
باتوا يعملون لإدارة أزمة طويلة
المدى، لذلك يجدر قصر الرهان على ثوار
الداخل وبذل أقصى المستطاع لدعم
صمودهم الأسطوري. ================= الخميس, 15 مارس 2012 شفيق ناظم الغبرا * الحياة عام كامل ولم ينجح النظام السوري في
القضاء على فكرة حان وقتها وثورة تزداد
انتشاراً. لقد اقتنع النظام منذ
البداية أنه قادر على إنهاء الاحتجاج
الذي تحول إلى ثورة. حاول بقوة في أكثر
من منعطف أن يحسم. فتك بحمص مرات عدة
وفتك بمدن أخرى على مدى عام لكن الثورة
عادت بقوة أكبر. هكذا تستمر الأوضاع من
جولة إلى أخرى، فعندما يقمع النظام
الشعب في حمص تبدأ الثورة في دير الزور
وإدلب، وعندما تتوقف في درعا نجدها
تخرج في الريف الدمشقي أو تنتشر في مدن
جديدة. إن العنصر الأهم في الثورة
السورية هو استمرارها بقوة بعد القمع
المرعب الذي وقع في حمص وفي بابا عمرو
بالتحديد منذ اكثر من أسبوع. ففي
الجمعة الماضية جددت الثورة نفسها
وهذه الجمعة ستعيد إنتاج قوتها بعد
معارك إدلب في بقية سورية. ويتضح أن
القوة الكثيفة لا تنهي ثورة يقوم بها
شعب تجمع أغلبيته على أهداف التغيير.
في ظروف كهذه إن قوة الجيش السوري
معرضة للإنهاك ولمزيد من الانشقاقات. لقد أدخل النظام السوري القوى الدولية في
حرب باردة موقتة حول وضعه. فروسيا
تكتشف أن الربيع العربي شكل خسارة لها
ما جعلها تصمم على إيقاف الخسائر في
سورية، أما الصين الخاسر الآخر من
الربيع العربي فخائفة من تغيرات قد تصل
لشعوبها وللأقليات في أراضيها. ولقد
شكل الجهد العربي الأخير للتعامل مع
وزير الخارجية الروسي والذي نتجت منه
النقاط الخمس التي تدعو إلى وقف العنف
في سورية وآلية رقابة وإطلاق حوار
سياسي محاولة في اتجاه حل لا تشجع عليه
الوقائع على الأرض. وبينما ترفع هذه
المساومات والاتفاقات الثمن الذي
يدفعه الشعب السوري، ستكون الأحداث
على أرض الواقع متسارعة، فالنظام
السوري أوصل شعبه إلى مرحلة اللاعودة. الشعب السوري ماض في طريق تغيير النظام،
كما يتضح من سياق الأحداث إنه في لحظة
محددة ستتعمق الانهيارات في النظام
كما تتعمق في الجيش. وما الاتفاق بين «المجلس
الوطني» و»الجيش الحر» إلا بداية
جديدة لإحداث مزيد من التغيير في ميزان
القوى على الأرض في الصراع بين الشعب
السوري والنظام الرافض للرحيل. إن عدم
مواكبة الوضع الدولي للثورة لن
يوقفها، بل نرجح أن الوضع الدولي سوف
يجد نفسه مضطراً لمواكبة قوتها
وانتشارها واشتعالها. إن «الجيش الحر» الذي ينشأ على خلفية
الدفاع عن المتظاهرين السلميين قوة
صاعدة مؤهلة للعب دور كبير في الثورة
السورية. فالاستمرار في القمع والحل
الأمني يرهقان النظام السياسي وأجهزته
ويعمقان من حالة الانشقاق في الجيش.
وهذا بطبيعة الحال سيصب في استمرار
تطور «الجيش الحر» وتعميق تجربته. إن
اتفاق هذا الجيش مع «المجلس الوطني»
مرشح لانتزاع فائدة الدعم والمساعدات
العربية والدولية ما سيجعل منه مؤهلاً
للقتال باسم الثورة. ولو عدنا قليلاً إلى الوراء لوجدنا أن «الجيش
السوري الحر» لم يكن موجوداً، لكنه نتج
من آلة القمع التي قام بها النظام ضد
المتظاهرين السلميين. «الجيش الحر»
ليس ظاهرة يمكن القضاء عليها،
فبإمكانه أن يكون متحركاً وتعداده
تجاوز عشرات الألوف. لقد فشل الخيار
الأمني للنظام السوري في إيقاف الثورة
وفي الوقت نفسه ساهم في نشر الثورة
وعمّق من وسائلها وقدراتها وأنتج «الجيش
الحر». ويعاني النظام القمعي من تناقضات إضافية.
فعلى سبيل المثال إن «الشبيحة» الذين
أتى بهم النظام لقمع الثورة يزدادون
تمرداً على النظام وأصبحوا أكثر
اهتماماً بالاستفادة الشخصية قبل وقوع
انهيارات أو مساومات أو الاثنين معاً.
النظام ساهم في الفوضى وفي تقويض وضعه
من خلال إدخال قوى مناصرة له من
الميليشيا الأمنية. هذه القوى الأمنية
تحاول تحقيق مكاسب من شاكلة السرقة
والنهب والمغالاة في مواجهة الناس. أما الاقتصاد السوري، فهو بحد ذاته مقتل
آخر للنظام السوري ويلعب دوره في
إضعافه وتفككه. فقد توقفت الصناعة
والزراعة وأحرقت المحاصيل وساهم قتل
ألوف الناس بتوقف العمل في كل مرفق. لو
وقع ربع ما وقع في سورية في بلد آخر
بخاصة مع وجود عقوبات دولية لاستقال
الرئيس وسقط النظام في أيام. في هذه
الحالة يستمر النظام في رفض الاعتراف
بالواقع، فهو لو انتصر على كل مدينة
وقرية ثائرة ووضع في كل مكان دبابة لن
يُخرج نفسه من الكارثة الإنسانية
والاقتصادية التي سببها لنفسه ولن
يستطيع مواجهة شعبه أو ممارسة الحكم في
اليوم التالي. سيبقى هذا النظام
ملاحقاً حتى زواله. هذه إشكاليته
الأكبر الآن. الوضع الدولي يتجه للضغط على النظام
السوري، كما أن قدرة روسيا على حماية
النظام من نفسه هي الأخرى بدأت تسقط
أمام صمود الشعب السوري واستمرار
الانتفاضة. لهذا نقترب الآن من موقف
أشد صعوبة تتخلله قرارات دولية
وعقوبات أقوى وقرارات قد تؤدي إلى
محاكمات دولية على جرائم حرب. هذا
سيعيد الجميع إلى المربع الأول وإلى
فكرة الممرات الآمنة، والدعم العربي
والإنساني ومناطق الحماية للشعب
السوري عند حدود سورية مع تركيا. لهذا
فإن استمرار القمع سوف يفتح الباب
لمزيد من الضغط الدولي ما سيضعف الموقف
الروسي. التحول إلى السياسة يتطلب توقف القصف
والمدافع والعنف والاعتقال وإخراج
المساجين والسماح بالتظاهر السلمي.
هذا هو الحل الوحيد مرحلياً الذي
يستطيع أن يهدئ من روع الشعب السوري.
لكن السؤال: هل يعرف النظام السوري
معنى السماح بالتظاهر السلمي بعد كل ما
وقع في الشهور الماضية من منع لأدنى
تعبير معارض؟ وهل يقبل الشعب السوري
الآن بعد كل ما وقع بأقل من تغيير
النظام ورحيل الأسد؟ ما نراه الآن جولة
ستأتي بعدها جولات أخرى. الواقع يقول
إن النظام السوري فقد كل شرعية، فمع كل
قتل وموت وتدمير وقصف لمدن سورية يقترب
النظام من لحظة سقوطه الأخير. الواضح
وضوح الشمس أن الشعب السوري لن يعود
إلى المنازل ولن يقبل بإيقاف ثورته
المستمرة منذ أكثر من عام. * أستاذ العلوم السياسية في
جامعة الكويت ================= الخميس, 15 مارس 2012 حسان حيدر الحياة أظهرت المراهنة على تحقيق موفد الأمم
المتحدة والجامعة العربية كوفي انان
ثغرة في موقف النظام السوري من اعتماد
البطش وسيلة وحيدة ل «الحوار» مع شعبه،
انها غير واقعية بالمرة. فالرد الذي
قدمه بشار الأسد على اقتراحات انان جاء
حمال أوجه، ويمكن تفسيره بأكثر من
معنى، ويتضمن اسئلة اكثر من الاجوبة،
ويغوص في التفاصيل الثانوية
للاقتراحات من دون ان يحسم في جوهرها،
وهو وقف القتل وسحب الجيش من الشوارع
ومباشرة حوار مع المعارضة حول انتقال
تدريجي للسلطة. ولمن لا يعرف النظام في دمشق، فإن
المراوغة واستخدام الصياغات الغامضة
والملتبسة، والتلطي وراء الشعارات
الصاخبة، جزء أساسي من اسلوبه
التكتيكي واستراتيجته، وماضيه
وحاضره، منذ ان رفع الأسد الأب شعار
توحيد الصف الفلسطيني فكان ان فتك
بمنظمة التحرير وشتت الفصائل وقسمها
وحرضها على بعضها، ومنذ ان ابدى قلقه
من تقاتل اللبنانيين بعدما لعب دوراً
فاعلا في اذكائه، فكان ذلك ايذاناً
باحتلال لبنان واخضاع شعبه بالقوة
المسلحة واغتيال قادته الذين رفضوا «مبايعته»
ومنع مكوناته السياسية والاجتماعية من
التقارب والمصالحة. ولم يشذ الأسد الإبن عن القاعدة، إذ ينسجم
هذا النهج مع ما تعتمده عادة الأقليات
التي تستبطن غير ما تظهر، وترى في
اخفاء مقاصدها وسيلة لحماية وجودها.
لكن النظام السوري ابقى على سلوكه
الأقلوي هذا رغم حكمه المطلق لبلده، بل
تجاوزه الى التدخل المباشر في شؤون دول
الجوار. وكان لافتاً ان يصرح عميد في
الجيش السوري انشق حديثاً وانتقل الى
تركيا بأن الأسد يقف وراء كل اوامر
القتل الصادرة الى جيشه، لكنها أوامر
شفوية فقط لأنه يتجنب اي توجيه خطي كي
لا يسجل عليه لاحقاً. وانعدام الثقة في الآخرين، كل الآخرين،
هو الوجه الآخر للتذاكي الذي مارسه
ويمارسه نظام دمشق سواء في الداخل او
مع محيطه المباشر او في الوسط العربي
الأوسع. اذ طالما وقف بشار الاسد
خطيباً في القمم العربية يلقي العظات
والنظريات على القادة، معتقداً ان ثمة
من «يقبض» خطابه المتناقض كلياً مع
الواقع والتطبيق. لكن اخفاء النوايا والاهداف لم يستطع
التغطية على تصرف الحكم في دمشق وفق
منطق الأقلية، وبنائه المؤسسات،
وبينها الجيش، على اساس غلبة جماعة دون
اخرى وتحكمها بالقرار دون غيرها.
والمذابح التي يرتكبها جيشه وشبيحته
لا يمكن رد عنفها سوى الى هذا الذعر
المستوطن من دون مبرر والى الخوف
المتمكن من دون مسوغ، لأن الذين خرجوا
الى الشوارع يطالبون بالحرية انما
عبروا ويعبرون عن رفضهم لدولة تفرق بين
ابنائها وتحرم غالبيتهم من المشاركة
الفعلية في قرارها، وتمارس عليهم شتى
اساليب القمع والاقصاء، ولم يرفع اي
طرف في المعارضة السورية في الداخل او
الخارج شعاراً واحداً يوحي من قريب او
بعيد بأي دعوة الى الانتقام من
الاقليات او معاقبتها، ولم يظهر في
سلوك «الجيش السوري الحر» ومجموعات
الدفاع عن النفس الاخرى ما يشير الى
اعتبار نفسها جيش الاكثرية، بل ان
النظام هو الذي بادر الى العنف الطائفي
والتحريض عليه لتبرير بطشه المتمادي. لقد اظهرت مهمة انان ان التفاوض مع الاسد
مضيعة للوقت، وان تركيبة نظامه
وخلفيته لا تسمح له سوى بارتكاب المزيد
من العنف والاستماتة في التمسك
بالسلطة، ونأمل بألاّ ينجح في الحصول
على مهل جديدة من المجتمع الدولي. ================= المحايدون في «البلقان»...
السوري الخميس, 15 مارس 2012 زهير قصيباتي الحياة درعا بعد إدلب... إدلب بعد حمص، حلب
تتململ، دمشق لا تتفرج. 12 شهراً عمر المذبحة الكبرى، وفي سورية «قلب
العروبة»، ثمن «ربيعها» في سنة أكثر من
8500 ضحية. سنة المجازر أسقطت منذ
بداياتها جدوى تجديد السؤال حول
أخلاقية السياسة، إذ تترك للاستبداد
في كل مكان نافذةً للرهان على التلطي
وراء الصراعات الدولية، ووهم النجاة. المبعوث الدولي – العربي كوفي أنان تلقى
جواب مَنْ بيده القرار في سورية ليختار
فرصة حل سياسي، وحده قد يطلق مجدداً
حيوية مجلس الأمن المعطّل. الجواب
ينتظر توضيحات، أنان ينتظر، لكن آلة
القتل تعمل... موسكو تترقب، وبين مجزرة
وأخرى، ومشاهد جثث الأطفال المشوّهة،
يراجع الكرملين حساباته، «يوبخ»
القيادة السورية لتجاهل نصائحه في
الوقت المناسب. صحوة «الضمير» لا تستثني الصين، فهي باتت
مع نزعة الشعوب العربية الى
الديموقراطية، تعترف بعجز أي قوة عن صد
رياحها، ولكن حين تتعلق النزعة ذاتها
بالسوريين، تصبح بكين مع المطالب «المعقولة»
فقط. ولا توضح لهم ولا لسواهم من العرب
معيار المعقول من الإصلاحات التي يمكن
قبولها أو التعايش معها، في بلد تتعمم
فيه المجازر. أنان ينتظر توضيحات من دمشق لردها على
اقتراحاته التي تستلهم النقاط الخمس
للتوافق العربي – الروسي على الحل
السياسي. أما وزير الخارجية الروسي
سيرغي لافروف الذي نطق أخيراً، بتوبيخ
النظام السوري من دون المس بكبريائه «السيادية»،
فاعترف للمرة الأولى صراحةً بأن ما
تريده موسكو لا يتجاوز «تجديد» النظام
بيد القيادة الحالية. وما لم يقله، أي
استباق نتائج مهمة أنان ونفض يده من
إمكانات «التجديد»، قد يستغرق أسابيع
طويلة... إذا سقطت مهمة أنان في فخ
الالتباسات، والتفسيرات المتضاربة
للنقاط الخمس، أو حتى رغبة دمشق في
استبعاد أي مرجعية عربية للحل. بين مجزرة وأخرى ينتظر الجميع، آلة القتل
لا تتعطل، «تحتفي» بسنتها الأولى
بشموعٍ ليست سوى أجساد أطفال مسحوقة،
بأنياب الجنون. كرم الزيتون هجره أهله، إلى الموت. مَن
يروي الحقيقة؟ مَن يعش يتفاءل إلى حين،
سيرغمه الذبح على التشبث بالوهم. مَن
يمت لا يصالح من يقتله. رغم كل شيء، لم يستطع أحد أن يمنع النظام
من التنديد بالعدوان الإسرائيلي على
غزة «رغم انشغال العرب بالتآمر على
سورية»! هوية السلاح ليست مشكلة، في
غزة عدوان، في سورية «مؤامرة»، و «تأديب»
لا بد أن يدفع ثمنه السوريون، وهم
يدفعون صاغرين مطمئنين، كما تقول
القيادة، وفي الجنازات ايضاً يصدّون
الرصاص. أما حديث «العصابات» فيجعل ملحمة
السوريين في «الربيع العربي»، ذروة
العقدة في دراما البطولة والكذب،
الشجاعة واقتياد سورية الى الجحيم،
شجاعة الصوت وجبن الرصاص، تكافل
الشارع وهو يشيّع عشرات حمزة الخطيب...
ارتعاد الأمن لأن فرصة البطش قد تكون
الأخيرة، وإن طالت. قد يكون مجلس الأمن على موعد قريب، بتوافق
أميركي – روسي «إنساني»، إذا اقتنع
أنان بوضوح الرد السوري على اقتراحاته.
ولكن، مرة أخرى يجدر السؤال عن «قدرة»
المعارضة على خوض حوار مع النظام، وهي
ضعيفة بعدما أرغمتها المجازر على
اختصار الكر والفرّ، وبعد استعادة
قوات السلطة معظم حمص وإدلب... وانتعاش
الانشقاقات بين المعارضين في الخارج،
كلما تمنى العرب وحدتهم. احتمال آخر، يفترض التشكيك في توقيت
إعلان موسكو خيبتها من عجز النظام في
دمشق عن الاستماع إلى نصائحها، قبل
إعلان أنان نتائج مهمته. وبافتراض
استخدام روسيا خيبتها لانتزاع تجاوب
سريع من القيادة السورية، فالمحك
سيبقى تطابق تفسير دمشق لهذا التجاوب
مع تقويم الأمين العام السابق للأمم
المتحدة... والمحك ايضاً هو تعريف القوة
الدولية المستقلة والمحايدة التي
ستراقب وقف النار في مدن الرعب والخراب. بلغة لافروف، يمكن التكهن بأن المحايد هو
الأندونيسي والماليزي والبنغالي، ما
دام «قلب العروبة» طلّق العرب،
والكرملين لا يبرئ الغرب من تحريض
المعارضة. وأما في عقل من يملك القرار
في القيادة السورية، فأي مسار يولد في
حاضنة مجلس الأمن، قد يكون بدايةً لرفع
الروس أيديهم عن النظام. وهل هي مجرد
مصادفة أن تتزامن خيبة لافروف مع رحلة
مدير ال «سي آي إي» ديفيد بترايوس الى
تركيا، ولقائه رئيس الوزراء رجب طيب
أردوغان، فيما يباشر البنتاغون إعداد
خرائط بالمواقع العسكرية السورية،
مستفيداً من تجربة الحلف الأطلسي مع
الصرب في البلقان؟ قلق الروس كان دائماً من «انفجار طائفي»
في المنطقة يعجّل به أي تدخل عسكري
أجنبي في سورية، يكرر النموذج الليبي.
ومن حمص إلى إدلب ودرعا وغيرها من
المدن التي ذكّرت العالم برعب التطهير
العرقي في حروب البلقان، يبقى السؤال
عن هدف المجازر والتهجير الجماعي، قبل
مشروع حوار لا أحد يعرف جنسه، ولا
ملائكته، ولا شياطينه. ================= طارق الحميد الشرق الاوسط 15-3-2012 نحن أمام مرحلة دبلوماسية عبثية جديدة
بين المجتمع الدولي ونظام بشار الأسد
الذي يحاول فيها اللعب على الوقت
كعادته الدائمة، وهو ما فعله كذلك طوال
عام كامل من عمر الثورة السورية، وآخر
هذه اللعبات هي لعبة اللاورق بين الأسد
والمبعوث الأممي كوفي أنان. فبعد أن كان الجميع ينتظر الرد الأسدي على
ما قدمه لهم السيد أنان، خرج المتحدث
باسم الخارجية الأسدية ليقول إن «كوفي
أنان قدم لا ورقة. مقترحات غير رسمية
لتبادل الرؤى حولها، ونحن رددنا بلا
ورقة، وكان الرد أجواؤه إيجابية
وتوضيحية، وحملت توضيحات لكيفية تنفيذ
هذه البنود بهذه اللاورقة». لغة فذلكة
تؤكد أن النظام الأسدي لا يتحدث عن
خطوات، قدمت له من قبل السيد أنان، بل
إنه يتحدث عن «مقترحات غير رسمية
لتبادل الرؤى»، وأنها قدمت للنظام
الأسدي غير مكتوبة، وأن نظام الطاغية
قام بالرد عليها أيضا بغير كتابة، أي
أن ما يحدث، وبلغة بسيطة، كلام في
الهواء، غير ملزم، ولا قمية له! ومن هنا يتضح أن النظام الأسدي لا يأخذ
مهمة أنان على محمل الجد، ولا يقيم
وزنا للمجتمع الدولي. فما دام النظام
الأسدي لا يرى تحرك الأساطيل، وتدفق
السلاح للمعارضة، فإنه لن يصدق شيئا،
مثله مثل من قبله، سواء صدام، أو
القذافي. فإذا لم يسمع الأسد أزيز
الطائرات فإنه لن يرتدع. فكل ما يسمعه،
ويراه، النظام الأسدي إلى الآن هو
تهويشات، لا أكثر ولا أقل، سواء من
أعدائه أو أصدقائه، فالأسد لا يقلق
مثلا من تقريع وزير الخارجية الروسي،
سيرغي لافروف، له خلال جلسة أسئلة
وأجوبة بمجلس الدوما حيث قال لافروف عن
الأسد: «جميع نصائحنا، ويا للأسف، لم
تترجم بأفعال، ولم تتحول إلى واقع عملي
في الوقت المناسب، لا بل بالعكس»،
مضيفا أن نظام الأسد «اعتمد إصلاحات
جيدة من شأنها تجديد النظام والانفتاح
على التعددية، ولكن ذلك تأخر كثيرا».
وأكد لافروف أن اقتراح بدء حوار وطني
في سوريا يأتي أيضا «متأخرا»، ومحذرا
أن هذا «الجمود» يمكن أن «يبتلع الجميع
في النهاية»! كل ذلك لا يقلق الأسد، حتى وإن سمع بالأمس
أن موسكو، ولأول مرة، تسمح لقوات
أميركية باستخدام أراضيها للقيام
بعمليات تستهدف أفغانستان، ولو كان
هناك من يفكر بالنظام الأسدي لتساءل:
إذا كانت روسيا قلقة من التغلغل
الأميركي في المنطقة، فمن باب أولى أن
لا تسمح لها باستخدام أراضيها.. لكن هذا
التطور أيضا لن يقلق الأسد، رغم أنه
مؤشر مهم! وعليه؛ فإن أكثر ما يقنع الأسد بالخطر،
كما يقنع الدوائر الضيقة منه بذلك، هو
عندما يرى المنطقة العازلة، وتدفق
السلاح، وتحرك الأساطيل، ومن خلال
تحالف الراغبين، وليس مجلس الأمن،
فهذه هي اللغة التي يستوعبها الأسد، لا
الرسائل الشفهية، أو عبر الورق، فهذا
النظام سقطت عنه ورقة التوت منذ زمن! ================= ديانا مقلد الشرق الاوسط 15-3-2012 حين رأينا صورهم وهول ما أُنزل بهم،
اعتقدنا أن الموت قصفا هو أشبه بالموت
الرحيم مقارنة بما عاشه ضحايا كرم
الزيتون في حمص. أطفال قتلوا يدويا وبوحشية بالغة..
وبالصور. بعضهم مات بعيون مفتوحة؛ إذ لم يسمح الرعب
والقتل بإغفاءة ولو أخيرة. أطفال بدت
سراويلهم رطبة لعلهم بللوها خوفا وهم
يواجهون قتلتهم من دون حيلة. كبشر فإن صور مجزرة حمص تفوق قدرتنا على
الاحتمال والفهم، وكصحافيين فإن مشاهد
الأطفال الدامية ومشاهد كل الضحايا هي
صك إدانة آخر لنا على فداحة استسلامنا
لرغبة النظام السوري في منعنا من تغطية
الحدث المتفجر على مدار اللحظة دما
ونارا في سوريا. حال النظام دون دخولنا إلى سوريا وتغطية
ثورتها. قبلنا وسلمنا، لكن صحافيين
غربيين لم يستسلموا لهذا المنع ولم
يقتنعوا بأن الحظر سبب كافٍ للحيلولة
دون الدخول وتسجيل ما يجري. تسلل
صحافيون وعادوا لنا بقصص وأخبار ثبّتت
ما عرفناه عن الثورة من يومها الأول:
محتجون يواجهون آلة قمع وقتل لا حدود
لبطشها. قُتل من قتل من هؤلاء الصحافيين
الغربيين، وهدد النظام من بقي منهم
بأنه سيتخذ «الإجراءات اللازمة» في
حقهم إذا هم بقوا في سوريا متسللين أو
إذا حاول صحافيون آخرون التسلل. لا، بل إن أصواتا ممانعة سألت في لبنان
مثلا: كيف يُسمح بتسلل صحافيين عبر
لبنان إلى سوريا؟ ودعت إلى توقيفهم
ومحاسبتهم وصدرت بيانات وقصص صحافية
تدعو إلى إجراءات بحق «منتهكي السيادة». هذه الأصوات التي هالها انتهاك سيادة
مزعومة لم يتبادر إلى ذهنها سؤال آخر:
كيف سُمح بقتل هؤلاء الأطفال؟ ومن الذي
سمح بقتلهم؟ قبل أن يفكروا بمن سمح
بتسلل صحافيين إلى سوريا. فالخرق
الناجم عن انتهاك طفيف للحدود لا تمكن
مقارنته بانتهاك دموي لشرعة العيش،
وهنا تبدو مفارقة مستنكري تسلل
الصحافيين إلى سوريا دموية بدورها بل
ومبررة للقتل. لعلنا قلنا إن موت صحافيين هو سبب قوي آخر
يحول دون ذهابنا إلى حمص وإدلب. لكن ماذا بعد ما شاهدناه في مجزرة الأطفال
والنساء الأخيرة في كرم الزيتون؟! من حق البعض القول: إن ذهابنا، نحن
الصحافيين العرب، إلى سوريا ومعاينة
ما يجري لن يبدل من الصورة ولن يقلل من
الجهد الاستثنائي الذي يبذله الناشطون
السوريون في تغطية حدث حياتهم تحت
النار وحدث موتهم أيضا. لكن هؤلاء يغطون حياتهم في غيابنا، أما
نحن فكان من المفترض أن نغطي حياتهم في
وجودهم وأن ننقل ثورتهم وانتصارهم على
جلاديهم. عندما تقول إحدى وسائل إعلام
الممانعة اللبنانية إن «الطرفين» في
سوريا يتبادلان المسؤولية حول المجزرة
التي وقعت في كرم الزيتون فهي لم تطرح
على نفسها مهمة الذهاب إلى هناك،
وبالتالي لن تتمكن من أن تقدم لقرائها
حقيقة المسؤول عما جرى. يمنع علينا تغطية سوريا، وعلينا أيضا أن
نصدق الرواية الرسمية للنظام. ========================= «ميوعة» الأميركيين
شجعت الأسد على شن هذه الحرب
التدميرية!! الشرق الأوسط 2012/03/15 صالح القلاب ستفشل مساعي الأمين العام للأمم المتحدة
السابق كوفي أنان، وستستنزف المناورات
والألاعيب ما بقي من مبادرة الجامعة
العربية، وسيستمر النظام في خيار
العنف والقوة العسكرية لحل الأزمة
السورية المتفاقمة، فعندما يشعر بشار
الأسد بأن هناك استبعادا لأي عمل
عسكري، على الأقل على غرار ما جرى في
ليبيا، أو التلويح به، فإنه أمر طبيعي
أن يتصرف بهذه الطريقة وأن يدير ظهره
لكل محاولات ومساعي حل هذه الأزمة
بالوسائل والأساليب السلمية. إن ما قاله وزير الخارجية السعودي الأمير
سعود الفيصل، خلال اجتماع وزراء
الخارجية العرب الذي حضره وزير
الخارجية الروسي سيرغي لافروف، من أن
الموقف المتخاذل والمتراخي من قبل
الدول التي أفشلت قرار مجلس الأمن
وصوتت ضد قرار الجمعية العامة للأمم
المتحدة في ما يتعلق بالشأن السوري قد
منح نظام بشار الأسد الرخصة للتمادي في
ممارسة كل هذه الوحشية ضد شعبه، صحيح
كل الصحة. فهذا النظام لا يعرف إلا منطق
القوة ولا يرضخ إلا له، وهو يعتبر «المناشدات»
ضعفا لا بد من استغلاله لحسم الأمور
بسرعة وقوة. في البدايات عندما كانت مواقف تركيا أكثر
هجومية، وكان فرسان القيادة التركية
الثلاثة رجب طيب أردوغان وعبد الله غل
وأحمد داود أوغلو يتناوبون على إطلاق
التصريحات النارية، بقي هذا النظام
يحرص كل الحرص على ألا يلجأ إلى
الدبابات والصواريخ والمدافع والحرب
المدمرة المكشوفة. وقد عزز هذا الحرص
أن الموقف الأميركي والأوروبي كان لا
يزال غير واضح، حيث كانت هناك مخاوف من
ردود أفعال ذات طابع عسكري، لكن بعدما
تراجع الموقف التركي وبعدما بات
الأميركيون والأوروبيون يرددون أن
سوريا تختلف عن ليبيا وأن العمل
العسكري بالنسبة إليها سيبقى مستبعدا
ما دامت لا تزال هناك قناعة بأن الضغط
الدبلوماسي والاقتصادي هو بمثابة
الخيار الأمثل لحماية السوريين من
نظامهم، تغير كل شيء، وبدأت هذه الهجمة
العسكرية المدمرة التي لا تزال
متواصلة ومستمرة. صحيح أن السيناتور الأميركي الجمهوري جون
ماكين قد دعا إلى شن ضربات انتقائية ضد
سوريا تقودها الولايات المتحدة، وصحيح
أن مساعد وزيرة الخارجية الأميركية
جيفري فيلتمان قال – من قبيل الإشارة
إلى ضرورة تسليح «الجيش الحر» – إن من
حق الشعب السوري أن يدافع عن نفسه.
وحقيقة لو أن هذا قوبل بمجرد الصمت من
قبل باراك أوباما وباقي أركان الإدارة
الأميركية لجعل بشار الأسد يعد للألف
قبل أن يلجأ إلى كل هذا التصعيد
الهستيري، لكن عندما يبادر مسؤولون في
إدارة الرئيس الأميركي إلى القول إن
أوباما لا يزال ملتزما ببذل الجهود
الدبلوماسية لإنهاء العنف في سوريا،
وإن الرئيس الأميركي وحكومته لا
يشاطران ماكين رأيه، فإن هذا قد فُهم
في دمشق على أنه عجز يعطي فرصة لجيش
النظام ليستخدم أقصى أشكال القوة
لتدمير المدن «المتمردة» والقضاء قضاء
مبرما على الثورة السورية. إن هذا جانب.. وأما الجانب الآخر الذي جعل
النظام السوري يتمادى في التصعيد
العسكري واستخدام أقصى درجات العنف
الأهوج فهو أن الولايات المتحدة ومعها
الدول الأوروبية كلها بقيت مكبلة ب«الفيتو»
الصيني والروسي، مع أنها كان – ولا
يزال – بإمكانها أن تستخدم الأسلوب
نفسه الذي استخدم في كوسوفو وساحل
العاج، ثم إنها كانت – ولا تزال –
قادرة على أن تتعاون مع تركيا لإيجاد
أمكنة آمنة في المناطق المتاخمة
للحدود التركية يلجأ إليها «الجيش
الحر» ويلجأ إليها السوريون الفارون
من مدنهم وقراهم خوفا من بطش الجيش
النظامي. لكن هذا لم يحصل، مما شجع بشار
الأسد أيضا على كل هذا التمادي خاصة
أنه رأى أن هناك ثغرات كثيرة في موقف
الجامعة العربية. لا توجد أي معلومات بالنسبة لهذا الأمر،
لكن ما يمكن استنتاجه هو أن هناك
اتصالات مباشرة أو غير مباشرة بين
النظام السوري ومسؤولين إسرائيليين،
وأنه ربما تكون هناك تفاهمات، استنادا
إلى ما كان قاله رامي مخلوف من أن «أمن
إسرائيل من أمن سوريا»، مما جعل نظام
بشار الأسد مطمئنا إلى أنه لن يكون
هناك أي لجوء لأي عمل عسكري لا من قبل
الولايات المتحدة ولا من قبل غيرها،
وأنه بإمكانه أن يستخدم كل ما لديه من
إمكانيات لحسم الأمور بسرعة ويضع
العرب والعالم والغرب والشرق أمام
الأمر الواقع على غرار ما فعله والده
في عام 1982. إن هذا النظام لا يتراجع إلا أمام التهديد
والقوة العسكرية، والمؤكد أنه لو لم
يصدر مجلس الأمن الدولي القرار رقم 1559
الذي يؤكد «مجددا» على دعمه «القوي»
لسلامة لبنان الإقليمية وسيادته
واستقلاله السياسي داخل حدوده المعترف
بها دوليا، وعزمه على ضمان انسحاب جميع
القوات غير اللبنانية من أراضيه،
لكانت دولة «عنجر» لا تزال قائمة حتى
الآن، ولكان رستم غزالة لا يزال حاكما
بأمره في هذا البلد، ولكانت سلسلة
الاغتيالات مستمرة ومتواصلة لتشمل من
تبقى من القيادات والرموز الوطنية. وكذلك فإن الكل يعرف أن هذا النظام في عهد
(الوالد) حافظ الأسد بقي يصر على «استضافة»
عبد الله أوجلان على الأراضي السورية،
وبقي يستخدمه ويستخدم مجموعاته
المسلحة – كما هو الوضع الآن – ضد
الجيش التركي والمؤسسات التركية، إلى
أن طفح كيل أنقرة في عام 1998، ونفد صبرها
ووجهت إنذارا نهائيا بأن قواتها ستصل
خلال 48 ساعة ليس إلى دمشق وإنما إلى
درعا على الحدود الأردنية إذا لم يجر
طرد هذا «الإرهابي» من سوريا، وهذا ما
حصل، وعندها لم يقتصر الأمر على مجرد
الطرد فقط، بل تعداه إلى تسليم زعيم
حزب العمال الكردستاني «التركي» إلى
الأتراك تسليم اليد، فكانت نهايته
السجن في زنزانة في أحد السجون التركية. وأيضا فإن ما لا يعرفه البعض هو أن الهدوء
الذي بقي ينعم به الاحتلال في هضبة
الجولان حتى في ذروة تألق المقاومة
الفلسطينية مرده أن إسرائيل كانت قد
حذرت الرئيس السابق حافظ الأسد عندما
كان لا يزال وزيرا للدفاع بأن ردها
سيكون في قلب دمشق إن لم تقم السلطات
السورية ب«واجبها» وتحول دون تسلل أي
فدائي عبر خطوط وقف إطلاق النار إلى
هذه الهضبة المحتلة، وحقيقة أن هذا هو
ما بقي قائما ومستمرا منذ احتلال عام
1967 وحتى الآن مع استثناء أيام حرب
أكتوبر (تشرين الأول) عام 1973 وبعض
المناوشات العسكرية التي سبقت تلك
الحرب. إن هذا النظام «يخاف ولا يختشي» كما يقال،
لذلك فإنه لم يفكر حتى مجرد التفكير في
معاودة السعي لأي إنتاج نووي بعد
الغارة الإسرائيلية المدمرة على منشآت
تلك المحاولة المبكرة في المنطقة
الشرقية، ثم إن المعروف أن السلطات
السورية قد بادرت إلى إغلاق كل معسكرات
التدريب المخصصة لحركة حماس وغيرها من
المنظمات الفلسطينية بعد غارة قامت
بها الطائرات الإسرائيلية على مركز
تدريب فدائي في منطقة عين الصاحب
القريبة من دمشق، وكل هذا بالإضافة إلى
حادثة اختراق الصوت فوق القصر الرئاسي
في «القرداحة» التي طوت صفحة تصريحات
استهلاكية عن احتمال اللجوء ل«الحرب
الشعبية الطويلة الأمد» لتحرير هضبة
الجولان المحتلة، وكل هذا يعني أنه ما
كان على الولايات المتحدة وعلى
الأوروبيين الاستمرار في استبعاد
اللجوء إلى العمل العسكري، وأنه كان
عليهم أن يلتزموا الصمت على الأقل كي
يبقى نظام بشار الأسد يلتزم بالحد
الأدنى من العنف ولا ينتقل إلى هذه
الحرب التدميرية المسعورة. ============================ سوريا.. ثغرة في الطريق
المسدود محمد بن المختار الشنقيطي المصدر:الجزيرة نت 15/3/2012 طال أمد
الثورة السورية، وسالت فيها الدماء
مدرارة..، فقد مضى عام كامل أظهر فيه
النظام السوري بشاعة ودموية لا رادع
لها من خلق أو قانون، وأظهر فيها
الشباب السوري شجاعة لا نظير لها،
وتصميما على القطيعة مع الماضي المعتم
والحاضر الكئيب بأي ثمن. ولا تزال
عوائق مركبة تحول بين الثورة السورية
وبين تحقيق مبتغاها من التخلص من
النظام الدموي في دمشق وبناء دولة
الحرية والعدل. ومع ذلك
توجد ثغرة في الطريق المسدود أمام
الثورة السورية، ومفتاح هذه الثغرة –على
عكس ما يتراءى على السطح- هو بأيدي
السوريين أنفسهم. فإن أجادوا استخدامه
أنقذوا بلدهم من الخراب ومجتمعهم من
التمزق، وإن قصروا في ذلك فلن يجدوا من
الخارج أكثر من التوجع والتعاطف
اللفظي، وهما أمران لا يغيران من
الموازين الإستراتيجية شيئا. تتركز
إستراتيجية الأسد داخليا على دعامات
ثلاث: الدعامة
الأولى هي استنزاف الثورة بالتقسيط.
فقد ركز آلته التدميرية التي لا ترحم
على محافظة درعا، ثم على مدينة حمص،
وهو يوجهها اليوم إلى إدلب وحماة. وقد
أعان بشارا على السير في هذا المنحى
المستنزف للثورة تراخي الحواضر الكبرى
السورية –خصوصا دمشق وحلب- في النزول
للشارع. فلا
تزال الثورة السورية ثورة أطراف دون
قلب قوي نابض. وتصفية الأطراف واحدا
تلو الآخر أمر في متناول النظام. ولدى
بشار سابقة تاريخية تشجعه على هذا
المسار التقسيطي، وهي المذبحة التي
ارتكبها أبوه في حماة عام 1982، تحت سمع
وبصر الحواضر السورية الأخرى، وتحت
سمع وبصر العالم. أما
الدعامة الثانية لإستراتيجية النظام
الداخلية فهي تماسك النواة السياسية
الحاكمة، فقد أظهرت النخبة السياسية
المحيطة بالأسد جبنا وتخاذلا غريبا.
فطيلة عام كامل من القمع الوحشي للشعب
السوري، وحصد أرواح الآلاف من الشباب
السوري، لم نجد شخصية سياسية كبيرة (باستثناء
مساعد وزير النفط) تستقيل من النظام -على
غرار الحالة الليبية- ولو على مستوى
السفراء البعيدين عن يد النظام
الباطشة. لكن الاستقالات والانشقاقات
في الجيش السوري عوضت عن هذا التخاذل
المشين لدى النخبة السياسية الحاكمة. أما
الدعامة الثالثة فهي السعي إلى تحويل
الثورة من انتفاضة شعب ضد حاكم جائر،
إلى فتنة مجتمعية طائفية. فقد انطلقت
الثورة السورية ثورة شعب واحد موحَّد
يسعى إلى الحرية والكرامة بكل مكوناته
ولصالح كل مكوناته، وكان من شعاراتها -ولا
يزال-: "الشعب السوري واحد"، وجعل
الثوار اسم إحدى جُمُعاتهم بمرجعية
مسيحية (الجمعة العظيمة)، وأخرى
بمرجعية علوية (جمعة الشيخ صالح العلي)،
واثنتان بمرجعية كردية (أزادي،
والانتفاضة الكردية). لكن
نظام الأسد –ومن ورائه النظام
الإيراني- مصرٌّ على تحويل الثورة إلى
فتنة صماء عمياء، واقتتال داخلي بين
السوريين، خصوصا بين السنة والعلويين.
وهو يسعى جاهدا إلى إقناع العلويين بأن
رحيله خطر وجودي عليهم، رغم أن عبرة
التاريخ المعاصر تدل على أن
الديمقراطية هي الدرع الحصينة التي
تحمي الأقليات، وتحفظ لها حقها دون
منَّة من الحاكم أو من الأغلبية، ومن
الخير للعلويين ولغيرهم من الأقليات
السورية أن يبنوا مستقبلهم على أساس
صلب من المُواطنَة المتساوية، بدلا من
بنائه على جرف هار من التحالف مع نظام
يمقُته شعبه ويصر على رحيله. فالخطر
الحقيقي على أي أقلية هو أن يمتطيها
نظام مفلس وهو يذبح شعبه، ثم يترك لها
ميراثا ثقيلا من الثأر والضغينة في كل
بيت. لكن الأسد مصر على حربه الطائفية
من جانب واحد، حتى إنه لم يعد ينزل
العسكريين السنة إلى الميدان خوفا من
انشقاقهم عليه، بل جردهم من سلاحهم،
وتركهم أسرى في ثكناتهم، كما تقول
صحيفة لوفيغارو الفرنسية يوم 8/3/2012
ناقلة عن "مصدر سوري/فرنسي ذي
ارتباطات أمنية" في سوريا. وقد
بينت الصحيفة أن الوحدات التي يغلب على
صفها أبناء السنة لا تملك حتى الوقود
لتشغيل مدرعاتها، ويتم التنصت على
مكالمات الضباط السنة بحسب الصحيفة.
وقد وكلت هذه المهمة إلى آصف شوكت، صهر
بشار الأسد. وما كان
لإستراتيجية الأسد ذات الأبعاد
الثلاثة السابقة أن تحميَه من غضبة
شعبه لمدة عام كامل لولا وجود عوامل
أخرى مساعدة، ومن أهم هذه العوامل: أولا:
اختلاف المعارضة السورية. فقد كان
تشكيل المجلس الوطني إنجازا كبيرا
للثورة السورية، وهو يوشك على الحصول
على اعتراف رسمي عربي وغربي باعتباره
الممثل الشرعي للشعب السوري. بيد أن
المجلس لا يزال عاجزا عن بناء
المصداقية الداخلية الكاملة التي تجلب
الدعم الدولي. وفي
إعلان رئيس المجلس مؤخرا عن تشكيل مكتب
عسكري دون أن ينسق ذلك مع الجيش السوري
الحر –وهو ما أثار حفيظة قادة الجيش
الحر الذي يدفع ضريبة الدم في الميدان
مع شباب الثورة المتظاهرين- ما يشير
إلى ضعف أداء المجلس الوطني، وعجزه عن
استيعاب الحراك الداخلي السوري
استيعابا كاملا، على نحو ما نجح فيه
المجلس الوطني الليبي. ثانيا:
التحفظ التركي في لعب أي دور عملي
جدِّي في نصرة الثورة السورية. فرغم أن
تركيا هي الدولة الوحيدة التي تملك
المكان والإمكان المناسبين لترجيح كفة
الثوار عسكريا ولوجستيكياً، فإنها
اكتفت ببلاغة الخطاب والتعاطف اللفظي
والإنساني. وهذا أمر مشكور على أية
حال، بيد أنه لا يغير من المعادلات
الإستراتيجية شيئا. ويبدو
أن الهاجس الفرنسي متحكم في العقلية
السياسية التركية، فقد حرم التوجس من
فرنسا الأتراك من نصرة الثورة الليبية
في وقت الحاجة، وهو يحول اليوم بينها
وبين نصرة الشعب السوري قبل فوات
الأوان. كما أن خوف القيادة التركية من
إثارة حفيظة مواطنيها العلويين الذين
يتركز بعضهم في مناطق الحدود مع سوريا
ربما كان من أسباب تحفظها وترددها. ثالثا:
المظلة الدولية المناصرة أو
المتخاذلة، فقد اختار الروس والصينيون
-ببلادة- المشاغبة على أميركا والغرب
بسفك الدم السوري، رغم إدراكهم أن نظام
الأسد إلى زوال في نهاية المطاف. وقد
حمت روسيا والصين الأسد حتى الآن من
سيف القانون الدولي الإنساني، ووفرتا
له السلاح الذي يقتل به شعبه كل يوم. وفي
مقابل التواطؤ الروسي الصيني، لا يزال
الموقف الأميركي مطبوعا بالتردد في
الدعم العسكري للثورة. فرغم أن أميركا
نصرت الثورة السورية سياسيا
ودبلوماسيا، فإنها لا تريد التعجيل
بترجيح كفة الثوار السوريين عسكريا،
على نحو ما تريد ذلك فرنسا وبعض الدول
الأوروبية المهتمة باستقرار ضفاف
المتوسط، بل تتحفظ حتى على سعي بعض
الدول العربية لتسليح الثوار. وللولايات
المتحدة حسابات خاصة في ذلك، أهمها
العامل الإسرائيلي، وفائدة الربط بين
إيران ونظام الأسد. فالموقف الإيراني
الفاضح في سوريا هو أهم زاد معنوي
لإسرائيل وأميركا اليوم للتجييش ضد
إيران، وكلما طال أمد الثورة السورية
وأوغل الأسد في دمويته بتواطؤ إيراني
ربحت هذه الورقة أكثر. وفي هذه
العوائق المتضافرة ليس أمام الثورة
السورية إلا فتح ثغرة في إستراتيجية
النظام الداخلية، تغيِّر الميزان
الإستراتيجي لصالح الشعب الثائر،
وتفرض منطقها على المؤثرين الخارجيين،
سواء من كان منهم نصيرا أو متخاذلا أو
مترددا. أما كيف يغير السوريون
المعادلة الداخلية فيمكن ذلك من خلال
أمرين اثنين: أولهما:
نزول سكان الحواضر الكبرى –خصوصا دمشق
وحلب- إلى الشارع بكثافة وجرأة.
فمسؤولية تعثر الثورة السورية تقع على
عاتق السوريين من سكان هاتين
المدينتين قبل غيرهم، فهم من رغبوا
بأنفسهم عن بقية شعبهم الذي يدفع ضريبة
الدم في حمص ودرعا وإدلب وريف دمشق
وريف حلب وغيرها، وهم من يملكون العدد
والإمكان لتغيير الميزان. فلن
تخرج الثورة السورية من الدوامة
الدموية الحالية إلا إذا تحمل سكان
دمشق وحلب مسؤوليتهم، وربؤوا بأنفسهم
عن التفرج على المذابح في أطراف سوريا
وأريافها. وليس من ريب أن نزول هاتين
المدينتين بالملايين سيقلب المعادلة
رأسا على عقب داخليا وخارجيا. ففي
الداخل سيرتبك النظام جراء الحشد
الهادر في المدينتين، وتفشل
إستراتيجية الأسد التقسيطية في إخماد
الثورة: فهو إما أن يفهم قرب غرق
السفينة ويسعى إلى النجاة بجلده على
طريقة علي عبد الله صالح، وإما أن
يكابر ويُنزل كل الجيش السوري بكل
مكوناته الاجتماعية لقمع الشارع
الثائر، وهو ما سيؤدي إلى انشقاقات
كبرى تزلزل النظام في صميمه، بينما هو
اليوم يعتمد على الكتائب الموالية له
شخصيا وطائفيا بقيادة أخيه ماهر،
ويحصر بقية الجيش في ثكناته خوفا من
انشقاقه. وفي
الخارج، فإن تحرك سكان دمشق وحلب سيقنع
القوى الإقليمية والدولية الداعمة
للأسد (إيران وروسيا والصين) بأن
المراهنة عليه أصبحت خاسرة، فتضطر هذه
القوى إلى سحب دعمها صاغرة، فينكشف
نظامه. كما سيدفع القوى الإقليمية
والدولية الداعمة للثورة لفظيا
وسياسيا إلى تجاوز ذلك إلى العمل الجدي
لإسقاط الأسد، بعد أن ترى الثمرة
اليانعة على أيدي السوريين. ثانيهما:
تحمل النخبة السياسية المحيطة بالأسد
مسؤوليتها وتخليها عنه، بدءا بالسفراء
وانتهاء بالوزراء وكبار رجال الدولة.
وسيكون في ذلك دفعة معنوية وسياسية
هائلة للثورة، وجذب كبير للدعم
الخارجي للشعب الثائر. فقد كان
للاستقالات المتتالية لأركان نظام
القذافي -من وزراء وسفراء وغيرهم- أثر
إيجابي جدا على الثورة الليبية، وقد
شجعت تلك الاستقالات الدول العربية
والغربية على نصرة الثورة الليبية. فلا أحد
يقف مع دكتاتور مدحور تخلى عنه أقرب
الناس إليه. ودعم الثورات ليس عملا
خيريا محضا، بل هو موقف سياسي يخضع
لمعايير عملية ومصلحية أكثر مما يخضع
للمعايير الأخلاقية والإنسانية.
فالشعب الذي يعين نفسه، ويرجح
الموازين الداخلية لصالحه يعينه
الآخرون، مهما يكن ارتباطهم بالنظام
الآفل. والشعب الذي يتخاذل شطره عن
نصرة الثورة، أو تتخاذل نخبته
السياسية بأنانية عن مساندته، سيجد
الآخرين أكثر خذلانا له. لقد حسم
المصريون أمرهم بنزول اثني عشر مليونا
منهم إلى الشارع في يوم واحد، وحسم
الليبيون أمرهم بتخلي العديد من رجال
نخبتهم السياسية والعسكرية عن نظام
القذافي، قبل أن تتدخل الدول العربية
والأوربية لصالحهم..، والكم العددي
الضارب وتخلي النخبة الحاكمة عن أسرة
الأسد هما الضمان لخروج الثورة
السورية من الواقع المتأرجح الحالي،
ومن مخاطر الانجرار إلى فتنة اجتماعية
لا يَدري فيها القاتلُ فيم قَتَل ولا
المقتولُ فيم قُتِل. فليس
أمام السوريين –وأولهم سكان دمشق وحلب-
إلا أن يقفوا وقفة رجل واحد ضد نظام
الاستعباد. ويوم يتفجر قلب سوريا
ثورةً، ويلحق بأطرافها التي تقطر دما
اليوم، سيجد السوريون لهم نصيرا في كل
مكان، حتى ممن هم اليوم حماة الأسد
ورعاته. فمفتاح النجاح في الثورة
السورية موجود في دمشق وحلب، لا في
إسطنبول ونيويورك. ولن تخيب ثورة شعب
آثر الحرية على الحياة. ------------------------ المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |