ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الاثنين 23/04/2012


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

معركتا لبنان وسورية مع اللاشرعية ... معركة واحدة!

خيرالله خيرالله

الرأي العام

22-4-2012

كانت الجلسات الاخيرة التي عقدها مجلس النوّاب اللبناني، بناء على مبادرة من رئيس المجلس السيّد نبيه برّي، مفيدة الى حدّ كبير. اكّدت هذه الجلسات، بما لا يقبل الشكّ كم ان النائب المسيحي ميشال عون لا يستطيع الاّ ان يكون اداة. هناك اشخاص ولدوا كي يكونوا ادوات او ادوات لدى الادوات على نسق ميشال عون القائد السابق للجيش اللبناني.

يستطيع عون، في سياق تأدية الدور المطلوب منه، بلوغ حدّ تبرير قتل ميليشيا مذهبية تابعة لايران لضابط طيار لبناني لمجرّد انه حلق فوق الاراضي اللبنانية. هل هناك من يمتلك القدرة على انكار هذا الواقع المتمثل في دفاع ميشال عون، الذي لا يزال يسمّي نفسه «الجنرال»، عن الذين قتلوا الضابط الطيار سامر حنا كونه حلق في هليكوبتر لبنانية داخل الاراضي اللبنانية في منطقة تحت سيطرة «حزب الله»؟

في جلسات مجلس النوّاب اللبناني، دفع ميشال عون نوّابه، وهم من صغار الشبّيحة، الى مهاجمة نوّاب الرابع عشر من آذار/مارس والحكومات السابقة. كان واضحا ان الهدف من الحملة التي شنها صغار الشبيحة، التغطية على المشكلة الرئيسية التي يعاني منها لبنان.

اسم هذه المشكلة سلاح «حزب الله» غير الشرعي الموجّه الى صدور اللبنانيين والى كلّ ما يرمز الى ثقافة الحياة في الوطن الصغير، والى المسيحيين خصوصا.

هذا السلاح الذي هجّر اللبنانيين ولا يزال يهجّرهم، منع كلّ تقدم على الصعيد اللبناني، بدءا بالكهرباء وانتهاء بالاتصالات وصولا الى العيش المشترك. هذا السلاح وراء الفوضى القائمة في بيروت وخارجها ووراء الحؤول دون عودة السيّاح العرب والاجانب الى لبنان. هذا السلاح تابع لمحور اقليمي لا يؤمن سوى بلبنان «الساحة»، وميشال عون ليس سوى اداة صغيرة تستخدم في عملية تكريس لبنان «ساحة» عن طريق نواب ووزراء تابعين له يعتقد المرء انهم اعضاء في حزب البعث السوري او في «الحرس الثوري الايراني» بعدما كانوا في الامس القريب في فضاء آخر يكاد ان يكون اسرائيليا، بل ان احد رجاله من رشّحهم للانتخابات وسقطوا دين بالفعل بالعمالة لاسرائيل، علما بان هذا المدان لا يمكن ان يتصرف من دون تغطية من «الجنرال» ومباركته.

من الواضح ان هناك انقلابا يتعرّض له لبنان. كان مجيء الحكومة الحالية برئاسة الرئيس نجيب ميقاتي في سياق هذا الانقلاب. انها حكومة غير شرعية تشبه كلّ شيء ما عدا نجيب ميقاتي الذي لم يستوعب لدى قبوله بان يكون رئيسا للوزراء، بفضل سلاح «حزب الله» وليس بفضل اي عامل آخر، ان سورية مقبلة على احداث ضخمة ستغيّر الخريطة السياسية، وربّما الجغرافية، للشرق الاوسط. لم يمتلك ميقاتي، رجل الاعمال والعلاقات العامة الناجح جدّا،على الرغم من امتلاكه ذكاء من نوع خاص، ان المنطقة مقبلة على تطوّرات كبيرة تتجاوز لبنان وتتجاوز الحسابات الضيقة لاشخاص من امثاله او من امثال النائب والوزير محمّد الصفدي.

نعم، كانت جلسات المناقشة في مجلس النوّاب مفيدة. يكفي انها كشفت افلاس الوزراء والنواب العونيين الذين لا يستأهلون، مثل معلمهم، اكثر من ان يكونوا اعضاء فخريين في نادي الشبيحة التابع للنظام السوري او ادوات صغيرة عند «حزب الله». كان هناك ما هو اكثر فائدة من ذلك. تبيّن ان «حزب الله» الذي يشكّل الامتداد الطبيعي للمحور الايراني- السوري لا يفكّر سوى بكيفية وضع اليد على لبنان. يبدو ذلك طبيعيا في وقت يبدو احتمال خسارة ايران لسورية وارد جدا. انه امر اكثر من محتمل في ضوء استمرار الثورة الشعبية الحقيقية التي تثبت ان الشعب السوري بأكثريته الساحقة متمسك بثقافة الحياة ويرفض البقاء اسير نظام لا يستطيع الا التحالف مع اسوأ نوع من انواع اللبنانيين، اي امثال ميشال عون وما شابه ذلك من شبيحة.

لايزال الموضوع الاساسي في لبنان هو سلاح «حزب الله». يستخدم ميشال عون حاليا من اجل استبعاد مناقشة هذا الموضوع- المشكلة. لا يمكن ان يكون للبنان اي مستقبل في ظل وجود هذا السلاح الذي يمنع قيام لبنان الطبيعي، لبنان المؤسسات التابعة للدولة اللبنانية ولبنان العيش المشترك القائم على المساواة بين المواطنين وليس على غلبة السلاح. يعاني لبنان من هذا السلاح غير الشرعي منذ العام 1969، تاريخ توقيع اتفاق القاهرة المشؤوم. حلّ السلاح الايراني مكان السلاح الفلسطيني.

بلغت الوقاحة بالسلاح الايراني ان اعتدى على بيروت واهلها في مايو 2008. بعد ذلك، اسقط حكومة الرئيس سعد الحريري، التي كانت حكومة وحدة وطنية ولكن دون طموحات اللبنانيين، وذلك لاسباب لم تعد تخفى على احد. في مقدّم هذه الاسباب رفضه الانصياع للاوامر والشروط الايرانية المعروفة جدّا حفاظا منه على لبنان واللبنانيين من جهة وتأكيدا لان لبنان دولة عربية ليست تابعة لاحد من جهة اخرى.

مؤسف ان يكون هناك في لبنان من يلعب اللعبة الايرانية في وقت تسير المنطقة كلّها، بما في ذلك سورية وايران، نحو عالم آخر. نحو عالم حضاري مرتبط قبل اي شيء آخر بثقافة الحياة والابتعاد عن الغرائز المذهبية التي ادت الى ما ادّت اليه في العراق...

سيستخدم «حزب الله» ميشال عون مرات كثيرة. لكنّ اللعبة صارت مكشوفة. في النهاية ان المعركة الحقيقية التي يخوضها لبنان هي مع سلاح «حزب الله» الهادف الى تحويله مستعمرة ايرانية لا اكثر. من يقرأ نص القرار 1701 يعرف ما هي المهمّة الجديدة- القديمة للسلاح الايراني في لبنان.

في جوانب كثيرة، تشبه مقاومة اللبنانيين للسلاح غير الشرعي المعركة التي يخوضها الشعب السوري مع نظام غير شرعي حوّل سورية الى مستعمرة ايرانية. المعركة واحدة. خلاص سورية من خلاص لبنان وخلاص لبنان من خلاص سورية.

=================

زمن الثورة وزمن الثروة !

تاريخ النشر: الأحد 22 أبريل 2012

د.سعيد حارب

الاتحاد

زمن الثورة وزمن الثروة، مصطلح أطلقه وردده متحدث في أحد المؤتمرات التي عُقدت مؤخراً للدلالة على حالة العرب الموزعة بين مجتمعات تملك الثورات ومجتمعات تملك الثروات! ومثل ذلك ما قالته أستاذة جامعية عربية في ندوة عقدت بجامعة خليجية حين تحدثت قسّمت المجتمعات العربية إلى مجتمعات تملك العقول ومجتمعات تملك الأموال! في مقابلة ثنائية ذكرتني بما تعلمناه في علم المنطق من نظرية التحسين والتقبيح، إذ تختار مثل هذا المقابل للرفع من شأن أمر مقابل أمر آخر استناداً إلى الموقف أو اللحظة الزمنية. ولذا فإن مثل هذه المقابلات اللفظية إنما تشير إلى حالة من التحسين والتقبيح انتهازاً للحظة التاريخية التي يمر بها العرب.

ولسنا بصدد الرد على مثل هذه الأطروحات التي لا تدل على رؤية موضوعية عدا عن مخالفتها للمنهج العلمي في المقارنات، فليست كل مجتمعات الثورة "حسنة" مثلما أن مجتمعات الثروة ليست "قبيحة" كذلك، فالثورات سواء كانت العربية منها أو غيرها ليست هدفاً بذاتها، بل هي وسيلة لتحقيق غاية كبرى، وهي تحقيق أهداف الناس في الحرية والحياة الكريمة.

ففي مجتمعات تغيب عنها أبسط متطلبات الإنسان من حقوق عامة، ومتطلبات عيش كريم كبقية البشر، فإنه من المتصور أن تثور هذه الشعوب من أجل مصلحتها، وليس العرب أول الثائرين لأجل ذلك فقد سبقتهم شعوب كثيرة، لكن هل كل الثورات حققت لشعوبها ما تهدف إليه، فإذا كانت الثورة الفرنسية قد نقلت الشعب الفرنسي إلى الحرية والعدالة والمساواة، فإن ثورات أخرى أغرقت شعوبها في العزلة والتخلف وشظف العيش حتى ثارت شعوب"الثورات" على ثوراتها، ولا أدل على ذلك من الثورة البلشفية التي حكمت روسيا أكثر من سبعين سنة، ولم تحقق للإنسان ما كان يصبو إليه، بل عزلته خلف ستار حديدي وسخْرته ليكون "محراثاً" في الأرض الزراعية أو "ترساً" في الآلة الصناعية و"سلخته" من إنسانيته، حتى ثارت الشعوب الخاضعة لهذه الثورة وتحررت من عزلتها وقبل ذلك تحررت من "ثورتها"!

وإذا كانت الثورة البلشفية قد أصبحت جزءًا من التاريخ القديم، فإن التاريخ القريب لايزال يعطينا الدروس تلو الأخرى، فهل كان نظام القذافي في ليبيا إلا نموذجاً للثورات حين تصبح "كلاَّ " على شعوبها، حتى آثر الليبيون الموت على حياة تحت ظل " ثورة "القذافي! ، أما كوريا الشمالية فتمثل نموذجاً "متميزاً" للثورات حين تصبح "كارثة" على شعوبها، ففي الوقت الذي تطلق فيه الصواريخ العابرة، وتصنع القنابل النووية، يموت الشعب جوعاً في الشوارع، وتستجدي "الدولة" المعونة من أعدائها لإطعام أبنائها، ويُصَب الناس في قوالب متكررة، وكأنهم نسخة واحدة في فكرهم وسلوكهم ودورهم، بل وفي أحزانهم على زعيمهم الراحل، مثلهم مثل زجاجات المياه الغازية ذات اللون والطعم والحجم والثمن الواحد أيضاً!

هذا لا يعني أن كل الثورات هي مثل هذا النموذج، ولكن التعميم بأن الثورة هي الحل، تعميم خاطئ يجانب الحقيقة والواقع، مثل مقابلة الثورة بالثروة، فليست مجتمعات "الثروة "بالصورة التي يصورها بعض الباحثين العرب، ولا يختلفون في ذلك عما تقدمه بعض الأفلام الأميركية!

فمجتمعات الثروة، ليست المدينة الفاضلة كما أنها ليست "عوراء"! كذلك ، فقد استطاع كثير منها أن يستثمر الثروة في تنمية مجتمعاته، فارتفعت مستويات التعليم، وحقق كثير من مؤسساتها مستوى جيداً مقارنة بالجوار الإقليمي، كما ارتفع مستوى الوعي الثقافي لدى أبناء هذه المجتمعات، وأصبح لديها العقول التي تفكر وتبدع وتنتج في شتى الميادين الفكرية والثقافية والعلمية، وأصبح أبناؤها من الأكاديميين والكُتاب والأدباء والمتخصصين ينافسون أقرانهم من المجتمعات الأخرى على الرغم من النشأة التعليمية المتأخرة لهذه المجتمعات مقارنة بالمحيط الإقليمي.

وعلى مستوى الحياة العامة، تطورت الخدمات لديها لتضاهي مثيلاتها في المجتمعات المتقدمة، بل أصبحت كثير من مدن "الثروة " تنافس المدن المتقدمة في الشرق والغرب، وتحقق لهذه المجتمعات متطلبات الحياة الكريمة التي يحتاجها الإنسان ليعيش الحالة الزمنية التي يمر بها، وامتد تأثير مجتمعات "الثروة" إلى خارج حدودها الجغرافية مساعدةً واستثماراً وتنميةً في المجتمعات الأخرى.

ولذلك فإن مقابلة الثورة بالثروة، مقابلة غير منصفة، بل ربما بددت الثورة ما تقدمه الثروة، ولنا في نموذجي العراق وليبيا خير مثال على ذلك، فالعراق الذي يملك ثروة نفطية هائلة، ونهرين كبيرين وثروة زراعية شاسعة، وليبيا التي تملك هي الأخرى ثروة نفطية كبيرة مقابل عدد قليل من السكان إلى جانب الموقع الاستراتيجي والثروات الأخرى، كل ذلك تبدد بسبب السياسات الخاطئة التي مارستها أنظمتها من خلال إهمال متطلبات الحياة الإنسانية الكريمة والتوسع في التسلح وخوض الحروب في كل الاتجاهات والصراعات الداخلية والخارجية، فلم تستثمر الثروة استثماراً جيداً، بل جنت "الثورة" على "الثروة"!

=================

أهي اتجاهاتٌ خارجية إيرانية جديدةٌ؟

تاريخ النشر: الأحد 22 أبريل 2012

د. رضوان السيد

الاتحاد

على مشارف اجتماع إسطنبول بين الإيرانيين ومجموعة الـ5+1 زار الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد إحدى جزر الإمارات المحتلة من جانب إيران منذ عام 1971. وفي الوقت نفسِه كان هناك تصعيدٌ إيرانيٌّ ضد العرب دولاً وشعوباً في مشرق العالم العربي والخليج: من مواقف المالكي ببغداد، إلى مواقف الأسد بدمشق، ومواقف "حزب الله" وأنصاره بلبنان، إلى التصعيد بالبحرين، وهياجات الحوثيين و"القاعدة" وانفصاليي الجنوب باليمن... فزيارة نجاد إلى الجزيرة الإماراتية! وقد رأى مراقبون كثيرون أن هذه التصعيدات قد تكون أوراق ضغطٍ ولإبراز مسائل وملفات تقول إيران إنها تستطيع بها إزعاج الغرب والعرب الخليجيين والأتراك إن لم يُصغوا لمصالحها ومطامحها في مسألتي النووي ومناطق النفوذ في العالم العربي. لكنْ تبيَّن خلال الاجتماع من أجل النووي أنه كان هناك "اتفاقٌ مسبَقٌ " على "الاتفاق" توسّط فيه الروس، ويقضي بالاعتراف لإيران بحق التعامل بالتكنولوجيا النووية للأغراض السلمية بما في ذلك التخصيب بالداخل، إنما بثلاثة شروط: أن تكون وكالة الطاقة هي التي تزودها باليورانيوم بالمقادير اللازمة لتلك الأغراض، وأن يتم التخصيب في منشأة واحدة تحت الرقابة الدقيقة للوكالة، وأن يكون من حق الوكالة التفتيش على كل المنشآت. وقد ظهر الخلاف غير الحاد في عدة مسائل: طرائق الرقابة والتفتيش والدخول إلى المنشآت، والمُهَل الضرورية لقيام كلُّ طرف بما عليه، وضرورة إيقاف الغرب للعقوبات المحتملة، والتراجع عن العقوبات القديمة في القرارات الدولية الأربعة، وفي التدابير الأميركية والأوروبية المنفردة، وأخيراً رفْض الاجتماع الثنائي الإيراني الأميركي لبحث مسائل أُخرى ذات اهتمامٍ مشترك، وكان المفروض أنّ الإيرانيين وافقوا على الاجتماع الثنائي سراً، لكنهم عادوا ورفضوه علناً. وقد اتفق المؤتمرون على العودة للاجتماع ببغداد(!) بعد شهرٍ بدلاً من إسطنبول نكايةً بتركيا التي اختلفت معهم في أمرين أساسيين: نصب تجهيزات الدرع الصاروخية الأطلسية على أرضها، والسعي لتغيير نظام حليفهم بشار الأسد!

لقد هلَّلت إيران خلال الاجتماع وبعده لما اعتبرتْهُ انتصاراً لإصرارها وصمودها. والواقع أن ذلك ما كان انتصاراً، لكنه ما كان فشَلاً. فالأوروبيون على الخصوص ما كانوا ضد التخصيب بالداخل تحت رقابة الوكالة. وقد خشي الأميركيون أنهم إن وافقوا على ذلك، فقد تسير إيران في الموضوع لأشهُرٍ ثم تطرد المفتشين. وقد سار الحلُّ هذه المرة لثلاثة أسباب: الضمانة الروسية (والصينية) للغربيين بأنّ الإيرانيين سينفذون ما يتعهدون به، والحرص الأميركي (والأوروبي) على استعادة الشراكة مع روسيا (والصين) في المجال الشرق أوسطي، والضيق الإيراني الشديد من الحصار الخانق الذي فرضه عليهم المجتمع الدولي والذي أضاف إليه الغربيون عقوباتٍ انفرادية تتعلق بنقل النفط واستيراده، كما تتعلق بالتعامُلات البنكية. فهناك ما يدلُّ لهذه الناحية على أنّ إيران بدأت أمام تهديدات الحرب والحصار تفكر بالفعل بتأجيل إنتاج سلاح دمار شامل لظروف أفضل. ويُضافُ لضعف موقفها لهذه الناحية الانقسام الداخلي على سياسات المرحلة الماضية والمسؤول الأول عنها نجاد وجناح الجنرال سليماني في الحرس الثوري. فهناك خلافٌ بين محافظي فريق لاريجاني رئيس البرلمان الذي يريد الترشُّح لرئاسة الجمهورية بعد نجاد، ومحافظي نجاد وبعض الشيوخ وبعض العسكر الثوري. والخلاف على التكلفة والأعباء الهائلة للمرحلة الماضية، والتي أظهر الحصار آثارها، والتي أدت إلى اتهام نجاد وسليماني بالفساد المالي والإداري. وقد جرَّأَ ذلك رفسنجاني- الذي استعاد بعضَ مقامه لدى المرشد الأعلى- على فتح ملف العلاقات مع العرب ومع السعودية بالذات، وضرورة هذه الخصومة مع الخليجيين، والتي دفعتهم للتحالُف مع الغرب في مُحاصرة إيران، والشاهد على ذلك تعويض السعودية لكميات النفط الذي توقفت دولٌ غربيةٌ واليابان عن استيرادها من إيران.

ولندع هذه الانتصارية الإيرانية جانباً. فما جرى التوصُّل إليه كان يمكن لإيران الحصول عليه قبل خمس سنواتٍ وبالشروط التي وافقت عليها الآن تقريباً. وقد جاء ذلك من إدراكٍ إيرانيٍّ ساطع بأنه لن يُسمحَ لها بإنتاج سلاح دمار شامل مهما كلَّف الأمر، وليس من أجل إسرائيل فقط، بل ومن أجل روسيا وأوروبا والصين والهند والعرب أيضاً. لكنْ هل يشكل ذلك تغييراً في السياسات الإيرانية الخارجية؟ إن الواضح فيما يتصل بهذا الأمر أنّ إيران شعرت بأنها تحتاج بالفعل إلى السقف الروسي، وروسيا تستخدمها في إعادة التوازُن إلى علاقاتها بالغرب. على أن هذا التغيير الإيراني في النووي وفي العلاقة مع روسيا لا يتضمن استدارةً استراتيجية، تستعادُ فيها علاقات ودية أو محتملة مع الغربيين. كما أنها وتحت وطأة الانتصارية الشاسعة التي سادت العقد الماضي، ليست على استعداد لإعادة النظر في سياساتها تجاه المشرق العربي والخليج. ولذا فالذي أتوقعه أن تستمر الضغوط الإيرانية على العرب بالمشرق والخليج، رغم إمكان التحسُّن أو المهادنة في علائق إيران بالغرب.

لقد حقّقت الثورات العربية ثلاثة إنجازات فيما يتصل بمواجهة الاختراقات الإيرانية: اتجاه سائر الشعوب العربية لمعارضة التدخلات الإيرانية في البلاد العربية، وانتزاع الراية والملف الفلسطيني من أيدي إيران وحلفائها، وإقدام الشعب السوري على الثورة ضد نظامه التابع لإيران. وفي فترة الثوران والسيولة هذه قامت دول الخليج بعدة أمور لصون المصالح العربية العليا: تثبيت الاستقرار في الخليج بالتدخل في البحرين والوساطة في اليمن، والمساعدة على التغيير في ليبيا وسوريا، وتولي الملف الفلسطيني إلى جانب السلطة الفلسطينية، ومواجهة التدخلات الإيرانية في المشرق والخليج. ولا شك أن هذا كله أزعج الإيرانيين. فقد فقدوا الملف الفلسطيني أو كادوا، وفقدوا الأحزاب الإسلامية التي كانوا يعتمدون عليها في كسْب الجمهور وإحراج أنظمة الضباط، وتعرض النظام الأبرز في محورهم لثورةٍ من شعبه وما عاد إنقاذُهُ ممكناً، ويُعاني حليفهم المالكي من مشكلات مع الأكراد والسنّة والتركمان، ومن معارضةٍ شيعية قوية. ولذا ففي الوقت الذي اشتدَّ عليهم الحصار الدولي بسبب النووي، فإنهم شعروا بضغط شديد من جانب الثورات ومن جانب دول الخليج على امتداداتهم ومناطق نفوذهم التي كسبوها أيام بوش، بل وجرى الاعتراف لهم بالنفوذ في العراق أيام أوباما! وهم يعتقدون الآن أنهم يستطيعون صَرْف الغرب عن مواجهتهم بالتنازل ولو مؤقتاً بشأن النووي، في مقابل المساومة على مناطق النفوذ في العراق وسوريا ولبنان، وهذا يفيدهم في ثلاثة أمور: إيهام شعبهم بأنهم انتصروا على الولايات المتحدة والعرب عندما اعتُرف لهم بأنهم دولة نووية، وأنهم يتحكمون بثلاثة بلدان عربية؛ العراق وسوريا ولبنان. وإرغام الأميركيين والعرب والأتراك على مساومتهم بشأن العراق وبشأن النظام في سوريا، والإثبات للشيعة وللأطراف الأُخرى التي ورطوها في الانقسامات الداخلية، أنهم لم يتخلوا عنها بدليل استمرار الدعم واستمرار الإثارة، والتأكيد على أن القدرة على إزعاج العرب الخليجيين، وإزعاج إسرائيل، لا تزال في حوزتهم، في الخليج عن طريق الخلايا النائمة واليقظة، وفي فلسطين المحتلة عن طريق "حزب الله".

من الضروري أن نبقى جميعاً على يقظة في عام 2012، في المشرق العربي كما في الخليج، لأن النظام الإيراني المأزوم، يريد اليوم كما من قبل، التنفس والمساومة والمغالطة، عبر التلاعب بأمننا الوطني والقومي على حد سواء.

=================

حُماة الثورة المجهولون

عمر قدور

المستقبل

22-4-2012

قبل سنوات، وفي أثناء ما سمي حينها "ربيع دمشق"، قال أحد المعارضين: "إن الرئيس السوري هو أصغر السياسيين السوريين سناً!". ومن المعلوم أن الرئيس كان حينها في منتصف الثلاثينات من العمر، وقد شاع كلام المعارض لما يحمله من سخرية من جهة، ولما ينطوي عليه من مرارة إزاء نجاح النظام في إقصاء أجيال بأكملها عن الفضاء السياسي العام.

لقد بدا حينها أن آخر الذين خبروا الممارسة السياسية هم في الأربعينات من أعمارهم، أما الأجيال اللاحقة فقد نشأت على الغياب الكلي للسياسة، وبذلك لم يكن ثمة قنوات للتفاعل بين أولئك المعارضين الذين خرجوا تواً من المعتقلات والأجيال اللاحقة التي لا تكاد تعرف شيئاً عنهم، وبالتأكيد لا تعرف تفاصيل الحالة السياسية السورية في سبعينيات ومطلع ثمانينيات القرن الماضي. في الواقع كان ثمة جهل متبادل. فمن جربوا الممارسة السياسية كانوا قد انخرطوا في العمل السياسي السري، ويمكن على نحو ما وصفهم بالنخبة ضمن أجيالهم. وبحكم الأيديولوجيات التي حملوها والطبيعة الأمنية القاسية للنظام لم يُتح لهم التفاعل مع المجتمع، فضلاً عن مدة اعتقالهم الطويلة والتي استهلكت نحو عقدين من الزمن وأدت إلى تغريبهم عن المتغيرات في الحياة العامة السورية. أجيال عرفت السياسة على نحو تجاوزه العصر وأخرى لاحقة لم تعرف السياسة مطلقاً، وغياب شبه تام لجسور التواصل بينها؛ هذا من العوامل الهامة لفشل ما عُرف بربيع دمشق ومن ثم تراجع وانحسار الأطر السياسية التي نجمت عنه.

على الشاكلة نفسها كان الأمر بالنسبة إلى النظام، فالرئيس الأب كان قد أقصى الشخصيات القديمة الوازنة المساهمة معه في الحكم، وأخلى الساحة تماماً من أجل مشروع التوريث، من دون إنتاج كوادر جديدة بديلة، ما جعل الرئيس الابن لاحقاً يعتمد على كوادر الصف الثالث القديمة من نظام يعجز عن إعادة إنتاج نفسه بحيوية العصر. بدا النظام في طبعته الجديدة فاقداً الانسجامَ السابق وأقرب إلى الابتذال. على ذلك أيضاً نقرأ حنين الموالين الآن إلى زمن الأب، فهو وإن كان على السطح يأخذ شكل الإعجاب بقدرته على قمع كل تمرد واجهه إلا أنه من جهة أخرى يعبر عن انكشاف السلطة السياسية الحالية بحيث لا ترضي حتى جزءاً من المدافعين عنها. فالنظام بهذا المعنى لم يعد نظاماً، وما ظاهرة الشبيحة سوى تعبير فظ عن غياب الكوادر السياسية في النظام ذاته وعن عقمه السياسي لحساب العقل الأمني في أدنى مستوياته.

في هذا المناخ لم تكن الثورة السورية متوقعة، إن من قبل النظام أو من قبل المعارضة التقليدية التي تم قمعها بشراسة إثر ربيع دمشق. لم تكن الأجيال الشابة الجديدة توحي بإمكانية إشعال الثورة، حتى بعد نجاح الثورتين التونسية والمصرية. كان الشباب السوري مجهولاً إلى الحد الذي غيّبه عن حسابات الطبقة السياسية، وعندما تقدم بشكل صاعق عبر الثورة فإن الاستبشار به لدى الكثيرين أخذ منحى عاطفياً لا منحى معرفياً، تحيلنا إلى ذلك العبارات الحماسية التي يكررها بعض المعارضين القدماء، والتي تبقى في حيز الانفعال من دون أن تشي بمعرفة عميقة بواقع هؤلاء الشباب الذين أشعلوا الثورة بعناد كبير، واستمروا بها بعناد وصمود قلّ نظيرهما.

أخيراً وجدت المعارضة السورية سندها بأجيال لم تتفاعل معها سابقاً، وليس سراً أن الالتقاء بين الطرفين كان أشبه بالضرورة الموقتة، فشباب الثورة لم يسعفهم الظرف الأمني بالانتظام سياسياً واختيار ممثليهم وكوادرهم القيادية، فتقدمت الشخصيات المعارضة القديمة لملء الفراغ. بل أتاح هذا الفراغ لبعض الذين ليس لهم رصيد سابق أو حالي تقديم أنفسهم كناطقين باسم الثورة، وتعددت الأطر السياسية الناشئة خارج البلد خاصةً، وبعضها لا يعدو كونه منبراً إعلامياً لا أكثر. بعد أكثر من سنة على اندلاع الثورة استقر الأمر على وجود هيئات رئيسية تشكل مظلة سياسية لها، وعلى استمرار الانتفاضة الشعبية رغم القمع الاستثنائي، لكن من الملاحظ أن الثورة لم تدفع إلى الواجهة الإعلامية إلا بعدد محدود جداً من الشخصيات الجديدة، فبقيت آليات عملها الميدانية غامضة، وبقي العدد الأكبر من النشطاء بمثابة الجنود المجهولين، ولعلها مفارقة كبرى أن الذين عُرفوا من نشطاء الثورة هم الذين غادروا البلد بحكم الظروف ففقدوا تماسهم المباشر مع المستجدات اليومية لها!.

لو أن من أشعل الثورة هم رجال المعارضة التقليدية القديمة لاستطاعت الأجهزة الأمنية التعامل معها بيسر منذ البداية، فهؤلاء مكشوفون تماماً بالنسبة إليها، فضلاً عن انكشاف أساليبهم وأدواتهم. ودون نفي لمساهمة السابقين ونواياهم الطيبة فإن امتياز الثورة أتى من شباب جدد تحدوا الشبكة الأمنية الهائلة بعقل جديد، وأساليب مستحدثة لم تختبرها الأجهزة الأمنية من قبل. هذا لا يعني الاستهانة بقدرة الأجهزة لأنها استطاعت استيعاب جزء مما يحدث مع مرور الوقت. في الواقع أدركت الأجهزة الأمنية أهمية بعض النشطاء الميدانية فباتوا هدفاً للملاحقة والاعتقال، وللتصفية الجسدية في كثير من الأحيان. مما لا يجب إنكاره أن الثورة نزفت في أماكن متعددة بعضاً من خيرة أبنائها، وهذا ما أدى إلى بعض الانتكاسات والتراجعات قبل أن ينجح ناشطون آخرون في ترميم صفوفهم وسد الفراغ الناجم عن التغييب القسري لزملائهم.

شباب بعيدون عن الواجهتين السياسية والإعلامية، ويعرف المهتمون الجادون أنهم هم من يتعامل بمرونة مع الواقع المركب والمعقد الذي فرضه النظام الأمني. ففي ظل تقطيع أوصال البلد ومحاصرة المناطق الثائرة هؤلاء الشباب هم الذين يؤمنون الاتصال رغم قطع كافة وسائل الاتصال، هم الذين يخترقون الحصار لإيصال المساعدات الطبية الملحّة، وهم أيضاً الذين ينشطون في أعمال الإغاثة للنازحين من المناطق المنكوبة إلى المناطق الآمنة. يشاركون في المظاهرات ويقودونها ويصورونها، هم مصدر المعلومات والصور لوكالات الأنباء العالمية التي لا تستطيع الدخول إلى البلاد؛ قلة منهم صارت معروفة لظهورها على شاشات التلفزيون، أما الأغلبية الساحقة فتفضّل البقاء في الظل حماية للنشاط الدؤوب الذي تقوم به لا حماية للذات التي تسير طوال الوقت على حافة الموت.

لنعدْ إلى البداية؛ ما حدث في غالبية المناطق السورية هو أن قلة قليلة من الشباب خاطرت في ظروف أمنية صعبة وفي مناطق لم تكن جاهزة تماماً للانخراط في الثورة؛ تختار مجموعة من الشباب مكان التظاهر، وإن أسعفها الحظ تلقى مساندة من بعض شباب الحي. هذا النوع من المظاهرات كان يستمر أحياناً لدقائق قليلة جداً، دقائق ربما لا تتجاوز مدة تصويرها وبثها على اليوتيوب، لكنها كانت كافية لإيصال الفكرة وتشجيع الخائفين والمترددين على المشاركة. قبل أن تعم الثورة كانت المجموعات ذاتها تنتقل من مكان لآخر فتوحي بانتشارها؛ المبالغة تصبح حقيقة مع مرور الوقت، الشباب لا يكلّون وكلما كسبوا موقعاً يبحثون عن موطئ قدم جديد. إنهم بمثابة المهماز المتنقل.

المؤسف أن الوقت لم يحن لكشف الكثير من الأسرار، والمؤسف أيضاً أن ما يراه المشاهدون على شاشات التلفزيون لا يعكس في كثير من الأحيان الواقع الغني لنشاط الشباب السوري. لكن بوسعنا الجزم بأن هؤلاء الشباب هم الضمانة الأكيدة لاستمرار الثورة ومحافظتها على الطابع الوطني العام. فهم الذين يخترقون الحواجز العسكرية والأمنية، وهم أيضاً الذين يخترقون الحواجز الطائفية التي اصطنعها النظام، قد لا يكون عددهم كبيراً جداً ولكن لولاهم لربما اختلفت الثورة كثيراً عما نراه اليوم. في الحقيقة هم روح الثورة وإن ذهب تمثيلها السياسي الآن إلى آخرين، أما لاحقاً فسيكونون الأجدر بتمثيل أنفسهم، والأجدر تحدثاً بالأصالة عنها.

=================

معضلة الجيش السوري الحر سياسية بالدرجة الأولى

المستقبل

22-4-2012

الفرنسي جان بيار فيليو، استاذ علم السياسة في معهد العلوم السياسية في باريس ومؤلف كتاب "الثورة العربية"، "تاريخ غزة"، حاورته صحيفة "ليبراسيون" (17 نيسان 2012) حول "الجيش السوري الحر". هنا نص الحوار:

- الجيش السوري الحرّ، يمثل من؟

- الجيش السوري الحرّ، مثله مثل "لجان التنسيق للثورة السورية"، هو مولود براغماتيكي يرمي الى التصدّي للقمع وادراج الثورة في الزمن القادم. على الرغم من التعتيم الاعلامي الذي يمارسه النظام السوري ضده، فان الجيش السوري الحرّ لم يحرم من تغطية اعلامية، هامة نسبيا. فهو تمكن من تأمين انتقال الصحافيين المتسللين وحمايتهم، وذلك بفضل علاقاته مع المهربين والشبكات المحلية العاملة على الارض. أعضاؤه تكبّدوا خسائر فادحة بسبب هذا النشاط. المحاولة الاولى لتهريب الصحافية الفرنسية اوديت بوفييه في 28 شباط الماضي، انتهت، مثلا، بمقتل 13 عضوا من الجيش السوري الحرّ. للنظام مصلحة بتضخيم اهميته بغية التشهير بثورة سلمية اساسا تجاوز عمرها العام. ولكن من الممكن ان يكون قبول النظام المتأخر والملتوي لخطة كوفي عنان ناجما عن الصعود القوي للجيش السوري الحرّ.

- كيف ولد الجيش السوري الحرّ؟

- بعد ثلاثة اشهر من القمع الدموي المكثف، برز الجيش السوري الحرّ في شهر حزيران من العام الماضي، اثر انشقاق الكولونيل حسين همروش و150 من رجاله في منطقة جسر الشغور. وبعد لجوء هرموش ورفاقه الى تركيا، انضم اليهم الكولونيل رياض الاسعد، الذي تسلّم القيادة باسم حركة الضباط الاحرار. ورياض الاسعد اعلن رسميا عن ولائه للمجلس الانتقالي السوري في كانون الاول من العام الماضي، وهو ما زال قائدا لهذا الجيش، حتى بعد انضمام الجنرال مصطفى الشيخ، الأعلى منه رتبة. فالمكتب الاستشاري العسكري الذي انشأه المجلس السوري الانتقالي بهدف ادارة هكذا نوع من النزاع حول الاولوية والقيادة لا يقوم بعمله...

- الجيش السوري الحر، من يمثل؟

- غالبية المجموعات الناشطة في سوريا لا تنتمي له الا رمزيا. ولكن الافواج الرئيسية الثلاثة تابعة له وتأتمر بأوامره. الفوج الاول، واسمه "فوج هرموش" تخليدا لذكرى اول منشق عن الجيش الرسمي، الذي اختطفه النظام في ايلول من العام الماضي واعدمه بعد ذلك بأربعة اشهر، هذا الفوج المؤلف من 150 رجلا ينشط في الشمال الغربي من سوريا، في جبل الزاوية تحديدا. هناك ايضا فوج خالد بن وليد، وهو اسم احد صحابة الرسول محمد، وقد ضم سوريا الى الاسلام عام 636 ميلادية، ودفن في مدينة حمص عام 642. يضم هذا الفوج 3000 مقاتل، وقد جرت عمليته العسكرية الاولى ضد قوات النظام في ايلول الماضي، في الرستن، بالقرب من حمص. كتيبة "الفاروق"، المنبثقة عنه، نشطت في حي بابا عمرو، احد احياء مدينة حمص؛ هناك اخيرا فوج "العمري"، الذي يضم بضعة مئات من المقاتلين في محافظة درعا. وهو اتخذ اسم اهم مسجد في مدينة درعا. اما الوحدات المتمردة الناشطة في دمشق، وحتى في حماه، فهي منضوية تحت الراية "الوطنية" للجيش السوري الحرّ، ولكن لا يبدو انها تتلقى منه المال او السلاح. وكما يحصل في مجالات اخرى من الثورة السورية، فان المهم هو الجذور المحلية لهؤلاء الرجال، وارتباطهم بشخصيات معترف بها. علينا ايضا الاشارة الى ان عناصر الجيش السوري الحرّ انسحبت بشكل منظم بعدما "أعاد" النظام "سيطرته" الدموية على حمص وادلب في شباط آذار الماضيين؛ ما يدعو الى الاعتقاد بأن "انتصارات" النظام العسكرية يمكن نعتها بكل الصفات، الا صفة الدوام.

- المجموعات السلفية، من تمثل؟

- ان المقاتلين السلفيين، وهم لا يمتون بأية صلة للجيش السوري الحرّ، تأكد وجودهم في الأشهر الاخيرة، وهم قادمون من العراق او من شمال لبنان. وانخراطهم هو بمثابة الاجابة الجهادية على تدخل "مستشارين" ايرانيين في المعركة لصالح النظام السوري. قوات بشار الاسد ساندتها ايضا ميليشيات مختلفة، من حزب الله اللبناني (الذي تراجع عن التزامه هذا)، ومن ميليشيات عراقية، كان عددها يتزايد كلما كان المالكي، رئيس الوزراء العراقي، يشدد على تضامنه مع النظام. اننا في قلب الكباش المذهبي، السني (السعودية) الشيعي (ايران). ولكن علينا الاشارة ايضا الى ان بشار الاسد نفسه "شيّع" قمعه لشعبه قبل ان تتسلل هذه المجموعات السلفية الى اراضي سوريا. ان تصريحات ايمن الظواهري و"القاعدة المركزية" ليس لها اساس، ولكن اجهزة المخابرات الاميركية تبرزها، في سياق مقاومتها لأي تدخل من جانبها في سوريا. الا ان من الممكن ان تكون هناك مجموعات، سورية او عراقية، تابعة للـ"قاعدة" تحت اسم "جبهة النصرة"، وقد تكون هي التي قامت ببعض الهجمات والتفجيرات.

- ما هي خطورة صعود الجيس السوري الحرّ على الثورة السورية؟

- بصورة عامة، ان معضلة الجيش السوري الحرّ هي سياسية قبل ان تكون عسكرية: اذ ان اية اشارة الى البعد العسكري للثورة ضد بشار قد تخل بصدقية هذه الثورة تجاه مشروع الامم المتحدة المتمثل بمبعوثها الحالي كوفي عنان، فضلا عن انها تؤجج الانقسام المذهبي. ان همّ الانتصار العسكري لدى الجيش السوري الحرّ ضئيل امام طموحه الرامي الى خلق مجالات انشقاق داخلية تنسف الاسس التي يقوم عليها النظام. ولكن كلما دامت مرحلة ما بعد بشار الانتقالية، كلما سهل تسلل المجموعات الجهادية. واذا فهمنا حرفيا "الكلام الروسي" حول اخطار المجموعات الجهادية، فنحن امام خلاصة واحدة لا غير: ضرورة تسريع رحيل الاسد. فامام عدو لايملك الا الرعب، فان الثورة السورية تملك العدد والوقت والمجالات. ان سقوط بشار لا ريب فيه. ولكن درجة عسكرة عملية اسقاطه سوف تحدد وجه سوريا المقبل.

=================

عن عسكرة الثورة السورية وسبيل الخروج من المأزق

راتب شعبو()

المستقبل

22-4-2012

دخلت الثورة السورية أرضاً زلقة منذ أن راودتها فكرة التغيير بالعنف واللجوء إلى قوة السلاح. وكانت كلما خطت خطوة في هذا الطريق تبتعد خطوة عن المضمون السياسي للثورة وتثقل على القيمة الأخلاقية لها، وتتعثر.

لم يكن غريباً أن يعجز عدد غير قليل من الجنود عن تنفيذ الأوامر العسكرية بإطلاق النار على متظاهرين عزل، فالعدد الأكبر من عناصر الجيش والأمن في سوريا هم ممن يؤدون الخدمة الإلزامية، أي أنهم مدنيون أكثر من كونهم عسكريين، ناهيك عن معاندة النفس البشرية أصلاً الإقدام على قتل أشخاص عزل لا يأتون بما يسوغ قتلهم. وتكفي هذه الظاهرة دليلاً على نفي اتهامات النظام للحركة الشعبية بأنها مسلحة منذ البداية. ذلك أنه من الطبيعي أن لا يتردد الجندي، عادة، في إطلاق النار على من يطلق النار عليه. وهنا يمكن تلمس فارق مهم بين "تمرد" الجنود قبل دخول العنف والسلاح على خط الثورة، حيث كان التمرد إنسانياً بصفته الغالبة، وبينه بعدها، حيث بات تمرد الجنود سياسياً بصفته الغالبة. التمرد الإنساني للجندي هو رفض للقتل (تمرد سلمي) أما التمرد السياسي له فهو تغيير وجهة القتل (تمرد عنفي). وهذا فارق ذو قيمة أخلاقية وسياسية مؤثرة.

أنتج القمع الوحشي للمظاهرات السلمية ظاهرة الانشقاق أو التمرد أو الفرار العسكري التي خلقت بدورها جيشاً من منشقين باتوا مطلوبين للقصاص من طرف النظام (والقصاص هو الإعدام في الغالب) الأمر الذي يرتب عليهم الدفاع عن النفس بدءاً بالتخفي وصولاً إلى حمل السلاح في وجه طالبيهم. لقد تكثفت إشكالية التغيير وتعقيدات الثورة السورية في هذا المعطى البسيط المباشر الذي هو الجندي المنشق. فهو مثال للخيانة التي تستوجب الإعدام من وجهة نظر النظام، ومثال للنبل والمسؤولية الأخلاقية والانحياز للحق من وجهة نظر المعارضة. وهو لا مجال أمامه للحياد أو الصمت أو الترقب، يجد نفسه في عين العاصفة، إما أن يَقتل أو يُقتل. وحين يختار يصبح هدفاً مباشراً وملحاً لأذرع القتل الشيطانية المتشعبة للنظام، فيُدفع دفعاً للدفاع عن نفسه. لا يتاح له أن يكون سلمياً إلا بشق النفس. ورغم أهمية وسمو ما أقدم عليه هؤلاء الجنود من رفض لأوامر إطلاق النار مغامرين بحياتهم، إلا أن الثورة قصرت في إعلاء شأنهم وبلورة رمز لهم وتسمية يوم على الأقل من أيام الثورة باسمهم. في حين كان النظام يطلق النار على من يرفض تنفيذ الأمر ويشيعه على أنه احدى ضحايا المعارضة المسلحة، في حنكة يجيدها من تمرس في الظلم والكذب.

ولا ريب أن تزايد عدد المنشقين قد شكل عاملاً آخر، يضاف إلى تزايد عدد من يسقطون من المدنيين في المظاهرات وفي مواكب تشييع الشهداء، دفع باتجاه مرحلة "الدفاع عن النفس" التي سرعان ما انتقلت إلى مرحلة الهجوم والمواجهات القتالية التي نشهدها اليوم بين جيشين. وبصرف النظر عن الأسباب التي دفعت الثورة السورية للدخول في هذا المسار المرير (ومما لا شك فيه أن الوحشية التي واجه بها النظام انتفاضة الشعب السوري تتصدر هذه الأسباب) يتعين علينا التفكير في المآلات الممكنة لهذا المسار. السؤال هو: هل يمكن للجيش الحر التغلب على الجيش النظامي وإسقاط النظام عسكرياً؟ وكيف يصح الجمع بين السلمية والعسكرية في الثورة؟

في الحق أن تشكيل مجموعات مسلحة للدفاع عن النفس وحماية المظاهرات أثقل على سلمية الحركة وألحقها بمنظومة العنف. لقد دُفع الشعب السوري، دونما تفكر وتدبر، في ممرات تبدو إجبارية (وهي ليست كذلك) رسمتها له من جهة فظاعة القمع الممارس ضده، ومن جهة أخرى الارتجالية والتبعثر والانفعالية والرهانات الخاطئة التي حكمت مسار الثورة وأرهقتها مادياً وسياسياً وأخلاقياً.

من الواضح أن ما كان يحتاجه الجيش الحر كي يتمكن من هزيمة جيش نظامي متماسك إلى حد كبير ولاسيما في مراتبه العليا، ويتمتع بتوريدات ثابتة من الأسلحة، هو التدخل العسكري الخارجي على ما جرى في ليبيا. وطالما تأخر هذا التدخل الذي من المرجح أن لا يحدث، فإن ما حصدته الثورة جراء دخولها مسار العنف المسلح هو:

1) تسويغ الحل الأمني ضد كل أشكال المعارضة تماماً كما حصل في ثمانينات القرن الماضي حين نكل النظام السوري آنذاك بكل التنظيمات المعارضة تحت ستار المواجهة مع حركة الأخوان المسلمين المسلحة.

2) تسويغ المواقف الدولية الداعمة للنظام (روسيا والصين أساساً) الذي يواجه حركة مسلحة، الأمر الذي أربك التحركات الدولية لدعم الثورة في سورية.

3) تعزيز مواقف الفئات الموالية للنظام.

4) إدخال المزيد من التماسك إلى صفوف الجيش النظامي جراء تعرض عناصره للقتل من جيش آخر.

5) خسائر بشرية ومادية أكبر.

6) إضعاف جاذبية الثورة وقيمها ولاسيما في ظل فشل المعارضة في تكريس مصداقية كان يمكن، لو توافرت، أن تشل فاعلية كذب الإعلام الرسمي وتعوض عن غياب وسائل الإعلام المستقلة العربية والأجنبية.

الآن، وقد مشت الثورة السورية خطوات على طريق العنف المسلح. الآن وقد بدت دول العالم تقتسم سوريا وتتصارع فيها وبأبنائها وتتجه الحالة السورية إلى الاستنقاع والتعفن، وتخسر الثورة، بفعل قيادتها المتعثرة أو غياب قيادتها، أهم ما يميز الثورات الآيلة إلى الانتصار وهو الزخم والتصاعد، ماذا يمكن لقيادة الثورة أن تفعل؟

أمام الخذلان الذي عبّر عنه الشعب السوري من العرب والمسلمين يبدو أن الطريق السالك الذي يمكن أن تشقه المعارضة السياسية في سورية بعد أكثر من عام من ضياعها وتجرجرها وراء الأحداث، هو التخلي عن الحلم الليبي المر والذي لا يجلب لسوريا سوى الدمار والتآكل الذاتي، لصالح إعادة إحياء المسار السلمي التونسي والمصري بأن تتعهد بالتخلي التام عن السلاح مقابل آليات دولية ملموسة وفعالة (وهذا أمر ممكن عملياً) تضمن التظاهر السلمي والانتخابات النزيهة بمراقبة دولية وبحضور غير مقيد لوسائل الإعلام العربية والدولية. لتكن هذه المطالب البسيطة والأكثر فعالية من كل الأسلحة هي مطالب المعارضة وليس المطالبة بالسلاح التي تعني وعد الشعب السوري بالمزيد من القتل العبثي لأبنائه على طرفي الصراع والدخول في دائرة عنف ذاتية التوالد تزيد من إثخان الجسد السوري بالجراح وإثقال الضمير السوري بالآثام. إحياء المسار السلمي واحترامه هو المسار الوحيد الذي يمكن عبره الاستفادة من الحشد الدولي وراء مبادرة كوفي أنان، المسار الذي يجبر النظام السوري على دفع ثمن فشله السياسي والأخلاقي، والمتمثل أولاً في الفساد المزمن المتعدد الأشكال للنظام، وهذا ما يلمسه ويقر به كل سوري أكان موالياً أم معارضاً، وثانياً في اعتماد الحل الأمني والعسكري للحيلولة دون استرداد الشعب السوري لحقوقه المسلوبة لعقود من الزمن. وهو أيضاً المسار الوحيد الذي يعيد للثورة السورية ما خسرته من قيمة أخلاقية هدرتها أعمال العنف المنسوبة إليها والتي وصلت حداً انعكس في تقارير منظمات حقوق الإنسان الدولية.

الإمعان في عسكرة الثورة عبر المطالبة بتسليح الجيش الحر وإيجاد مناطق عازلة وحظر جوي وما إلى ذلك، يسقط الثورة مثلما أو قبل أن يسقط النظام. إنها اللحظة التي يمكن للمعارضة السورية أن تعيد للأشياء طبيعتها فتكون قائدة للشارع بدلاً من أن تكون صدى لانفعالاته، وتخرج بمبادرة تخاطب بها شعباً وليس أنصاراً فقط، مبادرة تسحب الذرائع من يد الدول التي تساند النظام السوري وتضع هذا الأخير في موقع لا يجد فيه ما يستر به عريه.

=================

أساطير النظام السوري وأوهامه.. من الدولة إلى القبيلة ومن الأمة إلى الطائفة

أ.د. علي أسعد وطفة

أخبار الشرق

21/4/2012

يقول المثل لا يوجد هناك أعمى أكثر من ذا الذي لا يريد أن يرى أبدا. ولكنني سأخالف هذه الحكمة لأقول بأنه ليس هناك أعمى أكثر من ذاك الذي يريد أن يرى الأشياء كما يرغب في أن يراها. وعلى منوال هذه الحكمة لقد قرر النظام في سوريا أن يرى الأشياء بطريقة اسطورية هستيرية تنسجم مع رغباته وميوله وتطلعاته. وهذه الحالة تمثل حالة هستيرية أو هلوسة جنونية يريد عبرها النظام أن يستمر في الوجود والهيمنة والسيطرة على النحو الذي اعتاد عليه. ونظرا لهذه الحالة فقد النظام حالة التوازن الأخلاقي والعقلي فبدأ يرسم الواقع على صورة أوهام وأساطير يبرر فيها وجوده وأحلامه وتطلعاته في السيطرة والاستمرار والهيمنة.

لقد عمل النظام وما زال يعمل على بناء نسق من الأوهام والأساطير الذي يريد أن يوظفها في تبرير وجوده القائم على القتل والعنف والدم بل هي نسق من الأكاذيب التي يريد منها تغطية عاره وذله وجنونه وزندقته وإظهار الوضع على ملائكيته في سورية المنكوبة ببطشه وجنونه.

منذ البدايات الأولى للثورة بدأ النظام بهلوسة مفادها كلمة واحدة "خلصت" وبدأت هذه الكلمة تحتل مركزية الخطاب الإعلامي والأيديولوجي والسياسي على مدى أشهر متعاقبة، وكانت هذه الكلمة "خلصت" من أكثر الكلمات الساخرة ترددا على ألسنة سياسيي النظام ومثقفيه وإعلامييه. ولكن هذا الوهم لم يستطع الصمود بعد مرور أكثر من سنة على الثورة فسقط واندثر تحت وقع الأحداث الثورية التي رسخت في الوعي السياسي العالمي بأن القضية لن تنتهي أبدا إلا بسقوط النظام السياسي وزبانيته. ثم تعاقبت أوهام النظام وهلوساته الدفاعية التي تمثلت في مفردات: العصابات المسلحة، والإرهابيون، والمخربون، والمؤامرة الخارجية، والتطرف الإسلامي، وعمالة المعارضة، وهذه المقولات والأوهام أخذت تسقط تدريجيا تحت تأثير الواقع والأحداث التي تبرهن على أن العصابات المسلحة عبارة يستخدمها النظام لمسخ الحركة الثورية، وأن التسمية الحقيقية لهذه القوى المساحة ترمز إلى "الجيش الحر"، وأن المعارضة ليست عميلة كما يتوهم النظام بل هي ذات بعد وطني راسخ وعميق، وأن لا مؤامرة خارجية، وأن لا وجود لجماعات متطرفة، ولا وجود للطائفية إلا في عقل النظام وممارساته. ومع ذلك ما زال النظام يروج لمثل هذه الشعارات التي لم تعد تجدي نفعا وليس لها طعم ولا نكهة سياسية أو أيديولوجية.

وتأخذ هذه المهازل السياسية لنظام البعث اتجاهين متعاكسين متضادين يفوق كل منهما الآخر غرابة وجنونا وتهكما: النكوص إلى الخلف أو الهروب إلى الأمام. حيث يتمثل الأول في العودة الأصل والثانية الهروب إلى الضفة الأخرى للهزيمة. وبعبارة أخرى تأخذ هذه الازدواجية صورة النكوص إلى القبيلة والقفز فوق الأمة.

من الأمة إلى القبيلة: النكوص إلى الخلف أو إلى الأصل.

وقد بلغت غرائب النظام ومهازله السياسية درجة تفوق قدرة العقل على التصديق إذ تصل المفارقات إلى حدود هزلية وغرائبية تفوق حدود الخيال والمخيال في آن واحد.

ويتضح هذا الجنون في إعلام النظام وفي ممارساته في آن واحد. فمن يستمع إلى إعلام النظام يصاب بحالة من الذهول عندما يجد بأن هذا الإعلام بدأ حملة التمجيد بمجالس العشائر والقبائل الوطنية والطوائف والإثنيات والعرقيات ويأتي هذا بعد خمسين عاما من حكم البعث الذي رفع خلالها كل الشعارات الوطنية والعلمانية والتقدمية، بعد خمسين عاما من حكم البعث وجبهته الوطنية التقدمية نجد أنفسنا فجأة أمام شعارات تمجد العشيرة وترفع رموز الطائفة والقبيلة والإثنيات والعرقيات فأي منقلب حدث مع رجال السياسة والحكمة في هذا النظام الغرائبي، وعندما يسلح النظام تلك العشائر والقبائل ويمنح زعماءها الهبات والأعطيات ويغدق عليهم بالأراضي والأموال ويلبي جميع متطلباتهم الدونية حتى يضمن ولاءها ووقوفها إلى جانبه في مؤامرته المزعومة.

فبعد نصف قرن من الشعارات القومية التي تنادي بأمة عربية واحدة لا تغيب عنها الشمس يفاجئنا النظام بدعوته إلى الطائفة والقبيلة والعشيرة والإثنيات العرقية. لقد جاء زمن العجائب والغرائب عندما يقوم النظام برعاية مؤتمرات العشائر والقبائل في طرطوس ودمشق واللاذقية. جاء زمن العجائب والغرائب عندما روج النظام السياسي البعثي العتيد ويروج لرؤساء العشائر والقبائل والأفخاذ والبطون والعائلات. جاء زمن الغرائب والعجائب عندما يتشدق النظام الإعلامي للبعث بوطنية رؤساء العشائر والقبائل والعصابات من كل حدب وصوب.

بعد خمسين عاما من مزاعم رفض العشيرة والقبلية والطائفة تتكشف أوراق النظام اليوم الذي لم يكن في يوم من الأيام أكثر من شرذمة عشائرية طائفية تحكم الناس والعباد بالحديد والنار. لقد تكشفت حقيقة النظام وانكشفت أوراقه المريضة بأنه حكم لم يستطع يوما ولن يستطع أن يتجاوز حدود القبيلة والطائفة والعشيرة والعرق والعصبة والعائلة والفخوذ والبطون. إنه نظام طائفي عشائري قبلي مذهبي بامتياز وظف كل هذه التكوينات توظيفا حقيقيا في استمرار حكمه وبطشه وطغياته على مدى نصف قرن من الزمان.

لقد سقط القناع وظهر النظام على حقيقته المخيفة وأطل برأسه المذهبي الطائفي العشائري وسقطت ورقة التوت العلمانية والتقدمية والاشتراكية والقومية التي لطالما غطى بها عوراته المخيفة على مدى نصف قرن من الزمن. ومن يستمع اليوم إلى إعلام النظام يجد المهازل التي يجدر بالكتاب أن يوظفوها في المسرح وفي الأدب الساخر المضحك المبكي.

من الأمة إلى الأممية: الهروب إلى الأمام

لقد علمنا النظام في سوريا ولفق أكاذيبه بأنه حارس القومية وحارس البوابات وأنه يشكل جبهة الرفض والمقاومة عن الأمة والعروبة. علّمنا أن العرب تخاذلوا جميعا وأن الأسد يربض في مواجهة الصهيونية العالمية ويستعد لتحرير القدس من نير العبودية والقهر الصهيوني. وما زال يعلمنا أنه ما زال يشكل نظام الصمود والتصدي نيابة عن الأمة المتخاذلة في صراعها مع الصهيونية وإسرائيل، فيا للعجب! وهذا الأمر تعلمناه وصدقناه مرغمين مكرهين تحت ضغط الدعاية ووسائل الإعلام والطاقة الاستلابية للمنظمات والأحزاب والسياسات.

أما الصرعة الجديدة أو المهزلة الجديدة التي يريد النظام أن يعلمنا إياها ويعكف على تعليمها لنا بأنه اليوم ينوب عن العالم بأجمعه في إعادة التوازن إلى العالم برمته فيا للعجب!

فالنظام السوري يتشدق اليوم بأنه يعمل على تحقيق التوازن العالمي وهو ما لم تحققه أي دولة أخرى بعد سقوط الاتحاد السوفييتي وانتهاء الحرب الباردة، إنه يعيد الاعتبار لسياسية الأقطاب بعد أن حكم العالم بسياسة القطب الواحد. وعلى هذا النحو تفيد أسطورة النظام الجديدة بأن نظام الأسد يعيد لروسيا مكانتها الطبيعية في العالم ويؤكد مكانة الصين في المعمورة. وهذا يعني أن نظام الأسد يعيد لهاتين القوتين العظميين اعتبارهما ويضعهما في المسار الصحيح.

وهذا هو أحد أكبر انتصارات النظام في عصر لا يعرف إلا الهزائم وهو أنه أعاد للعالم توازنه وللدول الكبرى مكانتها الطبيعية بعد أن كانت قد خسرت حضورها الدولي. وهكذا يجب على روسيا والصين والعالم المظلوم برمته أن ينحني لنظام الأسد ويقدر له جهوده في إعادة الاعتبار والمكانة لروسيا والصين وللدول المقهورة.

نعم استطاع النظام أن يؤدي دوره التاريخي في تحقيق الوحدة الوطنية في سوريا!! أن يتصدى للصهيونية العالمية!! أن ينافح عن حقوق العرب ومكانتهم في التاريخ!! وهو فوق ذلك كله يحقق التوازن العالمي ويعيد للدول الكبرى دورها التاريخي ومكانتها الدولية المفقودة... لله درك يا نظام البعث!!

هيستيريا النظام والأسطورة اليونانية (بروكروست)

إنها أساطير النظام وأوهامه ومهازله!!! وكأني بالنظام ينسج صورة للكون على مخيال ما يرغب فيه وما أشبه حالة النظام في تفصيل الكون على قامته السياسية بأسطورة بروكروست اليونانية. وبروكروست، الملقّب أيضاً داماستيس وبوليبمون، قاطع طريق يوناني منقطع النظير. كان يعيش على الطريق الرابطة بين ميغارا وأثينا، مدّوخاً العالم. فلقد ابتدع طريقة شيطانية في قتل المسافرين الغرباء الذين يمرّون ببيته. كان له سريران، أحدهما قصير والثاني طويل. وكان يرغم كلّ من يمرّ به من المسافرين على أن يستلقي فوق أحدهما. فإذا كان قصير القامة أجبره على أن يستلقي فوق السرير الطويل حتى إذا بدا أقصر من السرير مطّه بوحشيّة لا مثيل لها وخلعه خلعاً كي تلامس قدماه حافتي السرير. وإذا كان طويل القامة أرغمه على أن يستلقي على السرير القصير. وبالمنشار ينشر رجليه بمقدار الزيادة. وحين التقى البطل الصنديد ثيسيوس بالشقي بروكروست نازله وهزمه وأهلكه بالطريقة التي كان يقتل بها المسافرين الغرباء منكوبي الحظّ.‏.

وهكذا هي حالة النظام في سوريا يفصل الأشياء ويرسمها على المقياس الذي يراه انتصارا له في كل الأحول، فكل ما يحدث يجب أن يفسر على منوال ما يرغب فيه وما يتمناها، فهو يرى في انشطار الوطن إلى طوائف وعشائر وعصابات وحدة وطنية، ويرى في مقاطعة الأمة له انتصارا قوميا، ولا يرى في تحول الوطن ساحة للصراع والأطماع إلا انتصارا عظيما يعيد فيه التوازنات الاستراتيجية للأمم. يرى في الحصار الاقتصادي انتصارا للاقتصاد السوري، فكل ما يدور حوله تتحول في تصوراته إلى أوهام انتصارات وأمجاد وقوة وعطاء.

ضلالات النظام وأكاذببه:

عندما تشاهد الخطاب الإعلامي للنظام وتسمعه تصيبك حالة من الذهول تولدها حالة من الأكاذيب الكبرى التي لا يصدقها عقل ولا يقبلها منطق. فالإعلام يصور لك أن الاقتصاد السوري هو أقوى الاقتصاديات في العالم حتى أن رئيس البنك المركزي ميالة يعلن بلا خجل على التلفزيون بأن احتياطي الذهب يزداد في سوريا وأن احتياطي العملة الصعبة لم يتأثر. والتلفزيون يقدم لك مشاهد بأن الحالة الأمنية على ما يرام: الأطفال يلعبون بالثلج والناس يتسوقون ويبتسمون والفرحة تعم الجميع في مختلف المدن والمحافظات. والرئيس يصدر التشريعات والمراسيم ذات البعد الثانوي ليثبت بأن سوريا خالية من كل ما يعكر صفو الرئيس، بل هو يزور المرضى ويتحدث عن الإدارة المحلية وصعوباتها. والإعلانات الرسمية عن الحاجة إلى موظفين ومعيدين.

ولكن لا حديث البتة عن المهجرين قسرا واللاجئين والمبعدين والقتلى والثكالى واليتامى وفطار الموت والقصف الأعمى للمدن والحارات الآمنة. لا قد بلغت السفاهة أن الإعلام يتحدث عن المغتصبات من السوريات اللاجئات بتهكم وسخرية وكأن يتشفون من هؤلاء اللاجئات اللواتي خسرن شرفهن وكرامتهن كما يروق للنظام أن يفعل. فأي نظام في العالم يفرح باغتصاب مواطناته بعد أن هجرهن أليس في هذا ابعد مهازل الكرامة والتاريخ والإنسان!!

وفي النهاية نقول: لا يستطيع النظام أن يعترف بأنه أكثر الأنظمة الدموية في تاريخ سفك الدماء! لا يستطيع النظام أن يصدق أن بأنه أكثر الأنظمة الديكتاتورية قتلا للأطفال! لا يريد أن يصدق بأنه قد قتل أكثر من عشرة آلاف مواطن سوري! لا يريد أن يصدق بأنه شرد أكثر من مليون مواطن في الداخل السوري!! لا يريد أن يصدق بأنه شرد أكثر من أربعين ألف مواطن على أطراف الحدود مع الدول المجاورة!! لا يريد أن يصدق بأنه دمر الاقتصاد في البلد والسياحة والزراعة وكل الثروات الوطنية!! لا يريد أن يصدق بأنه أصبح ساحة للصراع بين الدول الكبرى!! لا يريد أن يصدق بأنه أصبح ساحة للصراع الإقليمي في المنطقة!! لا يريد أن يصدق بأن المظاهرات لن تتوقف أبدا حتى النصر! لا يريد أن يصدق بأنه سيزول عاجلا أم آجلا وسيأتي اليوم الذي يردد فيه الثوار بكلمة كبيرة " هلق خلصت " أي عندما تعود السلطة إلى الشعب، ويسترد الإنسان السوري كرامته وعزته ومجده.

__________

أ.د. علي أسعد وطفة - جامعة الكويت

==================

بشار الأسد وشريكه فلاديمير بوتين

نتالي نوغيرد

عن "لوموند" الفرنسية (13 نيسان 2012)

المستقبل

22-4-2012

عندما نتابع سلوك بشار الأسد في أحداث سوريا ونتذكر تاريخ النظام البوتيني في روسيا، لا يسعنا الا المقارنة بين الرجلين: فلاديمير بوتين مثل بشار، خاض حربا ضد شعبه في حملة عسكرية طويلة اتسمت بوحشية خارقة واستثنائية، وذلك على خلفية عجز الاسرة الدولية، لا بل سلبيتها.

مثل بشار الاسد ايضا، اطلق بوتين نيران المدفعيات على البلدات من دون تمييز، دمر احياء بأكملها، قتل النساء والاطفال من دون رفة جفن، ارسل آلاف الاشخاص الى غرف التعذيب، حيث كانت تمارس اشكال العنف الموروثة عن الغولاغ الستاليني. والهدف كله كان: ان لا يخرج انسان حيّا من هذه الغرف الا ويكون قد سحق نهائيا، فلا يعود يفكر لحظة واحدة بامكانية ان يكون حرا.

هل فكر فلاديمير بوتين بغروزني (عاصمة الشيشان) عندما نظر الى صور مدينة حمص بعدما حل عليها الخراب؟ يبدو ان مجرمي الجملة يحبون ان يتأملوا نتائج سوء سلوكهم. الرئيس الروسي حلّق يوما فوق العاصمة الشيشانية بالهليكوبتر، واستغرب وقتها حجم الدمار الذي تسبّب به. بشار الاسد بدوره حرص على نقل زيارته الى شوارع مدينة الثورة، حمص، عبر التلفزيون، بعدما سحقتها دباباته. وفي هذه التغطية التي نقلها التلفزيون نراه يبتسم.

بشار وفلاديمير... فلنتابع المقارنة: وصل الاثنان الى السلطة في التاريخ نفسه، قبلها لم يكونا يفكران بأنهما سيصعدان الى هذه القمة. بشار كان يدرس طب العيون في لندن عندما قتل شقيقه بحادث سيارة، فأصبح بذلك الوريث السياسي البديل، وخلف والده عام 2000. اما فلايمير فلاديموروفتش، فلم يكد يصدق انه عُيّن رئيسا لجهاز المخابرات الروسية حتى "استخدمته" القبائل المحيطة ببوريس يلتسن عام 1999 مطية لاستكمال انقلاب قصر في موسكو على خلفية هجوم عسكري على الشيشان.

ثم مرت السنوات. بشار وفلاديمير حافظا اثناءها على الحلف القديم القائم بين بلديهما منذ العهد الذي كانت مخابرات اندروبوف ترعى العلاقات مع الانظمة العربية القومية.

اما اليوم فان بشار، الذي يشعر بانه محصّن ضد اي ضغط خارجي جدي، بسبب الحماية التي تؤمنها له روسيا، يدفع بالشرق الاوسط نحو سيناريو حرب شاملة. العنف بدأ يفيض عن سوريا وينال من حدود لبنان وتركيا.

روسيا تعتمد على الورقة السورية في محاولة للعودة الاستراتيجية الى الشرق الاوسط، على خلفية مواجهة بين ايران والغرب. فوق هذه الرقعة تلعب موسكو على عدة احجار: الخلاف حول النووي الايراني، الدرع المضاد للصواريخ الذي بحوزة "الناتو"، الطريق الذي تسلكه انابيب الغاز والنفط نحو اوروبا... بمساندتها نظام الاسد الحليف لإيران، تحول موسكو دون اضعاف الجمهورية الاسلامية الايرانية، وهي الجمهورية التي تقاسمها الرغبة بطرد الاميركيين من الجوار الجغرافي. مع سوريا، تعتقد روسيا بأنها تأخذ بثأرها من "الغيظ" الذي اصابها بعد سقوط القذافي. تحسب ان بقاء النظام في سوريا وايران يخدم مصالحها.

الوصفة الروسية هي وصفة مُشعل الحرائق ورجل الاطفاء: تؤجّج نيران الازمة قبل ان تقدم نفسها صاحبة المشروع بحلّها. الفيتوات الروسية كان لها مفعول الحماية القصوى لبشار الاسد. كان كلما يحصل على فيتو، يطلق العنان لجهازه القمعي. بعد كل فيتو كان يجرّ معارضيه نحو العسكرة والتطرف.

انه منطق مجرَّب، متعوب عليه: المعارضون السوريون بوصفهم "ارهابيين"، يجوز قتلهم بوحشية بالسلاح الثقيل. السلطات البوتينية عالجت موضوعها بنفس الطريقة، عندما ارتكبت المجازر بحق شعب الشيشان. موسكو ودمشق خاضا سياسة الاسوأ، القائمة على تغذية التطرف عبر عنف الدولة.

تستطيع موسكو ان تكرر الى ما لا نهاية امام المسوؤلين الغربيين ان همّها الوحيد هو حماية نفسها من الجهادية السنية البازغة في سوريا، والمدعومة من دول الخليج السنية؛ الا ان الخبراء يعرفون بأن نهج موسكو العسكري القصير النظر في القوقاز هو الذي اوجد الاسلامية المتطرفة المسلحة.

الأسد مثل بوتين جاءته فكرة تنظيم ما يشبه "الاستفتاء" (الذي ستليه "الانتخابات") تحت وابل القذائف والرصاص، وذلك فقط بغرض تصدير صورة "طبيعية" عن بلاده. الغربيون، بعدما صدقوا الانتخابات المزيفة التي نظمها بوتين في الشيشان، وحيوها، بدوا اقل تصديقا لمناورات الاسد.

الجيش الروسي نذر نفسه لحماية المستبد السوري. عندما بدأ يتبلور نقاش في نهاية 2011 بين دول الغرب وتركيا حول اقامة ممرات آمنة تحمي المنشقين عن الجيش السوري، قدِمت البحرية الروسية الى شواطئ سوريا في طرطوس. واكدت، بشيء من الصخب، على استمرار ارسالها السلاح الى دمشق، بما فيه الصواريخ الخارقة لجدار الصوت والطائرات المقاتلة. في اواسط شهر آذار الماضي، كانت وكالة ريا-نوفوستي" تؤكد بأن سفينة روسية راسية في طرطوس تنقل مجموعات "معادية للارهاب"... كان يُفترض بها مقاتلة القراصنة في خليج عدن...

مشروع كوفي عنان يناسب موسكو تماما. اذ حُذف منه البند الذي يتضمن سيناريو مرحلة سياسية انتقالية في سوريا. بات شعور الديكتاتور السوري بأن اي عقاب لن يطاله، وهذا يعززه تدفق السلاح والمال الروسيَين. وبذلك، فان موسكو تنسف كل العقوبات الاوروبية المفروضة على دمشق، والهادفة الى قطع الموارد عن آلة القتل السورية (...).

=================

اغسلوا أيديكم من الانقلاب العسكري السوري

وفيق السامرائي

الشرق الاوسط

22-4-2012

قرأت تقييما للسيد رفعت الأسد يستبعد فيه تمرد الجيش السوري على النظام. بينما يتحدث آخرون عن احتمالات وقوع انقلاب عسكري من داخل القصر وخارجه، لعزل الرئيس والإبقاء على ما يوصف بـ«حكم الطائفة العلوية». وهذا ديدن التفكير الأميركي، قبل أن تنتقل عدواه إلى سياسيين وإعلاميين يحاولون البحث عن إجابات. فلماذا لا يحدث هذا لينهي كل شيء في ليلة وضحاها، بأزيز الطائرات وهدير المدرعات وبث المارشات الحربية؟ وهل ابتعاد العساكر عن السياسة كان اختيارا أم فرضا؟ وكيف يصح النظر إليهم؟ هل هم مهنيون وطنيون أم أدوات بطش ومرتزقة؟

يقع الانقلاب عادة نتيجة ضعف رقابة ونفوذ الأجهزة الأمنية، أو نتيجة تفردها الأمني وقوة سيطرتها، فتقوم هي بالتخطيط والتنسيق والسيطرة والقيادة. أو أن تكون لقيادة القوات المسلحة خصوصية اعتبارية كبيرة وتفرض سيطرتها على كل المفاصل العسكرية، ولا وجود لقوات منفصلة عنها، كقوات الحرس الجمهوري والحرس الخاص وغيرهما من المسميات. أو أن يقوم قائد الحرس الخاص بالانقلاب ويتولى ترتيب السيطرة على الفروع الأخرى. وهذا لا ينطبق على الوضع السوري إطلاقا، وإن انطبق على شخص واحد أو اثنين فقط من القادة الكبار الحاليين فهما جزء أساسي من العائلة، ولا يمكنهما العمل وفق الأفكار المتداولة. والمعارضة وفق طروحاتها المعلنة لا تقبل بهما أيضا.

الأجهزة الأمنية السورية كثيرة وكبيرة ولا تخضع في المحصلة إلا لرئيس الجمهورية، حتى لو ارتبط أحدها شكليا بوزير أو قائد أو مكتب. وهي منتشرة في كل المدن بمستويات مختلفة، ولا هيمنة لجهاز على آخر، حتى لو كان أحدها أكبر قوة من الآخر كحالة طبيعية.

أما قادة الفرق والتشكيلات فمعظمهم (كما يقال) من العلويين، وإذ يشعر هؤلاء بوحدة المصير، على الرغم من الخطاب الهادئ للمجلس الوطني والجيش الحر، فهل ينتظر منهم وفق المعطيات الحالية التحرك لمصلحة المعارضة والثورة على النظام؟ خصوصا أن التمثيل العلوي في تشكيلات المعارضة لا يزال ضعيفا للغاية. ويلاحظ أن القائد الأبرز من بين السياسيين والعسكريين في الخارج، لم يحظ بتأييد يمكنه من الاضطلاع بدور قيادي يساعد في التغلب على هذا العنصر الضاغط جدا. وأقصد بذلك رفعت الأسد. وعلى قلة معلوماتنا عن المعطيات المادية عن دوره فيما حدث قبل ثلاثين عاما، فإنه لم يخرج بطروحاته المعلنة عن الاهتمامات والهواجس العربية.

إن قائدين عسكريين اثنين فقط يمكنهما التحرك للسيطرة على النظام، هما العماد آصف شوكت وماهر الأسد، ومن السذاجة تصور إقدامهما على عمل كهذا. وما عدا هذين الشخصين، فإن أي فعل سيدخل تحت باب الانشقاق والتمرد في مناطق متفرقة، ويصعب تصور حدوثه باتفاقات منسقة، إلا في حالة حصول تصدع في القوات المسلحة، أو تآكل هياكلها نتيجة اتساع الانشقاقات والتخلف عن الالتحاق بالخدمة والهروب منها.

الثورات الطويلة الأمد، أو التي تعتمد على الانشقاقات، لا يعول فيها كثيرا على الرتب الكبيرة، بل على جيل الشباب. إلا أن وجود الرتب الكبيرة يعطيها قوة دعم معنوي وقيادي، وهذا لم يسجل حتى الآن في الحالة السورية، ربما للأسباب التي أشرنا إليها. وحالة كالتي يسعى الثوار لتطويرها من جانب، مقابل حرص النظام على البقاء، فإن الصراع يتأثر بفلسفة الحركة والتأثير، ومن يستطع التأثير في الوسط التنفيذي أو (عليه) بحكم الإجراءات، يحقق عناصر نجاح في معادلات الصراع. وإذا ما جرى تقييم الموقف حتى الآن من زاوية فنية يمكن التوصل إلى نتائج تدل على أن الصراع سيكون طويلا، إن لم يقع تدخل خارجي مباشر.

من جهة المعارضين، فقد نجح المجلس الوطني بضغط (بعضه خارجي) من بلورة وجود معقول مقارنة بقوى معارضة في دول أخرى. ونجح الجيش الحر والجماعات المسلحة غير المعروفة انتماءاتها في تحقيق انتشار واسع جدا تطلب استخدام النظام للقوات المسلحة بأسلحتها الثقيلة. ومن جهة، فإن النظام أثبت أنه قادر على التماسك والمطاولة لأسباب بنيوية داخلية ودعم خارجي نادر الحدوث.

لذلك، فإن التعويل على انقلاب عسكري ليس إلا هراء. والنتائج سيحكمها الفعل الميداني، الذي قد يتحول، في حالة رجحان كفة النظام، إلى حرب غير نظامية، على غرار عمليات المقاومة العراقية بدعم خارجي سخي.

والأسابيع المقبلة ستعطي الإجابة الوافية.

=================

ما أشبه الليلة السورية بالبارحة الصربية

عيسى الشعيبي

الغد الاردنية

22-4-2012

 بتنحية بعض الجوانب الهامشية من المشهدين المتماثلين إلى درجة كبيرة، ووضع عوامل اختلاف المكان والزمان جانباً، لغايات تأطير الصورتين في برواز واحد،  بين ما جرت عليه الأزمة الصربية بنسختيها في كل من البوسنة وكوسوفا طوال عقد التسعينيات، وبين ما تجري عليه فصول الأزمة السورية المتفاقمة، فإنه يمكن القول بتحفظ ضئيل: ما أشبه الليلة السورية بالبارحة الصربية.

     في الإطار التاريخي العام، ما كان للقوميات في الاتحاد اليوغسلافي أن تشرئب بأعناقها ولا للتطلعات العرقية أن تلقي مناخاتها المواتية، إلا بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وسقوط حائط برلين، وبدء موجة كاسحة من التحولات في عموم أوروبا الشرقية، تماما على نحو ما انفجرت عليه الاحتقانات السورية المتراكمة، وعلت في إثره الأصوات المنادية بالحرية والكرامة، وصولاً إلى مطلب إسقاط النظام البوليسي، وذلك كله بعد اندلاع الربيع العربي.

     وفي الحالتين أيضاً، بدت يوغسلافيا في حينه كحالة استثنائية وحيدة على القاعدة الأوروبية في عصر ما بعد انتهاء الحرب الباردة، تنتمي إلى عالم انهار عمود الوسط في خيمته الواسعة، غير أن القومية الصربية المهيمنة راحت رغم ذلك تحاول التشبث بماضٍ مضى إلى غير رجعة، تقارف أبشع الجرائم بحق قوميات أخذت تشق عصا الطاعة، فيما بدا النظام السوري الموصوم بشبهة طائفية، يتنقب لاحقاً الدروب الصربية ذاتها، بطشاً وترويعاً لأكثرية سكانية عبرت حاجز الخوف، وتماهت مع الحالة العربية الجديدة.

     وكما وقفت روسيا قبل نحو عقدين إلى جانب صربيا داخل مجلس الأمن وخارجه، متجاهلة سلسلة متواصلة من المذابح الشنيعة والجرائم بحق شعوب تطالب بالاستقلال والحرية، عادت الدولة الكبيرة ذاتها إلى الموقف نفسه تنافح عن نظام أقلية مذهبية متحكمة بمفاتيح سلطة غاشمة وفاسدة، دون أدنى التفاتة إلى مطالب السوريين العادلة في التغيير، ولا إلى معاناتهم الرهيبة، حيث مضت إلى ما هو أبعد من تقديم الغطاء السياسي والدرع الدبلوماسي للنظام المتوحش، بتأمين الإمدادات العسكرية والخدمات اللوجستية.

 بالعودة إلى الصورتين، يمكن لكل ذي عين، أن يمر بناظريه على مشاهد تكاد تكون طبق الأصل، من تهجير وتطهير ونهب واغتصاب وحرق منازل، وتغييب قسري، ومسالخ بشرية، ومدافع تدك الأحياء وأرض محروقة، ومليشيات فاجرة لا كابح لها، وأجهزة أمنية فظة، وفوق ذلك كله طغمة عسكرية أمنية تلطخت أيديها بدماء بريئة، الأمر الذي بدا معه حي بابا عمرو الحمصي وكأنه ينسخ سيربنتشا البوسنية، ومدينة إدلب الشمالية تحاكي برشتينا الكوسوفية.

     وعلى نحو ما انتهت إليه الأزمة الصربية من معالجات جراحية قاسية خارج مجلس الأمن الدولي،  يبدو أن بشار الأسد يحث خطاه على طريق سلوبودان ميلوسفيتش ذاتها، لمواجهة المصير البائس نفسه في يوم قد لا يكون بعيداً، عندما يفقد العالم صبره، وتنضج ثمرة التدخل الخارجي التي ما تزال فجة، ويغسل كوفي أنان يديه معلناً عجز بعثته عن وقف حمام الدم.

     بكلام آخر، فإن المنطق الداخلي المغلق على ذاته للأزمة الصربية، أرسى حجارة الأساس لبنية تدخل دولي كانت مداميكه ترتفع مع مرور الوقت، وأملى في نهاية المطاف نفسه على أوروبا التي غضت البصر كثيرا، فتقدمت خلف الولايات المتحدة بعد تردد قصير، وشنت مع القطب الأوحد حربا من الجو، أفضت إلى تفكيك ما تبقى من الاتحاد اليوغسلافي، وجر قادته إلى محكمة لاهاي، وهو مسار نحسب سورية أخذت بمنطق أزمتها المغلق تدور، في المدار الصربي ذاته.

Issa.alshuibi@alghad.jo

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ