ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت 31/03/2012


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

مهمة أنان تناسب رغبة دمشق في شراء الوقت

دار الحياة

الجمعة, 30 مارس 2012

راغدة درغام – نيويورك

إعلان دمشق قبولها خطة المبعوث الأممي والعربي كوفي أنان عشية انعقاد القمة العربية في العراق جاء كمحاولة امتصاص لإعلان بغداد الختامي للقمة. السبب لم يكن عائداً الى خوف في قلب النظام السوري من القرارات العربية التي تعهّد بتجاهلها حتى قبل صدورها في بغداد. السبب ان روسيا، وكذلك الصين، أرادتا قمة عربية أقل ابرازاً لدوريهما كراعيي عناد القيادة السورية، فضغطتا على دمشق لإعلان موافقتها على خطة النقاط الست التي قدمها كوفي أنان. كلاهما لم يعد في مواجهة مع الدول الأوروبية والولايات المتحدة كما سبق، بل بات في مواجهة مع دول عربية سيما الدول الخليجية. ففي هذا المنعطف، تبدو ادارة باراك أوباما وكأنها في خندق واحد مع حكومة فلاديمير بوتين في ممانعتهما جهوداً عربية ملموسة لدعم المعارضة السورية بالسلاح أو بالمال أو بالمواقف السياسية حيال نظام دمشق. انها إدارة منصبة حصراً على بقائها في السلطة بأي ثمن كان، وهي عازمة على عدم التورط في سورية أو في أي مكان. لذلك تدفن رأسها في الرمال رافضة حتى التفكير بما قد يكون في مصلحتها ويخدم أولويتها، أي، إضعاف إيران عبر الساحة السورية بدلاً من المغامرة بإمكان قيام إسرائيل بعملية عسكرية ضد إيران تورّط فيها الولايات المتحدة. أما حكومة بوتين، فإنها تمارس حنكتها السياسية عبر سفينة الملاّح الماهر كوفي أنان الذي يبحر بين كبار اللاعبين الدوليين لترميم العلاقات بينهم، وفي المقدمة اللاعبان الأميركي والروسي. هذا فيما تستمر آلة القتل في سورية وفيما تشهد المفوضة العليا لحقوق الإنسان نافي بيلاي ان هناك منهجية في استهداف أطفال سورية حمّلت مسؤوليتها لقيادة الحكومة السورية التي يفاوض كوفي أنان على استمرارها وليس على تنحيها، كما أوضح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، برغم كل ذلك، ان الأمور أكثر تعقيداً والمطروح يتطلب قراءة أعمق للتعرف على معالم التجاذبات.

بعض الدول الخليجية طرح مع الإدارة الأميركية ضرورة «أفغنة» سورية بمعنى التعاون الاستخباراتي والتدريب ومد السلاح والمعونات للثوار من أجل إسقاط النظام. واشنطن رفضت وأرفقت الرفض بتصريحات لوزيرة الخارجية هيلاري كلينتون ضد تسليح المعارضة مع التشكيك بالمعارضة وتصويرها وكأنها تابعة الى «حماس» أو الى «القاعدة».

إدارة أوباما تمسكت أيضاً بمنع بعض من حلفائها الخليجيين من الإصرار على إسقاط النظام في دمشق لأن ذلك يحرجها ويضعها على المحك. فهي أوضحت تماماً انها ليست في وارد تطبيق نموذج أفغانستان أو نموذج كوسوفو حين تم التدخل الخارجي من دون استئذان مجلس الأمن أو حتى السعي وراء ولاية منه.

بدلاً عن ذلك، تحوّل الخطاب السياسي من المطالبة بتنحي الرئيس السوري بشار الأسد الى الاختباء وراء الفيتو المزدوج، الروسي والصيني لقرارات مجلس الأمن. فكان ذلك الفيتو «الهدية التي لا تكف عن العطاء» بالنسبة لإدارة أوباما. فتارة استخدمتها للتخجيل ورفعت شعار «العيب» بعبارات غير ديبلوماسية. وتارة أخرى، هرولت إدارة أوباما الى استرضاء روسيا والصين عبر بيانات رئاسية لمجلس الأمن ثم تفريغها من أسنان ورفعت شعار «الإجماع» تبريراً للمواقف الجديدة.

ثم جاء كوفي أنان. جاء مبعوثاً مشتركاً للأمم المتحدة وجامعة الدول العربية، لكنه أصر على التصرف باستقلالية بصفته رفيع المستوى يستقبله كبار القادة في أهم العواصم. جاء طوق نجاة لدمشق وخشبة خلاص لواشنطن وموسكو وبكين. فحقق بذلك الخطوة الأولى التي كان ينشدها.

الآن، وبعدما فاوض فريق فني وسياسي أوفده أنان الى دمشق للتفاوض مع وزارة الخارجية، باتت النقاط الست تحت المجهر وبات أنان نفسه على المحك. فهو اليوم يضع مستقبله في الميزان بعدما عاد ماضيه الى الواجهة. البعض ينظر اليه بأنه وسيلة إنقاذ سورية البلد من الغرق في حرب أهلية، والبعض يعتبره أداة استمرار النظام واعادة تأهيله.

أثناء جلسة مغلقة في أحد المحافل الفكرية الكبرى، قال متحدث عن كوفي أنان «في أعقاب رواندا، والبوسنة، والنفط مقابل الغذاء، وتدخين السيجار مع صدام حسين، حان الوقت للكف عن اعطاء كوفي أنان فرصة أخرى ومزيداً من الوقت» على الساحة الدولية. آخرون أشاروا الى ان وساطته في كينيا أسفرت عن إبقاء الطرف الخاسر في الانتخابات في السلطة. البعض تحدث عن تاريخ علاقته مع القيادة السورية وإصراره على اعفائها من المحاسبة عندما كان الرئيسان الأميركي والفرنسي يدفعان الى محاسبتها بتهمة التورط في اغتيال رئيس الحكومة اللبنانية السابق رفيق الحريري قبل 7 سنوات. انما أسوأ الذكريات التي يحييها البعض هي ذكرى المجازر في رواندا عندما كان أنان وكيل الأمين العام لشؤون حفظ السلام، وفضيحة «النفط مقابل الغذاء» التي أشارت الى تورط عائلته في تسخير أموال نفط العراق لمآرب شخصية.

انما هناك من يتبنى رأياً مخالفاً تماماً ليس فقط لجهة السيرة الذاتية لكوفي أنان الذي عمل لولايتين كأمين عام للأمم المتحدة، وانما أيضاً لجهة خطته ذات الست نقاط.

مجلس الأمن الدولي دعم، بالإجماع، تلك الخطة، كما ان القمة العربية دعمت أنان ومساعيه. وعليه، لا مناص من الاعتراف ان كوفي أنان حشد الدعم الدولي وراءه، ورمّم العلاقة الأميركية – الروسية، وتقدم بخطة محنكة تعطيه أدوات عديدة للضغط والاستنتاج في أي اتجاه يختاره. إنما هذا في حد ذاته يضعه تحت المجهر وعلى المحك ربما بقدر لم يكن يتمناه لنفسه. فربما تقوده النتيجة الى الاحتفاء بعودته الى الأضواء، وربما يندم ويتحسر.

النقاط الست التي وافقت القيادة السورية على تنفيذها، منطقياً، يجب أن تؤدي الى الأمور المهمة التالية: أولاً، انسحاب القوات الحكومية من الشوارع الى الثكنات بتزامن مع استمرار التظاهرات الشعبية السلمية ضد النظام كحق شرعي للشعب السوري. وهذا بحد ذاته يعني ان ديناميكية التظاهرات هي التي تحسم بقاء أو زوال النظام، وان المواجهة بين القيادة والمعارضة يجب أن تكون غير مسلحة على الإطلاق، بل مواجهة سلمية.

وثانياً، وبموجب إحدى النقاط الست التي وافقت عليها دمشق، على القيادة السورية تعيين محاور «تُخوّل له كل الصلاحيات عندما يدعوها المبعوث الى القيام بذلك». والهدف هو تنفيذ الالتزام بالعمل مع أنان «في إطار عملية سياسية جامعة بقيادة سورية لمعالجة تطلعات الشعب السوري وشواغله المشروعة»، من دون تحديدها أو تفصيلها.

مجلس الأمن، في البيان الرئاسي الذي اعتمده بالإجماع وتضمن دعم النقاط الست، أعلن انه يدعم مهام أنان لأهداف من بينها «تسهيل الانتقال السياسي بقيادة سورية نحو نظام سياسي ديموقراطي تعددي، يتمتع فيه المواطنون بالمساواة بصرف النظر عن انتماءاتهم السياسية أو العرقية أو العقائدية، وذلك بطرق، منها، الشروع في حوار سياسي شامل بين الحكومة السورية وكامل أطياف المعارضة السورية.

هذه اللغة ليست اللغة التي تبنتها جامعة الدول العربية عندما طالبت الأسد بتسليم السلطات الى نائب الرئيس من أجل الشروع في عملية سياسية انتقالية من النظام الحالي القائم على حكم الحزب الواحد – حكم البعث – الى حكم تعددي وديموقراطي. لكنها أيضاً ليست لغة الإبقاء على الوضع الراهن. موافقة دمشق على النقاط الست ليست موافقة على البيان الرئاسي بالضرورة، وهنا تبرز إحدى نقاط التلاعب الخطير. فكوفي أنان استبدل المطالبة بتسليم صلاحيات الحكم الى نائب الرئيس بلغة عائمة في أولى البنود الست تتحدث عن تعيين «محاور تخول له كل الصلاحيات» رهن قرار كوفي أنان تفعيل ذلك.

ثالثاً، البند الثاني من النقاط الست ينص بوضوح على أنه «ينبغي ان تقوم الحكومة السورية بالوقف الفوري لتحركات الجنود نحو المراكز السكنية وإنهاء استخدام الأسلحة الثقيلة فيها، والشروع في سحب الحشود العسكرية من المراكز السكنية وحولها».

ويضيف: «وسيسعى المبعوث الى الحصول على التزامات مماثلة من المعارضة وجميع العناصر ذات الصلة لوقف القتال والعمل معه لكي تقوم جميع الأطراف بالوقف المستمر للعنف المسلح بجميع أشكاله تحت الإشراف الفعلي لآلية تابعة للأمم المتحدة».

سيرغي لافروف أسرع الى مطالبة المعارضة بالموافقة على خطة أنان ذات النقاط الست مقابل موافقة الحكومة السورية، لكن خطة أنان واضحة في مطالبة الحكومة السورية بالبدء أولاً بسحب القوات العسكرية الحكومية الى الثكنات فيما «سيسعى» كوفي أنان الى الحصول على التزامات مماثلة. منطقياً، إذا انسحبت القوات الحكومية لن تبقى المعارضة المسلحة في الشوارع. منطقياً، إذا كانت هناك نية حسنة بتنفيذ الاتفاق، ان نقطة الانطلاق هي «الشروع» في سحب الحشود العسكرية الحكومية الى الثكنات.

قبول كوفي أنان بموافقة الحكومة السورية على نقاطه الست وإعلانه ذلك من بكين قبل التوجه الى مجلس الأمن لإحاطته علماً بتفاصيل ما توصل اليه الفريق الفني الذي تفاوض مع السلطات السورية، أثار غضباً واحتجاجاً في أوساط مجلس الأمن. ثم ان عدم إبلاغ مجلس الأمن بتفاصيل آلية المراقبة التي ستتكوّن من قوات للأمم المتحدة زاد من السخط.

ولم يأتِ الاحتجاج على طريقة تصرف كوفي أنان من الأمم المتحدة فحسب وانما أتى أيضاً من دول عربية علماً بأنه المبعوث المشترك للاثنين. فلقد علمت الدول العربية من المسؤولين الإيرانيين ان كوفي أنان اعتزم زيارة طهران في إطار مهمته السورية، فثار الغضب، أولاً لأن أنان جعل ايران طرفاً في المسألة السورية، وهي عربية. وثانياً لأنه ضرب بعرض الحائط كونه معيناً مبعوثاً عربياً وليس أممياً فقط وان مرجعيته تشمل قرارات جامعة الدول العربية. وثالثاً، لأنه أهان القمة العربية التي لم يفكر بحضورها فيما كانت تتسرب الأنباء عن اعتزامه زيارة إيران.

موسكو راضية عن أنان بل في غاية التحمس لمهامه، وكذلك بكين. واشنطن تتكئ عليه وتريد حمايته بل والتأقلم مع طروحاته حتى إذا خرجت عن المبادئ التي أعلنتها إدارة أوباما. أما مهام كوفي أنان فإنها تزحف على وتيرة هادئة وبطيئة بما يناسب القيادة في دمشق التي تريد شراء الوقت لأنها تعتقد انه في صالحها، وهي تتصرف وشهر تشرين الثاني (نوفمبر) في ذهنها بأهميته الانتخابية في الولايات المتحدة. ومع هذا، لربما تحت أكمام الملاّح الماهر أفكار غير اعتيادية قد تؤدي الى نجاح باهر لمهمته – تلك المهمة التي أوكلت اليه بموجب قرارات انطلقت من إيجاد وسيلة سلمية لأنهاء نظام الحزب الواحد وإيجاد مخارج لتنحي قيادة النظام.

=================

حان وقت إبرام «صفقة كبيرة» في الشرق الأوسط

الحياة

الجمعة, 30 مارس 2012

باتريك سيل *

تعاني منطقة الشرق الأوسط أزمات صعبة لم يتمّ حلّها داخل كل دولة من دوله من جهة وفي ما بين هذه الدول من جهة اخرى، وهي في وضع خطر يوشك أن يتحوّل إلى حرب واسعة النطاق. ومن المرجح أن تنجرّ القوى الخارجية التي طالما اعتادت التدخّل في شؤون الشرق الأوسط إلى هذه الحرب. ويحوم من جديد شبح الضحايا الكثر الذين سقطوا والضرر المادي الكبير الذي حصل، على المنطقة كما كان الحال في عام 1948 و1967 و1973 و1982 و1991 و2003 و2006 ونهاية 2008 وبداية 2009 وخلال الاشتباكات وأعمال العنف الأخرى التي اندلعت في العقود الستة الأخيرة.

لا شكّ في أنّ الوقت حان كي يسعى المجتمع الدولي إلى وقف هذا الانحدار المتكرّر نحو الحرب وذلك بمعالجة النزاعات المتفاقمة على الفور.

ما هي الأدوات المتاحة أمام المجتمع الدولي لإنجاز هذه المهمّة؟ تقع المسؤولية الأساسية على عاتق مجلس الأمن الدولي والدول الخمس الدائمة العضوية فيه، أي الولايات المتحدّة وروسيا والصين وبريطانيا وفرنسا. كما يجب إشراك الدول المؤثّرة الأخرى مثل ألمانيا والهند والبرازيل لتمدّ بدورها يد العون. ففي وسع هذه الدول إذا عملت مع بعضها بعضاً أن تكون في موقع يسمح لها بإبرام «صفقة كبيرة» بين الخصوم المتناحرين في الشرق الأوسط ومن ثمّ استخدام نفوذها المشترك لضمان تطبيق أي اتفاق يتمّ التوصّل إليه. كما ان ثمة حاجة إلى اعتماد سياسة العصا والجزرة.

لماذا الحاجة إلى «صفقة كبيرة»؟ الجواب عن هذا السؤال هو بسبب طبيعة النزاعات في الشرق الأوسط التي تتطلّب اعتماد مقاربة شاملة وليس مقاربة جزئية. واللافت أنّ ما يميّز هذه النزاعات هو مدى ارتباطها ببعضها بعضاً. فالنظام السوري يواجه حرباً على جبهتين. إذ إنه يواجه الانتفاضة في الداخل وضد حملة يديرها أعداؤه في الخارج وتهدف إلى إسقاطه وفرض عقوبات عليه ومقاطعته. إلا أنّ الحملة ضد سورية مرتبطة أيضاً بحملة مماثلة وأكثر حدّة ضد إيران التي تعدّ شريك سورية الاستراتيجي. وتبدو الجهات التي ترغب في إسقاط النظام في دمشق عازمة على إضعاف طهران وعلى وضع حدّ لبرنامجها النووي وربما على الإطاحة بنظامها أيضاً.

ويهدف استهداف إيران إلى شلّها لثنيها عن التحوّل إلى قوة إقليمية إلى جانب عزل «حزب الله» وحركة «حماس» وتقويضهما علماً أنّ إيران دعمتهما في نضالهما ضد إسرائيل. ويشكّل هذان التنظيمان جزءاً لا يتجزأ من النزاع العربي - الإسرائيلي الأوسع المحتدم الذي تأثر بالعداوة القائمة بين أميركا وطهران على مدى ثلاثة عقود. وتبدو هذه النزاعات مرتبطة ببعضها فيما يؤثر كلّ واحد منها في النزاعات الأخرى.

وتكمن ميزة إبرام «صفقة كبيرة» في السماح بتقديم التنازلات على جبهة واحدة مقابل تقديم تنازلات على جبهة أخرى، الأمر الذي يضاعف فرص النجاح. وقد تنجح محاولة إقناع إيران بالتخلي عن برنامجها النووي أو إيقافه عند مستوى لا يسمح لها بصناعة قنبلة، في حال كانت مقرونة بصفقة تسمح بقيام دولة فلسطينية مستقلة يتمّ التفاوض عليها في مؤتمر دولي برعاية كتلة موحّدة من القوى العظمى. ومن شأن ذلك فقء الدمل الذي سمّم العلاقات السياسية في الشرق الأوسط على مدى عقود وتحوّل باستمرار إلى عنف. كما يجب حلّ هذه الازمة بغية تجنيب العرب وإسرائيل المزيد من المآسي.

تبدو طهران منخرطة بالكامل في مسألة فلسطين. إذ إن معظم أقوال الرئيس محمود أحمدي نجاد المعادية لإسرائيل متأثرة بالغضب حيال مصير الفلسطينيين الواقعين تحت الاحتلال أو الحصار الإسرائيلي. وفي حال أدت الضغوط والمساعي التي تقوم بها القوى الكبرى إلى التوصّل إلى حلّ مقبول للمسألة الفلسطينية، من المرجح أن تبدي إيران استعدادها للتفاوض على المسألة النووية. وستضمحل حينها مخاوف إسرائيل من إمكان حصول «محرقة» ومخاوف طهران من أن تتمّ مهاجمتها. وقد تصبح إسرائيل وإيران قادرتين على إعادة إحياء الصداقة الوثيقة التي كانت قائمة بينهما في عهد الشاه.

ومن شأن «الصفقة الكبيرة» إطلاق حوار بنّاء بين واشنطن وطهران، الأمر الذي قد يؤدي إلى قرار بوضع الخلافات الماضية جانباً وإعادة إحياء العلاقات الديبلوماسية وإلغاء العقوبات وإعادة إطلاق العلاقة بين الدولتين على أساس الاحترام المتبادل. وسيفيد تطوّر مماثل المنطقة برمّتها في شكل كبير. والأهم أنه سيفتح الطريق أمام إمكان إجراء حوار استراتيجي بين المملكة العربية السعودية وإيران، اللتين تملكان نفوذاً إقليمياً كبيراً، الأمر الذي سيساهم في تخفيف حدّة التوترات بين السنّة والشيعة في الخليج والعراق ولبنان واليمن وفي امكنة اخرى، وإبعاد شبح اندلاع حرب اخرى في الخليج. وستقرّ السعودية وإيران من موقعهما كشريكين وليس كخصمين بمسؤوليتهما المشتركة من أجل فرض الاستقرار والأمن في المنطقة الغنية بالنفط.

وحين يتمّ إشراك إيران في المنظومة الأمنية في الخليج، سيكون ممكناً تخيّل العاهل السعودي والمرشد الأعلى الإيراني يحضران معاً قمة مستقبلية في مجلس التعاون الخليجي في جوّ يطغى عليه السلام والازدهار والمصالحة.

هل هذا حلم وهمي؟ ليس بالضرورة. تحاول كاثرين آشتون، مسؤولة الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي إعادة إحياء المفاوضات في المسألة النووية بين إيران والدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن زائداً ألمانيا. في الوقت نفسه، يحاول أمين عام الأمم المتحدّة السابق كوفي أنان إقناع النظام والمعارضة في سورية بالتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار كشرط أساسي للحوار. وفي كلتا الحالتين، يقرّ الطرفان بعدم إمكان حلّ النزاعات الحالية عسكرياً وبضرورة إجراء المفاوضات لإعادة الحياة إلى مجراها الطبيعي.

تحتاج سورية إلى تأثير علاجي مثل قيام لجنة للحقيقة والمصالحة لعلاج الجروح العميقة الجسدية والنفسية التي حصلت في الأشهر الأخيرة. ويجب أن يعمل النظام وخصومه على التوصّل إلى تغيير عميق للنظام السياسي في سورية الذي يحتاج إليه البلد والأزمة. وحين يسكت أزيز الرصاص، يحين وقت قيام دولة حقيقية والتوصل الى تسوية مشتركة. فسورية تعد بلداً عربياً مهماً جداً على صعيد التاريخ والضمير العربي إلى حدّ أنه لن يتمّ السماح لها بالغرق في أتون حرب أهلية.

وسيكون من الأسهل حلّ كل هذه المشاكل سواء كانت طائفية وسياسية وسواء في سورية وإيران وإسرائيل وقطاع غزة والضفة الغربية والعراق والخليج وواشنطن في إطار «صفقة كبيرة» تتفاوض عليها القوى العظمى وتدفعها قدماً وتراقبها. ويقوم الهدف الأكبر على إنقاذ المنطقة من إراقة المزيد من الدماء. والطريق إلى تحقيق هذا الهدف يكون عبر تقديم التنازلات.

طالما تمّ الإقرار بأنّ مبدأ الأخذ والعطاء سواء في حلّ الخلافات العائلية أو النزاعات الدولية يعدّ مفتاحاً للسلام.

* كاتب بريطاني مختص في شؤون الشرق الاوسط

=================

قراءة الثورة السورية اليوم

الحياة

الجمعة, 30 مارس 2012

غازي دحمان *

في بداية العام الثاني من عمر الثورة السورية، تغيب القراءات الخاصة بها وبفعالياتها، وتكاد تنحصر أغلب التحليلات باستشراف مآلاتها، بحيث يغلب عليها الطابع التشاؤمي المبني على التخوف من الانزلاق في أتون الحرب الأهلية، وآثار ذلك على الوضع الإقليمي برمته، ناهيك عن محاولات بعض القراءات التمعن في مكونات الثورة وفعالياتها، وهي قراءة قصدية تهدف إلى الخلوص إلى التشديد على سيطرة المكون الإسلامي على الثورة، وكل ذلك بما يخدم فرضية تطور الازمة إلى مرحلة الحرب الاهلية.

ولعل في هذا التحول المبكر إلى هذا النمط من الخلاصات، نوعاً من إعلان عدم القدرة على فهم تطور مسارات الثورة، واللجوء تالياً إلى المقاربات التي تنتج صيغاً وقوالب جاهزة يتم على أساسها قياس الحدث السوري وصولاً إلى إدماجه عنوة في السياق الإقليمي ومناخاته «التي أفرزتها الحالة العراقية»، وكأنه قدر لا بد منه، من دون الالتفات إلى إرادة الشعب السوري، ومن دون الأخذ في الاعتبار وقائع الثورة وتطوراتها وحقيقة مكوناتها وممكناتها.

ومع بداية العام الثاني للثورة يمكن رصد مستويات عدة: يتعلق الأول بمناطق الوسط والغرب الثائرة والتي تتضمن خطوط التماس الكبرى، وهي المناطق التي شهدت العنف الاكبر، والذي نتج منه العدد الأكبر من الضحايا والمهجرين، وقد سعى النظام في هذه المناطق إلى تسعير البعد الطائفي، وكانت النتيجة حالة من الفوضى الأمنية، واضطراباً واضحاً في السلم الأهلي. إلا ان المؤكد ان الأمور لم تصل إلى حد الاقتتال. وعلى رغم الجرح النازف في هذه المناطق، لم تزل غالبية الأهالي تحمّل النظام وحده مسؤولية الأحداث. غير ان ذلك لا ينفي حقيقة نجاح النظام في خلق حالة من الانقسام الطائفي، والمؤمل ان يساعد تاريخ العيش المشترك في لأم هذا الجرح.

المستوى الثاني تمكن ملاحظته في الحواضر الريفية جنوباً وشرقاً، حيث أبعد الصفاء التكويني الذي تتضمنه هذه المناطق اللوثة الطائفية، مما اتاح للدينامية الثورية أن تتطور باتجاه مطالب مدنية اكثر تبلوراً ووضوحاً. ويلاحظ في هذا المستوى الإصرار على تطوير الحالة الثورية بتدرجاتها النمطية (تظاهرات، إضراب، عصيان شامل)، الأمر الذي بات يزعج النظام ويدفعه إلى ممارسة أقصى درجات العنف.

المستوى الثالث يمكن ملاحظته في الحواضر المدينية الكبرى، دمشق وحلب، حيث امتداد الثورة بطيء، ولكنه مثابر، وهو يسير على قاعدة المتاح وأكثر قليلاً، لكنه يحقق نجاحات لا يتم التراجع عنها، بمعنى ان الحراك في هذه المناطق يتبع المنهج التراكمي الذي تم تحقيقه مرة بفعل ضعف قبضة السلطة او لنقل تراخيها، ومرة بفعل ما تم اعتماده من محاولات تجريب السلطة واختبار مدى رد فعلها. لكن الحراك، ونتيجة الحالتين، يسير في صعود مستمر، وتتحول المدينتان موقعين غير مريحين للسلطة.

لقد اتاح الحراك في جملة هذه المستويات واقعاً جديداً في الحدث السوري تجلى في إيجاد نظام للحراك يشتغل في إطاره، وصارت له خطوط إمداد وقنوات تواصل وقاعدة تنظيمية. صحيح ان اشتغال هذا النظام على المستوى القومي لا يزال يعاني بعض الإشكالات ذات الطابع التقني، لكنه وضمن الإمكانات المتاحة، يمكن ان يضمن استمرار الحالة الثورية وإمكانية تطويرها في الأفق القريب جداً. وما يضمن نجاح هذا الاحتمال، حالة المرونة التي امتلكتها الثورة بعد خبرة عام كامل، وهو امر يمكن ملاحظته على أرض الواقع في شكل جلي، حيث باتت قوى الثورة تمتلك هوامش واسعة في العمل الميداني ونوعاً من تعدد الأنشطة في مختلف المجالات، إضافة إلى ممارسة تكتيكات متعددة في المناورة والتخفي العصيين على الاختراق.

في مقابل كل ذلك، تنطوي بنية النظام في سورية على حالة من التوتر تكشف عنها رغبته في إنهاء مفاعيل الثورة في اسرع وقت ممكن. وتشير معلومات مؤكدة إلى شيوع نوع من الإحباط في بعض مستويات النخبة، وبخاصة تلك التي لم تتورط كثيراً في الحدث، حيث اتاحت لها التطورات قراءة المشهد من زوايا مختلفة وباتت على قناعة مؤكدة بأن الامور ليست كما يصورها النظام.

لقد أثبتت الثورة السورية قدرة كبيرة على الإفلات من حالات التنميط التي أريد لها أن تتقولب فيها، مما يؤهلها إلى ابتداع مسارات جديدة ومختلفة. المهم ألا تتوقف قراءتها عند حافة اكتشاف حالة التنوع الطائفي الموجود في البلاد واعتباره الآلية الوحيدة الحاكمة للحراك.

* كاتب فلسطيني

=================

قمة بغداد: عودة العراق عربياً... وغياب سورية

الحياة

الخميس, 29 مارس 2012

عبدالوهاب بدرخان *

يختلف سكان بغداد عن سكان العواصم العربية التي استضافت قمماً عربية، بكونهم يتذمرون منذ أعوام من أوضاعهم الأمنية والمعيشية الصعبة، وليس فقط من الإجراءات الاستثنائية المبالغ فيها لضمان القمة الخاطفة من دون أي مفاجأة مأسوية. ويختلف العراقيون، لا سيما المثقفين والكتاب والشعراء، عن نظرائهم من العرب بأنهم أطلقوا العنان لألسنتهم في هجاء القمة والمشاركين فيها ولعنهم، سواء بسبب المضايقات التي تعرّض لها الشعب أو حتى لأسباب سياسية مفادها الواضح أن لا جدوى من هذه القمم.

كانت القمة الثالثة والعشرون تأجلت من العام الماضي بعدما دهمها «الربيع العربي» وتحوّلاته، ولا شك في أن انعقادها في العراق يلمّع اعتبارات رمزية عدة، وأهمها أنه مؤشر لعودة العرب والعراق بعضهم الى بعض. كان الغزو والاحتلال الاميركيان فلشا ملفات العرب والعراق ووضعاها في محاسبات مريرة، فالمعارضة السابقة أصبحت حكماً جديداً في سبيله الى اقامة نظام مستقر بديل من النظام البعثي السابق، لكنها لم تنسَ مَن ساعدها ومن لم يساعدها خلال عهد صدام حسين، ولا من خاصمه ومن صادقه أو حالفه، مستخلصةً أن العرب كانوا عموماً أقرب الى الطاغية ولو مع استثناءات قليلة. ثم إن الحكام الجدد حمّلوا العرب مسؤولية العنف الإرهابي الذي ضرب العراق ولا يزال يخترق أمنه، في حين أن الشائع بل المثبت بالوقائع، أن المصدرَين المشتبه برعايتهما لهذا الارهاب هما سوريا وايران. أما أي رعاية عربية (حكومية) مفترضة، فلو وجدت لما تهاون الأميركيون قبل العراقيين في كشفها ومعاقبة مصدرها، واذا وجدت على نحو غير مباشر، فمن خلال الأطراف العراقية المتصارعة نفسها، لأن المعادلة السياسية الراهنة تشي بأن أنصار ايران مستقوون وأنصار العرب مستضعفون.

من الرموز التي يظهّرها أيضاً هذا الاستحقاق العربي، أن قمة بغداد السابقة عام 1990 كانت عملياً الأخيرة قبيل انهيار «النظام العربي الرسمي» بمساهمة آثمة من نظام صدام حسين، اذ شاءها اختباراً ل«شعبيته» العربية عشية تفجيره أزمة مع الكويت، ومن ثمّ إرساله قواته لاحتلال بلد عربي. يومئذ طُرحت تساؤلات عن أسباب غياب الراحل حافظ الاسد عن القمة، ومما جرى تداوله أنه كان مرتاباً بنيّات صدام، وبأنه يريد استغلال القمة لهدف ما. أما قمة اليوم، فتأتي بعد اثنتين وعشرين عاماً فيما لا تزال بغداد ماضية في «مرحلتها الانتقالية» وتحاول الدفاع عن تجربتها بخطاب مفعم بمصطلحات ومفاهيم «ربيع-عربية» تعتبر أنها باشرت تطبيقها قبل ثمانية أعوام من نزول الشعوب الى ساحات التغيير. ليس مؤكداً بعدُ أن بغداد صنعت نموذجاً تستطيع الدعوة الى التمثّل به، بل على العكس، يثير نموذجها بشكله الراهن مخاوف التشرذم والتفتيت والعودة الى الدويلات الطائفية والعرقية، خصوصاً اذا أُسقط على الوضعين الليبي واليمني، ناهيك عن السوري. غير أن قمة بغداد ستشهد عرضاً للاستخلاصات الأولية التي توصل اليها «فريق حكماء عرب» دعاه الامين العام للجامعة العربية الى درس اعادة هيكلة الجامعة لتكييفها مع التحوّلات التي طرحها الحراك الشعبي.

لن تكون إعادة الهيكلة هذه ذات معنى اذا لم تقترح تنزيل حمولة جديدة على العقل السياسي الذي يدير الأنظمة والحكومات، والعلاقات بين الدول العربية، كما يدير الجامعة استطراداً. فهذه ظلّت حتى الآن مجرد نقطة التقاء بروتوكولي بين تلك الأنظمة. ولعل الدرس الأول في اعادة الهيكلة ينبغي أن يستمد من تجربتي الجامعة في تجميد عضويتي ليبيا وسورية. كان هذا الإجراء ضرورياً في ضوء الانتفاضات الشعبية، وبالأخص بسبب السفك المنهجي للدماء، لكنه اتخذ استنسابياً من دون أن يكون في ميثاق الجامعة ما يطرحه أو يحتّمه أو حتى يستوجبه، نظراً الى ان الجامعة درجت على عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأعضاء. من هنا، إن أي تعديل للميثاق يجب أن يوضح بلا لبس أي مرجعية قانونية واخلاقية وحقوق-إنسانية ستلتزم بها الأنظمة لتكون لها عضوية مقبولة في كنف الجامعة. وانطلاقاً من وجود قيم عصرية ثابتة تجمع بين الأعضاء يمكن تفعيل المنظمات المنبثقة منها والمتخصصة بشؤون العدل وحقوق الانسان، اذ لم يعد ممكناً ولا مستساغاً أن يكون أي نظام مشاركاً في الجامعة لمجرد أنه «عربي» أو لمجرد أن الصدفة أوصلته الى حكم بلده. ولا يعني ذلك أن تصبح الجامعة حكماً فوق سيادة الدول -ففي الاتحاد الاوروبي مثلاً لم تفقد أي دولة سيادتها إلا أن مفهومها للسيادة تكيّف مع متطلبات الانضمام الى الاتحاد–، بل يعني أن الجامعة لا بد أن تكون حارسة المعايير الأساسية ل «النظام العربي الرسمي» المقبل، ولا بد أن تكون الجهة المعنيّة أولاً بالتدخل كما فعلت في ليبيا، وكما حاولت وتحاول في سورية. كل ما هو خلاف ذلك سيترجم دائماً باللجوء الى مجلس الأمن وتعريض البلدان العربية ل «بازارات» الأعيب الأمم، وباستغاثة الشعوب اليائسة بأي تدخل عسكري أجنبي لتخليصها من الحاكم المستبد، على نحو ما حصل في العراق ثم في ليبيا، والآن في سورية.

يبقى رمز مهم آخر، وهو سياسي، فالعراق أدرك أن استضافته هذه القمة توجب عليه استبعاد أي مظاهر أو ظهور للنفوذ الإيراني، وسيلزمه ترؤسه للقمة طيلة السنة المقبلة بأن يكون المدافع الرئيسي عن مصالح العرب حتى في تناقضها مع مصالح ايران، وبالتالي فهو أمام محك واختبار بمقدار ما هو ازاء فرصة لرسم حدود للمصلحة العراقية بين ما هو صداقة مع ايران وما هو نفوذ لها في العراق. ثم إنها قمة لم تدعَ سورية اليها، لكنها ستكون حاضرة في الأحاديث والأذهان والهواجس، كما في البيان الختامي. ولا تزال الدعوة الى وقف القتل هي القاسم المشترك العربي، بمعزل عن القرارات وسيناريوات التنحي ونقل السلطة والحل السياسي. إلا أن القاسم المشترك المكتوم يتمثّل بالضيق بهذا التهوّر الذي اعتنقه النظام السوري في ادارته لأزمته، أو بالأحرى في مفاقمتها. لا شك في أن قلق الدول الثلاث المتاخمة للمقتلة الدائرة في سورية يفوق قلق الآخرين، ومن شأن القمة لا أن تكتفي بالتحذير من التداعيات بل عليها أن تبدي تضامناً قوياً وواضحاً بمنع النظام السوري من تصدير أزمته للعبث بأمن دول الجوار. فثمة من كان يراهن على أن عراق ما بعد الانسحاب الاميركي سيكون أحد أعمدة تحالف اقليمي ثلاثي مع ايران وسورية، بل قيل ان هذا الرهان ساعد النظام السوري على اطالة الأزمة ريثما يمكن تفعيل هذا «التحالف». لكن الحسابات الحالية لبغداد لا تبدو مطابقة لتمنيات «الحليفين» الآخرين، فأولاً لا مصلحة واضحة لها في تسخير نفسها لنجدة نظام سوري آفل، وثانياً لأن متطلبات ذاك «التحالف» ستنعكس سلباً على الوضع العراقي الداخلي.

* كاتب وصحافي لبناني

=================

ايران والمجاهرة بدعم الاسد

رأي القدس

القدس

2012-03-29

لم يفاجئ السيد علي اكبر صالحي الكثيرين يوم امس الاول عندما حذر من اي تدخل او اجراء متسرع في سورية من قبل اي من الاطراف الدولية او الاقليمية، مقترحا ان تكون ايران طرفا في التسوية السياسية، فالدعم الايراني للرئيس السوري بشار الاسد ونظامه لم يكن ابدا موضع شك، ولكنها المرة الاولى التي يعلن هذا الدعم على الملأ وبهذه القوة والوضوح.

هناك عدة اعتبارات املت على ايران اتخاذ هذا الموقف واعلانه يمكن تلخيصها بالنقاط التالية:

' اولا: اختارت السلطات الايرانية توصيل رسالة التحذير القوية هذه في توقيت زمني مفصلي، اي قبل يوم واحد من انعقاد قمة بغداد العربية التي تحتل المسألة السورية قمة اولوياتها، وفي تزامن مع استضافة تركيا لمؤتمر المعارضة السورية بهدف ايجاد بديل تمثيلي للنظام السوري يتمتع بمشاركة اوسع.

' ثانيا: نجاح موسكو بالدرجة الاولى، وبكين بالدرجة الثانية في منع تدويل الازمة السورية، واحباط مخططات التدخل العسكري الخارجي، والاصرار على رفض اي تسوية تطالب باطاحة الرئيس الاسد من السلطة.

' ثالثا: تركيز مهمة كوفي عنان المبعوث الاممي على الحل السلمي للازمة السورية، واجراء حوار بين السلطة والمعارضة، مما يعني ان المجتمع الدولي، والولايات المتحدة الامريكية على وجه الخصوص، بدأت تتراجع في مواقفها 'الصقورية'، وتتخلى بالتالي عن سياستها الرامية الى اطاحة النظام في دمشق ولو في المنظور القريب على الاقل.

القيادة الايرانية تدرك جيدا ان من اسباب الهجمة العربية ومن ثم الغربية على النظام السوري وقوف هذا النظام في صفها، ورفضه كل الضغوط والتهديدات العسكرية من جهة، والمغريات والرشاوى المالية من جهة اخرى، الامر الذي يدفعها الى اعلان التزامها الكامل بالدفاع عنه في احلك الظروف.

الصراع التركي الايراني الخفي على مناطق نفوذ في منطقة الشرق الاوسط، وهو صراع يرتكز على مرتكزات طائفية اولا ومصالح اقتصادية ثانيا، اوجد حالة من الحرب الباردة بين البلدين، خلقت حالة استقطاب في المنطقة، وتحتل الازمة السورية جانبا كبيرا فيها، فبينما تستقطب تركيا المعارضة السورية، تعزز ايران دعمها للنظام السوري في المقابل.

رضوخ السلطات العراقية للضغوط العربية وموافقتها على عدم توجيه الدعوة للرئيس الاسد، وكذلك للرئيس الايراني محمد احمدي نجاد لحضور القمة العربية، كان نوعا من 'التقية' الهدف منه استضافة القمة باي شكل من الاشكال، وكسر عزلة النظام العراقي العربية، وهذا لا يعني ان السيد نوري المالكي رئيس الوزراء العراقي سيتخلى عن دعمه للنظام السوري، ولن نفاجأ اذا ما قام بزيارة الى دمشق بعد القمة العربية لتأكيد هذا الدعم.

الايرانيون وحلفاؤهم يعتقدون ان النظام السوري بسيطرته على الاوضاع في حمص وادلب من ناحية وفتور السعي الدولي، والامريكي لتغييره، استطاع الخروج ولو جزئيا من عنق الزجاجة، ولهذا بدأوا يجاهرون بمواقف الدعم العلني بالصورة التي نراها حاليا.

وربما يكون من السابق لاوانه الاحتفال بالانتصار الدبلوماسي الذي حققته ايران وحلفاؤها في سورية ولبنان، ولكن لا بد من الاعتراف بان هؤلاء باتوا في وضع افضل مما كان عليه حالهم قبل ستة اشهر على الاقل عندما كانت الانتفاضة السورية في ذروتها، والتحرك العربي لتدويل الازمة، وتهيئة الظروف لتدخل عسكري خارجي لاطاحة النظام مثلما حدث في ليبيا.

 

=================

قراءة لمجريات الثورة السورية

القدس العربي

صلاح الدين الزبير

2012-03-29

'لا توجد قوة في الأرض قادرة على أن توقف فكرة حان وقتها'.... 'فكتور هوغو

طال أمد الثورة السورية وكبر معه اليقين في التحرر القريب من كماشة النظام الأسدي الأكثر دموية، رغم تخاذل ما يصطلح عليه 'بالأسرة الدولية'، وضبابية مسار المعارضة السورية بالخارج، وتردد الموقف العربي، باستثناء دعوات مجلس التعاون الخليجي لتسليح الجيش السوري الحر، ناهيك عن الدعم اللوجيستي اللامحدود لإيران للنظام الأسدي عتادا وذخيرة وفيالق من قناصة الحرس الثوري كما جاء في العديد من القصاصات الإخبارية للجيش الحر، وصلت إلى حد إلقاء القبض على خمسة منهم أثناء بعض العمليات.

أمام تعقد هذا الوضع الذي يبدو ظاهريا في صالح النظام الأسدي، غير أن ما تخفيه الأيام المقبلة يؤكد أنه نظام إلى زوال بقوة الإرادة الشعبية، وبأبسط قراءة ميدانية لدروس التاريخ، ولمجريات المعارك اليومية على الأرض.

فالصمود الظاهري للنظام الأسدي يتجلى في النقاط التي تُحسب لصالحه والبادية في موافقته الأخيرة على خطة عنان في نقاطها الست التي ترتكز على سحب الأسلحة الثقيلة والقوات من التجمعات السكنية والسماح بوصول المساعدات الإنسانية والإفراج عن السجناء وحرية الحركة للصحفيين والسماح بدخولهم للبلاد، مع عدم طرح فكرة تنحي الأسد عن السلطة.

ولعل هذه النقاط على أهميتها باستثناء استبعاد مطلب التنحي لنظام الأسد الذي يعد ضرورة ملحة تبقى مستبعدة التحقق على أرض الواقع، لأن تجربة المراقبين العرب برئاسة محمد الدابي أبانت على أنها لا تعدو أن تكون إلا فرصة أخرى للنظام من أجل استجماع أنفاسه وتصعيد هجماته الدموية وترتيب بيته الداخلي الذي اهتز بقوة جراء موجة الانشقاقات اليومية في مجموع التراب السوري من كافة الطوائف لمتابعة مسيرة التقتيل الجماعي من جهة. وهي'كذلك بوابة لترتيب العلاقات الدبلوماسية، وإظهار نوع من الاستجابة لضغوط الأمم المتحدة حتى لا تكون القطيعة بالمرة وفق رؤية الحليفين الروسي والصيني من جهة آخرى.

لكن مراوغة الاستجابة لخطة عنان يكذبها الواقع الميداني الذي حاول بشار الأسد تجاوزه بزيارته لحي بابا عمرو لتفقد معالم جريمته النكراء التي أَرَّختها بالحي جثث النساء والأطفال المذبوحة بالسكاكين وحالات الاغتصاب والبيوت المدمرة بالكامل، ناهيك عن تدمير قلعة المضيق التاريخية على رؤوس المدنيين الذين احتموا بها، إضافة للتقتيل الجماعي في إدلب ومحاولة محو حمص محضن الثورة ورمزها من على الخريطة السورية، وإغراق حماة ودرعا وريف دمشق في بركة الدم الجماعي.

ولم تقف الجرائم عند هذا الحد، بل تجاوزته من خلال اتخاذ المدنيين دروعا بشرية تصل لحد وضع الأطفال فوق الدبابات لكيلا يستهدفها كتائب الجيش الحر.

يحاول المنتظم الدولي عبثا إعطاء الفرصة للنظام الأسدي الذي أغرقت جرائمه بلاد الشام في حمام من الدم الذي روى الأرض والإنسان، وأعاد كتابة التاريخ حول مفهوم الإرادة الحقيقية للشعوب ومدى حاكميتها التي لا يروعها البطش في طلبها للحياة الكريمة والانعتاق من الظلم رغم الظروف الدولية التي ترى إبادة شعب عن بكرة أبيه لا لشيء إلا لأنه أراد الحرية، وهاهو يؤدي ثمنها لوحده، بشكل يفرض على المنظومة الدولية إعادة النظر في مفهوم الحماية الدولية لحقوق الإنسان، والآليات المتاحة للدفاع عنها عندما تنتهك، وإن كان الكل يعي بأن المنتظم الدولي يكيل بمكيالين.

أمام كل هذا، يستبشر السوريون خيرا وهم يرون بأم أعينهم، ويتناقلون الأخبار فيما بينهم لأنهم هم الأدرى بما يحدث على الأرض، وبعيدا عن تقاطب وكالات صناعة الأخبار والفضائيات والتعتيم الإعلامي الرسمي للنظام، يعلمون بأن كتائب الجيش السوري الحر أضحت تتحكم في مجريات المعارك الميدانية بتعداد حوالي 120 ألف منشق حسب مواقع للجيش السوري الحر، وذلك من خلال سلسلة من العمليات النوعية التي ضربت إحداها في الأيام الماضية عمق دمشق بحي المزة استهدفت أحد معاقل أحد الضباط الكبار، وكذا موجة الانشقاقات اليومية التي وصلت إحداها في ظرف 24 ساعة (ليوم 28 مارس أذار فقط) إلى انشقاق 16 ضابطا عن الجيش الأسدي من بينهم ثلاثة ضباط كبار برتبة عميد وهم العميد الركن عدنان محمد الأحمد، رئيس فرع الاستطلاع المنطقة الوسطى، والعميد المظلي المغوار حسين محمد، كلية قيادة المنطقة الشمالية، والعميد الركن زياد فهد، قيادة الأركان العليا.

وفي ظل الإرادة العالية، وبعتاد أغلبه مغتنم من مداهمة الحواجز الأمنية والسلاح الخاص بالمنشقين وبعض الصفقات مع تجار الحرب في الجيش الأسدي، ناهيك عن التهريب الممنهج والمنظم من طرف الجيش الحر، يمكننا الحديث على أن الجزء الأبرز من معركة الداخل في طريقه للحسم، علما أن هناك خطوات فعلية في الأيام المقبلة لتوحيد فعلي كافة الكتائب تحت قيادة موحدة لها عدة فروع على مجموع التراب السوري بعد تأهيل التنسيق والتسليح مع المجلس الوطني الذي أضحى ممثلا لكافة اطياف المعارضة.

خيار الحسم بالسلاح لم يكن أبدا مطلبا للشعب السوري، لكن عندما تستباح الديار وتقترف الجرائم البشعة في حق الشعب السوري، حينها يكون السكوت هوان ومذلة.. ما بعدها مذلة.

' كاتب وباحث مغربي

=================

سورية.. الورقه الأخيرة في يد روسيا

الرأي الاردنية

علي القيسي

يرى المتابع للسياسية الروسية في السنوات الماضية, أن النفوذ الروسي في انحسار وتراجع في المنطقة العربية, وذلك منذ سقوط نظام صدام حسين واحتلال العراق من قبل الولايات المتحدة الصحيح حدث كل ذلك التراجع والانحسار منذ انهيار جمهوريات الاتحاد السوفييتي سابقا في العام 1989 من القرن الماضي وأصبح العالم يعيش نظام القطب الواحد بقيادة أمريكا بعد انتهاء الحرب الباردة بين القطبين.

بعد ذلك تعملقت الولايات المتحدة وقيادتها وسيطرت على دول العالم لاسيما في بداية التسعينيات من القرن الماضي حيث حشدت الولايات المتحدة كل دول العالم تقريبا لإخراج القوات العراقية من الكويت وكانت روسيا التي كانت تعيش آنذاك عهد الانفتاح التاريخي (البروستريكيا) لاتزال تضمد جراح الانهيار الاقتصادي والسياسي بعدما سقطت الشيوعية في ذلك الانهيار التاريخي, وبدأت الجمهوريات السوفيتية سابقا في التفتت والتشرذم والانفصال في عهد غورباتشوف وإصلاحاته الجذرية التاريخية الأجتماعيه والسياسية والأقتصاديه الفاشلة نحو مجتمع وسياسة انفتاحيه تجاه أمريكا والغرب بشكل عام وتلقي المساعدات الأقتصاديه من أمريكا مقابل التنازل عن الكثير من الثوابت والمسلمات للدولة الشيوعية ومن أهمها الأسلحة الأستراتيجيه والنووية بشكل خاص الترسانة الضخمة من الصواريخ العابرة للقارات التي كانت مثار جدل في الحرب الباردة بين القطبين.

كل ذلك جرى في عهد الرئيس ريغان رئيس الولايات المتحدة آنذاك, حتى غدت روسيا دولة ضعيفة ومغلوبا على أمرها ولا تقل أهميتها عن دولة من دول العالم الثالث, حتى يوم احتلال العراق في العام 2003 من قبل الولايات المتحدة كانت روسيا لا حول ولا قوة لها أمام ذلك الغزو من قبل الولايات المتحدة وذلك لضعف دورها في المنطقة وتهميشها وفقدان توازنها... بل أن مبعوثا روسياً وصل بغداد قبيل الحرب للضغط على الرئيس الراحل صدام حسين بغية مغادرة العراق وها هي اليوم روسيا تزداد ضعفا وتراجعا وانحسارا بعد سقوط النظام الليبي الذي كان بالنسبة لها هو المستورد للاسلحة والترسانة العسكرية الليبية منذ أربعين عاما وبهذا فقدت صديقا استراتيجيا مهما ودولة نفطية غنية في المنطقة العربية, ولعل روسيا تواجه الآن تحديا كبيرا أمام انحسار نفوذها وغياب أصدقائها واحدا تلو الآخر, حيث روسيا الآن تحاول الوقوف بكل قوتها وطاقتها وإمكانيتها الدبلوماسية والسياسية مع النظام السوري الذي يواجه ثوره خطيرة تهدد نظامه أيما تهديد..

فالورقة الأخيرة في يد روسيا هي سوريا الآن, مما جعل المندوب الروسي في مجلس الأمن يُفشل قرار لإدانة النظام السوري بواسطة الفيتو الشهير وكل هذا الإصرار والتشبث من جانب روسيا هو للدفاع عن سوريا قاعدتها الأخيرة في المنطقة فالمشهد على الساحة الدولية يشي بأن الموفق الروسي سيظل عنيدا وثابتا هذه المرة بعدما فشل في المسألة الليبية.

هكذا يرى المراقب المتابع للمشهد الروسي في المنطقة أن روسيا ستظل على موقفها بالنسبة للأزمة في سوريا مع بعض المناورات السياسية في شتى الاتجاهات بالرغم من الضغوط الدولية التي تمارس عليها وهذا يدلل على إن روسيا تسعى للثأر لكرامتها ومن عدد الصفعات التي تلقتها منذ سقوط العراق وهي تعمل كل جهدها حتى يبقى لها موطئ قدم وقاعدة استراتيجية لمصالحها في المنطقة العربية.

=================

السوريون وكوفي عنان

* عبدالمجيد جرادات

 الدستور

30-3-2012

هل سينجح السيد كوفي عنان المكلف من قبل مجلس الأمن الدولي وجامعة الدول العربية، بنزع فتيل الأزمة السورية، سعياً للدخول في حوار وطني، يحول دون المضي بنزف الدماء واستنزاف مقدرات وممتلكات الشعب السوري ؟

من الواضح بأن السيد عنان انطلق بهذه المهمة، معتمدا ً على خبراته الواسعة في فض النزاعات بين المتخاصمين من جهة، ومعرفته بطبيعة وأبعاد التدخلات الخارجية التي تتجاذب الملف السوري من جهة أخرى، وبناء على ما توفر لديه من معطيات، فإنه يحث الخطى، ويطير من عاصمة إلى اخرى، وهو يضع بحساباته أهمية التوصل “ لحل”، يروق لأساتذة التاريخ الحديث عنه بعد حين.

تنقل السيد كوفي عنان بين مبنى هيئة الأمم في الولايات المتحدة ، والعاصمة السورية دمشق، ثم طار إلى روسيا، وبعد ذلك الصين، وفي مطلع الأسبوع المقبل، سيكون في طهران: ومن المؤكد أنه عرف ما في جعبة جميع الرؤساء الذين ينامون وعيونهم مفتوحة على ما يدور في الجمهورية العربية السورية، أما خطابه المعلن تجاه مهمته فهو يستند على (حسه الدبلوماسي)، فهو لا يميل لتبني المواقف المسبقة لدعم أي طرف ضد الطرف الآخر، ولا يؤمن بمبدأ الاصطفافات التي يدرك أن الشعب السوري سيدفع ثمنها دون سواه، وهذه هي أبرز الحقائق التي نتوقع أن تمنحه الفرصة لوضع مقاربات تحتكم لمنطق الحوار، وتنأى عن لغة الرصاص.

ترتكز خطة عنان التي رحبت بها الحكومة السورية على مبدأ التهدئة أولاً، وفيها من حسن النية ما سيؤدي للتوافق على مقومات الوحدة الوطنية بين مختلف الأطياف من أبناء الشعب السوري، وبالعودة لواقع التجاذبات الخارجية، نتأكد بأنها تأسست على خطاب نأمل أن يكون الحكماء من أبناء سوريا، قد التقطوا خفاياه وأهدافه، فقد بني على الإثارة التي عرفنا أنها تمرر تحت عناوين ومسوغات يقولون أنها من أجل مستقبل الشعب السوري، مع أن مخرجاتها تتمثل بالمزيد من الخسائر والفرقة والمعاناة.

أول أمس، بدأ رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان بزيارة عمل للعاصمة الإيرانية ومعه الملف السوري، وقد جاءت هذه الزيارة بعد انتهاء جلسات المؤتمر العالمي بشأن الأمن النووي، والذي عقد مؤخرا ً في كوريا الجنوبية وشارك فيه الرؤساء، الأميركي والروسي والصيني، وبحسب ما تناقلته وسائل الإعلام المقربة من جميع هؤلاء، فإن الرئيس التركي يحمل معه جملة ملاحظات للرئيس محمود أحمدي نجاد من الرؤساء المذكورين وجميعها تتعلق بتداعيات المشهد في سوريا، وعشية وصول الضيف التركي إلى طهران، جدد رئيس الوزراء الإسرائيلي تأكيده بأنه لا ينوي توجيه ضربة جوية للمنشآت النووية الإيرانية خلال هذه المرحلة، فهل هي لعبة السياسة وتبادل المصالح، أم أنها مقايضات على حساب مستقبل أبناء سوريا العروبة ؟

نعود لمهمة كوفي عنان الذي سيقتفي أثر الرئيس التركي في الأراضي الإيرانية، محاولا ً التقاط أية خيوط تعينه على مساعدة الشعب السوري للخروج من نفق المحنة، وفي مجمل الأحوال، فهو بأمس الحاجة لوقفة تضامنية، يجري الترفع من خلالها عن كل ما يتسبب بإراقة الدماء السورية.

am_jaradat@yahoo.com

=================

أنان القناع… أنان المقاول؟!

النهار

راجح الخوري

2012-03-30

كان من المضحك - المبكي ان توجه القمة العربية تحذيراً الى الرئيس السوري من انه اذا لم ينفذ خطة كوفي انان، فإن العرب سيعودون مجدداً الى مجلس الامن!

لا ندري ما اذا كان وزير خارجية العراق هوشيار زيباري الذي وجه هذا التحذير قد قرأ البيان السوري الذي اعلن سلفاً ان دمشق سترفض اي قرار يمكن ان يصدر عن القمة العربية. وكذلك لا يدري احد قيمة هذا التحذير ومغبته على النظام السوري، وخصوصاً ان الازمة السورية ملقية لا بل متهالكة في مجلس الامن امام "الفيتو" الروسي - الصيني الذي استعمل مرتين وقد يستعمل من جديد!

غريب ان يقف زيباري ليتحدث باسم 17 من وزراء الخارجية العرب وعلى اسماع العالم قائلاً: "ان المرحلة الحالية في سوريا حرجة جداً وهي بين خيارين: اما تطبيق المبادرة العربية، واما العودة الى مجلس الامن لتوحيد الموقف في شأنها"، اولاً لأن الازمة تنام على هوامش مجلس الامن كما قلنا، وثانياً لأن جوهر "المبادرة العربية" المرفوضة جملة وتفصيلاً من سوريا، تمثّل في 22 كانون الثاني الماضي بدعوة الاسد الى ان يكلف نائبه فاروق الشرع الانخراط في حوار مع المعارضة بحثاً عن حل للازمة وهو ما لم ولن يحصل، وثالثاً لأن النقاط الست التي قدمها انان الى الاسد خلت من الاشارة الى هذه النقطة الجوهرية، ورابعاً لأن الاعلان عن موافقة الاسد على خطة انان شيء والتنفيذ شيء آخر.

عملياً، ليس هناك من معنى للتهديد بالعودة الى مجلس الامن ما لم يضمن العرب في قمتهم المتواضعة جداً حصول تغيير في الموقفين الروسي والصيني، وهو امر مستبعد، ولهذا فإن اشارة زيباري الى: "اتخاذ قرارات جديدة في مجلس الامن تؤمن اصلاحاً حقيقياً في سوريا وتلبي مطالب شعبها في تقرير مصيره بنفسه"، ليست اكثر من تمنيات او مجرد انشاء سياسي او تغريد للايحاء بأن للقمة كلاماً!

والمضحك - المبكي ان المستر كوفي انان [ سبق ان تلوّث اسم ابنه في فضائح النفط في مقابل الغذاء في العراق ] يوسع اطار جولاته الديبلوماسية على هامش مهمته السورية، فيستعد لزيارة ايران بعد روسيا والصين مع انه يعرف انه سيسمع الموقف عينه في البلدان الثلاثة التي تدعم الاسد سياسياً وعسكرياً، لهذا ليس من المغالاة ان يقول البعض:

 اولاً: انه يشكل قناعاً جيداً لإخفاء تقاعس المجتمع الدولي عن دعم الشعب السوري الذي يواجه مذبحة متمادية، وهذا ما يؤكد وجود رغبات دولية خبيثة في ترك سوريا تنجرف الى حرب اهلية قد تستمر سنوات.

ثانياً: انه مقاول يشتري مزيداً من الوقت للحل العسكري الذي يتمسك به الاسد الذي لن ينفذ شيئاً من مبادرة انان لأنه يعرف انه بمجرد سحب الدبابات سيخرج الملايين داعين الى اسقاط النظام!

=================

استياء عربي من واشنطن لرفضها التسليح .. موافقة الأسد لفظية وتكسبه مزيداً من الوقت

النهار

روزانا بومنصف

2012-03-30

في اليوم التالي لاعتبارها موافقة النظام السوري على مبادرة المبعوث الدولي كوفي انان "خطوة مهمة" اعادت العاصمة الاميركية تصويب ما قصدته او ما اوحاه موقفها هذا من خلال التأكيد "ان على الرئيس السوري بشار الاسد التنحي حتى مع قبوله خطة انان" مشددة على ان "موقف واشنطن لم يتغير وانها سمعت من الاسد وعودا في السابق الا انها تنتظر منه افعالا وليس اقوالا ". فالموقف الاميركي من مجمل ما يجري في سوريا يحظى بانتقادات عربية كبيرة نظرا الى المبررات غير المنطقية المتعاقبة التي قدمتها واشنطن لعدم الانخراط في موضوع سوريا بين اعتبارها القاعدة مسؤولة عن التفجيرات التي حصلت في سوريا الى اعتبار القاعدة مخترقة للمعارضة. وهذه الانتقادات وان كانت غير معلنة الا ان بعض الدول العربية مستاء من الولايات المتحدة بسببها خصوصا مع رفضها اتخاذ اي اجراءات عملية داعمة للمعارضة السورية والبعض يقول ان رفض الولايات المتحدة تسليح المعارضة هو اكثر ما يثير هذا الانزعاج. اذ ان الادارة الاميركية التي تخوض الانتخابات الرئاسية لولاية ثانية للرئيس باراك اوباما تبدو بالنسبة الى دول عدة مشغولة بأولوياتها فضلا عن انها تراعي رأي اسرائيل في هذا الاطار الداعم لبقاء الرئيس السوري وعدم القيام باي خطوات تؤدي الى تنحيه. وثمة من يقول ان اميركا لا تشعر باللهيب الذي تشعر به دول المنطقة نتيجة العدد الكبير من الضحايا الذين يسقطون يوميا في سوريا والذين يطرحون مسؤولية معنوية على كاهل الدول العربية انسانيا وطائفيا على حد سواء وانه كما طرحت وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون السؤال مرة في وجه روسيا كم يجب ان يسقط من الضحايا من اجل ان تقرر روسيا الموافقة على قرار في مجلس الامن يدين ما يجري في سوريا، فان السؤال نفسه ينسحب وفق ما ينقل عن مصادر ديبلوماسية اقليمية عن عدد الضحايا الذي ينتظره الاميركيون كي يسمحوا بتسليح المعارضة او اي اجراء مماثل خصوصا ان الرئيس الاميركي اعلن اخيرا في اثناء استقباله رئيس الوزراء التركي رجب الطيب اردوغان يوم الاحد المنصرم في 25 من الجاري اتفاقه مع تركيا على مساعدة المعارضة لكن من دون تسليحها.

ولا تثير المطالبة الاميركية بتنحي الاسد قلقا جديا اذ ان الرئيس السوري وفق ما تقول هذه المصادر "ميت سريريا" بالنسبة الى احتمال قبول استمراره في السلطة او قبول الاسرة الدولية عودته الى كنفها مع هذا العدد من القتلى الذين تقع مسؤوليتهم على عاتقه خصوصا بعد توثيق ما يدرج دوليا تحت عنوان جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية لكنه يمكن ان يواصل العنف ضد الشعب السوري. فالتحدي الاساسي يتمثل في مؤتمر اصدقاء سوريا الذي ينعقد في اسطنبول يوم الاحد المقبل ثم الاحاطة التي سيقدمها كوفي انان عن مهمته لمجلس الامن يوم الاثنين في الثاني منه في ضوء جملة معطيات تضاف الى المعطيات الآنفة. وفي مقدم هذه المعطيات اليأس من مهمة انان اذ تقول المصادر الديبلوماسية ان موافقة النظام السوري على مبادرته هي موافقة لفظية والجميع يدرك هذا الامر خصوصا ان النظام قد فرض شروطه حتى الان لجهة رفض استقبال نائب انان ناصر القدوة باعتباره ممثلا عن الدول العربية فيما رفض الاسد التعامل مع انان الا ممثلا للامم المتحدة وليس للجامعة العربية. وكون انان ممثلا للامم المتحدة فانه مضطر لمراعاة روسيا التي ستحاول ان تعطي او توفر المزيد من الوقت للنظام انطلاقا من اعتباره مهمته "الفرصة الاخيرة" التي لا يجوز استعجالها بل التأني من اجل انجاحها. وهو امر يمكن ان يؤثر على مؤتمر اسطنبول لجهة محاولة البعض الضغط من اجل تاجيل اتخاذ خطوات حتى موعد اخر للمؤتمر في انتظار رؤية ما ادت اليه مهمة انان خصوصا ان المعارضة التي تعمل عليها دول عدة من اجل توحدها وخروجها بمشروع موحد وهي قد حققت نجاحا نسبيا وتحتاج الى زخم اضافي لها. وان الخطوات التي قامت بها حتى الان هذه المعارضة لا تسمح بتركها بل على العكس من ذلك ولا يجوز تركها ايضا. وخروج اوباما قبل ايام مع رئيس الوزراء التركي داحضا فكرة تسليح المعارضة ينبغي ان تقابلها خطوات اخرى لا تقل ثقلا معنويا وتأثيرا تعويضا عن التسليح في رأي هذه المصادر باعتبار ان مؤتمر تونس الذي اقتصر على اعلان تقديم مساعدات انسانية كان فاشلا الى حد بعيد...

وثمة من يعتقد ان انان قد يتمهل من جهته في اعطاء النظام المزيد من الوقت اذ ليس سهلا عودة الامين العام السابق للامم المتحدة الى الضوء بهذه الصيغة المهمة والقبول بانهاء المهمة سريعا. في حين ان الوقت ملح بالنسبة الى الدول العربية والمنطقة على نحو خاص من اجل الاسراع في تطبيق وقف فوري للنار وانهاء العنف من اجل تقييد حركة الرئيس السوري في هذا الاطار.

يضاف الى ذلك ان فكرة اقامة منطقة امنة او عازلة من جانب الاتراك ليست واضحة بعد خصوصا ان هذه الفكرة تفاوتت بين مد وجزر في توقيت مختلف بين بداية الازمة ومراحلها الاخيرة.

=================

روسيا وإيران... وسوريا

جيفري كمب

الاتحاد

تاريخ النشر: الجمعة 30 مارس 2012

كي نفهم السبب الذي يجعل دولة مثل روسيا، راغبة في تلمس الأعذار لتصرفات الرئيس السوري، من المهم للغاية أن ندرك مدى الإحساس بالهوان الذي لا يزال القادة الروس يشعرون به بعد سقوط الاتحاد السوفييتي السابق. ففي وقت من الأوقات خلال ثمانينيات القرن الماضي، كانت القاذفات السوفييتية من طراز "باكفاير" التي تنطلق من قواعد في سوريا وليبيا، تمثل تهديداً رئيسياً للأساطيل التابعة لحلف شمال الأطلسي (الناتو) في البحر الأبيض المتوسط.

وكان الاتحاد السوفييتي يتمتع إلى جانب ذلك بعلاقات وثيقة مع نظام صدّام في العراق والحكومة الماركسية في اليمن الجنوبي، وهو ما مكّن روسيا من أن تصبح لاعباً مهماً في الشرق الأوسط.

وقد أدى تفكك الاتحاد السوفييتي عام 1991، إلى تعريض روسيا لفوضى مالية، وانهيار مجتمعي، تفاقما جراء انخراطها في حرب دموية مع الانفصاليين الشيشان، وتدخل حلف "الناتو" عسكرياً ضد الصرب في البوسنة وفي كوسوفو. وأظهر عجز روسيا عن حماية أصدقائها بما في ذلك من يقعون بالقرب من حدودها، عمقَ الانهيار الذي كان قد حل بالدولة السوفييتية السابقة. وعندما جاء بوتين إلى السلطة عام 2009 خلفاً ليلتسين العليل، فإنه كان متشوقاً لاسترداد مكانة وقيمة روسيا السابقة. والحقيقة أنه خطا خطوات كبيرة على هذا الطريق.

وتحت حكم "ميدفيديف" -خلَفُ بوتين سابقاً وسلفه الحالي- عارضت روسيا بقوة تدخل "الناتو" في ليبيا عام 2011، رغم أنها كانت قد دعمت قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1973 الذي كان يوفر الذريعة لقصف قوات القذافي. وكانت وجهة النظر الروسية التي قُدمت لتبرير اعتراضها على تدخل "الناتو"، هي أن هذا الأخير قد تجاوز التفويض الذي كان ممنوحاً له بحماية المدنيين وقام بشن حملة فعلية ضد نظام القذافي بهدف الإطاحة به من السلطة في نهاية المطاف. ويبدو أن روسيا مصممة الآن على عدم رؤية هذا الأمر ذاته، أي حدوث تدخل عسكري مماثل يتكرر مع نظام الأسد في سوريا.

ورغم أن جزءاً كبيراً من الموقف الروسي الحالي يتعلق بالإحساس بالكرامة الجريحة، على اعتبار أن مد نطاق التفويض الذي منحه مجلس الأمن للناتو في ليبيا كان يعني بوضوح أن الحلف لا يكنّ أي احترام ولا يقيم أي اعتبار لروسيا، فإنه بإمعان النظر سوف نجد أن الأمر يتعلق بقلق روسي قد يكون أعمق كثيراً من الإحساس بالكرامة الجريحة.

الروس قوم واقعيون -بأكثر المعاني سلبية لمفهوم الواقعية- لأنهم عادة ما ينظرون إلى أي مكاسب للغرب على أنها تعني -تلقائياً- خسائر لهم. فهم ينظرون إلى الخطوات والتحركات الغربية في ليبيا وسوريا، ليس على أنها أعمال إنسانية بالدرجة الأولى، وإنما باعتبارها جزءاً من حملة أوسع نطاقاً لتقويض التحالفات الروسية في الخارج.

وروسيا تدعم الأسد بسبب علاقاته الوثيقة مع إيران. ويمكن القول إن إيران لها مصلحة كبيرة في استمرار العداء بين روسيا والغرب. وإذا ما قدر لنظام الأسد السقوط فإن إيران سوف تفقد أهم حليف لها في الشرق الأوسط، كما ستفقد بالتالي تأثيرها على الأحداث في إقليم الشام. وما سيحدث في حالة سقوط الأسد هو أن "الهلال الشيعي" سيفقد ركناً مهماً من أركانه. وهذا الاختلال في موازين القوة في المنطقة بعد سقوط النظام السوري -لو قدر له السقوط- يمكن أن يجبر قادة النظام الحالي في طهران على إعادة التفكير في استراتيجيتهم، وهو ما قد يقود إلى توجه جديد نحو إقامة علاقات طبيعية مع أميركا، الأمر الذي سيعيد رسم ملامح ميزان القوى في آسيا الوسطى، وإلى تقويض كبير في النفوذ والسيطرة الروسية على جيوبوليتيكا الطاقة.

وليس هناك من شك في أن روسيا قد استفادت من إقصاء النظام الإيراني من قبل الغرب. فعدم قدرة إيران على استغلال موقعها الجغرافي الفريد كطريق محتمل لنقل أنواع الوقود الأحفوري المستخرجة من بحر قزوين ومنطقة آسيا الوسطى إلى أوروبا، قد ساهم في تعزيز النفوذ الروسي، حيث لا تزال عملية نقل النفط من كازاخستان، والغاز من تركمانستان، تمر عبر نظام الأنابيب التابع لروسيا.

وكنتيجة لذلك نجحت روسيا في الاحتفاظ بنفوذ كبير على ملف إمدادات الطاقة لأوروبا، وهو نفوذ قد تخسره فيما لو نجحت إيران في تحسين علاقاتها مع الولايات المتحدة بعد توجهاتها الجديدة التي قد تنتج عن عملية إعادة التفكير التي أشرنا إليها، خصوصاً وأن ذلك يمكن أن يقود إلى رفع العقوبات الكبيرة المفروضة على الصناعات والسلع الإيرانية.

وفي مثل هذه الظروف سوف تظهر خيارات مختلفة ومتعددة، لتطوير موارد إيران واستمرارها في لعب دور دولة الترانزيت أو المعبر لصادرات وواردات جيرانها، وهو ما سيعني ظهرو منافسين جدد لروسيا يقللون من المكاسب التي تحققها، والنفوذ الذي تحتفظ به أيضاً. فروسيا في مثل هذه الحالة لن تتمكن من إبقاء أوروبا رهينة لإمدادات الغاز، وسوف تكون عرضة -من وجهة نظرها هي بالطبع- لمحاولات تطويق وتدخلات من قبل الغرب.

وفي الأخير، فإنه إذا ما سقط نظام الأسد، فإن روسيا سوف تفقد قاعدتها في ميناء طرطوس السوري، وهو الميناء الوحيد المطل على البحر المتوسط الذي ما زال يرحب بالأساطيل الروسية.

=================

لا أوهام لبنانية بالنسبة إلى النظام السوري

الراي العام

خيرالله خيرالله

30-3-2012

هل في استطاعة العرب التعايش مع نظام لا همّ له سوى ابتزازهم؟ بعد سنة على انطلاق الثورة السورية، لم تعد لدى اللبنانيين اي اوهام من ايّ نوع كان. اهم يعرفون ان لا خلاص لوطنهم من دون سقوط النظام السوري الحالي وزواله. بنى هذا النظام كلّ استراتيجيته الاقليمية على فكرة ان الانتصار على لبنان بديل من الانتصار على اسرائيل. كان هناك التقاء على هذه النقطة بالذات بين النظام السوري القائم منذ العام 1970، وحتى قبل ذلك عندما كان لا يزال الراحل حافظ الاسد وزيرا للدفاع، والحكومات الاسرائيلية المتلاحقة. كان لبنان «الساحة» التي يلعب فيها الاسرائيلي والنظام السوري. شجّع الجانبان دائما على ان يكون جنوب لبنان خارج سلطة الشرعية اللبنانية.

شجّع النظام السوري باستمرار تهريب السلاح والمسلّحين الى لبنان. استخدم كلّ ما لديه من وسائل ضغط لضرب مؤسسات الدولة اللبنانية. كان مشاركا بشكل مباشر في كلّ الاحداث الدامية التي شهدها الوطن الصغير منذ ما قبل انفراد الاسد بالسلطة. كان مطلوبا في كلّ وقت اثبات ان لبنان دولة لا تستحق الحياة وان كلّ ما يمكن فعله هو وضعه تحت الوصاية. رحّبت اسرائيل دائما بهذه السياسة.

من يبحث عن تأكيد للتواطؤ القائم بين النظام السوري والجانب الاسرائيلي على لبنان يستطيع العودة الى المفاوضات التي سبقت الموافقة الاميركية على دخول القوات السورية الاراضي اللبنانية بشكل رسمي في اطار ما سمّي «قوات الردع العربية». وقتذاك استطاع هنري كيسينجر وزير الخارجية الاميركي الحصول على ضوء اخضر دولي وعربي واسرائيلي للدخول العسكري السوري الى لبنان بحجة ان المطلوب تفادي نزاع اقليمي انطلاقا من الوطن الصغير. في الواقع، كان كيسينجر يريد من القوات السورية «وضع اليد على مسلحي منظمة التحرير الفلسطينية» في كلّ الاراضي اللبنانية. لكنّ اسرائيل اعترضت على ذلك وطالبت ببقاء المسلحين الفلسطينيين في جنوب لبنان على ان تتوقف القوات السورية عند نهر الاولي.

هذا ما حصل بعدما وافق الاميركي والسوري ومعظم العرب على «الخطوط الحمر» الاسرائيلية التي بررتها حكومة اسحق رابين وقتذاك ب«الحاجة الى الاشتباك مع الفلسطينيين بين وقت وآخر».

قبل ذلك، مهّد النظام السوري لدخوله لبنان عن طريق الاعتراض منذ العام 1973 على اي محاولة بذلتها السلطات اللبنانية لضبط السلاح الفلسطيني. فهذا السلاح دخل لبنان من سورية قبل ايّ مكان آخر وذلك منذ العام 1968. وزادت كمياته بعد طرد المسلحين الفلسطينيين من الاردن اثر احداث سبتمبر 1970. لم يكتف النظام السوري في مرحلة التمهيد لاجتياحه لبنان بارسال السلاح والمسلحين بل شجّع كلّ ما من شأنه اثارة الغرائز المذهبية والطائفية. بدأ بتشجيع عملية تهجير المسيحيين من القرى القريبة من خط الحدود بين البلدين، خصوصا في الشمال والبقاع حيث حصلت مجازر عدة استهدفت هؤلاء. وشجع في الوقت نفسه على دفع مسيحيي القرى الجنوبية القريبة من خط وقف النار مع اسرائيل على اللجوء اليها او طلب حمايتها بعدما دفع المسلحين الفلسطينيين وغير الفلسطينيين الموالين له الى مهاجمة القرى والبلدات المسيحية الجنوبية. وكانت هذه القرى والبلدات في معظمها معزولة.

يمكن الاسترسال طويلا في شرح كيف ان النظام السوري ارسل السلاح بطريقة مباشرة او غير مباشرة الى مختلف الميليشيات الحزبية على الارض اللبنانية، بما في ذلك الميليشيات المسيحية، في وقت كان يدفع بالفلسطينيين الى تحدي الدولة اللبنانية. كان هدفه النهائي وضع اليد على لبنان والامساك بالورقة الفلسطينية وذلك بغض النظر عن البؤس الذي يحلّ باللبنانيين والفلسطينيين...

تخلّص النظام السوري من كلّ لبناني حاول اعادته الى جادة الصواب بدءا بكمال جنبلاط في العام 1977 وصولا الى رفيق الحريري في العام 2005. كانت كلّ الجرائم الكبرى في حق اللبنانيين، الشرفاء حقّا، مرتبطة به بطريقة او باخرى، بما في ذلك اغتيال الرئيسين بشير الجميّل ورينيه معوّض والمفتي حسن خالد.

خرج المسلّحون الفلسطينيون من لبنان، فأصر النظام السوريّ على ابقاء قواعد لهم على اراضيه في مناطق لا تبعد كثيرا عن الحدود بين البلدين. وهذا امر لم تعترض عليه اسرائيل يوما.

ترافق الخروج الفلسطيني المسلّح من لبنان في العام 1982 مع الاصرار على بقاء الجنوب اللبناني خارج سلطة الحكومة اللبنانية والقوات الشرعية اللبنانية. بقدرة قادر، صار الجنوب تحت سيطرة حزب مذهبي يمتلك ميليشيا مسلّحة تابعة ل«الحرس الثوري الايراني» بل تعتبر جزءا لا يتجزّأ منه.

ما الذي يمكن ان يخسره اللبنانيون من زوال نظام من هذا النوع كان همه محصورا في تدمير بلدهم من جهة واذلال السوريين من جهة اخرى؟ نجح النظام السوري في الغاء الحياة السياسية في سورية، لكنّ لبنان قاوم ولا يزال يقاوم. لبنان لا يزال يقاوم لانّ معظم اهله يؤمنون بثقافة الحياة بديلا من ثقافة الموت التي يسعى النظام السوري الى فرضها باسم «المقاومة» احيانا و«الممانعة» في احيان اخرى. انها مقاومة حتى آخر لبناني وآخر فلسطيني...تصبّ في خدمة ايجاد موطئ قدم لايران على شاطئ المتوسّط.

لا شكّ ان هناك لبنانيين يتحمّلون جزءا من المسؤولية في شأن ما حلّ ببلدهم. كلّ الطوائف مسؤولة بعدما لعبت مداورة الدور المطلوب منها لتغطية جرائم النظام السوري او لتسهيلها كما فعل ولا يزال النائب المسيحي ميشال عون الذي لا يستحق لقبا آخر غير لقب «الشبيح الفخري»، خصوصا عندما فعل كلّ شيء لتأمين دخول القوات السورية قصر الرئاسة في بعبدا ومقرّ وزارة الدفاع في اليرزة في اكتوبر 1990.

عاجلا ام آجلا، سيزول النظام السوري، غير مأسوف عليه. ستعود العلاقات طبيعية بين الشعبين السوري واللبناني وبين الدولتين. المهمّ ألا تسقط سورية في حرب اهلية يعتبر النظام انها ورقته الاخيرة. ما هو اكثر اهمية من ذلك اقتناع اللبنانيين والسوريين ان دمشق يمكن ان تكون اكثر ازدهارا اذا كانت بيروت مزدهرة... والعكس صحيح ايضا!

كاتب لبناني مقيم في لندن

=================

قمة بغداد تدعم حرية الشعب السوري

الراية القطرية

30-3-2012

وجهت القمة العربية التي اختتمت أعمالها في بغداد أمس رسالة قوية للنظام السوري مؤكدة دعمها الكامل لتطلعات الشعب السوري ومطالبه المشروعة بالحرية والديمقراطية وحقه في رسم مستقبله والتداول السلمي للسلطة.

وفي الوقت الذي أدانت فيه القمة العربية أعمال القتل والعنف في سوريا والانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان في حق المدنيين السوريين فقد أعلنت التمسك بالحل السياسي والحوار الوطني كمخرج للأزمة داعية إلى حوار بين السلطات والمعارضة التي طالبوها بتوحيد صفوفها.

رغم تصريحات الأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي من أن القضية السورية أصبحت بيد مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة بسبب مماطلة النظام وتعنته ورفضه للتعاطي مع الجهود العربية لحل الأزمة فإن القمة العربية تبنت المبادرة العربية بشأن الأزمة في سورية حيث دعا البيان الختامي للقمة "الحكومة السورية وكافة أطياف المعارضة إلى التعامل الإيجابي مع المبعوث المشترك كوفي عنان لبدء حوار وطني جاد يقوم على خطة الحل التي طرحتها الجامعة وقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة" الخاص بذلك.

النظام الذي أعلن قبل أيام قبوله بالنقاط الست التي أعلنها عنان لحل الأزمة وهو القبول الذي لا زال نظريا إذ لا تزال أعمال القتل والعنف وقصف المدن ومحاصرتها مستمرة حتى هذه اللحظة يواجه الآن إجماعا عربيا وقرارات على مستوى قادة الدول العربية تطالبه بتطبيق المبادرة العربية وخطة عنان فورا من خلال الوقف الفوري لكافة أعمال العنف والقتل، وسحب القوات العسكرية والمظاهر المسلحة من المدن والقرى السورية وإعادة هذه القوات إلى ثكناتها دون أي تأخير والإفراج عن المعتقلين السياسيين والسماح للمساعدات الإنسانية بالدخول إلى المدن المنكوبة والسماح بالتظاهر السلمي للمواطنين فالمبادرة العربية التي سبق للنظام أن رفضها جملة وتفصيلا والنقاط الست التي طرحها المبعوث الدولي ومبعوث الجامعة العربية كوفي عنان والتي يطالب المجتمع الدولي النظام السوري بالبدء في تطبيقه بعد إعلانه عن قبولها تتشابهان بل تكاد تكون واحدة.

إن السياسة التي يتبعها النظام والمتمثلة بالمماطلة وكسب الوقت لم تعد تجْدِ بعد الإجماع الدولي على دعم مهمة كوفي عنان وبالتالي فإن عامل الوقت لم يعد لصالح النظام السوري الذي عليه أن يتخذ قرارا فوريا بوقف القتل وسحب جنوده إلى ثكناتهم فورا للخروج من النفق المظلم الذي تعيشه سوريا وشعبها منذ أكثر من عام.

=================

سورية وقمة بغداد.. عودة إلى المربع الأول

الوطن أون لاين

2012-03-30

يجمع المراقبون على أن قرار قمة بغداد المتعلق بالأزمة السورية، كان دون المأمول؛ ذلك أنه لم يدع مباشرة إلى تنحي الأسد، على الرغم من أن هذا هو الحل الأمثل للأزمة التي تدخل شهرها الثالث عشر، وأن الحلول الباقية مثل: الدعوة إلى الحوار، ومطالبة المعارضة بتوحيد صفوفها كما جاء في القرار لا تعدو كونها تسويفاً لا يؤدي إلى الحسم، بقدر ما يؤدي إلى المزيد من التعقيدات والتداخلات، فضلا عن المزيد من الدماء، والمزيد من الأفعال التي "ترقى إلى الجرائم الإنسانية"، على حد تعبير القرار العربي الذي أدان بالإجماع "مجزرة بابا عمرو المقترفة من الأجهزة الأمنية والعسكرية السورية ضد المدنيين".

الإدانة بالإجماع أمر بدهي، ذلك أنه لا توجد أخلاق، أو سياسة يمكنها أن تبرر ما حدث في بابا عمرو، وليس الإجماع على الإدانة ذا دلالة حقيقية على وجود موقف عربي قوي تجاه الأزمة السورية، لأن أحدا لا يستطيع معارضة إدانة القتل المباشر، بل إن المواقف السابقة الصادرة عن مجلس الجامعة العربية كانت أقوى من قرار قمة بغداد بمراحل، مما يعيد التعاطي العربي مع ما يحدث في سورية إلى المربع الأول.

إن تراخي وتراجع "إعلان بغداد" عن المواقف العربية السابقة، يعنيان أن للدولة التي ترأس القمة دوراً في ذلك، وهو أمر متوقع، وطبيعي للعارفين بدهاليز السياسة، وطرائق إدارة الأمور، وكيفيات صياغة البيانات واتخاذ القرارات، ما يعني أن بعض الدول العربية أرادت، من خلال خفض مستوى تمثيلها في القمة، إيصال رسالة واضحة إلى الحكومة العراقية، مفادها عدم الرضا عن تبعية السياسات العراقية لدول مجاورة، وبناء المواقف العراقية على مصلحة آخرين، وهو حل خاطئ وغير موضوعي للمعادلة السياسية، في ظل رغبة العراق في العودة إلى المحيط العربي.

ومهما يكن من أمر، فإن المنجز المهم للقمة العربية، هو عودة العراق للعرب، ووجود تطور إيجابي في الخطاب السياسي العراقي تجاه الدول العربية، بعد أن شعرت هذه الدول بأن العراق كان يصر على السير في طريق الجفاء دون رجعة، إلا أن هذه القمة في الظاهر قد أعادت العراق عربيا كما هي هويته الأصلية، وتاريخه العريق.

=================

وما حيلة بشار إلا كاميرا القناة السورية؟

فواز عزيز

الوطن أون لاين

30-3-2012

أصبحت الكاميرا والجمهور حيلة "المضطر"؛ ذات الكاميرا نقلت حدثين متشابهين في صورتين متناقضتين!

تكررت الصورة مع فارق كبيرٍ في التشبيه.. خرج "بشار الأسد" قبل أيام، في "بابا عمرو" محاطاً بالعشرات من الحراس أمام أعين كاميرات القناة السورية فقط لمدة دقيقتين فقط، ليثبت للعالم أنه انتصر في معركته على شعبه الأعزل.. وخرج قبله بزمن "صدام حسين" في شوارع بغداد أمام أعين الكاميرات العالمية وكانت قناة "أبوظبي" التقطت 5 دقائق من مشهد "صدام" بين المئات من العراقيين الذين ظلوا يهتفون يوم سقوط بغداد على أيدي القوات الأمريكية، ولم يكن أحدٌ يشك أن خروجه كان ليثبت للعالم أنه سينتصر على الأمريكان وأنه لا يزال يسيطر على بغداد رغم أن الطائرات الأمريكية كانت تقصف قصوره وتطارد أهله!

صور "بشار" في بابا عمرو لم تؤكد أن "الأسد" مسيطرٌ على سوريا، بل كشفت للعالم أنه يخوض معركةً ضد شعبه، وأنه مستعد أن يسحق المدن والقرى في سبيل القضاء على المتظاهرين، الذين لم يعد يخيفهم بطش الشبيحة، ولم يهربوا من الموت كما هو حال البشر، بل أصبحوا يطاردون الموت في مواطنه حباً في الحرية أو الشهادة وكرهاً في الاستبداد والاستعباد.

بغض النظر عن الأهداف والنوايا المقصودة من الظهور الإعلامي.. هناك فارقٌ كبيرٌ بين صورتي "صدام" و "بشار" رغم انتمائهما ل "البعث"، لأن "صدام" كان يظهر شجاعةً في قتال قوات آتية من خارج حدود وطنه، بينما "بشار" كان يظهر دناءةً في قتال المتظاهرين من شعبه!

=================

الإطاحة بالأسد عبر الحل الدبلوماسي

ديفيد إغناتيوس

الشرق الأوسط

30-3-2012

ربما يكون قد آن الأوان بالنسبة للثوار السوريين أن يستغلوا موافقة الرئيس السوري بشار الأسد على «الانتقال المنظم» للسلطة برعاية الأمم المتحدة، بدلا من الانزلاق نحو حرب أهلية تجلب الموت والدمار للمنطقة برمتها.

وقد أعلنت حكومة الأسد يوم الثلاثاء الماضي أنها مستعدة لقبول خطة سلام تحت رعاية المبعوث الخاص للأمم المتحدة كوفي أنان. وجاء الإعلان السوري في العاصمة الصينية بكين عقب التصديق على الخطة من قبل كل من الصين وروسيا. وبالرغم من أن الاقتراح يحتوي على العديد من مواطن الضعف، إلا أنه قد يفتح الطريق باتجاه «هبوط ناعم» أو حل دبلوماسي للوضع المتأزم في سوريا والذي من شأنه أن يطيح بنظام الأسد بدون المساس باستقرار سوريا.

إنني أعلم بالطبع أن الجبناء هم من يبحثون عن مثل هذه الحلول الدبلوماسية المعتدلة، وأعلم أن المتحمسين يدعون إلى تزويد المعارضة السورية بالأسلحة وإقامة مناطق لحظر الطيران وغيرها من الحلول العسكرية. وعندما يتعلق الأمر بالناحية الأخلاقية، فمن الصعوبة بمكان أن تجادل في عدالة قضية المعارضة، ولكن المشكلة الرئيسية تكمن في أن الحلول العسكرية سوف تؤدي إلى مقتل العديد من المدنيين الأبرياء وتدمر التوازن الموجود في سوريا والذي يعاني من الضعف الشديد بالفعل.

وعلى هذا الأساس، يتعين علينا أن نتعلم من التاريخ الحديث للشرق الأوسط وأن نبحث عن حل غير عسكري للوضع في سوريا - حتى في ضوء حالة الغموض الحتمية التي تسيطر على الوضع وفي ظل الحاجة إلى الوصول إلى تسوية مع الناس الذين يشعرون بالحزن. وعلاوة على ذلك، فإن التوصل لاتفاق سلام بشأن الوضع السوري سوف يمنح دور البطولة لكل من روسيا والصين، وهما دولتان لا تستحقان الإشادة على أية حال. وسوف يختال بوتين بنفسه في عرض وموكب كبير لو تمكن من المساعدة في التوصل إلى تسوية سلمية تؤدي إلى رحيل الأسد من السلطة.

ويمكن تلخيص هذا الانتقال الحذر بكلمة واحدة فقط وهي العراق، فإذا ما نظرنا إلى الحرب الأميركية على العراق، فسوف نكتشف أن أكبر خطأ ارتكبته الولايات المتحدة عقب الإطاحة بصدام حسين من الحكم هو استمرارها في تدمير كيان الدولة العراقية والجيش العراقي. وقد أدى غياب تلك المؤسسات إلى وجود حالة من عدم الاستقرار في الدولة، وتراجع العراقيون للدفاع عن أنفسهم عن طريق التمسك بالولاء إلى الطائفة والقبيلة. ومن هذا المنطلق، نجد أن الغزو الأميركي قام عن غير قصد وبشكل مأساوي بدفع العراق إلى الخلف من الناحية الزمنية، فعلى الرغم من أن العراق قد حصل على قدر من «الديمقراطية»، إلا أنه خسر التماسك والترابط الاجتماعي.

ولا يتعين على الولايات المتحدة أن تكرر نفس الخطأ في سوريا، بغض النظر عن مطالبة المعارضة السورية بإمدادها بالسلاح، لأننا قد رأينا هذا الفيلم من قبل، وندرك أنه سيقودنا إلى نوع من الفوضى يصعب السيطرة عليها، ونعلم أيضا أنه بالنسبة لفساد وانحرافات الأسد وأتباعه الحمقى من حزب البعث، فإن الدولة السورية والجيش السوري هما مؤسسات وطنية تتعدى العائلة الحاكمة وطائفته العلوية والبعثيين الفاسدين الذين اختطفوا سوريا في ستينيات القرن الماضي.

إنني أقدر إدارة أوباما بسبب مقاومة الدعوات المتزايدة من أجل تسليح الثوار السوريين - والاستمرار في طلب المساعدة من موسكو، حتى بعد التباطؤ الروسي الذي وصفته وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون الشهر الماضي (بحماقة ولكن بدقة) بأنه «حقير».

إنه وقت السياسة الواقعية، حيث يحتاج الغرب مساعدة روسيا في التخلص من الأسد بدون حرب أهلية، في حين تحتاج روسيا إلى أن تكون هي الوسيط في عملية الانتقال السلمي حتى تستطيع دعم نفوذها في العالم العربي في المستقبل، وهذا هو المنطق البراغماتي الذي يقود جهود أنان السلمية.

ولن يتأتى التغيير السياسي (وحتى الانتقال السلمي الحذر الذي أدعمه بقوة) للسوريين بدون إراقة بعض الدماء؛ فعلى مدار العام الماضي، كانت المواجهة من جانب واحد، حيث قامت قوات الأسد بذبح نحو 10,000 مقاتل ومدني من المعارضة، وقد تم التعهد بتسوية النزاعات. ويجب على الدول الصديقة لسوريا أن تبدأ في التفكير في وسائل جديدة لمنع الانتقام من الطائفة العلوية أو المسيحية التي تدين بالولاء للنظام السوري، عندما يهرب الأسد إلى الدوحة أو موسكو. وأتمنى أن يتواصل أنان مع قادة تلك الأقليات الدينية حتى يطمئنهم بأنهم لن يتعرضوا للأذى في حال رحيل الأسد.

ولا يوجد بديل للحل الدبلوماسي سوى الحرب التي تدمر التماسك الاجتماعي في سوريا. فمن السهل أن نتخيل سيطرة الميليشيات السنية على المدن الرئيسية مثل حمص وحماة وإدلب، بينما يتراجع العلويون إلى أجزاء من دمشق واللاذقية في الشمال. وقد يزعم الأسد إنه لا يزال الرئيس عندئذ، ولكنه سيكون آنذاك بمثابة قائد عسكري أقرب منه إلى رئيس (وإن كان بإمكانه الحصول على أسلحة كيماوية). وسيكون هذا السيناريو قاتما للغاية، لأن القوات الجوية الغربية سيكون لها تأثير محدود.

وقد أشار الكاتب باتريك سيل، الذي يعرف سوريا أكثر من أي كاتب غربي آخر، في السيرة الذاتية لحافظ الأسد إلى الوحشية المتناهية والقتال حتى الموت الذي أدى إلى مذبحة حماة منذ 30 عاما، حيث يقول «أدى الخوف والبغض ونهر الدماء إلى الحيلولة دون التوصل إلى أي هدنة»، وأضاف «فلندعُ الله ألا يسود نفس منطق رفض التسوية اليوم من جانب كلا الطرفين».

=================

سوريا: الجدل حول التدخل العسكري

الشرق الأوسط

أمير طاهري

30-3-2012

ماذا تفعل الإدارة الأميركية من أجل تبرير فشلها في التعامل مع أزمة خارجية؟

ردا على هذا السؤال، فقد تم تطوير نظام إشارة، على مدار السنين، من ثلاث مراحل؛ في المرحلة الأولى تستخدم الإدارة وسائل الإعلام والخبراء والوسط الأكاديمي لإنكار وجود أزمة، بينما يتم نشر وثائق تثبت أن ما يصفه الصحافيون بالأزمة ما هو إلا زوبعة في فنجان، أو زوبعة بعيدة لا تمس المصالح الأميركية.

تم استخدام هذا المنهج في تغطية التراخي تجاه الإبادة الجماعية المنظمة التي قامت بها منظمة الخمير الحمر الحاكمة في كمبوديا في السبعينات. وفي عام 1991 تم استخدام هذا المنهج من أجل ازدراء الآراء الداعية إلى التدخل الأميركي لوقف المذابح في يوغوسلافيا، حيث صرح وزير الخارجية جيمس بيكر في ذلك الوقت: «لا يعنينا الأمر في شيء».

تقوم المرحلة الثانية على تقليل الاختيارات إلى اثنين: عدم القيام بأي عمل، أو اجتياح على نطاق واسع لبلد يبعد عن الولايات المتحدة ويستطيع القليل من الأميركيين تحديد مكانه على الخريطة. يسأل رجال الدين على التلفزيون: «هل نريد عراقا ثانية؟»، عندما يعتقدون أنهم بذلك يحسمون الجدل.

على مدار ثلاثة عقود، تم استخدام هذه الأساليب في الإمامة الخمينية في طهران.. حيث يتم اللجوء للمرحلة الثالثة عندما يصبح من الواضح أن الأزمة محل التساؤل لا يتوقع أن تنفجر فقط، وأن استمرارها يمكن أن يدمر مصالح الولايات المتحدة وحلفائها.

في هذه المرحلة تخبر مصادر سرية «في البنتاغون» أو «من الجيش» المراسلين الصحافيين عن «الصعاب» و«المخاطر» المترتبة على تدخل الجيش.

وفي ما يتعلق بالأزمة السورية، نستطيع أن نقول إننا في المرحلة الثالثة، ولذلك تملأ الصحف الأميركية تقارير بها تصريحات «مصادر عسكرية بارزة» مناهضة لأي تدخل عسكري لوقف مذابح بشار الأسد في سوريا.

نقلت صحيفة «واشنطن بوست» عن «مصادر بارزة» تأكيدها أن محاربة الجيش السوري «يمكن أن تكون صعبة». (إذا لم يكن باستطاعة «قوة خارقة» التعامل مع طاغية قليل النفوذ، من يمكنه ذلك إذن؟).

السبب الأول الذي تم التدليل به على تلك «الصعوبة» هو أن الأسد يمتلك طيرانا حربيا قويا. بالتأكيد، فبفضل حافظ الأسد كرست سوريا، منذ عام 1970، النصيب الأكبر من الميزانية العسكرية للطيران الحربي. ومع ذلك، تظهر التجربة أن تلك الاستثمارات الواسعة قد لا تكون أثمرت بالضرورة النتائج المرغوبة. ففي الفترة بين عامي 1973 و2006، اخترقت قوات الطيران الإسرائيلي قوات الدفاع السورية على نطاق واسع ما لا يقل عن ثلاث مرات، حيث وجدت مقاومة ضعيفة. وفي عام 2007، هاجمت الطائرات الإسرائيلية البرنامج النووي السوري ودمرته في منطقة «الكبار» دون أي مقاومة تذكر من قبل القوات الجوية التابعة للأسد.

وخلال حقبة التسعينات في العراق، فرضت الولايات المتحدة منطقة حظر الطيران لحماية الأكراد من غارات صدام حسين القاتلة، وعلى الرغم من التجهيزات الأفضل نوعا ما التي تتمتع بها القوات الجوية بجيش صدام حسين من الطائرات الحربية فرنسية الصنع، فإنه لم يكن باستطاعة القوات الحربية التابعة لصدام أن ترد الاعتداء.

وعلى الرغم من التجهيزات التي يتمتع بها سلاح الطيران السوري التي جاءت في أغلبها من روسيا وكوريا الشمالية، فإن القوات الجوية لا تستطيع أن ترد تدخلا عسكريا أميركيا.

صعوبة أخرى ذكرتها المصادر؛ أن الأسد يمتلك جيشا قويا قوامه 350.000 جندي. مجددا تبدو تجربة العراق واضحة هنا. تذكر كيف زعمت وسائل الإعلام الأميركية أن صدام حسين يقود «رابع أكبر جيش على مستوى العالم».

وعلى الرغم من ذلك، فإنه في عام 2003 قرر الجيش العراقي الذي يتكون من 500.000 رجل أن لا يخوض حربا بجانب صدام. اليوم، يحدث الشيء نفسه مع الجيش السوري؛ فهناك قوة من المجندين إلزاميا، كتلك التي كانت بالعراق في زمن صدام، والجيش ليس متحمسا لقتل الشعب بالنيابة عن طاغية ينتمي إلى الأقلية حيث يعتمد الأسد على القوات الخاصة التي لا تتعدى 40.000 رجل، من أجل الاستمرار في المذبحة.

أما السبب الأخير ضد التدخل العسكري الذي تم ذكره، فهو قد يكون الأكثر فكاهة؛ حيث تزعم «المصادر» أن التدخل العسكري في سوريا قد يؤدي إلى تدخل «قوى أخرى» ويتسبب في حرب مع روسيا وإيران.

وللرد على ذلك، فهناك قوى أخرى تدخلت بالفعل في سوريا؛ حيث تقوم روسيا وإيران بشحن أسلحة للأسد، في الوقت الذي ربما تكون فيه إيران قد نشرت بعض وحدات حزب الله اللبناني لدعم الطاغية. ومن جانبها، انحازت تركيا إلى صفوف المعارضة.

هل يصدق أحد بالفعل ما يصرح به البنتاغون عن إعلان روسيا وإيران الحرب على الولايات المتحدة والحلفاء الأوروبيين لإنقاذ الأسد؟ الحقيقة أن موسكو وطهران لن تتخطيا حدودا معينة لدعم الحليف السوري في السلطة، فعندما يصبح من الواضح أن الأسد قد سقط، فسوف تتخلصان منه بأسرع ما يمكن.

يجب ألا يتم تفسير تلك التحليلات على أنها دعوة للتدخل العسكري في سوريا سواء من قبل الولايات المتحدة أو غيرها؛ فسوريا اليوم ليست كالعراق عام 2003، ففي عصر صدام حسين لم تكن هناك آلية داخلية للتغيير في العراق، فقد كان التدخل الخارجي ضروريا ليس لفرض الديمقراطية بالقوة كما أشار البعض بسخرية، ولكن للتخلص من السبب الذي يعوق حدوث الديمقراطية؛ حيث يتمثل في نظام صدام. من جهة أخرى، فإن الآلية الداخلية للتغيير موجودة بالفعل في سوريا في شكل احتجاجات شعبية مع قدرة ملحوظة للتغلب على الصعاب تدعمها جميع الفئات العرقية والدينية تقريبا. وربما يكون أي تدخل أجنبي ضروريا من أجل توفير ملجأ آمن بعيدا عن آلة القتل التابعة للأسد.

يجب أن يقتنع الأسد أنه لن يفوز بالمذابح التي يقوم بها تجاه شعبه. وفي النهاية، يجب أن توضح الولايات المتحدة الأميركية والحلفاء الأوروبيون والعرب أنهم لن يتورعوا عن استخدام أي أساليب عسكرية من أجل حماية السوريين.

ولكن للمفارقة، فإن احتمالية التدخل العسكري الخارجي هي السبيل المؤكد لوقف ما يحدث. ككل الجبناء في التاريخ، سيتوقف الأسد عن قتل شعبه إذا اقتنع أن هناك قوة خارجية هناك، بعيدة عن الصراع الحالي تنوي إيقافه وقادرة على ذلك.

=============================

الرئيس المنتصر على «بابا عمرو»

زين الشامي

الرأي العام

29-3-2012

لم نكن نتوقع ابدا ان يزور الرئيس السوري بشار الأسد حي بابا عمرو في حمص في مثل هذه الظروف حيث لا يزال أهل حمص وبقية السوريين يدفنون أبناءهم الذين يقتلون على أيدي قوات الجيش والقوات الامنية والشبيحة.

كانت صورا مستفزة للمشاعر ولا تراعي ابسط درجات اللباقة او احترام ما يحس ويشعر به سكان مدينة حمص وبقية السوريين رغم انها ليست المرة الاولى التي يتقصد فيها النظام مثل هذا الاستفزاز للمشاعر، وقلة الاحترام او الاكتراث بموت السوريين.

ففي الصيف الماضي، وفيما كان أبناء حي القابون في دمشق يشيعيون نحو 20 شابا من ابنائهم، كانت جوقة النظام تنظم حفلة غنائية في ساحة الامويين، راح فيها المطرب جورج وسوف يصدح بأغان عن «حبيب الملايين ابو حافظ».

لكن الصور المقبلة للرئيس بشار الأسد وهو «يتفقد» حي بابا عمرو المنكوب ورغم استفزازيتها، وفي ما لو اردنا التدقيق في التفاصيل، لوجدنا انها في غاية التعبير عن حقيقة الاوضاع في سورية وليس فقط في بابا عمرو. ماذا رأينا في الصور؟

رأينا حيا مهدما في شكل كامل، اما المباني التي ما زالت واقفة، فلم تسلم جدرانها وابوابها ونوافذها من آثار الرصاص والقذائف، كذلك رأينا حيا خاليا تماما من سكانه، فالغالبية من سكان الحي نزحوا الى مناطق أخرى، وقسم منهم قتل، وقسم اعتقل.

كان الرئيس الذي يقال انه وصل الى الحي عن طريق طائرة مروحية حطت في «ملعب الباسل» القريب من الحي، يمشي مسرعا ومحاطا بالعناصر الامنية ومحافظ مدينة حمص وبعض ضباط الاستخبارات في المدينة. لم يكن هناك شعب ولا جماهير ملتفة حول القائد الذي «حرر» الحي من العناصر الارهابية المسلحة كما تقول وسائل الاعلام الحكومية. لقد بدا الرئيس وحيدا، من دون شعب، وهذه حقيقة ساطعة سطوع الشمس في سورية اليوم، لأن الشعب يقتل كل يوم، وليس مضطرا بعد اليوم لأن يجامل او يقبل حقيقة اخرى غير حقيقة القائد القاتل.

الناشطون من حمص قالوا، ان آخر مجزرتين وقعتا في الحي كانتا قبل وصول «السيد الرئيس» بأيام قليلة في اطار التجهيز للزيارة «المفاجئة» وتحدثوا عن قيام القوات الحكومية والميليشيات المناصرة لها مساء يوم الاثنين 26 3 2012، بتفريغ الحي مما تبقى من سكانه واستقدام عائلات بأكملها من الأحياء الموالية للنظام وقامت بعملية تصفية جماعية لعائلتين رفضتا النزوح من الحي.

وحسب معلومات «الرابطة السورية للدفاع عن حقوق الإنسان»، ان ميليشيات النظام السوري المسلحة «الشبيحة» أعدمت عائلة الراعي بكل أفرادها والمؤلفة من «أبو خالد» الراعي وزوجته خلود وابنه خالد وزوجته وابنه، وإعدام أسرة الملحم المؤلفة من «أبو سامر» الملحم وسعد الله الملحم وعدد آخر من الأسرة.

حين كان التلفزيون الحكومي يعرض تلك الصور «للسيد الرئيس» في الحي، كان العديد من السوريين يذهبون في مخيلتهم الى الجولان، كانوا يحلمون برئيس يزور الجولان المحرر من الاحتلال الاسرائيلي. لكن ومع كل الالم، شاهدوا الحقيقة المرة، حقيقة مأساتهم الممتدة في الزمن اكثر من 40 عاما، حقيقة «القائد الخالد» الذي كان دمر مدينة «حماه» في الثمانينات، وها هم مع «القائد» الابن يشاهدون بأم اعينهم، حي بابا عمرو، لا بل مئات الاحياء والمدن والبلدات والقرى السورية تدك فوق اهلها لمجرد انهم حلموا بدولة جديدة وصرخوا للحرية وطالبوا بالكرامة - «الشعب السوري ما بينذل».

لكن «القائد» و«شبيحته» يصرّون على اذلال الشعب وإلا ما معنى ان يزور الرئيس بشار الاسد هذا الحي في تلك المدينة التي سقط فيها نحو أربعة آلاف سوري؟

ألم تشعر اقدام سيادته بتلك الاجساد المدفونة هنا وهناك في شوارع بابا عمرو؟ هل رأى جدران بابا عمرو وما كتب عليها حقا، ام ان الشبيحة استطاعوا طلاء الكلمات الخائنة التي تطالب الحرية قبل وصوله؟

هل سمع انين المصابين والجرحى؟ هل وصل الى مسمعه جوع النازحين في المنافي؟

لكن يا سيادة الرئيس، اعلم انه حتى لو هدمت الدبابات والشبيحة كل المدن السورية... وحتى لو فرغت المدن من سكانها، فإنك لن تستطيع ان تمنع السوريين من ترديد: «الشعب السوري ما بينذل»... و«خائن يللي بيقتل شعبه»...

=================

تركيا مستاءة من غلبة كفة روسيا في سورية

الاربعاء, 28 مارس 2012

سميح إدز *

الحياة

يبدو واضحاً في تصريحات رئيس الوزراء التركي، رجب طيب أردوغان، التي أدلى بها أثناء توجهه إلى سيول لحضور القمة النووية، أنه لا يستسيغ مهة كوفي أنان المفوَّض أممياً لحل الملف السوري. ولم تحسِب أنقرة أن يبحث المجتمع الدولي في حل يبقي الأسد على رأس النظام السوري ويجعله طرفاً أساسياً في البحث عن حل للأزمة. فالتوجه في أنقرة استند الى افتراض أن الاسد سيترك السلطة، كحسني مبارك وزين العابدين بن علي، لتبدأ سورية صفحة جديدة في تاريخها السياسي. صمد نظام الأسد أكثر مما توقعت تركيا، وبعد عام كامل على الثورة، توصل مجلس الأمن الى تسوية سياسية ظاهرها البيان الرئاسي، الذي وافقت عليه الصين وروسيا، ويدعم فتح باب الحوار بين المعارضة والنظام في سورية، وهذا ما كانت تدعو إليه موسكو منذ البداية. كما نجحت موسكو من طريق البيان الرئاسي هذا، في رفع مكانة الأسد إلى مرتبة لم تحسب لها أنقرة حساباً، وهي ترفضها رفضاً قاطعاً. ولا شك في أن دمشق راضية عما حصل: فالأسد أثبت أنه من طريق إسناد ظهره إلى روسيا يستطيع أن يؤثر في التوازنات الدولية والتطورات الاقليمية أكثر مما يسع أنقرة فعله.

ويسوِّغ أردوغان موقفه من البيان الرئاسي الأممي بالقول إنه لا يمكن القبول بالمساواة بين النظام والمعارضة، وإن مثل هذه المساواة يجافي العدل. وحرص أردوغان على الإدلاء بهذا التصريح فيما كان أنان يزور دمشق وقبل ختام الزيارة، ليثبت الموقف التركي.

ويشير إعلان أردوغان أن الأسد لا يزال صامداً بسبب دعم روسيا والصين وإيران، إلى أن أنقرة تتهم هذه الدول بالمسؤولية عن إطالة عمر الأزمة. لذا، لا يستهان بأهمية زيارة أردوغان طهران أثناء عودته من سيول.

والأغلب على الظن أن يوجه أردوغان رسائل قوية إلى القيادة الايرانية تتناول الدعم الذي تقدمه إلى دمشق. ومنذ بداية الأزمة، سعت تركيا الى إقناع أعضاء مجلس بالإجماع على موقف واحد من الأزمة السورية. وأعلن أكثر من مرة وزير الخارجية أحمد داود أوغلو، أن السبيل الوحيد الى حل الازمة السورية هو إنهاء الانقسام في مجلس الأمن. لكن الإجماع على البيان الرئاسي جاء على غير ما تشتهيه أنقرة، وأدى إلى إحراجها، لأنها هي مَن طالب بتوحيد الكلمة وإنهاء الانقسام.

ويرقى الى السذاجة توقُّعُ وقف الأسد الحملات العسكرية والوحشية على المدن السورية، بعد أن تيقن من أن التدخل الخارجي ضده ليس محتملاً، بل لعله سيفاقم بدءاً من اليوم وتيرة حملته وشراستها. وصار الأسد يعرف أن الخطوة التالية ستكون الجلوس للتفاوض مع المعارضة نزولاً على «ضغوط» موسكو. وهو يريد أن يعزز قوته مقابل المعارضة قبل بدء أي حوار. والمعارضة التي تؤكد أن الاسد لن يجلس الى طاولة حوار وأنه لا يعترف بالمعارضة، لم تفلح بعد في توحيد أصواتها والاتفاق على نهج واحد ولواء سياسي مشترك يصوغ نظرتها الى المستقبل، ولم تجمع على موقف من هذه التطورات الديبلوماسية والدولية. بالتالي، تواجه أنقرة مأزقاً ديبلوماسياً الآن مرده مهمة كوفي أنان وحوادث سورية. وتبرز الحاجة الى حملة ديبلوماسية قوية في اجتماع «أصدقاء سورية» الذي سيعقد في اسطنبول بعد أيام قليلة. والاجتماع هو امتحان للديبلوماسية التركية وإمكاناتها الفعلية. 

* معلّق ومحلل، عن «مللييت» التركية، 26/3/2012، اعداد يوسف الشريف

=================

الثورة السوريه بعد عام دروس وخلاصات

احمد فيصل خطاب

2012-03-28

القدس العربي

عام وثيق مضى على إنطلاق الثورة السوريه كان حافلا بالاحداث والتطورات. بعد مرور السنة الأولى يتلخص المشهد السوري اليوم على المستوى الداخلي بإنسداد سياسي شبه كامل، وعلى المستوى الإقليمي والدولي بكون سورية تحولت الى ساحة في لعبة الأمم المعقدة والمتداخلة، ساحة تختلط فيها العصبيات بالمصالح لدول كبرى ومتوسطة وبدا المشهد في الكثير من جوانبه مثقلا بالألغاز والأسرار وإشارات الإستفهام يستعصي احيانا على الفهم، ضربآ من اللغه الهيروغليفيه تنتظر 'شامبلان' آخر ليفك رموزها وطلامسها المتعددة.

مفاجأتان كبيرتان

حلقتان رئيسيتان في هذا المشهد، تمثلت الحلقة الأولى بالمفاجأة الكبرى التي فاجأ بها النظام العالم، كان معظم الناس يعتقدون انه يستحيل على اي حكومه في القرن الواحد والعشرين أن تقوم بإنتهاك فظ ومنهجي لكل حقوق الإنسان وعلى الملأ، وأن هناك خطوطا حمرا لدى أية حكومة مهما كانت ظالمة. وكانت المفاجأة أن النظام السوري تصرف إزاء الإنتفاضة الشعبية كبعض الأنظمة في القرون الوسطى، بوسائل وأساليب لا تنتمي أبدا إلى هذا العصر

لقد لجأ النظام إلى إستخدام كل وسائل العنف والخديعة: عمليات عقاب جماعي، إحراق منازل، أخذ رهائن وعمليات إغتصاب وإرهاب: شلال دم مرفوق بشلال آخر من الكذب والتضليل الإعلامي المستمر كل ذلك أمام أنظار عالم أصيب بالدهشة والشلل وما يزال لم يتصرف 'النظام' كنظام وإنما كعصابة تستباح كل الحرمات والمحرمات بلا أية ضوابط أو قوانين، وبات الموقف الوطني يتطلب التعامل معه كما هو وعلى هذا الأساس في مواجهة هذه المفاجأة الشعبية الأعظم، المتمثله بالصمود الأسطوري لشعب أعزل في مواجهة آلة وحشية لاترحم. صمود لم ينل منه بعد مرور عام سقوط آلاف الشهداء من خيرة شباب سورية إضافة للمعاناة والعذابات التي تعيش في ظلها المدن المحاصرة والأرياف المقطعة الأوصال. في قلب هذه المعمعة المحتدمه لم يكتف النظام بإستخدام السلاح القاتل، بل حاول وما يزال الزج بأسلحته المتهاتفه من ترسانته الإعلامية والأيديولوجية الصدئه حيث لجأ الى تخويف الشعب والشرق والغرب بفزاعات هي الحقيقة أوهام:

الفزاعات الثلاث

أول هذه الفزاعات: الفزاعة الإسلامية

حيث يركز النظام في إعلامه على مخاطر التطرف وأن مئات الآلاف من الذين ينزلون كل يوم إلى الشارع مطالبين بالكرامة والحرية والعدالة، ما هم إلا بعض مجموعات متطرفة. كذبة بلقاء مشهورة. ان الحقيقه التي اثبتها التاريخ السوري القديم والحديث ان سورية بلد منفتح، متعدد، متنوع ومعتدل في تكوينه. والثورة السوريه في خطها الرئيسي متمحورة حول مطلب الحرية والديمقراطية وحق المواطنة المتساوية لأبناء الشعب كافة ودون اي تمييز.

الثانية هي: فزاعة الحرب الأهلية

لم يشهد التاريخ السوري حتى الآن أية حروب أهليه بين فئاته كل النزاعات كانت سياسية الطابع أو أيديولوجية وهذا قانون تابع ' لناموس' التدافع البشري وهو سار في كل دول العالم خاصة المتحضرة. نزاعات بين يمين ويسار إسلاميين، ماركسيين، قوميين، ليبراليين إلى آخره.. وهذا امر طبيعي، فلماذا التهويل اليوم بالحرب الأهلية؟

إن خط الصراع الرئيسي اليوم بلا ريب هو حرب بين نظام وشعب، نظام شمولي مستبد وشعب يريد الحرية.

الفزاعة الثالثة: التقسيم

لقد جرب الإستعمار الفرنسي هذه الخرافة، وسقطت الدويلات التي أقامها، وقام السوريون بإعادة توحيد سورية على أساس الوطنية السورية. وإذا كان الإستعمار في عصور التخلف والضعف قد فشل في هذه المحاولة فإن أية عصابة لن تفلح اليوم في محاولة التقسيم هذه إن حاولت ومهما حاولت.

وتبقى الوطنية السورية الوحدوية أقوى من كل هذه المحاولات البائسة.

الهدف الأدوات والوسائل

لقد بلور الشعب السوري في أغلبيته هدفا رئيسيا ومركزيا لثورته يتمثل بتغيير النظام الحالي الفاسد والمستبد وغيابه إلى الأبد شكلا وموضوعا نصا وروحا، جملة وتفصيلا، والعمل على إنبلاج فجر نظام جديد ليأتي التغيير كيفا لاكما يقضي إلى قيام مجتمع مدني حضاري ديمقراطي. إذا كان الهدف بهذا الوضوح، يبقى علينا تحديد الوسائل والأدوات والأساليب الموصلة إلى هذا الهدف:

أ- إستمرار حركة المقاومة المدنية

وهذا يتمثل بإستمرار التظاهرات الشعبية السلمية وتوسعها أفقيا وعموديا لتشمل شرائح مجتمعية لا تزال مترددة أو خائفة هذا في مرحلة أولى، وفي مرحلة ثانية الإنتقال إلى الإضراب العام بشكل منظم ومبرمج، ومن ثم الإنتهاء في المرحلة الأخيرة بالعصيان المدني الشامل. إن العصيان المدني الشامل إذا أحسن استخدامه سلاح هائل في مواجهة أعتى الأنظمة القمعية.

ب- بلورة حركة المقاومة الشعبية المسلحة وتنظيمها وتأطيرها وتحديد أهدافها في الدفاع عن المتظاهرين السلميين وعن الشعب الأعزل.

ح - قيام قيادة سياسية موحدة من الداخل والخارج تبلور استراتيجية واضحة تشكل امام الشعب السوري والرأي العام العربي والدولي بديلا ذا مصداقية للنظام المتهافت الحالي وتصوغ برنامجا وطنيا للمرحلة الإنتقالية، كما تصوغ صورة واضحة لسورية الغد، سورية المستقبل التي تطمح اليها وإلى العيش في ظلها أوسع شرائح المجتمع السوري.

النظام السوري فريد في بابه بين جميع الأنظمة العربية وحتى الإقليمية ولا بد لمواجهته من وسائل فريدة ومناسبة.

إنه نظام قوي وضعيف في الوقت ذاته ونقطة الضعف ألرئيسية فيه آو 'عقب آخيل' ليست في عقبه وإنما في رأسه ويكفي الخلاص من الرأس كي ينهار كليا كقصر من الورق.

'إن التاريخ لا يمشي دائماً في الخط المستقيم فهو كثيرا ما يخادع ويناور ويورط ثم يفاجئ حتى أولئك الذين يظنون أنهم يصنعونه'. والنظام السوري اليوم الذي لا يزال يعتقد أنه يصنع التاريخ هو في مأزق تاريخي رهيب.

ولسوف يسقط، تحت ضربات القدر الثلاث قبل أن يزاح الستار نهائيا عن جرائمه التي أذهلت وستذهل العالم لزمن طويل طويل.

=================

وقفة على جثة بابا عمرو!

صالح القلاب

الرأي الاردنية

29-3-2012

بعض الذين شاهدوا الرئيس بشار الأسد وهو يقف على أنقاض حيِّ بابا عمرو الذي بقي يُقصف بمدافع الدبابات وبالصواريخ لأكثر من سبعة وعشرين يوماً تخيلوا انه حرر الجولان في الحرب الضروس الذي شنها على مدى عامٍ كامل وها هو يبدأ العام الثاني وأنه يقف على أطلال مدينة القنيطرة وأن ما وعد ببنائه ،وهو يتحدث بفرح غامر للذين جرى استقدامهم من مناطق أخرى «معروفة» ليكونوا في استقباله على أنهم أهل هذه المدينة التاريخية الباسلة،هو هذه المدينة الجولانية التي لا تزال مهدمة حتى الآن.

لا يمكن أن يُفهم هذا المشهد المُستغرب إلاّ على انه إما تحدٍّ سافر لأهل هذه المدينة وللشعب السوري ولكل من يرفض هذه المجازر المتنقلة بين المناطق والمدن السورية أو أن حال الرئيس بشار كحال مسافر الصحراء ليلاً الذي بدل أن يصمت يأخذ بالحداء بأعلى صوته ليغطي على مخاوفه وليقنع نفسه بأنه لا يهاب الظلمة ولا يخاف مفاجآت الفيافي المقفرة والموحشة.

لقد كانت تلك الحرب المدمرة على بابا عمرو ،التي لو كانت في اتجاه الاحتلال الإسرائيلي للأراضي السورية فلما بقيت هضبة الجولان محتلة منذ عام1967 وحتى الآن، من اجل إثبات الوجود بينما كانت هناك مبادرات العرب والجامعة العربية وبينما انتقلت «القضية السورية»إلى مجلس الأمن والجمعية العمومية للأمم المتحدة والساحة الدولية ولقد كانت هذه الحرب القذرة أيضاً من اجل زرع الرعب في قلوب السوريين وتذكيرهم بمذبحة حماه المرعبة في عام1982 التي تواطأ العرب والعجم والعالم بالنسبة إليها مع والده الذي كان قد سجل تلك الصفحة السوداء التي ستبقى والى الأبد حاضرة في أذهان الأجيال المقبلة من أبناء الشعب السوري.

في عام1982 استطاع مراسل لوكالة الصحافة الفرنسية «فرانس بريس» التقاط عدد من الصور لمدينة حماه وقد غدت أشلاءً ممزقة وجثة هامدة ويومها لم تتجرأ أي مطبوعة عربية على نشر ولو صورة واحدة من تلك الصور اللهم باستثناء «مجلة» كانت تصدر من لندن لكن وسائل الإعلام السورية بقيت ولعدة أيامٍ متلاحقة تروج لِلَقْطةٍ جمعت الرئيس الراحل حافظ الأسد ،رحمه الله على أي حال، مع شقيقه رفعت الأسد ،الذي كان غادر سوريا ليبقى يعيش حياة المنافي منذ منتصف ثمانينات القرن الماضي وحتى الآن، وبعض كبار الضباط الذين يتحلقون حوله في منطقة تطل على هذه المدينة المنكوبة.

كان ظهور الرئيس بشار الأسد قبل يومين على أطراف حيِّ بابا عمرو المهدم في حمص كظهور والده في منطقة تطل على أنقاض حماه والفارق هو أن «الوالد» في تلك اللقطة التلفزيونية كان يبدو منتصراً بينما «الابن» في الصور التي دأب على بثها التلفزيون الرسمي وأجهزة الإعلام الحكومية بدا في حالة كارثية وهو يحاول إخفاء حقيقة ما يعيشه من الداخل وما يشعر به ببعض الحركات المسرحية وببعض الابتسامات المصطنعة التي بقي يوزعها ،على من كانوا يتحلقون حوله ومعظمهم كانوا بملابس الميدان العسكرية، في الدقائق القليلة التي أمضاها في حيٍّ حولته قذائف الدبابات إلى ما يشبه «العصف المأكول».

إن الرئيس بشار الأسد ما كان بحاجة إلى تلك الزيارة التي اتخذت طابعاً مسرحياً محزناً وبائساً فالشعب السوري كله يعرف حقائق ما جرى وما يجري في بلاده والعالم كله يعرف أن بابا عمرو ليست هضبة الجولان وأن الانتصار فيها ،بعد قصف وتطويق استطال لنحو شهرٍ بأكمله، هو انتصار على مواطنين أبرياء كل ذنبهم أنهم بعد أن تحملوا ما لم تتحمله الجبال على مدى نحو نصف قرن من الأعوام خرجوا يهتفون للإنعتاق والحرية والكرامة التي بقيت غائبة كل هذه الأعوام.

=================

رهان الأسد على رفض المعارضة!

راجح الخوري

2012-03-29

النهار

بعد 48 ساعة على "الرد الايجابي" الذي قال كوفي انان انه تلقاه من الرئيس بشار الاسد رداً على النقاط الست التي اقترحها عليه لحل الازمة الدامية في سوريا، كانت المدرعات ومدفعية الميدان تنشط في قصف أحياء حمص وحماه وادلب وقلعة المضيق، وكان المؤشر اليومي لعدد القتلى عند نسبة تجاوزت السبعين ضحية!

طبعاً ليس من المنتظر ان يبدأ النظام سحب الدبابات والأسلحة الثقيلة من المدن والمراكز السكنية، قبل ان يتم ادخالها في القاموس الدموي مثل بابا عمرو، ويذهب الأسد ليتفقدها تأكيداً منه للحل العسكري الذي يريده مقدمة للاصلاح!

وهذا ليس خافياً على انان الذي يقول ان الأمور تحتاج الى وقت، وربما هو تحديداً ذلك الوقت الذي يشتريه الروس بدماء السوريين فيقوم انان بتسويقه في البورصة الديبلوماسية التي يبدو انها ستحمله في جولة كونية متواصلة ريثما تتمكن الدبابات من انهاء الثورة، اذا تمكنت، وهو امر يزداد صعوبة مع كل ضحية تسقط!

واذا كان المدخل الى الحل المقترح هو سحب الاسلحة الثقيلة والقوات من المراكز السكنية، فإن ذلك سيبقى مرهوناً بشرط التزامن الذي تحدث عنه سيرغي لافروف، أي ان ينسحب المسلحون وقوات الجيش في وقت واحد، وهو امر مستحيل ربما لأنه يمثل دعوة الى انسحاب المواطنين من بيوتهم التي يدافعون عنها كما تقول المعارضة!

من الناحية السياسية، يبدو الواقع بعد عام من حمامات الدم اكثر صعوبة. اولاً: لأن الاسد ابلغ انان منذ البداية انه يتعامل معه كمبعوث دولي لا علاقة له بالجامعة العربية، وذلك تأكيداً لرفضه "المبادرة العربية" التي دعته في 22 كانون الثاني الى التنحي لمصلحة نائبه ليقوم بمحاورة المعارضة، وقد كرر النظام امس انه لن يتعامل مع أي مبادرة تصدرعن قمة بغداد، بمعنى ان الحوار يفترض ان يتم مع الاسد ولكن بعد سحق "الارهابيين"!

ثانياً: لأن المعارضة رفضت أي شكل من اشكال الحوار مع النظام منذ سبعة اشهر، وبعدما سخر الأسد من الخطة العربية الاولى في تشرين الثاني من العام الماضي، التي دعته الى الحوار وصعّد حملته العسكرية، ثم فشل المراقبون العرب... والآن بعدما تجاوز عدد القتلى العشرة آلاف ليس من المعقول ان يقبل المعارضون بالحوار إلا على اساس تغيير النظام!

هذا ليس خافياً على الأسد الذي اعلن قبول مبادرة انان مراهناً على رفض المعارضين القاطع لها، بحيث يكسب مزيداً من الوقت والحجة للمضي في حملته العسكرية وإن كانت قد اصبحت اشبه بحراك في الرمال الدموية المتحركة التي قد تبتلع الجميع في حرب اهلية تستمر زمناً طويلاً، فالنظام مدجج بالسلاح والدعم الروسي والايراني، والمعارضة مدججة بالضحايا وبالقتلى والكراهية المتصاعدة وبغليان المشاعر التي لم تعد ترى في الحياة إلا الثأر والخلاص من النظام!

=================

وثيقة "الإخوان" خطوة متقدّمة في تأهيل البدائل .. الشكوك تحاصر موافقة النظام على خطة أنان

روزانا بومنصف

2012-03-29

النهار

حظيت موافقة النظام السوري على خطة المبعوث الدولي المشترك للامم المتحدة والجامعة العربية كوفي انان لوقف النار في سوريا وبدء تسوية سياسية بترحيب ممزوج بتشكيك كبير من الدول الكبرى. فهذه الدول لا يمكنها الا ان تعتبر الاعلان عن هذه الموافقة ايجابيا كونها داعمة لخطة انان وراغبة في ان ينجح اقله في وقف النار وقد اعتبرت المبادرة الفرصة الاخيرة باعتبار ان لا بديل متوافقا حوله حتى الان من الدول الكبرى باستثنائها. الا ان قدرا كبيرا من التشكيك بهذه الموافقة تحتمه جملة امور من بينها التوقيت الذي يبدو مرتبطا كما تقول مصادر ديبلوماسية بموعد انعقاد القمة العربية في بغداد ومن ثم بمؤتمر اسطنبول الاحد في الاول من نيسان لاصدقاء سوريا الذين جاوز عددهم في الاجتماع الاول الذي عقد في تونس قبل اسابيع الستين دولة. وهناك قدر من السعي الى محاولة تنفيس نتائج هذين الاجتماعين من خلال الموافقة على مبادرة انان في موازاة محاولة اظهار ان هذه الموافقة لا تنبع من موقف ضعف بدليل الزيارة التي قام بها الرئيس السوري لمنطقة بابا عمرو في حمص. كما ان هذا التشكيك الدولي وحتى العربي تحفزه التجربة مع النظام الذي لم يعد يحظى بأي صدقية في هذا الاطار مع اعتماده خيارا امنيا لا يمكنه العودة عنه وفق ما اظهرخلال سنة وشهر من عمر الازمة السورية. اذ ان خطة انان تنطوي على "حرية التجمع والتظاهر السلمي المكفول قانونا" بعد سحب الدبابات والقوات الامنية من الشارع. الامر الذي يعني ان تظاهرات كبيرة ستنزل الى الشارع سلميا على نحو يمكن ان يظهر مدى رفضه من السوريين شأنه في ذلك شأن التظاهرات التي يسمح بها للمؤيدين له بغض النظر عما اذا كانت هذه التظاهرات منظمة او عفوية. وهو الامر الذي خاف منه منذ البداية ولجأ الى العنف. ومع سيطرته على بابا عمرو وادلب اخيرا واستعادته موقعا للحوار معه يعتقد كثر ان طموحاته ستمتد الى محاولة العودة الى السيطرة كليا. ولذلك فان الحكم سيكون على ترجمة النظام لالتزامه الكلامي من خلال تعاونه او موافقته على خطة انان مع توقعات بان يسعى الى نسفها بعد وقت قصير متذرعا بتظاهرة او باي امر يتهم فيه من يسميهم "ارهابيين" من اجل استخدام العنف في حال اوقفه. وما لم يحصل هذا التعاون فان الامر لا يعدو حتى الآن وحتى اشعار اخر اكثر من مناورة لكسب الوقت ليس الا اذ ان الاسلوب السوري معهود للدول العربية الذي عايشت النظام السوري لعقود في تملصه من الالتزامات في لبنان بعد موافقته عليها كما بات معهودا للدول الغربية ايضا.

 ومع ان النظام لم يأبه في السابق ظاهريا على الاقل لاجتماعات كالقمة العربية المرتقبة في بغداد او مؤتمر اسطنبول مقللا تأثيرهما واهميتهما ومضى في خياره الامني وهو يسوق عبر حلفائه في لبنان ان لا قيمة لهذه الاجتماعات وهو غير معني بها، الا انه بات "على الكتف حمال" كما يقال بالتعبير الشعبي. ومن جهة ثانية فإن روسيا التي دعمت مبادرة انان لا تستطيع ان تستمر في دعم ما يقوم به الرئيس السوري على الارض وهي ضغطت في هذا الاتجاه على النظام من اجل قبوله بمبادرة انان شأنها في ذلك حين ضغطت عليه من اجل ان يقبل المبادرة العربية التي تضمنت الكثير مما ورد في مبادرة انان لجهة وقف النار واطلاق المعتقلين والسماح للصحافيين في تغطية ما يحصل. وتاليا يتعين عليها كما على الصين ان تظهر حسن نيتها في انجاح مبادرة انان من خلال الضغط على النظام لاعطاء هذه المبادرة فرصة بغض النظر عن المدى الذي سيتعاون فيه النظام السوري مع المبادرة ورد الفعل الروسي والصيني على اي اخلال من جانب النظام ما لم تستمر روسيا في تبني وجهة نظره عن تحرك المعارضة.

لكن ما يجري من مساع خارجية من اجل ان توحّد المعارضة السورية صفوفها وتقدم مشروعا ودستورا بديلا من النظام السوري يشكل حرجا للنظام خصوصا ان ثمة مبادرات للمعارضة باتت تحشر النظام فعلا. وقد قدم الاخوان المسلمون وثيقة اعتبرتها مرجعيات بمثابة أن الامر جميل جدا لكي يصدق، تبعا لترجمة للمثل الفرنسي في هذا الاطار "C’est trop beau pour être vrai”. مما يعني ان الوثيقة التي قدمت لا غبار عليها من حيث المبدأ وتثير علامات دهشة واستغراب عن مدى التحول الذي ادخله الاخوان المسلمون في سوريا على خطابهم السياسي. ومع ان الامر يبقى مثيرا للشك بعض الشيء بالنسبة الى البعض فان هذه المراجع تعتبر ان ما اعلنه هؤلاء والتزموه علنا لا يمكن التراجع عنه او عن الجزء الاكبر منه. وفي هذا خطوة كبيرة باعتبار ان الاخوان المسلمين في سوريا هم على طريق الاخوان في تونس نتيجة وعي يقرأه مراقبون كثر في تحول جماعة الاخوان المسلمين في بعض الدول العربية والتحرك الجذري الذي بدأ يلمسه هؤلاء في خطابهم وادائهم ورؤيتهم للعمل السياسي. وهي وثائق متى اضيفت الى وثائق الازهر في مصر فانها تساهم في توفير الاطمئنان الضروري للبديل في سوريا في حال ادت الانتخابات الى فوز الاخوان المسلمين الذين يبدون بالنسبة الى كثر انهم تعلموا الدرس من النموذج التركي والحزب الذي يترأسه رجب طيب اردوغان لجهة القدرة على استلام السلطة والحصول على انفتاح عربي وغربي في الوقت نفسه.

=================

الأسر السورية ومغامرة الهرب إلى الأردن

تاريخ النشر: الخميس 29 مارس 2012

الاتحاد

إدموند ساندرز

عَمان ، الأردن

ترتجف "أم الدين" وهي تصف الليلة الباردة التي وصلت فيها وأطفالها الأربعة إلى سياج الأسلاك الشائكة على الحدود بين بلدها سوريا والأردن، حيث قامت بدفع ابنيها الأصغر سناً عبر الأسلاك ثم واصلت الجري وهي تمني النفس بقرب انتهاء محنة الهرب من وطنها الغارق في الاضطرابات، حيث أُدخل زوجها السجن بسبب مشاركته في الاحتجاجات ضد الأسد. لكنها سرعان ما انتبهت إلى أن طفليها الأكبر سناً (أحدهما في السادسة من عمره والآخر في السابعة) ليسا خلفها. غير أنها قاومت رغبة الأم في النداء عليهما في عتمة الليل، بعد أن تذكرت ما تلقته من تحذيرات قبل الرحلة بعدم إثارة أي ضجيج خلال فرارهم، خشية أن يثير ذلك انتباه القناصة الحكوميين المختبئين في التلال والذين سيطلقون النار لسماع أخفت الأصوات، ولو كان صوت تكسر غصن شجرة. ولأنها لم تكن تملك خياراً آخر، عادت "أم الدين" إلى السياج، في اتجاه سوريا، وسرعان ما وجدتهما عالقين في الأسلاك الشائكة مرعوبين يخشيان الصياح. وقال لها أحدهما هامساً: "إنني عالق... لقد أردت أن أصيح أين أنت يا أمي؟ لكنني كنت خائفاً".

وبعد أن خلَّصت الطفلين، واصلت الأسرة طريقها. كانت "أم الدين" التي تحمل طفليها الأصغر سناً (4 و5 سنوات)، جد متلهفة للوصول إلى بر الأمان لدرجة أنها جاهدت لصعود أحد التلال إلى أن نزفت يداها. لكن فجأة اعترض طريقها جنديان، فتجمدت الأسرة. وعندما دنا أحدهما من أطفالها، تقول "أم الدين"، تصديت لهما، فابتسم الرجلان وقال لي أحدهما: "لا بأس... نحن أردنيان. إنكم بأمان".

وفي وقت تتوسع فيه رقعة العنف في سوريا وترتفع حصيلة القتلى في الانتفاضة التي بدأت قبل عام، يسعى السوريون جاهدين إلى الهرب من البلاد. لكن الهرب يزداد صعوبة مع مرور كل يوم حيث يقوم المسؤولون السوريون بإغلاق المعابر الحدودية ويرفضون إصدار جوازات السفر. وفي هذا السياق، تقول "أم الدين"، وهي امرأة نحيفة ترتدي عباءة سوداء وقد طلبت أن يشار إليها بهذا اللقب لأنها تخاف على سلامة عائلتها: "إنهم لا يريدون خروج الناس، لأن أي شخص يغادر سوريا سيذكر كل الأشياء التي تحدث هناك". والواقع أن عدداً متزايداً من السوريين، مثل "أم الدين"، يشعرون بأنهم لا يملكون خياراً غير محاولة الهرب من البلاد مشياً على الأقدام، مجازفين ومتكبدين العناء نحو مستقبل غير مؤكد في الأردن المجاور. وتشير التقديرات إلى أن نحو 80 ألف سوري قد فروا إلى الأردن خلال العام الماضي، وإن كانت الحكومة الأردنية تصنف نحو 7 آلاف فقط كلاجئين. وقد وصل الكثيرون على نحو غير قانوني عندما كانت المعابر الحدودية مفتوحة، غير أن معظم العائلات التي وفدت أخذ مالها ينفد بسرعة، ما يضطرها للاعتماد على منظمات الغوث والأصدقاء والأقارب في الأردن من أجل إعالتها. ويذكر هنا أن الأردن استقبلت نصيبها العادل من اللاجئين على مر السنين، مثل الفلسطينيين، وفي السنوات الأخيرة العراقيين.

وخلال حوار معها في عَمان، جلست "أم الدين" (32 عاماً)، على أريكة صغيرة، بينما عانق أحد أبنائها ركبتيها على الأرض، وأخذت تتحدث عن اليوم الذي قررت فيه مغادرة بلادها. فعلى مدى أسابيع، كانت العائلة تتنقل بشكل مستمر. ففي محاولة للتقدم على الشرطة، كانت تنتقل من منزل إلى منزل عبر الشوارع المضرجة بالدماء، بحثاً عن ملاذ تلجأ إليه هرباً من القصف الحكومي المكثف لمدينة درعا الواقعة جنوب البلاد، والتي انطلقت منها حركة العصيان الشعبي السورية. وكانت القشة التي قصمت ظهر البعير هي قيام الشرطة بقطع رأس ابن أحد الجيران كتحذير للجميع، كما تقول.

وعلى مدى أسابيع، حاولت "أم الدين" الوصول إلى مكتب الجوازات الحكومي، لكن الشرطة كانت تغلق الشوارع فتضطر إلى العودة من حيث أتت، قبل أن تتمكن أخيراً من الاتصال هاتفياً بمسؤول حكومي، أخبرها أنها تستطيع الحصول على جوازات السفر، لكن فقط إذا جاءت إلى مكتبه بمفردها. وقالت "أم الدين" إنها فهمت معنى ذلك فلم تستجب لرغبته. غير أن "أم الدين" كان لديها مخطط آخر. فنظراً لأنها لم تكن واثقة من أن زوجها مازال حياً، ولأنها تعبت من الهرب في وجه الشرطة، فقد جمعت أطفالها في السابع عشر من مارس وانضمت إلى خمس أسر أخرى للقيام بالرحلة المحفوفة بالمخاطر عبر الممرات والشعاب الجبلية التي تفصل بين سوريا والأردن. ولأنهم حُذروا من حمل أغراض كثيرة قد تبطئ مسيرهم، فإنهم لم يجلبوا معهم سوى ما تيسر من الملابس على ظهورهم. لقد كانت رحلة قصيرة، لكنها كانت مرعبة، كما تقول أم الدين، ثم تضيف: "كنا جميعاً خائفين... كنا نعتقد أننا سنموت".

وحتى بعد أن حاول الجنديان الأردنيان طمأنتها، فإنها كانت لا تزال خائفة من أن يكونا سوريين متنكرين، ولم تشعر بالارتياح إلا بعد أن وصل آخرون وقدم لهم الجنود الشاي وأخذوهم إلى مخيم مؤقت للاجئين في مجمع سكني مهجور يُستعمل اليوم لإيواء الأسر السورية الهاربة.

وتتذكر "أم الدين" ارتباك وحيرة أكبر أطفالها عندما قدم لهم الجندي الأردني الشاي، حيث سأل أمه متردداً: "هل آخذه؟ لماذا الجنود هنا يقدمون لنا الشاي، ويحاول الجنود الآخرون قتلنا في بلدنا؟".

=================

ما فعله «إخوان» سوريا هل يشعل النيران في حقول الجماعات «الإخوانية»؟!

صالح القلاب

الشرق الاوسط

29-3-2012

ما أعطى الخطوة التاريخية، التي اتخذها الإخوان المسلمون السوريون بإعلان الخطوط العامة لمشروعهم السياسي لمستقبل سوريا بعد إسقاط هذا النظام، الذي لم يعد هناك ما يشبهه في العالم كله إلا نظام كوريا الشمالية، أنها جاءت بعد بدء توحيد المعارضة السورية بدمج المجلس العسكري بقيادة العميد مصطفى الشيخ بالجيش الحر بقيادة العقيد رياض الأسعد، بأيام قليلة وعشية انعقاد المؤتمر التوحيدي لهذه المعارضة، وانعقاد الاجتماع الثاني ل«أصدقاء سوريا» في إسطنبول، وبينما أعلن المبعوث الدولي والعربي كوفي أنان من موسكو أنه على أطراف الأزمة السورية عدم مقاومة رياح «التغيير» الذي هو مقبل لا محالة.

ولعل الأدق مما أُطْلِقَ من أوصاف على هذه الخطوة التاريخية فعلا، التي وضعت كل تنظيمات الإخوان المسلمين في العالم بأسره أمام تحديات واستحقاقات القرن الحادي والعشرين والألفية الثالثة، هو ما نسب لحركة الرابع عشر من آذار اللبنانية، بأنها قالت إن ما أقدم عليه الإخوان المسلمون السوريون يشكل في وقته ومضمونه إضافة أساسية ونوعية لوعود ثورات الربيع العربي.

لقد تضمن هذا المشروع السياسي، الذي من المفترض أنه أراح كل مكونات المجتمع السوري السياسية والحزبية والطائفية والدينية التي كان يؤرقها الخوف من مستقبل بات قريبا قد يُستبدل فيه استبداد الحزب الأوحد وهيمنة العائلة الواحدة باستبداد ديني، وليس إسلاميا، على غرار ما حدث في أوروبا في القرون الوسطى، وأيضا غداة وبعد الثورة الفرنسية العظيمة، لقد تضمن هذا المشروع عددا من الأمور البالغة الأهمية التي كان لا بد من إيضاحها بعد عام من انطلاق الثورة السورية، من بينها التأكيد على الدولة المدنية الحديثة وعلى ديمقراطية وتعددية هذه الدولة، والتزامها بحقوق الإنسان، ورفضها للتمييز، وتمسكها بالحوار وبالمشاركة، واستبعادها للاستئثار والإقصاء و«المغالبة»، وتشديدها على احترام حقوق سائر مكونات هذه الدولة، العرقية والدينية والمذهبية، واعترافها بخصوصية كل هذه المكونات بأبعادها الحضارية والثقافية والاجتماعية وبحق التعبير عن هذه الخصوصية.

لكن أهم ما تضمنه هذا المشروع، الذي يجب أن يصبح ملزما لكل قوى الثورة السورية وفصائلها، هو التأكيد على أن دولة المستقبل، بعد ظلام دامس بقي يلف هذا البلد لنحو خمسين عاما وأكثر، هي دولة «مواطنة ومساواة» يحق لأي مواطن فيها الوصول إلى أعلى المناصب استنادا إلى قاعدتي الانتخاب أو الكفاءة، كما يتساوى فيها الرجال والنساء في الكرامة والإنسانية والأهلية، وتتمتع فيها المرأة بحقوقها الكاملة.

ولمزيد من إيضاح هذا الجانب الهام جدا، قال المراقب العام للإخوان المسلمين السوريين في مؤتمر صحافي عقده في إسطنبول، الأحد الماضي، إن «الإخوان» مع إقامة دولة ديمقراطية تعددية، وإنه لا فرق لديهم بأن يأتي مسيحي أو مسلم أو امرأة للرئاسة ما دام أن الفائز يستحق منصبه نتيجة تصويت شعبي.. وقد استطرد رياض الشقفة قائلا: «إن المجتمع السوري لم يكن يوما طائفيا، ففارس الخوري (مسيحي ماروني أصله من الجنوب اللبناني) انتُخب مرات عدة رئيسا للحكومة السورية لأنه كان كفؤا ولم يرفضه أحد لمسيحيته». وحقيقة أن هذا يشكل ثورة هائلة في الفكر «الإخواني» الذي بقي تقليديا ومحافظا ومتوقفا عند لحظة تأسيس «الجماعة» الأم قبل نحو خمسة وثمانين عاما، ووفقا لما كان قاله حسن البنا وأحمد السكري الذي انفصل عنه لاحقا، ويومها كانت المَلَكية المصرية في ذروة تألقها في عهد الملك فؤاد وعهد الملك فاروق، وكانت الأمية في المجتمع المصري وقتها تصل أرقاما فلكية بين الرجال وبين النساء.

بهذه القفزة ارتقى «إخوان» سوريا بتنظيمهم إلى مستوى الأحزاب الديمقراطية والمدنية و«العلمانية» أيضا، إن في الشرق البعيد وإن في الغرب، ووضعوا إخوانهم في مصر وفي الأردن وكل الدول العربية التي لهم فيها وجود تنظيمي، وأيضا في العالم الإسلامي والعالم كله، على مفترق طرق، وأمام خيارين استراتيجيين وحاسمين؛ إذ إما الالتحاق بهذه الخطوة واتباع هذا النهج الثوري والحضاري الجديد، أو الانكفاء والاستمرار بالتمسك بالماضي والبقاء في الخنادق القديمة ومواصلة اجترار نظريات سياسية بائدة لم تعد تلائم القرن الحادي والعشرين والألفية الثالثة، ولم تعد مقنعة حتى للأجيال الشابة الصاعدة من أبناء هذه «الجماعة» التي بقيت ترفض التجديد وتعتبره رجسا من عمل الشيطان وتدعو إلى اجتنابه!!

وهنا للإنصاف، فإنه لا بد من الإشارة إلى أن «إخوان» مصر و«إخوان» الأردن باتوا يعيشون بعد «تسونامي» الربيع العربي، الذي ضرب هذه المنطقة قبل نحو عام وأكثر، والذي لا يزال يضربها بعنف وقوة، حالة تململ داخلي قد تتبلور في النهاية إلى «مفاصلة» تنظيمية بين تيار إصلاحي أعطاه «الإخوان» السوريون بهذه الخطوة التاريخية الهائلة دفعة تشجيعية قوية، وبين تيار تقليدي متحجر يرفض الخروج من الخنادق، بل الكهوف القديمة، وحيث يطالب الإصلاحيون، الذين يمثلهم في مصر مؤيدو مرشح الرئاسة عبد المنعم أبو الفتوح والنائب السابق للمرشد محمد حبيب، بينما تمثلهم في الأردن مجموعة صغيرة بقيادة أحد المرشحين لموقع المراقب العام هو الشيخ عبد الحميد القضاة، بإعادة «الجماعة» الإخوانية إلى مهمة يوم تأسيسها وانطلاقها التي هي «الدعوة»، والابتعاد نهائيا عن أي ممارسات سياسية.

لقد أنهى الإخوان المسلمون السوريون، بهذه الخطوة التاريخية الرائعة والواعدة، كذبة أن الأقليات السورية مهددة بالفناء من قبل هذه «الجماعة» التي ادعى نظام بشار الأسد أنها تشكل خطر الإسلام السياسي السني على هذه الأقليات، والملاحظ هنا أن المستشرق سيرغي لافروف وزير الخارجية الروسي، قد اتهم ثورة الشعب السوري، في تصريحات له قبل أيام انفردت بفضحها وبالرد عليها صحيفة «الشرق الأوسط»، بأنها تسعى لإقامة نظام سني مكان هذا النظام القائم الذي هو نظام طائفي، وليس نظام الطائفة العلوية. وهنا أيضا، ومن قبيل المراهنة على أن هذا الذي بادر إليه «إخوان» سوريا سيؤدي، بالإضافة إلى وضع حد لأكاذيب نظام بشار الأسد الذي بقي يروج لخطر وهمي داهم، على الأقليات الدينية السورية، إلى صحوة شاملة بالنسبة لحركات الإسلام السياسي، وفي مقدمتها تنظيم الإخوان المسلمين في المنطقة العربية والعالم بأسره، فإنه لا بد من مصارحة هؤلاء «الإخوان» الأعزاء بأنه لا بد من استكمال خطوتهم هذه الهامة والتاريخية بخطوة لاحقة هامة وتاريخية أيضا، وهي الإبقاء على «الجماعة» كجماعة دعوية وإصلاحية لا علاقة لها بالسياسة، لا من بعيد ولا من قريب، والمبادرة وبسرعة، لأن عامل الوقت في غاية الأهمية، إلى إنشاء حزب سياسي جبهوي قد يحمل اسم «حركة التغيير والديمقراطية»، بإمكانه استيعاب أبناء الأقليات الدينية والطائفية والقومية، ويكون تنظيما مفتوحا أمام السوريين كلهم على مختلف انتماءاتهم المذهبية والطبقية، بإمكانه أن يشكل العمود الفقري للثورة السورية بشقيها المدني والعسكري، إن الآن في هذه المرحلة الصعبة والحاسمة التي تتطلب الوحدة وصب كل الجهود في اتجاه واحد، أو في المرحلة الانتقالية القريبة التي ستكون أدق المراحل وأخطرها، والتي يجب أن تُفضي إلى الدولة الوطنية المنشودة التي حدد مواصفاتها المشروع السياسي «الإخواني» الآنف الذكر، الذي تم الإعلان عنه بخطوطه العامة قبل أيام.

لقد انطلق «الإخوان» بالمشروع السياسي الذي أعلنوا عنه قبل أيام، انطلاقة هائلة ستكون بمثابة الشرارة التي ستلهب حقل منظمات وتنظيمات الإسلام السياسي في المنطقة العربية وفي العالم بأسره، ولهذا فإنه غير جائز أن يبقى هؤلاء يعيشون في جلباب تنظيم قديم ليس له أي علاقة لا بهذا العصر ولا بمنطلقاته واستحقاقاته، فجديدهم الذي أعلنوا عنه قبل أيام يتطلب اسما جديدا يتمتع بالرشاقة وبجاذبية استدراج الأجيال الصاعدة واحتوائها، وبخاصة من منهم من مكونات المجتمع السوري كلها، بما في ذلك الأقليات التي حاول هذا النظام الاستبدادي تجنيدها لتكون قوة مضادة للثورة، التي ثبت أنها لا مذهبية ولا طائفية ولا فئوية ولا عنصرية، وأنها للجميع ولشعب سوريا كله.

=================

خدعة الأسد الجديدة

طارق الحميد

الشرق الاوسط

29-3-2012

ما إن قال النظام الأسدي إنه يوافق على نقاط كوفي أنان الست حتى باركت موسكو تلك الخطوة، وتلقفها الوزراء العرب المشاركون في القمة العربية ببغداد مرحبين بها، ليقولوا إنهم يرفضون التدخل الخارجي، بينما صاحب الطبخة، أو الخطة، السيد كوفي أنان بات يصرخ: «المهم التنفيذ»!

وبالطبع فلن ينفذ الأسد، وكما قلنا قبل يومين هنا فإنه سيان، سواء رد النظام الأسدي بالإيجاب أو لا، فالأسد لن ينفذ خطة أنان، بل من الصعب أن ينفذها، فمجرد تنفيذها سيعجل بسقوطه، نعم سقوطه، فالأنظمة القمعية لا تستطيع القيام بأي «تسويات»، وليست في قاموسها الداخلي «براغماتية»، فمشروعية الأنظمة الديكتاتورية تقوم على القوة والترهيب، فهي تحكم بطريقة فرق تسد، وليس بالتجميع والتقريب، والتفاف الناس حولها. ولذا فإن موافقة نظام الأسد على نقاط أنان واضحة أسبابها، بل واتضحت اليوم أكثر. فقد أعلن الأسد موافقته لعدة أسباب، ومنها أنه فهم رسالة موسكو جيدا عندما قالت إن مهمة أنان هي الفرصة الأخيرة، وبالطبع فإن الأسد الغريق يتمسك بالقشة الروسية، والدليل على غرقه، وضعفه، هو ظهوره في بابا عمرو يوم إعلان نظامه الموافقة على خطة أنان، فهو يريد القول لأتباعه إنه موجود وقوي، فقد كان يحاول رفع الروح المعنوية لمن هم حوله. السبب الآخر لقبول الأسد لخطة أنان هو إرباك أي إجماع في القمة العربية ببغداد، وقطع الطريق على مؤتمر أصدقاء سوريا بتركيا.

فهل نتوقع من النظام الأسدي التنفيذ؟ بالطبع لا، فنقاط أنان واضحة، ومجرد تنفيذها يعني أن الأسد في طريقه للخروج، فالتفاوض مع المعارضة سيكون على رحيله فقط، ولا يمكن تصور أمر آخر. وسحب القوات الأسدية، والسماح بالمظاهرات، يعنيان أن المظاهرات ستعم سوريا كلها، وحينها سيتكرر مشهد ميدان التحرير المصري، وبالتأكيد سيبدأ عندها العد التنازلي للأسد، وفي حال عاد لاستخدام القوة كما يفعل اليوم، وكل يوم، فهذا يعني أنه لا بد من تدخل دولي على اعتبار أن خطة أنان تنص على ضرورة وجود مراقبين دوليين، وليس على غرار وفد الدابي. ومن هنا يتضح أن سبب قبول الأسد لخطة أنان ما هو إلا لشراء الوقت مرة أخرى، وهذه هي اللعبة التي يجيدها الأسد منذ حكم سوريا، ومن أجل لخبطة الأوراق، وتعزيز موقف داعميه، سواء إيران أو روسيا، وبالتالي إرباك تركيا قبل مؤتمر أصدقاء سوريا، على أمل أن يتسنى للأسد الإجهاز على الثورة عسكريا.

هكذا يفكر النظام الأسدي، وهذا ما يفعله تماما، والدليل أنه في اليوم الذي أعلن فيه قبول مبادرة أنان قتل النظام أكثر من ثمانين سوريا، ولا يزال القتل بالطبع مستمرا حتى هذه اللحظة.

وعليه فيجب عدم الانخداع مرة تلو الأخرى بلعبات النظام الأسدي، ولا بد من الشروع في تسليح الثوار وعبر القنوات الصحيحة التي تعرف الأرض، وتعرف القيادات، وعدم الانتظار أكثر، فكل يوم يمر يعني قتل المزيد من الأبرياء السوريين على يد قوات الأسد.

=================

والأسد في بابا عمرو!

عبد الرحمن الراشد

الشرق الاوسط

29-3-2012

في اليوم الوحيد الذي قررت فيه أطراف المعارضة السورية الاتفاق، واختارت مدينة اسطنبول لإعلان ذلك، اختار الرئيس السوري اليوم نفسه ليزور أطلال حي بابا عمرو المهدم في مدينة حمص المنكوبة، التي لا يزال يسمع فيها رصاص قواته.

لم تكن مصادفة؛ فالأسد اختار توقيت الزيارة متعمدا ومتحديا زمن لقاء المعارضة، ليقول لهم وللعالم إن «بابا عمرو» هي إجابته على التمرد الشعبي والانتفاضة المستمرة ضد حكمه منذ مطلع العام الماضي.

والطرفان، النظام والمعارضة، اختارا أن يسابقا القمة العربية في بغداد التي وضعت الأزمة السورية على رأس قائمة أعمال المؤتمر ليفرض كل منهما موقفه. الآن باتت المواقف واضحة وموجهة في رسائل علنية. باجتماع اسطنبول لم يعد هناك عذر للتقاعس العربي بالقول إن المعارضة مختلفة، نعم هي جماعات شتى لكنها متفقة على رفضها للتعامل مع النظام، ومصرة على إسقاطه، ومتفقة على نظام حكم تعددي انتخابي، القرار فيه للشعب السوري وليس لمبعوث الجامعة العربية أو الأمم المتحدة أو أي فريق أو وسيط آخر. والأسد بزيارته للحي الذي دمره يؤكد إصراره على البقاء رئيسا ونظاما بالقوة العسكرية، ولن يتنازل.

وسواء التقطت الجامعة العربية الرسالة، وتعاملت معها كما ينبغي، إما نصرة للشعب المظلوم وإما استمرارا في مساندتها للنظام المجرم، فإن قمتها في بغداد لا تعني الكثير. لا أحد ينتظر موقفا حاسما، أمر مستبعد تماما خاصة أن رئاسة القمة آلت للعراق المتضامن مع نظام بشار، وأمانة الجامعة لا تزال في يد نبيل العربي مهندس كل الأفكار الإنقاذية للأسد والتي تهدف لتبديد دم ووقت الإنسان السوري المتظاهر والمعارض، وإضعاف المعارضة في الخارج.

ورغم هول الأضرار التي ألحقها النظام بالمناطق الثائرة، ونجاحه في تعزيز إمكانات القمع والملاحقة، وحتى مع انتصاره في الجولة العسكرية الأخيرة، فإنه فشل في إنهاء الثورة. وصورة الرئيس الأسد ومرافقيه أمامه وخلفه، بملابسهم التي تبدو من تحتها دروع ضد الرصاص، وهم يسيرون خلف جدار لاتقاء رصاص المقاومة أو رصاص منشقين محتملين في داخل قواتهم، يوضح أن النظام فشل في السيطرة على كيلومتر مربع واحد، كما فشل في قمع المظاهرات اليومية السلمية ضده في أنحاء البلاد.

نحن أمام سباق ثنائي، بين المعارضة والأسد؛ الأول بمساندة معظم الشعوب العربية، والثاني بدعم من الجامعة العربية وإيران وروسيا. في صف النظام السوري تقف الجامعة العربية بنبيل العربي ووسيطها كوفي أنان، حيث لا يزالون يسعون لتسويق حل نبيل العربي، الذي يقوم على الإبقاء على نظام الأسد مع إشراك للمعارضة في بعض حقائب الحكومة لإسكاتها.

وقد أثبت الشعب السوري، وليست الجامعة ولا حتى معارضة الخارج، أنه لا يزال يمسك بالقرار. لم تتوقف المظاهرات رغم كثرة القتل، ولم يتوقف الثوار رغم شح الرصاص، وها نحن بعد أربعة أشهر من إعلان الحل العربي ومهزلة المراقبين العرب والفيتو الروسي ووصول المدد لقوات النظام وتدمير حي بابا عمرو.. وبعد عام من الثورة لم يرضخ أحد أبدا. بل إن عدد المنشقين عن النظام من عسكريين ومدنيين يزداد، والرفض العلني للنظام يظهر حتى في شوارع العاصمة دمشق. وعلينا ألا نهون من لقاء اسطنبول الذي اتفقت فيه المعارضة على مبادئها. وليس ضروريا أن تتحد المعارضات السورية تحت سقف واحد وقيادة واحدة، فهي تمثل جماعات مختلفة، لكن المهم أن تتفق على المبادئ التي توضح الكيفية التي يريدونها لسوريا الجديدة. الاتفاق على صيغة الحكم كافٍ، بمبادئ الميثاق المعلن. بعد ذلك لكل جماعة الحق أن تعمل في الإطار الذي يلائمها. كانت المشكلة في السابق أسئلة صعبة واجهت المعارضة حيال النظام. حينها اختلفت على طلب المساعدة من المجتمع الدولي بالتدخل، واختلفت على التعامل مع دعوات التفاوض مع النظام. لكن هذه المسائل حسمت مع الوقت؛ حيث لا يوجد تدخل دولي عسكري محتمل، واقتنعت المعارضة برفض التفاوض مع النظام مهما كان الوسيط. واتفقت أول من أمس على أهم المسائل، صيغة الحكم وعلاقة مكونات المجتمع بالنظام الجديد. لهذا، ليس مهما ما يقال في بغداد وما تقرره القمة العربية. كل ما يستطيع الآخرون فعله، مثل القادة العرب، أن يختاروا الوقوف أخلاقيا مع الشعب السوري أو أن يحتفظوا بعلاقتهم مع نظام الأسد، التي ستكون لطخة عار زمنا طويلا.

======================

إنقاذ أهل سوريا

بقلم/ جاريث إيفانز:

الراية

28-3-2012

على الرغم من موافقة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة المتأخرة على إقرار مهمة صنع السلام التي يقوم بها مبعوث الأمم المتحدة الخاص كوفي عنان في سوريا، فإن الثقة في تعاون الرئيس السوري بشّار الأسد بأي شكل جاد أو دائم تظل ضئيلة للغاية، ولا تزال الأصوات المنادية بالتدخل العسكري الخارجي تتعالى. ومع تفاقم الأزمة في سوريا، فإن هؤلاء الذين يحثون على استخدام القوة المسلحة يستشهدون بمأساة التقاعس عن العمل في رواندا والبوسنة في تسعينيات القرن العشرين، وانتصار العمل الدولي الحاسم في ليبيا في العام الماضي.

الواقع أن المقترحات تشمل الطيف الكامل، من إقامة مناطق حظر طيران، ومناطق عازلة، ومناطق "حظر القتال"، والملاذات الآمنة، وإنشاء ممرات إنسانية آمنة، إلى تسليح الجيش السوري الحر لمحاربة نظام الأسد. في حين ينادي آخرون بالغزو الصريح للإطاحة بنظام الأسد.

إن السؤال المؤلم بالنسبة لهؤلاء الذين يؤمنون بأن المجتمع الدولي مسؤول عن وقف هذه الجرائم الفظيعة ليس فقط ما إذا كان أي من هذه الخيارات قابل للتطبيق فحسب، بل وأيضاً ما إذا كان نفعها أعظم من ضررها.

إن أي خيار عسكري لا يحظى حالياً بأي فرصة للدعم من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الذي لا يزال مشلولاً إلى حد كبير من جرّاء ردود الأفعال العنيفة ضد تجاوز حلف شمال الأطلنطي لحدود تفويضه بحماية المدنيين في ليبيا. أما الخيار العسكري الوحيد الذي تلقى أي دعم دولي عملي حتى الآن من جانب بعض دول الخليج المجاورة لسوريا طبقاً للتقارير فهو يتلخص في تسليح قوات المعارضة.

ورغم هذا، فإذا كان أي شكل ما من أشكال التدخل العسكري القسري هو المسار الصحيح الواجب اتخاذه في سوريا، فإن الحجة لابد وأن تطرح بقدر من الإرادة والمثابرة. ولكن هل يشكل القتال في حالتنا هذه حقاً واجبا؟

بموجب مبادئ المسؤولية عن الحماية التي أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة بالإجماع في عام 2005، فإن التفكير في العمل العسكري القسري لوقف الفظائع ضد المدنيين لا يصبح مبرراً إلا إذا أثبتت السبل السلمية من محاولات الإقناع الدبلوماسية إلى العقوبات والتهديد بالملاحقة الجنائية عدم كفايتها. ومن الواضح أن الموقف في سوريا بلغ هذه العتبة بالفعل.

بيد أن التفكير في العمل العسكري لا يعني المصادقة عليه. فالأخلاق والحكمة يفرضان تلبية العديد من المعايير قبل الموافقة على استخدام أي شكل من أشكال القوة. وحتى الآن لم يتبن مجلس الأمن أو الجمعية العامة للأمم المتحدة أيا من هذه التوجيهات رسميا، ولكن مناقشة مبادئ المسؤولية عن الحماية أبرزت خمسة معايير على مدى الأعوام العشرة الماضية.

المعيار الأول يتعلق بالضرر المحتمل الواقع على المدنيين: فهل يُعَد هذا التهديد من نوع وحجم يبرر استخدام القوة بلا تردد؟ بعد مقتل أكثر من تسعة آلاف إنسان في سوريا وارتفاع عدد القتلى بمرور كل يوم، فمن المؤكد أن هذا المعيار مستوفى، ولو أن أعمال العنف لم تعد من جانب واحد كما كانت الحال في مستهل الأمر.

أما المعيار الثاني فإن تطبيقه أكثر موضوعية وتعقيدا وبالتالي فهو ليس حاسماً في حد ذاته وهو يتعلق بتحديد ما إذا كان الغرض الأساسي من أي عمل عسكري مقترح يتلخص في وقف أو منع التهديد للمدنيين.

ويتعلق المعيار الثالث بقضية الملاذ الأخير: فهل تم استكشاف كل الخيارات غير العسكرية وتبين بشكل قاطع أن نجاحها غير مرجح؟ لا يزال هذا الأمر قيد المداولة، ولكن قد لا يكون هذا لوقت أطول كثيرا. فعلى الرغم من كل الآمال، فإن التوقعات ليست كبيرة فيما يتصل باحتمالات نجاح المهارات التفاوضية التي يتمتع بها عنان، حتى في ظل الدعم من جانب مجلس الأمن الآن، في نزع فتيل الأزمة السورية، كما حدث في أعقاب الانتخابات الرئاسية المتفجرة في كينيا في عام 2008. فضلاً عن ذلك فإن قليلين هم من يثقون في قدرة حتى العقوبات الشاملة أو غير ذلك من الضغوط غير العسكرية على إحباط تصميم الأسد على سحق معارضيه.

ويتعلق المعيار الرابع بالوسائل المتناسبة: فهل يلبي حجم ومدة وشدة العمل العسكري المقترح الحد الأدنى المطلوب لمواجهة التهديد المطروح؟ كان هذا واحداً من أكثر جوانب التدخل في ليبيا إثارة للجدال. والمشكلة التي تحيط بأغلب الحلول القائمة على "الحد الأدنى" من التدخل إقامة مناطق عازلة على سبيل المثال - هي أن الحرب الكاملة النطاق في ظل الظروف السورية الحالية سوف تكون مطلوبة لفرض هذه الحلول. أي أن فرض الحد الأدنى من التدخل قد يتطلب بالضرورة اللجوء إلى الحد الأقصى.

أما المعيار الأخير والأكثر أهمية وحسماً في نهاية المطاف فيتعلق بإيجاد التوازن بين العواقب المترتبة على التدخل: فهل يفضي التدخل العسكري إلى قدر من الضرر أعظم من نفعه المنتظر؟ هنا تنزلق الحجة المؤيدة للتدخل العسكري في سوريا إلى أعظم قدر من المتاعب.

أن المزيد من عسكرة الوضع في سوريا كفيل بالتهديد بتحويل الحرب الأهلية الوليدة هناك إلى حرب كاملة النطاق، وبخسائر في الأرواح على نطاق أوسع كثيرا. فالمؤسسة العسكرية والمليشيات المسلحة التي تدعمها الحكومة قوية ومن المؤكد أنها سوف تقاوم بشراسة. فضلاً عن ذلك فإن الخلافات الطائفية في سوريا عميقة، والثقة الدولية في تماسك المؤهلات الديمقراطية أو مؤهلات حقوق الإنسان التي تتمتع بها المعارضة السورية ضئيلة. والقتال هناك من شأنه أن يشعل المنطقة بالكامل. ومع انقسام جامعة الدول العربية حول القضية، فإن أي تدخل غربي من المحتم أن يؤدي إلى اشتعال العالم الإسلامي بالكامل.

مع ظهور كل الخيارات العسكرية بهذا المظهر الهدّام فإن الفرصة الوحيدة لمنع سوريا من الانزلاق إلى الفوضى الكاملة تتلخص في وساطة عنان السياسية، التي تتلخص ركيزتها الأساسية غير المعلنة على محاولة إقناع عدد كاف من كبار المسؤولين في النظام السوري بتغيير المسار، مع توفير المخرج الآمن للشخصيات الأكثر إثارة للجدال من أجل تمكين الاستقرار للموقف والسماح لعملية الإصلاح بالبدء.

ولكن لكي يحدث هذا فيتعين على روسيا أن تفرض نفوذها بقدر أعظم من الإيجابية مقارنة بما بذلته من جهود حتى الآن. وقد يكون هذا الخيط أرفع من أن يستوعبه الشعب السوري، ولكن من المؤسف أنه يشكل الخيار الوحيد المتاح.

_ وزير خارجية أستراليا سابقا

=================

العبرة في التطبيق

رأي الراية

الراية

28-3-2012

تُعدّ موافقةُ النّظام السوريّ على خُطّة المبعوث الدّوليّ والجامعة العربيّة كوفي عنان خطوة أولى مهمة وتطوّرًا إيجابيًّا قدْ يكون مقدمةً لإسكات صوت الرصاص الذي يستهدف المدنيّين في المدن والبلدات السوريّة، حيث أوقع حسب إحصائيّات رسميّة للأمم المتّحدة نحو تسعة آلاف قتيل منذ اندلاع الثّورة الشعبيّة في سوريا منذ أكثر من عام.

المهمّ في الموافقة السوريّة على النقاط الست في خُطّة عنان "أن يبادرَ النّظامُ السوريُّ للوقف الفوري لكافّة أعمال العنف والقتل التي تستهدف المدنيّين ويوقف حصارَ واجتياحَ المدن.

والسّماح لفرق الإغاثة الطبيّة والإنسانيّة بالدخول إلى المدن والبلدات السوريّة لمعالجة الجرحى وإغاثةِ المنكوبين.

لقد أكّدت النقاطُ الستُ الواردةُ في خُطّة المبعوث الدوليّ ومبعوث الجامعة العربيّة كوفي عنان ضرورةَ وقْفِ جميع عمليّات القتال والالتزام بوقْف جميع أعمال العنف المسلّح، بما في ذلك وقْف استخدام الأسلحة الثقيلة، وسحب القوّات، ووقْف تحركات القوّات تُجاه المناطق المأهولة بالسكان وعلى إعلان هدنة يوميّة لساعتين للسماح بإحضار المساعدات من جميع المناطق المتضرّرة من القتال، والإفراج عن جميع من جرى اعتقالهم تعسفيًّا بمَنْ فيهم المعتقلون لقيامهم بنشاطات سياسيّة سلميّة، والاتفاق على ضمان حريّة الحركة للصّحفيّين في جميع أنحاء البلاد وتبنّي سياسة لا تقوم على التمييز بشأن منحهم تأشيرات لدخول البلاد، والاتفاق على حريّة تكوين المؤسّسات وحقّ التظاهر بشكل سلميّ على أنّها حقوق مضمونة قانونيًّا.

إنّ تطبيق النّظام السوريِّ جميع النقاط الست بكلّ شفافيّة ومصداقيّة سيوفّرُ فرصة حقيقيّة لخروج سوريا من النّفق المظلم الذي دخلته بسبب إصرار النّظام السوريّ على التّعامل مع الاحتجاجات الشّعبيّة المطالبة بالحريّة والتّغيير بالعنف وسيطلقُ عمليّةً سياسيّةً وحوارًا سياسيًّا وطنيًّا شاملاً يستجيب لطموحات الشّعب السوريّ ومطالبه.

الخُطْوة المقبلة للتدليل على مصداقيّة النّظام السوريّ وقبوله فعليًّا تطبيق النقاط الست تكمن في إعلانه وقف إطلاق النّار وسحب قوّاته وأسلحته الثقيلة من المدن والبلدات السوريّة والسّماح لمراقبين دوليّين من الأمم المتّحدة مراقبة هذا الإعلان عن كثب.

لقد كان بمقدور النّظام السوريّ منذ بداية الأزمة أن يوفّر على الشّعب السوريّ الدّماء الغزيرة التي سالت على الأرض السوريّة ويوفّر المعاناة الكبيرة التي يعانيها أبناء الشعب السوريّ وما زالوا في مدنهم وبلداتهم وقراهم وفي مخيمات اللجوء في دول الجوار فيستمع إلى مطالب الشّعب ويبادر إلى التّغيير لكنّه اختار الردّ بالقمع والقتل على مطالب الشّعب السوريّ فكان أنْ وصل إلى طريق مسدودة.

=================

سوريا.. الصوت العاقل.. وبطش حكومة الطائفة!!

يوسف الكويليت

الرياض

28-3-2012

 إخوان سوريا، وبحكم تجربتهم، لم يمارسوا الخدع السياسية وعلى مبدأ «تمسكن حتى تتمكن» فقد حكم سوريا العديد من وجوه العائلات السنية الشهيرة، وكان التمثيل في البرلمان والحكم والأحزاب لا يقوم على الطائفة والدين، وقد كانت الديموقراطية في البدايات الأولى تصنف أنها لكل السوريين شيوعيين وقوميين وليبراليين وغيرهم، حتى انه قبل الوحدة كان الجدل بين أكرم الحوراني قيادي البعث، وخالد بكداش الشيوعي الكردي، حاداً حول الوحدة أم الاتحاد، لكن ما بعد الانفصال بدأت سيادة الحزب الواحد، ومع انقلاب الأسد، طغى مظهر الطائفية على المشهد الوطني كله..

ما يجري في حمص عملية تفريغ لسكانها لإنجاز خطط الحكومة العلوية، وعلى نفس خطط الصهيونية تفريغ المدن الرئيسية من الفلسطينيين، وأيام الحكومات ما قبل الحزبية كانت شعارات العروبة والوحدة، والأمة العربية، الطاغية في الشارع السوري، بينما الحكم الراهن أخذها شعاراً لذريعة إخفاء حقيقة المضمون الطائفي في الخطط التي بدأت مع الرئيس الأب ثم الأبناء وخلاياهم السرية..

الشعب السوري يذبح، ومن يعتقد أن خلافاً حاداً بين الغرب الممثل في أمريكا وأوروبا، وشرقاً بين روسيا والصين، يتجاهل ما يدور خلف الكواليس السرية، وأن التلاقي قائم ليس على المستوى السياسي فقط، بل بجميع الاشتراطات التي تجعلهم خارج التورط بما يخلق إشكالات عامة ثم إن قوة النظام استمدها من هذه الميوعة بالمواقف، وكذلك تشتت المعارضة، لكن عنان يقوم بدور ناقل البريد، وستتفق على طروحاته القوى الدولية، وإذا ما اجتمعت وتحولت إلى العمل الواحد، فقد يتحلحل النظام ويقبل بالمشروع، لكن النتائج قد لا تكون بحجم ما يقدره الآخرون،إذ قد يتنازل الحكم عن بعض صلاحياته مع الإبقاء على قبضته بتحسينات سياسية وقبول الفئات الأخرى الاشتراك بالدولة لكن تحت إشرافهم، وهذا سيعيد الإشكال من جديد إذ من قُتل أبناؤهم وذووهم ودمرت مدنهم وأحياؤهم، ومن هجّروا، كل هؤلاء رصيد قوة ضغط على مستقبل الحكم، وقد يكون عنان ودول مجلس الأمن على دراية بهذه التصورات وتعطيها الأهمية، لكنها تخشى تطور العملية إلى حرب طائفية، وهذا الزعم بدده إخوان سوريا بشكل واضح وصريح، لكن هناك من يعدها مناورة ذكية، بينما العكس هو الصحيح..

من يعرف النظام وتعامل معه، يفهم أنه خطط لاحتمال الثورة وكان أركان منه وداخل مفاصلة، ممن خرجوا عنه، أكدوا أن دولة الساحل العلوية، هي في صلب خطط الجبهة العلوية الحاكمة، وربما نجد في النفس الدولي، وخاصة من طرح فكرة حكومات الأقليات (أو كونفدراليتها) بالوطن العربي، لا يمانع بأن تتجزأ سوريا إلى دويلات صغيرة تخدم مستقبل إسرائيل، والدليل أن الاستراتيجيات الإسرائيلية التقت مع حكومة الأسد، وخرجت صحافة وتصريحات المسؤولين الإسرائيليين أن أكثر من خدمهم بعد آخر حرب خاضتها سوريا هو هذا النظام..

سوريا على المحك بين عجز عربي، وتباطؤ دولي، وبين نظام درس الاحتمالات وتعامل معها بقوة انتشار النيران لأسلحته، لكن الأزمات تخلق المفاجآت، وجدلية من ينهزم الشعب أم السلطة، فالأمور تسير لصالح الأكثرية مهما طال الزمن أو قصر..

=================

دروس بعض نماذج التحول الديموقراطي لمستقبل سوريا

د. عبدالله تركماني ()

المستقبل

28-3-2012

أكدت التجارب الدولية في مجال الانتقال الديموقراطي أنّ هناك حاجة ماسة للاشتغال الجدي على آلية مجدية للحوار الوطني، ذلك أنّ عملية الانتقال الديموقراطي في سوريا المستقبل ليست جواباً عن وضعية سياسية فقط، بل هي جواب عن وضعية مركبة مظهرها الأمثل التمزق الاجتماعي المتمثل في تخريب العلاقات الإنسانية التي تقوم على التواصل بين الأفراد والهيئات والمكونات القومية والدينية والمذهبية.

وهكذا كانت الطبيعة المختلفة والمعقدة للتغيّرات، في إطار عملية الانتقال الديموقراطي، سبباً في تصنيفات انطلقت من أساليب ووسائل التغيير أو قواه، وذلك بحسب الظروف المحلية البالغة الاختلاف بين دولة وأخرى بطبيعة الحال، وفي إطار ذلك صنفت الأشكال التالية في الانتقال الديموقراطي: الانتقال التفاوضي، وهو الشكل الذي تحولت فيه إسبانيا ومعظم بلدان أميركا اللاتينية والمغرب. والانتقال الموجه، وهو الشكل الذي تم في كوريا الجنوبية والفيليبين واليابان، تحت تأثير الاستراتيجية الأميركية. وكذلك في تركيا ودول أوروبا الشرقية والوسطى، إذ أنّ ضرورات الاندماج في الاتحاد الأوربي شكلت آلية قوية موجهة للدمقرطة.

كما نجحت دولة جنوب أفريقيا بإرساء دعائم الديموقراطية حينما حصل انتقال انسيابي مدروس من مرحلة الدكتاتورية إلى مرحلة الديموقراطية، وضمن مرحلة انتقالية طويلة تم خلالها تحضير الشعب وتهيئته لممارسة خبرة الديموقراطية. وكذلك تمكنت حركات التغيير في أميركا اللاتينية من الإيفاء بالشروط الرئيسة للانتقال من نظم الاستبداد العسكري إلى النظم الديموقراطية بكلفة محدودة وفي زمن قصير نسبياً.

وهكذا نلاحظ في كل النماذج التاريخية أنّ الانتقال السياسي يحدث في فترة زمنية غير طويلة، سواء كان ذلك نتيجة انقلاب عسكري أو ثورة شعبية أو قرار إرادي عن سلطة سياسية، لكن التحول الديموقراطي يتطلب مساراً يسلك فترة زمنية قد تطول أو تقصر حسب الحالة والظروف المحيطة بها. فالتحول الديموقراطي يستلزم تغيراً في العادات والتقاليد السياسية والاقتصادية وأحياناً الاجتماعية والثقافية، وهذا مسار تتمرس خلاله الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني على ممارسة أدوارها ووظائفها، وتنتشر فيه رويداً حرية التفكير والمعتقد والاجتماع والتعبير والقبول بالرأي الآخر، ويتعلم الشعب كيفية الرقابة على المؤسسات والسلطات.

وفي سوريا يبدو أنّ المرحلة الانتقالية من الاستبداد إلى الديموقراطية ستعترضها تحديات عديدة من أهمها التحديات المؤسسية، التي تشمل:

العدالة الانتقالية، التي ترتبط بالتحول والانتقال السياسيين من أجواء الشمولية والاستبداد إلى الممارسة الديموقراطية، وهي وسيلة لتجاوز الإكراهات والمشاكل في مختلف أبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، التي عانت منها الدولة والمجتمع، وآلية فعالة للتخلص من التراكمات السلبية للانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، بالصورة التي تسهم في حدوث انتقال نحو الديموقراطية بناء على أسس متينة، توفر شروط التسامح والمصالحة والشرعية والتعددية والاستقرار داخل المجتمع. إنها وسيلة لرأب الصدع وتوحيد المجتمع ومنع تكرار التجارب المؤلمة في المستقبل، كما تعد أيضاً وسيلة لتجاوز الجمود السياسي في سوريا السائرة نحو الديموقراطية.

شفافية الانتحابات ونزاهتها، من خلال ثلاثة معايير رئيسية: أولها، معيار الفاعلية، أي أن تُحقِّق السيادة للشعب، وتداول السلطة وتوفير الشرعية الشعبية للحكام ومحاسبتهم. وثانيها، معيار الحرية، أي ضرورة أن تستند الانتخابات إلى حكم القانون، وأن تحترم حقوق المواطنين في المعرفة وفي التعبير والاجتماع وتشكيل الأحزاب السياسية. وثالثها، معيار النزاهة والشفافية، بمعنى أنها لا بد أن تجري تحت إشراف قضائي ومراقبة محلية وعربية ودولية.

الدستور الديموقراطي، وذلك لإكساب عملية التغيير الشرعية التي يمكن الاستناد إليها من خلال وثيقة يسهم الجميع في إنجازها، وتأخذ في الاعتبار المعايير الديموقراطية الدستورية التي تعتبر قيماً عليا، تقوم على الحرية والمساواة والعدالة، وهي إذا ما أدرجت بالدستور على شكل مواد ملزمة، فإنها تحدد معانيه ومبانيه في إطار شفاف يقوم على الحقوق والحريات والمساءلة وفصل السلطات واستقلال القضاء وتداول السلطة سلمياً وتحقيق المشاركة من دون تمييز أو إلغاء أو تهميش.

- جدلية الديني والسياسي، إذ صار مطلوباً أن يتم البحث في جدلية الديني والسياسي في سوريا المستقبل، لأنّ هذا قد يؤدي إلى تقديم أنموذج جديد، عبر إعادة التفكير بهدوء في عناصر تلك الجدلية التي تفرض نفسها باضطراد. كما أنه لن يكون ممكناً إلا إذا استطاع الساسة والمثقفون السوريون، من مختلف المدارس الفكرية والسياسية، تجاوز مواقفهم المعروفة، الإسلامية والعلمانية، تجاه تلك الجدلية.

كونية وشمولية حقوق الإنسان، إذ تكشف دراسة الوثائق الدولية المدى الواسع لكونية وشمولية حقوق الإنسان. فمفهوم حقوق الإنسان في الوقت الحاضر مفهوم شامل لا يقتصر على فئة واحدة من الحقوق دون غيرها، فهو يشمل حقوق الأفراد والجماعات والشعوب، كما ينطوي على حقوق سياسية ومدنية مثلما ينطوي بنفس القدر على حقوق اقتصادية واجتماعية وثقافية.

ومن المؤكد أنّ النجاح في تجاوز العقبات التي ستعترض هذه التحديات المؤسسية يتطلب الاهتمام بالتنمية السياسية، باعتبارها وسيلة لإعادة صياغة الثقافة السياسية التي سادت في سوريا منذ العام 1970، وخلق ثقافة مدنية جديدة ومتحضرة للعبور بالمجتمع من حالة التخلف إلى التقدم.

وهنا تبرز أهمية المجتمع المدني، باعتباره البديل عن المجتمع الذي تهيمن فيه سلطة الدولة الاستبدادية الشمولية، والبديل عن النظام القبلي والمجتمع الطائفي الذي تكون فيه الكلمة العليا لشيخ القبيلة أو رئيس الطائفة. وبمنظور أوسع، فإنّ المجتمع المدني هو الفضاء الذي يستطيع المواطنون المشاركة فيه بشكل متزايد في مرحلة التحول إلى مجتمع ديموقراطي، من خلال العمل التطوعي، بعد أن عوّدت الدولة الأمنية المواطنين السوريين على اختيار كل شيء لهم، بدءاً من العمل إلى التعليم مروراً بطريقة الحياة اليومية. أي أنّ المرحلة الانتقالية من الاستبداد إلى الديموقراطية تحتاج إلى تدعيم ثقافة العمل التطوعي من كافة مؤسسات الدولة، بحيث يمكن قبولها والاستفادة من مردوديتها.

إنّ التضحيات الكبيرة التي قدمها السوريون، شهداء وجرحى ومعتقلين ونازحين ولاجئين، تستدعي من الجميع العمل بجد وإخلاص للتأسيس لحكم قائم على الشفافية والوضوح، ووضع المسؤولية بأيد كريمة ونفوس لا تحمل في مواقفها تناقضات بائسة ولا في تاريخها ما تتحرج منه أو تخشى من تعرّف الناس عليه.

وهكذا، يخطئ من يعتقد أنّ التحول نحو الديموقراطية في سوريا هو مجرد مخطط ذهني سهل التنفيذ، ويخطئ إن ظن أنّ هذه الطريق لن تكتنفها صعوبات ومشكلات عديدة. ما يعني أنّ الانتقال لا يتحقق بمجرد إزاحة الاستبداد وتوفير بعض الحريات والقيام بانتخابات، بل هو عملية تاريخية تحتاج لزمن غير قصير، وبديهي أن يشهد في بعض المحطات إرباكات وصراعات على السلطة وإصرار قوى معينة على تخريب الثورة وإيقافها والارتداد عنها.

=================

رسائل الأسد من بابا عمرو!

راجح الخوري

2012-03-28

النهار

ذهاب الرئيس بشار الاسد امس ليتفقد بابا عمرو لن يغير شيئاً من وتيرة الصراع الذي يدفع بسوريا نحو الحرب الأهلية في وقت يلازم العالم موقف المتفرج، وخصوصاً بعدما صار كوفي أنان نسخة عصرية من قميص عثمان ينفضه الذين لا يريدون التدخل، في محاولة لتبرئة الذمم من حمامات الدم التي تُغرق سوريا!

عملياً، أراد الأسد ان يوجه مجموعة من الرسائل عبر بابا عمرو التي تشكل رمزاً للصمود الاعجازي في وجه الجيش السوري، كما تقول المعارضة، كما تشكل بالنسبة الى النظام نموذجاً عن البطش الذي يستطيع إنزاله بالمدن والأحياء المقاومة.

أولاً: أراد الأسد توجيه رسالة الى القمة في بغداد مفادها ان "المبادرة العربية" التي سيتطرق إليها البيان الختامي في دعوته مجلس الأمن الى استصدار قرار يستند إليها، قد صارت من الماضي وان النظام يعيد بسط سلطته طبق القاعدة التي يتمسك بها الأسد، أي ضرب "الارهاب" قبل الدخول في الإصلاح!

ثانياً: الرسالة الثانية موجهة الى "مؤتمر أصدقاء سوريا" المقرر انعقاده الاحد المقبل في تركيا والذي سعى ويسعى الى توحيد صفوف المعارضة المنقسمة، وفحواها ان الواقع الميداني لم يعد يجيز القول ان أيام الأسد معدودة كما كان باراك أوباما يردد، بل إنه مسيطر وأن أيام المعارضة هي التي صارت معدودة!

ثالثاً: الرسالة الثالثة الى تركيا التي قيل في اليومين الماضيين إنها بدأت تفكر جدياً في إنشاء المنطقة العازلة داخل الأراضي السورية، وخصوصاً بعد ازدياد عدد اللاجئين الى أراضيها، ومفادها أن لا نفع من هذا في ظل الإصرار على الحسم العسكري الذي يتقدم على الأرض اليوم في بابا عمرو وغداً في كل المناطق الأخرى!

رابعاً: رسالة رابعة الى كوفي أنان مفادها أن الحديث عن وقف النار لن يفيد في وجود "بؤر إرهابية" وأن الدعوة الى الحوار الوطني لن تنجح قبل إعادة سيطرة الجيش السوري على كل المناطق... وإذا كان هذا يستدعي تحويل سوريا كلها بابا عمرو المدمرة فلا مانع عند النظام من القيام بذلك.

خامساً: رسالة الى المجتمع الدولي الذي يختبئ وراء مهمة كوفي أنان السلحفاتية وقد تحولت سياحة دولية آخر محطاتها الصين، بحثاً عن تأييد لوساطة هي حتى الآن مجرد تراشق بالرسائل بينه وبين الأسد، فأسئلة أنان الستة احتاجت الى أكثر من أسبوعين للحصول على ستة أجوبة تحتاج بدورها الى ستة أسئلة جديدة، ربما ليرتاح قلب روسيا التي تلتزم شراء الوقت للأسد الذي قد يحوّل سوريا كلها بابا عمرو!

سادساً: رسالة الى الداخل لشد عزيمة الجيش الذي يقاتل أهله منذ سنة ولمحاولة إثارة الإحباط عند المعارضة.

لكن لطوفان الدم الذي يُغرق البلاد حسابات أخرى في معركة يخوضها الجميع على قاعدة يا قاتل يا مقتول!

=================

تنحّي الأسد أفضل سبيل لإحياء ذكرى الثورة

ويليام هيغ

الرأي الاردنية

28-3-2012

قبل إثنى عشر شهرا اعتقلت السلطات السورية مجموعة من تلاميذ مدرسة في مدينة درعا بجنوب سورية لأنهم تجرأوا على كتابة عبارات ضد النظام على جدران مدرستهم. وأعيد هؤلاء الأطفال بعد أسبوع إلى أهاليهم وأجسادهم مغطاة بالدماء والكدمات، وبعضهم قلعت أظافرهم. كانوا مجرد أطفال صغار لم يبلغوا بعد سن المراهقة. في السنوات السابقة كانوا سيبقوا ضحايا تعذيب من قبل نظام الأسد دون التعريف بأسمائهم. لكن في عام 2011 استقى أهالي درعا الإلهام من الدول العربية المجاورة وخرجوا في مظاهرات اجتاحت الآن كافة أنحاء سورية.

الوضع في سورية اليوم يلقي بظلاله على أنحاء الشرق الأوسط. والإحصاءات الوحشية للقمع الذي يمارسه النظام تتحدث عن نفسها: لقد سقط ما يفوق 8,000 قتيل، بمن فيهم 380 طفلا، وهناك ما يربو على 10,000 معتقل بلا سبب وبدون محاكمة. ونشاهد في تسجيلات فيديو مشوشة يسجلها المواطنون قناصين يطلقون النار على الجنازات. وقد أصبحت منطقة بابا عمرو في مدينة حمص نموذجا لما يبديه النظام من ازدراء مشين لحياة الإنسان، واعتقاده الخاطئ بأن بوسعه قمع تطلعات شعبه المشروعة بعنف.

وقد دأبت المملكة المتحدة على المشاركة بكل زخمها بالجهود الدولية الرامية لإنهاء الأزمة. وتولينا قيادة عقوبات الاتحاد الأوروبي التي ترمي لزيادة الضغوط على النظام السوري وكل من يدعمون حملة الرعب التي يقودها. ويعمل الاتحاد الأوروبي أيضا على تضييق الخناق على قدرة النظام على تمويل القمع، وذلك من خلال قطع عوائده من تصدير النفط السوري. وقد استهدفنا 100 فرد بتجميد أرصدتهم وفرض حظر سفر عليهم. كما تساعد بريطانيا بتوفير الدعم العملي والسياسي للمعارضة السورية، ومناشدتها توحيد رؤيتها تجاه سورية ديموقراطية يتمتع مواطنوها بالمساواة بالحقوق.

وعلاوة على ذلك، نعمل على التفاوض بشأن قرار ملزم يصدر عن مجلس الأمن الدولي يطالب بوقف العنف وبأن يسحب النظام قواته من البلدات والمدن، ويشدد على ضرورة إتاحة دخول مؤسسات الإغاثة دون عراقيل، والإفراج عن كافة المعتقلين السياسيين، ويدعو لعملية سياسية بقيادة سورية تماشيا مع جهود جامعة الدول العربية. ذلك هو السبيل الوحيل للتوصل لحل سلمي للأزمة، ونحن نهيب بكل من روسيا والصين التعاون معنا لأجل تحقيق ذلك.

يسألني البعض أحيانا عن سبب عدم تدخلنا عسكريا في سورية كما فعلنا في ليبيا. الواقع هو أن الوضع في سورية أكثر تعقيدا بكثير عما كان عليه الوضع في ليبيا. فقد تلقينا بشأن ليبيا مطالبة صريحة من معارضة متحدة بالتدخل الدولي، ودعما قويا من جامعة الدول العربية لاتخاذ إجراء عسكري، وتكليف بموجب قرار صدر عن مجلس الأمن. أما في حال سورية فلم يتوافر أي من هذه الشروط. وعلاوة على ذلك، يخشى الكثير من السوريين أن يؤدي التدخل العسكري إلى تأجيج الوضع وأن يكون له الكثير من العواقب الخطيرة في سورية وجيرانها، ويزيد من معاناة الشعب السوري.

الحقيقة هي أن ليس هناك حلول سهلة للأزمة في سورية. لكن ذلك لا يعني بأننا سنقف متفرجين، بل سنواصل بذل كل ما باستطاعتنا لمساندة الشعب السوري.

فسوف نستغل كافة السبل الدبلوماسية والاقتصادية لتشديد الخناق على النظام المجرم. وسنجعل من الأصعب عليه ترهيب المواطنين، كما سنساعد المعارضة السورية على توحيد صفوفها والاتفاق على مستقبل سياسي لسورية، ووفق ما يناسب شعبها. وسنواصل بذل الجهود لضمان محاسبة المسؤولين عن اقتراف هذه الجرائم، ذلك بالمساعدة في توثيق الانتهاكات التي يقترفها. فالمسؤولون عن قتل عائلات بمجملها، وقصف البيوت، وقتل المعتقلين، وتصفية المعارضين السياسيين، وتعذيب النساء والأطفال لا بد من تحذيرهم بأنهم سوف يحاسبون عن أعمالهم مستقبلا.

والأحداث التي وقعت مؤخرا في حمص حين ارتكبت مجزرة شملت نساء وأطفالا تبين بجلاء بأن الأسد فقد شرعيته ولم يعد بإمكانه أن يزعم قيادته لسورية. كما يتبين من أعمال العنف المتواصلة بأن العنف لن يحقق النصر للنظام الذي بات يزداد ضعفا. يجب على الأسد التنحي عن الحكم لما فيه أفضل مصلحة لسورية ووحدة شعبها. وبعد مرور عام على أول محاولة للنظام لقمع معارضيه، فإن تنحيه لإتاحة حوار حقيقي بشأن عملية الانتقال سيكون أفضل سبيل لإحياء هذه الذكرى السنوية الأولى المأساوية. وإلى أن يفعل ذلك، فإننا لن ننسى الشعب السوري ولا حتى ليوم واحد.

* وزير الخارجية البريطاني

=================

سوريا: من سيدفع الثمن؟

الشرق الاوسط

ميشيل كيلو

28-3-2012

هناك ثمن سيدفعه، بلا أدنى شك، أحد طرفي الصراع في سوريا: النظام أو الشعب، بل إن سؤال الأزمة يدور بكامله حول نقطة رئيسية يلخصها السؤال الرئيسي التالي: إذا كان الشعب قد أرغم على دفع أثمان باهظة جدا من حريته وأمنه ومصالحه ووعيه... إلخ طيلة قرابة نصف قرن لم يرحمه نظامه خلال هذه المدة ولو لحظة واحدة، فهل يجوز أن يبقى هو الطرف الذي سيستمر في الدفع، بقوة العنف العاري والأعمى الذي يمارسه ضده منذ عام كامل نظام يرى فيه شعبا خائنا ويتهمه بالتآمر على وطنه، لا بد من معاقبته على مطالبته بما أخذه منذ انقلاب الثامن من مارس (آذار) عام 1963 منه: حريته وحقوقه؟ أم أن النظام نفسه هو الذي سيدفع من الآن فصاعدا ثمن ما يجري، وهو الذي يجب أن يقر إقرارا صريحا بحقوق الشعب وحريته، وبإفلاس نمط السياسة التي اعتمدها، والتنظيمات التي أقامها ورعاها، لتكون البديل للشعب السوري الثائر: شعب الحضارة والتاريخ والفكر والعمل؟

لا مبالغة في القول: إن النظام السوري مبني بطريقة هدفها الوحيد هو استنزاف وإضعاف وإنهاك المجتمع السوري، وإنه نظام أخذ من السوريين كل عوامل قوتهم، وراكمها في ذاته أو وزعها على زبانيته، لكنه حرم السوري، في جميع الأحوال والظروف، من حقه في أن يكون مواطنا حرا وكريما، ومسخه وحوله إلى كائن يسهل التلاعب بمصيره دون أن يبدي أي مقاومة، علما بأن مصير المجتمع لم يكن أحسن من مصير الفرد، فقد انتهبت ثروته، وأخذ منه القسم الأكبر من عوائد عمله، وحرم من حقه في معرفة شؤونه ومن المشاركة في تقريرها، وكمل باعتباره مجموعة أجزاء كتب عليها العيش بعضها مع بعض، وليس شعبا واحدا هو أصل السيادة الوطنية والشرعية السياسية، حتى قيل بكل صراحة: إن الشعب ليس شيئا يستحق الذكر في الحسابات السياسية العليا، ما دام النظام ينتج نفسه من رأسه: من القيادة. بل إن أحد كبار مسؤولي العسكر قال ذات مرة: إن كل ما وصل إلى سوريا من مساعدات جاء بفضل ومن أجل القيادة، واستدل على صحة ما يقول بفكرة أن سوريا كانت موجودة دوما، فلم يساعدها أحد إلا بعد تولي الرئيس حافظ الأسد السلطة. ليس الشعب واحدا أو موحدا، بل هو طوائف وشيع ومزق وتجمعات مجبرة على التعايش... إلخ، مع أنه ليس شعبا وليس موحدا، بل هو كتلة تناقضات وخلافات من محاسنها أنه يمكن استغلالها لتوطيد السلطة، وتزايد الهوة التي تفصلها عنه، والتي تحرص القيادة على تعميقها باطراد، لأنها أفضل ضامن لاستمرار سلطتها في استنزاف المجتمع، ولزيادة قوتها وزيادة ضعفه.

أخيرا، وبعد سقوط الجولان تحت الاحتلال دون مقاومة، لم ير النظام في هذه الكارثة الوطنية الخطيرة المنطويات والمضامين، التي كشفت حقيقة رهاناته وبينت كم هو عاجز عن إنجاز أي مشروع لصالح العرب والسوريين، غير عامل إضافي يعزز قبضته على رقاب السوريين، فاستخدم ذريعة التحرير من أجل ضبط وتدجين الحياة العامة، والإمعان في إخراج المواطنات والمواطنين من الشأن العام، وفي تغريبهم عن أمورهم، ووضعهم في حال احتجاز وعجز دائمين.

هذا الثمن الفادح، مضافا إلى اليأس من حدوث أي إصلاح أو تغيير، لعب دورا هائلا في انفجار السوريين، وربما كان أحد أهم الأسباب التي تفسر إصرارهم على استعادة حريتهم وحقوقهم، لأن استعادتها هي في نظرهم – وبحق - نقطة البداية في أي مشروع خاص ببلدهم ومجتمعهم، وبهم كأفراد مظلومين، لم يعودوا قادرين على الصبر والصمت، ولم يعد لديهم ما يخسرونه غير وجودهم الجسدي، الذي لم يعد وجودا فاعلا إلا في أضيق الحدود وبأكثر معاني الكلمة برانية وتهافتا.

هل بقي لدى السوريين ما يدفعونه، أم أنهم فقدوا كل شيء لذلك خرجوا يريدون استعادة ما فقدوه؟ أعتقد أنه لم يعد لدى السوري العادي أي شيء يخسره، بعد أن أخذ النظام كل شيء منه، وشرع يموت اليوم تحت الرصاص وفي الشوارع كي يثبت حقه في التوقف عن الدفع واسترداد ما سلب منه. ذلك يعني أن النظام هو الذي سيدفع من الثورة فصاعدا، وأن هذا لو كان مقتنعا بأنه هو الذي يجب أن يدفع لما استخدم حلا أمنيا ليس غير استكمال عنيف لسياسات تدفيع المجتمع والدولة أثمانا فادحة من أجل استمرار نمطه الحالي بكل ما هو عليه من أنانية وفساد وظلم وعنف واحتقار للشعب ومعاداة للسوريات والسوريين.

وللعلم، فإن صمود الشعب والثورة لا معنى لهما غير أمر واحد هو أنه قد حان زمن إجبار النظام على الدفع بقوة المواطن المظلوم، بعد أن استحال إقناعه بضرورته طيلة قرابة أربعين عاما كان يصر خلالها على أنه خير النظم وأكملها، وأنه ليس بحاجة إلى أي شكل من الإصلاح أو التغيير.

أما الأساس في الدفع فيرجع إلى حقيقة جوهرية هي أن النظام السوري الحالي لم يعد مرجعية مقبولة لدى أحد من السوريين، وأن استمراره سينتج ثورة بعد أخرى، إلى أن تتم الإطاحة به، مهما كانت التضحيات والآلام التي ستترتب على ذلك. لم يعد النظام مرجعية مقبولة لدى السوريات والسوريين، بل إنه لم يعد مقبولا لدى قسم كبير من البعثيين وأنصار السلطة، الذين يعلنون بدورهم انفكاكهم المتزايد عن نمط السلطة القائم، ويدينون فساده وقمعه وغربته عن البلاد والعباد، ويتطلعون إلى إصلاحه بطريقة تؤدي إلى تغيير جوانب مهمة ورئيسية منه. والنتيجة: إذا كان هدف الحل الأمني المحافظة على النظام في أكثر أشكاله قربا من نمطه الراهن، فإن هذا الحل فاشل لا محالة، لأنه لن يضع حدا لمطالبة المواطنين بزوال النظام، وبجعله الجهة التي ستدفع ثمن ما ارتكبته من أخطاء في أهم المسائل التي تنهض بها ومن خلالها الشعوب والدول، ويتوقف عليها تقدم وعيش من ينتمون إليها.

ليس هناك ما هو أكثر مجافاة للعقل والمصلحة الوطنية من الحل الأمني الذي اعتمده النظام في معالجة أزمة لا تحل بالأمن والعنف، وليس هناك من وهم أكبر وأخطر من وهم يوحي لأهل السلطة بأن حلهم الأمني يستطيع أن يجنبهم دفع ثمن الأزمة: وأن يجبر الشعب على مواصلة الدفع، مع أن وقائع الصراع تقول عكس ذلك تماما، والدليل: عجز النظام عن وقف التمرد المجتمعي الكبير وعن إخراج المواطنات والمواطنين من الشارع.

سيدفع النظام ثمن ما فعلته يداه في سوريا. هذه حقيقة تؤكدها نظرة عالمية عامة إليه، تشمل حتى مؤيديه من الروس والصينيين والإيرانيين، ترى فيه نظاما صار من المحال استمراره ودخل في مرحلة جعلته انتقاليا بمعنى الكلمة، فلا يفكر هؤلاء بغير بديله، الذي يبدو كمعضلة عويصة يصعب حلها، تطرح عليهم تحديات صعبة، سببها الرئيس استحالة بقاء النظام السوري على حاله، وحتمية وصوله إلى لحظة لا مهرب منها، سيتعين فيها الثمن الذي سيدفعه، في واقع داخلي أفقده جميع مصادر ومظاهر شرعيته، وعربي قطع معه بصورة حاسمة، ودولي لم تعد تربطه معه غير فكرة رئيسية هي أنه صار عبئا عليه!

=================

الولايات المتحدة قادرة على تشكيل فارق في سوريا

ريتشارد كوهين

الشرق الاوسط

28-3-2012

على مدى أكثر من عام أكدت لي (ولكم) أفضل العقول في واشنطن أن نظام بشار الأسد على وشك السقوط. هذه التأكيدات دائما ما كانت تطرح بثقة كبيرة، بيد أن الأسد النحيل، طبيب العيون الذي يرتدي قناع طاغية لا يزال يواصل ذبح شعبه ويدمر ويخرب أحياء بأكملها، وشجع الجامعة العربية والأتراك وحتى الاتحاد الأوروبي - في إجراء كان من الواضح أنه يهدف إلى التأثير على الأسد - على منع زوجته من التسوق عبر القارة. كان شيرمان على صواب فالحرب جحيم.

عندما أبعدت عنه بطاقته الائتمانية، واصل الأسد حربه التي حصدت زهاء 10,000 شخص، وما يزيد على 100,000 لاجئ، وتسببت في مأساة واسعة النطاق في سوريا. لكنها أماطت في الوقت ذاته «لثام الخوف»، التعبير الذي صاغه مساعد وزير الخارجية الأسبق جيمس روبين. وقد استخدمه للإشارة إلى الاعتقاد الذي شاع في السابق بأن عائلة الأسد لا تقهر وأن تحديها سيأتي بنتائج وخيمة للغاية. هذا الاعتقاد لم يعد قائما، فعدد كبير من الأفراد يتحدونهم منذ فترة الآن. كانت التكلفة كبيرة، لكن الثورة تستمر رغم ذلك، وقد تمزق اللثام.

ما تبدد أيضا هو الاعتقاد الساذج بأن الأسد سيسقط في سوريا كما سقط حسني مبارك في مصر، وينتهي به المطاف إلى قفص الاتهام. لكن مبارك ما كان أو لم يكن ليستخدم القوة المفرطة ضد شعبه. أما الأسد فقد فعلها وسيواصل القيام بذلك أو إلى أن تقود الولايات المتحدة جهود التخلص منه. فمن الواضح أن السعودية أو تركيا لا تودان الاضطلاع في هذه المهمة.

وكما هو الحال في ليبيا، هناك أسباب لعدم التورط في الحرب، فالبعض يرى أن سوريا ليست معركتنا. لكن مع وجود الكثير من الأرواح البريئة على المحك، فليس هناك خطأ في استخدام القوة الأميركية في القضايا الإنسانية، فلم يكن للولايات المتحدة ناقة أو جمل في البلقان، لكنها أنهت الرعب هناك عبر قصف مواقع الجيش الصربي ثم صربيا نفسها. تلك العملية كانت قصيرة بالكاد - استمرت 78 يوما - لكنها لم تكلف الولايات المتحدة روحا واحدة، ونفس الشيء كان في ليبيا، لم تفقد الولايات المتحدة جنديا واحدا.

يمكن أن تشكل القوة الجوية الأميركية فارقا في سوريا. فهي قادرة على الحد أو وقف الدمار الذي تسببه مروحيات ودبابات الأسد، على الرغم أن ما ذكر عن استخدام الأسد للأفراد كدروع بشرية ووضع الأطفال على الدبابات يجعل هذه المهمة أكثر صعوبة. رغم ذلك، لم يتمكن هذا النظام خلال عام من هزيمة معارضة منقسمة ومشتتة، وربما يمكن هزيمتها بسهولة.

إذا ما تحركت الولايات المتحدة في النهاية، ستلحق بها روسيا. ويا للأسى، لكن الأهم من ذلك ستكون إيران. سوريا من الناحية الافتراضية دولة دمية، وسقوط نظام الأسد سيشكل ضربة قوية لإيران. وستكون من ناحية أكثر براغماتية نعمة لإسرائيل، فإيران تمد حزب الله وحماس بالسلاح والمال عبر سوريا. ويمكنك توقع أي شيء عدا مستقبل الشرق الأوسط، غير أن إسقاط نظام الأسد سيكون له نتائج مشجعة للولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة.

الحجة ضد تحرك الولايات المتحدة - تسليح الثوار وإقامة منطقة حظر للطيران أو حتى القصف - هي أن المنحدر الزلق يلوح في الأفق، لكن بيل كلينتون لم ينزلق في البلقان - فلم تطأ قدما جندي أميركي هناك - وكذلك لم يفعل أوباما في ليبيا. هذه العمليات يمكن احتواؤها.

ما يثير الحزن هو أن الدروس المستفادة من البوسنة تم تجاهلها، فرفض تسليح المعارضة لن ينهي الصراع أو يحد منه، ولكنه سوف يستمر. وفرض منطقة حظر للطيران يعني اختيار لاجئين محتملين وإقامة مسارح للقتل - أتذكرون سربرينيتسا التي قتل فيها 8,000 مسلم؟ الأسد يملك الكثير من الأسلحة الكيميائية، وهي بحاجة إلى التأمين.

فرض الغرب عقوبات على سوريا، وستؤتي هذه العقوبات ثمارها دون شك، فقد انخفضت قيمة العملة إلى أدنى مستوى لها وسرعان ما سيصبح التهريب الشركة رقم 1 في البلاد. وقد أعلنت أميركا الآن أنها ستقدم مساعدات غير قتالية للمعارضة.

هذا سيساعد دون شك، لكن التردد تجاه تدخل حقيقي - المناشدة الواضحة للأسد سيئ النية هو أن يكون صاحب قلب - يجب أن يتوقف. أوباما سيتلكأ وستفقد الأرواح. في ليبيا كان أوباما يقود من الخلف وفي سوريا لم يتول القيادة على الإطلاق.

* خدمة «واشنطن بوست»

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ