ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت 07/04/2012


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

لتصمت أصوات المدافع في سوريا

رأي الراية

الراية

6-4-2012

يجد النظام السوري الذي أيّد خطة المبعوث الدولي والجامعة العربية كوفي عنان الخاصة بوقف العنف في سوريا نفسه محاصرًا في الوقت بعد أن وافق على مهلة عنان التي تبدأ في العاشر من شهر أبريل الجاري لوقف العنف والانسحاب من المدن والبلدات السورية.

ففي الوقت الذي أيّد فيه مجلس الأمن مهلة عنان لوقف العنف استمرّ الجيش السوري في تصعيد عملياته العسكرية واستمرّ سقوط الضحايا المدنيين وقصف البيوت وحرقه حيث أسفرت أعمال العنف يوم أمس عن مقتل 42 شخصاً من بينهم منشق واحد و19 جندياً نظامياً، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان.

في أقوى موقف لمجلس الأمن المنقسم على نفسه بخصوص الأزمة السورية تبنّى المجلس بياناً دعا فيه الحكومة السورية إلى التطبيق العاجل والواضح لالتزاماتها، مؤكدا أنه سيدرس اتخاذ مزيد من الإجراءات المناسبة في حال لم تلتزم الحكومة السورية بالمهلة المحدّدة لوقف العنف وسحب قوّاتها من المدن والبلدات السورية.

ما يأمله الشارع السوري ويأمله الشارع العربي أن تسكت أصوات المدافع في سوريا فيتوقف القتل والعنف وسقوط الضحايا ويعلو صوت الحوار الوطني الشامل الذي يخرج سوريا من محنتها ويُحقق مطالب الشعب السوري في الحرية والديمقراطية والتغيير.

لقد دعا البيان الرئاسي الحكومة السورية بشكل واضح إلى ضرورة توقّف جميع تحرّكات قوّاتها باتجاه المراكز السكانية والتوقف عن استخدام جميع الأسلحة الثقيلة في هذه المراكز.

والبدء في سحب الحشود العسكرية من المناطق السكانية وما حولها وتطبيق هذه الخطوات بأكملها في وقت لا يتعدّى العاشر من أبريل 2012.

لا شك أن المخرج الممكن من الوضع السوري المهدد بالغرق في مستنقع الحرب الأهلية والطائفية يتمثل بوقف العنف المسلح وإيجاد آلية لمراقبة تنفذ ذلك وتطبيق مبادرة عنان التي تستند في روحها على مبادرة الجامعة العربية لحل الأزمة السورية.

إن البدء في إغاثة المدن المنكوبة والمواطنين النازحين واللاجئين يجب أن يُعطى أولوية قصوى في مجمل التحرّكات الدولية للتخفيف ما أمكن من آثار المأساة الإنسانية التي تشهده المدن والبلدات السورية.

ما يجب أن يُدركه النظام السوري أن العالم قد تغيّر وما كان مقبولاً أو يجري غضّ النظر عنه قبل عقود لم يعد ممكن اليوم وأن استخدام القتل والعنف وحرق المنازل للردّ على الدعوات المطالبة بالحرية والتغيير يزيد الأزمة تفاقماً ويجعل من مطلب إسقاط النظام مطلباً طبيعياً.

مهلة العاشر من أبريل الجاري تبدو نهائية ولا عودة عنها وبالتالي فإن النظام سيكون أمام امتحان الحقيقية.

=================

لك الله يا شعب سوريا حتى يأتيك الربيع العربي !

د. سلطان عبد العزيز العنقري

الجمعة 06/04/2012

المدينة

هذا هو قدر الشعب السوري المغلوب على أمره؛ بعد أن تخلّت عنه جامعة الدول العربية والأمم المتحدة، التي يتهم رئيس الوزراء التركي أردوغان «مجلس أمنها بدعم القمع الذي يتعرض له الشعب السوري بشكل غير مباشر وذلك لإخفاقه في اتخاذ موقف موحد تجاه الأزمة». فالمشاركون في الجريمة التي ترتكب بحق شعب أعزل، الجنرال الدابي وكوفي عنان، وهو أفشل أمين عام مر على الأمم المتحدة، حيث تشير التقارير أن ابنه متورط بفضيحة النفط مقابل الغذاء في العراق، والذي وجد ضالته في الدعاية الإعلامية والتنقل على حساب الجامعة في فنادق الخمسة نجوم وعلى حساب شعب يُذبح؟!!، ونحن لا نعرف لماذا لا يقوم بهذا الدور أمين عام الجامعة بنفسه فهو لم يفعل شيئًا حتى الآن ومنذ بدء الأزمة السورية؟!

الشعب السوري ليس يواجه فحسب النظام وجلاديه، بل إن المشاركين في الجريمة على رأسها النظام الإيراني الفارسي الذي لا يتمنى لعالمنا العربي الخير، بل يتمنى الشر له، سواء كان قاطنوه من العرب السنة أو الشيعة أو المسيحيين أو غيرهم من الطوائف الدينية والمذهبية والعرقية. ثم تأتي روسيا لتجند جميع إمكاناتها لحماية ودعم نظام بائس مرفوض من شعبه، وأصبحت تلعب دور المحامي للدفاع عنه في كل محفل دولي. فوزير خارجيتها لافروف، الذي كثرت في الآونة الأخيرة تصريحاته، على غرار المثل القائل: «من كثر هدره قل قدره»، والتي نرجعها إلى سياسة روسيا المتخبطة، والتي وقعت في مطب من الغرب لا يمكن تفاديه، بل إنها شربت المقلب بامتياز، يُحاول أن يُبرِّر موقف بلاده المخزي من شعب يقتل ويعذب وتقطع أشلاؤه أمام مرأى من العالم. المطب الذي وقعت فيه السياسة الروسية هو أنها تريد أن تقول: إن روسيا ما زالت (حيّة) ترزق، وأنها ما زالت دولة عظمى، وحتى لو زورت الانتخابات ودعمت الأنظمة الفاشية فلها مصالحها وتريد أن تبتز مثلما تفعل بعض الدول العظمى الأخرى، فليس هناك أحد أحسن من أحد؟!

الدول الغربية ضحكت على روسيا ووضعتها في موقف لا تُحسد عليه عندما قالت لها: إننا نريد أن نتبادل الأدوار هذه المرة، فالمشهد التونسي خسرناه وكذلك المصري عندما كانت رهاناتنا خاسرة على النظامين التونسي والمصري؛ اللذين لم يعطيا الفرصة للتدخل والابتزاز، فسلما السلطة لشعوبهما بأمان وبدون دفع فواتير لنا. فنحن الغرب تلاحقنا ليبيا بواسطة أوروبا الموحدة وعلى رأسها فرنسا. أما اليمن فإن مجلس التعاون الخليجي أخذ دورنا بامتياز عندما لعب دورا مهما وبارزا في مبادرته التي نقلت السلطة إلى الشعب اليمني بشكل سلمي بدون فواتير تدفع لنا نحن الغرب؟! السيد لافروف شرب المقلب من الغرب وأفسد علاقة كانت قائمة على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة بين روسيا والعرب. أما الصين فإنها تحتاج إلى دورة تدريبية على الابتزاز السياسي والاقتصادي كونها جديدة في هذا المجال قبل استخدامها حق النقض (الفيتو) الأخير في مجلس الأمن.

القمة العربية في بغداد لم تقدم شيئًا، ورئيس وزراء قطر محق في كلامه عندما قال: «إن التمثيل المنخفض جدًا للقادة العرب هي رسالة مقصودة لحكومة نوري المالكي»، الذي كان قبل القمة العربية لم يدلِ بأي تصريحات، بل إن كلمته في القمة يتحدث فيها عن العراق كبلد ديمقراطي تتداول فيه السلطة ديمقراطيا؟!! وهذا غير صحيح، فالانتخابات الأخيرة فاز فيها إياد علاوي ب91 مقعدًا في حين المالكي فاز ب 89 مقعدًا وبالتالي كان من المفترض أن يُشكِّل الحكومة إياد علاوي وليس المالكي؟! ثم يرحب المالكي بالوفود العربية في أول قمة تعقد في العراق بعد أن سقط صدام حسين وحزب بعثه، ثم يقول لنا بعد القمة بل مغادرة الوفود بعد أربع ساعات فقط في أسرع قمة عربية عندما شعروا بانفجار في المنطقة الخضراء قرب المؤتمر والسفارة الإيرانية يقول لنا: إن النظام السوري لن يسقط، ثم يطل علينا حسن نصر الله ليقول الكلام نفسه، وقبلهم المرشد الأعلى الخامئني يقول: النظام لن يسقط، ثم روسيا تقول الشيء نفسه وإسرائيل كذلك. إيران من جانبها أغدقت على روسيا مليارات الدولارات من أجل إبقاء النظام السوري حتى يبقى نظام المليارديرية الفارسي الفاشي في طهران وقم. وللأسف مؤتمر القمة العربية في بغداد لم يقدم شيئًا للشعب السوري نتيجة المجاملات السياسية غير المجدية من قِبَل البعض، ويا ليتها كانت مجدية؟!

مؤتمر أصدقاء سوريا في تركيا كنا نأمل منه الكثير من أجل إنقاذ شعب يعاني من كارثة إنسانية، ولكن توحيد المعارضة في اسطنبول والاعتراف بالمجلس الوطني السوري كممثل شرعي للشعب السوري يعطي دعمًا وزخمًا لهذا المجلس بإضفاء الشرعية عليه، ولكن المطلوب هو تسليح عاجل للجيش الحر بعد أن وحد صفوفه لكي يدافع عن شعب أعزل يباد بواسطة أنظمة فاشية.

=================

الانشقاقات المتزايدة في الجيش هي التي ستؤذي الأسد

ادريان هاملتون

المستقبل

6-4-3012

من الجيد التفكير بأن الحماسة الأخيرة للتوصل إلى حل ديبلوماسي للوضع السوري نابع من الحرص على تجنب الحرب الأهلية والفظائع التي ستجلبها على الشعب السوري المسكين. غير أن الحقيقة البسيطة هي أن المناخ في سوريا يتغيّر: أولاً لأن الرئيس السوري بشار الأسد يبدو وأنه قد نجح في إخماد الانتفاضة، وثانياً لأن العالم الخارجي أصبح قلقاً حيال من سيخلف الأسد في السلطة. لكن هل فكّر أحد بما سيحدث في حال قرر النظام إطلاق العنان لكامل قواه الأمنية؟ وهل فكّر أحد عما كان يتوقعه العالم الخارجي من انتفاضة مفككة، محصورة ومسلّحة بشكل سيئ؟

وبهذا المعنى، فأن يعقد الاجتماع الأخير للجامعة العربية لمناقشة خطة السلام في العراق، كان في محله. فسوريا اليوم تبدو كثيراً كما كان العراق في الأيام الأخيرة لسنوات حكم (الديكتاتور الراحل) صدام حسين. وفي تلك الأثناء، كما اليوم، حاول الغرب مراراً تنظيم معارضة موحدة وديموقراطية فقط لتعود وتتفكك بسبب الجدال الداخلي وعدم فعاليتها.

والذي كسر الجمود لم يكن ضغوط العقوبات أو الديبلوماسية ولا حتى انتفاضة أهلية داخلية، بل الغزو، والنتائج التي أصبحنا جميعنا نعرفها اليوم: المزيد من القتلى، انفلات النظام وإحلال نظام الغالبية الدينية الفاسد مكان طغيان الأقلية الحاكمة.

قد يكون هذا التعليق قاسياً قليلاً على دولة العراق الحالية. بالطبع لا يمكنك رسم مقارنة مثالية بين البلدين، غير أنه كان على الغرب أن يتعلم من التجربة العراقية في مقاربته للأزمة السورية.

من الصعب جداً اطاحة ديكتاتوريات حاكمة منذ عقود طويلة وتحظى بدعم قوات أمنية مسلحة بشكل جيد إلى جانب نظام استخباري داخلي مكثّف، ما لم تلجأ إلى العنف. وقوة السلاح هي التي تربح في نهاية اليوم، وهي الدرس الذي تعلمه شيعة جنوب العراق عندما انتفضوا مباشرة بعد هزيمة صدام حسين في الكويت.

ليس للعقوبات فعالية سوى زيادة إحكام قبضة النظام على الاقتصاد وبالتالي على حياة المواطنين. والديبلوماسية لا تنفع لأن همها الأول هو الرقابة الداخلية على المجتمع وهو ما تخشى الزمرة الحاكمة التخلي عنها.

هذا ليس كلاماً لليأس بل سبب للواقعية. لقد نجحت الانتفاضتان في تونس ومصر بسبب وجود قوى مسلحة قوية سحبت تأييدها للنظام. لكن هذه ليست الحال في سوريا حيث (كما في ليبيا) تعمّد النظام إبقاء القوى المسلحة الشرعية (الجيش) ضعيفة في حين عززت القوى الأمنية الداخلية وحسّنت رواتب أفرادها.

لن يصار إلى اطاحة عائلة الأسد والمجموعة العلوية من السلطة في ظل المسرحية العسكرية الحالية، كما هم لن يتخلوا طوعاً نتيجة الضغوط الخارجية. كل الجهود الحالية والآيلة إلى دفعهم للجلوس إلى طاولة المفاوضات ليست سوى فقاقيع هواء لن يكون لها أي نتيجة.

سيستمر الأسد في اطلاق الوعود فقط لكي يخفف من ضغط المجتمع الدولي عليه، لكن فيما خصّه، فهو يربح من خلال القوة. ستكون محاولات التوصل إلى وقف إطلاق النار والمفاوضات مع المعارضة، وهو ما يضغط (الموفد الدولي والعربي الأمين العام السابق للأمم المتحدة) كوفي أنان للوصول إليه من صالح المعارضة. لن يكون من مصلحة الأسد القبول بذلك وبغض النظر عما يقوله إلى ممثلي الجامعة العربية، الأمم المتحدة أو أي شخص آخر يأتي إلى سوريا للتوسط.

الذي سيؤذيه في الواقع هي النتائج البطيئة المتزايدة للانشقاقات في الجيش والكراهية المتزايدة له ولنظامه من عائلات الضحايا الذين يسقطون في عمليات القمع الدموية. هذا إلى جانب التسليح المتزايد للمعارضة.

بأي سرعة سيتحقق ذلك، لا أحد يمكنه التوقع. لا يعرف أحد منا ما هو عدد الجنود الذين أجبروا على التزام ثكناتهم وما هو الذي يجري داخل الدوائر المغلقة للنظام، وكم هو العدد الفعلي للمنشقين.

إن نموذج صدام حسين يلزمنا أن نكون حذرين حيال أملنا في إطاحة سريعة وسلمية للنظام في سوريا. غير أن الشيء الوحيد الذي يجب استخلاصه من تجارب الآخرين هو أنه عندما ينهار النظام، سيكون ذلك سريعاً ومؤكداً.

من الممكن أن يظل السوريون مهددين لكن لم يعد هناك من دعم حقيقي باق للأسد وعائلته الفاسدة والمتسلطة.

ترجمة: صلاح تقي الدين

() عن الاندبندانت 30/3/2012

=================

مؤتمر اسطنبول ونتائجه المحدودة

د. نقولا زيدان

المستقبل

6-4-2012

عندما غاب سعود الفيصل عن مؤتمر أصدقاء سوريا في اسطنبول، أيقن المراقبون الذين يتابعون عن كثب التطورات المتلاحقة التي تحيط بالأزمة السورية، موضوع المؤتمر وجدول أعماله الوحيد، ان قراراته ستأتي منخفضة السقف خافقة النبرة. ذلك أنه قد سبق المؤتمر لقاء وصف بالفاتر بين العاهل السعودي وهيلاري كلينتون وزيرة خارجية أميركا، بل تبعه لقاء متوتر آخر أعقبه مباشرة بين كلينتون وسعود الفيصل. لقد أظهر للعيان بجلاء ووضوح تبايناً حاداً في وجهات النظر، فالبيت الأبيض جاء ينبّه المملكة ومعها قطر وسائر دول مجلس التعاون الخليجي من مغبة وتداعيات المضي في سياسة تسليح المعارضة السورية والجيش السوري الحر، فواشنطن تعتبر جدياً أن خطوة كهذه ستقود منطقة الشرق الأوسط الى مواجهة خطيرة ذات تداعيات اقليمية ودولية. إلا أن "الرياض" لم تتراجع وهي ما زالت ترفض الخضوع للابتزاز الايراني وتورط إيران المباشر في المعركة الدائرة على طول امتداد الساحة السورية. وقد عبّر الفيصل في مؤتمره الصحفي المشترك مع كلينتون عن ذلك الاصرار بالعربية والانكليزية "إن تسليح المعارضة السورية واجب" لا تراجع عنه.

وكان أن أعلن مرشد النظام الايراني علي خامنئي بالفم الملآن ان طهران ستقف مع نظام بشار الأسد حتى النهاية. تماماً كما صرّح "نجاد": تصلب في مواقف الحليف الأوفى لنظام دمشق حمله معه "أردوغان" الى أروقة مؤتمر اسطنبول.

بدا المؤتمر، بفعل الضغط الأميركي ومخاوف الادارة الأميركية، ميالاً الى اصدار قرارات هادئة منخفضة السقف. فالولايات المتحدة منهمكة في معركة الانتخابات الرئاسية، كما أن "أوباما" غير راغب بتاتاً بالمجازفة برصيده الانتخابي باللجوء الى خطوة محفوفة بالمخاطر في اعادة ارسال قوات أميركية مجدداً الى الشرق الأوسط بعد أن أجلاها عن العراق منذ شهور.

لكن خواطر السعوديين والقطريين وحلفاؤهم لم تعد قابلة للتهدئة حتى لو صرح وزير الدفاع الأميركي "بانيتا" أن أميركا بصدد بناء قاعدة بحرية عائمة في وسط الخليج رداً على تهديدات إيران بإغلاق مضيق هرمز، وبنشر شبكات صواريخ مضادة للصواريخ أكثر تطوراً وفعالية من "الباتريوت".

لقد جاءت وقائع المؤتمر لتؤكد صدق توقعات الفيصل وشعوره المسبق بالخيبة والخذلان، فبدا أقرب مع قطر الى الشعارات التي رفعها متظاهرو المدن السورية المنددة بالتخاذل، في إشارات واضحة الى النتائج الهزيلة التي صدرت عن قمة بغداد العربية غداة انعقاده.

والحق أن مؤتمر اسطنبول قد خيّب آمال الوطنيين العرب والسوريين معاً، فلم يشر رئيس الدولة المضيفة "أردوغان" ولا "كلينتون" ولا نبيل العربي ولا "آلان جوبيه" بكلمة واحدة لموضوع تسليح المعارضة السورية والجيش السوري الحر. ولم يحصل "برهان غليون" بعد كلمته الجامعة والمسؤولة من الأميركيين سوى على 12 مليون دولار وبعض وسائل الاتصالات المتطورة الأميركية، ودعم الجيش السوري الحر بالعتاد والتجهيزات وصرف المرتّبات. وقد كان لافتاً في كلمته دعمه لنضالات الطيف الكردي في سوريا شرط عدم المساس مستقبلاً بوحدة سوريا.

وكمؤتمر بغداد، وجد مؤتمر اسطنبول في التركيز على مبادرة "أنان" وبنود مشروعه، مخرجاً لتقديم شيءٍ ما للانتفاضة السورية. فالمطالبة بمهلة زمنية محدودة يعينها "أنان" للأسد لتنفيذ بنود مشروعة كانت المخرج، فقد أشار البيان الختامي الى ضرورة تعيين "أنان" مهلة أسابيع (weeksبالانكليزية) ما جعل بعض سيّئي النيّة من المراقبين يتذكرون عبارة (occupied territories) السيئة الذكر التي لطالما أثارت جدالات ولغطاً شديداً عندما وردت في قرارات مجلس الأمن بعد حرب 1967 والداعية لانسحاب اسرائيل من الأراضي العربية المحتلة نظراً لخلوها من أل التعريف الانكليزية (article)، ما جعلها مبهمة وفضفاضة ومثاراً للتأويل!.

القرار الايجابي الوحيد الذي صدر عن المؤتمر كان الاعتراف بالمجلس الوطني السوري كممثل شرعي للشعب السوري، إلا أن المؤتمر تحفظ على عبارة "وحيد" بذريعة إفساح المجال أمام فصائل المعارضة الأخرى للانضمام الى المجلس.

إلا أنه بالمقابل لم يصدر عن المؤتمر أي قرار بإنشاء "ممرات آمنة ولا مناطق عازلة" كما كان قد اعتاد السيد "أردوغان" على التلويح بها في غير مناسبة خاصة في المرحلة التي كاد أن يتحول فيها الى بطل العروبة الناهض.

في المحصلة، ما كاد المؤتمر ينهي أعماله حتى عمدت وزارة الخارجية السورية التي وجدت في قراراته مرونة بل مهادنة، الى اعلان انتهاء المعركة، فراحت تتحدث عن مرحلة جديدة تنصبّ على تثبيت الاستقرار، حتى خيّل إلينا أن النظام سيعمد الى الدعوة الى احتفالات جماهيرية للابتهاج، إنما عودة المواجهات الدامية في المدن والأرياف في سوريا سرعان ما كذّبت هذه المزاعم والادعاءات.

إلا أن ثمة حقيقة لا تحتمل أي جدال هي أن المعركة مستمرة. وهي التي تطغى على كل هذه التطورات.

=================

وماذا عن 15 نيسان مثلاً؟

راجح الخوري

2012-04-06

النهار

البند السادس في خطة كوفي انان يدعو النظام السوري الى اطلاق المعتقلين والسماح بالتظاهر السلمي. لنفترض الآن ان كل شيء سار على ما يرام، بمعنى ان النظام نفذ الخطة وسحب القوات وبدأ المراقبون الدوليون في الوصول الى سوريا، ثم حددت المعارضة السورية 15 نيسان موعداً لإغراق شوارع دمشق والمدن الاخرى بمئات ألوف المتظاهرين يدعون سلمياً الى اسقاط النظام، فماذا يفعل الرئيس الاسد وكيف يرد؟

مجرد سؤال افتراضي نطرحه انطلاقاً من المحصلات الدموية الميدانية وما اعلن عن قبول النظام بوقف العنف في 10 نيسان تنفيذاً لخطة انان على ان ينتهي القتال من جانب المعارضة بعد 48 ساعة. لكن ما ابلغه انان الى مجلس الامن شيء وما جاء في تصريحات المسؤولين السوريين شيء آخر.

ذلك ان وزارة الخارجية السورية سارعت الى إلقاء مياه باردة على رأس انان والعاشر من نيسان عندما قال جهاد مقدسي، ان دمشق منهمكة في الحوار مع انان وفريقه وهناك كثير من التفاصيل التي يجب الوقوف عندها قبل الاعلان عن تواريخ محددة لوقف العنف!

في هذا السياق جاءت تصريحات مندوب سوريا في الامم المتحدة بشار الجعفري لتؤكد أن العاشر من نيسان ليس اكثر من فرصة جديدة يقوم النظام بتسويقها في وقت يرفع من عنف مسيرة الحل العسكري، فهو يقول: "ان الالتزام بخطة انان يجب ان يسري على الجميع بما في ذلك السعودية وقطر وتركيا وكل من يعمل على تجاوز السيادة السورية وخلق مسارات موازية لمجلس الامن، كما ان على من ينقل الاسلحة الى الاطراف المسلحة ان يتحمل مسؤولية عمله "!

ورغم ان سيرغي لافروف رفض توجيه "المهل والانذارات" الى دمشق، بما يوسع مساحة الشك في ان يلتزم النظام تعهده إنهاء العنف في 10 نيسان، بدت تصريحات الجعفري محاولة التفافية للتملص من هذا التعهد عبر اتهام مسبق للآخرين بإفشال مهمة انان، حيث قال ان دعوة الامير سعود الفيصل الى تسليح المعارضة تخالف نهج مجلس الامن وتمثل دعوة لإفشال مهمة انان، هكذا بالحرف، في وقت يعرف العالم كله ان من عطّل ويعطل مهمة انان هو النظام السوري الذي يطلق بالون العاشر من نيسان للتعمية ويواصل الاندفاع عسكرياً لحسم الامور على الارض، رغم انه من الواضح ان الحل العسكري لن ينجح بل سيدفع بسوريا الى اتون الحرب الاهلية البغيضة.

لم يعد خافياً على احد ان النظام يتعاون مع روسيا لاستعمال مبادرة انان كقناع لشراء مزيد من الوقت للحل العسكري، لكن ما لا يصدق انه يحاول اتهام الآخرين بإفشال المبعوث الدولي، الذي سبق ان نزعت منه فعالية "المبادرة العربية" في الدعوة الى تنحي الاسد، وانه يتهم السعودية وقطر وتركيا وغيرها الآن بالتشويش على انان سواء عبر الدعوة الى تسليح المعارضة او عبر مؤتمر اصدقاء الشعب السوري واقرار المساعدات المالية للجيش السوري الحر.

=================

مهمة كوفي عنان.. احتمالات مفتوحة

سلامة العكور

الرأي الاردنية

6-4-2012

قبول الحكومة السورية وقوى المعارضة بمهمة المبعوث الدولي كوفي عنان وموافقتهما على وقف العنف واللجوء الى الحل السياسي عبر الحوار خطوة ايجابية قد تنقذ سورية وشعبها من عواقب حرب اهلية لا تبقي ولا تذر .. وما دامت الحكومة قد وافقت على سحب قوات الجيش من المدن ومن القرى ومن المناطق المأهولة ووافقت قوى المعارضة على وقف عملياتها العسكرية فأن المشهد اذا ما التزم الطرفان بتعهداتهما مرشح لإعداد خطوات مهمة وفاعلة نحو فتح الحوار الهادف الى تسوية الازمة بما يلبي المطالب المشروعة والعادلة للشعب السوري ويحقق الاصلاح المنشود ..

ان مهمة كوفي عنان اذا ما التزم الطرفان بمضمونها بعيدا عن المناورة والمراوغة وشراء الوقت تحمل في خطواتها المرسومة ما يؤهلها فعلا للنجاح في وقف العنف ووقف عمليات القتل والتدمير .. لقد سفك من دماء السوريين ما يحزن اقصى القلوب والنفوس الظمأى للعنف .. وكادت الكارثة ان تلف سوريا بعواقبها العاصفة .. لاسيما وقد فشلت مهمة المراقبين العرب وفشل مجلس الامن الدولي في التوصل الى حل مناسب للازمة .. كما ان الدعوات والنداءات للتدخل العسكري الاجنبي والعربي قد انتهت ولم تلق اي استجابة من قبل الدول الغربية الاستعمارية الكبرى – (حلف الناتو ) التي عجزت عن حقن دماء ابناء ليبيا بل انها امعنت بقسوة فاشية في اراقة الدماء وفي التدمير المتعمد .. وكانت قبل ذلك قد قتلت الآلاف من ابناء العراق وشردت الملايين منهم ودمرت المنشآت المدنية والحضارية خلال وبعد الغزو ثم الاحتلال الاميركي – البريطاني – الاطلسي للعراق الشقيق..

كما ان اوساطا عربية شعبية واسعة قد رفضت بقوة اي تدخل عسكري اجنبي او حتى عربي في الشأن السوري .. المهم ان تحرص الحكومة السورية وقوى المعارضة وكذلك الدول العربية والمجتمع الدولي على اعتبار الحل السياسي هو الخيار الوحيد لانقاظ سوريا والمنطقة من حرب اهلية محتملة .. ومن حرب اقليمية قد تفجرها جهات لا تريد لسوريا او للشعب السوري او لدول المنطقة سوى الشر والدمار والهلاك .. والمهم ايضا وقف العزف على اوتار التدخل العسكري الاجنبي او العربي ووقف العزف على انغام الدعوة لإرسال اسلحة لقوى المعارضة ..

=================

إدارة الأزمة السورية والأوهام

الجمعة, 06 أبريل 2012

وليد شقير

الحياة

تشبه التطورات اليومية المتعلقة بالأزمة السورية، سواء تلك التي تجري على الأرض، أم تلك المتصلة بالمواقف الخارجية، في كثير من أوجهها، ظروف «إدارة الأزمة» التي سبق أن شهدناها في ما يتعلق بالحرب الأهلية اللبنانية، ومراحلها التي دارت بين العامين 1975 و1990.

لا تبدو مساعي معالجة الأزمة في شكل جذري حاسمة في أي من الاتجاهات، لذلك، تسير هذه الجهود ببطء لأنها لا تتوخى تحقيق الانتقال السياسي في السلطة في سورية، التي لا يبدو أنها ستعرف نسبة من الاستقرار من دون حصوله. فما يجري هو مناورات سواء من النظام، أم من القوى الخارجية المساندة له، أم بعض القوى الخارجية المناوئة له، لا سيما الدول الغربية التي ترسخ الانطباع بأنها غير مستعجلة على رحيله، مع انها مع هذا الرحيل في نهاية المطاف. والرئيس الأميركي باراك أوباما سبق أن قال إن سقوط الرئيس السوري بشار الأسد «حتمي»، وأن السؤال لا يتعلق برحيله بل بشأن «متى وكيف». وإن دل هذا على شيء فعلى أن الولايات المتحدة الأميركية ومعها قادة الغرب لا يمانعون في إطالة أمد الأزمة السورية وتأخير الانتقال السياسي، ليس فقط لاستحالة التدخل العسكري المباشر مثلما حصل في ليبيا، ولأن واشنطن منهكة من حروبها في الشرق الأوسط ولأن هناك فيتو روسياً وصينياً، بل لأن الغرب يفضّل، إضافة الى كل هذه الأسباب، اعتماد سياسة استنزاف للنظام وحليفه الإيراني، وإنهاك لسورية نفسها، بما فيها المعارضة، الى أن يتضح البديل وسياسته وتوجهاته، بحيث تبقى بلاد الشام متعبة لفترة طويلة في مرحلة ما بعد الانتقال السياسي في شكل يلهي السوريين في إعادة البناء السياسي والاقتصادي، عن إسرائيل في السنوات المقبلة.

تتكفّل إدارة الأزمة هذه، بتعميق جراح سورية وشروخها قبل أن يتلقفها حل دولي ما. وفي الانتظار يبدو أنها ستمر بمراحل يتدرج خلالها التدخل الدولي من درجة الى أخرى أعلى تزيد من تورط القوى الدولية في تفاصيلها، وسط قرار بين القوى الكبرى بمحاولة إيجاد نقاط التقاطع والتوافق، مع اختلاف المصالح، التي هي بمعظمها لا علاقة لها بسورية في حد ذاتها، بل بملفات دولية بعيدة كلياً عن دمشق.

تبدو مهمة المبعوث الدولي – العربي كوفي أنان إحدى مراحل إدارة الأزمة. وهي مهمة حصل عليها التقاطع الروسي – الأميركي الغربي. ولهذا السبب حذرت موسكو النظام السوري بأن «إياكم وإفشال مهمة أنان». والعارفون يقولون، إنه إذا لم ينجح وقف الأعمال القتالية في العاشر من الشهر الجاري، فإن الدول الغربية قد تتجه الى إعلان فشل مهمة المبعوث الدولي – العربي، للانتقال الى مرحلة أخرى هي التي تحدث عنها الرئيس الروسي ديميتري مدفيديف في 25 آذار (مارس) الماضي. ولا يعني ذلك سوى أن القوى الكبرى لم تتفق على البديل من فشل مهمة أنان سوى ترك الأمور تتفاقم أكثر فأكثر في الداخل السوري: النظام يواصل عملياته العسكرية ونهج القتل، والمعارضة تواصل إصرارها على تغيير النظام مع مزيد من التسلح لمواجهة الآلة الأمنية للحكم السوري. وقد تشهد مرحلة ما بعد فشل مهمة أنان، إذا أُعلن فشلها، خطوات سياسية شكلية يقدم عليها النظام، مثل إجراء انتخابات نيابية في 7 أيار (مايو) المقبل، أو بعدها بقليل إذا أقدم على تأجيلها، يتبعها تغيير حكومي مع تعيين رئيس لها من «معارضة الداخل» التي بقي بعض رموزها على علاقة مع النظام، ما يزيد الشرخ بين الأطياف السورية المختلفة ويؤدي الى تصاعد الاستقطاب.

في ظل «إدارة الأزمة»، لا سيما إذا كانت القوى الدولية هي التي تتولى هذه الإدارة، في شكل يجعل من القوى المحلية مجرد دمى، فإن الأخيرة غالباً ما تسقط في الأوهام حول أدوارها وقراءتها للمراحل، تماماً مثلما حصل خلال الحرب اللبنانية. فما أن يشعر فريق أنه انتصر، حتى يعود فينهزم أو يتراجع... والعكس صحيح. وإذا كان من الطبيعي أن يكون لبنان أكثر البلدان تأثراً بوقائع «إدارة الأزمة» السورية، فإن أخطر ما يواجه الفرقاء اللبنانيين هو إساءة قراءتهم للمرحلة، وكيفية تأقلمهم مع تدرج مراحلها، بحذر وصبر.

أما الفريق الحليف للنظام، فإنه لم يغادر حتى الآن اعتقاده الذي ما برح يردده منذ الأسبوع الأول لاندلاع انتفاضة الشعب السوري بأن الأزمة «انتهت» بحكم تفوق الآلة العسكرية للنظام، وفق ما أعلنه الأمين العام ل «حزب الله» السيد حسن نصرالله في خطابه الأخير قبل أسبوع. ولا بد لهذا الاستنتاج إلا أن يقود الى حسابات خاطئة على رغم غلبة الاتجاه الى المحافظة على الاستقرار لدى هذا الفريق.

وإذا كان معظم قادة الفريق المناوئ للنظام السوري (14 آذار) غادروا أحلامهم المتسرعة بقرب سقوط النظام، فإن هؤلاء ما زالوا قاصرين عن وضع استراتيجية التأقلم المطلوبة مع تواصل الأزمة السورية، بأقل قدر من الخسائر على الداخل اللبناني.

المهم ألا تكون محاولة اغتيال رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع فاتحة مرحلة جديدة من المواكبة الدموية لإدارة الأزمة في سورية.

=================

في محاولة اغتيال جعجع

الجمعة, 06 أبريل 2012

حسام عيتاني

الحياة

تتقاطع عند سمير جعجع خطوط كثيرة تجعل منه هدفاً للاغتيال من جانب أطراف عدة، داخلية وخارجية.

لكن في معزل عن متابعة الخيوط هذه، تتعين الإشارة إلى خلفية الصورة التي يوضع رئيس حزب «القوات اللبنانية» في إطارها منذ نهاية الحرب الأهلية. فعلى رغم أن الرجل أيّد اتفاق الطائف والتزم به مثله مثل باقي قادة الميليشيات المتناحرة، إلا انه ظل وحيداً في تلقي اتهامات التعامل مع إسرائيل. وتناست الجماعات اللبنانية ايلي حبيقة وغيره ممن كان رمزاً لاستقدام الاحتلال الاسرائيلي وانتقل الى خندق الممانعة، وظل جعجع «الخروف الأسود» للمصالحة اللبنانية. انتهت الحروب الأهلية على كل الجبهات، إلا على جبهة جعجع التي شهدت حلّ حزبه وإلقاءه في السجن لأحد عشر عاماً.

ليس في الأمر أي محاولة لتبرئة جعجع. فهو واللبنانيون يعون تمام الوعي وقائع أعوام الحرب. لكن الحقيقة تقتضي القول ان جعجع لم يكن وحيداً فيها. وخصومه/شركاؤه في المقلب الآخر من خط الانقسام الوطني، بل رفاقه في الخندق ذاته، والذين لا تقل الدماء التي سفكوها عن تلك التي تلوث يدي جعجع، تسنّموا مراكز السلطة وما زالوا يقبضون على زمامها إلى اليوم. من «أبطال» مجازر صبرا وشاتيلا إلى حرب الجبل ومذابحها إلى حرب المخيمات والفظائع التي ألمّت بالفلسطينيين.

كل ذلك مغفور، بفعل اتفاق الطائف وقانون العفو الأرعن الذي تبعه. لكن ما لا يمكن غفرانه - وفق «عقل» الجماعات اللبنانية - هو ان يكون جعجع قتل مسيحيين، ربما أكثر مما قتل من المسلمين والفلسطينيين، فاستحق لعنة قومه وعشيرته على نحو لم تلعن الطوائف الأخرى «قادتها»، أولاً، ولأنه أصر على الاحتفاظ بحيثية مستقلة عن اجواء الانخراط التام في المشروع السوري للبنان، ثانياً، على غرار ما فعل رفيقه ثم عدوه ايلي حبيقة، او في مندرجات «التفاهم» مع وكلاء سورية في لبنان، على نسق ميشال عون، عدو جعجع الدائم.

صحيح أن رئيس «القوات اللبنانية» صَدَم المسيحيين بعمق بتحديه قدس أقداسهم، أي الدولة اللبنانية التي كانوا يضعون أنفسهم موضع الأم والأب لها، وصحيح انه أوغل في دماء المسيحيين وغيرهم من اللبنانيين والسوريين والفلسطينيين، لكن الصحيح أيضاً، مهما بدا ذلك متناقضاً، أنه لم ينتقل من معسكر العداء لدولة الهيمنة المارونية الى معسكر تسليم الدولة بما فيها إلى هيمنة قوى ما بعد الطائف، السورية واللبنانية، مقابل حصة في الدولة وأسلابها، على ما فعل ويفعل خصومه وحلفاؤه منذ بداية التسعينات الى اليوم.

بكلمات أخرى، إن جعجع هو القيادي المسيحي الوحيد الذي انتقل من العداء العميق لدولة البورجوازية المارونية الى الانضواء الجدي في مسار اتفاق الطائف، ما يهدد بحرمان قوى «الممانعة والمقاومة» في لبنان وسورية من الغطاء المسيحي الشديد الأهمية والذي قدمه ميشال عون. تلك القوى المناهضة ضمناً لجوهر الطائف والعاملة على توظيفه واستغلاله، على ما فعل حافظ الأسد في التسعينات ثم الى الاطاحة به وإبطاله على ما تدل المحاولات منذ اغتيال رفيق الحريري والتي اتخذت شكل نص مكتوب في اتفاق الدوحة عام 2008.

وبعد ظهور ملامح التغيير في سورية، بداية بتكريس استحالة بقاء النظام على ما هو عليه، مع ما سيجلبه ذلك من انعكاسات على لبنان، بدا جعجع هدفاً أول لعملية وقف عقارب الساعة ودفع لبنان الى موجة عاتية من الفوضى والعنف والتخبط. بل إن محاولة الاغتيال تقع في صميم السعي الى تكريس سردية مجتزأة ومزيفة لتاريخ لبنان الحديث ولحروبه وجماعاته. السؤال هنا: ألم يحن الوقت لينظر اللبنانيون في أعين بعضهم ليعترفوا بمرارة الحقائق، بدل التحديق في مناظير القناصة؟

=================

سوريا.. قراءة في الموقف القتالي

وفيق السامرائي

الشرق الاوسط

6-4-2012

بعد مرور أكثر من عام على الأحداث، لم يعد من خيار «للطرفين» لحل المعضلة السورية غير خيار القوة. ففي بداية الأحداث وقبل أن تتحول المسيرات إلى مجابهة مسلحة كان ممكنا التفكير في خيارات سلمية، أما الآن فقد أصبح شعار «سلمية» من الماضي.

من الأشياء اللافتة أن الجيش الحر تطور خلال أشهر، من بضع عشرات من الفارين إلى المناطق الحدودية التركية السورية إلى فرض نفسه على رقعة واسعة، ويخوض عمليات قتالية هجومية ودفاعية في آن واحد على أكثر من محور، مما يعطي دليلا على اتساع نطاق الدعم اللوجيستي الخارجي وتزايد حالات الانشقاق عن الجيش النظامي، ولا شك أن لتركيا دورا دقيقا ومنظما في هذا. إلا أنه لا يزال يعاني نقصا في مقومات القيادة والسيطرة التي بدأت ملامح تطورها تظهر من خلال تشكيل قيادات مناطقية على مستوى المحافظات. ويفتقد الجيش الحر قيادات من كبار الضباط الذين لا يزالون متماسكين مع النظام لأسباب مختلفة.

ووفقا لما يمكن استنتاجه، فإن الحدود مع أكثر من دولة مجاورة أصبحت خطوط تهريب للسلاح والعتاد الفردي من بنادق ورشاشات متوسطة وقليل من القاذفات المضادة للدبابات، كما أن عمليات الانشقاق تعتبر من مصادر الحصول على السلاح والعتاد. إلا أن السيطرة الحكومية في تتبع المواد المهربة لم تفقد كل مقوماتها، ولا تزال قدرة القوات الحكومية فاعلة في الوصول إلى معظم المواقع التي يراد الذهاب إليها.

إن ارتفاع عدد أفراد الجيش الحر من عشرات الأشخاص إلى آلاف وربما أكثر، من جانب، واستخدام الجيش النظامي على نطاق واسع من جانب آخر، يدلان على أن الحرب لا تراجع فيها إلا بسحق أحد الطرفين. ولا مجال للقبول (والالتزام) بأي مبادرة عربية أو دولية لوقف الحرب، بما في ذلك مهمة أنان التي يصعب تخيل الالتزام بها. فمشروع قوة حفظ السلام لا يمكن تحقيقه إلا بإذعان النظام وهو احتمال مستبعد. وحتى لو قبل الجيش الحر والجماعات المسلحة التي فرضت الأحداث وجودها مبادرة سلمية فإن وجود قوات دولية لن يفرض وقف المظاهرات، بل سيؤمن لها غطاء دوليا ميدانيا، وعندئذ تنتشر انتشارا يقلب المعادلات خلال فترة وجيزة.

في مثل الحالة السورية، حيث انحازت معظم الدول العربية والغربية إلى جانب معارضي النظام، وهو ما عكسته قرارات مؤتمر أصدقاء سوريا في اسطنبول، فإن مرور الوقت غالبا ما يساعد في زيادة الانشقاقات، فتميل المعادلة تدريجيا لمصلحة المعارضين، لأن الاستخدام غير المقيد للقوة تترتب عليه إجراءات دولية، وتترتب عليه خسائر بشرية كبيرة يدفع ثمنها كل الأطراف، وهو ما لم يعد خيارا بل من المسائل المرتبطة بالواقع، في حرب استنزاف لا يزال نظام الحكم يمتلك مقومات الاستمرار فيها، لأنه يمتلك المال والموارد الخارجية والداخلية ولديه كميات ضخمة من السلاح ومصانع عتاد عاملة، ولديه عدد كبير من المسلحين، ولا تزال قياداته متماسكة.

أما الفريق الآخر فإن فرص تسلحه على نطاق «واسع» ترتبط بمرور الوقت، أو بوجود ممرات ومناطق آمنة، وهما عنصران حاسمان أعلن الغرب عدم استعداده حتى الآن لدعمهما. وإذ تعلن أميركا تقديمها أجهزة اتصالات للمعارضين فإن هناك دولا تسمح لها فلسفة قيادتها باتخاذ قرارات حاسمة بدأت فعلا بتقديم السلاح طبقا لما يمكن قراءته، وما تعهد المجلس الوطني بدفع رواتب للجيش الحر إلا دليل على تدفق كبير للمال.

ووفقا للمعطيات الحالية، فإنه من المستحيل تراجع أي من الطرفين عن نياته وتوجهاته. ويبدو أن معارضي الداخل وأجنحتهم المسلحة قطعوا شوطا من التنسيق مع نشاطات الخارج. وهنالك ملامح لتطور أدائي بالانتقال من النشاطات اللامركزية إلى عمليات تنسيق ميداني بين المناطق، وهو ما يدل على تطور نسبي في فلسفة القيادة والارتباط عززته الانشقاقات الأخيرة لعدد من ضباط الركن من مواقع مختلفة.

الشيء الواضح أن النظام أثبت قدرة عالية على التماسك حتى الآن، وتمكن من فرض سيطرة ميدانية على مناطق ساخنة لفترات ليست معلومة حاليا. إلا أن الأطراف المقابلة - إقليميا ودوليا ومحليا - تبنت نهجا يصعب توقع التراجع عنه. وهكذا تستمر الحرب السورية دموية وقد تكون طويلة، وفي النهاية ستكون نتيجتها حاسمة (جدا) على مستوى الشرق الأوسط.

=================

سوريا.. اللغز الأميركي

نبيل عمرو

الشرق الاوسط

6-4-2012

كان متوقعا أن يطول أمد الصراع الدامي والمرير في سوريا.. ذلك أن الإمكانات الذاتية والتحالفية للنظام ومعارضيه تسمح بذلك، وتجعل من النتائج النهائية لهذا الصراع أمراً غير مقروء على المدى القريب.

إلا أن أمراً يستحق التفكير فيه وهو أن النظام بعد كل الذي حدث وسيحدث لن يظل هو ذات النظام، الذي نام طويلا على حرير الإذعان الشعبي، والمعارضة اللينة، والمعادلة الإقليمية غير المحسومة على نحو نهائي. ولا المعارضة بعد كل إخفاقاتها السياسية والتنظيمية وقدراتها المتواضعة، تستطيع المواصلة على هذا النحو بعد أن ثبت قطعا أن تغيير النظم دون مشاركة دولية أو إقليمية فعالة لن يتحقق.. ودروس الربيع العربي تثبت ذلك.

لا أريد هنا استعراض قدرات النظام في سوريا على كل الصعد التحالفية والداخلية، إذ يكفي القول إنه ليس نظاما عاريا من الإمكانات الجدية، والحلفاء المؤثرين، كما أنه وبصرف النظر عن مدى مصداقية الممانعة والاستنكاف عن التسوية مع إسرائيل، فإن هذا العامل وحده كفيل بجعل أي قوة دولية أو إقليمية تعد إلى الألف قبل أن تقدم على خطوات جراحية تغير المعادلة على الأرض، وتفتح الباب لاحتمالات غير محسوبة بل وغير معروفة.

في وضع كهذا ما هو الممكن، ما هو المتاح، ما هو المحتمل..

على المدى المنظور، لا أحد يرى مصير زين العابدين بن علي ومبارك والقذافي وقد استنسخ لبشار الاسد، وحتى التجربة اليمنية المختلفة إلى حد ما على الأقل بنجاة الرئيس صالح من المقصلة، فهي ليست بالنموذج الذي يصلح لاستنساخه في سوريا بفعل عوامل كثيرة هي الفروق السياسية والاجتماعية والثقافية بين البلدين والنظامين.

إذن.. وفي حال استبعاد خلاصات السيناريوهات الأربعة التي كونت التراث الطازج لما نسميه الربيع العربي، فما الذي يمكن قراءته وتوقعه لسوريا أولا وللمنطقة ثانيا. ثم هل بعد حسم الأمر في سوريا ستكون البيئة قد تهيأت لشرق أوسط جديد يكون أكثر جاهزية لاستكمال ملفات حل الصراع العربي الإسرائيلي.

إذا لم يتغير النظام في سوريا بالمعنى المادي والبنيوي، فإن ذات النظام لن يملك إلا تغيير السياسة والاتجاه، ولن يجد مفرا من التآلف والانسجام مع بيئة ما بعد الربيع العربي، التي مالت فيها الكفة لصالح الاعتدال السياسي في أمر العلاقة مع أميركا وإسرائيل، دون تناقض مع التشدد في الأمور الداخلية. إضافة إلى أن الاعتدال الذي أفصحت عنه القوى الفائزة في زمن الربيع العربي، هو أقوى من مجرد خيار لأنه في واقع الأمر شرط حكم وبقاء.

ودعونا نتخيل تسوية موضوعية بين النظام وحلفائه مع بعض الظلال على «إيران»، وبين المعارضة وداعميها من العرب وغيرهم..

إن النظام وحلفاءه لن يستطيعوا النهوض بأعباء ما خلفته الحرب الطويلة والمكلفة من آثار موجعة على الحياة السورية، فمن يمول ممانعة سوريا، وسياسة التغريد خارج السرب، وتنمية تكاد تكون قد تبدأ من الصفر لنظام يحاصر إقليميا بالكامل.

وبالمناسبة لم تكن سوريا في زمن الأسد الأب والابن إلا في هذا الوضع، مطلوبة لبيت الطاعة الأميركي إلا أنها تطلب مهرا مناسبا لقاء ذلك، وبين الثقة بالنظام وتحالفاته وطرقه الغريبة في صناعة النفوذ، وبين الشك في جدوى تبنيه والتحالف معه، راوحت أميركا والقوى الدولية طويلا.. تارة تجرب الاقتراب والاحتواء والاستثمار، وتارة أخرى تجفل بعيدا لتجر الأوضاع إلى شفا حفرة من الانفجار، حتى أضحت سوريا لغزا أميركيا يصعب فهمه أو حتى تفسيره بما في ذلك الموقف الأميركي من الأزمة السورية هذه الأيام.

إن مجرى الصراع في سوريا ما يزال يسجل غموضا في الخلاصات، ولا يقين بشيء، وهذا له مظهر سياسي واحد، هو التعويم، والانفصام بين اللغة والسلوك على صعيد الولايات المتحدة ومن يدور في فلكها من صناع القرارات الكبرى، ذلك أن أصحاب اللغة الحادة تجاه النظام في سوريا، يفتقدون لعناصر الحسم، أما الذين يملكون حقا هذه العناصر فلن يستخدموها دون ضمان النتائج مسبقا وبنسبة مائة في المائة، ذلك أن سوريا هي كلمة السر في أمر مستقبل المنطقة، وما يمكن أن نسميه الشرق الأوسط الجديد، ثم إنها وكما كانت بحكم التكوين والموقع، الممر الإجباري للأزمات والعواصف والمتغيرات في المحيط، فإنها تظل كذلك ممرا إجباريا لأي ترتيب محتمل في الشرق الأوسط، خصوصا في مرحلة ما بعد الربيع العربي. وقد يكون هذا هو بعض السر الأميركي!!

====================

ما العمل إذا أخفق أنان في تنفيذ خطته؟ .. إما ان يتنحّى الأسد ... وإما حرب داخلية

اميل خوري

2012-04-05

النهار

السؤال الذي لا جواب عنه حتى الآن هو: هل تنجح خطة كوفي أنان في وقف اطلاق النار في سوريا والمباشرة في تنفيذ اجراءات قيام نظام جديد فيها واجراء انتخابات نيابية حرّة ونزيهة تخوضها أحزاب متعدّدة وتحدد نتائجها انتقال السلطة انتقالاً سلساً وهادئاً؟ وما العمل إذا فشل أنان في تنفيذ هذه الخطة؟ وما هي الخطوة التالية سواء صار اتفاق عربي ودولي عليها أم تعذر حصول هذا الاتفاق؟

الواقع ان روسيا هي التي تملك مفتاح الحل في سوريا، وهي التي تستطيع ان تلزم النظام الحالي في سوريا تنفيذ خطة أنان أو عدم تنفيذها. وهذا يتوقف على مدى الاستجابة لما تريده وهو قبل أي شيء آخر، قيام نظام جديد في سوريا وحكم جديد ترتاح اليه كما كانت مرتاحة الى وجود النظام الحالي لأنها تخشى ان تصل الى الحكم في سوريا جماعة "الأخوان المسلمين" وهذا من شأنه أن يحرك الجماعات الاسلامية المتشددة داخل روسيا الاتحادية ويخلق لها المتاعب الأمنية. ولا يكفي أن يصدر عن هذه الجماعة بيان يطمئن القلقين من سياستها والتي قد تقيم حكم الديكتاتورية الدينية بديلاً من حكم الديكتاتورية العسكرية او الحزبية الشمولية، خصوصاً بعدما أخلَّ "الأخوان المسلمون" بتعهداتهم في مصر وأقدموا على ترشيح واحد منهم لرئاسة الجمهورية، بعدما كانوا قد وعدوا بعدم الإقدام على ذلك، وها هم يستأثرون أيضاً بوضع دستور جديد لمصر قد يشعل الخلاف عليه ثورة جديدة، عدا الحراك المريب للاسلاميين الأصوليين في تونس وليبيا. فبماذا ترد الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الاوروبي ودول عربية على هذا الموقف الروسي؟

في معلومات لمصادر ديبلوماسية أن فرصة الحل السياسي للأزمة السورية هي الفرصة الأخيرة التي يحاول كوفي أنان خلالها تنفيذ خطته وهي تحظى بموافقة الجميع ودعمهم، وإن ظاهرياً بالنسبة الى البعض، لكنها فرصة ليست مفتوحة كما تحاول روسيا أن تفعل لابقاء ورقة الضغط في يدها وهي ورقة عدم الموافقة على تنحّي الرئيس الأسد ما لم يسبق ذلك اتفاق على البديل، إذ من دون هذا الاتفاق فإن الفوضى قد تسود سوريا كتلك التي سادت وتسود العراق والتي قد لا يكون نهاية لها إلاّ تقسيم سوريا دويلات مذهبية وعرقية، وهو ما يشكّل خدمة مجانية لاسرائيل، ويثير قلق روسيا.

لذلك فإن "مؤتمر اصدقاء سوريا "المقبل والمقرر عقده في باريس قد يتخذ في حال فشل تنفيذ خطة أنان قراراً بانشاء ممرات آمنة لدخول المساعدات الانسانية للسوريين المحتاجين اليها وإقامة مناطق عازلة على الحدود التركية – السورية، وتكليف هيئة تتولى توزيع الاسلحة على "الجيش السوري الحر" بحيث لا تتسرب الى الجماعات الاسلامية الأصولية أو الى العناصر الارهابية وعلى رأسها تنظيم "القاعدة". واتخاذ هذا القرار قد يشجع على حصول مزيد من الانشقاقات في الجيش السوري النظامي خصوصاً بعد تخصيص رواتب للمنشقين، ويصير عندئذ في الامكان مواجهة الجيش النظامي بفاعلية أقوى تجعله قادراً على الحسم أو وضع الرئيس الأسد بين خيارين: إما التنحي لاخراج سوريا من مستنقع الدم، وإما تحمّل مسؤولية قيام حرب داخلية مدمرة لا أحد يعرف مدتها ولا حجم الاضرار البشرية والمادية التي تلحق بسوريا.

وترى المصادر نفسها انه في مقابل تمسّك روسيا بورقة الدفاع عن النظام في سوريا وعدم تخليها عنها إلا إذا صار اتفاق على قيام نظام بديل ترتاح اليه، فإن الولايات المتحدة الأميركية ومن معها تمسك بورقة أخرى ضاغطة على روسيا في حال فشل أنان في تنفيذ خطته للحل السياسي في سوريا وهي الورقة التي تدعم المعارضة السورية ولا سيما "الجيش السوري الحرّ" بالمال والعتاد وتضع روسيا بين خيارين: إما الموافقة على تنحي الرئيس الأسد وترك الشعب السوري الحر يختار نظامه وحكامه بموجب انتخابات نيابية حرّة ونزيهة، وإما تحمّل عواقب حرب داخلية قد لا تنتهي إلا بالتقسيم، وهو تقسيم قد يكون بداية تقسيم عدد من دول المنطقة.

لذلك فإن مؤتمر اسطنبول إذا كان قد اعترف ب"المجلس الوطني" ممثلاً شرعياً للشعب السوري، فإن مؤتمر باريس قد يقرّر تسليح "الجيش السوري الحرّ". لكن لا بد قبل ذلك من انتظار مصير مساعي أنان ومدى نجاحه في تطبيق خطته التي تحقق حلاً سياسياً للأزمة السورية وهو الأسلم للجميع.

=================

أصدقاء سورية حقاً هم أصدقاء ثورتها

رضوان السيد

الدستور

5-4-3012

اختلفت التقديرات بعد انعقاد المؤتمر الثاني لأصدقاء سورية باسطنبول. فهناك من قال إنّ المؤتمر تخاذل واختبأ وراء كوفي أنان ونقاطه الستّ. وهناك من قال إنّ الموتمر كان مفيداً لجهتين: تقدم الاعتراف بالمجلس الوطني بوصْفه ممثلاً للشعب السوري- وظهور أصوات قوية لصالح دعم المعارضة بالداخل والجيش السوري الحر.

إنّ الذين ما يزالون يأْمُلُون بحصول تغيير في موقف النظام السوري- وأنا أستثني روسيا والصين لأنهما مع النظام بدايةً ونهاية- هم إمّا واهمون، أو لا يريدون التعاطي مع المشكلة لأنهم يعتبرون أنفُسَهم غير معنيين. وإلاّ فإنّ النظام ومنذ اللحظة الأولى، لحظة التعامُل مع أطفال درعا، ما ترك مجالاً لأحدٍ للتوهُّم أو التأمُّل. فهو مقبلٌ ومنذ عامٍ وأكثر على قتل الناس، في كلّ مكانٍ رفعوا فيه رؤوسهم وتظاهروا. ولو كان النظام يأملُ بالبقاء سلماً وإصلاحاً لترك شيئاً للشعب السوري يمكن الحديث معه فيه. فهذا الرئيس اليمني ما مارس العنف إلاّ خِلْسة، وعندما رأى أنّ التنحّي يحفظ وحدة الشعب، ووحدة الدولة، قام بذلك. وما أخذ عليه العقلاء غير التردد والتأخُّر الطويل، الذي كلَّف المزيدَ من التشرذُم والانقسام. أمّا بشار الأسد وأعوانه فلم يهمّهم أن يبقى لهم أنصار، ولا أن يأتي وقتٌ يُضطرون فيه للحديث مع درعا وحمص وإدلب وحماة بغير لغة السلاح. وهكذا فهم منذ اللحظة الأولى أسرى رِهانين: رِهان الثقة بإسرائيل وحرصها على عدم التضحية بهم، ورِهان "صمود" المحورالإيراني- العراقي- حزب الله، كما صمد بعد القرار 1559 والقتل في لبنان والعراق، وفي الحالتين باسم الممانعة والمقاومة! وفي هذين الرهانين لا دَور للشعب السوري، بل كان الدور دائماً للذين يقتلونه الآن. فقد سبق لهم أن ضربوا المقاومة الفلسطينية وضربوا الشعب اللبناني، ونظّموا مذبحةً بحماة وغيرها، وشاركوا في الحرب على الشعب العراقي، وما سألهم أحدٌ عن شيئٍ ما دامت جبهتهم مع إسرائيل هادئة، وما دام الإيرانيون يعتبرون أن النظام السوريَّ وَفْيٌّ لهم!

لقد كان حضور الشعب السوري إلى شوارع المدن والبلدات والقرى بسورية العربية هو المُفاجئ للنظام ولإيران وروسيا.. والولايات المتحدة. وقد تحمَّس الأميركيون بدايةً للثورة السورية، كما تحمَّسوا للثورات العربية الأُخرى. ثم أخبرهم اليهود أنه كفى سذاجةً، ولا بد من مُراعاة مصالح إسرائيل ومصالح الولايات المتحدة. فهؤلاء "سُنّة"، كما نبَّههم لذلك وزير الخارجية الروسي، والسنة ليسوا متطرفين فقط؛ بل هم أكثرية، ولن يقبلوا بضمان أمن إسرائيل! وما تردد هنري كيسنجر في مقالةٍ له قبل أيام- ما ذكر فيها سورية بالتحديد - في اعتبار أحداث الربيع العربي ونتائجه خطراً على إسرائيل وعلى مصالح الولايات المتحدة! وما قصّر الإيرانيون في مُلاقاة "المخاوف" الإسرائيلية والروسية من الثورة على النظام السوري. وصحيحٌ أنهم يزعمون علناً أنّ السبب في غرامهم بالأسد ونظامه هو معاداتُه لإسرائيل، لكنّ حليفهم المالكي قال قبل يومين إنه مع الأسد، ولماذا يسقط الأسد، فوضع بذلك نفسه حلقةً في المحورالذي لم يغادرْهُ رغم مجاملاته لتمرير القمة العربية ببغداد!

لا أرى أنّ مبادرة أنان تشكّل فرصةً للنظام، فهي فُرصةٌ لو كان يريد حلاًّ سلمياً أو مخرجاً من النظام الحالي بالسِلْم. لكنه لا يريد ذلك، ولذا فسيضطر أنان بعد أسبوعين أو ثلاثة للإعلان عن نجاح مبادرته ( أي زوال النظام سلماً بالتدريج!) أو فشلها ( لأنّ النظام ما يزال يقتل الناس) – وفي الحالتين لا فرصةَ ولا من يحزنون.

إنّ أصدقاء سورية والشعب السوري هم الذين ما عادت عندهم أَوهامٌ ولا أحلام مع النظام القاتل، ويريدون للشعب السوري الفوز بالحرية والتحرر من الرهانات الإقليمية والدولية.

=================

أنان على مسار..«الدابي»!

محمد خروب

الرأي الاردنية

5-4-2-2012

الدلائل والمؤشرات تشي بأن مصير مهمة أمين عام الأمم المتحدة السابق لن تختلف عن المهمة التي انتدب العرب فيها الجنرال السوداني محمد مصطفى الدابي، وان كانت مهمة أنان تبدو في بعض تفصيلاتها اصعب من أن يطيحها بيان او تصريح او مؤتمر صحفي لهذا المسؤول العربي أو التركي خصوصاً ما بالك الاميركي والفرنسي (الذي يصمت الآن على نحو لافت والمقصود آلن جوبيه وزير الخارجية).

لا يعني ذلك ان احدا من هؤلاء لا يصوب على الرجل وخطته وخصوصا نبيل العربي، الذي يفترض ان أنان هو «مبعوث» الجامعة التي يتولى امانتها وله نائب اسمه ناصر القدوة، ولم يكن مفاجئاً ان يخرج هذا الرجل الذي جيء به خلفا لعمرو موسى، على الناس مطالبا مجلس الامن باصدار قرار ملزم (وفق الفصل السابع) لوقف العنف في سوريا..

لا يستمهلون الدبلوماسي الإفريقي المخضرم والمحترف الذي يقتصد في التصريحات ويدقق في المفردات والمصطلحات ويبدي قدرا كبيرا من الصبر (حتى الآن) ساعياً الى حشد المزيد من التأييد لخطته, التي تبدو حتى اللحظة وكأنها مقبولة على الجميع لكن جزءا من هؤلاء يرون في الاجماع مصيدة او انقلابا على خططهم الجاهزة لاخذ سوريا الى حرب أهلية بالاصرار على تزويد مسلحي المجلس الوطني بالسلاح بل وطمأنتهم الى ان رواتبهم مضمونة وما عليهم الا «الاستمرار»..

من هنا نبدأ.

أي من اسطنبول عندما نأى «الاصدقاء» بانفسهم عن أنان وخطته ليس فقط في تحديد مهلة زمنية.. «وإلاّ»!! وإنما في اعترافهم بالمجلس الوطني محاوراً وممثلاً شرعياً للشعب السوري ما يعني شطب السلطة القائمة (التي يطلبون منها الوفاء بالتزاماتها) وايضاً في «إلغاء» المعارضات الاخرى وعلى رأسها المعارضة الداخلية التي دفعت الاثمان الباهظة فيما كان المعارضون الجدد, يستمتعون بالرواتب المغرية والوظائف المضمونة.

هو العاشر من نيسان اذاً، تريد واشنطن وبعض العرب (ونبيل العربي) وانقرة ولندن وباريس ان يكون حداً فاصلاً بين مرحلتين, على السلطة ان تنكفئ وتسحب جيشها, وعندها لكل حادث حديث, سواء ملأ المسلحون (فراغ الانسحاب الحكومي) أم سادت الفوضى واستولت عصابات السرّاق والخارجين على القانون على الاحياء وبسطت سيطرتها واقامت دكاكينها للابتزاز وفرض الخاوات وهنا لا نتحدث عن مسلحي المعارضة (بافتراض أن هناك تراتبية هرمية تضبط ايقاعهم وسلوكهم وهو امر تنفيه الوقائع والاحداث).

في الحالتين سيُحمّلون النظام «المسؤولية», فهو إن تخلى عن دوره في بسط الامن كقوة شرطة محلية, سيقال انه ترك الساحة للمهربين والعصابات والقبضايات واذا ما أبقى على قوات رمزية فسيقال انه يناور ويشتري الوقت وكل هدفه احباط مهمة انان ودفعه للاستقالة.

اين من هنا؟

يصعب أخذ خطة انان في شكل انتقائي, رغم الغموض والعمومية التي تميّز معظم بنودها الستة وبخاصة في شأن سحب الجيش والمعدات العسكرية الثقيلة, وهي ربما تكون النقطة الاكثر سخونة واثارة للجدل اقله في شأن مصير المناطق التي سيتم اخلاؤها وما اذا كانت ستقام خطوط تماس(..) بين الفريقين, على نحو يعيد الى الاذهان تجربة الحرب الاهلية اللبنانية الامر الذي نحسب أن دمشق ترفضه بشدة, لأنه ينذر ببروز حال من «التكافؤ» بين الطرفين ووجود مناطق «محررة», يمكن للمعارضة ان تنطلق منها لمواصلة «تحرير» المزيد من المدن والارياف وربما معسكرات الجيش والمطارات, لأنها عندها ستكون قادرة على استيعاب المزيد من الاسلحة المتطورة, التي تعد عواصم «عربية» على وجه الخصوص بتزويدها للمعارضة, وهو أمر نحسبه غير مقبول على النظام السوري الذي يقول أركانه أنهم اصابوا نجاحاً ملحوظاً في دحر المسلحين وتشتيت صفوفهم, كما حدث من بابا عمرو وادلب وجبل الزاوية وارياف دمشق وحماة وحمص..

اللافت في كل ما يجري هو اللهجة الغاضبة التي يستخدمها رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان في تعاطيه مع الازمة السورية, عندما يوجه اتهاماً مباشراً لمجلس الامن بأنه «يتواطأ» مع النظام السوري ويصمت على ارتكاباته..

«الاصدقاء» لا ينظرون الى مهمة كوفي انان بارتياح ويرون (مرة اخرى) ان النظام السوري «يتلاعب» بهم, فهم يطرحون خططاً ومقترحات يظنون أن دمشق ستسارع الى رفضها, وبالتالي سينتقلون الى المرحلة الثانية من خططهم لاستجلاب تدخل عسكري وايجاد ممرات آمنة تحت دعاوى وذرائع انسانية.. لكنهم يعودون الى المربع الاول واسقاط مهمة انان ستكون أكثر كلفة من اسقاط مهمة الفريق الدابي, الذي احرجهم كثيراً ورفض ان يكون شاهد زور او بيدقاً..

ماذا عن انان؟

انه اكثر حذراً من السقوط في شباكهم رغم كل الاغراءات والتصويب عليه, لكن ذلك لا يعني ان الرجل بلا اجندة سياسية أو أنه بعيد تماماً عن «نصائح» واشنطن وما تطرحه من مقاربات, كي يعلن الرجل استجابة (لاميركا إن ارادت.. وليس للعرب) ان النظام السوري يتحمل مسؤولية افشال خطته..

استعدوا للأسوأ, فلا أحد يتحدث عن الحوار أو مَنْ هم «المؤهلون» للجلوس على طاولته؟!

=================

الخلاف على سورية يؤجج الانقسام العربي الإسلامي

د. بشير موسى نافع

2012-04-04

القدس العربي

لم يكن الموقف الرسمي العربي، ولا هو الآن بالضرورة، موحداً من الأزمة السورية.دول عربية، مثل الجزائر، لم تنظر بعين العطف إلى حركة الثورة العربية من البداية، وربما لعبت دوراً سلبياً تجاه الثورة الشعبية الليبية.دول، مثل يمن عبد الله صالح، وجدت نفسها في خندق واحد مع النظام في سورية. ودول أخرى، مثل عمان، لا هي سعيدة بموجة الثورة ولا هي ترغب في اتخاذ موقف من القضايا العربية.العراق، بالطبع، هو حالة أكثر تعقيداً، تتجاذبه رغبة في قبول النظام العربي به، من جهة، نفوذ إيراني واسع النطاق في بنية الحكم، من جهة ثانية، وتوجهات طائفية لعملية اتخاذ القرار، من جهة ثالثة، ويصعب، على أية حال، توفر أدلة على دعم رسمي عراقي منتظم لنظام الحكم في سورية، بالرغم من تداول تقارير مختلفة المصدر على ذلك.أما الحالة المصرية، فلابد النظر إليها من منظار مختلف. فما هو معروف في الدوائر السياسية المصرية أن أجهزة الدولة المختلفة تقف إلى جانب الشعب السوري وثورته، وتريد فعلاً أن تساهم في الدفع نحو تغيير النظام، ولكن رأس الدولة، أي المجلس الأعلى للقوات المسلحة، يحجم عن اتخاذ مواقف كبيرة في الشأن العربي، كون البلاد تمر بمرحلة انتقالية، وهو الأمر الذي سجل أيضاً في الموقف من ليبيا التي ينظر إليها باعتبارها أكثر التصاقاً بأمن مصر الاستراتيجي والاقتصادي.

مثل هذه التباينات في المواقف العربية لم تلبث أن توارت، وإن ليس بصورة كلية، منذ اتفاق مجلس الجامعة العربية الوزاري على المبادرة العربية الأولى في آب (أغسطس) الماضي، التي استبطنت حلاً يتضمن تغييراً في نظام الحكم السوري. وقد أصبح هذا التصور لحل الأزمة أكثر وضوحاً في الصيغتين الثانية والثالثة للمبادرة العربية، وفي سلسلة من القرارات العربية التي جمدت عضوية سورية في الجامعة وأدانت نهج النظام الوحشي في التعامل مع الحركة الشعبية.ما دفع الدول العربية في النهاية إلى التوافق كان بالتأكيد شجاعة الشعب السوري وتصميمه على الحصول على حريته، سياسة القمع الدموية التي استمر النظام في اعتمادها، والتعاطف الشعبي العربي الهائل في كل أنحاء المجال العربي.

كما النظام العربي الرسمي، لم يكن موقف تركيا، جارة العرب وسورية الإسلامية الكبيرة، حاسماً من النظام السوري في أشهر الثورة الأولى.تصورت حكومة العدالة والتنمية التركية، التي ربطتها علاقات وثيقة بالنظام في دمشق منذ 2005، واعتبرت هذه العلاقات مثالاً على التوجه المشرقي لسياستها الخارجية الجديدة، أنها ستستطيع أن تدفع النظام إلى تبني برنامج إصلاح عميق وشامل، مقنع للحركة الشعبية والقوى السياسية المعارضة، يؤدي إلى تغيير حقيقي وجاد في بنية النظام، مع المحافظة على بقاء الرئيس الأسد في موقعه. وليس حتى آب (أغسطس)، تماماً كما موقف مجلس الجامعة العربية، أن أدركت أنقرة أن سياستها تجاه سورية وصلت إلى طريق مسدود وأن رصيد الثقة في مصداقية النظام السوري، الذي حاولت أنقرة الحفاظ على ما تبقى منه بكل ما تستطيعه، قد نف].

بيد أن إيران، جارة العرب الإسلامية الكبيرة الأخرى والحليف الاستراتيجي للنظام السوري منذ عقود، تحولت إلى معضلة متفاقمة بمرور الأسابيع والشهور، بعد أن أصبحت (إلى جانب روسيا، بالطبع) مصدر الدعم والمساندة الرئيس للنظام.

ولأن إيران تتمتع منذ سنوات بموقع خاص في سورية، وفرت للقيادة الإيرانية اطلاعاً حميماً على مجريات الأمور في أوساط الحكم ومجالات الحياة المختلفة، فليس ثمة شك في أن الإيرانيين أدركوا من البداية حقيقة الثورة في سورية وحقيقة روايات النظام عن الثورة.أدرك الإيرانيون أن النظام يواجه ثورة شعبية حقيقية، حلقة أخرى في موجة الثورة العربية التي اعتبرها كبار القادة في طهران في أكثر من مناسبة امتداداً للثورة الإسلامية في إيران، وأن ليس هناك من مؤامرة، لا عربية ولا غربية، كما ردد النظام. ولكن الموقف الإيراني من الثورة في سورية لم يزد بمرور الوقت إلا سوءاً.

اعترف الإيرانيون أن النظام ارتكب أخطاء وأن سورية بحاجة ملحة للإصلاح، ولكن موقفهم لم يتطور مطلقاً على النحو الذي تطور فيه الموقف التركي أو مواقف بعض الدول العربية المترددة.لا مشاهد إطلاق النار على المتظاهرين العزل، التي تذكر بمواجهات جنود وعناصر أجهزة نظام الشاه للمتظاهرين الإيرانيين في شتاء 1978 1979، ولا التقارير حول انتهاك حرمات الأحياء والأموات من المواطنين السوريين، تركت أثراً يذكر على الموقف الإيراني.

المسوغ الوحيد التي تقدمه طهران لهذه المقاربة أن النظام في سورية وقف دائماً في مواجهة الإسرائيليين ودعم المقاومة في فلسطين ولبنان.

ولكن هذا المسوغ افتقد دائماً لما يسوغه، ليس فقط لأنه يضع الثقة في النظام وينزعها من الشعب السوري، ولكنه أيضاً يستبطن القول بأن سياسة النظام تجاه المسألة الفلسطينية والمقاومة كانت سياسته وحسب، وأنها فرضت على الشعب السوري قسراً. ولأن السياسة الإيرانية لم تستطع أن تقنع السوريين ولا الأغلبية العظمى في الشارع العربي، التي نظرت دائماً بإعجاب إلى السياسة الإيرانية الاستقلالية وقدرت بعرفان كبير دور إيران في مواجهة العدوان الإسرائيلي وإلى جانب اللبنانيين والفلسطينيين، فإن أسئلة أخذت تبرز حول حقيقة الدوافع خلف هذا التمسك الغريب ببقاء النظام في دمشق والصمت الفادح عن جرائمه اليومية.

ولأن الموقف من سورية يأتي في أعقاب موقف إيراني لا يقل غرابة من العراق، لم يكن مدهشاً أن تأخذ هذه الأسئلة لكنة طائفية.

لم تؤيد إيران الغزو الأمريكي للعراق، ولكنها تواطأت إلى حد كبير مع القوى السياسية الشيعية التي تحالفت مع الغزاة ووفرت الشرعية للغزو والاحتلال، والتي كان أغلبها يخضع لتأثير إيراني كبير ويقيم قادتها في إيران.

وعندما بدأت القوى السياسية الشيعية جر البلاد إلى الحكم الطائفي، لم تخف طهران تأييدها للحكام الجدد، بالرغم من الأدلة الواضحة على أن عراقاً طائفياً ليس سوى وصفة لعدم الاستقرار والتناحر الداخليين، كما ولتفجير المسألة الطائفية في أنحاء المشرق المختلفة. كان لإيران بالتأكيد ثأر قديم مع نظام صدام حسين، ولكن ما أثار الشكوك الطائفية حول الموقف الإيراني من العراق لم تكن لحظة الغزو والاحتلال وحسب، بل السياق الطويل للأزمة العراقية منذ الغزو والاحتلال، والطريقة التي تعاملت بها طهران مع تطورات الأزمة وتجلياتها المختلفة. وما يحدث في سورية اليوم يبدو شبيهاً، وإلى حد كبير، بالملف العراقي. فالطبيعة الطائفية للنظام في سورية ليست مجرد انطباع، بغض النظر عن مصداقية الفئة الحاكمة في تمثيلها للطائفة العلوية ومصالحها (والحقيقة، أن الطائفة العلوية تستخدم بصورة بشعة لخدمة مصالح الأقلية المسيطرة على مقاليد الحكم والثورة، وليس العكس، تماماً كما هو سلوك الفئة الحاكمة في العراق).

وبعد مضي أكثر من عام على الثورة السورية، واستمرار النظام في سياسة القمع الدموي لشعبه، وانهيار الثقة في توجهات الإصلاح الرسمية، لم يعد من الممكن التذرع بميراث دعم المقاومة لتبرير الدعم الإيراني المستميت للنظام وبقائه.

خلال السنوات القليلة الماضية، تراكمت عوامل التوتر والخوف والاتهامات المتبادلة بين دول عربية وإيران.ومنذ غزو العراق واحتلاله، تراكمت إضافة إلى ذلك شكوك عربية شعبية في السياسة الإيرانية تجاه ملفات عربية بالغة الأهمية.إيران، كما أشرت مراراً من قبل في هذا المكان، جارة كبيرة للعرب، ولن تغادر موقعها لا غداً ولا بعد غد.

ولأن هذا المشرق لم يكن يوماً إلا خارطة متداخلة من الجماعات الإثنية والطائفية، ولم يعرف إلا مؤخراً، وتحت تأثير الثقافة السياسية الغربية، مفهوم الأقلية والأكثرية، فإن ما يربط إيران بالعرب، سنة وشيعة، أكثر بكثير مما يفرق.ثمة خلافات وتباين مصالح ذات طبيعة جيوبوليتيكية أو سياسية مؤقتة، أدت وتؤدي إلى تفاقم الخلافات بين إيران وجوارها العربي.ولكن تسليح هذه الخلافات والتباينات ببعد طائفي، سينأى بها عن التعامل البراغماتي بين الدول وعقلانية الدبلوماسية، ويجعلها أقرب إلى الاستدامة والتأبيد.القرن العشرون لم يكن رؤوفاً بهذه المنطقة من العالم وشعوبها، والتأجيج الطائفي هو آخر ما تحتاجه وهي تقف على بداية طريق جديد نحو المستقبل.

ما لا يقل أهمية أن نتذكر دائماً أن ليس لحظة الثورة وحسب ما تستعصي عادة على التنبؤ، ولكن دينامية الثورات أيضاً لا يمكن التنبؤ بها.

سورية اليوم ليست سورية مطلع الثمانينات، وتصور القضاء على ثورة شعبية بأرتال الدبابات وهمجية الميليشيات ليس أكثر من وهم.هذه ليست ثورة الإخوان المسلمين، ولا مسلحي الطليعة المقاتلة، هذه حركة شعب بأكمله، قواه السياسية وطبقاته الاجتماعية، مدنه وقراه، وعربه وأكراده.ارتكاب مجزرة في بابا عمرو، أو قصف الخالدية وقلعة المضيق لأسابيع، لم يوقف المظاهرات في أحياء وبلدات حمص وحماة الأخرى.

ما نراه اليوم في سورية لا يختلف عما رأيناه طوال شهور منذ ربيع العام الماضي.ما جاء به التصميم على بقاء النظام بأي ثمن، كان تحويل الثورة السورية من شأن وطني - سوري، كما هي الثورة في مصر، أو حتى عربي إقليمي، كما هي الثورة في اليمن، إلى أزمة عربية إقليمية.ولم نصل حتى الآن إلى تسليح الجيش الحر والآلاف من الضباط والجنود الذين انحازوا إلى صف شعبهم.

إن بدأ تسليح المعارضة العسكرية، فسيكون الثمن باهظاً لكل الأطراف، ولن يستطيع النظام البقاء على كل الأحوال.الذي يحرص على موقع سورية ودورها، لا يدفعها إلى مثل هذا الوضع بالغ التفاقم، من أجل بقاء فئة صغيرة على رأس الحكم.الذي يحرص على سورية، وعلى مصالحه وعلاقاته بالشعب السوري، لا يربط هذه المصالح والعلاقات بمصير القرداحة.

' كاتب وباحث عربي في التاريخ الحديث

=================

الوثيقة الوطنية للقضية الكردية

الخميس, 05 أبريل 2012

فاروق حجّي مصطفى *

الحياة

لا شك في أنّ «الوثيقة الوطنية للقضية الكردية» الصادرة عن المجلس الوطني السوري بعد مؤتمر «الأصدقاء»، وكذلك بعد ردود فعل قويّة من قبل الكُرد حيث كانت تداعيات الانسحاب الكردي قاتلة وذات تأثير في مزاج الشارع الكردي بما يستحق الاهتمام بها، تشكل قفزة نوعية في رؤية المعارضة العربية لحقوق الشعب الكردي. فيؤكد البند الأول على «التزامها بالاعتراف الدستوري بهوية الشعب الكردي القومية، واعتبار القضية الكردية جزءاً أساسياً من القضية الوطنية العامة في البلاد، والاعتراف بالحقوق القومية للشعب الكردي ضمن اطار وحدة سورية أرضاً وشعباً». فضلاً عن انّ «سورية الجديدة دولة ديموقراطية مدنية تعددية، نظامها جمهوري يقوم على مبدأ المواطنة المتساوية وفصل السلطات وتداول السلطة وسيادة القانون، وتوسيع صلاحيات الحكم المحلي».

وهذا يعني انّ «المجلس الوطني» وعبر وثيقته هذه يسعى لأنّ يبني مع الكرد شراكة سياسيّة وثوريّة، وكان قبل المؤتمر تجنب ذكر النظام اللامركزي، ثم دعا في هذه الوثيقة إلى «توسيع صلاحيات الحكم المحلي».

يمكن القول إنّ الكرد تنفسوا الصعداء مع صدور هكذا موقف متطور. فالوثيقة، والتي تتألف من 9 نقاط ترسم صورة واضحة لوضع الكرد في سورية المستقبل. كما تدفع بالكرد نحو اندماج أكثر صلابة مع مكونات الثورة السوريّة، وترفع الغشاوة عما كان يشوب العلاقة بين المعارضتين العربيّة والكرديّة.

والمعروف أنّ الوفد الكردي انسحب من «مؤتمر إسطنبول» عندما شعر ب«التهميش والإقصاء» وبوجود تأثير قوي للأتراك على صيغة الوثيقة العامة التي اعتبرها الكُرد «عامة فضفاضة» لا تحدد وضعهم كمكون أساسي من المكونات القوميّة.

والوثيقة إن التزمت كل الأطراف وتعاملت معها بمسؤوليّة ستكون لها أهميّة كبيرة، ومرد ذلك يعود إلى:

1- تتفق القوى الموقعة على أساس الالتزام ببرنامج الثورة السورية، ممثلاً في العمل على إسقاط النظام وبناء سورية المدنية الديموقراطية، وتوحيد الجهود السياسية والميدانية. 2- تعدّ تطبيقاً لوثيقة العهد الوطني بين أطياف المعارضة ومكملة لها.

وهذان العاملان يفتحان الآفاق نحو بلورة صيغة تلاحم جديدة مرتقية إلى مستوى تطلعات الثورة. لكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل ستتوحد المعارضة ككل على صيغة متقدمة كهذه؟

* كاتب كردي سوري

=================

منطق «أصدقاء النظام»: الشعب يَخضع أو يُقتل

الخميس, 05 أبريل 2012

عبدالوهاب بدرخان *

الحياة

يلتقي أصدقاء النظام السوري وأصدقاء الشعب السوري على أن المعادلة الراهنة تمنع أياً من الطرفين من حسم المواجهة لمصلحته. أما الفارق بينهم فهو أن اصدقاء النظام يعتقدون أن استمراره بالقتل والتدمير يعني أنه لا يزال قوياً ومسيطراً وأن لديه مناعة ضد السقوط - وضد الإصلاح أيضاً - طالما أنهم يحولون دون أي ضغط خارجي حقيقي عليه. في المقابل دأب أصدقاء الشعب على التردد والتشكيك والحسابات، لكنهم أخذوا علماً بأن القمة العربية في بغداد خيّبت الآمال بقرارها الباهت في شأن سورية وأزمتها، لذا كان على مؤتمر اسطنبول أن يعيد التوازن الى المعادلة اياها حتى لو لم يرقَ الى طموحات الشعب.

قبيل قمة بغداد راحت مصادر النظام تروّج تحليلاً مفاده أولاً أن كوفي أنان دخل الى الاجتماع مع الرئيس السوري مبعوثاً مشتركاً للأمم المتحدة والجامعة العربية وخرج منه مبعوثاً دولياً فحسب (لكنه لا يزال مشتركاً رسمياً). وثانياً، أنه سمع جيداً كل شروط النظام ومفاهيمه الخاصة للتعامل مع مهمته، وعلى هذا الأساس أرسل نقاطه الست وتلقى الموافقة عليها مع تسجيل تلك الشروط. ثالثاً، أن مهمة أنان وخطته تتعامل مع السلطة القائمة في البلاد ولا تشكك ب «شرعيتها» وإلا فإنها لن تتوصل الى العمل معها. رابعاً، أن معركة حي بابا عمرو وما رافقها من مجازر كانت عينة من حسم قد يتكرر ويتوسّع، والمطلوب إذاً أن ترتدع «المؤامرة» وتنكفئ ليتمكّن النظام من القيام بدوره في «اعادة الأمن والاستقرار» الى مختلف أنحاء سورية، وبالتالي اجراء الانتخابات في السابع من أيار (مايو) المقبل كخطوة سياسية حاسمة لتجسيد «الإصلاحات» المتدرجة كما يرتضيها النظام.

على أساس هذه الرواية، وما يُثار يومياً عن انقسام المعارضة ومجلسها الوطني وعن المخاوف الأميركية والغربية من أن يقود تسليحها الى حرب أهلية واحتمالات تنشّط تنظيم «القاعدة» في سياقها، استنتج النظام وأصدقاؤه الإيرانيون - وكذلك الروس والصينيون - أن مسألة «تنحي الرئيس» لم تعد مطروحة، وهو أحد عنوانين حرصت قمة بغداد على ابرازهما. كان الآخر الدعوة الى «حوار وطني» في اطار مهمة أنان، وبذلك تناغمت القمة العربية مع قمة دول «بريكس» الخمس (البرازيل، روسيا، الهند، الصين وجنوب أفريقيا) التي انعقدت في وقت متزامن في نيودلهي. من الواضح أن «أصدقاء النظام» اعتمدوا فهماً لمهمة أنان قوامه أن السعي لدى النظام كي يوقف العنف ويحاور المعارضة يعني أنه باقٍ، وبالتالي فإن القرارات العربية الأخيرة (أيدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة) بما فيها من دعوة الى نقل صلاحيات الرئيس الى نائبه قد ذوّبت وخففت في خطة أنان، أي أنها لن تُعتمد إن لم تكن قد طُويت. وفي الوقت نفسه يكون دور الجامعة انتهى عملياً، وبقيت له قناة مجلس الأمن للتحرك من خلالها لكن الحاجزبن الروسي والصيني عطّلا هذا المجلس، ثم أن حاجزاً مستجداً طرأ وهو رئاسة العراق للقمة العربية التي ل ويتوقع أن تتعامل مع الملف السوري بالمقاربة القطرية ذاتها.

قبل أن يدلي الناطق باسم الخارجية السورية، عشية مؤتمر اسطنبول ل «أصدقاء الشعب السوري»، ببيان يؤكد فيه أن صفحة «اسقاط الدولة طُويت الى غير رجعة»، كان مسؤولون ايرانيون وروس والإعلام المؤيد للنظام في لبنان سبقوه في اشاعة الفكرة نفسها. لكن الشرح الأوفى جاء من الأمين العام ل «حزب الله» في لبنان الذي اعتبر أن «أحلام» التدخل الخارجي وتسليح المعارضة وإرسال قوات سلام عربية تبددت، وأنه منذ اللحظة التي جاء فيها أنان كان «المناخ الدولي» تجاوز اطروحات الجامعة العربية وأصبح مؤكداً «أن الأمر انتهى»، أي أن «المؤامرة» فشلت ولم يعد هناك سوى «حل سياسي» من خلال النظام وبواسطته. وما لبث رئيس الوزراء العراقي ان ذهب أبعد، مؤكداً ان النظام السوري «لم يسقط ولن يسقط ولماذا يسقط»، ومحذراً من «أزمة تراكمية في المنطقة ستنعكس علينا وعلى لبنان والأردن وفلسطين والمنطقة وحتى على الدول التي تتعامل مع هذه المسألة بلغة القوة». وإذ قال ان «وظيفتنا نحن العرب هي اخماد نار الأزمة» انتقد الداعين الى تسليح المعارضة، وأعطى بذلك اشارةً الى ما سيكون عليه توجّه بغداد لاحقاً، رغم أن الانتقادات جاءته سريعاً بأنه أبكر كثيراً في نسيان كيف أُسقط النظام العراقي السابق وإنكار مَن جاء بالحكم الحالي في بغداد. فهل هناك فارق بين طموحات العراقيين آنذاك وطموحات السوريين اليوم، أم أن المالكي تكلّم بلسان ايران؟ ثم ما قصة هذه الهواجس من تداعيات الأزمة السورية على دول الجوار وكأنها قدر محتوم ينبغي الرضوخ له وتشكيل السياسات على أساس الخوف أو التخويف منه؟

إذا كان «أصدقاء النظام» يعتقدون أن خطة أنان تؤمن «نصراً» للنظام فهذا يعني ببساطة أنها «غير متوازنة» وفقاً لمصطلحات تبالغ موسكو حالياً في استخدامها، حتى أنها لا تحتمل أن يلتئم «أصدقاء الشعب» في اسطنبول ليتضامنوا ولو لفظياً معه وترفض تحديد مهلة زمنية لوقف اراقة الدماء. فمنطق «أصدقاء النظام» يقول إن الشعب يجب أن يخضع أو يُقتل ليبقى النظام، لكن يبقى من أجل ماذا، فهو أخذ فرصته طوال أربعة عقود، والنتيجة هي ما نراه اليوم، وما بني أساساً على القمع والفساد والتزييف لا يمكن أن يدوم. غير أن «أصدقاء الشعب» يرون أنه اذا استطاعت جهود أنان أن تضمن معادلة «وقف العنف بكل متطلباته وضمان حق الشعب في التظاهر» فإن «النصر» الذي يدّعيه النظام سيتحجّم ويتضاءل، ثم أن أي مسار لحوار من أجل «حل سياسي» لا بد أن يزيل العقبة الرئيسية المرشحة لتعطيله، فقبل الدستور والحكومة والانتخابات وإصلاح القوانين، لا بد أن تُطرح أولاً مسألة المسائل المتعلّقة بسياسته الأمنية والدور المنفلت لأجهزته و»شبيحته». فمن دون اخضاع هذه المنظومة لمراجعة جذرية عميقة يستحيل أن يستقيم حوار أو اتفاق على ادارة المرحلة المقبلة وإصلاحاتها، لأن المطلوب أولاً وأخيراً أن تنتهي «جمهورية الخوف»، والشعب لم يقدّم كل هذه التضحيات ليعطي آلة القتل مشروعية جديدة.

تدرك المعارضة وأصدقاؤها أن النظام يتعاطى مع خطة أنان بشروطه، وهذه كفيلة بأن تحرف التنفيذ عن مراميه، كما أن أصدقاءه يتطلعون الى الضغط لتثبيت الأمر الواقع الذي أقامه على الأرض آملين بأن يفرض أيضاً الحل السياسي الذي يناسبه. طبعاً هذه ليست وصفة ناجعة لوقف حقيقي للعنف ولا للتوصل الى حل سياسي. انها مجرد تجربة لتمرير المرحلة.

* كاتب وصحافي لبناني

=================

«أصدقاء سورية» ومعضلة «المجلس الوطني السوري»

الخميس, 05 أبريل 2012

يزيد صايغ *

الحياة

اتّسم البيان الختامي لاجتماع «أصدقاء سورية»، الذي عُقد في اسطنبول في 1 نيسان (أبريل)، بالأهمية السياسية البالغة لثلاثة أسباب: الأول هو إظهار تشديد الالتزام الإقليمي العربي والدولي بعملية «الانتقال السياسي المؤدّي إلى دولة حرة ومستقلة، مدنية ديموقراطية تعددية، في سورية»، ما يؤكّد الرسالة الموجَّهة إلى أعضاء النظام السوري ومناصريه، وكل مَن بقي خارج حلبة الصراع المباشر، بأن عزلة النظام لن تخفّ، وأن انتهاء التدهور المستمرّ للأوضاع الاقتصادية والأزمة المالية الخانقة بات مرتبطاً بشكل وثيق بالاستجابة لمطالب المعارضة بإعادة هيكلة السلطة السياسية في البلاد.

ثانياً، اعتراف «أصدقاء سورية» ب «المجلس الوطني السوري» كممثل (وليس الممثل) لجميع السوريين، واعتبروه المظلة (الوحيدة) لتجميع أطياف المعارضة كافة. ويوفّر ذلك دفعةً قويةً للمجلس باعتباره القناة الضرورية للاتصالات السياسية والدبلوماسية، إضافةً إلى المعونات المالية والإنسانية.

يتّسم هذا الاعتراف بالأهمية خاصة في حال ثبات وقف إطلاق النار الذي تعهّدت به الحكومة السورية ابتداءً من 10 نيسان (أبريل)، وفي حال الانطلاق ب «الحوار السياسي الشامل» الذي دعا إليه مشروع ممثل الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية الخاص كوفي أنان. صحيح أنه يصعب التفاؤل باحتمال حصول هذه التطورات الإيجابية، غير أن اعتراف «أصدقاء سورية» ب «المجلس الوطني» يحرم النظام من إمكانية اختيار المعارضة التي يريد أن يتحاور معها، كما فعل في الماضي، ويرغمه على إجراء الحوار تحت إشراف الوسطاء الإقليميين والدوليين.

غير أن الأهمية الثالثة لبيان «أصدقاء سورية» تكمن في الحدود الواضحة التي وضعها لتحرّك الأطراف الخارجية نحو مواجهة النظام السوري في المرحلة الحالية. وحتى بعض قيادات «المجلس الوطني السوري» تُقِرّ بأنه لن يحصل تدخّل عسكري خارجي في الأمد المنظور، حتى لو أنها تأمل بأن يتغيّر ذلك وتواصِل المطالبة به.

ومغزى ذلك أن «أصدقاء سورية» قد وضعوا «المجلس الوطني» أمام تحديات رئيسة عدة. أوّلها، معالجة مسألة افتقاره إلى برنامج سياسي، أي «خريطة طريق» لانتقال السلطة، إذ إن مجرد المطالبة برحيل الرئيس السوري بشار الأسد، أو اعتبار ذلك الهدف النهائي لأي عملية تفاوضية، لا يجيب على أسئلة هامة مُلِحّة: ليس أقلها كيفية التعامل مع الشريحة الواسعة من الجماعات السياسية والاجتماعية التي تنظر بريبة إلى زوال نظام وحلول غيره، مهما كان موقفها من النظام الحالي أو اعتراضها على نهجه وعنفه. ماذا سيحصل لكبار مسؤولي الدولة والحكومة والإدارات، علاوة على الصفوف الأعلى حتى الأدنى من حزب البعث؟ هل هناك ما يوحي باستعداد هؤلاء لتسهيل مهمة الانتقال السلمي والمنتظم للسلطة، من دون ترتيبات وتطمينات سياسية مسبقة؟ ثمة مَن يقول في قيادة «المجلس الوطني السوري» أن المشكلة برمّتها تنحصر بالرئيس الأسد و «العصبة» التي حوله، وأنه يسهل حلّها برحيله، لكن ذلك يشكّل تبسيطاً للأمور وتفادياً للأسئلة الصعبة.

أما التحدي الثاني، أنه في غياب التدخل العسكري الخارجي، سيجاهد «المجلس الوطني» ليحتفظ بالزخم الدبلوماسي في الخارج، وبالمبادرة السياسية في الداخل، وهو الأمر الأهم. وسرعان ما سيكتشف، إن لم يدرك على الفور، أن اعتراف «أصدقاء سورية» بمكانته الخاصة سوف يثير آمال جمهوره وتوقّعاته إلى أكثر ما يحتمل أو يقدر على تلبيته، ما قد يدفعه إلى اتخاذ مبادرات سياسية جديدة لا تحظى بالإجماع في صفوف المجلس، ناهيك عن صفوف المعارضة عموماً. صحيح أن وثيقة «العهد الوطني لسورية المستقبل» التي قدّمها المجلس في لقاء إسطنبول، إلى جانب «العهد والميثاق» الجديد لجماعة «الإخوان المسلمين»، يطرحان رؤية مشرقة لمستقبل ديموقراطي تعددي يحترم الحقوق والتنوّع، إلا أن المهمة الأصعب لا تزال تكمن في توضيح الخطوات والآليات اللازمة للمرحلة الانتقالية المقبلة، إذا كان لها أن تحصل.

ثالثاً، يجيب عدد من قادة «المجلس الوطني السوري» وأطرافه على التحدّي السابق بالحديث عن «استعادة التوازن» مع النظام، ويقصدون بذلك بناء القدرة العسكرية الذاتية القادرة على درء العنف المستمر والعشوائي للنظام وردعه. غير أنه في غياب المناطق المحمية من الخارج، أو القواعد الحدودية في داخل البلدان المجاورة، وإمدادات الأسلحة، سوف تنحصر المعارضة المسلحة في داخل سورية، وتكون مبعثرةً في إطار مجموعات وتجمّعات صغيرة لتفادي الحصار والدمار، ما يقوّض فكرة التوازن من أساسها. ولذا، فان البحث عن التوازن ضمن هذه الشروط يعني تجنّب الانكباب على تطوير البرنامج السياسي، من دون إيجاد الحلول لكيفية الاحتفاظ بالسيطرة على المجموعات المسلحة في الداخل، وتطوير «الجيش السوري الحر» كإطار هيكل قيادي منضبط وكقوة قتالية فاعلة، ومواصلة القيادة السياسية العليا للعمل العسكري.

لذلك كله، قد يجد «المجلس الوطني السوري» أن «الحوار السياسي الشامل» الذي دعت إليه خطة أنان ليس بالمكروه الذي ينبغي تحمّله مؤقّتاً، بل يشكّل أداةً قويةً بين يديه، تتيح له إعادة المجابهة من المجال العسكري، حيث النظام يبقى الأقوى، إلى المجال السياسي، حيث المجلس هو الأقوى. ولا يزال هذا الطرح يثير الاتهامات المتبادلة بين أجندة المعارضة في الداخل والخارج، لكنه يمثّل التحدّي الأكبر الذي لم يضمحلّ أو يزُل.

* باحث أول في مركز كارنيغي للشرق الأوسط - بيروت

=================

السوريون والقمة العربية!

أكرم البني

الشرق الاوسط

5-4-2012

لم يخطئ السوريون في لا مبالاتهم وعدم اكتراثهم بمؤتمر قمة بغداد العربية وفي عزوفهم عن الاهتمام بقراراته أو التعويل عليه، وقد أصابوا بتقديراتهم بأن هذا المؤتمر لن يحمل لهم جديدا في ما يضمن حمايتهم وصون أرواحهم من آلة الفتك والدمار وبأنه لن يعود بأثر إيجابي على معالجة أوضاعهم المتفاقمة.

وبالفعل، صح ما كنت تسمعه من كلمات مفعمة بالأسى بأن سقف هذا المؤتمر لن يتجاوز الإدانة والشجب للنظام الحاكم وحتى تحميله المسؤولية دون اتخاذ قرار من القمة في مواجهة ذلك، اللهم إلا بعض عبارات التعاطف مع الضحايا والمنكوبين والدعوة إلى تفعيل المساعدات العربية لتخفيف معاناة الشعب السوري، فالعرب كما يرى بعض السوريين قد أعطوا ما عندهم، وحرروا أنفسهم من المسؤولية بعد نقل الملف السوري إلى مجلس الأمن، الذي، بسبب الفيتو الروسي، عجز عن اتخاذ موقف يحمي المدنيين ويدين القمع المعمم والعنف المفرط، ولا يغير من هذه النتيجة تلويح الوزراء العرب ببعض الضغوط ضد موسكو أو محاولتهم تليين الموقف الروسي عبر لقاء القاهرة المتعثر مع وزير الخارجية لافروف، بل يتخوفون من تراجع الموقف العربي وارتباكه استنادا إلى حقيقة أن أية قمة عربية تأخذ طعمها من الطرف المضيف وطبيعة مواقفه وجهة اصطفافه، ليرجحوا صعوبة أن تتخذ قمة بغداد مواقف جديدة حادة وحاسمة من النظام السوري، إرضاء لإيران وتحسبا من ردود فعل مضرة بالحكومة العراقية في ظل الظروف الحرجة التي تمر بها، وهو الأمر الذي دل عليه قرارها بدعم خطة كوفي أنان لمعالجة الحالة السورية التي شكلت تراجعا عن بعض النقاط التي أدرجتها المبادرة العربية!

من جهة ثانية، أصاب السوريون الذين جاهروا بموقفهم حين لم يعولوا أبدا على القمة العربية، والسبب ليس في طابعها، بل في طبيعة السلطة الحاكمة في سوريا التي دأبت على إهمال العامل العربي، وصل الأمر أحيانا إلى حد شطبه من حساباتها، ربما لأنها بعلاقاتها الإقليمية، وخاصة مع الحليفة إيران، استطاعت جعل التأثيرات العربية في شؤونها الاقتصادية والسياسية ضعيفة ومحدودة، وربما لأنها في أساس بنيتها الأمنية تتعارض مع النصائح العربية الداعية للبدء بمعالجة سياسية للأزمة وبإصلاحات جدية تخفف حدة التوتر والاحتقان! مما يعني برأي هؤلاء أن أهل الحكم سوف يستمرون في سلوكهم القمعي وسيواجهون الاحتجاجات كأنهم يتمتعون بحصانة دائمة تجاه استخدام أشنع وسائل القهر والتنكيل، وكأنهم لا يأبهون بالمواقف العربية وبما قد تتخذه القمة من قرارات، وهو ما عبروا عنه برفضهم أية قرارات تتخذها القمة تجاه الحالة السورية ما داموا غائبين عنها!

وربما هو أمر مفسر ومفهوم في ظل معاناة الشعب وما يكابده، أن يذهب بعض السوريين إلى حد السخرية من القمة ويجاهرون بانتقاداتهم للنظام العربي الرسمي الضعيف، وخاصة تأخره وتباطؤه في التعاطي مع الحالة السورية بالمقارنة مع مواقفه السريعة والصريحة تجاه الثورات الأخرى، مما منح المهل تلو المهل للآلة السلطوية كي تتوغل أكثر في القمع والعنف، وقد أصاب هؤلاء في استنتاجهم بأن انعقاد القمة وأيا تكن قراراتها لن يقدم شيئا في تعديل الدور العربي وتمكينه من مواجهة التحديات التي تعترضه، وأهمها تحدي وقف العنف وحماية المدنيين السوريين، وأن القادة العرب سوف يكتفون بمعالجة هذه القضية الملتهبة والمؤلمة معالجة شكلية، أشبه برفع العتب، والدليل تهربهم من هذه المسؤولية ووضعها على عاتق الموفد الأممي ومبادرته!

في المقابل، لا يخلو المشهد السوري من آراء لا تزال تنظر بإيجابية لدور عربي في التعاطي مع محنتهم، على الرغم من النتائج الهزيلة التي أسفرت عن مؤتمر قمة بغداد، ويستند هؤلاء إلى بعض الإشارات والمعطيات الدالة على تنامي الرغبة لدى أطراف عربية في معالجة سريعة للاستعصاء السوري القائم حتى لو تطلب الأمر تدخلا خارجيا أكثر وضوحا وقوة، والدليل الإصرار على تكرار وضع الملف السوري في عهدة مجلس الأمن ثم الدعوات المتواترة لإنشاء قوة مشتركة، عربية وأممية، للفصل والمراقبة، بما في ذلك الجهود اللافتة لعقد مؤتمر أصدقاء الشعب السوري في تونس والسعي العربي لإنجاحه في إسطنبول لجهة تطوير مواقف دولية وإقليمية أكثر فاعلية تكسر هذا الاستعصاء.

فحين تعلن دول عربية إدانة الخيار الأمني والعسكري وتدعو إلى وقف العنف فورا والاستجابة لمطالب الناس، وترفض الروايات الرسمية عن المؤامرة والعصابات المسلحة، وتضع مبادرة غير مسبوقة لحل الأزمة تدعمها ببعثة مراقبين مهمتها التحقق من التنفيذ، ثم تعلن تطبيق حزمة من العقوبات الاقتصادية المؤثرة ضد النظام السوري وتعلق عضويته في الجامعة العربية، وتبادر إلى سحب سفرائها ثم قطع العلاقات الدبلوماسية، كما تسارع إلى نقل الملف السوري إلى مجلس الأمن، وبعد عجز هذا الأخير، تلجأ إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة وتساهم في إصدار قرار يدين العنف السلطوي، ثم تهتم بمتابعة الشأن السوري في لجنة حقوق الإنسان وفي محكمة الجنايات الدولية، وتقدم ما تيسر من الدعم السياسي والمادي للثوار واللاجئين، حين يحصل كل ذلك يعني عند السوريين، وجود مصلحة عربية واسعة بضرورة التغيير السريع في بلادهم وتوافقا على رفض بقاء المشهد على هذه الشاكلة، حتى لو جاء الأمر تفاديا لتداعياته وآثاره التي بدأت تنعكس في مختلف الأوساط السياسية والشعبية العربية، وتحسبا من أن تفضي ارتباطاته الإقليمية إلى مستوى أكثر خطرا على أمن الدول العربية ومصالحها.

وفي كل الأحوال وحتى وإن لم يخلص مؤتمر القمة إلى تفعيل الدور العربي وتمكينه، وإن لم ينجح في تثبيت المبادرة العربية تجاه الحالة السورية ورفدها بخطة وآليات وبقوى قادرة على وضعها موضع التطبيق، فإن السوريين يجمعون على أن استمرار ثورتهم بهذه الصورة البطولية هو الأساس، وأن ما تقدمه من أثمان باهظة من الضحايا والجرحى والمعتقلين، سوف يزيد بشكل كبير مساحات التعاطف الإنساني والأخلاقي معهم، ويزيد تاليا إحراج السياسات الرسمية ودفعها للتلاقي على هم واحد هو رفض استمرار ما يحصل والبحث عن مخارج عاجلة من هذا الوضع المأساوي.

=================

أميركا تراهن على انقلاب عسكري في سوريا!

هدى الحسيني

الشرق الاوسط

5-4-2012

هناك مراوغة لا مثيل لها في منطقة الشرق الأوسط، المنطقة الأكثر توترا في العالم. رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي الذي يرفض التدخل العسكري في سوريا هو الذي أتى به غزو كامل ودعم إيراني مكشوف.

أيضا، المقاتلون الذين كانت مهنتهم في العراق قتل الجنود الأميركيين ومن يدربون من الجنود والشرطة العراقيين، يقاتلون الآن إلى جانب الثوار السوريين الذين يدعمهم الغرب.

هذه المراوغة سببها الموقف الأميركي الذي لا يريد أي صراع عسكري على الأقل حتى شهر نوفمبر (تشرين الثاني) موعد انتخابات الرئاسة الأميركية، ولا يريد بالتأكيد تدخلا عسكريا في سوريا!

وإذا كان ما حصل في العراق والحسابات الخاطئة التي أقدمت عليها أجهزة الاستخبارات الأميركية تؤجل وتؤخر اتخاذ قرار في ما يتعلق ببرنامج إيران النووي، فإن تجاوز الحلف الأطلسي للقرار الدولي 1973 حول ليبيا هو الذي يعطي «الفرص» للنظام السوري، فالقرار كان لحماية المدنيين، لكن تبين أن الافتراض القائل إن قوات معمر القذافي كانت تشن حرب تطهير وترتكب مجازر كان مبالغا فيه جدا، ودعت تقارير إلى إجراء تحقيق علني حول القصف الجوي للحلف الأطلسي.

وقد أظهر إعلان دول «البريكس» (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا) الذي صدر في نيودلهي يوم 29 مارس (آذار) الماضي المتعلق بسوريا، أن التهديد من تدخل الحلف الأطلسي باسم حقوق الإنسان سيطر على عقول قادة «البريكس»، وأن هذا الحلف لن يعطي اليد الطولى بتفويض من الأمم المتحدة. وحسب تفسير دبلوماسي هندي «بسبب تجربة ليبيا، فإن الأعضاء الآخرين في مجلس الأمن مثل الصين وروسيا لن يترددوا في ممارسة حق النقض، إذا ما جاء القرار الدولي في ظل الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة الذي يجيز استخدام القوة واتخاذ إجراءات عقابية وقسرية».

مقابل هذه المواقف هناك الموقف الأميركي.. ففي جلسة (قبل انعقاد مؤتمر اسطنبول الأخير بأيام قليلة) مع مسؤول أميركي كبير مكلف بالملف السوري ومطلع عليه عن كثب، قال «إن الإدارة الأميركية تعتقد أن نظام بشار الأسد لن يكتب له البقاء، على الرغم من أن هذا لا يعني أنه سوف يذهب غدا. كانت الحكمة التقليدية أنه سوف يسقط، فإذا به يذهب إلى حمص. بشار الأسد يتسم بقصر النظر، والوضع الحالي غير قابل للاستمرار. التخلص من الأسد لن يكون عبر المعارضة المسلحة. بعض الناس ينظرون إلى الجيش السوري ويحصون الدبابات، ويخلصون إلى أن الأسد لن تتم الإطاحة به. يقولون إن إيران نجحت في قمع المظاهرات. في سوريا الوضع مختلف. التمرد في حماه الذي استمر من عام 1976 حتى 1984 (إذا شملنا معه تمرد رفعت الأسد)، لم يكن واسع النطاق. هذه المرة عندما تضاعفت المظاهرات السلمية ارتبك النظام، وبدأ يرمي بكل ما لديه على المتظاهرين. هناك احتجاجات في المناطق المسيحية ولدى الأكراد. لكن هل سيحدث الانهيار غدا؟ كلا. سنكون في هذا الوضع لفترة طويلة. بدأت العقوبات الاقتصادية تفعل تأثيرها. انخفض سعر صرف الليرة: ألف ليرة للدولار الواحد. الحاجيات بدأت تنقص. الحكومة تواجه متاعب كبيرة في دفع فواتيرها، وهذا يعني أن المصارف اللبنانية تقوم بالدور الصحيح، لجهة عدم مساعدة النظام السوري للالتفاف على العقوبات. هناك معارضة سورية ضخمة في تركيا، والجامعة العربية وقفت ضد النظام. سوريا تحب أن تصف نفسها بأنها قلب العروبة النابض، لكن معارضة الجامعة العربية لها نخرت في أسس ذلك المفهوم. مؤسسات الدولة تنهار. حزب البعث وسياسة تقديم الخدمات يتساقطان، ومجموعة الأسد - مخلوف (عائلة الأسد من جهة والدته) ستواصل القتال حتى الموت. هذا الأمر نوعيا ممكن، لكنه لن يدوم».

وقال المسؤول الأميركي «إن الولايات المتحدة لن تأخذ زمام المبادرة في تسليح المعارضة. ستقدم مساعدات إنسانية وتعمل على تحسين المظاهرات المدنية. سنركز على الوسائل الديمقراطية. أكثر ما يخشاه النظام هو المظاهرات السلمية. إنما بالتخلص من بشار الأسد لا أحد يعرف ماذا سيحدث بعده. المجلس الوطني السوري مصاب بالخلل، لكن المجالس الثورية في الداخل تعمل على الالتفاف على هذا الخلل. المجالس الثورية عبارة عن شبكات في الداخل، لكنها ليست حركة وطنية.. وهي تختلف عن المعارضة في المنفى».

يواصل المسؤول الأميركي بأن «القتل مستمر في سوريا، ويسعى كوفي أنان (مندوب الأمم المتحدة والجامعة العربية) لإقناع الأطراف بالموافقة على وقف لإطلاق النار. وقد وافقت روسيا على هذا المفهوم، لكنها رسمت خطا أحمر «على الرمال» في ما يتعلق بالإطاحة بالأسد، وهي تقف ضد الرأي العام العربي. نحاول إيجاد نقاط نتفق عليها مع الروس. إننا نبحث عن حل سلمي. لا تعرف الولايات المتحدة كيفية حل هذه الأزمة، لكنها لا تريد إرسال الأسلحة. روسيا ترى معارضيها بالنظرة نفسها التي ترى الحكومة السورية بها معارضيها.

مخاوف الأقليات في سوريا لها ما يبررها. نظام الأسد يتلاعب بهذه المخاوف. هناك قلق لدينا لأن قيادة المجلس الوطني السوري واقعة تحت التأثير الكبير ل(الإخوان المسلمين). هذا في الخارج، لكنه لا ينسحب على كل معارضة الداخل. تم إخراج الإسلاميين في الثمانينات، لكن هذا لا يعني أنه لا توجد جيوب من السلفيين. إنما هناك نواة صلبة من السوريين من الطبقة المتوسطة. يجب أن تعكس سوريا الجديدة دور العلمانيين، وتحتاج المعارضة للقيام بدور أفضل لتبرز آراء العلمانيين. لقد دعا (الإخوان المسلمون) إلى (دولة مدنية)، وهم يتحاورون مع بعض الأكراد. سوريا فسيفساء، ومزيج من الثقافات لعدة مجموعات محلية، لكنها كلها لا تملك المهارات السياسية بسبب النظام الاستبدادي. إنها كسوريا الخمسينات. سيكون تحديا هائلا نسج هذه المجموعات بعضها ببعض وتقديم رؤيتها».

خلص المسؤول الأميركي إلى القول «إن نظام الأسد يواجه صعوبة في الحكم. يعاني من مشاكل في توفير خطوط الإمدادات والكهرباء. ونخبة رجال الأعمال قد يتغير موقفها من النظام إذا ما عجز عن أن يضمن مصالحها. الولايات المتحدة لم تتخل عن الخيار العسكري بالنسبة إلى إيران، إنما مع سوريا لا نريد أن نصدر تهديدات جوفاء عن الخيار العسكري من دون وجود نية لاستعماله. إن الحل العسكري ليس قابلا للتطبيق. منطقة حظر الطيران غير ممكنة، والحلف الأطلسي ليس خيارا. نحن نريد أن نحذو حذو الجامعة العربية. لقد انسحبنا للتو من العراق، وما زلنا متورطين في أفغانستان. نحاول عزل سوريا دبلوماسيا وأن ندفع الأمم المتحدة للتحرك. نحاول تضييق خناق العقوبات حول عنق النظام ونسعى للحصول على المساعدات الإنسانية ودفع المجتمع الدولي لإرسال مراقبين.

في العراق، بعد ثلاث سنوات بدأ الصراع المذهبي حيث الجار يقتل جاره. الولايات المتحدة لا تريد أن يحصل هذا في سوريا. لا نريد تدمير سوريا لإسقاط الأسد. هناك احتمال أن تتدخل تركيا عسكريا. الولايات المتحدة لا تقول للأتراك ما عليهم فعله، هي أغلقت سفارتها في دمشق وتراقب تحركات المجتمع الدولي.

الولايات المتحدة قلقة على الوضع في طرابلس (شمال لبنان). فإذا تعرض الأسد للتهديد سيحاول أخذ لبنان معه. قدرة التأثير السوري في لبنان تقلصت، لكن المصالح تبقى مصالح.

الانقلاب العسكري وارد، إنما لن يقوم به ماهر الأسد.. يجب أن يأتي من خارج المجموعة الأساسية!».

=================

كيف تستطيع روسيا إزاحة الأسد عن السلطة؟

جاين هارمان

الشرق الاوسط

5-4-2012

في مؤشر على تراجع التأييد الروسي للرئيس السوري بشار الأسد، قال وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، الذي طالما كان نصيرا قويا للحكومة السورية، الشهر الحالي، إنه في حالة تنحي الديكتاتور «لن يرحب به أحد في روسيا».

قد يفكر لافروف في توسيع مجال هذه الرسالة لتكون بمثابة دعوة إلى تنحي هذا الحاكم المستبد. وبالنظر إلى الدعم الروسي القوي لنظام الأسد خلال المداهمات الوحشية التي قام بها ضد الاحتجاجات التي اندلعت، خلال العام الماضي، تتمتع روسيا بموقع فريد يمكنها من قيادة جهود إبعاد الأسد عن سدة الحكم.

لا ينبغي أن ينتهي المطاف بإقامة الديكتاتور في موسكو بالتأكيد، ولكن ألن يكون من الأفضل رؤية عائلة الأسد تعيش في أي مكان خارج سوريا إذا كان هذا يعني وضع حد للمذابح البشعة التي حصدت بالفعل حياة أكثر من 9 آلاف شخص بريء؟

قد يكون منح الحصانة للأسد لحثّه على مغادرة دمشق أفضل خيار ضمن عدة خيارات غير مثالية لوقف إراقة الدماء في سوريا. وقد أثبتت تلك الاستراتيجية جدواها فيما يخص الرئيس اليمني، علي عبد الله صالح، الذي غادر صنعاء أخيرا لتلقي الرعاية الطبية في نيويورك، بعد أن تراجع عن التوقيع على ذلك الاتفاق ثلاث مرات.

قد لا يكون التوصل إلى صفقة حصانة على غرار صفقة صالح هي النموذج الأمثل، ولكن النتائج التي تحققت حتى الآن تبدو مشجعة، فبينما يعاني اليمن من الانفلات الأمني، تخف حدة العنف السياسي هناك. وتم تعيين نائب صالح كخليفة له في استفتاء حظي بتأكيد واسع النطاق في شهر فبراير (شباط)، وهو الأمر الذي يمكّن الولايات المتحدة من الحفاظ على قدرتها على خفض وجود تنظيم القاعدة في اليمن، حيث أسفرت الضربات الجوية التي تم تنفيذها الشهر الحالي، على سبيل المثال، عن مقتل 18 من عناصر «القاعدة» في وسط اليمن.

وبعد استخدام حق النقض ضد محاولتين سابقتين لاستصدار قرارين في مجلس الأمن، واللتين كانتا من المفترض أن تدينا الأسد، وافقت روسيا (والصين) أخيرا في 21 مارس (آذار) على دعم بيان رئاسي ضعيف للأمم المتحدة يدعو لوقف إطلاق النار في سوريا. وعلى الرغم من ذلك، لم يؤد هذا البيان، الذي تقل قوته عن قرار، إلى نتائج ملموسة على أرض الواقع.

وعلى الرغم من أن الأسد وافق رسميا، يوم الثلاثاء، على مقترح وقف إطلاق النار الذي قدمه كوفي أنان، مبعوث الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية، لا تزال أعمال العنف التي يمارسها النظام السوري مستمرة. وعلى الأرض، ذكرت الجماعات المناهضة للأسد مقتل العشرات من الأشخاص في اشتباكات وقعت في شتى أنحاء البلاد بعد إعلان وقف إطلاق النار. ومع الأسف، من المستحيل معرفة العدد الدقيق للضحايا والهجمات، حيث فرضت الحكومة قيودا مشددة على دخول الصحافيين الأجانب لسوريا.

وهناك فرصة عظيمة سانحة أمام روسيا، التي قدمت الدعم السياسي والعسكري لنظام الأسد، للعب دور الوسيط في اتفاق من شأنه أن يكون له تأثير حقيقي. ويجب علينا تذكر هتافات الآلاف من السورين الذين كان يحملون الأعلام الروسية أثناء ترحيبهم بزيارة لافروف لدمشق في أوائل فبراير (شباط). يكاد الوقت المتاح للتحرك ينفد، حيث إن الأمم المتحدة قد تتهم الأسد بارتكاب جرائم ضد الإنسانية في أي وقت.

من الناحية المثالية، يجب محاكمة الأسد ومحاسبته على تلك الوحشية، ولكن مسارات العمل الأخرى، بما في ذلك التدخل العسكري أو تسليح معارضة غير واضحة المعالم، قد تتسبب في الكثير من المشكلات. ومع ازدياد أعداد القتلى في سوريا بشكل يومي، يجب على المجتمع الدولي التفكير في الخيارات غير المثالية.

وبالإضافة إلى العقوبات القسرية المتزايدة، لن تؤدي صفقة حصانة بقيادة روسية إلى إنقاذ أرواح الكثير من الأبرياء فحسب، بل أيضا ستكون بمثابة ضربة موجعة لإيران، أهم حلفاء الأسد في المنطقة. قد يستغل الرئيس الروسي «المنتخب» حديثا، فلاديمير بوتين، الأزمة في سوريا في «إعادة صياغة» المفاهيم الدولية تجاه دولته، حيث سيؤدي التفاوض على مغادرة الأسد لسدة الحكم إلى قطع شوط طويل نحو استعادة صورة روسيا كلاعب دولي مهم ومسؤول.

وبالإضافة إلى قيام الكرملين بتخفيض دعمه لدمشق، أعلن سيرغي لافروف عن انتقاده للأسد، خلال الشهر الحالي، متهما إياه «بارتكاب الكثير من الأخطاء». وينبغي ألا تفوت موسكو هذه الفرصة لتصحيح ما ارتكبته من أخطاء.

* خدمة «واشنطن بوست»

==============================

كوفي أنان وجه أسود وأقنعة بيضاء

بقلم تييري ميسان

شبكة فولتير

دمشق | 29 آذار (مارس) 2012 

إذا كانت النتائج التي أنجزها كوفي أنان في الأمم المتحدة باهرة في مجالات الإدارة والتنظيم والفاعلية فإنها عرضة لانتقادات كبيرة في مجال السياسة. خلال فترة توليه الأمانة العامة للمؤسسة الدولية جهد أنان في تطبيع المؤسسة المذكورة لتتناسب مع العالم الأحادي القطب ومع العولمة الأميركية المهيمنة. أعاد النظر في الأساس العقائدي لمؤسسة الأمم المتحدة وجرّدها من قدرتها على تفادي المواجهات الدولية. على الرغم من ذلك هو مكلّف اليوم بحلّ الأزمة السورية.

شبكة فولتير

دمشق | 29 آذار (مارس) 2012 

تمّ انتقاء الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي أنان الحائز على جائزة نوبل للسلام ليكون المندوب الخاص لكل من بان كي مون ونبيل العربي في مهمة هدفها إجراء مفاوضات تهدف إلى إيجاد حلّ سلمي للأزمة السورية. يتمتّع الرجل بخبرة نادرة وبسمعة باهرة لدرجة أن الجميع تحمسوا لهذا الانتقاء.

ماذا يمثّل هذا المسؤول الدولي الرفيع؟ من الذي أوصله إلى أعلى المراتب الدولية؟ ماذا كانت خياراته السياسية وما هي ارتباطاته والتزاماته الحالية؟ أمام هذه الأسئلة لا بد من التحفظ كما لو أن اللقب القديم الذي كان يتمتّع به ضمانة للحيادية في الأداء.

اختير ودُرّب على يد مؤسسة فورد والاستخبارات المركزية الأميركية

يمتدح الزملاء السابقون فيه العناية والذكاء والدقة. شخصية جذابة ومحبوبة خلّفت أثراً كبيراً لأنه لم يتصرّف كسكرتير عام للأمم المتحدة بل كقائد عام لها حيث قام بمبادرات أعادت إحياء المؤسسة الغارقة في البيروقراطية. كل هذا معلوم ومكرّر وقد أوصلته إمكاناته المهنية المميزة لنيل جائزة نوبل للسلام على الرغم من أن نيل مثل هذه الجائزة يجب أن يكون نتيجة الانتماء السياسي الشخصي لخط يسعى لإحلال السلام وليس مكافأة على قدرات إدارية.

ولد كوفي أنان وشقيقته التوأم إفوا أتا في 8 أبريل (نيسان) 1938 في عائلة أرستقراطية في المستعمرة البريطانية في ساحل العاج. كان والده زعيم قبيلة فانتيس وحاكم مقاطعة أشانتي المنتخب. على الرغم من رفضه للوجود البريطاني إلا أنه كان خادماً وفياً لتاج جلالة الملكة.

شارك مع شخصيات مرموقة أخرى في أول حركة رفض للاستعمار لكنه تعامل بشكٍ وريبة وقلق مع حركة الثورة التي قادها كوامي نكروما.

في جميع الأحوال أدت جهود كوامي نكروما إلى استقلال البلاد التي سُمّيت غانا وذلك في العام 1957. كان كوفي يبلغ حينها 19 عاماً وعلى الرغم من عدم مشاركته في الثورة إلا أنه أصبح نائب رئيس الرابطة الوطنية الطلابية الجديدة. تنبّه في ذلك الحين له "صياد رؤوس" من مؤسسة فورد وضمّه إلى برنامج "القائد الشاب" وعلى هذا الأساس تمّ تشجيعه على متابعة صفوف صيفية في جامعة هارفرد. بعد أن أثبت حماسته لما تمثّله الولايات المتحدة قدّمت له مؤسسة فورد منحة دراسية جامعية كاملة أولاً في الاقتصاد في جامعة مكالستر في منيسوتا ثم في العلاقات الدولية في معهد الدراسات الدولية العليا في جنيف.

تحوّلت مؤسسة فورد، التي أسسها الصناعي هنري فورد، بعيد الحرب العالمية الثانية إلى أداة للسياسة الخارجية غير الرسمية للولايات المتحدة الأميركية مقدمة بذلك قناعاً محترماً لنشاطات جهاز الاستخبارات المركزية الأميركية [1].

تزامنت دراسة كوفي أنان الجامعية خلف الأطلسي (1959-1961) مع أصعب مراحل حركة النضال من أجل الحقوق المدنية للسود (بداية حملة مارتن لوثر كينغ في بريمنغهام). اعتبرها امتداداً لحركة رفض الاستعمار التي شهدها في غانا لكنه لم يشارك فيها كذلك.

فتح له رعاته الأميركيون أبواب منظمة الصحة العالمية بعد أن نالت نتائجه الأكادمية وتحفظه السياسي رضاهم حيث شغل أول وظيفة له. بعد أن أمضى ثلاث سنوات في جنيف تمّ توظيفه في اللجنة الاقتصادية الإفريقية التي كان مقرّها في أديس أبابا. لكن درجاته العلمية لم تكن كافية ليطمح لمركز الأمين العام للأمم المتحدة لذا عاد إلى الولايات المتحدة الأميركية لدراسة الإدارة في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (1971-1972). حاول العودة إلى بلاده كمدير التطوير السياحي لكنه واجه مشاكل مستمرة مع حكومة الجنرال أشيمبونغ العسكرية. لذا تراجع عن مشروعه وعاد إلى الأمم المتحدة في العام 1976.

 

حياة مهنية ناجحة على الرغم من الإخفاقات المأساوية

احتل مناصب مختلفة داخل المؤسسة الدولية أولاً ضمن الـ UNEF II (قوات السلام للفصل بين مصر وإسرائيل في نهاية حرب أكتوبر 1973)، ثم كمدير مكتب شؤون اللاجئين UNHCR. في هذه المرحلة التقى بالمحامية نان لاجيرغرين وتزوج منها في زواجٍ ثانٍ. هذه المحامية السويدية هي ابنة شقيق راوول والنبرغ الممثل الخاص للسويد في هنغاريا خلال الحرب العالمية الثانية. اشتهر والنبرغ بإنقاذه لمئات اليهود الملاحقين عبر تأمين جوازات سفر لهم. كما عمل مع الـ OSS وهو الجهاز الذي كان سلفاً لجهاز الاستخبارات المركزية الأميركية كعميل ارتباط بين الولايات المتحدة والمقاومة الهنغارية. اختفى والنبرغ عند نهاية الحرب العالمية الثانية ويبدو أن السوفيات أسروه لوقف تدخلات الولايات المتحدة الأميركية في البلاد. في جميع الأحوال فتح زواج كوفي أنان السعيد له أبواباً لم يكن يتمكن من عبورها من قبل وبالتحديد أبواب المنظمات اليهودية.

اختار الأمين العام للأمم المتحدة في حينه خافيير بيريز دي كويار كوفي أنان مساعداً له مسؤولاً عن الموارد البشرية وعن سلامة موظفي الأمم المتحدة (1987-1990). خلال أزمة اجتياح العراق للكويت وقع 900 موظف من موظفي الأمم المتحدة في "الأسر". تمكّن كوفي أنان من مفاوضة صدام حسين وإطلاق سراحهم وهذا الأمر أكسبه مكانة عالية في المؤسسة الدولية. تولى على التوالي الميزانية (1990-1992) وفي عهد بطرس بطرس غالي عمليات حفظ السلام (1993-1996) تخللها تكليفه بمهمة المبعوث الخاص للأمين العام إلى يوغسلافيا.

وفق ما يؤكده الجنرال الكندي روميو دالير قائد القبعات الزرق في رواندا لم يتجاوب كوفي أنان مع طلباته المتكررة ويتحمل بذلك مسؤولية كبيرة عن عدم قيام الأمم المتحدة بأية مبادرة خلال الإبادة الجماعية التي ذهب ضحيتها 800 ألف قتيل من التوتسي بشكلٍ عام ولكن كذلك من الهوتوس [2].

السيناريو عينه تكرر في البوسنة حيث تمّ أسر 400 من جنود القبعات الزرق على يد القوات البوسنية الصربية. صمّ كوفي أنان أذنيه لنداءات الجنرال برنار جانفيه وسمح بحدوث مجازر كانت متوقّعة.

في عام 1996 رفضت الولايات المتحدة التجديد للمصري الفرنكوفوني بطرس بطرس غالي في منصب الأمين العام للأمم المتحدة. وتمكّنت من فرض مرشّحها وهو موظف رفيع المستوى من قلب المؤسسة إنه كوفي أنان. بدل أن تكون أسلحة في وجهه باتت إخفاقاته في رواندا والبوسنة وزنات لصالحه بعد أن اعترف بها ووعد بإجراء إصلاحات في الهيكلية حتى لا تتكرّر مثل هذه الأخطاء. تمّ انتخابه على هذا الأساس واستلم منصبه في الأول من يناير (كانون الثاني) 1997.

 

الأمين العام لمؤسسة الأمم المتحدة

ما ان استلم منصبه حتى أطلق كوفي أنان حلقة مغلقة سنوية تستمرّ لمدة يومين وتضم 15 سفيراً للأمم المتحدة. استقبل هذه الخلوة بحفاوة صندوق الأخوة روكفيلر في مركز المؤتمرات بوكانتيكو (شمال نيويورك). يناقش الأمين العام خلال هذه الحلقة مع ممثلي الدول التي تدعمه خارج هيئات الأمم المتحدة الإصلاحات التي يجب إخضاع المؤسسة الدولية لها وكذلك العلاقات الدولية.

في هذا السياق أعاد توزيع إنفاق الأمم المتحدة وفق الأولويات السياسية وقلّص بقوة ميزانية الأمانة العامة. كذلك أعاد تنظيم الأداء الإداري حول أربعة محاور (السلام والأمن ثم التطوير ثم الشؤون الاقتصادية والاجتماعية ثم الشؤون الإنسانية). أوجد منصب الأمين العام المساعد لينوب عنه ووفر له طاقماً حقيقياً يسمح له بتنفيذٍ سريع لقرارات مجلس الأمن والجمعية العامة.

مبادرة كوفي أنان الكبرى كانت الـ "غلوبال كومباكت" التي تهدف إلى تعبئة المجتمع المدني ليتحرك من أجل عالم أفضل. على قاعدة الحوار الطوعي تمكّنت المؤسسات والنقابات والمنظمات غير الحكومية من خوض النقاشات والالتزام باحترام حقوق الإنسان وقانون العمل والبيئة.

بعد التطبيق اتضح أن "غلوبال كومباكت" لم تنجزالمتوقّع منها بل ساهمت في إخراج الأمم المتحدة كمؤسسة عن دورها الطبيعي. لقد حجّمت دور سلطة الأمم المتحدة واعترفت بسلطة الشركات العالمية والجمعيات التي لا تملك من صفة "غير حكومية" سوى الاسم والمدعومة بشكلٍ سري من القوى العظمى. باعتماده اللوبيات كشريكٍ للأمم المتحدة دفن كوفي أنان روح معاهدة سان فرنسيسكو. لم يعد دور المؤسسة يتعلّق بحفظ البشرية من طوفان الحروب عبر الاعتراف بأن جميع الدول صغيرة كانت أم كبيرة متساوية أمام القانون الدولي بل بات الأمر يتعلّق بتحسين حياة البشر عبر تأمين تلاقي المصالح الخاصة. باتت الـ "غلوبال كومباكت" جسراً للعبور من مفهوم شبه مقبول من الجميع ينص على أن القانون الدولي في خدمة الخير العام إلى مفهوم تدعمه فقط الدول الأنغلوسكسونية والذي ينصّ على أن الخير العام مجرّد وهم في حين أن الحكم الجيّد يقتضي توحيد أكبر عدد ممكن من المصالح الخاصة. في نهاية المطاف حققت الـ "غلوبال كومباكت" ما تحققه الحفلات الخيرية في الولايات المتحدة أي كسب راحة الضمير الوهمية بمساعدة بعض البرامج المروجة إعلامياً وذلك لتقبل الظلم في الهيكلية .

في هذا السياق تعكس فترات "حكم" كوفي أنان (1997- 2006) وجه المرحلة التاريخية التي شهدتها وهي مرحلة عالم أحادي القطب تسيطر عليه عولمة الهيمنة الأميركية على حساب الأمم المتحدة والشعوب التي تمثّلها هذه المؤسسة.

تماشت هذه الاستراتيجية مع الخطة التي وضعتها الولايات المتحدة في الثمانينيات من القرن الماضي مع تأسيس الوكالة الوطنية للديمقراطية والتي، بعكس ما يوحي به اسمها، تهدف إلى استكمال العمل التهديمي لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية عبر تخريب العملية الديمقراطية أينما كانت في العالم. تدعم الـ NED بشكلٍ شرعي أو لا منظمات أرباب العمل والنقابات العمالية وجمعيات من جميع الأنواع. تشارك جميعها في الـ "غلوبال كومباكت" وتضعف بذلك مواقف الأمم المتحدة التي لا تملك الإمكانات لتمويل لوبياتها الخاصة. لم تعد الأمم المتحدة تهتمّ بالسلام العالمي لأن العالم الأحادي القطب لديه شرطته الخاصة أي الولايات المتحدة الأميركية لكنها تقوم بامتصاص جميع الاعتراضات لكي تثبّت أكثر الفوضى العالمية والعولمة التدريجية لهيمنة الولايات المتحدة الأميركية [3].

بلغ الخطاب المهدئ الذي اعتمده كوفي أنان أوجه في مؤتمر قمة الألفية. التزم 147 قائداً عالمياً بالسعي للقضاء على الفقر وحلّ المشاكل الصحيّة الرئيسية في العالم ومنها السيدا وذلك خلال 15 عاماً من تاريخه (تاريخ انعقاد القمة المذكورة). لن تحتاج السعادة العالمية إلى أية إصلاحات سياسية بل أن يساهم كل واحد بالقليل عبر تبرعه بالمال. لماذا لم يفكّر أحد بذلك من قبل؟! يا للسخافة! بقيت وعود الألفية حبرا على ورق ما زال الظلم مستمراً وهو يتغذى على الحروب والعوز.

في الاتجاه عينه وخلال إلقاء خطابه أمام الجمعية العمومية للأمم المتحدة في 20 سبتمبر (أيلول) 1999 شرح الأمين العام ما يُعرف باسم "مذهب أنان". معتمداً على فشله الشخصي في كل من رواندا والبوسنة أكد أنان أن الدول لم تلتزم بواجبها في حماية مواطنيها. وخلص إلى الاستنتاج أن سيادة الدول، المبدأ الأساسي الذي قام عليه ميثاق الأمم المتحدة، تتناقض مع حقوق الإنسان. تمّ تبني هذه الرؤية تحت عنوان "مسؤولية الحماية" وذلك من قبل الاتحاد الإفريقي وبعده الأمم المتحدة في العام 2005 خلال القمة العالمية التي عُقدت لاستكمال قمة الألفية.

ليس "مذهب أنان" سوى تمثيلاً متقناً لواجب التدخل الذي وضعته المملكة البريطانية لتبرير الحرب على الامبراطورية العثمانية والذي أعاد إحيائه برنار كوشنير. تمّ استخدام هذا المبدأ المجدّد لأول مرّة بشكلٍ واضح في العام 2011 لتشريع عملية استعمار الجمهورية الليبية [4].

كذلك تميّزت فترات "حكم" كوفي أنان ببرنامج "النفط مقابل الغذاء" الذي وضعه مجلس الأمن الدولي في العام 1991 لكن لم يتم تطبيقه سوى في المرحلة ما بين 1996 و2003. كان الأمر في البداية يهدف إلى ضمان استفادة العراقيين دون سواهم من من واردات العراق النفطية ولم يكن الهدف من البرنامج تأمين تمويل المغامرات العسكرية. لكن في سياق الحصار العالمي وتحت الإشراف المباشر لكوفي أنان تحوّل هذا البرنامج إلى أداة في يد كل من الولايات المتحدة الأميركية والمملكة المتحدة البريطانية لاستنزاف العراق في الوقت الذي كانتا تحتلان فيه منطقة الحظر الجوي (كردستان العراق المستقلّ الآن) كل ذلك بانتظار اللحظة التي قامتا فيها بمهاجمة البلاد وتدميرها [5].

عدد كبير من الموظفيين الدوليين الرفيعي المستوى الذين طُلب منهم إدارة البرنامج المذكور وصفوه بـ "جريمة حرب" وقدموا استقالاتهم بعد أن رفضوا تطبيقه. من بينهم الأمين العام المساعد هانز فون سبونيك والمنسق الخاص دنيس هوليداي اللذان اعتبرا أن هذا البرنامج تسبب بعملية إبادة أكثر من 1.5 مليون عراقي من بينهم 500 ألف طفل على الأقل [6].

كان لا بد من انتظار اجتياح وتدمير العراق ليتمرّد كوفي أنان ويفضح ما قام به أولئك الذين موّلوا دراسته وأوصلوه إلى منصب الأمين العام للأمم المتحدة ومنحوه جائزة نوبل للسلام. اعتبر الهجوم على العراق غير شرعي وعبّر عن قلقه من أن تكون هذه السابقة بداية نهاية القانون الدولي [7].

ردّت واشنطن بعنف وأطلقت حملة استخبراتية ضدّه طالته شخصياً وطالت طاقم عمله وعائلته وأصدقائه. في نهاية المطاف اتُهم كوجو أنان ابن كوفي باختلاس أموال برنامج "النفط مقابل الغذاء" بعلم وتأييد والده. لم تقتنع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بهذه التهمة التي أدّت على العكس من ذلك إلى تعزيز سلطة الأمين العام [8]. على الرغم من ذلك خلال السنتين الأخيرتين من "حكمه" تمّ شلّ حركة كوفي أنان وإجباره على العودة إلى الحظيرة.

 

العودة إلى مربّع الانطلاق

بعد عشر سنوات قضاها كأمين عام الأمم المتحدة أكمل كوفي أنان مهنته في مؤسسات خاصة إلى حد ما.

في ديسمبر 2007 انهارت الانتخابات الرئاسية الكينية وفاز الرئيس مواي كيباكي على مرشّح واشنطن إبن عم السيناتور باراك أوباما المزعوم رايلا أودينغا. طعن في الانتخابات السيناتور جون ماكين ودعا إلى الثورة في الوقت الذي قامت فيه فرق استخبراتية مجهولة بتأليب الإتنيات المختلفة في البلاد على بعضها البعض. خلال بضعة أيام أدّت الاشتباكات إلى موت نحو 1000 شخص وتهجير أكثر من 300 ألف شخص. اقترحت مادلين أولبرايت وساطة مركز أوسلو للسلام وحقوق الإنسان. أرسلت هذه المؤسسة مفاوضين هما رئيس الوزراء النروجي السابق كييل ماغني بوندفيك والأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي أنان وكلاهما إداريان في المركز.

نتيجة هذه "الوساطة" تمّ إجبار الرئيس كيباكي على الرضوخ لمشيئة الولايات المتحدة الأميركية. تمكّن من الاحتفاظ بمنصبه لكنه أُجبر أولاً على إجراء إصلاحات دستورية تحرمه من صلاحياته لصالح رئيس الوزراء ثمّ تمّ إجباره على تعيين رايلا أودينغا رئيساً للوزراء. لاعباً دور الحكيم الكهل الإفريقي ساهم كوفي أنان في إضفاء وجه الشرعية على تغيير نظام بلدٍ مستقلّ فرضته واشنطن [9].

يحتلّ كوفي أنان في الوقت الحاضر منصبين فهو أولاً رئيس "إفريقيا بروغرس بانيل" وهي مؤسسة أقامها طوني بلير في نهاية قمة الثمانية غلين إيغلز للتفاوض حول تدابير الوزارة البريطانية للتعاون (DFID). للأسف لم تلتزم قمة الثمانية بوعودها على غرار قمة الألفية لذا باتت نشاطات "إفريقيا بروغرس بانيل" محدودة جدّاً.

تبقى رئاسة "التحالف من أجل ثورة خضراء في إفريقيا" AGRA التي تسعى إلى حل المشاكل الغذائية في القارة السمراء بفضل التقنيات البيولوجية. في الواقع "أغرا" لوبي تموّله مؤسسة بيل غايتس ومؤسسة روكفيلر من أجل تسويق الـ OGM أي المنتجات المعدّلة جينياً التي تنتجها مونسانتو ودوبون وداو وسينجنتا وغيرها. معظم الخبراء المستقلين في هذه الشركات العالمية يؤكدون أنه إذا لم نتحدّث عن الصدمة البيئية يبقى أن استخدام المنتجات المعدّلة جينياً تجعل المزارعين معتمدين بشكلٍ كاملٍ على من يمدّهم بها كما تؤسس لشكل جديد من أشكال الاستغلال البشري.

 

كوفي أنان في سوريا

ماذا يأتي إذاً ليفعل في سوريا هذا الموظف الدولي السابق الرفيع المستوى؟ أولاً يشير تكليفه إلى أن بان كي مون عاجز عن تولي المهمة بسبب صورته التي شوّهها خضوعه للولايات المتحدة كما شوهتها الأعمال المشبوهة الدائمة التي تورّط بها  [10]. أما كوفي أنان فصورته لا تزال إيجابية على الرغم من تاريخه.

ثانياً لا يمكن لأي وسيط أن ينجح في مهمته إذا اختاره الخصوم والحال ليست كذلك لأن هذا الرجل يمثّل الأمين العام للأمم المتحدة ونظيره في جامعة الدول العربية. على عاتقه الدفاع عن سمعة وصورة هاتين المؤسستين دون أن تكون لديه تعليمات سياسية محدّدة.

إذا كان تكليف السيد أنان قد حظي بتأييد جميع أعضاء مجلس الأمن وأعضاء جامعة الدول العربية فهذا يعني أن هذا التكليف يلبي توقعات متضاربة. بالنسبة للبعض المندوب الخاص المساعد لا يجب أن يسعى إلى السلام بل إلى إلباس سلامٍ تمّ بموافقة القوى الكبرى كي يتمكّن الجميع من حفظ ماء الوجه. بالنسبة لآخرين قد يتمكن من إعادة تنفيذ السيناريو الكيني وينجح دون عنف بتغيير النظام في سوريا.

خلال الأسابيع الثلاثة الماضية تمكّن أنان من تقديم خطة بدت كأنها خطته الشخصية لكن من وضعها فعلاً هو وزير الخارجية الروسي سرغي لافروف. بتنفيذه هذا الأمر يصبح بإمكان واشنطن وحلفاؤها الموافقة عليها. من جهة ثانية خلق السيد أنان إرباكاً مقصوداً حين ألمح إلى أنه أقنع الرئيس الأسد بتكليف أحد نوابه فاروق الشرع بالتفاوض مع المعارضة. إنه على ما يبدو تنازل قدّمه الأسد لمجلس التعاون الخليجي. في الواقع نائب الرئيس الشرع مكلّف بهذه المهمة منذ عامٍ تقريباً وشروط المملكة العربية السعودية وقطر مختلفة تماماً فهما تشترطان استقالة الأسد لأنه علوي واستلام نائب الرئيس المذكور السلطة لأنه سني. يبدو إذاً أن المبعوث الخاص المساعد يحاول إيجاد مخرج لائق للدول التي هاجمت سوريا وادّعت وجود ثورة ديمقراطية يتمّ قمعها عبر إراقة الدماء.

في جميع الأحوال لا يبدو أن لسان حال كوفي أنان المزدوج الذي يعلن أنه راضٍ عن المحادثات حين يكون في دمشق ثم يعود ويؤكد أن أمله خاب منها حين يكون في جنيف، لا يبدو أن هذه الإزدواجية قد طرحت علامات استفهام حول نواياه الحقيقية.

تييري ميسان

http://www.voltairenet.org/_Thierry-Meyssan_?lang=ar

---------------

 [1] "مؤسسة فورد، الواجهة الخيرية لوكالة الاستخبارات المركزية" و "لماذا مؤسسة فورد تدعم هذا التحدي"، بقلم بول لاباريك، شبكة فولتير، و 5 و 19 نيسان 2004

[2] مصافحة الشيطان: فشل الإنسانية في رواندا من قبل روميو دالير، السهم للكتب المحدودة، 2004. النسخة الفرنسية:مصافحة الشيطان: فشل الإنسانية في رواندا، حرية التعبير، عام 2004

[3] NED، واجهة قانونية لوكالة الاستخبارات المركزية"، بقلم تييري ميسان، فولتير شبكة / Однако، 6 أكتوبر، 2010

[4] "1973 القرار"، شبكة فولتير، 17 مارس 2011

[5] عنان: المحرقة في العراق والسلام في سوريا؟ "حسن حمادة، وشبكة فولتير / وصفير، 22 مارس 2012

[6] ضلوع الامم المتحدة في جرائم الحرب، ومقابلة مع الكونت فون سبونيك هانز كريستوف،" على SC، شبكة فولتير، 16 مارس 2007

[7] كوفي عنان، القانون الدولي لم يعد يضمن أي شيء،" بقلم كروز ساندرو، شبكة فولتير،7 تموز، 2005

[8] "التنكيد على كوفي عنان"، شبكة فولتير، 13 ديسمبر 2004

[9] "تدني قيمة جائزة نوبل للسلام عام 2009"، بقلم تييري ميسان، شبكة فولتير، 13 تشرين الأول 2009

[10] "كتاب مفتوح الى بان كي مون"بقلم حسن حمادة ، شبكة فولتير، 25 يناير 2012

تييري ميسان

مفكر فرنسي، رئيس ومؤسس شبكة "Réseau Voltaire" ومؤتمر محور للسلام . نشر تحليلات حول السياسة الغربية في الصحافة العربية، والأميركية اللاتينية، والروسية. أحدث كتاب له باللغة الفرنسية: الكذبة الكبرى: المجلد رقم 2، التلاعب والمعلومات المضللة (منشورات ب. برتان، 2007)

الصحفيون المقاتلون في باب عمرو
إمارة باب عمرو الإسلامية المستقلّة (الجزء الأول)

من أجل تحرير مواطنينا وزملائنا المحتجزين في باب عمرو

مجلس التعاون الخليجي والناتو يفقدان زمام القيادة
الفيتو المزدوج لمنع حرب الإمبراطوريات على سوريا

تقرير مهم حول المفاوضات الليبية-الأمريكية

حلف الناتو يواجه جحود الليبيين

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ