ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الخميس 05/04/2012


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

سوريا .. نهر الدماء لم يتوقف

الراية

4-4-2012

بقلم :أنور صالح الخطيب

(كاتب وصحفي أردني)

رغم إعلان السلطات السورية عن الموافقة على خطة كوفي عنان وقبولها بنقاطها الست وموافقتها على بدء سحب قواتها من الشوارع وضمن مهلة تنتهي في العاشر من ابريل المقبل إلا أن أعمال القتل والعنف ومحاصرة المدن وقصفها لم تتوقف لحظة.. فالدم السوري ما زال يسيل والنظام يراهن على إخماد انتفاضة الشعب السوري لكي يستمر في السلطة.

لقد نص الرد السوري على المبعوث الدولي والعربي كوفي على أن "تبدأ القوات السورية على الفور" بوقف استخدام الأسلحة الثقيلة، والانسحاب من وسط التجمعات السكانية" على ان ينتهي تنفيذ هذه الخطوات بحلول العاشر لكن لا يوجد على الأرض ما يشير إلى بداية لتحقيق هذا الالتزام. كما أن مندوب سورية في الأمم المتحدة بشار الجعفري يتحدث عن مفاوضات أخرى مع عنان قبل قبول سورية بنشر المراقبين الدوليين.

موافقة النظام في سورية على خطة عنان التي تتحدث عن وقف العنف من جميع الأطراف تحت إشراف الأمم المتحدة وسحب القوات العسكرية وتقديم مساعدة إنسانية إلى المناطق المتضررة وإطلاق المعتقلين تعسفيا والسماح بالتظاهر السلمي هدفت كما يبدو إلى تخفيف الضغط الدولي على النظام السوري ومحاولة شراء الوقت لقمع وإرهاب الشعب السوري ومنعه من التظاهر السلمي في مرحلة بدء تنفيذ الخطة التي حددت السلطات السورية بدء تنفيذها في العاشر من شهر ابريل الجاري.

النظام السوري الذي حول الثورة السورية من ثورة سلمية إلى ثورة مسلحة بلجوئه إلى خيار العنف والقتل في مواجهة المحتجين طيلة أكثر من عام من عمر الثورة لا يمكنه أن يتقبل في المستقبل القريب تظاهرات سلمية تطالب بتغيير النظام والإطاحة بالرئيس.

ما يجب ان يدركه النظام في سورية أن جدار الخوف الذي حكم سورية طيلة عقود طويلة قد انهار مرة واحدة والى الأبد وان الشعب السوري الذي خرج مطالبا بالحرية والديمقراطية وقدم أكثر من تسعة آلاف شهيد وعشرات الآلاف من الجرحى والمصابين والنازحين لا يمكنه بأي حال أن يتنكر لدماء أبنائه الذين سقطوا على مذبح الحرية وهو سيواصل ثورته حتى تتحقق مطالبه.

لقد كان بمقدور النظام السوري الذي وافق على وقف القتل والعنف أن يوفر على الشعب السوري دماء الضحايا فيعلن مبكرا قبوله بالمطالب الشعبية وقبوله بالحوار مع جميع أطياف الشعب السوري لبناء سورية الجديدة لكنه أضاع البلاد في الحديث عن المؤامرات الخارجية التي تستهدفه" كنظام ممانعة ومقاومة"واغرق المدن والبلدات السورية بأنهار من الدماء وأعاد سورية إلى الوراء سنين طويلة.

لا ادري بأي وجه سيقدم النظام السوري روايته الآن للشعب السوري بعد أن اضطر لقبول التدخل الدولي الخارجي في أزمته واضطر لقبول مبادرة دولية ستجبره على سحب قواته من المدن والبلدات السورية بعد أيام فهل سينتهي حديث المؤامرة الخارجية أم سيتوقف...!!

في العاشر من ابريل الجاري -إن جرى الالتزام بخطة عنان- سيجد النظام السوري نفسه أمام مئات الألوف من أبناء الشعب السوري يخرجون للشوارع يتظاهرون ويطالبون بالحرية والتغيير فهل سيسمح لهم بالتظاهر أم سينقض على خطة عنان ومبادرته فيطلق الرصاص مجددا على المتظاهرين ذلك سؤال ستجيب عنه الأيام القليلة المقبلة.

آمل أن يطلع نهار العاشر من ابريل على المدن والبلدات السورية مختلفا فيتوقف القتل ويصمت الرصاص فلا يعود المواطن السوري مجرد ضحية ورقم على شاشة الفضائيات

ضحية لنظام أمعن في القتل تشبثا بالسلطة ورقم يضاف إلى آلاف الضحايا الذين لا نعرفهم نحن الذين نراقب ما يحدث في سورية لكن أديم سورية وترابها يعرفهم فدماؤهم أضاءت شعلة التغيير وأجسادهم عبدت الطريق نحو الحرية التي يراها الشعب السوري حقا لا يمكن التنازل عنه ويراها النظام وشبيحته مؤامرة خارجية.

=================

أمريكا التي نكرهها.. ونريدها!!

يوسف الكويليت

الرياض

4-4-2012

  معروف كيف اهتمت أمريكا بالمنطقة، وكيف رسمت خطة أول انقلاب في المنطقة في سوريا وأدوار الشركات والسفارات، وكل ما يتعلق بأي رجل أمريكي أو بريطاني يعمل لحساب الاستخبارات بأي قطر، ولعل كتاب «لعبة الأمم» (لمايلز كوبلاند) كان مثار الجدل بين أوساط عربية ودولية، بكشفه الأدوار التي أعطت أمريكا وبريطانيا تغيير كراسي الحكم في أكثر من بلد عربي وخارجي منذ أوائل الستينات وحتى اليوم..

الاتجاه الأمريكي لم يتغير، بل تطور وفقاً لكل مرحلة، وبقيت إسرائيل الهم الرئيسي في أي تحرك بالمنطقة العربية، لكنها في سنواتها الأخيرة، ومنذ الخدعة الساذجة التي غررت بها الدولة العظمى شخصيات عراقية كانت ضمن دائرة المتعاونين مع أجهزة استخباراتها والموثوق بهم، تحالفت الرغبة في الإطاحة بالنظام الصدامي لامتلاكه أسلحة دماء شامل، لكن الهدف اسطوري خرافي كشف أن الرئيس بوش الابن كان على ثقة أن «يأجوج، ومأجوج» سوف يخرجون من العراق ويدمرون الدين المسيحي بكل طوائفه ولذلك سارع للاستيلاء على العراق لهذا الهدف، وبصرف النظر عن اختلاط العمل السياسي بالخرافة، إلا أن السفارة الأمريكية في بغداد لا تزال تمارس عملها بشكل لم يغير انسحاب قواتها منه..

فقائمة علاوي كشفت كيف أصبح السفير الأخير يدير الحكم ببغداد من خلال لعبة أمم جديدة، وأنه منحاز للطائفة الشيعية وبلا تحفظ، مما يثبت أن إيران دخلت العراق من البوابة التي فتحتها أمريكا، وساعدت على تصفية مختلف الطوائف والتيارات، هذا إذا لم يكن قطع العراق عن محيطه العربي، متفقاً عليه مسبقاً مع إيران..

الثورات العربية الجديدة، وإن ظلت الصورة تقول إنها انفجار شعبي قادته مجموعات شبابية ليس لها اتجاهات حزبية، إلا أن المثل القائل «الأفكار تبتكرها الأرانب وتستغلها الأسود» صورة للواقع الجديد، أي أن تلك الفئات مهدت الطريق لقوى إسلامية أن تصعد وتهمش من قادوا تلك الثورات، والدلائل المسربة من أمريكا وإسرائيل ودول أوروبية تراقب وتساهم بحركة المستجدات العربية، تفصح أن خبراء وأموالاً، ووسطاء أمريكيين هيأوا لتلك العمليات ودعموا الكثير من التيارات من خلال خطط وضعت سلفاً..

قد يلوم الكثير من العرب مثل هذا الاتهام وعدم تصديقه، لكن ما جرى بكشف شخصيات وتنظيمات قامت بالحوار، والأدوار الخفية، وكيف نشأت أزمة بين مصر وأمريكا، يعرف أن الدولة العظمى لم تكن غافلة أو أنها فوجئت، كما يزعم البعض بحركة الربيع العربي..

قطعاً لا يجوز التضخيم من العمل الأمريكي، وكأنه داخل مسام أجسامنا وأدمغتنا، وأنه وحش هائل يتحرك بآلات وعقول لا يمكن تحديد ما تريد، وما تقوم به، لكن بنفس الوقت علينا أن نفهم أننا محاطون بسياسة أمريكية تريد رسم خططها وفق مصالحها المتعددة..

فهي دولة يعاديها العالم ويحتاجها، وهنا مركز الثقل، فحتى زمن الاتحاد السوفييتي، ظلت القوة الأكثر تأثيراً في العمل السياسي والاقتصادي والتقدم التقني، وهي التي بدعايتها، الجهنمية استطاعت إسقاط الغريم الشيوعي، لكن أدوارها في منطقتنا تنصب على معادلة إسرائيل بالوطن العربي كله، وهذا أمر يختصر النظرة لها، بأنها عدو لا بد من التعامل معه، لكن بفهم خططه والدور الذي يستهدفه، وبحذر الواعي، لا من تخدعه أساليب السياسة..

=================

سوريا..العلة في التنفيذ

رأي البيان

التاريخ: 04 أبريل 2012

البيان

لم يُغلق باب الأمل على حل سلمي للأزمة في سوريا، فموافقة دمشق على خطة المبعوث الدولي العربي كوفي أنان وتعهدها بسحب كل وحداتها العسكرية من المدن بحلول العاشر من ابريل الجاري، خطوة أولى في الاتجاه الصحيح، فالشعب السوري دفع الثمن غالياً للحفاظ على استقلالية سوريا كدولة، بعيداً عن التدخل العسكري الخارجي، وهو بموقفه هذا يستحق طريقة سلمية لتحديد مصيره ومصير بلده.

الأنظار تشخّص الآن إلى تاريخ العاشر من أبريل باعتباره «نافذة الحل الأخيرة»، فالتوافق الدولي الذي حظي به أنان بخطته التي تتضمن ست نقاط، من الصعب ان يتكرر في ظل الانقسام الحاد في المواقف الدولية والإقليمية حول «اجتهادات» الحل المناسبة.

بالإضافة إلى ذلك، لا يمكن إنكار أن أنان نجح في توسيع الثقوب الصغيرة في جدار الاستعصاء السياسي في سوريا، وانبعاث الأمل حول مخرج سلمي للأزمة يعد من نجاحات ما قبل الحل الحقيقي.

لكن الخطة دونها عقبات لا يمكن التقليل من شأنها، حيث أثبتت تجارب عام كامل من المبادرات والدعوات الموجهة لدمشق بهدف الانحياز إلى صوت الحكمة والعقل بعيداً عن الحل الأمني لا تجعل من موافقة النظام السوري الأخيرة على خطة انان اتجاهاً قطعياً للحل السلمي، فسابقة تجربة السلطات في دمشق مع مهمة المراقبين العرب تشير إلى أن العلّة تكمن في التنفيذ وليست في الموافقة.

لكن لا يبدو أن هناك فرصة أخرى تلوح في الأفق، فخطة أنان وفقاً للمعطيات الدولية والإقليمية والداخلية تبدو بمثابة «الفرصة الأخيرة» التي سيعني فشلها خلق اتجاه مشروع بتسليح الجيش الحر وانتقال السلاح إلى المدنيين من الطرفين، المعارضة والنظام، وهو ما قد يفتح أبواب سوريا أمام نموذج من الاقتتال الداخلي يفوق ما شهده العراق ولبنان.

إن دمشق مدعوة إلى الاحتكام لسوريا، والإخلاص لسوريا التي تحولت نتيجة الحلول الأمنية إلى ساحة صراع إقليمية ودولية، وهذا الصراع لا يأبه لمصالح الشعب السوري الذي سعى جاهداً للإبعاد، والابتعاد، عن التدويل والانزلاق إلى لعبة السلاح. وهذا الصراع بالضرورة لا يأبه لمصالح النظام السياسي، مما يستدعي تجاوباً صادقاً من دمشق في تنفيذ بنود الخطة من دون تلكؤ للحفاظ على النسيج الاجتماعي المتنوع في سوريا.

=================

ماذا بعد "فرصة" عنان للنظام السوري؟

تاريخ النشر: الأربعاء 04 أبريل 2012

محمد الحمادي

الاتحاد

إيران تدفع وروسيا تدافع والمجتمع الدولي والعرب يتدافعون أما المدفوع إلى المجهول فهو الشعب السوري. ذاك هو المشهد التراجيدي الذي يعيشه السوريون وأصدقاؤهم ومن يتمنون الخير لسوريا، فأكثر من عام وهذا الشعب يعيش انتفاضته الشعبية المشروعة ضد نظامه، والعالم من حوله يتدافع متخبطاً، يخرج من اجتماع ليدخل في اجتماع آخر، ويتبنى قرارات لتأتي بعدها قرارات أخرى لا تختلف عن سابقتها، ويشكل لجاناً ووفوداً لتأتي لجان غيرها ووفود أخرى تحل محلها.

آخر تلك التحركات كانت محاولة عنان المبعوث المشترك للأمم المتحدة والجامعة العربية، والذي أبلغ مجلس الأمن أن سوريا أبلغته أمس الأول بالموافقة على وقف القتال في العاشر من الشهر الحالي، وأن الوقف الكامل لأعمال العنف يجب أن يتم خلال الساعات ال48 التي تلي هذا الموعد. وتتكون خطة عنان من ست نقاط هي: الالتزام بالعمل من أجل عملية سياسية شاملة يقودها السوريون، وقف جميع عمليات القتال، هدنة لإدخال المساعدات الإنسانية، الإفراج عن كل المعتقلين تعسفياً، ضمان حرية الحركة للصحفيين، واحترام الحق في التظاهر السلمي.

والسؤال هو من اليوم وحتى يوم الخميس بعد المقبل، ما الذي يضمن التزام النظام السوري بهذا الوعد، خصوصاً أنه لم يعد خافياً على أحد "شراء" النظام السوري للوقت لتصفية أكبر عدد من معارضيه؟ لا شيء يضمن، وبالتالي فالسؤال التالي هو: ما الذي سيقوم به العالم تجاه عدم تنفيذ خطة عنان؟ هل سنكون على موعد جديد لمؤتمر أصدقاء سوريا ليؤكد العالم ما سبق وأكد عليه؟!

إن المجتمع الدولي بتباطئه في التعامل مع أزمة الشعب السوري يكون شريكاً في كل قطرة دم تُسال على تلك الأرض، فالعالم بتباطئه يعطي النظام فرصةً أكبر لتصفية معارضيه. وروسيا التي لا تتوقف عن الدفاع عن النظام السوري وحمايته من أية عقوبات دولية ترتكب خطأً في حق هذا الشعب الأعزل.

والأمر المثير في هذه القضية هو تباطؤ العالم في إنقاذ الشعب السوري الذي قتل منه إلى الآن -حسب أرقام المنظمات الدولية- أكثر من عشرة آلاف شخص بينهم كثير من الأطفال والنساء، ولا يزال النظام السوري يقول إنه يحارب إرهابيين ومجرمين. والملفت أكثر في القضية السورية أن العالم الغربي الذي يتكلم عن حرية الشعوب يقف عاجزاً أمام ما يقوم به النظام السوري من جرائم في حق المدنيين، وهذا موقف غريب يثير اشمئزاز أي عاقل في العالم.

إذا كانت إيران -حسب التقارير الغربية- تدفع فواتير حرب النظام السوري ضد شعبه فلماذا يتردد العالم في دعم فواتير مقاومة هذا الشعب ضد نظام لم يرحمه عندما طالب بحقوقه بل ظلمه طوال سنوات كثيرة وأمعن في ظلمه؟! وإيران تفعل ذلك حفاظاً على مصالحها في المنطقة، فلماذا لا يقاتل العرب من أجل المحافظة على حقوقهم المشروعة؟!

الدول العربية مطالبة بالخروج من عباءة ردة الفعل والانعتاق من انتظار الموقف الغربي والدولي، فالغرب له مصالحه المادية التي اتضح أنها تحركه أكثر مما تحركه أية مبادئ أخلاقية أو إنسانية، لذا فإن الانتظار أكثر لا معنى له.

الحكومة التركية أثارت غضب المعارضة السورية واستياء الكثيرين بسبب موقفها المتقاعس واكتفائها بترديد الشعارات والالتزام بالكلام بما لا تفعله في هذه القضية السورية، وفي مقابل ذلك تصر تركيا على أنها تبذل ما بوسعها وأنها لن تتخلى عن الشعب السوري.

والواقع أن تركيا تكتفي بلعب الدور البروتوكولي في هذه الأزمة فموقفها المتردد بين عدم وضوح توجهها في هذه الأزمة، وفي مؤتمر أصدقاء سوريا الذي عقد في إسطنبول منذ أيام وشارك فيه ممثلو أكثر من سبعين دولة وناقش تقديم الدعم للمعارضة وزيادة الضغط على حكومة الأسد لتطبيق بنود خطة السلام التي اقترحها عنان. أما رئيس "المجلس الوطني السوري" برهان غليون فطالب بتسليح الجيش السوري الحر. وبينما لا يتوقف أصدقاء سوريا عن المطالبة والكلام الدبلوماسي المنمق فإن النظام السوري لا يتكلم إلا بلغة السلاح التي تفتك بكل شيء على وجه الأرض.

وإذا كان العالم الحر لا يريد الوقوف مع هذا الشعب فعليه أن لا يعده بأي شيء ولا يدفعه إلى الأمام أكثر فأكثر إلى أن يسقط في الهاوية، كل ما يريده الشعب السوري اليوم هو المال لشراء السلاح دفاعاً عن نفسه، فهل لدى العالم الغربي أو العرب أي شك في أن هؤلاء مواطنين سوريين يطالبون بحقوقهم وبالتالي يستحقون الدعم أم أن هناك شكاً في أن تلك الأموال وذلك السلاح قد يقع بأيدي الإرهاببيين أو الجماعات الإسلامية المتطرفة؟!

العالم بحاجة إلى قليل من الصدق مع شعب يريد الخلاص من نظام جثم على صدره لأكثر من أربعين عاماً، يريد الخلاص من نظام حول البلد إلى إقطاع لعائلة الرئيس وأصدقائه وأفراد حزبه. إنه حق مشروع في زمن أصبحت فيه كلمة الشعب هي العليا. والسؤال الأخير: هل من المجدي الحديث بالسياسة مع نظام لا يفهم إلا لغة السلاح؟

=================

اللغة التي لا يفهم النظام السوري غيرها..

خيرالله خيرالله

المستقبل

4-4-2012

كان انعقاد القمة العربية في بغداد مهما لسببين. السبب الاول انهم ارادوا اظهار انهم ليسوا معادين في المطلق لايّ نظام جديد في العراق بغض النظر عن الجهة المذهبية المهيمنة في البلد ومدى ارتباطها بايران كنظام، لا همّ له سوى اثارة الغرائز المذهبية في المنطقة. اما السبب الثاني والاخير فهو عائد الى ان القمة كشفت العجز العربي عن اتخاذ مواقف حازمة من جهة واكدت ان المنطقة تمر بمرحلة انتقالية من جهة اخرى.

في مرحلة انتقالية من النوع الذي يمرّ فيه الشرق الاوسط، ليس في استطاعة القمة سوى اتخاذ قرارات مائعة بدليل من اللغة الوحيدة التي يفهمها النظام السوي وهي لغة القوة. الدليل على الميوعة التي يلجأ اليها بعض العرب ذلك القرار الغامض المتخذ في شأن النظام السوري والوضع في هذا البلد العربي المهمّ. يمكن لاجتماع "اصدقاء سوريا" في اسطنبول ان يعوض عن ذلك، خصوصا ان المملكة العربية السعودية تبدو مصممة، مع دولة قطر، على الذهاب بعيدا في المواجهة مع النظام السوري الذي احتضنته المملكة في مراحل عدّة كان يمرّ فيها بازمات حقيقية ايام الاسد الاب والاسد الابن بالذات. ولكن يبدو، الى الان، ان النظام السوري لم يجد سوى نكران الجميل اساسا يبني عليه سياسته تجاه المملكة وتجاه كلّ من ساعده في الماضي القريب!

في كلّ الاحوال، سيفسّر النظام السوري الموقف الذي اتخذته القمة العربية بالطريقة التي تعجبه. كلّ ما يستطيع ان يفهمه من القرار العربي هو ان هناك اعترافا بشرعيته وان على الآخرين، بما في ذلك المعارضة، التفاوض معه بموجب شروطه وذلك بغض النظر عمّا ارتكبه في حق الشعب السوري. الاهمّ من ذلك، ان العرب لا يريدون الاعتراف بانّ هذا النظام، الذي عمره تسعة واربعون عاما، هو نظام غير شرعي اصلا وهو ثمرة انقلاب عسكري لم تنته فصوله بعد.

بدأ الانقلاب الذي نفّذه العسكر باستيلاء حزب البعث على السلطة في ظلّ واجهة مدنية لم تدم سوى عامين تبعها استيلاء العسكر على السلطة على نحو مباشر. بعد ذلك، اي ابتداء من العام 1963، راح الضباط العلويون الثلاثة الكبار، اي محمد عمران وصلاح جديد وحافظ الاسد يضعون يدهم على كلّ مفاصل السلطة. في السنة 1970، لم يعد في سوريا سوى رجل واحد يتحكم بكل التفاصيل. كان هذا الرجل حافظ الاسد وزير الدفاع السابق الذي ليس معروفا بعد لماذا خسرت سوريا الجولان في اثناء وجوده في ذلك الموقع المحوري ولماذا انصرف باكرا الى ارسال الاسلحة والمسلّحين الى لبنان من اجل تفجير الوضع فيه.

من الضروري العودة قليلا الى خلف لفهم طبيعة النظام السوري. ورث بشّار الاسد نظاما اكتشف باكرا انه اسير لمنطقه. لم يمتلك الرئيس السوري الحالي يوما ما يكفي من الخبرة السياسية لاكتشاف ان هناك سياسة اخرى في هذا العالم مختلفة عن سياسة الغاء الآخر. رفض بشّار الاسد ان يتعلّم شيئا من تجارب الماضي القريب. ربّما كان اهمّ شيء رفض الاعتراف به ان العالم تغيّر وانّ ما كان يصحّ في السبعينات والثمانينات والتسعينات من القرن الماضي لا علاقة له بمرحلة ما بعد انتهاء الحرب الباردة.

لم يستطع الاسد الابن استيعاب ان عليه الانتقال بسوريا الى عالم آخر. تمسّك بالعالم القديم. سقط ضحية الشعارات التي كان والده يستخدمها في خدمة اهداف معيّنة. صدّق الشعارات، بما في ذلك، ان "حزب الله" الايراني يمثّل "المقاومة" وانه اقام توازنا استراتيجيا مع اسرائيل انطلاقا من جنوب لبنان. ما لم يحد عنه هو بقاء جبهة الجولان مغلقة والاستعاضة عن ذلك بالمتاجرة بلبنان واللبنانيين وفلسطين والفلسطينيين. لكنّ ما يجمع بين الاسد الاب والاسد الابن هو ذلك العجز عن اتباع اي سياسة ايجابية ان في اتجاه دول المنطقة او في اتجاه السوريين... من دون الضغط الخارجي.

من يحتاج الى دليل على ذلك، يستطيع العودة الى العام 1998 حين اضطر النظام السوري الى طرد عبدالله اوجلان زعيم "حزب العمال الكردي" من اراضيه. لم يقدم على هذه الخطوة التي انتهت في العام 1999 بقبض الاتراك على اوجلان الاّ بعد تهديد تركيا "سوريا الاسد" بانّ جيشها سيدخل من الشمال وسيخرج من هضبة الجولان.

تبيّن ان تلك هي اللغة الوحيدة التي يفهمها النظام السوري الذي ما لبث ان اعترف بان لواء الاسكندرون السوري الذي كان يسمّيه "اللواء السليب" ارض تركية. تخلى بين ليلة وضحاها عن لواء الاسكندرون. لو طرح العرب المشاركون في قمة بغداد سؤالا عن السبب الذي دفع الى ذلك، لكانوا اتخذوا موقفا مختلفا من النظام السوري. المشكلة ان العرب في قمة بغداد كانوا يعبّرون عن المرحلة الانتقالية التي تمرّ بها المنطقة اكثر بكثير عن الواقع الشرق الاوسطي. وهذا يعني في طبيعة الحال انهم لا يريدون ان يفهموا ان لغة القوة هي اللغة الوحيدة التي يمكن التعاطي من خلالها مع النظام السوري... الاّ اذا كان في اعتقادهم انهم يتعاطون مع نظام آخر على علاقة بما يدور في العالم، نظام اخذ علما بانّ برلين الغربية انتصرت على برلين الشرقية وليس العكس وان جدار برلين سقط في التاسع من نوفمبر 1989!

=================

سورية وحصان طروادة

نهى المصري

2012-04-03

القدس العربي

قال هنري كيسنجر وزير الخارجية الأمريكي السابق مؤخرا إن 'طبول الحرب تدق الآن في الشرق الأوسط وبقوة، ومن لا يسمعها فهو أصم'.

وهو يرى أن الأمريكان قد استحوذوا على ثروات العالم فتحكموا في دوله، ويبقى أن يتحكموا في غذائه حتى يتحكموا في الشعوب، فهل تتحقق نبوءة كيسنجر باستمرار سيادة النظام الرأسمالي، مؤكدًا أفكار فوكوياما بنهاية العالم وانتصار الرأسمالية على سائر المبادئ والأفكار والدول؟ ام نحن أمام انحرافة حادة في مجرى التاريخ سوف تطيح بمنظومة كاملة من الأفكار والمباديء تلك التي تم تسخيرها من أجل تأطير مشروعية أنظمة تحكمت بمصائرنا لعقود؟ ولعل الأهم، ماهي مؤشرات انهيار هذه المنظومة؟ وهل سيمهد له من خلال حروب الضرورة؟ أم بفعل الحتمية التاريخية والتي قدر لها ان يكون الربيع العربي أحد أهم محركاتها؟

لا شك أن أحد أهم إنجازات الربيع العربي، أنه كسر الصورة النمطية الغربية عن عالمنا العربي، والتي كانت تسمه بالسلبية والانهزامية، فنقلته الى موقع المبادر بعد أن أصبحنا أصل المنشأ لظواهر سياسية كان العالم الغربي مصنعها ومصدرها لعقود.

أما كيف سيؤثر الربيع العربي على الخريطة السياسية للشرق الأوسط، يبدو أن هذا الأمر مقلق لكافة الأطراف وأعني هنا إسرائيل والديمقراطيات الغربية من جهة ومن تبقى من ديكتاتوريات عربية من جهة أخرى، سيما ان التواطؤ بين الطرفين بدا وضحا من خلال المواقف الغربية المتباينة من الثورات العربية الأمر الذي كشف عن أزمة عميقة في هيكل النظام الديمقراطي،وهكذا انفضحت العلاقة بين منظومتين ملأتا بعدائهما الدنيا وشغلتا الناس ليتبين أنهما كالجسد والروح بقاء أحدهما يستدعي وجود الآخر، لكن هل السقوط يخضع لنفس المقاييس؟

إن معايير الدول الرأسمالية وإن كانت ساقطة منذ مدة طويلة بسبب ازدواجيتها، غير أن مواقفها تجاه الأزمة السورية أطاحت بما تبقى من شعاراتها حول الحرية والعدالة وذلك بعد اكتفت برفع الصوت تنديدا بانتهاكات النظام السوري في حين بقي مستوى فعلها في الحضيض، لكن منظومة أخرى تسقط اليوم وهي التي استثمرت عدائها للقوى الرأسمالية والصهيونية والتي ارتدت قبعة المقاومة لعقود وأعني هنا القوى التي تشكلت انطلاقتها من عناصر شيوعية واشتراكية وقومية عربية لتنكفىء لاحقا بعد استئثار حزب الله بقبعة المقاومة التي اصطبغت بألوانه تلك التي بهتت بفعل معايير الحزب المزدوجة تجاه الربيع العربي الذي دعم ومايزال النظام السوري الذي يقتل الأطفال والنساء والشيوخ بدم بارد ومع ذلك مازال الحزب وتلك القوى من خلفه تصنف القاتل، بالممانع والمقاوم دون أن يرف لها جفن!.

اذن من الواضح ان المنظومة السياسية والفكرية التي طغت لعقود هي اليوم آيلة للسقوط، بعد أن نفق عدد من قطيع زعماء امتهنوا الخداع الى أن تمزق الطوطم القديم،هذا يذكرنا بعبارة شهيرة لنيكولا ميكافيللي يقول فيها ' عندما يمارس جميع السياسيين أساليب الخداع يتوقف الخداع عن تحقيق اهدافه' لهذا وأمام هذا العري الكامل تسقط أحلام السياسيين المريضة تلك التي اخرجتها لغة الثورات العربية من سياقها التاريخي، لذلك يبقى السؤال مامدى واقعية كلام رجل مثل كيسنجر عندما يقول إن خطوة واحدة تفصله عن تحقيق حلم حياته وهو تكوين الحكومة العالمية التي ستقودها امريكا واسرائيل بالضرورة بعد أن تقتل إسرائيل أكبر عدد ممكن من العرب، وتحتل نصف الشرق الأوسط، حيث اعتبر ضرب ايران بمثابة المسمار الأخير في نعش كل من ايران وروسيا بعد أن تم منحهما الفرصة للتعافي والإحساس الزائف بالقوة.

إن هذا الطرح يذكرنا بالمروجين لمعركة هرمجدون التي تنتصر فيها اسرائيل على العرب تمهيدا لظهور المسيح المخلص والتي تصبح فيها الحرب وإراقة الدماء ضرورة تعبد بها طريق خلاصهم!

لست أدري إن كانت منطلقات كيسنجر دينية ولكن هل أخذ بالحسبان تأثير الربيع العربي على تلك الأحلام؟

أم أن سقوط الأقنعة بفعل هذا التأثير أدى الى التعجيل في تفعيل الخطط المبيتة للشرق الأوسط؟

بعيداعن الاتجاه الذي يريدنا أمثاله النظر نحوه لا بد ان نعي أن الربيع العربي، سواء اكتمل تأثيره أم لم يكتمل، فقد أسس لظاهرة 'تغيير المسارات 'وهو الأمر الذي يسعى الغرب لتجنب مفاعيله مادامت الأمور خارج تحكمه، ربما من هنا قد نشهد إعادة تموضع لكافة المتضررين من تغيير المسارات هذا، وتحديدا اولئك الذين سيطروا على مفاعيل عالمنا بسبب ضعف المتحَكم بهم وأعني هنا دمى اسرائيل وأمريكا في دولنا والمتساقطين الواحد تلو الآخر،الأمر الذي يفرض على الطرف المتضرر دراسة ما تبقى بين يديه كى يخدم أغراضه؟

لا بد من القول ان التغيير الذي أحدثته الشعوب'العربية يدل على أننا أمام قوة لا أحد يعلم حجمها، سيما انها ولدت خارج رحم المثقف العربي الذي فقد ملامحه بسبب مواقف بعض أبناء صنفه، من الثورات العربية التي توصف بالكارثية، وهم الذين يعول عليهم في الغالب كى يقوموا بدور الحاضن للمتغيرات والمحدد للنسق الذي يمكن لها أن تتطور من خلاله، كي يتم لاحقا بناء منظومة نظرية تحمي منجزات الثورة في الغالب، لكن هل غياب دورهؤلاء يجعل الربيع العربي أعرج؟

لقد عمل المعسكر القديم بنصفيه الغربي والعربي الممانع من خلال مفهوم واحد 'الغاية تبرر الوسيلة' هذه المعادلة والتي أسقطت المعسكرين، تشير الى أن الخيار الوحيد امامهما اليوم هو رفع شعار واحد وهو 'التشبث' بالمتاح أثناء السقوط للحد من الخسائر، وقد انعكس هذا 'التشبث' في تعاطي المجتمع الدولي مع الأزمة السورية، ربما لأن رصد تداعيات المتغيرات في المنطقة لم يكتمل بعد، ولكن الى متى يستطيع اللاعبون التحكم بعجلة التاريخ؟ وهل اشتعال الساحة السورية هو من المحظورات أم من الضرورات؟

وفق ما تقدم يبدو أن الأمر مفتوح على كل الاحتمالات ولعله مرهون بنتائج الحرب' البروفة' التي تجري اليوم على الاراضي السورية التي باتت الساحة الأوقع لتبادل الرسائل بين القوى المتصارعة، وربما ايضا لتصفية الحسابات وكذلك الرموز. ولعل أخطر ما في حرب البروفة،هو أن يصبح اشتعالها ضرورة لقوى لو نجحت في استثمار مكتسباتها في الساحة الحرب عندها،لا سلامة لأحد حتى يسأل عن عوضها، سيما ان الساحة السورية اليوم تمتلىء بكل القوى المتصارعة شرقا وغربا، أضف الى ذلك حالة الاستقطاب التي أحدثها تصاعد النعرة المذهبية، كل هذا يشي بأن ترتيبات لحرب تجري على قدم وساق وهي وإن يراد لها ان تكون بروفة إلا أن تطورها قد يخرج عن طوع أصحاب القرار السياسي الذي يعول عليه في الغالب لفتح فوهة البركان او سدها لكنه في النهاية يبقى بركانا ان فتحت أبوابه لا أحد يعلم الى أين يمكن لحممه أن تصل.

يبدو أن سوريا قد تحولت بأكملها اليوم الى حصان طروادة، من يتمكن من معرفة هوية المتخفي في جوفه؟ وأي حرب يريد أن يفتعل؟ وضد من؟

يمكنه الاحتفاظ لاحقا بالعبوة المفرغة كذكرى،هذا إن بقيت لنا أرض أو دار في تلك البقاع وماحولها.

=================

متى ينتهي القتل في سورية؟

محمد كريشان

2012-04-03

القدس العربي

لم يمض الكثير جدا على مهمة كوفي عنان في سورية حتى بدأ المبعوث الدولي والعربي يشير إلى أنه ليس هناك تقدم على الأرض لوقف العنف هناك. طلب الرجل من مجلس الأمن أمس الأول دعم تحديد مهلة تبدأ في العاشر من هذا الشهر للتطبيق الجزئي لخطة السلام التي وافقت عليها الحكومة السورية، كما طلب منه الشروع في التخطيط لبعثة مراقبة وقف إطلاق النار هناك.

يبدو أن عنان بدأ يواجه الآن ساعة الحقيقة في سورية التي سعى بحنكته الدبلوماسية إلى الظهور بمظهر من لا يستعجل الاصطدام بها. لقد بدأ التعثر في أول نقطة من خطته السداسية و أكثرها إلحاحا وهي وقف إطلاق النار. دمشق لا ترى ذلك ممكنا قبل أن يتوقف الطرف الآخر عن أي عمل عسكري ضدها فيما يرى هذا الأخير بدوره نفس الشيء رافضا المساواة بين قوتي نار لا مجال للمقارنة بينهما.

وإذا كان التعثر بدا يتجلى من الآن في تطبيق النقطة الأكثر بداهة لتمهيد الطريق لباقي النقاط وفتح مسلسل التسوية السلموية فكيف يمكن التقدم أصلا في تطبيق باقي النقاط؟!.

نظام الرئيس بشار الأسد بدأ يميل هذه الفترة إلى الاعتقاد بأن إحجام الدول الكبرى على مباركة أي تدخل عسكري ضده وعدم تحمس الكثيرين لتسليح معارضيه أمران يجب استغلالهما للقضاء النهائي على موجة الاحتجاجات ضده. لم يفلح في ذلك فاستمرت الحصيلة اليومية لسقوط القتلى مفجعة، وإن بدأ البعض يتعود عليها للأسف. مع ذلك لم ير هذا النظام ما يحول دون التظاهر بأنه تقريبا 'انتصر' في هذه المعركة. تجلى ذلك في تصريحات المتحدث باسم الخارجية السورية جهاد المقدسي الذي اعتبر أن 'معركة إسقاط الدولة (لم يقل النظام!) قد انتهت و بلا رجعة'، وأن 'العمليات العسكرية يمكن إيقافها لكن بعد إحلال السلام والأمن فقط' (وهذه عودة لنقطة البداية من جديد!)، وأن 'معركة سورية اليوم هي تثبيت الاستقرار وحشد الرؤى خلف مسيرة الإصلاح' (أي خلف الرئيس!!). تزامن هذا الخطاب السوري المحتفي ب'النصر' بموجة تصريحات لجوقة سورية في لبنان رأى أحد أبرز الناشطين فيها بأنه 'أصبح واضحا أنه لا يمكن إسقاط سورية (وليس نظامها!!) عبر الخطب الرنانة التي كان يقوم بها البعض أكان محليا أو إقليميا أو دوليا'.

ما لا يستطيع قوله الآن المسؤولون السوريون البارزون من كلام ينسف تحركات كوفي عنان ويتغنى بالتراخي الدولي لوقف آلة القتل ضد المحتجين، سلميين كانوا أو مسلحين أو حتى مدنيين في الشوارع والبيوت، أوكلوه لجماعتهم في لبنان حتى يشرعوا في ترويجه سواء بعباءة السياسيين المتحمسين لنظام الأسد أو بعباءة المحللين السياسيين، وما أكثرهم. و مع ذلك، فإن ما يقوله بعض المسؤولين السوريين الصغار هو من يعبر أصدق تعبير عن مزاج القيادة الحقيقي والذي يفضل قادة الصف الأول تجنبه من باب تجنب الاستفزاز الفج لتحركات عنان.

لنمعن النظر مثلا في ما قاله شخص لم نسمع باسمه من قبل هو محمد ضرار جمو رئيس ما سمي الدائرة السياسية للمغتربين العرب في سورية لتلفزيون لبناني اختار الوقوف بدوره مع النظام السوري ضد شعبه.

يقول هذا الرجل إنه لن يكون هناك وقف لإطلاق النار من جانب واحد في سورية وأن خطة كوفي عنان لن تنفذ إلا وفقا لنقاط أربع، جازما أن هذا هو كلام السوريين والقيادة السياسية والرئيس بشار الأسد. تقضي هذه النقاط الأربع (مقابل نقط عنان الست!!) بأن 'توقف مجموعة الأعراب المتآمرة على سورية تصدير الدعم المالي والعسكري وأن تتعهد بذلك، ويمنع التدخل في الشؤون السورية منعا باتا عبر قنوات التحريض الإجرامية والإعلام الكاذب وتمويلها، وأن يفهم الجميع بأن الحل لن يكون بأن يسلم الرئيس صلاحياته لنائبه فهذا لن يحدث إلا في الأحلام، و لن تجري انتخابات رئاسية قبل انتهاء ولاية الأسد عام 2014 بدقيقة واحدة'.

صحيح أن هذا الرجل قد لا يلزم القيادة السورية في شيء ولكنه عبر بأوضح الكلمات على ما تفكر فيه هذه القيادة حقيقة والتي تحاول حاليا مداراته بمراوغات وفذلكات يبدو أن صبر كوفي عنان عليها ليس طويلا.

إن التعثر الحالي في مجرد التوصل إلى وقف القتل اليومي في سورية، ناهيك عن المضي إلى غير ذلك من نقاط خطة التحرك الدولي تجاه نظامها، يعني أن 'المجتمع الدولي' لم يقم بأي خطوة خارج المربع الأول. وطالما ظل الجميع يراوح في هذه النقطة دون تقدم فمن حق السلطات في دمشق وجماعتها في لبنان وبعض أنصارها القليلين هنا أو هناك أن يحتفوا ب'نجاة نظام الممانعة' و'إفشاله المؤامرة الدولية ضده'... أما سقوط عشرات السوريين الأبرياء يوميا فمجرد تفصيل يترك للصحافة و نشرات التلفزيون ليجدوا ما ينشغلوا به قليلا!!

=================

مد المعارك وجزرها في سورية

الاربعاء, 28 مارس 2012

جيفري وايت *

الحياة

أوحت الحملة التي يشنها النظام السوري على «الجيش السوري الحر» منذ نهاية كانون الثاني (يناير) 2012، بأن النظام يربح المعركة، وأن المعارضة المسلحة تنهزم. لكن هذه الحرب لا تختلف عن غيرها من الحروب، وكفة الرابح والخاسر تختلف من فصل الى آخر. ففي مطلع كانون الثاني، بدا ان «الجيش السوري الحر» تفوق على الجيش النظامي في عدد من المناطق، وان النظام في موقع دفاعي. واليوم، يبدو أن كفة النظام هي الراجحة والجيش الحر ينسحب من كل الجبهات. لكنه لم يُهزم ولم يُستأصل بعد، والنظام لم يربح بعد، وليس حسبان ان الجيش هذا يستطيع مواجهة الجيش النظامي في معركة مباشرة ومفتوحة في محله، وهو يجافي الواقع والمنطق. و «الجيش السوري الحر» قوة «صاعدة» ونامية، ولم يكن «مكتمل النمو» والمقدرات يوم باشر التمرد والعمليات. ونقاط ضعفه كثيرة، لكن قدراته تترسخ وتتعزز مع الوقت.

غيّر «الجيش السوري الحر» وجه النزاع في سورية، وإذا مدت إليه يد المساعدة صار جزءاً من إستراتيجية سياسية واقتصادية وعسكرية ترمي الى إلحاق الهزيمة بالنظام.

و «الجيش السوري الحر» لم يهزم في حملة الشتاء الأخيرة، على رغم خسارته البشرية واضطراره الى الانسحاب من مناطق كان يسيطر عليها، فسلاحه لم ينزع، ولم «يستأصل»، ولم تتقوض معنويات عناصره. وعلى رغم النكسات في شباط (فبراير) والشهر الجاري، أحرز «الجيش السوري الحر» نجاحات لا يستهان بها.

ولا تقوم قائمة لهذا الجيش من غير تأييد الناس، ولا يبدو أنه خسر تأييد الشعب في المناطق التي اضطر الى الانسحاب منها، ولم تُلقَ عليه لائمة الدمار الذي لحق بها. فتظاهرات التأييد ل «الجيش السوري الحر» مستمرة، شأن تواصل التظاهرات ضد النظام.

ويبدو أن التعاون بين فرق الجيش هذا يتعزز. وبرزت مجالس عسكرية مناطقية وإقليمية في دمشق وحلب ودرعا وحماة، وأُعلن انشاء كتائب في حلب ودير الزور. وهذا مؤشر الى بروز بنى قيادة عليا تنسق بين الوحدات وقيادة هذا الجيش في تركيا، على رغم ان عدداً من الفرق ترفع لواء الجيش الحر من غير الاحتكام الى القيادة. وثمة مؤشرات الى تعاون وثيق بين عناصر «الجيش السوري الحر» في حمص، والمعارضة السياسية المحلية. ويبدو أن الاندماج بين ممثلي المعارضة المسلحة والقوى السياسية في الخارج يمضي قدماً، وثمة فائدة ترتجى من ارتقاء «الجيش السوري الحر» من مجموعة من الفرق المستقلة الى جيش تتماسك بنى قوته، يأتمر بتوجيهات القيادات السياسية والعسكرية العليا.

وليس «الجيش السوري الحر» غامضاً، فثمة معلومات كثيرة عن فرقه وكتائبه، ومنها: كتيبة خالد بن الوليد وكتيبة حمزة في الرستن، وكتيبة الفاروق في حمص، وهذه الكتائب تنشط في مناطق معينة، ولها سجل حافل في القتال، وقادتها معروفون. ومنذ نهاية كانون الثاني، تعاظم عدد الفرق المعارضة المسلحة التي خرجت الى العلن في سورية، وبلغ عددها بين 1 شباط و17 الشهر الجاري نحو 60 فرقة. وبعض هذه الفرق لن تكتب له الحياة، وبعضها الآخر مستقل عن «الجيش السوري الحر»، وعدد منها مرتبط بهذا الجيش.

يتعلم «الجيش السوري الحر» كيفية مواجهة النظام، وخطواته التكتيكية في محلها. فالهجمات على مراكز النظام ومواقعه كثيرة وناجحة، وهي تدمر العتاد، وتجني الاسلحة والذخائر، وتلحق الإصابات- وبعضها قاتل- بجنود النظام. والهجمات هذه تحض جنود الجيش النظامي على الانشقاق. وينصب الجيش الحر المكامن لمراكب النظام ومواكبه العسكرية، ويتوسل متفجرات مرتجلة لقطع خطوط الاتصالات بين النظام وقواته. وظهرت اسلحة مضادة للدبابات في ايدي الجيش الحر في محافظات إدلب وحماة ودرعا، وهو دمر أخيراً جسراً في محافظة درعا. وتوحي هذه الخطوة بأن «الجيش الحر» بدأ يدرك أهمية شبكة الطرق في حركة قوات النظام الاستراتيجية والعملانية.

وفي عدد من ساحات المعركة، واجه «الجيش الحر» مشكلة النقص في الذخائر ونفادها. وارتكبت وحداته أخطاءً عملانية، منها معركة ضواحي دمشق في كانون الثاني 2012، فالجيش الحر تحدى النظام وصادر مناطق قريبة من العاصمة. ومن أخطائه السيطرة على مناطق مثل الزبداني وجيوب منعزلة في حمص وإدلب. وتحرج هذه الخطوات النظام من جهة، وتطلق يده من جهة أخرى، في حشد القوات وشن هجمات كبيرة على المناطق هذه. ويؤيد السكان «الجيش السوري الحر»، لكن تواجده وسط السكان في المدن والأرياف يعرض المدنيين لهجمات النظام، فتحاصر قوات النظام المناطق التي يسيطر عليها «الجيش الحر»، وتقصفها، وتشن الهجمات عليها. ولا يرمي رد النظام الى تدمير وحدات «الجيش الحر» فحسب، بل الى الاقتصاص من السكان وحملهم على نبذه. وتبرز الحاجة الى تسليح «الجيش السوري الحر». ولا ترمي الخطوة هذه الى إلحاق الهزيمة بالنظام، بل هي جزء من استراتيجية سياسية واقتصادية وعسكرية لزعزعة النظام وكسر شوكته وحمله على الانهيار. 

* ضابط بارز سابق في الاستخبارات الاميركية، باحث في الشؤون الدفاعية، عن موقع «واشنطن انستيتيوت فور نير ايست بوليسي» الاميركي، 23/3/2012، اعداد منال نحاس

=================

المالكي والتدخل الخارجي في سورية

الاربعاء, 04 أبريل 2012

رندة تقي الدين

الحياة

يظهر أن ذاكرة نوري المالكي خانته عندما صرح أنه لا يريد أي تدخل في شؤون سورية كأنه نسي أن وجوده في رئاسة الحكومة العراقية لم يكن لولا التدخل الأميركي لإطاحة الديكتاتور العراقي صدام حسين. إن موقف المالكي من النظام السوري الذي كان في بداية عهده على خلاف عميق معه يندرج في إطار مثلث بين العراق وإيران و «حزب الله» يدعم نظاماً يستخدم جيشه لقتل أبناء شعبه. وروسيا تحمي هذا النظام حتى إشعار آخر لأنها تريد استعادة نفوذها الماضي في فترة الاتحاد السوفياتي.

صحيح أن التدخل الأميركي في العراق أسفر عن كارثة للمنطقة ولكن في نفس الوقت لولا هذا التدخل لما انتهى حكم صدام حسين. ولكن إدارة الرئيس الأميركي السابق جورج بوش أساءت في شكل كبير في دخولها إلى العراق عندما فكك بول بريمير الجيش العراقي الذي كان بإمكان الإدارة الأميركية أن تعتمد عليه. ثم أكملت إدارة الرئيس أوباما الحالية تسليم العراق إلى إيران. وموقف المالكي من النظام السوري يعكس ذلك بشكل واضح. فقوله إنه إلى جانب الشعب السوري مضحك مبكٍ أن يكون مسؤول عراقي حالي ناضل ضد البعث وقاوم حكم صدام حسين لعقود ويتمنى للشعب السوري الذي يدعي أنه يقف إلى جانبه أن يبقى تحت نفوذ حزب البعث الذي كان يكرهه. إن مؤتمر أصدقاء سورية في إسطنبول وقبله في تونس وبعده في باريس لن يؤدي إلى نتيجة على الأرض في سورية طالما أن الجيش السوري يقصف شعبه بمباركة روسيا لأسبابها الخاصة. وتؤكد المعلومات الفرنسية أن روسيا تملك منظومة مراقبة واستماع لكل الشرق الأوسط في سورية وقاعدتها العسكرية في طرطوس أساسية. فهل يرى المالكي أن هذا التواجد الروسي ليس تدخلاً خارجياً في سورية؟ وكذلك دعم إيران و «حزب الله» للنظام السوري فهو ربما في رأي المالكي ليس تدخلاً خارجياً في شؤون سورية.

غريبة انتقائية المسؤول العراقي الذي لم يصبح مسؤولاً منتخباً في بلده إلا بعد تدخل الولايات المتحدة سواء كان تدخلاً كارثياً أم لا. أما السياسة الأميركية للرئيس أوباما الذي لا يريد أي تدخل عسكري أينما كان فهي أيضاً غير مفهومة وفيها تناقض. ويقول ذلك بوضوح السناتور الأميركي الجمهوري المعارض جون ماكين الذي ينتقد ضعف الموقف الأميركي إزاء الوضع في سورية، فمن ناحية يقول أوباما إن على الرئيس السوري أن يرحل ومن ناحية أخرى فسياسة الإدارة الأميركية غير فاعلة لا على صعيد الضغط على روسيا ولا حتى على الحليف العراقي. إن الرئيس أوباما أعطى شعوب الشرق الأوسط آمالاً كبرى بالنسبة لملفات الشرق الأوسط وخصوصاً المسار السلمي الفلسطيني الإسرائيلي ولم يفعل شيئاً، حتى أن الوضع السوري يناسب إسرائيل حيث تحول التركيز من المسار الفلسطيني إلى الملف السوري. فالإدارات الأميركية المتتالية مخيبة للأمل حتى أن النفوذ الروسي استطاع أن يفرض نفسه على موقف أميركي ضعيف ومتراجع. إن الرئيس الروسي ميدفيديف وعدنا بأن خطة أنان هي الفرصة الأخيرة من دون تحديد فترة أقصى لهذه الفرصة الأخيرة. والأسرة الدولية والدول العربية ضائعة أمام الوضع الكارثي في سورية. فهل سيوافق النظام السوري على دخول 240 مراقباً أممياً ليتأكدوا من وقف إطلاق النار في سورية؟ كل ذلك سيأخذ وقتاً لأن النظام السوري يعمل لكسب الوقت ويستمر في قصف شعبه. واعتراف 80 دولة في إسطنبول بشرعية المجلس الوطني السوري أمر إيجابي في وجه نظام سوري غير شرعي لا يبقى للاعتراف به إلا مثلث إيران - «حزب الله» - العراق، إضافة إلى الروس حتى إشعار آخر لأن الروس ليسوا معروفين بوفائهم للحلفاء وقد يتخلون عن النظام السوري إذا رأوا أن مصلحتهم مع الشعب السوري والأسرة الدولية. فالأفق ليس مسدوداً كلياً بالنسبة للتغيير في سورية خصوصاً أن الشعب على الأرض شجاع ولن يتراجع عن كسب حريته. والعقوبات على سورية مؤثرة وموجعة ولكن في نفس الوقت بحسب ما يقوله بعض المسؤولين السوريين السابقين إن الموسم الزراعي في سورية كان جيداً والاكتفاء الذاتي بالمواد الغذائية يساعد النظام على التخفيف من تأثير العقوبات. ولكن هل يمكن للنظام أن يستمر على هذه الوتيرة من القمع والقتل مثلما يحدث في حمص وفي ادلب مع انتشار العنف أينما كان؟

إن ما تشهده سورية حالياً يعيدنا إلى ذاكرة أليمة في لبنان في الحرب الأهلية حيث كان لنظام البعث السوري دور أساسي فيها. والأمل ألا يسمح الشعب السوري للنظام أن يقسمه ويلعب على الطوائف المختلفة مثلما فعل في لبنان. فعلى الشعب السوري أن يعيد إلى الذاكرة الأخطاء التي ارتكبت من اللبنانيين الذين وقعوا في فخ مناورات نظام البعث لتقسيم الطوائف ودفعها إلى الاقتتال.

=================

الإعلام السوري وتحديات الأزمة

الاربعاء, 04 أبريل 2012

عبدالرحمن مطر *

الحياة

مرّ اكثر من عام على انتفاضة الشعب السوري ضد الاستبداد الوطني الذي تمكن من وهن أرواح السوريين قبل أجسادهم، على مدى نصف قرن تقريباً، حين بدأت سلطة البعث ثورةً من أجل الإنسان، وها هي اليوم تقود نفسها إلى الفاجعة، بانحيازها الى خيار الإبادة المنظمة للناس والأماكن على حدّ سواء.

يمر أكثر من عام على الأزمة الدموية الطاحنة في سورية، الأزمة الانتفاضة التي بدأت سلمية، وهكذا أريد لها ان تكون، قبل أن يتم اختراع «الجماعات الإرهابية المسلحة» في البدء، لتصير حقيقة بعد ذلك على الأرض، ويصبح المقتتلون جماعات وقوى مسلحة تطحن الوطن والمواطن.

وقد لعب الإعلام دوراً محسوساً منذ بداية الانتفاضة وحتى اليوم، مؤثراً، وموجهاً، وفاعلاً بصورة من الصور التي قادت الى تشابك معطيات الأزمة، وتعميق اتجاهاتها، بل وانحرافها الى مسارات لم يكن أحدٌ يريد لها أن تصل إلى ما وصلت إليه، الاّ أولئك الذين حملوا صليب المؤامرة وهلالها، ليطوفوا به على المدائن مدججين بالأفكار المتطرفة وبالأسلحة، كلٌّ يدافع عن موقفه ومكانته ودوره بقوة العنف المفرط.

لقد كان الإعلام السوري بكل مكوناته جزءاً من الأزمة، وفي اتجاهين: الأول أنه واحدٌ من مسببات الأزمة وشكل من أشكال ممارسة الاستبداد والقمع والقهر وطرائقها ضد المواطن السوري، والثاني أنه أصبح أداة النظام وأحد أسلحته التي يستخدمها للنيل من الانتفاضة، فلم يستطع أن يكون إعلام دولة ووطن، انما كرّس نفسه إعلام سلطةٍ كما أُريد له ان يكون.

الحقيقة أن الإعلام السوري يتحمل جزءاً من المسؤولية التاريخية والقانونية حيال الأحداث الدامية التي صبغت الحياة السورية على مدار عام كامل، تجاهل فيها منذ البداية وجود إشكالية وأزمة وانتفاضة. حطّ من قدر الأحداث، ولم يعترف بوجودها. وقد أدى إنكاره لها الى مزيد من التوجه لفرض الحل الأمني من قبل النظام.

وكعادته، لا يمتلك الإعلام السوري مصداقية، ولم يتمكن -أو لم يكن معنياً- ببناء جسور الثقة مع المواطن السوري، ويتسم بأنه ضعيف وهشّ، بمؤسساته ووسائله وسياساته، فهو لم يمتلك قراره، ولا رؤيته الا من خلال أيديولوجية نظام البعث الحاكم، الذي ضيّق على الإعلام الرسمي وحوّله الى خدمة الحزب، وألغى كل المساحات المتصلة بالحريات الاعلامية، المفقودة أصلاً في الحياة العامة. وانتقل من إعلام «ثوري، تقدمي، اشتراكي» إلى إعلام وظيفي منغلق، يمارس الإقصاء، وصار إعلاميوه جيشاً جراراً من البطالة المقنّعة. يضاف الى ذلك -للأسف- اتسامه بالطائفية والشللية والمحسوبية، وتحوله الى موطن للفساد الإعلامي والمالي والإداري، حاضناً له ومدافعاً عنه، متستراً على الفساد والأخطاء في الدولة. وصار الإعلام وجهاً آخر للأجهزة الأمنية وشريكاً لها.

هذا الإعلام، مع انقضاء عام على صدور قانون للإعلام «جديد وعصري»، كما وصفه وزير الإعلام السوري، تبعه إنشاء مجلس وطني للإعلام لم يستطع الارتقاء بالأداء الاعلامي، بما يخدم الوطن والمواطن، وأن يكون معبراً عنه، وأن يكون عامل مساهمة في حلّ الأزمة، وأن يدخل مرحلة جديدة معنية بكل اطياف الشعب السوري، من دون إقصاء لأحد. ولا يزال الإعلام الرسمي والخاص يمارس التطبيل والتزمير بعيداً من الموضوعية، وكأن لا مطالب للشعب، ولا انتفاضة أو ثورة، ويمعن في اعتبار كل ما يجري «أعمالاً إرهابية لجماعات مسلحة، تتلقى دعماً من الخارج، في سياق مؤامرة دولية على سورية»، وأن الحرية لا علاقة لها بما يجري في هذا البلد.

واليوم، لا يمكن أي إعلامي ان يقارب حقيقةً ما... أيَّ حقيقة، في أيِّ وسيلة إعلامية، مقروءة أو مسموعة أو مرئية، بل إن ضعف المؤسسات الرسمية قاد إلى تولي مؤسسات خاصة العمل الإعلامي نيابة عنها، لدرجة اختفاء الفارق بين «الرسمي والخاص» في الدعاوة السياسية التي ينتجها النظام السوري.

والواقع أنه مع مرور عام على الاحداث، أثبت الإعلام السوري فشلاً كبيراً في إدارة الأزمة إعلامياً. وكان من الممكن ان تشكل فرصة ثمينة وتجربة هامة ليصبح إعلاماً وطنياً بمستوى المسؤولية، وان ينتشل نفسه من إشكالياته التي كانت ولا تزال تعوق أداءه، فهو يعتقد ان استجلاب إعلاميين أجانب ممالئين، وعلى نفقة الشعب السوري، يمكن أن يسوّق الأحداث للعالم بالصورة التي يريدها النظام، وبذلك يؤكد الإعلام السوري ضلوعه في مجريات الأزمة، وعليه أن يتحمل مسؤوليته بالمشاركة في ما يحدث.

* كاتب سوري

=================

ثأراً لصورة السوريين في عين القوتلي

الاربعاء, 04 أبريل 2012

منير الخطيب *

الحياة

عندما تنازل الرئيس الراحل شكري القوتلي، بناء على قرار البرلمان السوري آنذاك بالوحدة مع مصر، عن رئاسة سورية لمصلحة الرئيس جمال عبد الناصر، قال أثناء مراسم الاستلام والتسليم، لعبد الناصر: «مبروك عليك السوريون، يعتقد كل واحد منهم نفسه سياسياً، وواحد من اثنين يعتبر نفسه قائداً وطنياً، وواحد من أربعة يعتقد بأنه نبي، وواحد من عشرة يعتقد بأنه الله».

يستشف المرء من دون عناء تحليل، أن المضمر في خلفية كلام الرئيس القوتلي هذا: هو الإشارة إلى حيوية ومقدرة الشعب السوري، من جهة، وإلى نزوع الفردانية والتميّز لدى كل فرد من أفراده، من جهة ثانية، إن الحيوية والفردانية صفتان لازمتان للتقدم والنهوض. لذا كان الشعب السوري في طليعة الشعوب الآسيوية آنذاك، وكانت سورية مرشحة لأن تكون نمراً أسيوياً، لطالما حلم مهاتير محمدي بجعل ماليزيا في مستواها الاقتصادي والسياسي. وكانت تمتلك برلماناً يبز برلمانات أكثر الدول تقدماً، وتمتلك مؤسسة عسكرية، هرب قائدها أديب الشيشكلي في ليلة ليلاء إلى لبنان حقناً لدماء الشعب السوري، وكانت تمتلك صحافة حرة، وتعددية حزبية وسياسية، وكانت تمتلك وتمتلك...

لكن، بالتأكيد، ما لم يكن يعلمه الرئيس القوتلي أنه بتوقيعه على ميثاق الوحدة، كان يوقع على إدخال سورية في حقبة جديدة، أهم «مآثرها» ستكون لاحقاً قتل هذه الفردانية عند السوريين. إن تذويب ذاتية الفرد في التشكيلات المولدة لظاهرة «الهبل الجماعي» هو إحدى آليات اشتغال الأنظمة الشمولية، تلك الأنظمة التي تسحق نزعة التفرد، وتقضي على شروط وجود أفراد مختلفين، من طريق تذويب البشر في تلك الأطر الهجينة والنغلة، الناجمة عن تلاقح قسري مابين التشكيلات ما قبل الوطنية كالطائفية والمذهبية والإثنية، وبين الأيديولوجيات ما فوق الوطنية التي يقتصر دورها في إضفاء الشرعية الثورية على أوضاع غير دستورية وحسب. لذا لا يوجد لدى الأحزاب والحركات التوتاليتارية أفراد مختلفون، بل يوجد مسيرات تأييد مليونية، واستفتاءات نتائجها 99،99 بالمئة، وجماهير تهتف بشعارات واحدة، لقائد واحد، ولحزب واحد، والمختلفون، عن الصوت الجماهيري الهادر، هم «خونة»، يستحقون التصفية. كذلك فأننا نلحظ، مثلاً، في المقابلات التي يجريها التلفزيون السوري في المناسبات التي تدعى «قومية»، أن أستاذ الجامعة وبائع اليانصيب والمهندس واللحام يتكلمون بنفس السوية وبنفس الكلمات والتعابير، كأنهم تلاميذ صف أول ابتدائي وقد حفظوا درسهم جيداً.

«إن مجتمع الاستبداد الشرقي هو مجتمع العامة المتساوية»، التسوية، إلغاء الفروق، طمس الاختلاف، عملية «الدحل الأيديولوجي» التي تساوي بين الناس في منسوب العبودية، يؤدي بالنتيجة إلى سقوط العقل والدولة والقانون والمجتمع معاً. ما معنى أنه طيلة سبعين سنة من حكم الشيوعيين في الاتحاد السوفياتي السابق، لم نسمع إلا «بالمنشق» زخاروف؟!. لهذا السبب سقط الاتحاد السوفياتي سقوطاً مدوياً، ولم نجد شيوعياً من شيوعييه الثمانية عشر مليوناً يدافع عنه.

إن الأساس المكين للشمولية هو سحق «الأنا» التي تؤدي إلى تبديد «النحن»، نحن من دون الأنا عبارة عن كتل جماهرية مهملة، يسرح ويمرح فيها الاستبداد بلا حسيب أو رقيب.

إن الثورة السورية في أحد أبرز مناحيها هو تفجّر تلك الفردانية عند السوريين، ذلك التفجر للفردانية، يلحظه المتابع على شبكات التواصل الاجتماعي، وفي الفيديوات المسربة، وفي الشعارات المكتوبة على اللوحات، وفي أغاني الثورة، وفي انزواء المعارضة التقليدية التي تنتمي للنسق الشمولي في الهوامش والصفوف الخلفية، وفي وفي... يلحظ المراقب إن أطفال سورية يتصرفون كالرجال، وإن شبابها صاروا محللين سياسيين، وأصبحوا مراسلين مرموقين لأهم المحطات الإخبارية. الفردانية حررتهم من استلاب الشعارات الكبرى، ومن «سحر الكلمات»، وتقبع في أساس انفتاح الانتفاضة الشعبية على أفق الدولة- الأمة، وفي خلفية تكّورها على بلورة وطنية سورية.

أظهرت الفردانية ناشطين ميدانيين وناشطين سياسيين لاحصر لهم، هم نواة الحياة السياسية القادمة، وهم أحد الممكنات التي قد تنقلنا من حقبة الحزب الأيديولوجي إلى حقبة الحزب السياسي، ومن الواحدية إلى التعدد، ومن طمس الفروق والتباينات إلى واقع الاختلاف. لقد ضمرت الأحزاب الأيديولوجية وتلاشت لأنها خنقت التعدد والاختلاف، الفردانية هي قاعدة الحياة السياسية الحديثة، وهي ضمانة التمرد على الأنساق الشمولية. لذا يجب أن يحرص كل المشتغلين في الحقل العام في سورية، على تنمية هذه الروح الفردية التي انبعثت عند السوريين، فهي الترياق المضاد للتقليد السلطاني، وللامبالاة السياسية، وللتخثر الثقافي، وللسديمية على الصعيد الاجتماعي، وهذه الفردانية التي ظهرت عند شباب الثورة السورية، تتناقض مع ظاهرة «الأنانية» و «الذاتية» التي ظهرت عند المعارضيين السوريين التقلديين، والتي هي شكل من أشكال التورم المرضي، وشكل هزيل وسطحي عن الاختلاف، والتي تساهم في المآل الأخير في تدعيم ثقافة الاستبداد.

النزعة الفردية التي تفجرت عند السوريين، هي ولادة جديدة تنقلهم من حقبة إلى حقبة، وتضعهم على خط التقدم، وتنتج «أنا» المفكرة التي تؤسس لنحن الفاعلة، وكأن التاريخ يثأر لتوصيف الرئيس شكري القوتلي.

* كاتب سوري

=================

إنه الأسد.. فاصل ونواصل!

طارق الحميد

الشرق الاوسط

4-4-2012

يخطئ من يعتقد، ولو للحظة، أن نظام بشار الأسد سيلتزم بمبادرة كوفي أنان، كما أعلن، ويقوم بسحب قواته من المدن والقرى السورية، ناهيك عن تنفيذ باقي خطوات مبادرة أنان، من السماح بحق التظاهر، ودخول الصحافيين، إلى الجلوس على طاولة المفاوضات الذي يعني رحيل الأسد.

فما يفعله النظام الأسدي اليوم هو أمر أشبه بإعلانات البرامج التلفزيونية «فاصل ونواصل»؛ حيث يسعى النظام لإيجاد ثقوب بالموقف الدولي المتصاعد نتيجة اجتماع أصدقاء سوريا في إسطنبول، وتفاديا للاجتماع الآخر المزمع عقده للمجموعة نفسها بفرنسا هذا الشهر، ولقطع الطريق على الدول المؤثرة التي حسمت أمرها بمساعدة الثوار السوريين من سلاح وخلافه، بل إن مصادري تشير إلى تحركات دبلوماسية سرية على قدم وساق في أكثر من اتجاه لحشد الصفوف الدولية ضد نظام الأسد الذي يريد أن يقوم الآن بخطوة «فاصل ونواصل» من خلال قبوله الثالث بخطة أنان، ومهلة العاشر من أبريل (نيسان)، حتى يشتت الجهود الدولية، ثم يعود إلى قتل السوريين!

لذا، فيجب أن يتنبه المجتمع الدولي إلى أمر مهم، هو أنه عندما أعلن مصدر أسدي عن قبول خطة أنان بالمرة الأولى قتل قرابة 79 سورياً، وعندما أعلن النظام رسميا قبول خطة أنان للمرة الثانية قتل وقتها قرابة 217 سورياً، وقبل أمس، ومع الإعلان الأسدي الثالث عن قبول خطة أنان، كان قد قتل ما لا يقل عن 60 سورياً، والأمر نفسه تم يوم قبول فريق الدابي؛ حيث قتل ما يزيد على أربعمائة سوري، فكم ستكون حصيلة «فاصل ونواصل» اليوم بعد قبول الأسد، للمرة الثالثة، خطة أنان؟ الله أعلم بالطبع، لكن من الخطأ الركون لما يصدر عن الأسد من مواقف تجاه المبادرات العربية والدولية، فكل ما يفعله الأسد هو محاولة شراء الوقت لا أكثر ولا أقل، خصوصا إذا تنبهنا، مثلا، إلى أن موسكو قد دعت، قبل يومين، الأسد إلى ضرورة أن يبادر هو إلى وقف إطلاق النار، وقبل الثوار، ولهذا الأمر مغزاه!

وعليه فالمفترض اليوم هو عدم تصديق إعلانات النظام الأسدي وتعهداته، فالأسد هو الأسد، ودبلوماسيته هي «فاصل ونواصل».. فعلها بسوريا على مدار عام كامل، وفعلها بلبنان على مدى عشر سنوات، وكذلك بالعراق على مدى سبعة أعوام؛ لذا فيجب أن تكمل مجموعة أصدقاء سوريا، بل قل غرفة أصدقاء سوريا، خطتها بالاتجاهات كلها، وكأن الأسد لم يعلن موقفا على الإطلاق، فليس مهماً ما يقوله النظام الأسدي، بل ما يتم على الأرض، وما يحدث بأرض الواقع، وحتى نشر هذا المقال، هو أن السوريين يُقتلون على يد قوات الأسد؛ لذا فلا بد من خطوات جادة لوقف آلة القتل هذه، وأولى هذه الخطوات هي مد الثوار السوريين بالسلاح، وعدا عن ذلك فإن كل ما يفعله النظام الأسدي بحق السوريين هو «فاصل ونواصل»، ويجب ألا يُخدع المجتمع الدولي، وتحديدا أصدقاء سوريا، بوعود الأسد أكثر من ذلك.

==================

التوازن الإقليمي ما بعد الأسد

عادل الطريفي

الشرق الاوسط

4-4-2012

خلال الأسبوعين الماضيين حدث تحول مهم في مسار الأزمة السورية؛ فمن جهة توحدت المجالس العسكرية التطوعية تحت منظومة «الجيش الحر»، ثم قادت كل من السعودية وتركيا مع دول الخليج مبادرة «أصدقاء سوريا» التي خرجت باعتراف شرعي بالمجلس الوطني السوري، وتعهدت فيه بعض الدول بإنشاء صندوق لدفع رواتب الجيش الحر، وتمويل عمليات الإغاثة للاجئين. هناك أيضاً، تطور لا يقل أهمية، وهو إعلان إخوان سوريا الذي تعهد بدولة ديمقراطية مدنية تتساوى فيها كل الطوائف والقوميات. ففي خطوة غير مسبوقة بالنسبة للتيارات الإسلامية في المنطقة، أعلن «الإخوان» بأنهم لن يعارضوا أن يصل إلى الرئاسة امرأة أو غير مسلم مما يمثل موقفاً متقدماً على أقرانهم من الإسلاميين، لا سيما الجماعة الأم في مصر، التي لا تزال غير قادرة على الخروج من عباءتها الآيديولوجية والحزبية الضيقة. أمام هذه التحولات ثمة سؤال مهم: هل يقود التغيير في سورية إلى توازن إقليمي جديد؟ أي بعيداً عن محور «الممانعة والمقاومة» الذي كانت ترعاه إيران وسورية، وتستظل تحته حركات راديكالية مسلحة كحزب الله وحماس وغيرهما من الجماعات الموالية للتيار الإمامي؟ وهل يدفع وصول بعض التيارات الإسلامية إلى السلطة تلك الجماعات إلى الاعتدال في رؤيتها للسلام الإقليمي؟ في مقالته الشهيرة «الأمن في الخليج» -التي نشرت عقب الثورة الإيرانية في فصلية«فورن أفيرز» - أشار البروفيسور روحي رمضاني (1979) إلى أن توازن القوى الإقليمية في الشرق الأوسط تشكل مع نهاية الحرب العالمية الثانية من ثلاث دول رئيسة وقتئذ: مصر، وإيران، والسعودية. في وقت لاحق من بدايات السبعينات انضم كل من العراق وسوريا إلى منظومة القوى الإقليمية. لكن المثير للانتباه أن كل الدول السابقة- باستثناء السعودية- سعت في وقت من الأوقات إلى إعطاء الأولوية للتوسع العسكري على حساب التنمية الداخلية، وانخرطت في تضخيم ترسانتها- بل وسمعتها- بمشروعات حقيقية وأخرى متخيلة، حتى تفرض نفسها كرقم صعب في معادلات المنطقة، ولكن النتيجة كانت دائما تنتهى إلى الفشل. حاول الرئيس جمال عبد الناصر، الاستعراض بقوة مصر السياسية والمغامرة في مشروعات ثورية لدعم ضباط عقائديين، ولكن تلك التجربة قادت إلى خسارة مصر لكل حرب دخلتها، ثم جاء بعده شاه إيران الذي سعى لبناء مؤسسة عسكرية ضخمة ليفرض نفسه ك «شرطي المنطقة»، ولكن لم تنفعه تلك القوة في وجه المد الأصولي الديني الذي حرك الثورة ضده، ثم دخل كل من العراق وإيران في صراع عبثي دمر مقدرات كلا البلدين، وحين وضعت الحرب أوزارها، اتجه صدام حسين إلى ابتزاز جيرانه، وغزو دولة جارة لكي تتحطم قواته الهاربة في وجه تحالف دولي متفوق، ويعيش حالة حصار انتهت بتقويض نظامه، ودخول العراق في نفق الانقسام الطائفي. أما سوريا التي أمضى جيشها ثلاثين عاماً في لبنان، فقد خرج مكسوراً، ثم انتهى الحال به إلى التفكك في حرب داخلية ما بين نظام الأسد والثوار ضد حكمه المستبد. حتى الجيش المصري الذي استطاع ترميم جزء من صورته في حرب أكتوبر 1973، تورط منذ أكثر من عام في إدارة العملية الانتقالية بمصر ما بعد الثورة، ففقد تركيزه وتراجعت جاهزيته أمام استحقاقات الحكم، في بلد ما زال يعيش حالة من اللااستقرار. حالة أخرى من الحصار الاقتصادي، والشعارات الخادعة، يمثلها خطاب النظام الإيراني المتشدد، والذي يبدو للخارج في صورة المتحدي القوي العازم على تطوير صواريخه البالستية، والاستعراض العسكري المضخم في مياه الخليج، ولكن خلف غلالة القوة المتوهمة، هناك نظام فاقد لشرعيته عند قطاع واسع من الناخبين الإيرانيين، وحرس ثوري أقرب إلى عقلية الميليشيا التخريبية، منه إلى مؤسسة عسكرية محترفة، تمتلك التكنولوجيا والخبرة القادرة على مواجهة العالم الخارجي. صحيح أن النظام يعتمد على تكتيكات حرب العصابات والإرهاب، ولكن ذلك لا يكفي لتأمين أمن الدولة ضد أي تحد خارجي. في بحر الاضطرابات هذه، تبرز القوة العسكرية السعودية قوة باقية وحيدة تمتلك الجاهزية والكفاءة، وأهم من ذلك كله، قيادة سياسية معتدلة وحكيمة في التعاطي مع الواقع الإقليمي. الحديث عن التفوق العسكري السعودي- لا سيما الدفاع الجوي- لا يقلل من أهمية وحجم الجيوش الأخرى في المنطقة، ولكنه يوضح أن فرص السعودية في تعزيز موقعها الإقليمي واستقرارها الداخلي أفضل من الآخرين. في مقالة علمية مهمة نشرها الباحثان جوشوا شفرنسون وميراندا بريب من معهد ماساتشوسيتس (MIT) بعنوان: »تهديد الخام: حدود القدرات الصاروخية الإيرانية ضد منشآت النفط السعودية « خلصا فيه إلى أن إيران - وغيرها من القوى الإقليمية- تفتقر إلى الكفاءة العسكرية اللازمة لتنفيذ تهديداتها. كما يشير الباحثان أن لدى السعودية قوة كافية وجاهزية لردع أي اعتداءات، وأن مشروعات تسليحها خلال الأعوام العشرة القادمة، ستتجاوز كمياً ونوعياً، ما لدى منافسيها الإقليميين. أحداث العامين الماضيين برهنت على أن السعودية تواجه تحديات غير مسبوقة لأمنها الإقليمي، مما يستدعي وضع استراتيجية جديدة للدفاع تتواكب مع المتغيرات. السعودية تجد نفسها اليوم مضطرة لمواجهة تلك التهديدات وحدها لتأمين مصالحها، والدفاع عن شركائها الخليجيين. اعتداءات الحوثيين على الحدود اليمنية في 2009، استدعت تحركاً سعودياً منفرداً لمواجهة الأزمة، وحين أرادت بعض القوى الطائفية - المحسوبة على إيران- استهداف أمن واستقرار مملكة البحرين، كان الدور السعودي السريع والمباشر عبر قوات «درع الجزيرة»، مهماً لاستعادة مبادرة الوحدة الوطنية البحرينية في وجه العناصر المتطرفة. في كلتا الحالتين أخذت السعودية قرارها من دون الرجوع إلى أحد، وأثبتت أن لديها القدرة على حماية مصالحها بنفسها. وخلال الانتفاضات الشعبية التي ضربت عدداً من الدول العربية في 2011، كانت السعودية واضحة في موقفها من تسييس الشارع في المنطقة، وأظهرت تماسكاً وحزماً في الوقت الذي ارتبكت فيه حتى دول عظمى أمام المتغيرات الجديدة. وقد حاول البعض تصوير السعودية بوصفها معارضة لما اصطلح على تسميته ب»الربيع العربي«، ولكن تبين بعد ذلك، أن السعودية كانت محقة بشأن مخاوفها من الفوضى والغرق في المجهول الذي يواجه تلك الدول، وفي الوقت ذاته كانت حازمة في رفض العنف من قبل السلطة أو الثوار. لقد أثبت الموقف السعودي من »آلة القتل« السورية صحة تصورها للأزمة، ولولا ذلك لتراجع الدعم والتأييد لقضية الشعب السوري.

لهذا فإن المعركة ضد نظام الأسد باتت ضرورية لضمان مصالح دول الخليج، بل ولتخليص السوريين من نظام أسرف في استخدام القوة المفرطة. الرسالة السعودية واضحة، ففي حين راهن الآخرون على التغيير الفوضوي ومحاباة الشارع الثائر والمنفلت في أميركا وأوروبا، كان الموقف السعودي أكثر حكمة واتزاناً في التعاطي مع الأزمة، ولهذا فإنه ليس غريباً أن يجد المسؤولون الغربيون أنفسهم مضطرين للذهاب إلى الرياض لأن بوسعهم أن يجدوا شريكاً، ولكن في تلك الدول التي تلفها الفوضى سيتكلمون مع من؟!

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ