ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأحد 08/04/2012


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

إذا انكسرت الثورة السورية ... فعلى الربيع العربي السلام

زين الشامي

الرأي العام

7-4-2012

لم ترَ غالبية من السوريين خصوصا المجلس الوطني المعارض في خطة المبعوث الدولي كوفي أنان لإنهاء الأزمة السورية أي بصيص أمل لحل الازمة او انهاء حكم الرئيس بشار الأسد، فهذه الخطة ذات البنود الستة، وحتى لو كانت تطالب النظام بشكل صريح بوضع حد للعنف ضد المحتجين وانهاء المظاهر المسلحة من الشوارع والمدن، إلا انها لا تطالب السلطات السورية بجدول زمني او مدة محددة لتنفيذ ذلك رغم تلك التصريحات النارية التي تأتي من هنا وهناك والتي تطالب بالوقف الفوري لاستخدام العنف.

فمنذ اعلان دمشق قبولها رسميا بنود الخطة، لم يمر يوم واحد الا وقتل فيه العشرات على أيدي قوات الجيش والأمن، كذلك لم يتغير شيء في طريقة التعاطي مع المتظاهرين والتي بقيت على حالها منذ اندلاع الاحتجاجات في مارس - آذار من العام الماضي، ولم تتغير طريقة التعاطي الامنية العنيفة ليس ازاء خطة المبعوث الدولي كوفي أنان فحسب، بل ازاء كل الخطط والقرارات والمبادرات التي صدرت عن الجامعة العربية والجمعية العامة للامم المتحدة ومؤتمر اصدقاء سورية ورغم مطالبة الرئيس الأميركي باراك اوباما للرئيس بشار الأسد بالتنحي، ورغم كل العقوبات التي سنّتها كل من الولايات المتحدة وأوروبا واليابان وكندا وغيرها من دول العالم.

نعم، ان النظام السوري، يبدو كما لو انه أبكم وأطرش وخارج كوكب الارض، يعمل ويفكر بطريقة ونهج واحد يعتمد اساسا ونهائيا على مبدأ انهاء الاحتجاجات بالقمع العنيف حتى لو كلف ذلك مئات الألاف من الضحايا، وحتى لو تهدمت كل المدن السورية فوق رؤوس ساكنيها.

بكل تأكيد يستند النظام في عدم لامبالاته واستهزائه بالولايات المتحدة واوروبا والجامعة العربية، على دعم كل من روسيا وايران سياسيا وعسكريا، او ربما على اسرائيل التي لا تبدو انها متحمسة كثيرا لرحيل هذا النظام، لا بل هي مستفيدة كثيرا من الوضع الراهن، حيث الدولة السورية ومؤسساتها في طريقهم الى الانهيار، والاقتصاد يدمر، والمجتمع يتفتت ويتذرر، وحيث الثورة تتجه الى آفاق ونهايات لا تشبه الآمال التي انعقدت عليها حين بدأت.

قبول النظام السوري لخطة أنان تتيح له الكثير من المناورة، اذا لم نقل انها لا تدعوه اصلا للتنحي، وهو الامر الذي يعني في النهاية ضربة لكل الجهود التي بذلت في السابق من اجل اسقاط النظام وخيانة لكل دم السوريين المنتفضين الذي هدر في الشوارع على مدار اكثر من عام وصدمة لكل المتفائلين بثورات الربيع العربي وما قد تجلبه من تغيير على عموم دول وشعوب المنطقة.

من ناحية أخرى، وفي ظل اعلان جميع الدول الغربية الكبرى وفي مقدمهم الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانية، انه لا نية لديهم ولا خطة للتدخل العسكري في سورية متذرعين بتعقيدات الحالة السورية، وفي ظل تعطيل هذه الدول نفسها لكل المبادرات والدعوات من قبل المجلس الوطني وبعض الدول العربية لتسليح الجيش السوري الحر، وأيضا في ظل رفض الكثير من فصائل المعارضة السورية لمبدأ التدخل الخارجي، فإن المشهد يبدو اكثر من سوداوي، ورغم اننا منذ البداية كنا ضد عسكرة حركة الاحتجاجات، لكن ان يترك المتظاهرون يواجهون الدبابات والمدفعية ورصاص القناصين وان يعتقلوا ويعذبوا وتحاصر المدن ويمنع عنها الخبز والماء والكهرباء دون ان يلوح في الأفق أي حل يضع حدا لهذا الكابوس اليومي، فإنه من الطبيعي ان نتعاطف مع مطلب التسليح من أجل الدفاع عن النفس وحسم الامور بيد السوريين انفسهم رغم التكلفة الباهظة لذلك.

وعليه، وفي ظل هذا الواقع المأسوي الذي يميل جميعه لصالح النظام، حيث تمده روسيا وايران بكل الوسائل والاسلحة والدعم الذي من شأنه ان يقمع المنتفضين فيما لا يملك عناصر الجيش الحر الا اسلحة خفيفة ويفتقدون لكل ما من شأنه ان يساعدهم على الاستمرار، فإن علامات انتصار النظام وقدرته على سحق الانتفاضة تبدو ممكنة رغم كل الآمال العريضة التي رافقتها في البداية.

وللأسف فإن ذلك سيعني في ما لو تحقق، ان هذا النظام الوحشي سيبقى لعقود مقبلة، وسيعمل على تبديد كل ما تحقق من مكاسب للشارع العربي ضد الانظمة الاستبداية العربية.

وفوق ذلك سيعطي دفعا لكل قوى «الممانعة» في المنطقة التي لا شأن لها سوى سرقة ونهب خيرات بلدانها وقمع شعوبها بحجة «المقاومة» والمعركة ضد «العدو الصهيوني».

ان انكسرت الثورة السورية، فعلى الربيع العربي كله السلام، ليس على الربيع العربي فقط، بل على كل احلامنا عن دول الحريات والديموقراطية والعدالة والمؤسسات. ان بقاء النظام السوري رغم انف السوريين وغالبية دول العالم يشبه فشل الاطباء في استئصال اكبر وأخطر الكتل السرطانية في جسد الانسان.

 

=================

هل هو ضوء في آخر النفق؟

حسين العودات

التاريخ: 07 أبريل 2012

البيان

أعلن السيد كوفي عنان، مبعوث مجلس الأمن وجامعة الدول العربية إلى سوريا بحثاً عن حل لأزمتها، أن السلطة السورية وافقت على وقف أعمال العنف، وسحب الجيش والمعدات العسكرية الثقيلة من المدن في اليوم العاشر من الشهر الجاري، على أن يوقف (الطرف الآخر) أي المعارضة المسلحة، بدوره أعماله المسلحة، خلال يومين من ذلك التاريخ. مما يشكل الخطوة الأولى باتجاه حل الأزمة.

إلا أن المعارضة السورية وبعض الدول العربية والأجنبية شككت بجدية التزام السلطة السورية بتحقيق وعودها، لأنها حسب المشككين تخل دائماً بالوعود ولا تلتزم بتنفيذ ما وعدت به، ويستذكرون وعوداً عديدة قدمتها هذه السلطة خلال العام المنصرم دون أن تنفذ منها شيئاً.

إن قبول السلطة السورية مبادرة عنان، يعني أنها اقتنعت بعدم جدوى الحل الأمني الذي مارسته خلال عام كامل، وأن الحل السياسي هو الوسيلة السليمة للخروج من الأزمة، ووضعها فعلاً على طريق الحل، واستطراداً يعني أن الحراك الشعبي السوري وانتفاضته وثورته كانت وسائل مشروعة للمطالبة بحقوقه، ولا شك أن قبول السلطة السورية سوف يضع النظام السياسي على طريق الإصلاح الحقيقي، والتخلي عن الاستئثار بالسلطة والثروة.

كما هو الحال منذ عدة عقود، كما يؤكد أن قبول المعارضة السورية هذه المبادرة،يعني أنها تقبل بالتسوية السياسية مع السلطة السورية، بما في ذلك تخليها عن شعارها المطالب بتنحية الرئيس قبل بدء أية مفاوضات أو حوار حول مستقبل النظام السياسي. ويبقى السؤال ملحاً وهو هل يكفي قبول السلطة وقف إطلاق النار (هذا إن نفذت تعهدها بهذا القبول) وقبول المعارضة السير بطريق التسوية، لكي يطمئن الشعب السوري والهيئات الدولية وكل ذي شأن أن الأزمة السورية وضعت على طريق الحل؟.

أعتقد إن هذا التوجه السياسي السلمي، سوف يصطدم موضوعياً بعقبات لا حصر لها، سوف تعرّض أية مبادرة وأية تسوية إلى الفشل، ذلك لأن الوصول إلى الهدف يقتضي أمرين في آن واحد: أولهما توفر الإرادة الصادقة لدى السلطة لقبول هذه المبادرة بجميع بنودها وشروطها ومعطياتها، والتحلي بالمسؤولية الوطنية والسياسية للسير بتنفيذها، والقناعة المطلقة بأن الحل الأمني فشل بالكامل وأن الحل السياسي هو الطريق الوحيدة لحل هذه الأزمة، وثانيهما القبول بجميع بنود المبادرة ومتطلباتها كمجموعة متكاملة، وعدم اللجوء إلى الحلول الجزئية أو الانتقائية أو سياسة الخطوة خطوة، أو إدخال خطوات تنفيذها في بازار المساومات والخداع و(المشطرة)، وأعتقد أن أياً من هذين الشرطين غير متوفر إلى حد بعيد.

إن دلائل عديدة تشير إليها ممارسات السلطة السورية في الداخل تجاه الحراك الشعبي، أو إصلاح النظام، أو القبول بالمطالب الأساسية للمنتفضين، تؤكد أن السلطة مازالت تؤمن بالحل الأمني، وهو الذي تتنوع أساليب تطبيقه يومياً، ومازالت تعتقد بإمكانية هذا الحل للقضاء على الحراك الشعبي وإنهاء الثورة، خاصة وأن مؤسسات النظام الأمنية والإعلامية والحزبية وغيرها تنشر إشاعات مفادها أن الانتفاضة على وشك الانتهاء، وأن الأمر يحتاج لبضعة أيام، وأن الرئيس سيلقي (خطاب النصر) خلال أسبوع.

كما يؤكد ارتفاع حجم المداهمة والقصف وأعداد القتلى المتزايد قناعة النظام بأن ممارساته الأمنية والعسكرية، قاب قوسين أو أدنى من النصر، وعليه فمن المشكوك فيه، أنه اقتنع بغير ذلك، أي بجدوى الحل السياسي، أو توفرت لديه الرغبة والإرادة لتبني هذا الحل، وفي الوقت نفسه فإن السلطة السورية ترى أنه يتعذر عليها قبول بنود المبادرة ومتطلباتها، ذلك لأنها توقن أن أي وقف لعنفها وسحب الجيش من المدن مع بقاء التظاهر السلمي (وهو ما أكدت المبادرة عليه) سوف يرفع عدد المتظاهرين إلى عدة ملايين وسيملأون الساحات والشوارع ويطبقون على السلطة وأهلها، ويظهرونها مفلسة خائرة القوى.

كما أن إخراج عشرات آلاف المعتقلين، سيرفع معنويات المتظاهرين، وبالتالي سيشعر الشعب السوري أنه انتصر، إضافة إلى أن المتواجد من الآن بين أبناء الشعب السوري في المنطقة الرمادية، أي بين السلطة والثوار، سينضمون للمعارضة، وسيصاب أهل السلطة وأنصارها وأدواتها بالخيبة، ونخور قواهم، وستجد السلطة نفسها بدأت بالانهيار والتلاشي، وهذا ما يؤكده محللون عديدون من داخل سورية، بل ما يراه عديدون من أهل السلطة وأصحاب القرار.

في ضوء ذلك، من المتوقع أن تبدأ السلطة السورية مسيرة (ماراثونية) مع مبعوثي كوفي عنان، وتطالب بتوقيع بروتوكولات حول التعامل مع ما تسميه (العصابات المسلحة) ومراقبة وقف إطلاق النار ومدى استجابة (الطرف الآخر) لذلك، وحول سحب الجيش من المدن وإلى أين (إلى ثكناته أم إلى خارج المدن فقط أم إعادة انتشار)، ثم طريقة الحوار، ومن هم الذين تحاورهم السلطة هل هم قيادة المعارضة الخارجية أم الداخلية أم الجيش الحر أم جميعهم، ومواضيع الحوار هل هي لإصلاح النظام السياسي أم لتغييره.

إضافة إلى مدة الحوار، والجدول الزمني للإفراج عن المعتقلين، والتعامل مع الجرحى والمعوقين بعد الاتفاق، والأهم من كل ذلك ما هو النظام السياسي المطلوب الوصول إليه، ومن هو الطرف الذي تحاوره المعارضة من أهل السلطة، وهل سيحال المرتكبون والقتلة إلى المحاكمة، وما مصير الجيش الحر ومنشقيه، وعشرات القضايا الأخرى التي يكفي كل منها لوضع عثرات حقيقية أمام الحل، وإعطاء فرص سانحة لمن يريد أن يماطل في تنفيذ المبادرة.

يبدو أن السلطة السورية، وضعت كل ذلك في اعتبارها، وقبلت المبادرة على أساس أنها ستتيح لها فرصة كسب الوقت بل والمماطلة بطرق مشروعة، كما تتيح لها الاستمرار بإجراءاتها التي تعتقد أنها ستهزم من خلالها الانتفاضة وتطفئ الثورة، وتضع الجميع أمام أمر واقع، خاصة وأن الشرط الموضوعي يشير إلى أن السلطة، حتى لو كانت راغبة، فإنها غير قادرة على حسم موقفها، بسبب هيمنة الرؤوس الحامية على مركز اتخاذ القرار.

=================

لا مناص من تسليح "الجيش الحر"

علي حماده

2012-04-07

النهار

بحسب افادة المبعوث الدولي العربي لحل الازمة سورية كوفي انان، فإن تاريخ العاشر من نيسان الجاري هو موعد وقف النار من جانب النظام في سوريا، وتعقبه مهلة ٤٨ ساعة لوقف شامل لكل عمل عسكري او امني. وتنطبق المهلة على كل جهة مسلحة من المعارضة. ولكن النظام الذي يدرك تماما ما معنى وقف قتل الناس حيث سينزل ملايين الى الشوارع، يرمي شروطا جديدة للتنفيذ، ولا سيما شرط منع تمويل "الجيش الحر" والثوار وتسليحهم، وصولا الى نزع اسلحتهم. وفي الاثناء، يواصل النظام حملة عسكرية وحشية في كل اتجاه، الى حد قرأت للزميلة هلا غوراني من محطة "سي ان ان" الاميركية قولها ان كل سوريا تكاد ان تصير بابا عمرو، وخصوصا في المرحلة الاخيرة بعدما كثّف النظام العمليات العسكرية. ومع ان وليد المعلم يستمر في مراسلة انان والامين العام للامم المتحدة زاعما ان قوات النظام بدأت انسحابا جزئيا من بعض المناطق، فالادلة كلها تشير الى كذب تلك المزاعم، والى جهد كبير يبذله بشار واعوانه لتجويف خطة كوفي انان، عبر نشر الغام الشروط المسبقة، ودفع الوضع على الارض الى مزيد من المواجهات مع "الجيش الحر" والثوار، في مرحلة تشير التقارير فيها الى بدء وصول تعزيزات في المعدات والذخيرة من دول عربية وغربية. ولعلّ ارتفاع وتيرة المواجهات بين "الجيش الحر" وجيش بشار في كل مكان، يمثل مؤشراً مهماً على ان خيار تسليح "الجيش الحر" وتمويله صارا من الثوابت في المدى المنظور. وعلى الرغم من تفوق جيش النظام بكل المقاييس، فإن "الجيش الحر" المتفوق ببيئة حاضنة لا مثيل لها يقاتل في كل مكان ببسالة استثنائية، مما يشي بمدى قدرته حال حصوله على سلاح نوعي مؤلف من قواذف مضادة للدروع متطورة مع ذخائرها، فضلا عن صواريخ محمولة مضادة للطيران لمواجهة الهليكوبتر، مع امداد كبير بالذخيرة الفردية. هذه عناصر اساسية مطلوبة لقلب موازين القوى ولدحض كلام وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف القائل انه لا مجال لهزيمة النظام حتى لو جرى تسليح "الجيش الحر" بشكل كبير.

الحقيقة في مكان آخر يا سيد لافروف، يا نصير قتلة الاطفال ومغتصبي النساء في سوريا كما كنت (اي روسيا) نصير قتلة الاطفال ومغتصبي النساء في البوسنة قبل عشرين عاما تماما. الحقيقة ان في سوريا شعباً لن يستكين قبل اسقاط قاتل الاطفال وانهاء جمهورية حافظ الاسد. والحقيقة ان مدد الثورة البشري لا ينضب، ولو قتلوا مئة الف مواطن. هناك الملايين من الثوار من كل الصنوف في كل زاوية من سوريا.

في تقديرنا ان موعد العاشر من الجاري سيمر من دون ان ينفّذ النظام تعهّده وقف القتل. وسيواصل الثوار و"الجيش الحر" عملهم المقاوم لدحر نظام مجرم يكاد يجعل من مأساة فلسطين على يد الصهاينة رحلة نقاهة! وفي الخلاصة: لا حل إلا بتسليح الجيش السوري الحر لهزيمة قتلة اطفال سوريا ومغتصبي نسائها.

=================

أردوغان خسر إيران بعد سوريا

سميح صعب

2012-04-07

النهار

كان على رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان ان يتعمق أكثر في علم السياسة، وان يتوقع الوصول الى المواجهة مع ايران والعراق امتداداً للمواجهة التي قرر ان يخوضها قبل سنة مع سوريا. إذ لم تقتنع طهران بالاغراءات التي قدمها لها اقتصادياً ونووياً في مقابل التخلي عن الحليف السوري.

لكن استدارة تركيا عن ايران تكرس ما كانت تخشاه موسكو منذ بدء الازمة السورية، أي ان تتحول هذه الازمة منصة لاطلاق صراع سني - شيعي في المنطقة. وها هي الاصطفافات الجارية الآن تصب في هذا الاتجاه. وإلا كيف يمكن تفسير احتضان اقليم كردستان العراق نائب الرئيس العراقي طارق الهاشمي ومن ثم ذهاب الأخير الى قطر والسعودية حاملاً على رئيس الوزراء نوري المالكي الذي كان قال بالتزامن مع انعقاد ما يسمى ب"المؤتمر الدولي لاصدقاء الشعب السوري" في اسطنبول، ان النظام السوري لن يسقط بالقوة، وهاجم الرياض والدوحة. وأتى الرد باستضافة الهاشمي بصفته نائباً للرئيس العراقي وليس بصفته ملاحقاً من الحكومة العراقية بتهمة الارهاب.

والاستدارة التركية عن ايران تمثل نقطة تحول في صراعات المنطقة كلها وتسقط عنها غطاء التحول الى الديموقراطية والتغني ب"ربيع" الشعوب، لتردها الى صراع مذهبي يؤذن بتحول المنطقة برميلاً من بارود لن يكون أحد بمأمن منه.

ومن شأن الصراع السني-الشيعي ان يفجر الشرق الاوسط من دون ان يوصل المنطقة الى الديموقراطية ولا الى "الربيع". وستكون اسرائيل وحدها المبتهجة بمثل هذا الصراع لأنه يعطيها "مشروعية" المناداة بنفسها "دولة لليهود" في هذا الخضم من الصراع الديني. ومن شأنه ايضاً ان يقوي حركات التطرف الاسلامي على غرار "القاعدة" التي يخوض الغرب معها مواجهات منذ اواخر القرن الماضي.

من هنا ربما كان على اردوغان، لو تحلى بالحكمة والصبر، ان يعمل مع ايران بصفتها القوة الشيعية الكبرى على التوصل الى حل سياسي اقليمي توافقي للأزمة السورية، وألاّ يدخل طرفاً وهو يعلم ان دخوله هذا سيؤدي الى تأجيج الصراع المذهبي لعلمه بأن ايران لن تتخلى عن دمشق.

ومهما غلف اردوغان حق التدخل في سوريا من اقامة منطقة عازلة لاستيعاب النازحين، الى التشديد على ضرورة دعم المعارضة السورية بالسلاح من اجل دعم قيم الديموقراطية والتحول السياسي وحق الشعوب في الحرية، فإنه يقود تركيا الى الانخراط في صراع مذهبي ستتطاير شظاياه في كل اتجاه.

كان في امكان اردوغان ان يقود المنطقة نحو الهدوء لو أخذ على عاتقه الدفع في اتجاه المصالحة في سوريا ولو دفع في اتجاه المصالحة بين سوريا ودول الخليج العربية، عوض اختيار اتجاه المجهول.

=================

دمشق.. والعاشر من نيسان

حازم مبيضين

الرأي الاردنية

7-4-2012

يقف النظام السوري هذه الأيام أمام استحقاق العاشر من نيسان, وهو الموعد المحدد لانتهاء المهلة الممنوحة له لوقف القتال, وسحب القوات من المناطق السكنية, في وقت يرى فيه أمين عام الأمم المتحدة أن العنف مازال مستمراً, وبشكل يبعث على القلق, وفي ظل تعهد من المبعوث الدولي كوفي عنان, بالسعي لإنهاء عمليات قوات المعارضة في غضون يومين من اتخاذ القوات الحكومية الخطوة الأولى بوقف القتال, وللتأكيد على احترام الموعد هدد مجلس الأمن الدولي باتخاذ خطوات أخرى, لم يحددها, إن لم تلتزم دمشق بالمهلة, التي دعا عنان إلى متابعتها وموافاته بتفاصيل الالتزام بها, وبالرغم من أن روسيا والصين أكدتا استمرار معارضتها لأي محاولات لفرض عقوبات على سوريا, فإن المجلس الأممي حذر من أنه سيدرس خطوات أخرى بما يلائم الوضع.

في مواجهة هذا التحذير والتهديد, تطلع دمشق بتفسيرها للموعد, وترى أن إتمام انسحاب الجيش من المدن ليس مرتبطاً بمهلة زمنية، وأن موعد العاشر من نيسان يرتبط بمدى التزام الأطراف الأخرى بتنفيذ الخطة, ويبدو أننا هنا أمام تفسيرات مختلفة, فدمشق تنفي وجود موعد أو مهلة لإتمام الانسحاب العسكري من البلدات والمدن، وأن الموعد الذي يتحدث عنه العالم مرتبط بعملية بدء الانسحاب لوحدات من الجيش, وليس انتهاء عمليات الإنسحاب, وهو بذلك لا يعد مهلة بحد ذاته, وهنا نجد أنفسنا بانتظار الاتفاق الذي يجري التفاوض حوله, بشأن بروتوكول التعاون الخاص بتنظيم مهمة نشر المراقبين في سوريه, مع توقع تباين الفهم حول تحركات المراقبين مستقبلاً, وإذا ماكان واجباً أن تتم بالتنسيق مع الجانب السوري الذي يتولى حمايتهم.

قبل الوصول إلى الموعد بأيام, أعلن المبعوث الدولي كوفي عنان, أنه يجب على الرئيس السوري القيام بعمل أكبر بكثير وبشكل ملح, وأنه يلزم القيام بخطوات فورية يمكن التحقق منها, لإكمال تطبيق الإلتزامات في الأيام الحاسمة المقبلة, وهو بذلك يرد على إبلاغ الحكومة السورية له انها بدأت في الانسحاب الجزئي من بعض المدن, التي شهدت انخفاضاً في أعمال العنف التي تتهم بها معارضيها, لكن عنان يرد بأن العنف لا يزال متواصلاً, وهناك تقارير يومية عن مستويات مقلقة من الضحايا وغيرها من الانتهاكات, وهو في مواجهة رسالته للنظام يؤكد أن جماعات المعارضة, التي تحدث معها فريقه, التزمت بالدعوة إلى وقف, العنف فور تطبيق الحكومة السورية لالتزاماتها بشكل واضح.

عواصم صنع القرار لاتبدو متفائلة بسير الأحداث إلى الأفضل في الشأن السوري, وباريس التي اخذت على عاتقها شن أقسى الهجمات الإعلامية ضد نظام البعث السوري, تعود اليوم لتؤكد تشاؤمها, وهي إذ تتهم الأسد بخداع المجتمع الدولي, فانها ترى أن مسار الأمور لا يوحي بأن مهمة عنان ستضع حداً للقتال في سوريا، حيث أن الرئيس السوري يتظاهر بقبوله خطة عنان, في حين يواصل استخدام القوة ضد شعبه في آن معاً, وواشنطن من جانبها تبدي عدم ثقتها بالأسد, ومعهما كل سياسيي الغرب, باستثناء روسيا, ومعهم أيضاً المجلس الوطني السوري المعارض, المتشكك بالتزام دمشق بخطة عنان, ومع كل هؤلاء عواصم فاعلة ووازنة في عالمنا العربي.

نحن إذاً إزاء موعد يحمل الكثير من الاستحقاقات, التي يجب على دمشق التنبه إلى أن عدم الوفاء بها, سيجر البلاد إلى حالة أسوأ من القائمة اليوم, على مافيها من سوء وقبح, كما أن على المعارضة, وخصوصاً معارضة الخارج, النزول عن الشجرة التي صعدت إلى أعلى ما فيها, على أمل أن التدخل الخارجي سيتكفل بإنزالها من هناك إلى كرسي السلطة, فالشعب السوري دفع أثماناً باهظة وهو يستحق الوصول إلى نتائج تتناسب مع كل تلك التضحيات.

سلام على سورية والسوريين قبل العاشر من نيسان وبعد ذلك الموعد.

=================

سورية... معركة عربية بإمتياز أم معركة أمريكية؟

نور الحلبي

2012-04-06

القدس العربي

يحاول النظام السوري اليوم إفشال مهمة عنان من خلال تحويل تلك المهمة إلى أداة مانعة لمساعي المعارضة في استجلاب الدعم لتسليح الجيش الحر وحماية المدنيين ويحاول النظام وضع شروط لإيقاف آلته القاتلة للشعب مقابل إيقاف دعم المعارضة في سورية على اعتبارهم عصابات مسلحة وهذا ما ينبؤ بفشل تلك المهمة بسبب المناورات التي يقوم بها النظام السوري وعدم الرقابة الصارمة على الأرض بتنفيذ ما يتعهد به النظام السوري وما يتفق عليه مع المبعوث، وبناء على معرفتنا المجربة بالنظام السوري يبدو من المؤكد اليوم أن الحل الوحيد للأزمة مع إصرار الدول على رفض التدخل العسكري هو تسليح الجيش الحر الذي حمل على عاتقه مهمة حماية المدنيين والدفاع عنهم كجيش وطني رفض أن يكون آلة قتل تابعة للنظام، وكذا إقامة مناطق عازلة من أجل إيصال المساعدات الإنسانية التي بات الشعب السوري اليوم بأمس الحاجة لها بعد سياسة التقشف التي يتبعها النظام والعقوبات الاقتصادية التي يفرضها على الشعب لتوفير المال الكافي لصفقات الأسلحة والمعدات الاستخبارية الروسية والإيرانية، وهذا ما طلبته المعارضة من أصدقاء سورية في المؤتمر الذي عقد في اسطنبول وهذا ما تسعى إليه اليوم.

تركيا.. تلك الدولة التي كانت قبل المؤتمر تتحدث عن إقامة مناطق عازلة نتيجة ضغط اللاجئين الذين مازالوا يتوافدون على أراضيها بكثرة، وبغية تأمين ممرات آمنة لإيصال المساعدات الإنسانية ..لكن ما الذي حصل؟ وما سبب موقفها المتردد في مؤتمر أصدقاء سورية رغم تقاطع ما طلبته المعارضة مع ما كانت تنوي تركيا فعله لحل الأزمة؟

يبدو الجواب واضحا من الجولة الدولية المسبوقة للمؤتمر التي قام بها أردوغان لواشنطن وغيرها.. من أن أمريكا والغرب لم يعط تركيا الغطاء الدولي للقيام بمثل تلك الخطوة بذريعة مبادرة عنان التي يدرك الغرب حق الإدراك أنها فاشلة أصلا، بل مازالت أمريكا تتعذر بتشرذم المعارضة وتقنع العالم بذلك رغم توحد المعارضة وتحديدها لمعالم الدولة القادمة بعد النظام السوري وتعهدها بذلك في الوثيقة الوطنية التي قدمها المجلس الوطني للعالم، ورغم أن المعارضة لم تطلب تدخلا عسكريا إلا أن أمريكا مازالت تقنع العالم بخطورة التدخل في سورية وتحذر وتخوف من مآلات ذلك على المنطقة العربية ومن حرب متوقعة قد تشنها إيران على العرب من خلال سورية والعراق وحزب الله في لبنان والنفوذ الإيراني في المنطقة العربية عن طريق الشيعة وهي في الحقيقة تتخوف على حرب متوقعة على إسرائيل.

وهم تزرعه أمريكا في الدول العربية والغربية إذ تدرك أن إيران لن تخوض حربا غير متكافئة في جبهة تواجهها فيها إسرائيل وأمريكا وحتى إقحام العرب في تلك الجبهة، وكما كانت إثارتها للملف النووي الإيراني وإشعالها له بشكل أكبر في فترة تحرك الإحتجاجات والثورة في سورية لتأكيد تحذيرها للعالم وإثارة مخاوف العالم إزاء التدخل في سورية خوفا على اسرائيل ورغبة في بقاء موازين القوى متعادلة في المنطقة العربية ناهيك عن أن روسيا قد أوجدتها أمريكا أصلا وأعطتها الغطاء لدخول هذا الملف من أجل الإبقاء على التعادل في موازين القوى اتجاه الأزمة ولإبقاء الأزمة دون حل أو تدخل، وهذا ما قصده المالكي في تصريحاته الأخيرة الذي يحذر فيه من سقوط النظام السوري المؤثر على اختلال موازين القوى في المنطقة وكونه كارثة على المنطقة ككل، راميا بالأزمة الإنسانية التي يعيشها الشعب السوري وبكل حقوقه التي تنص عليها الأديان والقوانين الدولية والحقوقية عرض الحائط.

وترى أمريكا تسرع للمملكة السعودية التي تعد الأقوى وذات الكلمة المؤثرة في دول التعاون الخليجي فتقوم بطمئنتها من التدخل الإيراني في أراضيها وتقرر إقامة قاعدة صاروخية دفاعية لمواجهة أية هجمة متوقعة في خطوة أخرى لتهويل الخطر الإيراني بالنسبة لدول الخليج خاصة، التي تدعم مسألة تسليح المعارضة الا بقوة وجهارة، ناهيك عن المكاسب الاقتصادية المرجوة من تلك الخطوة بناء على هذا التهويل للخطر الإيراني، رامية بذلك أيضا إلى النئي بدول الخليج عن هذا الملف الذي بات إنسانيا بالدرجة الأولى.

فما تحاول أن تقوم به أمريكا اليوم هو إقامة جبهة أمريكية عربية وإسرائيلية في مواجهة القوى الإيرانية والنفوذ الإيراني المهدد للنفوذ الأمريكي في المنطقة العربية وللوجود الإسرائيلي فيها، إذ تحاول أمريكا إقحام العرب في تلك المواجهة التي هدفها حماية إسرائيل بالدرجة الأولى والذي يعتبر العدو الأول للعرب والمحتل الذي تجب مقاومته في نظر الشعوب العربية على الأقل وهذا ما يجب أن يدركه العرب تماما وأن لا ينخرطوا في تلك الحرب على هذا أساس السياسة الأمريكية، فالحرب الحقيقية التي يجب أن يدركها العرب هي الحرب على اسرائيل والنفوذ الإيراني الطائفي فقط، وهذا لب ما تخشاه أمريكا اليوم من الثورات العربية التي تحمل في طياتها الفكر المقاوم للعدو ولأي نفوذ غربي على أراضيها. إذ تقوم السياسة الأمريكية مع الدول ككل وخاصة المنطقة العربية على محورين أساسيين تتخذ على أساسهما المواقف المتباينة من التدخل العسكري أوعدمه وغير ذلك من القرارات التي تستغل من خلالها المشاكل العربية :

وأولها: التعامل مع المنطقة العربية وخصوصا دول الخليج كمكتسبات اقتصادية ومالية كما حصل في ليبيا إذ وجدت فيها مغنما اقتصاديا وخرجت روسيا من هذا المكسب الليبي فكانت حصتها في سورية مستغلين غباء النظام السوري وحربه ضد شعبه مكسبا ومغنما .

وثانيا: ترسيخ عملية السلام الأكذوبة لضمان حماية إسرائيل أولا واتخاذه ذريعة بهدف حماية الأمن القومي الأمريكي الذي يسمح من خلال تلك الأكذوبة بالتدخل الغربي في المنطقة العربية بذريعة مقاومة الإرهاب الناجم عن الفكرالجهادي الإسلامي والمقاوم من باب أكذوبة حفظ السلام الذي هو في حقيقته ضمان لبقاء اسرائيل في قلب العالم العربي، و ليس حبا بإسرائيل الوهاب.. وبناء على هذا المحور لم تتدخل أمريكا في سورية حفاظا على البقاء اليهودي مقنعة العرب وموهمة إياهم بأن عدم التدخل في الشأن السوري يؤدي إلى الحفاظ على أمن المنطقة...

وهنا يبدو الارتباط جليا بالقضية الفلسطينية وتبدو المعركة في فلسطين وفي سورية خاصة في ظل الأزمة التي يعيشها الشعب السوري اليوم معركة عربية بامتياز وليست معركة أمريكية وعلى العرب أن لا يقبلوا بأن تكون معركتهم أمريكية وهذا هو الفكر الذي ترغب الثورات العربية بإحياءه اليوم فآن للعرب أن يدركوا الغرب تماما ويخرجوا من قوقعته وتعود لهم سيادتهم وقوميتهم العربية.

كاتبة سورية

=================

«وحصة الأسد» لمن تكون؟

السبت, 07 أبريل 2012

عادل مالك *

الحياة

«إن الواقعية السياسية تقتضي من جانب كل المعنيين في شأن ما يجري في سورية وبقطع النظر عن الانقسامات الحادة القائمة في أحد أكثر فصول «لعبة الأمم» إثارة يجري أمام كل الأسماع والأبصار، هذه الواقعية تدعو إلى التبصر بما هو آت من تطورات لأن بورصة الحلول لا تحمل الكثير من المخارج التي يمكن أن تبقى على من في سورية، فاللائحة محدودة ويمكن قراءَتها كالآتي:

إما أن تستمر المواجهات بشتى أنواع الأسلحة المادية منها والإعلامية، وهذا يعني دخول الأزمة في حرب استنئزاف طويلة يمكن أن تستهلك كل الطاقات على الساحات السورية وتنتهي باستسلام فريق تجاه الآخر أو تتحول المواجهات القائمة إلى حرب أهلية لا تبقي ولا تذر ولكن بعد خراب سورية («الحياة» 25 شباط/ فبراير 2012).

كان هذا التطور قبل أسبوعين فهل من جديد طرأ على الموقف يغير هذه المعطيات؟ وفي معرض الحرص على استخدام التعابير التي تعكس فعلاً الواقع القائم بدقة وأمانة نقول إننا عندما نتحدث عن احتمالات جنوح الأحداث إلى حرب أهلية أو إلى حرب استنزاف أو إلى التقسيم فنحن لا نسوّق لهذه الأفكار على الإطلاق بمقدار ما نحاول رسم المشهدية والتي هي في طور التكوين.

لقد حّدد يوم 10 نيسان (أبريل) 2012 على أنه موعد حاسم بين الحرب والسلام. ولكن أي حرب؟ وأي سلام؟ وأي حاكم؟ وأي معارضة؟

هناك وقائع تاريخية تصفع من يحاول قراءَة أحداث المنطقة، عندما نلاحظ أن منعطف الأمور في العادة ينقل الناس من المخيمات إلى مساكن عادية... إلا في العالم العربي حيث يتم الانتقال من البيوت والمساكن العادية إلى المخيمات، وإلى بناء المزيد منها يوماً بعد يوم لمواجهة تدفق النازحين الهاربين من جحيم المعارك.

ولأن فصول التاريخ العربي تكرر نفسها باستمرار يكفي أن نستعرض بعض أزمات المنطقة من عامي 1948 أو 1949 وما تبعهما حتى اليوم وربما غداً وبعد غد. والشواهد كثيرة وظاهرة للعيان سواء على الحدود السورية - التركية أو على الحدود السورية - الأردنية أو السورية - اللبنانية.

إن الموعد المرتقب – حتى كتابة هذه السطور - هو يوم العاشر من نيسان الحالي بموجب الاتفاق الذي أعلن عن التوصل إليه بين الوسيط العربي - الدولى (وهذا منصب جديد). وسيبقى موعداً أكاديمياً ونظرياً إذا لم يكتب للوضع في سورية بداية جديدة لمسار الأحداث البالغة الخطورة. على أن السؤال الكبير المطروح في هذه الآونة هو الآتي:

هل إن ما حدث في سورية منذ ثلاثة عشر شهراً تقرر له أن ينتهى بوقف لإطلاق النار، ونزع سلاح – كل حملة السلاح - وتشكيل حكومة مختلطة من عناصر الحكومة، إضافة إلى عناصر من المعارضة السورية أو من «المعارضات»؟

يقول وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الذي يقوم بدور رئيس في الأزمة القائمة: «لن يكون بإمكان الثوار القضاء على قوات الجيش النظامي في سورية» حتى لو تم تسليح المعارضة السورية بأحدث أنواع السلاح. وهذا الكلام رداً على الدعوات التي صدرت من جهات إقليمية ودولية مختلفة إلى تزويد السلاح للثوار بشتى أنواع الأسلحة للدفاع عن أنفسهم.

لقد تعودنا في سياق استعراض الخسائر والأرباح في المعارك الدائرة أن نسأل: إلى من ستكون حصة الأسد؟ وهذه المرة الاسم على المسمى ويا للمفارقة؟

هناك قوى تدعم النظام ولا تريد له أن يسقط على الفور. لذا، يتوقع أنصار هذا الرأي أن تأخذ ترتيبات وقف إطلاق النار بعض الوقت وعليه يطرح الأمر: كيف سيتم ضمان تهيئة الأجواء لحل عملي يمكن أن يبدأ بوقف إطلاق النار، ويتم بعدها الانتقال إلى الحلول السياسية و «تكريس التعددية».

كما ورد في رسالة مجلس الأمن الدولي الأخيرة.

وهنا السؤال المحوري والكبير: هل إن أحداث سورية قد اندلعت لتتوقف عند هذا الحد؟

في الأمر الكثير من الغرابة في المنطق السياسي للأمور ولمسار تطورات الأحداث في المنطقة. وكالعادة إذا لم يتم نشر قوات للفصل بين الجانبين... كيف يمكن التأكد من سريان وقف إطلاق النار؟ والقرار الدولي يطالب النظام بسحب قواته فوراً، وبعد 48 ساعة يتم تطبيق القرار على الثوار. فهل من ثقة باقية بين النظام ومحاربيه؟

وفي سياق الكشف عن الأضرار التي لم يكن بالإمكان إجراء عملية مسح لها تتواصل المواجهات العنيفة وتتحدث وكالات الأنباء العالمية ومنها رويترز عن وجود عملية فرز طائفي من شارع إلى شارع بخاصة في مدينة حمص والمناطق التابعة لها، وهذه المؤشرات غير المريحة التي ترافق مثل الذي يجري في سورية، وقد شهدناه في لبنان في بداية حروب 1975 ومثل هذه الظواهر تبعث على الخطورة من حيث تصور «سورية الجديدة الموحدة» كما ينادي بعض الأطراف بذلك؟

يتحدث ديبلوماسيون غربيون وشرقيون عن أن الخطوة الأولى تركز على وقف إطلاق النار يعقبها مرحلة تشكيل حكومة مختلطة من الحكم والمعارضة، ثم يجري الحوار حول عمليات الإصلاح والتى بدأت الحرب بسببها منذ بداية الأحداث. لكن الآن وبعد تطور الأحداث في الشكل الذي تطورت فيه يتم التساؤل: أين المطالب الأولى التي رفعت والتي ركزت على الإصلاحات السياسية وعلى الحريات، وبين ما جرى خلال الشهور المنصرمة، وما سيتم في شأن الآتي من الأيام؟

إذاً... ما هو مخطط ومطلوب أكثر مما حدث حتى الآن؟

إن التركيز الآن يجري على وقف إطلاق للنار والمواجهات العسكرية بين الطرفين، وإذا ما استمر مبدأ «التعايش» بين النظام ومقاتليه قائماً كما يصر المعارضون لعملية تقسيم سورية، يتم الانتقال إلى المرحلة الآتية.

في كل حال: إن وضع المنطقة بكاملها لن يكون بعد العاشر من نيسان كما كان قبل ذلك! وإن سورية جديدة هي في طور التكوين. وعندما نتحدث عما يجري في سورية يجب ألا يغرب عن البال التطورات التي ستشهدها المنطقة بكاملها في ضوء وقف أحداث سورية عند حد معين. وقد بدأت هذه التداعيات بالظهور «العراقي - الإيراني» والمتمثل بوضوح برئيس الوزراء نوري المالكي الذي أدلى بتصريحات كانت مخالفة لكل الخطباء والمشاركين في مؤتمر اسطنبول، حيث تساءَل المالكي: لماذا يجب أن يتغير النظام في سورية؟

وفي سياق آخر يعكس عملية خلط الأوراق الجارية في المنطقة هناك مؤشرات واضحة إلى المزيد من المتغيرات وهذا يتجلى في إعلان إيران نقل مفاوضاتها مع الدول الكبرى حول الملف النووى الإيراني من أنقرة إلى بغداد، وإعلان بغداد موافقتها على ذلك. وفي هذا مؤشر للمتغيرات التي تنتظر المنطقة في الأيام والشهور وحتى السنوات الآتية. ومن يستطع أن يبقى حياً فسيروي هذه التطورات.

يقول وزير خارجية تركيا أحمد داود أوغلو، أحد نجوم المرحلة القائمة: «لقد خيّرنا بشار الأسد أن يكون ميخائيل غورباتشوف فاختار أن يكون سلوبدان ميلوسوفيتش».

في كل حسابات الربح والخسارة يعطى تعبير حصة الأسد لمقياس الفريق الفائز أو المنتصر. والآن التسمية على مسمى.

اليوم هو اليوم السابع من المهلة المعطاة للنظام السوري ولمقاتليه والمفترض أن تنتهي بعد ثلاثة أيام.

وفي ضوء ما سيجري خلال الأيام المقبلة سيتضح الرد على السؤال المحوري الكبير:

في أي اتجاه تسير الأحداث في سورية. هل فعلاً ستتوقف لعبة إلقاء السلاح والبدء ب «العملية السلمية»؟

إن الأمر لم يعد يتحمل مثل هذه السذاجة، وإن خروجاً عن «السيناريو» حدث فعلاً!

* إعلامي لبناني

=================

ولا نريده «الشيخ» لافروف!

طارق الحميد

الشرق الاوسط

7-4-2012

في 21 مارس (آذار) الماضي حذر وزير الخارجية الروسي من أن هناك دولا بالمنطقة ستسعى إلى إقامة نظام حكم سني في سوريا بعد سقوط الطاغية الأسد، وعلى أثرها ثارت عاصفة عربية حول تلك التصريحات، التي اعتبرتها «سقطة» بمقالي بتاريخ 22 مارس تحت عنوان «الملا لافروف»، واحتج الروس بالطبع على ذلك المقال: «رسميا»!

لكن اليوم، وبعد قرابة أسبوعين من تصريحات لافروف، تحركت الخارجية الروسية لمعالجة تلك التصريحات الخطيرة حول حكم السنة بسوريا، حيث يقول ميخائيل بوغدانوف، نائب وزير الخارجية الروسية، إن تصريحات لافروف «أُخذت مجتزأة ومفصولة عن سياقها العام، وقد فُهمت خطأ»، مضيفا أن من يعيشون بروسيا يعلمون «أن غالبية المسلمين في روسيا هم من أهل السنة...»!

والحقيقة أنه معلوم بأن غالبية مسلمي روسيا هم من السنة، وشخصيا كنت ضمن الوفد المرافق لوزير الدفاع السعودي الأمير سلمان بن عبد العزيز في إحدى زياراته إلى موسكو، يوم كان أميرا للرياض، وسمعته بأذني وهو يخاطب وفدا من مسلمي روسيا يطالبهم بأن يكونوا مواطنين يحترمون دولتهم، وقوانينها، وأن لا يستمعوا إلى أي صوت خارجي، وأن قوتهم هي في تمسكهم بوطنيتهم، ولذا فهذا أمر معلوم، لكن النقمة حول تصريحات لافروف لم تكن للدفاع عن السنة فقط، فليس المطلوب أن يصبح وزير خارجية روسيا «الشيخ لافروف»، بدلا من «الملا لافروف»، فالمطلوب أبسط من ذلك، وأهم!

فالمطلوب هو أن تكترث روسيا، وتحديدا ساستها، ومنهم لافروف، بالدماء السورية البريئة، التي لم ترتكب أي خطأ إلا أنها ترفض حكم الطاغية الأسد. المطلوب من موسكو أن لا تدافع عن قاتل لأكثر من عشرة آلاف سوري، ومسؤول عن قرابة خمسين ألف مفقود سوري، ناهيك عن آلاف المهجرين! كما أنه ليس المطلوب من موسكو أن تكون نصيرة السنة، فجل من انتقد تصريحات لافروف ضد السنة، والتي كانت واضحة وغير مجتزأة كما يقول نائب وزير الخارجية الروسي، لم يكونوا طائفيين، أو مهووسين بالدفاع عن السنة، بل كان قصدهم هو إيقاف آلة القتل الأسدية، وحماية سوريا كيانا ونسيجا، وذلك برحيل نظام الأسد، الذي من ضمن ضحاياه، سواء بالعراق أو لبنان، وبالطبع سوريا، جميع الطوائف والأديان.

فما تتجاهله موسكو، وتحديدا صناع القرار هناك، هو أنه لو كانت روسيا اليوم شركة بأسواق الأسهم العربية لكانت أعلنت إفلاسها من تردي سمعتها، وكره العالم العربي لها، فإذا كان الفيتو الأميركي لمصلحة إسرائيل قد أضر بواشنطن، فإن الفيتو الروسي لحماية الطاغية الأسد قد أفقد موسكو كل رصيد لها بالعالم العربي، وهو أمر يبدو أن موسكو لم تستوعبه إلى الآن، لكنها ستدفع ثمنه لا محالة.

وعليه، فإذا كنا انتقدنا «الملا لافروف» فإننا لا نريده أن يكون «الشيخ لافروف»؛ فكل المطلوب أن توقف روسيا دفاعها عن الطاغية قاتل الأطفال، بشار الأسد، فالقصة ليست قصة سنة وشيعة على الإطلاق، فكلنا يريد الحفاظ على النسيج السوري، وأكثر من الروس أنفسهم.

=================

الرقص فوق صفيح ساخن

عامر أرناؤوط

عكاظ

7-4-2012

النقاط الست المنبثقة عن مبادرة المبعوث الأممي والعربي كوفي عنان بشأن الأزمة السورية، لن تجد مصيرا أفضل مما لاقته المبادرة العربية بنقاطها الأربع، ومراقبيها السبعين، وأيامها العشرين. هذه المبادرة الخارجة توا من رحم الخلافات الدولية العميقة بشأن مآل المصير السوري، ومستقبل الكعكة الإعمارية والتنموية فيه لن تستطيع وفق أكثر الآراء تفاؤلا إجبار النظام ورئيسه الكف عن سياسة القتل والتشريد والقمع، وهي اللغة الوحيدة التي يجيدها هذا النظام عبر سنوات استبداده القسري الخمسين. فضلا عن أن هذا النظام الهجين والمركب توافقيا بين عناصر الطغيان الطائفي المقيت، وشراكة المال الانتهازي ونفوذ الفساد العريم لن يستطيع الحراك إلا كمجموعة غير قابلة للتفكك، وبالتالي فإن المراهنات عن إصلاحات بنيوية داخل النظام تعتبر قفزا على الحقائق، وقراءة سطحية للمشهد السوري، و إعطاء مزيد من الوقت لاستكمال النظام كما يدعي سياسة إركاع شعبه وسحق الانتفاضة فيه.

ربما يسعى الغرب بنقاطه الست إلى مقايضة النظام السوري بمعادلة البقاء مقابل الانفصال عن الهيمنة الإيرانية، أو لنقل أنه يرغب في ذلك بالحد الأدنى مع إبقائه لكافة الاحتمالات قائمة مع ضمان الغرب الواضح والتاريخي لأمن الكيان الإسرائيلي الذي لا يرغب بتاتا بانهيار الدولة السورية، وضعف سيطرتها مع ما يمكن أن يجر ذلك على حدودها من أخطار لا ترغب بالضرورة بحدوثها .

الغرب ومجلس الأمن يلعبان بورقة الاعتراض الروسي في الوقت الضائع ويستخدمانها كذريعة لإطالة أمد الأزمة الحالية في سورية، ووضع الجميع النظام والمعارضة والشعب فوق صفيح ساخن والتفرج عليهم.

وإلا فما الذي يمنع من تدفق المساعدات المالية واللوجستية، وتسليح الجيش السوري الحر القادر على التمدد، وكف يد جيش الأسد وشبيحته عن العبث والإجرام بحق المدنيين؟ وما هي الأسباب التي تؤخر قيام مناطق عازلة وآمنة تسمح بحماية هذا الشعب الأعزل البريء؟

ليس أمام الشعب السوري إلا الاستمرار في انتفاضته وثورته المباركة، فهذا قدر الحرية والتاريخ. وما النصر إلا من عند الله.

====================

النظام السوري .. رماد الجغرافيا والتاريخ!

كلمة الاقتصادية

الاقتصادية السعودية

7-4-2012

يراهن النظام السوري على الجغرافيا السورية باعتبارها حيزًا من المكان يقع على أطراف دول تتناقض مصالحها، وأن هذا التناقض في حد ذاته يشكل ضمانة انكفاء الجهود في حدود لا يمكن لأي دولة أن تمضي بالضغوط على النظام إلى حد التدخل السافر ضده.

ثم هو يراهن على التاريخ، ليس تاريخ سورية باعتبارها مكان استئثار أول دولة عربية هي الدولة الأموية، ولا باعتبار تاريخها فيما بعد ذلك كمنطلق لتوسيع رقعة الدولة العربية، ولا في تاريخها فيما بعد ذلك مع الدولة العثمانية وسقوطها وقدوم المستعمر وخروجه منها، ولا حتى بتاريخها الثقافي بمكوناته الإسلامية الغالبة وغيرها من آشورية وسريانية وأرمن وأكراد ومسيحيين ودروز وشيعة وزيدية وعلويين، ولا حتى بكونها مقر إحياء التراث وتشوف طريق النهضة العربية، أو حتى بواكير العمل النيابي في ثلاثينيات القرن الماضي.. وإنما رهان النظام السوري على تاريخ النظام من استيلاء البعث على السلطة حتى استيلاء عائلة الأسد على البعث وسورية.

ورهان النظام على تاريخه يتمثل في انحيازه العميق للثقة بالخارج لقمع الداخل والسيطرة عليه، حيث سلم النظام السوري نفسه لموسكو في سنوات الاتحاد السوفياتي خلال سنوات الحرب الباردة لمدة لا تقل عن ثلاثة عقود، وحين تهاوى الكريملين الأحمر وغَيَّر الروس جلدهم إلى الاتحاد الروسي سلخ النظام السوري جلده بالسرعة نفسها ليتماهى مع القيادة الجديدة في موسكو؛ لأنه يعتقد جازمًا أنه دون أن يمتثل للساكن الجديد في الكرملين فإنه لا شك هالك.. ولذلك أمعن في توثيق صلته بروسيا الاتحادية على الطريقة السوفياتية نفسها، فهو فعل الشيء نفسه في الداخل السوري من حيث نسيان الاشتراكية، وبات القطاع الخاص الذي كان يعد برجوازية نتنة وسلوكًا إمبرياليًّا محل ترحيب النظام السوري مثلما بدا الحال في موسكو.. ويمكن قول الشيء ذاته في العلاقة مع الصين، وكان على نحو آخر، خصوصًا وقد أصبحت روسيا لا تعتبر الصين تحريفية وزالت العداوة الأيديولوجية بعدما جعلت الدولتان حزبي الطبقة الكادحة (الحزبين الشيوعيين) أشبه بمجلسي إدارة في البلدين.

ليس هناك رهان على الجغرافيا والتاريخ بشكل استثنائي مماثل لرهان نظام الأسد سوى رهان كاسترو في كوبا.. فكاسترو ينظر إلى الجزيرة التي يقبض على أنفاسها منذ نصف قرن، حيث يكمل أخوه راؤول المهمة على أنها حيز جغرافي مصون بسور المياه التي تجعل التحرك نحو الجزيرة عملاً محفوفًا بالمخاطر؛ ليس لأن الأمر صعب في قصفها من الشاطئ الأمريكي، فميامي لا تبعد سوى ما يقرب من المائة ميل، بل في قناعته أن هذا المانع المائي محمي أيضًا بالترسانة السوفياتية بما فيها الرؤوس النووية، وما تجربة خليج الخنازير إلا مرتكز مصدر هذه الغشامة في الرهان على الجغرافيا من ناحية، كما هو على تاريخ النظام في علاقته بالروس.. ولا يشكل الاستمرار في بقاء كوبا على حالها رغم سقوط الاتحاد السوفياتي وتغير أيديولوجية روسيا الاتحادية دليلاً على نجاح الرهان على الجغرافيا والتاريخ بقدر ما هو نتيجة خفة وزن كوبا نفسها، مما لا يشغل بال صراع المصالح اليوم كما كان الأمر في السابق، لكن الأمر في سورية مختلف تمامًا، ليس لجهة صحة رهان الأسد، بل لجهة أن تاريخ الشعب السوري في قوته الروحية الكامنة قد نزل بقضه وقضيضه حشودًا مستبسلة في مدن سورية وقراها ليقارع بجسارة وإصرار تاريخ النظام الأسدي من جذوره بلا هوادة أو مساومة، وهو ما جعل حتى الذين يراهن الأسد على علاقته التاريخية معهم يقولون كلامًا ثم يلمسونه في ارتباك أمام تاريخ ينهض في وجه أي طرف داخلي أو خارجي يقف مع النظام ولو مواربة.. وهو مشهد وحقيقة ومستقبل يتخلق لا يريد نظام بشار التسليم بإمكانية حدوثه؛ لأنه نظام غاطس في هلوسات ماضٍ ما عاد قابلاً للاستمرار.. وأن النصر آتٍ، والمعركة محسومة لصانعي التاريخ وأهله، وهم الشعب السوري حتى لو بدا أن الولادة متعثرة.. بل إن الجغرافيا والتاريخ كما يراهما نظام الأسد وهما بعدان من أبعاد كثيرة لا يراها ولا يريدها إلا متطابقة مع شناعة استبداده سوى وقود الهيبة الشعبية التي تشتعل منذ أكثر من عام.. ولن يخبو لهيبها إلا حين يكون هذا النظام برهاناته رمادًا.

===================

رأيت بأم عيني على حدود سورية

وليد فتيحي

الوطن السعودية

7-4-2012

لا بد من تحرك سريع.. وإنني لهول ما رأيت بأم عيني من مجازر بشعة تفوق الوصف.. لأشدُّ على عضد وزير خارجيتنا في ضرورة التدخّل العسكري وأوافقه في وصفه للوضع في سورية بأنه "مجزرة بشعة"

لقد أكرمني الله بالاستجابة لدعوة كريمة من "ليان"، و"ليان" فريق إعلامي خليجي تطوّعي مختص بتغطية مأساة اللاجئين السوريين على الحدود السّورية اللبنانية (منطقة وادي خالد)، وقد استوحى فريق العمل الاسم من وفاة الرضيعة السوريّة "ليان" والتي لا يتجاوز عمرها سبعة شهور بعد تدهور حالتها الصحية، ورغم قيام والديها بكل ما يمكنهما لإنقاذ فلذة كبديهما فاجتازا المعابر وصولاً إلى وادي خالد، فطلبا المعونة واتصلت المستشفيات على متبرّعين من الخليج، ولكن عندما وصلت المعونات كانت ليان قد لفظت أنفاسها الأخيرة في ظل عدم وجود عناية طبيّة وإغاثة سريعة للاجئين.

ثمان وأربعون ساعة من عمري لا يمكن أن تُنسى.. رأيت فيها من المآسي والابتلاءات والمحن ما سيبقى لي زاداً وعبرة طوال عمري، رأيت فيها عشرات العائلات من اللاجئين الذين انقلب حالهم من عِزّ وغنى إلى فقر وعوز وتشريد، ومن صحّة إلى مرض وعاهات مستدامة، ومن حياة رغيدة إلى موت مجهّز، يعيشون في بيوت من الصفيح في أزقة مظلمة يصعب الوصول إليها أو في مناطق عشوائية تفتقد أبسط مقوّمات الحياة.

في كل بيت قصّة.. وفي كل قصة مواعظ وعبر.. ففي بيت تقطُنُه امرأة مع طفلها ذي الاثني عشر عاماً، فقدت زوجها وثلاثة من أبنائها الأربعة.. زوجة شهيد وأم لثلاثة شهداء.. مدرسةٌ في الصّبر والرّضى بقضاء الله وقدره والإيمان الراسخ أنّهم منتصرون.. تُرينا على هاتفها الجوال فيديو لأحد أبنائها الشهداء وهو يُشيّع.. أصرّت إلا أن تُطعِمنا وليس في بيتها شيء.

دخلنا بيتاً فيه عائلة كبيرة وفيها رجل ضرير حكى لنا أنه بالرغم من كونه رجلاً ضريراً إلا أن مجرمي الأسد لم يراعوا عجزه فأمروه بالسجود لصورة بشّار فأبى، فما زالوا يضربونه حتى سقط مغشياً عليه ينزف دماً.. وانشغلوا عنه بأخيه الضرير أيضآً يركلونه ويدوسونه فلم يتركوهما حتى قبّل الأب حذاء الضابط المسؤول، ثم وجدوا أهل الخير وهربوا بهم جميعاً، في هذا البيت رأينا الأطفال بمعنويات عالية، إنهم واثقون بنصر الله.

أما في المستشفيات فرأينا الكثير والكثير مما يشيب له الرأس.. رأيت فتاة في الثانية عشرة من عمرها اسمها "غفران"، اخترقت رصاصة القنّاصة ركبتها اليمنى مما سبب لها قطعاً في العصب وشللاً كاملاً من الركبة إلى أسفل الساق تاركة إياها بعاهة مستديمة، وعلمت آنذاك أن هناك المئات من مثل غفران، فقنّاصة المجرم بشار يتعمّدون أن يسببّوا للأطفال عاهات مستديمة ليشغلوا أهليهم بهم عنهم.

الغالبية العظمى من الحالات التي شاهدناها هي لمدنيين وقصصهم متشابهة.. أصابهم القنّاصة أو شظايا القنابل وهم يحاولون إحضار الخبز والزّاد لذويهم، ومنهم من صادهم رصاص القنّاصة وهم يحاولون إسعاف جرحى فأصابوهم في الرأس أو في الظهر أو في الأطراف.

رأيت شخصاً يرقد مشلولاً شللاً كاملاً.. لا يستطيع إلا أن يحرّك عينيه وشفتيه ويتنفس من خلال أنبوب في رقبته. كان طالباً للقانون وله ثلاثة أطفال.. خرج من بيته ليشتري خبزاً أو شيئاً يؤكل عندما بدأ الرصاص يتراشق عليهم، فبدأ هو وزملاؤه في الهروب ولكن القنّاص تمكّن من أن يهديه رصاصة في عموده الفقري وأخرى في الرّقبة فسقط مشلولاً في لحظته، فحمله أهل الخير وهرّبوه إلى حدود سورية ثم إلى طرابلس.. زوجته لم تعلم عنه شيئاً منذ لم يعد إلى بيته، وأخيراً وجدته في إحدى المستشفيات.. تبكي وهي ترى زوجها في حالته هذه وهو لم يفعل شيئاً إلا أنّه حاول إحضار طعامٍ لأهله.

رأيت شاباً يبلغ من العمر 15 عاماً.. يروي قصته العجيبة ..حيث كان من الذين قاموا بالمظاهرات السّلمية في أول الثورة، وما زال يذكر اليوم.. التاسع والعشرين من إبريل 2011م.. هو وأصحابه الخمس عشرة وقفوا أمام عناصر الجيش، فأتوهم بأربع دبابات حربية.. وقفوا أمامها ظانين أنهم إخوانهم ولن يؤذوهم.. فجأة فتح الجيش النار عليهم.. مات كل رفقائه في لحظتها.. ولا يذكر ما حدث بعدها، ولكنه سمع صوت الدبابات وهي تمشي فوق جثثهم فتهشّم عظامهم، وبعد مغادرة الجيش السوري جاء الأهالي لحمل الجثث ففوجئوا أنه ما زال حياً.. يتحدث لنا في المستشفى بكل ثقة وإيمان ويوجه خطابه لبشار قائلاً "قد تقتل منا من تقتل ولكنك لن تقتل عزيمتنا ولن تقتل كرامتنا"، يملؤك بمشاعر العزة والكرامة.. وجلّ حزنه كيف فاتته الشهادة بينما فاز بها كل زملائه. عزيّته بقولي "إنما اصطفاك الله لتكون لك شهادتان: شهادة في الدنيا لتخبر العالم ما حدث لكم ذلك اليوم.. وشهادة في الآخرة"، فابتسم وكأنّ جوابي قد أصاب استحسانه وخفّف من حسرته بفوات الشهادة عليه.

سمعنا ورأينا في إحدى المستشفيات نتائج استعمال الرصاص المحرّم دولياً الذي يسمي بالرصاص الخارق الحارق المتفجر، فهو يخترق الجسد ويحرق كل ما يصل إليه ثم إذا استقر داخل الجسد انفجر.. سمعنا عن قنّاصات تعمل بالبصمة فإن وقعت في يد غير صاحبها من جيش الحرس الجمهوري انفجرت بحاملها، وسمعنا في مستشفى آخر عن الرّصاص الملوّث الذي إن دخل الجسم قتله لانتشار البكتريا في الجسم وهو كذلك محرم دولياً.. سمعنا عن جنود من إيران وحزب الله يشاركون في القتل والذبح والحرب على العزل من السلاح، لا يفرّقون بين رجل وامرأة صغيراً كان أو كبيراً.

حيث إنه لا توجد صورة واضحة عن انتهاء الأزمة السورية، فإننا نتوقع كارثةً إنسانيةً لتزايد النّازحين وعدم وجود استعداد لاستقبالهم أو ترتيب أوضاعهم، من أجل هذا أنشئت حملة "ليان"، وبفضل الله في خلال أسبوعين نكون قد وفرنا أول مستشفى متنقل على الحدود في منطقة وادي خالد.

إننا على مشارف كارثة إنسانية ولا بد من تحرك سريع كل منا على قدر طاقته.. وإنني لهول ما رأيت بأم عيني من مجازر بشعة تفوق الوصف.. لأشدُّ على عضد وزير خارجيتنا في ضرورة التدخّل العسكري وأوافقه في وصفه للوضع في سورية كما يجب أن يوصف بأنه "مجزرة بشعة"، وقوله "نحن لم ندفعهم للقتال ولكنهم يسعون للحرية والكرامة، والقتل من قبل الحكومة السورية مستمر، فهل نسمح بذلك أم نعطي الشعب السوري حقّه في الدفاع عن أنفسهم؟ الناس بحاجة إلى مساعدة، نعم نحن ندعم تسليح المعارضة السورية" قالها وزير خارجيتنا ابن الفيصل.

وإنني أناشد حكومات الدول العربية والإسلامية أن تسارع في ذلك فكل يوم تتفاقم المأساة وتتزايد أعداد الضحايا الأبرياء.. ولن يوقف عدوان هذا النّظام الفاسق إلا القوة.. فهم لا يفهمون لغةً غيرها.. ولا عهد لهم ولا ذمة ولا ضمير يحتكمون إليه ولا عقود يوفون بها.

==================

عام على الثورة السورية: تجاوز الإرباكات الأولى

السبت, 07 أبريل 2012

سمية طيارة *

الحياة

لم تكن لاندلاع الثورة السورية شرارة وحيدة بل أكثر من مؤشر في أكثر من بقعة من سورية. الاعتصام أمام السفارة الليبية في دمشق وهتاف: «خاين يلي بيقتل شعبه!»، الذي قصد به القذافي ولمح لمن يمكنه التفكير بالطريقة ذاتها! وبالتالي وصل الهتاف إلى كل من في ظهره شوكة. وجاءت حملة الاعتقالات بعدها، ثم الاعتصام أمام وزارة الخارجية، ثم موجة الاعتقالات التي تلتها.

تظاهرة «الحريقة» العفوية طلعت كذلك بهتاف جديد على مسامع السوريين «الشعب السوري ما بينذل» خرج بصوت هدار! أما الهتاف الآخر الذي اعتدنا عليه فقد أطلقته التظاهرة نفسها تحمي أفرادها به وكان هتافاً بحياة الأسد، لكن على من؟ قد لاحظ الجميع الفرق بين الهتافين واقشعرت أجساد السوريين على مسمعه، اقشعر جسده هو أيضاً على صوت هذا الهتاف. وصله المقطع الجديد منه، وصله بقوة.

وما كانت تظاهرات آذار (مارس) الخجولة الأخرى في الحميدية في دمشق وفي بانياس ودرعا إلا قطرات أول الغيث. وتلك الأفلام التي تجاهلها الكثيرون في البداية، بعكس من تلقفها بشغف منتظراً إياها موقناً بحدوثها، ومؤمناً ببدء تدحرج كرة الثلج في مكان ليس ببعيد وبيد أطفال من درعا خطوا «الشعب يريد إسقاط النظام» و «إجاك الدور يا دكتور» بكل براءة على جدران مدينتهم، ليربطوا على آلة التعذيب «بساط الريح» بيد عناصر الاستخبارات. وما كان من أهل درعا إلا أن هبوا واعتصموا في المسجد العمري.

ومن حينها بدأ عداد المجازر الذي لم يتوقف حتى اللحظة يتسابق مع عداد نقاط التظاهر! حوران، حمص الساعة، ريف حمص، دير الزور وقراها، حماه وريفها، إدلب وريفها، دمشق وريفها، بانياس وقراها، اللاذقية، القامشلي والحسكة، ريف حلب، السويداء، الرقة. لم تبق محافظة إلا خرجت فيها تظاهرات، كبر حجمها أو صغر. وعلى رغم أن نظامه هو ظل متمسكاً بكذبة أن دمشق وحلب لم تنتفضا في البداية إلا أننا نذكر تماماً انتفاضات جامعات دمشق وجامعات حلب منذ الأشهر الأولى، والتظاهرات الحاشدة التي كادت تصل ساحة العباسيين في أشهر الثورة الأولى قبل أن يحكم الخناق على جميع الساحات السورية وتحاط بالحواجز الأمنية في جميع المدن!

ثورات المنطقة

عايش السوريون اندلاع الثورات والاحتجاجات الشعبية المتفرقة في تونس، مصر، ليبيا، اليمن وشهدوا تظاهرات الأردن، والبحرين، وعمان، والكويت، والمغرب، وفلسطين، والعراق، والجزائر والكثير من باقي الدول العربية وفي عدد من دول العالم التي لم تسلم من مدّها كاليونان، حتى وصلت شارع وول ستريت في أميركا! توقعها كثيرون في سورية، والمنطق كان بسيطاً للغاية، كيف لا يمكن الشعب السوري أن ينتفض بعد كل تلك التظاهرات التي خرجت في محيطه الطبيعي؟ محيطه من شعوب المنطقة ذات النفس الواحد المضغوط والذي أخذ ينفجر كطنجرة البخار التي لم تعط الفرصة لتنفيس بخارها قط!

تجلت ذروة العنف في محاولة قمع ثورة ليبيا، ثورة بدت للبعض ولسبب ما وكأنها ترسم الطريق للسوريين في شكل أو في آخر! في حين أن البعض الآخر قال: «أكثر من القرد ما مسخ الله!»، «هذا القذافي لا يمكنه أن يكون أسوأ من هذا يلي عنا، يلي عنا بعده شب على الأقل، ويمكن يخاف على مستقبله ومستقبل عيلته»، «يلي عنا خويف وما رح بيعمل مثل هالمجنون! بيهرب فوراً ما بورط حاله»... إلخ.

قلت في نفسي قبل اندلاع الثورة السورية: «ربما لديهم وجة نظر!»، ولم يحتج الأمر الكثير من الوقت بعد اندلاعها قبل أن نعلق: «ها هو ينافس القذافي بجدارة»!

وقعت أوراق توت كثيرة على الطريق، وخلال سنة من عمر الثورة... تعرى فنانون، شعراء، كتاب، علمانيون، مشايخ، مطارنة... إلخ، بالمقابل لمعت بطولات حقيقية وأسماء لطالما كانت مخفية لتصير شموساً وأقماراً تحلق في سماء الثورة.

في الناحية الأخرى من الحدث ارتبك بعض من كانوا أو أصبحوا رجالات المعارضة، فظهر منهم حقوقيون، أكاديميون، ناشطون، وأنصاف ديبلوماسيين... أرادوا أن يفعلوا شيئاً كذلك، يدعمون ويمثلون صوت الثورة للعالم، يساومون هذا العالم إن لزم الأمر، يطمئنونه عن البديل الموقت ربما! فتعثر بعض المغتربين وبعض من خرج من سورية هارباً من القمع – تعثر بحفنة من المؤتمرات، وارتطم بأكثر من جدار لتشكيل مجالس وهيئات، وأصبحت معظم الشخصيات التي عانت من القمع سنوات والتي تحدثت كثيراً عن الديموقراطية، تلك التي لم يتسنَّ لها ممارستها بحق يوماً! – أصبحت فجأة مطالبة ببناء برلمان سوري على أعلى مستوى من الشفافية والديموقراطية! تلك الشخصيات التي لم تعرف يوماً أن هنالك أساليب لممارسة السياسة والتحاور والتمأسس متاحة في هذا العالم لا تشبه تلك التي استخدمت في حكمهم والحكم الظالم عليهم، وعلى رغم اختلاف الأهداف والنوايا الشاسع بينه وبينهم في النهاية وقعوا في أسر معاناتهم منه.

وجهات نظر المعارضة

ازداد الضغط، وتوالت خيبات الديبلوماسية العربية والعالمية، وتسللت عناصر الاستخبارات في وسائل التواصل الاجتماعي وبين المتظاهرين والثوار، فروجت لتطرفات في المعارضة بمختلف أشكالها، داعمةً هذا بزيادة في فداحة المجازر وصور العنف الصادم، ارتفع منسوب الغضب حتى صار الجميع يلقي التهم على الجميع! فلا هذا المعارض يعجب ذاك، ولا تلك الآلية تعجب أولئك، ولا هذا السيناريو يقنع ولا طريقة الدعم ترضي آخرين. هذا علماني وذاك إسلامي. هذا ناشط على الأرض وذلك ناشط في السماء. هذا حرامي وذلك مخترق! هذا تآمر وذلك تحاور، هذا خاف وذاك انسحب، هذا هرب وذاك نام في غرفة خمس نجوم! هذا طائش ومنفعل وذلك بارد بتنظيره، هذا يدعم عسكرةً وتسليحاً، وآخر يؤكد السلمية وذلك يريد تسليماً وآخر يدعم ضربة جويةً ورابع يصيح ويصرخ وخامس ينصح وسادس يأمل وسابع يندب حظ السوريين!

وفي ظل هذا الازدحام أصوات خنقها الضجيج فتاهت بين كل تلك الصور وفضلت أن تتوارى وبدا واضحاً أن أحداً لم يبرمج على أن يدوم هذا النظام وفوضاه كل هذا الوقت! فقد أعطت باقي ثورات العرب نماذج عن ثورات أقصر وقتاً في مراحلها الأولى على الأقل.

صور عام الثورة الأول كثيرة. الإجرام والعنف والتبويق يحتل واجهتها متبادلاً الأدوار مع تصريحات الديبلوماسية العالمية المدغدغة للآذان بين الفينة والأخرى، لكن، خلف مساحات القسوة تلك المزيد من كل ما هو جميل ومتفائل، المزيد من الاحتجاجات ونقاط التظاهر الجديدة، المزيد من إبداعات الثورة الفنية، وأشكال التحرك السلمي المتنوعة، الكوميديا وكاريكاتور الثورة، المزيد من حلقات مسلسل رسائل الحرية وشخابيطها، المزيد من التفاف الناس وتضامنهم، المزيد من دعم مغتربي البلد أهلَهم، المزيد من الحوار وتبادل الآراء والجرأة في طرحها، المزيد من الحب والمزيد... المزيد من كشف السوريين طبيعة حكم استمر أربعين عاماً، ولمبدأ أن لا شيء إلى الأبد!

وإن كانت السياسة فن تحقيق الممكن فإن الثورة السورية هي فن تحقيق المستحيل! يبقى أن نعلم أن نضال السوريين يجب ألا يراهن على الثمر السريع النضوج، فهو ليس ضد حاكم ونظام محلي فقط بل هو ضد تحالفات ومصالح عالمية. قريباً سيعيد هذا النضال لملمة قواه، ولا شك في أنه سيخرج من رماد المجازر ليبرمج نفسه على مقاومة وتعاضد من نوع آخر أطول نفساً، وسيثمر وعلى طريقته ليكنس الآلام، وتبقى الرضوض فترةً قبل أن تستقر سورية وسينسى الجميع كل مهاترات اليوم أمام عظمة ما سيتحقق.

=======================

أبرز التحديات التي تواجه التحول الديمقراطي في العالم العربي

الدكتور عبدالله تركماني

كاتب وباحث سوري مقيم في تونس

القدس العربي 7/4/2012

بداية نقول: إنّ الديمقراطية المعاصرة اليوم أكثر تواضعا مما يعتقده البعض حولها أو ينسبه إليها أو يطالبها به. إنها منهج لاتخاذ القرارات العامة من قبل الملزمين بها، وهي منهج ضرورة يقتضيه العيش المشترك بين أفراد المجتمع وجماعاته، منهج يقوم على مبادئ ومؤسسات تمكّن الجماعة السياسية من إدارة أوجه الاختلاف في الآراء وتباين المصالح بشكل سلمي. وتمكّن الدولة، بالتالي، من السيطرة على مصادر العنف ومواجهة أسباب الفتن والحروب الأهلية. وتصل الديمقراطية المعاصرة إلى ذلك من خلال تقييد الممارسة الديمقراطية بدستور يراعي الشروط التي تتراضى عليها القوى الفاعلة في المجتمع، وتؤسس عليها الجماعة السياسية أكثرية كافية. وقد تمكنت الديمقراطية المعاصرة من ذلك عندما حررت منهجها في الحكم من الجمود، فتأصلت في مجتمعات مختلفة، من حيث الدين والتاريخ والثقافة.

أما في عالمنا العربي فما زالت بعض حكوماته تركز على الخصوصية لرفض الأطر الديمقراطية، تحت ذريعة أنها تنبع من ظروف غير ظروفنا وتراثنا. وكان من نتيجة ذلك: الإحباط، اليأس، الفقر، المديونية، البطالة، أزمة هوية وانتماء، نزعات طائفية وإثنية، أنظمة وعلاقات عشائرية وقبلية، أزمة في علاقة المجتمع بالسلطة، وأزمة داخل المجتمع محورها غياب مفهوم المواطنة، وأزمة داخل الحكومات محورها غياب المشروعية، أزمة مثقفين وثقافة.

إنّ إعادة بناء مفهوم الدولة داخل الفكر السياسي العربي المعاصر، منظوراً إليها من زاوية كونها حقلاً يعكس تناقضات البنية الاجتماعية وتوازنات القوى فيها، ستسمح بإعادة تمثّل مسألة الديمقراطية والتحول الديمقراطي، كما ستخرج الأحزاب السياسية من عزلتها وستدفعها إلى الخروج بالعمل السياسي من دوائره المغلقة إلى الدائرة الجماهيرية الأوسع، وستنقذ التفكير السياسي من مصطلحات القاموس العسكري، كما ستقلص من مظاهر ممارسة السياسة بمنطق الحرب.

إنّ التعددية وحق الاختلاف ليسا غاية في حد ذاتهما، وإنما هما الأساس اللازم لتأصيل الفكرة الديمقراطية في تربتنا العربية، بهدف الاتفاق الجماعي على أولويات المشكلات الداخلية التي تعوق تطور أقطارنا والتحديات الخارجية التي تواجه أمتنا العربية، ومن ثم طرح الحلول الواقعية المتفق عليها من قبل القوى والتيارات الفاعلة التي تقبل الإطار التعددي.

وتكتسب الدعوة إلى التعددية وحق الاختلاف أهميتها مما تشهده بعض أقطارنا العربية من انقسامات عمودية تهدد وحدتها وتسهل لأعداء الأمة تمرير مخططاتهم التقسيمية على أسس ما قبل وطنية. إنّ إدارة التعددية الفكرية والسياسية بشكل حضاري، بما تفرضه من قيام مؤسسات تشريعية وتنفيذية وقضائية مستقلة، وبما تفرضه من علاقة المواطنة والمساواة في الحقوق والواجبات، تحمل بين طياتها إغناء لوحدة مكوّنات الدولة. ولذا، فإنه ليس من قبيل الترف الفكري الدعوة إلى ضرورة تطوير نسق عربي ديمقراطي مؤسس على مشروعية التعددية وحق الاختلاف، مما يتطلب:

أولا، وفاقا بين التيارات الفكرية والسياسية الرئيسية لصياغة حل انتقالي تدريجي نحو الديمقراطية، بحيث تتم دمقرطة هياكل السلطة وبنى المجتمع المدني في آن واحد، ضمن إطار توافق على مضمونه ومراحله مجموع القوى والتيارات السياسية والفكرية الأساسية. ويبدو واضحاً أنّ نجاح هذا المسار مرهون بمدى ترشيد بناء سلطة الدولة على أسس عقلانية وديمقراطية.

وثانيا، استحضار الخريطة الاجتماعية العربية للتعرف على مدى قدرة المجتمعات العربية على استيعاب القيم الديمقراطية وفسح المجال أمام مؤسسات المجتمع المدني. وذلك لأنّ أغلبية النخب السياسية العربية تخشى الديمقراطية الحقيقية، وتتخوف من نتائجها، بسبب كون علاقاتها بجسم هذه المجتمعات لا تمر عبر قنوات ومنظمات المجتمع المدني التي تجعل في الإمكان احترام قواعد الممارسة الديمقراطية.

 وثالثا، إنّ الديمقراطية عملية مستمرة، تتضمن معاني التعلم والتدريب والتراكم، ولذلك فإنّ أفضل طريق لتدعيم الديمقراطية هو ممارسة المزيد من الديمقراطية. كما أنها ليست عملية قائمة بذاتها، بل لها متطلباتها وشروطها الثقافية والاقتصادية والاجتماعية والقانونية والمؤسسية. ولذلك فإنّ العبرة ليست بتحقيق التحوّل الديمقراطي فحسب، ولكن توفير ضمانات استمراره وعدم التراجع عنه، وذلك بتجذيره في البنى السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية للمجتمع. كما أنّ الديمقراطية ليست نظاماً بلا أخطاء أو بلا مشكلات، بل لها مشكلاتها حتى في الديمقراطيات العريقة، وهنا تبرز أهمية القدرة على تطوير أساليب وآليات فعالة لتصحيح مسارات التطور الديمقراطي. وبغض النظر عن المعاني المتعددة لمفهوم الديمقراطية، فإنّ المفهوم يدور بصفة أساسية حول ثلاثة أبعاد رئيسية: توفير ضمانات احترام حقوق الإنسان، واحترام مبدأ تداول السلطة طبقا للإرادة الشعبية، والقبول بالتعدد السياسي والفكري.

وهكذا، ليس أمام العرب إذا أرادوا التعاطي المجدي مع التحديات المطروحة عليهم وتفعيل دورهم في عالم القرن الحادي والعشرين إلا أن يفعّلوا المجتمع المدني وأنشطته ومؤسساته واحترام استقلاليته، بما يؤدي إلى الاعتراف بحقوق الإنسان وإلغاء القطيعة والعدائية بين السلطة والناس. وإطلاق حرية التفكير والنظر العقلاني النقدي ورفض تكفير المثقفين والمفكرين، وتقبل الرأي الآخر.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ