ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأربعاء 21/03/2012


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

إدارة أوباما والأزمة السورية

تاريخ النشر: الثلاثاء 20 مارس 2012

عبد الوهاب بدرخان

الاتحاد

قيل الكثير عن موقف روسيا من الأزمة السورية. أصبح جلياً، بلا مواربة أنها مع النظام وضد الشعب. لكن، ماذا عن الموقف الأميركي؟ هو مختلف، بلا شك، أقله على المستوى المبدئي ضد النظام، بدليل العقوبات التي فرضت عليه والضغوط المتصاعدة عليه، إلا أن العجز عن تفعيل مجلس الأمن في تحرك دولي أدى عملياً إلى "النتيجة الروسية" ذاتها، أي إلى تركه يتصرف بدمويته التي لا يزال يثبتها يومياً.

الفارق مع أزمتي مصر وتونس، وحتى أزمة اليمن، أن لواشنطن مصالح في تلك البلدان، والمصالح تعني نفوذاً ومداخل على تلك الأنظمة أمكن استخدامها لممارسة الضغوط. أما سوريا، فكانت دائماً مساحة صعبة بالنسبة إلى الأميركيين. فالنظام حاول تقريبهم لكنهم لم يكونوا ناجحين في إدارة الانفتاح عليه، واستعصى تجسير الهوة بين شروط الطرفين. استنبطت واشنطن قانوناً ل"محاسبة سوريا" ما فتئ الرئيس يجدده روتينياً كل سنة، ولائحة "المحاسبة" طويلة: تسريب الإرهابيين إلى العراق، التدخل في لبنان، إيواء الفصائل الفلسطينية الرافضة السلام مع إسرائيل، لكن أهم ما فيها دعم "حزب الله" والتحالف مع إيران.

في خطاب خصص للتحولات في العالم العربي، منتصف مايو، 2011، وضع باراك أوباما الاحتجاجات السورية في سياق "الربيع العربي، وقال إن على النظام أن يطرح الإصلاحات ويقودها وإلا فعليه أن يتنحى". بعد ستة أسابيع أعلن الرئيس السوري، من جامعة دمشق، عناوين مبهمة للإصلاح، وأشار إلى لجنة للإشراف على "حوار وطني". كانت مضت ثلاثة أشهر على الأزمة، وكانت أنقرة لا تزال تحاور النظام، بل كان هناك اعتقاد بأن حلاً سياسياً لا يزال ممكناً، رغم أن الشارع كان قد أطلق صيحته ب"إسقاط النظام" بعدما ارتكب الكثير من القتل والتنكيل ضد احتجاجات كانت وقتئذ سلمية.

بعد نحو شهرين، انقطع عملياً الحوار التركي- السوري، وبالتالي خسرت واشنطن قناة اتصال ولو غير مباشرة مع الأزمة. لم يبدأ الحوار، واندفع "الحل الأمني" إلى اجتياح المدن بدءاً بحماة، مطلع شهر رمضان، وعندئذ صار أوباما يقول: "على الرئيس السوري أن يتنحى". وعشية مرور عام على الانتفاضة الشعبية أصبح أن النظام "أيامه معدودة"، من دون أن يعني ذلك تغييراً في الموقف الأميركي.

واقعياً ظل تأثير واشنطن في الأزمة محدوداً، عزي ذلك إلى "مبدأ أوباما" الذي يستبعد التدخل، ولا يزال منشغلاً بتداعيات حربي العراق وأفغانستان. قيل أيضاً إن إسرائيل عارضت بشدة أي تدخل في سوريا قبل اتضاح البديل من النظام، وهو ما يتبناه جناح في إدارة أوباما.

وعندما دخلت روسيا على خط الأزمة، في يوليو، وتوصلت إلى تفاهم مع النظام أوائل سبتمبر الماضي، اتجه الأميركيون إلى العمل من خلال هذه القناة. تعددت اللقاءات والتشاورات، الروسية - الأميركية، إلا أنها لم تتوصل إلى مخارج، أو إلى "صفقة". صممت موسكو على عدم السماح بتكرار "السيناريو الليبي"، ولم تجد واشنطن ضرورة لتقديم تنازلات لتغيير الموقف الروسي.

حاججت واشنطن بأن النظام لم يعد يستطيع البقاء حتى لو تمكن من الاستمرار لبعض الوقت، وإذا كان لدى روسيا نفوذ عليه فلتستخدمه أولاً ل"وقف العنف" ثم ل"نقل السلطة". وجسَّت موسكو نبض النظام في إمكان اقتباس "السيناريو اليمني" الذي طرحته المبادرة الخليجية وانطوى على نقل الرئيس صلاحياته إلى نائبه، لكن دمشق أحبطت الفكرة. وعندما أعادت الجامعة العربية هذا السيناريو إلى الواجهة تصرفت موسكو وكأنها سحبته من التداول، بل أبدت إصراراً على أن يكون أي حل سياسي مستنداً إلى وجود هذا النظام، وقد ثبّتت موقفها هذا ب"فيتو" ثم بآخر، ما دفع "أصدقاء سوريا" إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، ثم إلى مؤتمر أول في تونس لبلورة "تحالف" خارج مظلة الأمم المتحدة.

دعمت واشنطن هذين التحركين، كما دعمت قرارات الجامعة العربية، لكنها ومختلف عواصم الغرب الحليفة، لم تحدد أي خيارات عملية، وبالتالي بقي هدف "حماية المدنيين" مجرد شعار غير قابل للتطبيق. وتذرع "الأصدقاء" بعدم تماسك المعارضة السورية وعجزها عن تقديم "بديل" واضح من النظام. وذهبت وزيرة الخارجية الأميركية أبعد عندما رفضت احتمال "تسليح المعارضة" بحجة أن السلاح قد يصل إلى "حماس" و"القاعدة"...

مع بدء المبعوث "الدولي - العربي" كوفي عنان وساطته مع النظام السوري، كان الأخير كثف اجتياحاته لتأكيد سيطرته، وهو ما قدمت الأجهزة الأميركية تزكية له، بل إن مناقشات العسكريين الأميركيين أفضت إلى استنتاج أن التدخل قد يشعل نزاعات في الدول المجاورة، وفي ذلك صدى لتحذيرات أطلقها الرئيس السوري قبل بضعة شهور. لذا تركز واشنطن حالياً على خطّين: تشديد العقوبات لإحراز نتائج ولو متأخرة، واعتبار مهمة عنان فرصة أخيرة للتوصل إلى حل سياسي. لكن الجميع يعرف أن هذا النظام هو تحديداً عبارة عن جهاز أمني، أي أنه لا يستطيع بلورة حل سياسي حقيقي تنحسر معه وطأة ذلك الجهاز ليتمكن المدنيون من العمل بعيداً عن التهديدات بتصفيتهم جسدياً.

=================

الشعب السوري.. بين ثنائيات الانزلاق

سمر يزبك

الوطن السعودية

20-3-2012

شعب لا يشبه سواه في صموده الطويل، وفي صبره على الآلام، وتصميمه على الانتصار. شعب متفوق حتى على ظرفه التاريخي، وغطائه السياسي، وبالتالي تصعب مقارنة حالته بما شهدته شعوب أخرى في المنطقة العربية

واحدة من الأخطاء الدارج استخدامها في الخطاب الإعلامي المقروء والمكتوب، هي تعميم صيغة "الثورات العربية" وكأنها تشكل حالة متكاملة متجانسة الظروف والمنشأ.

ورغم أن هناك ما يجمع هذه الثورات، وبات واضحا ومعروفا، إلا أن الحالة السورية تشكل اختلافا نوعيا، لا يحدُّ من قاعدة الثورات، لكنه يفترق عن مساراتها وآلياتها ومستقبلها أيضا.

انطلقت الانتفاضة السورية من المناطق المهملة الريفية في البلدات والقرى والمدن، ولم تبدأ من برامج وضعها الشباب أو الطبقة المثقفة، بل كانت الحوادث التي أشعلت الناس العاديين هي الجوهر. كانت هناك مفاعيل ثنائية العبد والسيد، التي عاشها السوريون لعقود طويلة، هي الثنائية التي طالما وسمت البشرية بصراع قطبي الحياة؛ الخير والشر في حالته الأكثر تقليدية، وتكثفت في تلك الحادثة (اعتقال الأطفال وتعذيبهم واقتلاع أظافرهم، وإذلال الرجال). وبعد هذه الثنائية، جاءت الخاصية الاستثنائية الثانية، وهي الشعب الفقير المعوز حتى في مستوى تأمين لقمة الخبز، والذي تجاوز ثنائية العبد والسيد، إلى المطالبة بحق المواطنة والعيش الكريم.

الروح السلمية والأخلاقية المتأصلة في نفوس السوريين، هي ما خرجوا للموت من أجله، وهي روح الانتفاضة الحقيقية، ولهذا لا تتلخص في السلمية فقط، بل باختصار صرخة "العبد" المطالب بالحياة، أمام ما عاشه المواطنون تحت عسف واستبداد الأجهزة الأمنية والحكم الأسدي.

لكن هذا الشعب، الذي كان مصرا على روحه الثورية السلمية، مُحتجَز في كمّاشة ثلاثية الأطراف، تعصر جسده، وتبعده قسرا عن المسارات التي اختارها طوعا، وبعيدا عن الإيديولوجيات والعقائد التي ابتلي بها منذ عقود طويلة.

الطرف الأول، هو نظام عائلي مافيوي ما يزال يثبت يوما بعد يوم أن لا مثيل له في التاريخ المعاصر بطشا وفتكا وإجراما، ويبدو ماضيا في انفصاله عن الواقع المحيط به (خاصة بعد ما رأيناه عبر تسريبات الإيميلات الأخيرة بين "بشار الأسد" وزوجته "أسماء" وصديقته "هديل العلي" حيث تظهر بشكل واضح هشاشة النظام من جهة، وعدم اكتراثه بدماء السوريين لدرجة تبعث على الاستفزاز من جهة ثانية).

هذا الانفصال الذي ما انفك يكرس مبدأ العبد والسيد، منذ أول يوم للانتفاضة، عندما أطلق النظام على المتظاهرين تسمية "المندسين"، ثم "الجراثيم"، و"العصابات المسلحة"، وأخيرا "الإرهابيين السلفيين". هذا يعني الإنكار التام لوجود الشعب، والإمحاء المستمر، وكأنه غير موجود في الحياة الواقعية، أو أن هذا الشعب هو مجرد زخرف تراه العائلة الحاكمة من شرفة بيت مطل على واد سحيق، يراقب جيشا جرارا من الكائنات الغريبة الجرثومية المندسة المسلحة، التي يجب سحقها وتدميرها بالكامل، حتى لو كان الثمن تدمير كامل الهضبة التي بني عليها البيت!

هكذا وببساطة، لا أحد يستحق السكنى في هذا البيت الكبير المسمى "سوريا" سوى هذا النظام، وهؤلاء العبيد نكرات، إنهم مجرد لا شيء، وسحقهم دمويا لن يكون له أي عاقبة.

الطرف الثاني، المطبق على خناق الشعب الثائر، يخرج له من أسفل الهضبة أو منتصفها، وهو المعارضة السياسية المنفصلة عن الواقع بالغالب وليس بالمطلق. منفصلة بحكم عدم الارتقاء لحجم الخراب الناتج عن عدم توحيد صفوفها، فمن يمثل هذا الشعب لم يكونوا على مستوى طاقته واستماتته لنيل الحرية، لا على المستوى الأخلاقي ولا التنظيمي التعاضدي. كما أن هذه المعارضة لم تستطع حتى الآن إنتاج خطاب مستقل وواضح واستراتيجي للمرحلة القادمة، يحمل مشروعا سياسيا للانتفاضة. هذا عدا عن الانشقاقات التي لا تتوقف عن مفاجأتنا بمزيد من التعثر والتبعثر، وحتى الآن لم تتكون ملامح شخصيات قيادية فاعلة ومؤثرة تحظى بثقة الشعب المقاوم، ويستطيع الركون إليها.

هذان الطرفان أنتجا بدورهما ملامح ثنائية "العنف والطائفية"، التي تُعدّ مقتلا للانتفاضة. ورغم المسؤولية الكاملة والمطلقة للنظام، عن تغذية نزوعات العنف والمشاعر الطائفية، لا نستطيع إنكار حقيقة أن تلك الثنائية القاتلة تُخرج الانتفاضة من استحقاقها الأولي، ووسط هذه الثنائيات، التي تنتج أخرى أكثر صعوبة، يبقى الشعب المقاوم مستمرا في إصراره على إسقاط النظام، رغم أن مسيره على هذا الطريق قد يجعل الأرض تميد تحت قدميه بين حين وآخر، وقد تحرفه عن جوهر ثورته الاستثنائية. ولعل الشعب السوري سيدفع، هو وحده، ومن دماء أبنائه، ووحدته الأهلية ثمن هذا الانحراف، كما دفع هو وحده ثمن مطالبته بالحرية.

شعب أعزل متروك للقتل اليومي، ولنظام يتغلب على الشيطان في براعة ألاعيبه الإجرامية، ويفوق قدرة الخيال في سرد صلف الدكتاتور الدموي عند احتضاره الأخير. شعب لا يشبه سواه في صموده الطويل، وفي صبره على الآلام، وتصميمه على الانتصار. شعب متفوق حتى على ظرفه التاريخي، وغطائه السياسي، وبالتالي تصعب مقارنة حالته بما شهدته شعوب أخرى في المنطقة العربية. إنه فريد في تجربته، يخوضها من الباب الأكثر وحشية، والأشد تماسكاَ في الوقت نفسه. لكنها أيضاَ الأشد انزلاقا نحو الأخطار، للأسف الشديد.

=================

الأوضاع في سوريا إلى طور جديد

رأي الراية

الراية

20-3-2012

بغض النظر عن اتهامات المعارضة السورية للنظام بالمسؤولية عن التفجيرات التي وقعت في دمشق وحلب، فإنه يمكن القول إن الأوضاع في سوريا بلغت طورا جديدا وحدا خطيرا يهدد وحدة سوريا ومستقبلها وإن إصرار النظام على استخدام العنف والقتل في مواجهة الاحتجاجات الشعبية المطالبة بالحرية والتغيير سيقود لا محالة إلى إغراق البلاد في أتون حرب أهلية لن يخرج النظام السوري منها سالما مهما كانت نتيجتها.

المعارضة ترى في التفجيرات الأخيرة أنها ترمي إلى "ترويع" الحركة الاحتجاجية. وترويع أهالي المحافظات الكبيرة خشية تطور الحراك فيها، خاصة بعدما شهدت مدينتا حلب ودمشق تصاعدا في الحالة الاحتجاجية .

اللافت أن أحد الانفجارين في دمشق انفجار حي القصاع والانفجار الآخر في حلب

والذي وقع في حي السليمانية استهدف أحياءً تقطنها غالبية مسيحية كما تقول المعارضة وهو ما يثير الكثير من علامات الاستفهام حول التوقيت والمغزى من هذين الانفجارين اللذين نفت المعارضة المسؤولية عنهما.

إن ما سيقطع الشك باليقين في المسؤولية عن الانفجارات المفخخة التي شهدتها دمشق وحلب تولي هيئة دولية التحقيق في هذين الانفجارين لكشف ملابساتهما ومن المشكوك أن توافق السلطات السورية على قبول لجنة تحقيق دولية في الانفجارين تحت اعتبارات تتحدث عن السيادة الوطنية .

من الواضح أن النظام في سوريا الذي فوجئ مع مطلع العام الثاني للثورة بانتشار الثورة إلى مدن جديدة لم تكن قد شاركت في الحراك السلمي المطالب بالتغيير خلال العام الأول من الثورة دفع بأجهزة النظام الأمنية والعسكرية إلى قمع هذا الحراك الشعبي بقسوة كما حصل ويحصل الآن في مدينة الرقة وهو ما سيدفعه بالضرورة إلى البحث عن وسائل جديدة لإجهاض التحركات الشعبية التي زادت الخناق على النظام بأي ثمن كان.

إن محاولة النظام السوري خلط الأوراق وترويع الناس وإثنائهم عن المشاركة في الحراك الشعبي المطالب بالتغيير لن تجدي نفعا ولن تقنع الشعب السوري بالتوقف عن الاحتجاجات الشعبية فالشارع السوري الذي يخوض معركة الحرية والديمقراطية في وجه نظام ديكتاتوري لا يرحم لا يمكن أن يتنكر لدماء أكثر من عشرة آلاف قتيل ذهبوا ضحية حملة النظام القمعية ويتوقف عن ثورته.

لقد أضاع النظام السوري الفرصة تلو الفرصة لإخراج سوريا من عنق الزجاجة بإصراره على الحل الأمني الذي ثبت عدم جدواه في وجه الشعب السوري الذي يبدو مصمما أكثر من أي وقت مضى على نيل حريته رغم حجم التضحيات التي قدمها وبالتالي فإن سياسة الترويع لن تصل بالنظام السوري إلى النتيجة التي يتوخاها.

=================

الثورة تقرع أبواب قاسيون

علي حماده

2012-03-20

النهار

على الرغم من أهمية الخبر غير المؤكد تماماً الآتي من ميناء طرطوس، ويفيد بنزول وحدة روسية لمكافحة الارهاب فيها، بما يشي بتورط متزايد لموسكو في محاربة الثورة السورية، فإن الخبر الأهم يبقى في الاشتباكات التي دارت طوال ليل امس في دمشق (المزة) بين وحدة من "الجيش الحر" وقوات النظام في سوريا، وقد استمرت حتى ساعات الصباح الاولى متزامنة مع مواجهات في عدد من ضواحي العاصمة. وتكمن اهمية ما حصل البارحة في المزة بكونها واقعة تحت نوافذ القصر الرئاسي الرابض على جبل قاسيون. بمعنى آخر، فإن بشار الأسد وزوجته التي تتلهى بالتبضع على شبكة الانترنت قد سمعا بوضوح أصوات الرصاص والانفجارات، وفهما تماماً ان الارض تتغير بسرعة ولا سيما في المدن الكبرى وفي مقدمها العاصمة. وبصرف النظر عن قوة النظام العسكرية، فإن بلوغ "الجيش الحر" منطقة مركزية مثل حي المزة في دمشق يعتبر نقلة نوعية في المعركة، ويعزّز صدقية الاصوات المتعالية في كل مكان بحناجر مقاتلي الثورة وهي تصدح بعبارة سمعناها في ليبيا: "جايينك يا بشار".

إن الوضع في المدن الكبرى اي دمشق وحلب يتغيّر بسرعة فائقة: في دمشق يتضح ان الضواحي المسماة ريف دمشق خارجة عن السيطرة الفعلية لقوات بشار. كما أن الاحياء التي تلف العاصمة تتحرك ليلا من دون ان يتمكن النظام من حسم وضعها. و لعل ما يخبرنا به ديبلوماسيون مقيمون في دمشق من أن الاوضاع صارت لا تطاق، وان العاصمة اشبه بثكنة عسكرية تنتظر ساعة السقوط، يكشف حقيقة مفادها ان النظام يتهاوى. أكثر من ذلك، فإن العاصمة الاقتصادية والتجارية، أي حلب، صارت مسرحاً لعشرات التحركات الميدانية ضد النظام، من دون ان ننسى جامعة حلب التي تعكس قوة الحراك الثوري في الوسط الطالبي الممثل لكل الفئات الاجتماعية في المدينة وريفها.

ومن المهم بمكان ان نذكر بقول رئيس هيئة الأركان في الجيش الفرنسي الأميرال غيّو ان النظام في سوريا، والذي يبدو متماسكا من الناحية العسكرية، سيقاتل الى ان ينهار في لحظة معينة قد لا تكون بعيدة جداً، بشكل مفاجئ وسريع، تماما كما حصل مع نظام الرئيس العاجي السابق لوران غباغبو.

إن بشار لا يسيطر على سوريا. إنه يخوض حرباً في سوريا، وهذا مختلف تماماً. كما أنه يفتقد الى البيئة الحاضنة الضامنة لاستمراره في القتال. في المقابل، يتبيّن ان ارتفاع أعداد الشهداء و تزايد الأعمال الوحشية والارتكابات الفظيعة التي ينفذها عسكر النظام لم تؤت "ثمارها"، بل انها ادت الى مزيد من التصلب والاصرار من جانب الثورة على مواصلة المعركة الى النهاية.

ان نظام بشار يسير نحو الهاوية بخطى متسارعة. وربما أفقنا يوماً على خبر اندلاع معارك شوارع في جميع أحياء دمشق بين من تبقى من قوات النظام، و"الجيش الحر" والمنشقين أخيراً.

حان الوقت للتفكير الجدي في ما بعد بشار.

=================

مؤتمر اسطنبول يأخذ دفعاً على وقع مهمّة أنان .. العنف سقف التفاوض وكسب الوقت

روزانا بومنصف

2012-03-20

النهار

على رغم ترقب الاوساط المتابعة خلال عطلة الاسبوع لبيان رئاسي يصدر عن مجلس الامن يدعم فيه مهمة المبعوث المشترك للامم المتحدة والجامعة العربية الى سوريا كوفي انان بما من شأنه ان يعبر عن موقف دولي موحد في هذا الاطار، فان ما نقلته مصادر ديبلوماسية على اثر الاحاطة التي قدمها انان للمجلس يوم الجمعة الماضي في 16 من الجاري لا تدعو الى التفاؤل بهذه المهمة حتى الان. اذ ان انان نفسه الذي عبر عن خيبة امله من المحادثات التي كان اجراها الاسبوع الماضي اظهرت بحسب هؤلاء الديبلوماسيين ان اعتقاده المسبق بانه يمكن ان يقدم شيئا جديا بسرعة على صعيد الملف السوري لم يصح. وتخشى هذه المصادر ان تكون الردود التي حصل عليها انان حتى الان افقدت المبادرة التي يقوم بها الدينامية والزخم المطلوبين وفي اعتقاده ان هذه المبادرة كانت تشكل فرصة حقيقية لايجاد حل ظهر واضحا في الايام الاخيرة انها لم تكن كذلك. ولا يعتقد في ضوء الردود التي قدمها النظام انه من الصعب تحقيق اختراق في الازمة نحو ايجاد حل مما ينذر بذهاب الامور الى مؤتمر اصدقاء سوريا في اسطنبول على وقع تعثر مهمة انان. وتاليا فان ما يمكن ان يتخذ من مواقف في المؤتمر يرجح ان تكون صدى لهذا التعثر من خلال مؤشرات اعطاها مسؤولون اتراك قبل ايام قليلة تعيد وضع البحث في منطقة عازلة على الطاولة كما الامر بالنسبة الى احتمال تسليح المعارضة.

وتقول المصادر المعنية ان روسيا لم تقدم اي مساعدة فعلية لانان ولو اعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف انه يدعم المهمة التي يقوم بها المبعوث المشترك للامم المتحدة والجامعة العربية وان روسيا نصحت الرئيس السوري بشار الاسد بالتعاون مع مهمة هذا الاخير. ولا تستبعد هذه المصادر ان تتم محاولة اعطاء بعض الدفع لمهمة انان على غرار العمل معه على وصول بعثة انسانية وما شابه بحيث يتم تعطيل مضمون مؤتمر اسطنبول على اساس افادة النظام من الوقت لكسب المزيد لمصلحته ومحاولة تسجيل المزيد من النقاط على الارض. الا ان هذا لا يعني في اي حال ركون الدول الكبرى لهذه المحاولات بحيث تحصل ضغوط على المعارضة من اجل ان تقبل هي بمهمة انان وتعلن تعاونها معه من اجل رمي الكرة في ملعب النظام واجهاضه مهمة المبعوث الدولي. اذ ان خلافا نشأ بين افرقاء المعارضة اخيرا حول دعم مهمة انان او عدم دعمها وسط تناقض للاراء بين من يعتبر ان لا فائدة منها ومن يرى ضرورة استمرار الرهان على مبادرات سلمية اسقاطا لمنطق النظام حول عسكرة المعارضة. وهو خلاف مماثل لذلك الذي نشأ على اثر مبادرة الجامعة العربية وارسال بعثة المراقبين باعتبار ان هناك فريقا يرى ضرورة ان يظهر رفض النظام لكل المبادرات وفق ما يحصل واجهاضه اياها وليس اجهاضها من المعارضة. وكثر من المهتمين بالشأن السوري يرون انه لا يتعين على المعارضة ارتكاب خطأ رفض اي مبادرة بل ترك هذا الامر على عاتق النظام وحتى الان فان ما طرحه النظام من شروط على انان لا يظهر استعدادا للتعاون في الجوهر بل على العكس.

وتاليا فان استمرار الوضع على ما هو عليه من دون تراجع للعنف وعدم نجاح انان في مهمته سيؤدي الى انعقاد مؤتمر اسطنبول بجدول حافل بدلا من ان تعطله مبادرة المبعوث الدولي. وتواصل الدول المعنية اقليميا ودوليا التلويح بهذه الورقة من اجل الضغط في هذا الاتجاه والسعي الى الحصول على تطور بعض الشيء في ملف الوضع الامني في سوريا قبل المؤتمر باعتبار ان ذلك سيسمح بان يستفيد الجميع من بعض الوقت. وفي حال لم ينجح ذلك فان هذه الدول ستستخدم هذا الامر في وجه روسيا التي لا تزال داعمة للنظام على رغم بعض الانتقادات للنظام التي ساقها لافروف اخيرا. فاما تضغط فعلا على النظام من اجل وقف العنف قبل المؤتمر بناء على البيان الرئاسي المرتقب عن مجلس الامن او بناء على النية الروسية المعلنة سابقا في هذا الاطار او ان بعض الدول ستأخذ فرصتها في اعلان مواقف صارمة بعد ان تكون مهمة انان قد تعثرت بفعل تصلب النظام وعدم تعاونه.

وفيما توحي مواقف بعض حلفاء النظام في لبنان انه استعاد قوته وسيطرته بفعل ما قام به في حمص ثم في ادلب وتاليا فانه يفرض شروطه من موقع قوة وفق ما فعل مع انان، فان مجمل المعطيات الاخرى لا تؤكد هذا الواقع باعتبار ان الحسم الذي قام به في حمص لم ينه الاعتراضات او الاحتجاجات فيها وكذلك الامر في المدن السورية الاخرى. بل ان الوضع يبدو استنزافيا على نحو خطير وموقف القوة هو سقف مرتفع للتفاوض من حيث المبدأ وفق ما يفترض منطق الامور، علما ان الشكوك تبقى كبيرة في حالة النظام السوري ورغبته الفعلية في التفاوض. اذ يغلب الاعتقاد ان ما يجري هو كسب المزيد من الوقت والسعي الى تقديم القليل قبل كل استحقاق اقليمي او دولي على نحو يخدم هذا الهدف ليس الا.

=================

سورية: لا عودة الى الوراء

الياس خوري

2012-03-19

القدس العربي

دخلت الثورة السورية عامها الثاني وسط الدم والدموع والتحدي. سنة كاملة وشوارع المدن والقرى السورية تصنع ما كان الجميع يعتقده مستحيلا. مظاهرة صغيرة في دمشق تحولت الى انتفاضة في درعا، قبل ان تعم الثورة مدن سورية ودساكرها، ويسقط هذا العدد الهائل من الشهداء، وتتحول حمص الى مدينة الحرية.

لا اريد الدخول في نقاش ثقافوي بدا لي منذ البداية مملا وسقيما. المسألة في سورية وبقية البلاد العربية تبدأ من انفجار الوعي والارادة. اما الاستنتاجات السريعة حول من انتصر او سينتصر، فانها تتجاهل اننا امام مخاض سياسي واجتماعي طويل، لن تتبلور ملامحه سريعا. كل ما في الأمر ان على المثقفين الخيار بين موقفين: الحياد الذي يتضمن الانحياز للأنظمة لأسباب متعددة تبدأ بالممانعة وتنتهي بالخوف من التيارات الاسلامية، وموقف الانخراط النقدي، الذي يرى في العملية الثورية بداية تفتح للاحتمالات، التي على القوى الديمقراطية واليسارية والليبرالية ان تشارك في صنعها.

لكن ليس هذا هو موضوع اليوم، على الرغم من الحزن الذي اصابني حين كتب شاعر كبير احبه ناصحا اياي بأن لا اصف الناس في 'مستنقع حمص' بأنهم يقتحمون السماء! لن اعلق على كلام سعدي يوسف، لا لأنني حريص على ذاكرتي التي شارك شعره في تكوينها، فقط، بل لأن هذا النوع من الجدل الذي اوصله الشاعر ادونيس الى ذروته لا يفيد في شيء، بل يقوم بحجب الحقيقة التي تقول ان الدم يملأ الشوارع.

التضحيات الهائلة التي قدمها ويقدمها السوريون والسوريات منذ سنة تعلن بكل وضوح ان لا عودة الى الوراء. فالوراء صار مبقعا بالدم، والدمار الذي 'انجزته' القوات العسكرية التابعة للنظام صار شاهدا على ان سورية اليوم لم ولن تعود الى ما كانت عليه. مملكة الصمت سقطت، والتوريث على الطريقة الكورية الشمالية يتداعى، والبلاد صارت مهددة على كل المستويات.

حصاد العام الأول من الثورة يبدو واضحا. النظام نجح في تحقيق انتصارات عسكرية هي اشبه بالهزائم، والشعب دفع ثمنا كبيرا كي يعلن ان هذه الثورة لا يمكن سحقها بالحديد والنار، وان زمن حماه على طريقة الأسد الأب، لن يتكرر على يد الابنين الأسدين.

من وجهة نظر النظام، فقد حقق آل الأسد انتصارين: الأول هو الانجازات العسكرية في بابا عمرو والزبداني ودرعا وادلب. وهي انجازات تثير السخرية والحزن في آن معا. فقد اقتضى اقتحام بابا عمرو من قبل قوات النخبة في الجيش السوري تدمير الحي عبر قصف استمر ثلاثة اسابيع في مواجهة حفنة صغيرة من الجنود المنشقين. كما اقتضت الزبداني مفاوضات واتفاقات قبل ان تقتحم، والى آخره...

اما الانجاز الثاني فهو تدويل الأزمة السورية. قوة النظام الأسدي مثلما ارساه الأب قامت على التدويل من خلال الدور الأقليمي للنظام. فالنظام الأسدي كان وظيفة خارجية. والآلة العسكرية المافيوية الحاكمة، استفادت من هذا الدور الاقليمي كي تحكم سيطرتها على البلاد. الأسد- الابن حاول ان يبيع البضاعة نفسها، لكنه امام ضغط الشعب، قرر احداث تحوير في الدور الاقليمي، فبدل ان تكون سورية لاعبا صارت ساحة. وبدل ان يكون استقرارها الداخلي في ظل الاستبداد مستمدا من لا استقرار جيرانها من لبنان الى العراق، صارت هي ساحة الصراع، التي تشتري حماية نظامها بالتبعية الكاملة، والاستعداد التام لبيع الامريكيين البضاعة القديمة اياها. ولا عجب ان ينجح النظام في استدرار العطف الاسرائيلي الذي يستتبع في العادة موقفا امريكيا مترددا.

كان النظام يتمنى تحقيق انجاز ثالث، هو اغراق البلاد تحت شبح الحرب الطائفية، ولعل ابلغ مثال على ذلك هو مذبحة كرم الزيتون الهمجية، التي تهدف الى استدعاء الانتقام. غير ان وعي شباب الثورة لا يزال قادرا على تحجيم هذا المشروع من دون ان يكون قادرا على وأده، واغلب الظن ان النظام سوف يلجأ بشكل منهجي الى هذا السلاح في ما تبقى له من زمن احتضاره الطويل.

الذين اعتبروا ان بقاء النظام سنة كاملة هو بمثابة انتصار للعائلة الأسدية، لا يعرفون سورية، وطبيعة الآلة المدمرة التي صنعها النظام عبر الزبائنية والابتزاز والاتكاء على البنى العشائرية والطائفية. ان مقارنة قدرة الأسد الاب على السحق السريع لانتفاضة حماه وبقية المدن السورية عام 1982، ببطء وارتباك الأسدين الابنين، تشير الى ان تكرار الماضي بات مستحيلا، وان عناد الأسدين الشابين لن ينقذ النظام، بل سيزيد في تدهوره.

لكن مفارقة الثورة السورية ان الشعب هو اكثر اهمية ودينامية ممن يُفترض بهم ان يكونوا قيادته. انها ثورة بلا قيادة، او بقيادة جزئية. فالمجلس الوطني لا يزال متعثر الخطى، والمعارضة الأخرى التي تمثلها هيئة التنسيق سقط بعض قادتها في محاربة طواحين هواء التدخل العسكري الخارجي، تماما مثلما سقطت بعض قيادات المجلس الوطني في ترويج وهم امكانية هذا التدخل.

بعد سنة من المناورات السياسية الدولية، يقول الواقع السياسي ان النظام هو من استجلب التدخل الخارجي عبر ارتمائه في الحضن الروسي، واعتماده المطلق على ايران، وان المعارضة رغم كل ما قيل لا تجد مصدرا واحدا لدعمها بالسلاح، وان التردد الامريكي هو النتيجة الحتمية للعلاقة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة واسرائيل، كما يعود ايضا الى عدم وجود سياسة امريكية في المنطقة بعد حربي العراق وافغانستان الفاشلتين.

حصاد العام الأول من الثورة السورية هو ان الشعب السوري وحده، نعم وحده، وكل كلام آخر هو الوهم بعينه. فالذين يعتقدون ان تغطية الفضائيات النفطية تكفي كي تشير الى دعم حقيقي هم مغفلون. لا الغرب ولا عرب النفط يريدون او يستطيعون دعم الثورة فعليا. كلاهما خائف، الغرب خائف على اسرائيل، وعرب النفط خائفون من ان تصل الثورة الى بلادهم، لذا لا همّ لهم سوى تسريب التيارات السلفية ودعمها علها تسحب من الثورات افقها الديمقراطي.

السوريون وحدهم، لقد انتصروا على الخوف من دون مساعدة احد، وصاروا نموذجا للشجاعة والنبل والبطولة.

عام من التحدي والصمود الاسطوري، اسس احتمالات الحرية، التي سوف تأتي وبشكل يفاجئ الجميع، تماما مثلما فاجأت الثورة الجميع.

=================

المشهد السوري.. ليست حربا مقدسة

يحيى الأوس

2012-03-19

القدس العربي

يُصنع المشهد السوري اليوم بعدسات أجهزة الهاتف المحمول، ليس تلك الموجودة بأيدي المتظاهرين الذين يغامرون بحياتهم أو اعتقالهم في حال كشف أمرهم، وإنما بهواتف الجنود النظاميين أيضاً، فهؤلاء يوفرون بقصد أو بغير قصد مادة تفوق بأهميتها ما تأتي به كاميرات المتظاهرين أحياناً، ولا نبالغ إذا قلنا بان أفظع مقاطع الفيديو التي وصلت للرأي العام كانت مسربة من عناصر في قوات الأمن السورية أو من عناصر من الجيش النظامي، وأنها قد ساهمت إلى حد بعيد في تأجيج الرأي العام المحلي والعربي والدولي ضد النظام السوري عندما تصدرت هذه المقاطع الهمجية والمهينة شاشات أبرز المحطات الفضائية فأظهرت جنودا سوريين باللباس العسكري يقومون بتجريد متظاهرين من ملابسهم وجرهم كالحيوانات أو عناصر أمنية يدوسون فوق ظهور مواطنين عزل ويجبرونهم على ترديد عبارات التأييد للنظام أو آخرين يطلقون النار نحو المناطق المأهولة من على ظهور دبابات.

وإذا كنا نتفهم دوافع المتظاهرين للمغامرة بأرواحهم في سبيل التقاط صورة أو مقطع فيديو يوثق لنضالهم ويكسر الحصار الإعلامي المضروب عليهم، فإن ما يكشف مضمونه بأنه آت من جندي نظامي أو عنصر أمن، يضعنا أمام مسألة خطيرة وهي أن هؤلاء الجنود عندما يقومون بتصوير أنفسهم أثناء الاقتحامات أو العمليات التي يخوضونها، فإنهم يفعلون ذلك لأنهم يعتقدون بأنهم يخوضون 'حرباً مقدسة' لا بد من توثيقها، وان هناك من يدفعهم نحو هذا الاعتقاد و يعزز لديهم الشعور بأن هذه الحرب هي واجب مقدس، بما يقطع الطريق على أي شعور محتمل بالندم أو مراجعة النفس خشية أن يوصمون بالخيانة أو التخاذل، عندها يصبح المضي في هذه 'الحرب المقدسة' خيارا وحيدا بالنسبة لهؤلاء.

وإن لم يكن الأمر كذلك فما الذي يدفعهم إذاً لأخذ 'تذكارات' لهم فوق جثث أبناء جلدتهم من السوريين وفوق أنقاض المدن المدمرة التي يدخلون إليها وكأنهم جيش الفتح، ومن ثم يسربونها لاحقاً وهم يعلمون بأنها قد تجلب عليهم الانتقام أو قد تتسبب في موتهم أو محاكمتهم لاحقاً؟. الأمر الذي يعزز أفكار من يعتقدون بأن وصول بعض هذه المقاطع هو عملية مقصودة هدفها توجيه رسالة تهديد إلى المتظاهرين بأن مصيركم سيكون كذلك، من دون إهمال فرضية انتقال هذه المقاطع بالخطأ أو المصادفة.

على الجهة الأخرى يدرك آخرون منهم مدى الخزي الذي يجلل مهماتهم فيلجأون إلى التخفي وإخفاء الوجوه خوفاً من العار الذي سيلاحقهم؟.

ليست حرباً مقدسة تلك التي يقتل فيها السوريون بعضهم، ليست حربا مقدسة تلك التي تأتي على 7000 سوري حتى الآن وتخلف آلاف المهجرين والمصابين والمعتقلين ايا كان من يخوضها وباي طريقة كانت، وغداً عندما تعود الحياة إلى طبيعتها لن يبقى في ذاكرة جميع الذين تلوثت اياديهم بالدم ما يدعوهم للفخر أو استذكار ما فعلوه، بل على العكس ستثقل ذاكرتهم المآسي التي اقترفوها بأيديهم وسيتحول ما كانوا يعتقدون بأنها بطولات إلى آثام وجرائم حتى في نظر أقرب الناس إليهم.

لقد انتهى زمن الحروب المقدسة منذ أمد بعيد، ولن يتمكن أحد من إيقاظها، وإذا كان هناك من حرب تستحق الإشادة فهي الحرب الأخلاقية للشرفاء الذين يرفضون أن يقتل الأخ أخيه من أجل معركة قذرة.

=================

أنان والضربة القاضية

الإثنين, 19 مارس 2012

غسان شربل

الحياة

يأتي كوفي أنان إلى الحريق السوري من نادي الحكماء. علمته تجربته الطويلة تفادي الأوهام والاقتصاد في التفاؤل. لا يحتاج إلى من يذكره أن ملفات الشرق الأوسط من الأعقد في العالم. وأن الملف السوري من الأعقد في الشرق الأوسط. وأن مهمة الإطفائي هناك تضعه على خط التماس مع حقوق يصعب إنكارها ومخاوف يصعب تجاهلها ومصالح يصعب التوفيق بينها.

كما تضعه على خط التماس مع دول قلقة ومحاور مستنفرة وطوائف متوترة. وأن الأسباب المحلية لاندلاع الحريق لا تحجب انعكاسات مصيره على التوازنات الإقليمية والدولية. لا يمكن التعامل مع هذا الحريق وكأنه مجرد صراع على سورية. ولا يمكن التعامل معه أيضاً وكأنه مجرد صراع في سورية.

لو نظر المراقب بواقعية إلى المشهد السوري لاستنتج أن ظروف نجاح مهمة أنان ليست متوافرة في الوقت الحالي. إننا أمام نظام يستطيع توجيه ضربات موجعة إلى المعاقل الرئيسية لحركة الاحتجاجات لكنه عاجز بعد عام عن إنهائها. إننا أمام معارضة تستطيع الاستمرار في استنزاف النظام لكنها غير قادرة حتى الآن على توجيه ضربات قاتلة إليه. نظام متماسك وغير قادر على اقتلاع المعارضة. ومعارضة متنامية وغير قادرة حتى الآن على اقتلاع النظام. توازن رعب في بلد سقط فيه عشرة الآف قتيل.

من يتابع الوضع السوري عن قرب يتلمس حجم المأزق. نظام ذهب بعيداً في قمع المحتجين من مدنيين وعسكريين. سلوكه في الأسابيع الأخيرة يوحي أنه لا يزال يراهن على أسلوب الضربة القاضية. يشعر الآن أنه غير قادر على التراجع بعدما فعل بالآخرين وما لحق به. معارضة تشعر بصعوبة التراجع بعدما قدمت وباتت تراهن على الضربة القاضية أي إسقاط النظام برمته. لكن ميزان القوى الحالي لا يسمح لأي من الطرفين بتسديد ضربة قاضية. الإصرار على السير في اتجاهها يحمل أخطار حرب أهلية وأنهار من الدم.

يعرف كوفي أنان حجم المأزق. يُدرك أيضاً أنه غير قادر على توجيه ضربة قاضية إلى الحريق السوري. يقول المطلعون على تفكيره وأسلوبه أنه يتصرف انطلاقاً من أن مهمته تستلزم وقتاً غير يسير. وأنه لا يتوهم القدرة على إقناع طرفي النزاع الداخلي في سورية وأن البداية الفعلية لمهمته لن تكون على المسرح السوري. ويقولون أيضاً أنه سيسعى بالدرجة الأولى إلى ترتيب مظلة دولية للحل. وهذا يعني إقناع الصين «التي تتعاطى مع الوضع في سورية وعينها على مصادر الطاقة في الخليج». ويعني أيضاً إقناع روسيا «التي تتعاطى مع دول الخليج وعينها على مصالحها في سورية». لا تبدو حياكة المظلة الدولية سهلة لكنها قد لا تكون مستحيلة.

يرى أنان أن المظلة الدولية ستُسهل توفير غطاء إقليمي للحل خصوصاً حين يتم التقريب بين مبادرة الجامعة العربية والموقفين الروسي والصيني.

بعد توفير المظلتين، الدولية والإقليمية، سيتمكن أنان من مخاطبة طرفي النزاع باسم إرادة دولية واسعة. هذا لا يعني أن أنان «لن يحاول وقف القتل خلال فترة عمله لتوفير المظلتين» لكن المهمة لن تكون سهلة. أي وقف جدي للنار قد يعطي المعارضة فرصة التدفق إلى الساحات بأعداد غير مسبوقة وهو ما لا يقبله النظام ولا طاقة له على احتماله.

سيحاول أنان ملء مرحلة الانتظار بأفكار ومقترحات مهما كانت الأجوبة مخيبة. سيتحدث عن وقف العنف وآلية رقابة وحل عبر الحوار. المتابعون يرون أن رهان الضربة القاضية يرشح سورية لأيام أشد هولاً. وبينهم من يعتقد أننا سنشهد بحراً من الجنازات قبل أن ينجح أنان في إطلاق الحل أو إشهار يأسه وانسحابه وفي الحالين نحن أمام وضع من قماشة الضربة القاضية.

=================

الجولان ينتظر الثورة

الثلاثاء, 20 مارس 2012

حسام عيتاني

الحياة

مقابل تقدم مهم على صعيد دراسة المجتمع السوري ومكوناته والمؤثرات فيه، خلال عام من الثورة، ظل موضوع الصراع مع إسرائيل طي التابوهات والأحكام المسبقة.

فالاعتراف يترسخ بين أوساط الكتّاب والباحثين السوريين، ان مجتمعهم ليس استثناء، وأنه لا يخلو من «آفة» الطائفية، ويشكل جزءاً من النسيج السكاني في المشرق العربي الذي تؤدي فيه الجماعات الطائفية أدواراً سياسية واجتماعية ملموسة (من دون ان تكون حصرية). وتتعدد الملاحظات القيمة المدرجة في مقالات وأوراق بحثية حول العلاقة بين السلطة السياسية والطوائف في سورية، وهي ملاحظات مرشحة للتطور والتحول الى عنصر ضروري في فهم المجتمع السوري تمهيداً لإعادة بناء العلاقات الأهلية ثم المدنية في البلاد بعد التغيير المقبل.

من ناحية ثانية، ينأى أكثر الكتاب عن تناول الصراع مع إسرائيل سوى من حيث كونه حجة وذريعة استخدمتها السلطات الاستبدادية لتأبيد إمساكها بمقاليد الحكم. وينتهي كل نقاش بين مؤيد ومعارض حول الموضوع، في العادة، بحملة اتهامات ومزايدات عن الجهة السورية التي تتلقى الدعم من إسرائيل، أهي المعارضة أم النظام. ويستدل كل من الفريقين على صحة رأيه بتصريحات أدلى بها هذا المسؤول الإسرائيلي او ذاك.

بيد أن المسألة أكثر تعقيداً. فليس المهم ما قال «رجل الأعمال» رامي مخلوف عن ارتباط أمن اسرائيل بأمن سورية، ولا رأي زعيم «الاخوان المسلمين» رياض الشقفة عن استمرار حكم بشار الأسد بفضل التأييد الإسرائيلي، بل المهم ان مشكلة الاحتلال الاسرائيلي لجزء من الاراضي السورية قائمة وحقيقية، ويشبه إعلان رئيس «المجلس الوطني» المعارض العمل على إنهاء الاحتلال بكافة السبل، موقفاً مبدئياً يسعى اصحابه الى سحب ورقة المزايدة في الوطنية من أيدي النظام والمتحدثين باسمه وحلفائه.

غني عن البيان ان هذا الموقف غير كاف، وربما تكون مطالبة المعارضة بتخصيص جهد لتناول مواضيع مثل الجولان ومستقبل عملية السلام، ترفاً في وقت يتعرض فيه السوريون الى القتل على أيدي آلة النظام الحربية. غير ان واحدة من خصوصيات الثورة السورية هي انها تجري ضد نظام استبدادي في وقت يجثم فيه محتل أجنبي على جزء من ارض الوطن. ومنذ الثورة الفرنسية، تتراكم الدروس التي تعطي الخارج أنصبة كبيرة في تشكيل الثورات ومساراتها. وتعيسة هي الثورات التي تواجه باستحقاقات على هذا المستوى من الخطر، من دون تحضير كاف.

ومفهوم أن يتسم أي طرح لمسألة الاحتلال الاسرائيلي بحساسية، بيد ان المنتظر من الثورة مقاربته من زاوية تختلف عن تلك الأداتية الانتهازية التي أطل حكم البعث منها على القضية الفلسطينية وعلى احتلال الجولان استطراداً.

وإذا جاز التوقع، يمكن الاعتقاد ان النظام المقبل سيعمل على استرجاع الجولان كجزء من مهمات الثورة السورية التي قامت على فضح مناخ الكذب والادعاء الذي نشره النظام المتهالك منذ اكثر من أربعين عاماً في البلاد. ولا بد أن يكون الجولان والمفاوضات في شأنه والعمل على تخليصه من قبضة الاحتلال، من العينات على الممارسة السياسية والدبلوماسية والعسكرية التي تكرس شرعية نظام ما بعد الأسد.

ولئن بدت الظروف المحيطة بالثورة السورية شديدة التعقيد اليوم ولا تشجع على بحث مسائل تضفي عليها المزيد من الصعوبات والضبابية، فعلى من يستعد للمرحلة المقبلة مواجهة حقيقة الاحتلال الاسرائيلي والبحث عن الأدوات اللازمة لتغييرها.

زبدة القول ان مستوى الشرعية التي سينالها النظام الثوري ستحدد هامش المناورة التي سيتحرك في اطارها لإنهاء الاحتلال، من دون ان يوقف ذلك السيل المنتظر والمعتاد من المزايدات والمهاترات المزمنة.

=================

ضرورة تدخل الولايات المتحدة في سوريا

جاكسون ديل

الشرق الاوسط

20-3-2012

إنهم ليسوا سوى ثلاثة أعضاء في مجلس الشيوخ، لكن من يعمل معهم يصفهم ب«الأصدقاء الثلاثة» لأنهم يسافرون كثيرا معا وكثيرا ما يعبرون عن مواقفهم معا وكثيرا ما يجدون أنفسهم وحدهم. ويتحدث كل من جون ماكين، وجو ليبرمان، وليندسي غراهام، الشهر الحالي عن سوريا، ويوضحون السبب الذي يدعو الولايات المتحدة إلى قيادة تدخل عسكري في سوريا لوضع حد للمذابح التي يرتكبها بشار الأسد. وأوضح الثلاثة في بيان صدر في السادس من مارس (آذار): «إن الشعب السوري في مواجهة مع قوى تفوقه في السلاح والعدد. إنهم يواجهون نظاما لا حدود لوحشيته ولامتهانه الكرامة الإنسانية. مع ذلك لا يزالون عازمين على الاستمرار في النضال. إنهم يقومون بذلك دفاعا عن القيم الإنسانية العالمية والمصالح التي نشاركهم إياها. عار علينا عظيم لو تقاعسنا عن مساعدتهم الآن في لحظة الحاجة الراهنة».

مع ذلك لا يريد الكثيرون الإصغاء إليهم ومن بينهم أنصار ماكين وغراهام من الجمهوريين. وليبرمان مستقل يجتمع مع الديمقراطيين. ولم ينضم سوى عدد قليل إليهم. ووجه الرئيس أوباما انتقادات لاذعة لهم مشيرا إلى أنهم «يدقون طبول الحرب» دون الأخذ في الاعتبار تبعات هذه الخطوة. وتقتات المدونات على السخرية منهم وتصفهم بالمتهورين ودعاة الحرب، بل وما هو أسوأ من ذلك. وقال ماكين: «نحن نتلقى بعض السهام». مع ذلك لقد اجتاز الأصدقاء الثلاثة مواقف مماثلة في السابق، فمنذ عام مضى وبعد زيارة ليبيا كانوا أول من دعا حلف شمال الأطلسي إلى فرض منطقة حظر جوي على ليبيا لمنع العقيد معمر القذافي من قتل شعبه، وكانوا يُنعتون بالتهور آنذاك أيضا. وأدان وزير الدفاع، روبرت غيتس، ما أطلق عليه «الثرثرة» عن القصف وقال إنهم يدعون إلى القيام «بعملية عسكرية كبيرة في بلد كبير».

وظل أوباما يقاومهم إلى أن بدأت فرنسا وبريطانيا تدفع باتجاه تدخل عسكري واستعدت قوات القذافي لمهاجمة بنغازي، ثاني أكبر مدينة ليبية. وأخيرا اتخذ حلف شمال الأطلسي خطوة وبعد سبعة أشهر من ذلك الحين انتهى القذافي ونظامه. وفي يناير (كانون الثاني) عام 2007 كان كل من ماكين وليبرمان وغراهام من القلة في الكونغرس التي تدعم اقتراح جورج بوش الابن بزيادة عدد القوات الأميركية في العراق وهو ما ظل يدعمه ماكين لسنوات. وهاجم كل من الديمقراطيين والجمهوريين - ومن ضمنهم باراك أوباما وجو بايدن وهيلاري كلينتون (الثلاثة أعضاء في مجلس الشيوخ آنذاك) - هذا الاقتراح في إحدى الجلسات الساخنة في مجلس الشيوخ، في حين بات هناك إجماع حاليا في واشنطن على أن تلك الزيادة أنقذت الولايات المتحدة من كارثة محققة في العراق وأتاحت انسحاب القوات الذي انتهى منه أوباما خلال فترة رئاسته العام الماضي.

أما بالنسبة لكل من ليبرمان وماكين، فهذا الأمر يعود إلى حصار سراييفو خلال حرب البوسنة في منتصف فترة التسعينيات، فقد انضم عضوا مجلس الشيوخ إلى زعيم الجمهوريين، بوب دول، في الدفع باتجاه التدخل الأميركي في مواجهة وزارة الدفاع والرئيس الأميركي المتردد آنذاك، بيل كلينتون. ومن المعروف أن وزارة الدفاع زعمت الحاجة إلى 400 ألف فرد من القوات لإحلال السلام. وعندما قصفت الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي القوات الصربية أخيرا في صيف عام 1995، توقف حمام الدم في غضون أسبوعين. وقال ليبرمان في اجتماع حضرته مع الثلاثة أعضاء المشار إليهم سالفا في مكتبه الأسبوع الماضي: «أشعر أننا نعيش تلك اللحظات الماضية مرة أخرى. يشير ذلك إلى أن إمكانية حسم أمر الحروب الأهلية تكون أكبر عندما نشارك فيها». وقال ماكين: «يوضح تاريخنا أننا كنا على حق. ويمكنكم العودة إلى تلك الجدالات السابقة لتكتشفوا استخدام الحجج نفسها عند الحديث في أمر ليبيا وكذلك لمعارضة اتخاذ أي خطوة إيجابية في البوسنة وكوسوفو. إنها الحجج نفسها التي كانت تساق عند الحديث عن الوضع في رواندا».

ولعل أكثر ما يندم عليه الجميع في واشنطن حاليا هو حالة رواندا التي شهدت عملية إبادة جماعية كانت تستطيع الولايات المتحدة أن تحول دون حدوثها. ينبغي أن يكون اتخاذ موقف في سوريا أسهل من عدة أوجه، فالأمر لا يتعلق بمجرد الحيلولة دون وقوع كارثة إنسانية، ففي النهاية هزيمة الأسد ستكون «أكبر عائق استراتيجي لإيران منذ 20 عاما»، على حد قول قائد القيادة المركزية الأميركية، جيمس ماتيس، لماكين في جلسة لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ منذ أسبوعين. ومع ذلك لم تجد الحقائق والتاريخ نفعا كثيرا في الجدل بشأن الوضع في سوريا حتى هذه اللحظة، حيث تستمر كافة الأطراف في لعب أدوارها المعتادة. وتتحدث وزارة الدفاع عن الدفاعات الجوية القوية المزعومة السورية، ويزعم «الواقعيون»، كما يصفون أنفسهم، أن مساعدة المعارضة السورية سوف تؤجج حربا أهلية ما زالت في مهدها. ويقول أوباما إن «أفضل ما يمكن عمله» هو «توحيد المجتمع الدولي».

أحيانا يبدو الوضع وكأن شيئا لم يتغير منذ الجدل حول حرب البوسنة منذ 17 عاما مضت. مع ذلك هناك شيء واحد قد تغير وهو مشاركة الولايات المتحدة في حربي عصابات خلال العقد الماضي أدت إلى إنهاكها. الوضع الاقتصادي متراجع، وتغير الموضوع المفضل لنخبة السياسة الخارجية، فأصبح «معالجة التراجع الاقتصادي» بعد أن كان «القوة العظمى الوحيدة في العالم». ربما يتبين فيما بعد أن الأصدقاء الثلاثة خسروا الجدل الخاص بالوضع السوري. وستستمر المذابح وسترفض الولايات المتحدة اتخاذ موقف. وقال ليبرمان: «أتفهم رد الفعل العكسي الشعبي الذي يرفض تكرار التدخل ولا يرى أي داعٍ له، لكن إذا لم نفعل ذلك، فسنكتشف أن إحجامنا عن القيام بذلك لم يكن خطأ فحسب، بل أيضا ضياع لفرصة استراتيجية».

* خدمة «واشنطن بوست»

=================

الدراما الروسية السورية

طارق الحميد

الشرق الاوسط

20-3-2012

يوم أمس كان يوما حافلا من الدراما الروسية - السورية، سياسيا، وعسكريا، وإعلاميا، حيث أُعلن عن وصول فرقة من مكافحة الإرهاب الروسية إلى ميناء طرطوس السوري، ثم ما لبثت وزارة الدفاع الروسية أن نفت الخبر جملة وتفصيلا بحسب ما نقلته قناة «العربية» أمس.

هل كان الخبر صحيحا وتم نفيه خشية التداعيات السلبية التي أثارها؟ هل الخبر مؤشر على وجهات نظر متباينة داخل موسكو نفسها تجاه ما يحدث في سوريا؟ وإلا فكيف يعلن خبر وصول وحدة مكافحة الإرهاب الروسية في نفس اليوم الذي تعلن فيه موسكو عن تأييدها لطلب رئيس الصليب الأحمر ضرورة تأمين وقف إطلاق النار في سوريا لمدة ساعتين يوميا لأسباب إنسانية؟ بل وتقول موسكو إنها ستضغط على حكومة الأسد من أجل ذلك. هذا ناهيك عن كل المواقف الروسية الأخيرة، وتحديدا الأسبوع المنصرم. والقصة لا تقف هنا، بل إن باريس أعلنت أنها تنوي تقديم مشروع قرار أممي ملزم بدعم مهمة السيد كوفي أنان، التي تدعمها موسكو، فكيف تقوم موسكو بنفس الوقت باتخاذ خطوة علنية، عسكريا، بدعم الأسد، خصوصا أنه ستكون لها تبعات كبيرة جدا على المنطقة، وروسيا؟ أمر لا يمكن أن يستقيم بالطبع.

والأهم من كل هذا أن فحوى الخبر المنفي المتعلق بإرسال فرقة من وحدة مكافحة الإرهاب الروسية إلى سوريا، يقول بأن السبب وراء إرسال تلك الوحدة هو إجلاء الرعايا الروس في حال تطلب الأمر ذلك. والحقيقة أن هذه ليست رمزية دعم لبشار الأسد بقدر كونها مؤشرا على أن أمرا ما يدور في دمشق، ويبدو أن موسكو قلقة من سقوط مفاجئ لنظام الأسد، أو حتى عملية انقلاب، خصوصا إذا تذكرنا أن يوم أمس كان يوما حافلا خصوصا مع المواجهات التي استمرت قرابة 24 ساعة بين قوات الأسد وقوات الثوار السوريين في منطقة المزة في قلب العاصمة دمشق!

فهل ينوي الروس فعليا التدخل لإجلاء رعاياهم في حال سقط النظام فجأة، أم أن القصة متعلقة بالقلق الإسرائيلي، الأميركي، حول كيفية حماية الصواريخ، والأسلحة، التي تهدد أمن إسرائيل حال سقوط النظام الأسدي، خصوصا أن هذا أمر معلن، وسبق أن نقلت تقارير عن أن الولايات المتحدة تعمل على قدم وساق حول هذا الملف مع دول الجوار لسوريا، والدول المعنية، لضمان عدم وصول هذه الأسلحة إلى أيدي من وصفتهم بالإرهابيين في حال تمت عملية سقوط مفاجئة للنظام الأسدي في سوريا.

أسئلة كثيرة.. لذا، كان يوم أمس يوما دراميا روسيا - سوريا، على كل المستويات. لكن قناعتي هي أن نشر الخبر، ثم نفيه - ولا نعلم بالطبع ما الذي سيتم بعد طبع الصحيفة - يشير إلى أن أمرا ما يدور في سوريا، ولا أحد يعلم مدى جديته، وإلا فكيف ينتقد لافروف نظام الأسد في الدوما الروسي ثم تقوم موسكو بإرسال مجرد فرقة من وحدة مكافحة الإرهاب لحماية نظام بشار الأسد!

دعونا نرى.

=================

القوات الروسية تدخل الحرب السورية!

عبد الرحمن الراشد

الشرق الاوسط

20-3-2012

هذه أول مرة في تاريخنا المعاصر نرى روسيا تتدخل على الأرض مباشرة في منطقة الشرق الأوسط. وهي بذلك تعلن إغلاق الباب أمام احتمال أي تدخل دولي، أو أي عون عسكري عربي، وإنهاء الأمل بإقامة منطقة معزولة للاجئين بين تركيا وسوريا قد تكون معسكرا لجيش سوريا الحر ينطلق منها. وهي خطوة سابقة لمؤتمر تركيا الذي يعقد بعد أيام. وبقواتها تهدد روسيا حقا الأمن والاستقرار في المنطقة وقد تكون بداية لأول غزو روسي.

موسكو تقف ضد الأغلبية الساحقة من الشعب السوري، وتقف إلى جانب واحد من أسوأ الأنظمة في العالم. فهل إرسال روسيا قواتها إلى سوريا سيغير المعادلة؟ هل هي النجدة التي ستنقذ نظام الأسد من السقوط؟ الروس يزعمون أنهم أرسلوها تحت ذريعة استخدامها لإجلاء المواطنين الروس عند الحاجة، فهل سمعتم أن روسيا أرسلت قوات إلى منطقة نزاع في العالم لإجلاء مواطنيها؟

كيف ندرس التطور الخطير الجديد؟ وفق مراجعة لمعاهد بحثية متخصصة فإنها تستبعد تدخل قوات غربية في النزاع الدائر في سوريا بخلاف ما فعلته في ليبيا. وكما لاحظت مجلة «التايم» فإن تدخل الناتو أنهى حرب ليبيا في سبعة أشهر بعشرة آلاف طلعة جوية قصفت مواقع لقوات العقيد معمر القذافي في العام الماضي. وبالتالي التدخل الروسي سيواجه الشعب السوري وسيكون سببا في ارتفاع شعبية الجماعات الجهادية.

وقد لعبت موسكو دورا داعما لنظام الأسد لم تلعب مثله حتى في ذروة تحالفها مع النظام السوري نفسه في السبعينات عندما حارب إسرائيل، ولم تدعم حليفها الأول نظام عبد الناصر بنفس الحماس إلا بعد هزيمته أمام إسرائيل. روسيا منذ منتصف العام الماضي وهي تمد بجسر بحري النظام السوري بكل ما يحتاج إليه، وآخرها سارعت بتزويده بأكثر من 35 طائرة خفيفة بنصف مليار دولار. أيضا اعترف الروس أمس أنهم أرسلوا على متن سفينة عسكرية قوات مكافحة الإرهاب لمساندة الأجهزة الأمنية السورية، والاحتمال الأرجح ليست مشاركتهم القتالية مباشرة بل دعم الأجهزة السورية بما تحتاج إليه من تدريب وتجهيز ومعلومات وحماية. والاحتمال الأبعد، والممكن أيضا، التورط فعليا في قتال الشوارع.

وبالتالي، نحن نشهد في سوريا نزاعا مختلفا. إيران وروسيا وحزب الله والعراق تساند بشكل كبير النظام الذي يتمتع بقوة أمنية وعسكرية ضاربة في مواجهة انتفاضة شعبية معظمها غير مسلح، والبعض يحمل أسلحة خفيفة. فهل حكم على الثورة السورية بالموت بغياب الدعم الغربي، وفي ظل التكالب العربي والإيراني والعراقي والروسي؟ لا، فرغم هذا كله وفي ظل هذا الوضع غير المتوازن، فإن أمل النظام بالقضاء على التمرد بعيد المنال. فغالبية الشعب السوري فعلا في خندق المعارضة، وحجم الجرائم التي ارتكبها النظام تجعل الحكم عدوا أكيدا يستحيل التعايش معه.

وفي تصوري، ستتحرر مناطق كبيرة معادية للنظام وإن كانت الطريق طويلة. وبالتالي، فإن المراهنة على الدعم الروسي والتمويل الإيراني والعراقي ستفلح في إطالة عمر النظام والنزاع، لكنها مسألة وقت. وسيجد العالم بعد فترة أنه سكت طويلا على نظام باطش ولن يستمر صامتا، وخلال إطالة النزاع سيتمكن السوريون من بناء ميليشيات قادرة على تهديد رأس النظام ومحاصرته.. وهكذا يسقط النظام في النهاية.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ