ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
خيارات السياسة
الأميركية في سوريا شهادة : تمارا كوفمان ويتس* (*) مديرة مركز صبان لسياسة
الشرق الأدنى في معهد بروكينغز.
دكتوراه في الفلسفة. هذه الترجمة خاصة بموقع مجموعة
الخدمات البحثية السيد الرئيس، السيناتور لوغار، شكراً
لدعوتكم إياي للظهور اليوم أمام
اللجنة لمناقشة الخيارات السياسية
للولايات المتحدة في سوريا. إن الهدنة المؤقتة التي تم تثبيتها قبل
أسبوع تنهار الآن، مع إشارة جماعات
حقوق الإنسان إلى موت حوالي 20 سوري كل
يوم منذ يوم الخميس الماضي. فالقوات
السورية لا تزال تواصل قصفها وترفض
الانسحاب من المناطق الحضرية، ويواجه
المراقبون الدوليون تحديات شاقة
وقاسية للبدء بعملهم على الأرض. مع ذلك
فقد كانت الهدنة عبارة عن عنصر أولي
واحد فقط من خطة كوفي أنان مبعوث الأمم
المتحدة والجامعة العربية المؤلفة من 7
نقاط. وكان الهدف النهائي البدء بعملية
سياسية تضم المعارضة وتقود إلى تغيير
ذي معنى. وبذلك، فإن الحقائق حتى الآن
لا تبشر بالخير بالنسبة لإستراتيجية
ديبلوماسية. إذا ما سعى أنان لإنهاء العنف والبدء
بتغيير سياسي، فإن ما رأيناه حتى الآن
هو تقدم مهتز نحو الأول، من دون وجود
تحرك نحو الثاني على الإطلاق. إن
الانخفاض النسبي للعنف في الأسبوع
الفائت فتح بالفعل كوة صغيرة بالنسبة
للأمم المتحدة. إذ يمكن لمسألة إدخال
المراقبين الدوليين، إذا ما استطاع
هؤلاء العمل باستقلالية ذاتية وكانت
لديهم حرية الحركة، أن تساعد على إبقاء
العنف منخفضاً ويشجع على وجود
احتجاجات سلمية متجددة. لكن ينبغي
للعالم ألا يسمح لسوريا بتضييع الوقت
بالمشاحنات والخلافات حول كل عنصر
أولي من عناصر تنفيذ الهدنة. فمن دون
بداية سريعة لعملية سياسية تقود إلى
تغيير ذي معنى وهادف ، ليس هناك طريق
أمامنا للديبلوماسية وحدها للتقليل من
المعاناة الإنسانية وتعزيز الاستقرار
الدائم لسوريا والمنطقة. مع ذلك، تظل طريق ديبلوماسية الإكراه
البديل الوحيد للتصعيد بالعنف على
الأرض الأمر الذي سيكون له عواقب
إنسانية رهيبة، وسيمثل خطر وجود دوامة
من عدم الاستقرار في البلدان المجاورة
لسوريا والمتفجرة أساساً. لذا، يبقى
الطريق المستحسن والمفضل لتحقيق الهدف
الذي تتقاسمه الأمم المتحدة مع عدد من
الحكومات، الهدف نفسه الذي عبَّر عنه
الشعب السوري بوضوح وعلة الدوام على
مدى أكثر من عام – إزالة بشار الأسد من
السلطة. ينبغي للمجتمع الدولي اليوم، إذن،
التركيز بشكل لا هوادة فيه، على إحداث
تحول سياسي وتثبيت حكومة سورية عرضة
للمحاسبة أمام شعبها. إن أي مجهود
ديبلوماسي ينبغي أن يكون مدعوماً بضغط
قاس لا هوادة فيه مركزاً، بالتساوي،
على الركائز الداعمة لنظام الأسد:
الجيش، النخبة التجارية في حلب وأماكن
أخرى، والمجتمع العلوي. إن العقوبات،
وجهود المحاسبة في مجال حقوق الإنسان،
والدعم للمعارضة السورية كلها أشكال
ضغط مفيدة، لكن بالإمكان، ويجب،
القيام بأكثر من ذلك. في النهاية،
ينبغي التخطيط والتحضير لخيارات أكثر
إكراهاً – ليس فقط في حال فشلت
الديبلوماسية، وإنما لإعطائها أفضل
فرص النجاح. يظل دور روسيا حاسماً، وقد حان الوقت
لقرار واضح. تواجه الحكومة الروسية،
التي رمت أخيراً ومتأخرة بثقلها خلف
خطة عنان، تحدياً بخصوص مصداقيتها
الدولية إذا لم تكن قادرة على استخدام
رافعتها بشكل فاعل ومؤثر لإجبار الأسد
على الحفاظ على الهدنة، للسماح
للمراقبين الدوليين بالعمل بحرية،
ولإنجاز العناصر الأخرى من الخطة، بما
في ذلك العنصر الأهم وهو السماح ببدء
حوار سياسي. يجب أن يكون واضحاً لروسيا
الآن بأن الأسد يواجه تحدياً دائماً
لحكمه الذي لم يتغير – بأنه لا يمكن
لقوات الجيش السوري سحق ، وبشكل حاسم،
سواء التمرد المسلح أم حركة التظاهرات
السلمية. لذلك فإن الوحشية المستمرة
على هذا المستوى أمر عقيم لا يمكن
تحمله على نحو متزايد، حيث إن الاقتصاد
ينهار والجيش يتعب. من الصعب، لكن ليس من المستحيل، تصور صناع
السياسة الروسية بظل هذه الظروف يسعون
لطريقة للحفاظ على علاقاتهم مع سوريا،
لكن ليس مع الأسد نفسه. ينبغي للولايات
المتحدة تركيز حوارها مع روسيا، ليس
كلمات أو أفعال محددة في نيويورك،
وإنما على تقييم واقعي يقود روسيا
أخيراً إلى الرضوخ وبذل الجهود للتحرك
باتجاه سوريا من دون الأسد. هذا التحول
سيزيد، وبشكل كبير، من الضغوط على
النظام السوري، وقد يساعد بحد ذاته على
حث فاعلين سوريين أساسيين على السعي
لإيجاد طريق للخروج، وجعل مسألة
التغيير السياسي أمراً ممكناً. ينبغي
للروس عدم إهدار وقت إضافي أو إهدار
حياة عدد أكبر من السوريين في عملية
صنع خيارهم. أما في مسألة العقوبات، فقد عملت
الولايات المتحدة مع حلفائها
وشركائها، وبنجاح، في المنطقة وفي
العالم لفرض ضغوط غير مسبوقة على
النظام السوري وعلى شخصيات ضمن هذا
النظام مسؤولين بشكل مباشر عن
انتهاكات حقوق الإنسان. هذه العقوبات
تجعل قدرة النظام على التمويل ومواصلة
قمعه وتحصين مناصريه من الأذى تتآكل
ببطء. إن " مجموعة العمل" للعقوبات
الجديدة التي اجتمعت هذا الأسبوع في
باريس طريقة جيدة للحكومات لتقاسم
المعلومات الضرورية لتحقيق أقصى حد من
تطبيق العقوبات وتأثيرها. ونظراً
للوقت، فإن هذا الضغط قد يساعد على
تآكل وحدة المناصرين والداعمين للأسد
في الجيش والنخبة التجارية في البلد،
ويمكن أن يسهل التحول الذي يخرج الأسد
من منصبه. اجراءات المحاسبة أمر هام أيضاً، لأنها
تزيد الحوافز والدوافع بالنسبة
للداعمين للنظام كي يفكوا ارتباطهم به
وينأوا بأنفسهم عن الوحشية الشديدة
الممارسة الآن على المواطنين
السوريين، وعن أولئك الذين يعطون
الأوامر بها وينفذونها. إن مبادرة
المحاسبة التي أطلقها " أصدقاء
الشعب السوري" يمكن أن توفر تأثيراً
إيجابياً أكبر، ما يعني بجهودها
لتدريب وتجهيز المواطنين لمراقبة حقوق
الإنسان تحسن أيضاً قدرتهم على
التواصل والتنظيم، مساعدين بذلك أولئك
الذين هم داخل سوريا على تعزيز كفاءتهم
وقدرتهم على الانخراط والمشاركة كجزء
من المعارضة وتشكيل مستقبل بلدهم. لكن
وبالرغم من أن كثيرين يفترضون بأن
توثيق حقوق الإنسان موجه نحو التمكين
من إحالة المتهمين إلى المحكمة
الجنائية الدولية، فإن هذه الخطوة قد
لا تكون منسجمة مع جهود سياسية تهدف
إلى إرخاء قبضة الأسد على السلطة. أما
في المرحلة الحالية، فلا معنى لتقييد
الخيارات لعملية انتقال يتم التفاوض
عليها بالمطالبة بأن يُحاكم الأسد على
جرائمه، بصرف النظر عن مدى شناعتها
التي لا شك بها. من المهم أيضاً الإدراك بأن أعمالاً
معينة، والتي قد تعتبر بمثابة زيادة
الضغط على الأسد، يمكن أن تكون في
الواقع غير مثمرة. إن الحظر الدولي على
السلاح، على سبيل المثال، قد يعتبر
خطوة تالية منطقية في فرض الهدنة
والحفاظ عليها. في كل الأحوال، إن حظر
الأسلحة لن يخفض العنف- في أفضل
الأحوال، سوف يجمد عدم التوازن العميق
الموجود في القدرات المسلحة الواضحة
حالياً على الأرض، ما يترك للحكومة
السورية مكسباً ضخماً ويحرم المتمردين
السوريين المنتشرين من الوسائل
الأساسية التي يحتاجونها لإبطاء هجمة
النظام ضد المدنيين وإدامة الضغط على
الجيش السوري. فضلاً عن ذلك، من غير
المرجح أن ينجح الحظر – حتى لو كان
بالإمكان إقناع روسيا بدعم هكذا إجراء
في مجلس الأمن الدولي، فإن من غير
المرجح، وبشدة، أن ينصاع الإيرانيون
للقرار، ما يجعل التحرك غير مثمر
كطريقة لتقييد قدرات النظام القمعية
والحد منها. ومع إمداد إيران النظام بكل حزم وإصرار،
ومع تقديم دول الخليج الأموال النقدية
لدفع رواتب جنود الجيش السوري الحر
والحديث عن مساعدات فتاكة، عسكرة
الثورة السورية تتواصل على قدم وساق.
لكن وفي حين قد تكون المعارضة المسلحة
قادرة على خوض حملة تمرد فاعلة، فمن
غير الواضح كلياً ان كانوا سيكونون
قادرين على إسقاط النظام. أما في أسوأ
الأحوال، فإن العسكرة غير المنضبطة
ستحول الثورة السورية إلى صراع أوسع
يمكن أن يجر مجاهدين ومتطرفين آخرين
على امتداد العالم الإسلامي، توفر ما
يصل إلى حدود المجالات المغرية التي لا
تسيطر عليها الحكومة لإرهابيين
ومجرمين منظمين، وتنتج لاجئين
وتأثيرات مضاعفة أخرى يمكنها أن تزعزع
استقرار العراق ، لبنان، وربما بلدان
مجاورة أخرى. إلا أن هذا الاحتمال لا ينبغي أن يمنعنا
من التفكير الواضح: لا يمكن للولايات
المتحدة وقف أو قلب عسكرة الثورة
السورية، ولا ينبغي لها أن تحاول. ما
يمكن للولايات المتحدة القيام به بشكل
مفيد هو إدارة هذه العسكرة بالعمل مع
حكومات أخرى، خاصة جيران سوريا في
المنطقة، في محاولة لتشكيل أنشطة
العناصر المسلحة على الأرض بأسلوب
يزيد أكثر الطرق فاعلية من الضغط على
النظام - لاستنزاف قدرة وإرادة الجيش
السوري على القتال، للمساعدة على حصول
عملية انتقال سياسي، وبذلك وضع حد
للعنف بالسرعة الممكنة. فمن دون تيارات
قوية يسيرها منطق استراتيجي بإضعاف
ركائز النظام، يمكن للفاعلين المحبطين
داخل وخارج المنطقة أن يقدموا الدعم
الفتاك بطرق تفاقم من التأثيرات المنتشرة وتزيد
من أضرار العسكرة التي ستصيب هدف
استعادة النظام في سوريا ما بعد الأسد.
وللقيام بذلك، على الولايات المتحدة
قيادة الاشتباك والتخطيط الدولي
الضروري لتحديد القادة والعناصر
المسلحة، وتحسين التنسيق والتواصل،
وبناء وحدات قتالية فاعلة، وتشكيل
استراتيجية تمرد فعالة. في نفس الوقت،
ستحتاج الدول المجاورة مباشرة لسوريا
لدعم إضافي في مجال الأمن الحدودي،
وإغاثة اللاجئين، ومجالات أخرى لضمان
ألا تؤدي تأثيرات العسكرة إلى زعزعة
استقرار هذه الدول أيضاً. إن العمل على
إدارة عسكرة الثورة، وتركيز تأثيرها
على نظام الأسد، واحتواء وقعها على دول
الجوار أمر حيوي للتخفيف من حدة عدم
الاستقرار الذي أطلق عنانه الأسد
باختياره إعلان الحرب على شعبه. في هذا السياق، من الحاسم تماماً أن تستمر
الولايات المتحدة وحكومات أخرى بتصعيد
دعمهم للتطور السياسي للمعارضة
السورية. إن حاجة الناشطين في المعارضة
الأكثر إلحاحاً المتعلقة بتحسين
انسجامهم الداخلي وقدرتهم على تمثيل
الشعب السوري بفاعلية ورسمياً في أية
عملية سياسية – من دون هذا الأمر، من
الصعب رؤية الكيفية التي سيقود بها
التحول السياسي سوريا إلى مستقبل أفضل
أو أكثر استقراراً. فالفئوية
والانقسام وعدم الثقة المتبادلة
الواضحة والجلية في أوساط الناشطين
السوريين امتدادات غير مفاجئة للقمع
الشديد والجمود السياسي للسياق السوري.
هذا الموروث بالإمكان تجاوزه لكن ليس
بالأمر ولا من خلال الحض، وليس بين
ليلة وضحاها. يحتاج ناشطو المعارضة السورية كي يصبحوا
قوة موحدة وأكثر فاعلية إلى التركيز
على ثلاثة أهداف أساسية: التضمين، رؤية
مشتركة للمستقبل، وتواصل دائم وثابت
مع سوريين داخل البلد وخارجه. قد
يتساءل البعض في المعارضة عن فائدة
التخطيط لمرحلة سوريا ما بعد الأسد، في
الوقت الذي يخضع فيه السوريون للهجمة
اليوم. بالواقع، إن تطوير وتسويق رؤية
لمرحلة سوريا ما بعد الأسد يثبت أن
وجود تنظيم والتزام بالتضمين
والمحاسبة الديمقراطية ربما هي
الوسيلة الأساسية التي يمكن من خلالها
للناشطين تخطي خلافاتهم الموجودة،
وحشد دعم أوسع، وتقديم شيء يتجاوز
الفئات والشخصيات. وينبغي للمجتمع
الدولي، بما فيه الولايات المتحدة،
الاستثمار بقوة في مساعدة ناشطي
المعارضة – داخل وخارج سوريا – على
التواصل والتخطيط بشكل مشترك للمستقبل.
تطرح اللحظة الحالية أسئلة تحدٍّ بالنسبة
للولايات المتحدة، ولكل تلك الحكومات
العاملة على تكوين إجماع عام في
نيويورك ومن خلال مجموعة اتصال "
أصدقاء الشعب السوري". فالأسد قد
برهن أساساً عن استعداده لاستخدام
العنف بالقدر الذي يعتبره ضرورياً
للحفاظ على نفسه في السلطة. في كل
الأحوال، إن النظام الذي ظهر قبل أشهر
قليلة مضت بأنه في مرحلة حاسمة ونقطة
اللا عودة قد يستمر، سيكون ضعيفاً لكنه
قابل للحياة. وإذا ما تراخى الضغط
الدولي، أو إذا ما فشلت المعارضة
بتقديم بديل فاعل، فإن الناخبين
الأساسيين للأسد سيتوقفون عن التفكير
بالتخلي عنه كطريقة للحفاظ على النفس.
وسيكون الأسد الضعيف أكثر اعتماداً
على إيران، وسيعاني الشعب السوري ليس
فقط من حكمه المستمر وإنما من العزلة
المستمرة والضائقة الاقتصادية إلى
جانب عدم الأمان. إذا ما فشلت خطة عنان بصنع طريق للتغيير
السياسي ، كما هو مرجح على نحو متزايد،
وإذا ما أدت الضغوط المتزايدة
المتأتية من خطوات كالعقوبات،
والعسكرة، والمعارضة الأكثر فعالية
إلى إجبار الداعمين الداخليين للنظام
السوري على إزالة الأسد والانفتاح على
المعارضة، عندها سيكون هناك نتيجتان
محتملتان: إما صراع أهلي طويل، مع كل
المخاطر المترافقة بالنسبة لدول
الجوار ولمستقبل سوريا؛ وإما الأسد
الضعيف المستمر بالحكم، إنما مع قيود
أقل على سلوكه، بما في ذلك دعمه لإيران
أو حزب الله وعدائيته تجاه جيرانه.
وإذا لم تكن أي من هذه النتائج
مستساغةللولايات المتحدة، عندها
علينا أن ننتبه ونأخذ حذرنا من الآن
لما ينبغي القيام به لمنع مرور هذه
النتائج. قد يقول البعض بأن مواصلة العمل على
مجموعة التوصيات المذكورة آنفاً يؤدي
إلى بدء "منحدر زلق" لتدخل مباشر.
أما أنا فأقول بدلاً من ذلك بأن توقع
فشل الديبلوماسية وتحضير خيارات قسرية
أكثر ليس فقط أمراً واقعياً، بل إنه
ضروري أيضاً لإحداث الضغط الذي سيعطي
الديبلوماسية أفضل فرصة للنجاح. من
الواضح تماماً بأن الأسد لا يتصرف إلا
تحت ضغط بالغ، وبأن طلب ازالته هو تحد
وجودي. إن التردد بخصوص الإجراءات
الديبلوماسية، في الوقت الذي يتم فيه
استثناء خيارات أكثر قسرية، هو الطريق
الأسرع لسياسة أميركية غير ذات صلة.
فضلاً عن ذلك، إن التشاور المبكر،
التخطيط والتحضير لخطوات أكثر قوة
سيمكن الولايات المتحدة من زيادة حد
المشاركة بالموضوع التي قد يقوم بها
آخرون أو حتى تولي القيادة في تلك
الأعمال. هذا الأمر أيضاً، سيعزز
عضلاتنا الديبلوماسية، ويزيد من
احتمال حل أسرع، أقل كلفة وأكثر ارضاء
بخصوص الأزمة السورية. ======================== أنور بن ماجد عشفي عكاظ 30-4-2012 لم تواجه ثورة من ثورات الربيع العربي
تعاطفاً دولياً مثلما واجهته الثورة
السورية، وذلك بسبب الظلم الذي وقع على
ذلك الشعب من نظامه التسلطي، حتى أنه
حرِمَ من الدفاع عن النفس، وهذا
الاهتمام يأتي بسبب الأهمية
الاستراتيجية التي تتبوؤها سوريا
والتي تشكل في موقعها القمة التي تشرف
على البحر الأبيض المتوسط، والتي تقع
في ملتقى القارات الثلاث. فالثورة في سوريا لها أبعاد مستقبلية،
فهي لا تنظر إلى الواقع الحالي فحسب،
بل إلى مستقبل الشعب السوري، والتركيز
بشكل خاص على البعد الاقتصادي، وما ذلك
إلاَّ لأن الثورة والمعارضة على قدر
كبير من الثقافة والوعي رغم
الاختلافات التي يغذيها النظام. وقد قدر لي أن أحضر بعض اللقاءات الدولية
التي ضمت بعض القيادات للثورة
والمعارضة، ولعل آخر هذه الاجتماعات
في برلين 26 إبريل الماضي الذي ترأسته
ألمانيا والإمارات العربية، وبحضور 27
دولة وثلاث منظمات عالمية، كما حضره
الوفد السوري برئاسة الدكتور أسامة
القاضي، وفريق عمله من الخبراء ورجال
الأعمال، من قِبَل المجلس الوطني
للمشاركة في إعداد الخطط الاقتصادية
لما بعد سقوط نظام الأسد، بغرض تنمية
وإنعاش الاقتصاد السوري. تبدأ الخطة حال سقوط النظام في سوريا
ولمدة ستة أشهر، وهذه تمثل المرحلة
الأولى، حيث وعدت فيها كل من بريطانيا،
والاتحاد الأوربي، والولايات
المتحدة، بتقديم الخبرات اللازمة لهذه
المرحلة، أما الخطة الثانية فسوف تغطي
سنتين، تأتي بعدها الخطة الثالثة التي
تمتد إلى خمس سنوات. وبعد اجتماع برلين الأول للمجموعة، الذي
جاء على خلفية مؤتمر اسطنبول والذي حصل
على تفويض من 83 دولة من أصدقاء الشعب
السوري ضمها المؤتمر ويعتبر هذا
المشروع في مراحله الأولى، مما يؤكد
على دعم المجتمع الدولي للثورة
السورية وبناء اقتصادها مما يعوض هذا
الشعب ما لقيه على أيدي النظام من ظلم
وقهر وقتل وتدمير، ومن أهم ما أكدته
الدراسة هو المحافظة على مؤسسات
الدولة، واستبدال بعض القيادات غير
النزيهة، وقررت الدراسة إبقاء مليون
وثلاثمائة موظف في القطاع العام في
أماكنهم دون أن يتضرروا. لقد أكد المجتمعون على أن لا يقوم الإصلاح
الاقتصادي بخلق كوارث اجتماعية، لأن
كل عامل وراءه أسرة مكونة من خمسة
أفراد، ولابد من توفير الحماية للأسر
الكريمة التي حملت على أكتافها معاناة
الثورة. إن المستقبل مشرق أمام الشعب السوري، على
الرغم من قتامة الواقع الذي يعيشه
اليوم، وكما قال إيفان ترجنيف: «إن
الشتاء يبدو ممتقعاً لوصول الربيع
الباسم». ================= د. شفيق الغبرا كاتب كويتي ينشر بترتيب مع مشروع "منبر
الحرية" الاتحاد30-4-2012 بسبب الثورة السورية والحراك الذي صنعته
يدخل ملايين السوريين حيز السياسة
بعدما كان ذلك الحق حكراً على الدولة
وحزب البعث، فمع كل يوم جديد تنضم
قطاعات أكبر من الغالبية الصامتة إلى
الثورة وذلك بهدف الإمساك بمستقبلها.
وبينما تتعالى أمواج الثورة يعجز
النظام السوري، الذي يسقط كل يوم في
الامتحان التاريخي، عن تصفيتها. إن
انتصار الثورة السورية حتمي كما أن
تحولها إلى دولة ونظام جديد مسألة وقت. لقد تفجرت ثورة لأن الشعب السوري لم يجد
في قيادة الأسد والمجموعة التي تقف
وراء قوته ما يلبي طموحاته، فالنظام
السوري الذي بدأ يدخل آفاق الغروب يعيش
في مؤخرة النظام الدولي والاقتصاد
العالمي بعد أن سلم البلاد لأقلية من
المتنفذين المعزولين عن بقية الشعب.
وبينما تقاسم النظام السوري في زمن
الرئيس حافظ الأسد بعض المنافع مع فئات
مختلفة من المجتمع في الأرياف، نجد أن
سياسات بشار الأسد الاقتصادية أدت إلى
عزل فئات واسعة من السوريين في درعا
وإدلب وريف دمشق ومدن أخرى مثل حمص
وحماة. وتمثل الثورة السورية حالة امتداد لرغبة
السوريين في العودة إلى المسرح
الإنساني والعربي، وهي في الوقت نفسه
تعبير عن سعي السوريين لبناء دولة
ديمقراطية ونامية في ظل تغير شامل في
القيم والحقوق والفكر والممارسات.
وهذا البعد في الثورات العربية، وفي
الثورة السورية بالتحديد، هو الذي
يوجه حراكها الواسع ويؤجج تفاعلاتها.
ويقف وراء الغضب السوري مجتمع يريد
إيقاف آلة القتل ضده وحماية حقوقه
وتحقيق التداول على السلطة الذي سبب
غيابه الديكتاتورية الأسدية. وفي
سوريا القادمة ستكون للكرامة
الإنسانية مكانة وللعدالة الاجتماعية
والاقتصادية موقع يضع حداً فاصلاً بين
القديم والجديد. والدولة في سورية دخلت مرحلة الفشل، فهي
متراجعة عن تأمين الكهرباء والمياه
والمدارس وكل المرافق، حتى سيارات
الدولة بدأت تنفد، بعضها يصادرها «الجيش
الحر» وبعضها تصادرها جماعات "الشبيحة"
التي أطلقها النظام وأصبحت خطراً عليه
كما هي خطر على الشعب. والدولة السورية
في حالة انهيار مما يؤكد أن النظام
يخلق لنفسه كل يوم أعداء جدداً. والأهم
في قصة انهيار النظام السوري أن
المواطنين في المدن والأحياء والقرى
الممتدة سرعان ما أنشأوا لجاناً
وانتخبوا ممثلين يعبئون فراغ الدولة
ويؤمنون الخدمات الأساسية. هكذا تبرز
من جراء انهيار النظام إمكانيات
المجتمع السوري المدني على إنتاج
مكونات دولة جديدة. ومن كان يتوقع من
بين الثوريين السوريين الذين بدأوا
الثورة أن ينهار نظام البعث المتجبر
بهذه السرعة؟ إن أكثر الثوريين
تفاؤلاً توقع أن تكون سورية آخر ثورات
الحراك العربي. وبين شعب ثائر يغير
الحقائق بشجاعة كل يوم، وبين بيئة
دولية وإقليمية تقدم اعترافاً وتنشئ
مراقبين دوليين وقرارات دولية
ومؤتمرات أصدقاء سيتحدد الوضع القادم. ================= الأزمة السورية... وحدود
مهمة «المراقبين» بوبي ماكفرسون مراسل منظمة «معهد الصحافة زمن
الحرب» في لندن ينشر بترتيب خاص مع خدمة «إم. سي. تي. إنترناشيونال» تاريخ النشر: الإثنين 30 أبريل
2012 الاتحاد يحذر عدد من الخبراء المهتمين بمتابعة
تطورات الأزمة السورية من أن بعثة
المراقبين التابعين للأمم المتحدة لن
يكون لها أي تأثير فعال في تهدئة وقع
العنف المتواصل في سوريا ما لم تزدد
أعدادها بشكل أكبر، وما لم تمُنح أيضاً
قدراً أوسع من الحرية وإمكانية التحرك
والمبادرة بحيث تستطيع أداء المهمة
الصعبة الموكلة إليها. يشار هنا إلى أن سبعة مراقبين أمميين غير
مسلحين تم نشرهم في سوريا من أجل
مراقبة سريان اتفاق وقف إطلاق النار
الذي تم الإعلان عنه في الثاني عشر من
أبريل الجاري، وأيضاً من أجل الإعداد
لوصول مجموعة أكبر من المراقبين
الدوليين يصل عدد أفرادها إلى 250
مراقباً تقريباً. غير أن أعمال العنف المحتدمة في الأزمة
السورية تواصلت على رغم الهدنة
المفترضة، في وقت يجادل فيه النشطاء
ومنظمات المساعدات الدولية بافتقار
البعثة إلى إمكانية التصرف من أجل وقف
الانتهاكات الجارية في مختلف مناطق
البلاد. وفي هذا الإطار، يقول آدم سايمونز، مدير
"المركز العالمي لمسؤولية الحماية"،
إن البعثة "في حاجة إلى أن يتم
توسيعها بسرعة من حيث الحجم والنطاق"،
محذراً من أن النزاع يمكن أن يتطور إلى
أزمة إنسانية حادة في حال لم يقم
المجتمع الدولي بشيء مما يلزم القيام
به لوقف اتجاه تصاعد الأزمة في الاتجاه
الأسوأ. وأضاف سايمونز قائلاً: "إن التاريخ لم
يكن رحيماً بخصوص طريقة الرد غير
الفعالة والمتسمة عموماً بقدر كبير من
الضعف والجمود الدولي في محنتي رواندا
والبوسنة خلال عقد التسعينيات". هذا ومن المفترض أن يتحقق المراقبون من
مدى تطبيق مخطط مؤلف من ست نقاط يقضي
بوقف أعمال العنف كان قد اقترحه كوفي
عنان، المبعوث المشترك للأمم المتحدة
والجامعة العربية إلى سوريا. ويدعو الاتفاق الأولي بين دمشق والأمم
المتحدة بشأن نشر المراقبين الحكومةَ
السورية إلى أن "تطبق على نحو مرئي"
التزامها بوقف إطلاق النار، وضمان
حرية المراقبين في التنقل إلى أي مكان
في البلاد، وأن يكون في مقدورهم التقاط
الصور واستعمال التكنولوجيا بقصد
التحقق من الالتزام بوقف إطلاق النار
من قبل جميع فرقاء الأزمة السورية. غير أن المراقبين لم يغامروا حتى الآن
بالذهاب إلى خارج ضواحي دمشق ومُنعوا
من زيارة حمص، المدينة التي تعتبر من
قبل البعض مركز الانتفاضة، حيث تواصلت
الاحتجاجات هناك على رغم القصف
المستمر والعنف الواسع الذي تمارسه
القوى التابعة للنظام ضد معارضيه. وحتى الآن، لم يتم التوصل إلى أي اتفاق
بشأن ما إن كان بالإمكان استعمال
الطائرات كجزء من بعثة المراقبين،
لتسهيل مهمتها على رغم دعوات من قبل
أمين عام الأمم المتحدة "بان كي مون"
إلى إرسال طائرات هليكوبتر من أجل
الحصول على صور أوضح للتطورات. وفي هذا السياق، اعتبر كريس دويل، مدير
"مجلس التفاهم العربي- البريطاني"،
أن حتى قوة من بضع مئات ستكون أصغر من
أن تعمل، بشكل فعال ووفق المعايير
المطلوبة لتحقيق نتائج إيجابية، في
بلد يفوق عدد سكانه 22 مليون نسمة. وعن ذلك يقول "دويل": "إن النظام
السوري هو من يتحكم في المنافذ وفي من
يدخل ومن يخرج"، مضيفاً: "في عالم
مثالي، قد تكون هذه بعثة مستقلة وشفافة
على نحو مثالي، غير أن النظام السوري
بالطبع لا يرغب في أن يكون الأمر كذلك". وتعليقاً على هذا الموضوع، يرى عقيل
هاشم، العميد الركن المتقاعد في الجيش
السوري الذي يعيش الآن في العاصمة
الفرنسية باريس والمنخرط في المعارضة،
أن بعثة المراقبين العسكريين ليست سوى
تكرار لمبادرة الجامعة العربية
الفاشلة في يناير الماضي، التي فشل
خلالها مراقبون تم إرسالهم إلى سوريا
في تهدئة الوضع، وقد استمرت أعمال
العنف قبل وبعد مجيء مراقبي الجامعة
العربية، الذين لم تحقق مهمتهم
الغايات المرجوة منها، وذلك ما أدى
بالجامعة إلى وضع حد لمهمة مراقبيها
وسحبهم من سوريا. واتهم هاشم المجتمع الدولي ب"الافتقار
إلى الحزم أو التصميم على التدخل في
سوريا"، داعيّاً الأمم المتحدة إلى
إنشاء مناطق عازلة على الحدود
السورية، بهدف تأمين حد مقبول من
الحماية للمدنيين العزل في مواجهة عنف
النظام والقوى المؤيدة له. ومضى
المعارض السوري مستطرداً ليتساءل
بمرارة: "كيف يمكن لبلدان عظيمة أن
تقبل حقيقة أن النظام يقول إنه يقبل
المخطط ولكنه يواصل قتل الناس حتى
الآن، حتى هذه اللحظة؟"، مضيفاً "إن
التدخل آتٍ، ولكن ليس قبل أن يموت 20
ألفاً أو 30 ألفاً من الناس". ومن جانبه، اعتبر رضوان زيادة، العضو في
المجلس الوطني السوري المعارض، أن
الفكرة بمجملها -فكرة إرسال مراقبين-
غير موفقة إذ قال في هذا السياق: "إنني
لا أرى أي فائدة في توسيع مهمة
المراقبين لأنها بكل بساطة لن تنجح"،
مضيفاً "ماذا عساهم يفعلون؟ لقد تم
توثيق الجرائم ضد الإنسانية جيداً
ونحن بحاجة إلى طريقة عملية لوقف أعمال
القتل". وأضاف زيادة قائلاً: "إذا ذهبتم إلى
المدن ستجدون أن الدبابات لم تبرح
أماكنها. كما أنه لم يتم الإفراج عن أي
واحد من قائمة السجناء السياسيين التي
قدمناها للأمم المتحدة. ولذلك، فإننا
نشعر بخيبة أمل كبرى!". ================= عن الحرب الأهلية
والتفخيخ والتفجير في سوريا ياسر الزعاترة الدستور 30-4-2012 تتوالى التقارير القادمة من سوريا حول
الميل للعنف وربما التطرف في أوساط
قطاع من الشباب السوري على خلفية
استمرار عمليات القتل اليومية من قبل
النظام وعدم توفر أفق واضح لإسقاطه عبر
المسار السلمي، أو حتى التعويل على
الجيش السوري الحر الذي لا يمكن القول
إنه قادر في الأفق المنظور على التصدي
لجيش النظام وأجهزة أمنه وشبيحته في ظل
دعم إيراني قوي تسليحا وتخطيطا، وفي ظل
محدودية الدعم الخارجي للخيار العسكري. بعد أكثر من 11 ألف شهيد يمكن القول إن
العودة إلى الوراء وقبول الناس بحكم
بشار الأسد صار جزءا من الماضي، في ذات
الوقت الذي يمكن القول إن الانتصار
السريع بالأدوات المتاحة ليس سهلا
بحال من الأحوال، لاسيما أن الخيار
الواضح للقوى الغربية لا زال محصورا في
استمرار الضغوط وإطالة أمد المعركة
لما يعنيه ذلك من راحة للكيان الصهيوني
الذي لا يريد حسم المعركة قبل أن ينهك
الطرفان وتغدو الحالة الجديدة في
سوريا غير قادرة على النهوض خلال عقود،
مع مساهمة ذلك في تحجيم نفوذ إيران،
وربما استهداف منشآتها النووية
استغلالا لعزلتها العربية
والإسلامية، فضلا عن حقيقة أن الجبهة
السورية المفتوحة هي جزء من لعبة
الاستنزاف للاقتصاد الإيراني المتعب
تبعا لما تدفعه طهران من كلف باهظة في
المعركة. الصحفيون الأجانب الذي يتوغلون في عمق
مناطق الثورة السورية ينقلون مثل هذه
الانطباعات شبه اليائسة في أوساط
الثوار، أعني اليأس من إمكانية
الانتصار بالأدوات المتاحة، مع يأس
مقابل من مدد خارجي يحسمها في زمن سريع. والحال أن المعركة بالنسبة لجحافل من
أولئك الشبان قد غدت معركة حياة أو
موت، لأن وقفها قبل الانتصار سيعني
نهايتهم كأناس خرجوا على النظام
وبعضهم حمل السلاح ضده، ولا مناص تبعا
لذلك من المضي فيها حتى النهاية. هنا ينهض الدين كعامل حيوي في الصراع، فمن
يحمل روحه على كفه لا يجد غير منطق
الجهاد والاستشهاد سبيلا، فيما يوفر
له خطاب الفرز المذهبي، وقبله خطاب
الخروج على حاكم مجرم ولغ في دماء
الشعب، يوفر له مددا روحيا ومعنويا
كبيرا، وربما دفعه نحو أقصى درجات
التطرف والعنف، هو الذي يشاهد ما يفعله
أزلام النظام وشبيحته بالمناطق التي
يجتاحونها، وما يرتكبونه من جرائم
تستفز المشاعر الإنسانية والدينية في
الآن نفسه. هنا يبدو السيناريو العراقي برسم
التكرار، فهؤلاء الشبان تأخذهم مشاعر
الانتقام بروحية جهادية نحو أية أعمال
تثخن في النظام وتنتقم ممن يتعاونون
معه، حتى لو كانوا من أهل السنة، فضلا
عن أن يكونوا من الطائفة العلوية
المندمجة في المعركة بكل ما أوتيت من
قوة. وكما وجد العراقيون الغاضبون من العرب
السنة في جماعة التوحيد والجهاد
بقيادة الزرقاوي (تنظيم القاعدة في
بلاد الرافدين لاحقا) ملاذا لتحقيق
مشاعر الانتقام من الأمريكان وممن
أذلوهم، وأمعنوا فيهم إقصاءً وتهميشا
بوصفهم من أزلام النظام السابق (السني
بالطبع بحسب التصنيف إياه)، سيجد بعض
الشبان السوريين في المجموعات القادمة
من الخارج ملاذا أكثر يشبع غريزة
الانتقام أكثر من حكاية الجيش السوري
الحر المفكك، والمخترق من قبل النظام. وفي ظل غياب التسليح القادر على موازنة
القوة التي يتمتع بها النظام، سيكون
مسار التفخيخ والتفجير هو المتاح،
وهنا تنهض بعض الخبرات القادمة من
الخارج والتي تلتحم بالشبان الموجودين
في الداخل والمدججين بمشاعر الغضب
والانتقام، لاسيما أولئك الذين فقدوا
أحبة لهم في المعركة. حتى الآن، يصعب القول إن المجموعات
المسلحة التي تتبنى نهج التفخيخ
والتفجير قد بدأت نشاطا قويا في الداخل
السوري (أصابع النظام تبدو واضحة في
بعض التفجيرات، أكان مباشرة أم من خلال
الاختراق)، لكن الأمر لن يتواصل على
هذه الحال، وبتدفق المزيد من الخبرات
المطلوبة من الخارج، بخاصة من العراق
ولبنان، سيتطور المشهد بالتدريج وصولا
إلى معركة طاحنة بين الطرفين لن يحكمها
العقل في كثير من الأحيان. لا شك أن الاستجابة لخطة أنان هي الأفضل
في الوقت الراهن رغم عدم توقف آلة
القتل، ومعها استمرار النشاط الشعبي
على نحو يفضح جرائم النظام أكثر فأكثر
أمام المجتمع الدولي، مع الإعداد
للمرحلة التالية عبر استمرار التسليح
والإعداد، ولن يتم ذلك من دون مدد
خارجي قوي لا بد أن تتولاه تركيا وبعض
الدول العربية المتحمسة للمعركة. من الأفضل خلال هذه المرحلة أن يبادر رجال
الثورة في الداخل إلى تشجيع الناس على
الخروج إلى الشوارع، بخاصة في المناطق
التي يتواجد فيها المراقبون، لاسيما
بعد زيادة عددهم، وذلك كي يثبتوا
للعالم أجمع أن الثورة ليست معزولة، بل
هي ثورة غالبية الشعب ضد نظام البطش
والإجرام. هي معركة طويلة وقاسية فرضت على هذا الشعب
الأبي، ولا مناص من خوضها حتى الرمق
الأخير، مع الثقة الكاملة بالانتصار
مهما طال الزمن وعظمت التضحيات. التاريخ : 30-04-2012 ================= أمريكا السنية وروسيا
الشيعية.. لماذا يلعبون بها؟ عدلي احمد عبدالباري 2012-04-29 القدس العربي زادت حدة التوتر مؤخرا بين ايران
وحلفائها من جهة ودول الخليج وحلفائها
من جهة اخرى وعلى اكثر من جبهة وطوق هذا
التوتر كثيرا أمال ثورة الشعب السوري
التي ادخلت في تجاذبات وصراعات
اقليمية سيطال تأثيرها المنطقة
والعالم بأسره.. فمع دعوة السعودية
للبحرين في الدخول في وحدة لإحتواء
ثورتها ودعوة بقية دول الخليج لهذا
الاتحاد.. تأتي دعوة ايران للعراق
للدخول في وحدة كاملة للحفاظ على
المعتقد كما صرح نائب الرئيس الايراني..
ثم قرار ايران لتحويل الجزر
الاماراتية الى عاصمة لمحافظة ايرانية..
تأتي دعوة اردوغان من قطر مهددة النظام
العراقي الذي ذهب مهرولا الى ايران
لتوحيد المواقف.. في ظل دعم تركي غير
محدود لاعداء الامس - الأكراد - لسحب
الثقة عن حكومة العراق الشيعية..
استعدادا للتغيير في العراق.. اضف
اليها قضية الهاشمي نائب الرئيس
العراقي وتصعيد الوضع في البحرين
واليمن اعتمادا على اذرع هنا وهناك الى
ارسال قوات ايرانية مجهزة باسلحة دفاع
وهجوم متطورة، وأوضاع أخرى مفخخة ربما
ستنفجر هنا وهناك.. حتى يحسم الوضع بحرب
او صفقة ستعيد تشكيل التوازنات والقوى
في المنطقة.. في وسط هذا كله يبقى الوضع
في سورية هو الموجه لبوصلة الاحداث
المتوقعة والتي ستحرق المنطقة كلها في
ظل اصرار ايران وحلفائها على عدم تنحي
الاسد مهما كان الثمن ولو احرقت سورية
بما فيها خاصة بعد دعوة فرنسا الى
ادخال سورية تحت البند السابع. ما يجري في سورية وتداخل الملفات
الطائفية والمصالح الاقليمية وربط
مصير لبنان والعراق بما ستؤول اليه
الامور في سورية سيحول الثورة والشعب
السوري الى مزاد يصبح فيه قيمة الفرد
السوري ارخص من قيمة الرصاصة التي يقتل
بها. وستزيد حدة التوتر الطائفي بين
الشيعة والسنة لتتحول الى حرب
بمستويات معينة في معظم الدول التي
توجد بها اقليلت شيعية. إن الصراع الحالي مهما ظهر بعناوين
اقليمية وسياسية فانه في الاصل صراع
مذهبي طائفي بامتياز تقف السعودية
ودول الخليج وتركيا ومن وراءهم امريكا
والتحالف الغربي من جهة وبين ايران
وسورية ومن وراءهم روسيا والصين
واذرعهم من جهة اخرى. فالى اين ستصل الامور لو انفجر الوضع قبل
حسم الملف السوري من قبل الثوار
يؤازرهم العرب والمجتمع الدولي.. هذا
مالايستطيع احد التكهن به او معرفة
نتائجه.. لكنه حتما سيكون كارثيا على
ثوراتنا وثرواتنا ومناطقنا واجيالنا
ومعتقداتنا وسنجد الطائفية تجاوزت
اقاليمنا لنجد روسيا الشيعية واوروبا
السنية. ================= الصراع على تخوم سورية:
العراق قبل لبنان؟ Mon, 30 أبريل 2012 جورج سمعان الحياة اجتماع الرئيس العراقي جلال طالباني
والزعيم الشيعي مقتدى الصدر ورئيس
اقليم كردستان مسعود بارزاني ورئيس
البرلمان أسامة النجيفي وزعيم قائمة «العراقية»
إياد علاوي في إربيل يوم السبت، قد لا
يطوي صفحة المؤتمر الوطني الموعود في
عاصمة الإقليم لحل الخلافات. بل قد
يهدد العملية السياسية برمتها في هذا
البلد. ويهيل التراب على ما بقي من «اتفاق
إربيل» الذي عقد قبل نهاية العام 2010
وسهل قيام الحكومة الحالية بعد مخاض
استمر ثمانية أشهر. الاجتماع ضم خصوم
رئيس الوزراء نوري المالكي الذي كان
حضوره سيؤشر إلى بداية تسوية لكثير من
القضايا العالقة بين الكتل...
والمكونات المذهبية والعرقية أيضاً.
من قضية نائب الرئيس طارق الهاشمي إلى
قضية تقاسم العائدات النفطية واستكمال
تنفيذ اتفاق تشكيل الوزراء. إلى ما بات
معزوفة يومية مثل: البحث في السبل
الكفيلة بتفكيك الأزمة، وتعزيز
العملية الديموقراطية وتفعيل آلياتها. باتت إربيل بعيدة كثيراً عن بغداد في
السياسة كما في الجغرافيا. ولن يكون
بمقدور مقتدى الصدر أن يتوسط. أو أن
تنجح وساطته بسهولة. عبرالعراقيون
الحدود بصراعهم. وإشراكهم الجيران في
الأزمة يعمقها ويعقدها ويضيف إليها
عناصر تزيد الانقسام والتشتت بدل
تسهيل الحلول. المالكي لم يتأخر كثيراً
في الرد. اجتاز الحدود إلى إيران التي
رأى رئيسها أحمدي نجاد أن التحالف مع
بغداد يشكل قوة لن يكون بعدها مكان في
المنطقة لأعداء البلدين. ومعروف من هم
أعداء الجمهورية الإسلامية. هم أعداء
المالكي نفسه الذين يتشكلون تباعاً،
من أهل الداخل ومن الجيران. الذين «قاطعوا»
قمة بغداد، أو لم يقيموا لها وزناً.
الذين استقبلوا الهاشمي في جولته
السعودية - القطرية - التركية. والذين
استقبلوا بارزاني في واشنطن وأنقرة،
وهو يلوح بأن استقلال كردستان «آت لا
محالة»، وأن الاستفتاء عليه «قد يجري
آخر الصيف». فيما لم يتردد رئيس
الوزراء التركي رجب طيب أردوغان من
اتهام نظيره العراقي ب «إذكاء
التوترات الطائفية والمذهبية بين
السنّة والشيعة والأكراد». لم يزر المالكي طهران لإبداء دعمه زيارة
الرئيس نجاد جزيرة أبو موسى وإذكاء غضب
الدول العربية والخليجية خصوصاً التي
أثارتها الزيارة. لم يزر المالكي طهران
للبحث في الملف النووي الإيراني. هذا
ملف إيراني بامتياز. قد يكون اكتفى
بالتفاهم على أسلوب إدراة المحادثات
التي ستستضيفها بغداد بعد أسبوعين. زار
العاصمة الإيرانية للبحث في سبل
مواجهة التكتل الجديد الذي استضافته
إربيل قبل يومين وكل الخصوم الذين
يساندون هذا التكتل... وعلى رأسهم تركيا.
فزعيم «دولة القانون» يراقب كما جميع
القادة العراقيين كيف أن الأزمة
السورية بدأت تتجاوز التخوم والحدود.
وقد يكون العراق وأزمته السياسية - قبل
لبنان وأفضل منه - ساحة مواجهة رديفة
للمواجهة الدائرة في المدن والأرياف
السورية. ويدرك وحلفاؤه في الداخل
والخارج أن سقوط النظام في دمشق سيضع
مصير العراق على المحك، ويحوله ساحة
نزال كبرى بين مشروعين في المنطقة، بين
كتلتين إقليميتين عربية وإيرانية،
وبين الغرب من جهة وروسيا وحلفائها من
جهة أخرى. العراقيون باتوا يدركون جيداً، وهم
يراقبون زعماءهم يتنقلون بين أنقرة
وطهران وعواصم أخرى، أن التوتر بين
طوائفهم ومذاهبهم ومكوناتهم، بات أكثر
فأكثر جزءاً من التوتر المتصاعد بين
تركيا وإيران. ويدفع نحو مزيد من
الاصطفاف المذهبي في الإقليم كله. من
جنوب اليمن إلى كردستان... ودول الطوق.
وهو استقطاب يتبلور دولياً أيضاً.
فبينما تحاول الولايات المتحدة
وشركاؤها الغربيون التكيف مع موجة
التغيير في العالم العربي والسير في
ركاب الحركات الإسلامية السنية،
اختارت روسيا الوقوف في الخط المواجه،
مع ما سماه بعض العرب «الهلال الشيعي»،
من إيران إلى لبنان مروراً بسورية
والعراق. وتشعر تركيا هذه الأيام، وهي تراقب
الحركة الإيرانية في جنوب اليمن
وشماله وفي البحرين ووسط بعض الكتل و»الجزر»
الخليجية وفي سورية ولبنان، بأنها قد
تخسر دورها في الشرق الأوسط، إذا تعذر
التغيير في سورية، وإذا مشى العراق في
ركاب إيران... وسورية أيضاً، كما يحدث
هذه الأيام. وهي تواجه امتحاناً قاسياً
في هذه المرحلة يشي به ارتباك أردوغان
و»تهديداته» التي يوزعها شمالاً
ويميناً. ولا تخفي أنقرة مخاوفها من
أحتمالات تقسيم سورية، أو وقوعها في
حرب أهلية وفوضى مديدتين. لأن أوضاعها
الداخلية في هذه الحال لن تكون بمنأى
عن تداعيات مثل هذا التطور والتحول
الجذري في الأزمة السورية. كما أن
دعمها الكتل السنية والكردية في
العراق يظل قاصراً عن إقامة التوازن
الفاعل لمواجهة التأثير الإيراني ما
لم يحدث التغيير المطلوب في دمشق. وتشعر تركيا هذه الأيام بأن العراق تحول
يوماً بعد يوم خصماً لها في المنطقة.
فيما تواجه سياستها في الإقليم عقبات
وحواجز بفعل التطورات في الأزمة
السورية. وتخشى أن يؤدي ذلك إلى ضرب كل
ما حققته ديبلوماسية أحمد داود أوغلو
من انجازات في السنوات الماضية. بالغت
ديبلوماسيتها في تغليب الجانب
الاقتصادي على الإيديولوجي في بناء «سياسة
صفر مشاكل» مع جيرانها. اندفعت نحو
إعادة تشكيل علاقاتها مع المحيط لدعم
موقعها وتجارتها وأهدافها السياسية
لاعباً لا بد منه في الإقليم، من
البلقان إلى وسط آسيا وحتى شمال
أفريقيا وعمق شبه الجزيرة العربية.
لكنها اكتشفت أن الإيديولوجيا في ذروة
الصراع المذهبي لها الكلمة الأولى في
تحديد مسار اللعبة في الإقليم. لذلك
تذكرت أخيراً عضويتها في «الناتو».
وسارعت إلى الاستنجاد بحضن الأطلسي من
جهة، وبالحضن السني من جهة أخرى.
اكتشفت أن لا مكان لقواسم مشتركة في
المنعطفات والتحولات الكبرى. لا مجال
للتوفيق بين العضوية في «الناتو»
والعضوية في «تحالف الممانعة» الذي
رغبت طهران في جرها إليه. أمام صدود بغداد وطهران ودمشق، قد لا يبقى
أمام أنقرة سوى أبواب كردستان العراق.
المالكي يشدد الرباط مع دولتين تخضعان
لأقسى العقوبات. بدا مقبولاً حتى الآن
أن يكيف سياسته مع سياسة إيران وسورية،
ولكن ما قد يشكل مجازفة غير محمودة
ربطه اقتصاد العراق باقتصادين
متهالكين يعانيان ما يعانيان من
الحصار، لأنه قد يعرض بلاده لضغوط
وربما عقوبات. خصوصاً إذا فشلت
المحادثات الخاصة بالملف النووي وإذا
تعثرت خطة كوفي أنان في سورية. ولكن إذا
قيض للجمهورية الإسلامية التي نجحت في
امتصاص تداعيات حربين أميركيتين على
المنطقة، أن تحكم قبضتها على العراق
ليتجاوز تحالفهما السياسة إلى النفط،
فإنها ستشكل أكبر تحد ليس للنظام
العربي فحسب بل لموقع تركيا ودورها في
الشرق الأوسط الجديد. فبعد ثلاث أو
أربع سنوات يصبح في مقدور العراق أن
يصدر نحو ستة ملايين برميل يومياً.
وإذا أضيفت هذه إلى ما تنتجه إيران،
أكبر مصدر بعد السعودية في «أوبك»،
يمكن تخيل هذه القوة النفطية وقدرتها
على المساومة وممارسة الضغوط. حتى الآن تعتمد تركيا سياسياً على ما
انتجه وينتجه «الربيع العربي»،
ونفطياً على روسيا وإيران. فهل تجازف
في هدم الجسور مع بغداد وطهران معاً
بالتوجه نحو كردستان، سياسياً
ونفطياً؟ معروف أن ثمة خلافاً على
قانون النفط وتوزيع العائدات. بين
حكومتي المالكي وكردستان. وأن الأكراد
ذهبوا بعيداً في بناء سياسة نفطية
مستقلة عملوا عليها من سنوات. إلا أن
مشكلتهم الكبرى هي حاجتهم الدائمة إلى
موافقة بغداد على شبكاتهم وأذون
التصدير عبر هذه الشبكة. ومعروف أن
بارزاني فضل قبل سنتين التحالف مع
الكتل الشيعية التي لم تكن بدورها ترغب
في التجديد لولاية ثانية للمالكي،
لكنها بالتأكيد لم تكن لترغب في منح
كرسي رئاسة الوزارة لإياد علاوي
لأسباب كثيرة ومعروفة، وجوهرها أن تظل
«شرعية» قيادة البلاد في البيت الشيعي.
لكن جنوح زعيم «دولة القانون» إلى
ترسيخ مركزية سياسية وعسكرية
واقتصادية أثار مخاوف الكرد الذين لا
تزال ذاكرتهم حية بكل الصور المؤلمة من
السياسات المركزية وطغيانها. فضلاً عن
أن رئيس كردستان وجدها ربما فرصة
للإفادة من تفكك المنطقة من أجل تحقيق
مزيد من التقدم للقضية الكردية... نحو
مزيد من الاستقلال. والسؤال هل تذهب تركيا بعيداً في تحالفها
مع بارزاني؟ هل تؤيد قيام كيان كردي
مستقل إذا كان هذا الكيان يساعدها على
تفكيك حزب العمال الكردستاني في إطار
صفقة أو مقايضة؟ وهل يساعدها هذا على
كبح طموحات أكراد سورية الذين لم
ينخرطوا في الحراك الداخلي، وهم
يريدون الاعتراف بحقهم في إقامة كيان
قد يتجاوز الحكم الذاتي إذا انهارت
سلطة دمشق، علماً أنهم كانوا الحاضن
الفعلي لحزب العمال وخزانه البشري
سياسياً وقتالياً؟ وهل تخوض مع
بارزاني معركة مرحلية للحؤول دون
إمساك إيران بالورقة العراقية فقط؟ أو
هل تستطيع الانقلاب على سياستها
القديمة حيال القضية الكردية التي
كانت دافعاً وراء تقاربها مع سورية
وإيران لكبح طموحات الكرد، وضمان
حماية وحدتها واستقرارها؟ ================= Mon, 30 أبريل 2012 غسان شربل الحياة جاء كوفي أنان متأخراً. يمكن القول انه
تأخر كثيراً. كم كان افضل لو اطل قبل
عام. ربما كان يمكن وقف النار. وسحب
الآليات الثقيلة والقوات من المراكز
السكنية. وربما كان يمكن اطلاق
المعتقلين. والسماح للصحافة الاجنبية
بالتجوال. وبدء حوار حول الاصلاحات
وعلى قاعدة شيء من التغيير والكثير من
الاستمرار. قبل عام كان عدد الجنازات اقل. من
المدنيين والعسكريين. وكذلك عدد
المعتقلين. وعدد المدن والبلدات
المنكوبة. وعدد «اصدقاء سورية». وعدد «العصابات
المسلحة». وعدد السفارات المهجورة.
وعدد العقوبات العربية والغربية. قبل عام ربما كان يمكن الخروج من النفق.
بمعاقبة ضابط من هنا وضابط من هناك.
وإحالة حزب البعث على التقاعد ومن دون
ان يطالب احد ب «اجتثاثه» على غرار ما
تعرض له شقيقه العراقي. وكان يمكن إسناد رئاسة الحكومة الى شخصية
مستقلة لم تنتجها مطابخ الحزب والامن.
وكان يمكن ايضاً ترتيب عملية هادئة
لتقليم وطأة الاجهزة وتفادي هذه
المشاهد المروعة على الشاشات. فقبل عام
كان سقف مطالب المعارضة منخفضاً وربما
كان يمكن احتواء الحريق قبل انتشاره. أعيد قراءة خطة انان فيلازمني شعور بأنه
تأخر كثيراً. قد تندم موسكو لاحقاً على
قلة حصافتها. لو ساهمت في بلورة صيغة من
هذا النوع لجنّبت النظام السوري وضعه
الحالي وتجنبت وضعها الحالي. من المبكر
القول إن موسكو نجحت في توظيف الأزمة
السورية للتذكير بمصالحها ومواقعها
ودورها. اعتقد ان واشنطن تشعر
بالارتياح لرؤية روسيا تصطدم بمشاعر
الغالبية العربية والاسلامية كما هو
الحال بالنسبة الى ايران و «حزب الله».
هناك من يرى ان رغبة روسيا في الخروج من
هذا الوضع دفعتها الى تأييد خطة انان. خطة انان ليست اصلاً خبراً ساراً للنظام
السوري وإن كان اطلاقها يؤكد عدم وجود
برنامج لتدخل عسكري تحت قبعة الأمم
المتحدة او قبعة الأطلسي. لكن الخطة في
حد ذاتها وبالإجماع الدولي تعني وضع
سورية قيد الرقابة الدولية. وتعني ان
الاطراف التي تدعمها لا تأخذ بالرواية
الرسمية السورية التي تعتبر ما يجري
مواجهة بين قوات حفظ النظام و «مجموعات
ارهابية مسلحة» تحركها اجندة خارجية. جاءت خطة انان متأخرة وبعدما ذهبت كل
الاطراف بعيداً في هذه الازمة. اقصد
بالاطراف السلطة والمعارضة وكذلك
القوى الاقليمية البارزة ومعها الدول
الكبرى. ما كان ممكناً قبل عام يبدو شبه
مستحيل اليوم. تراجعت القدرة على
التنازل بعد الثمن الباهظ إبان الفترة
الماضية. ألحقت المواجهات ضرراً
فادحاً برصيد النظام ورموزه ومؤسساته
خصوصاً الجيش. ألحقت ايضاً ضرراً
فادحاً بالعلاقات بين المكونات. وواضح
انه صار من الصعب على كل من النظام
والمعارضة التراجع بعد سقوط عشرة آلاف
قتيل وتهجير مئات الآلاف. تأخر كوفي انان. مطالب خطته اكبر من قدرة
النظام على التجاوب معها. يصعب على
السلطة وقف النار وسحب آلياتها اذا كان
ذلك يعني عودة المحتجين الى احتلال
الساحات. اطلاق النار حصل اصلاً لمنع
قيام بنغازي سورية ولمنع المليونيات.
ثم كيف يطلق النظام المعتقلين ولا تزال
المعارضة قادرة على التظاهر. وكيف يمكن
النظام بعد كل الذي حصل ان يوافق على حق
التظاهر السلمي وأن يتيح للصحافة
الخارجية المستقلة توثيق الاحداث
والروايات. ثم ان المعارضة تعتبر ان اي
حوار مع النظام يجب ان ينحصر بشروط
المرحلة الانتقالية. وهذا يعني ببساطة
ان خطة انان تطالب النظام بقبول كل ما
كان يرفضه. تطالب النظام بالموافقة على
تفكيك تدرجي للنظام. واضح ان انان جاء
بعد فوات الأوان. لا احد يملك حلاً.
لهذا رفع الجميع لافتة انان. ومع ذلك
فإن مهمته شديدة الاهمية والخطورة لأن
ما بعد انان لا يشبه ما قبل انان. ================= «الحكم المدني» في
مجتمعات تبتعد عن المدنية «في تلك اللحظة عندما سوّر شخص
أرضا ادعاها لنفسه، ووجد حوله أناسا
سذجا صدقوه، بات ذلك الشخص المؤسس
الحقيقي للمجتمع المدني» (جان جاك روسو) أياد ابو شقرا الشرق الاوسط 30-4-2012 عندما هبت رياح الشتاء مبشرة بما لقبه بعض
العالم «الربيع العربي»، ارتفعت أصوات
في تونس ومصر وليبيا واليمن.. وكذلك في
البحرين وسوريا تدعي أن هدفها «الحكم
المدني». القصد كما فهمه كثيرون هو الاستعاضة عن
الأنظمة العائلية التوريثية الفاسدة،
المستندة إلى دعم الأجهزة الأمنية
وعضلات الجيش، والتي تزعم أنها تحكم
بشرعية «الثورية» و«العروبة» و«الحكم
الجمهوري»... ببديل «الحكم المدني» أو «النظام
المدني». يومذاك، في مهب فورة العواطف والفرحة
الغامرة بسقوط «حاجز الخوف» بعد عقود
ثقيلة من التدجين والإذلال، ما كان
هناك الوقت الكافي عند المواطنين
للتساؤل عن طبيعة البديل الموعود. كان
الكل سعيدا بأنه اكتشف أنه له حناجر
تهتف، وإرادة تتحدى السلطة، وحرية
منعشة مستعادة بعد طول استلاب. إلا أن فورة العواطف، بطبيعة الحال، لم
تطُل كثيرا. فبعد سقوط الحكمين التونسي
والمصري بسرعة نتيجة حسم الجيش في
البلدين موقفه، عالج العقيد معمر
القذافي انتفاضة الليبيين بأسلوب أرعن..
غافلا عن أن عزلته ونفط بلاده أكثر من
كافيين لتبرير التدخل العسكري الأجنبي
لإطاحته. وبالغ الرئيس اليمني السابق
علي عبد الله صالح في مناورته لتأجيل
السقوط، فكاد يفقد حياته في هجوم
المسجد الرئاسي قبل أن تتضافر الجهود
الإقليمية والدولية لتأمين انتقال
مرحلي للسلطة، من دون حل حقيقي لأزمة
كيان وضعته رئاسة صالح المتطاولة
بالتفتت... وهو خطر ما زال جاثما على
ربوع اليمن الذي كان «سعيدا» في يوم من
الأيام! ومن ثَم، مع استمرار المأزق البحريني
بمواكبة «الحالة الإيرانية»
المتمادية في توسعها عبر المشرق
العربي، من اليمن جنوبا إلى بلاد الشام
والعراق شمالا، بل حتى المغرب العربي
غربا، تدخل سوريا منذ أكثر من 12 شهرا (بمباركة
إسرائيلية - أميركية) مرحلة الحرب
الأهلية المفتوحة. عبارة «الحكم المدني» بالنسبة للبعض كانت
توحي بأنه البديل لحكم الأجهزة
الأمنية كحال تونس، وحكم الجيش كحال
مصر – حيث تولى العسكر السلطة الفعلية
منذ 1952 واعتمدت المحاكم العسكرية حتى
في محاكمة المدنيين – وحكم الأجهزة
الأمنية والجيش والعصبية الفئوية (القبلية)
معا كحال اليمن. في حالة البحرين طرحت المعارضة – غير
المنزهة ببعض فصائلها عن الطائفية
والولاء الإقليمي – شعار «الحكم
المدني» للتخلص من نمط «الحكم الأبوي»
التقليدي الذي أبطأ في التنبه إلى عنصر
الاستعجال في «المشروع الإيراني». أما
في سوريا، فقد تضافرت كل العوامل
المشار إليها سابقا... أي الجيش والأمن
والعصبية الفئوية (الطائفية هذه المرة)
والعائلية التي مارست التوريث فعلا،
مضافا إليها «المشروع الإيراني». معلوم أن إيران – الملالي «دولة دينية»
يحكمها فعليا «الولي الفقيه» بدعم «الباسدران»
(الحرس الثوري) و«الباسيج» (الميليشيا
الشعبية). وهذا يعني أننا لا نتكلم عن
أي صورة من صور «الحكم المدني». في حين
أن إسرائيل، القطب الإقليمي الثاني في
منطقة الشرق الأوسط، «دولة يهودية» لم
تطمئن إلا إلى انتخاب قيادات تقلدت
مناصب «عسكرية» في الجيش – الهاغاناه
سابقا – أو «ميليشياوية» في
الميليشيات الحزبية المتعددة إبان
مرحلة التأسيس وما بعدها ك«الإرغون» و«شتيرن»
وغيرهما. وحتى بنيامين نتنياهو بدأ
صعوده السياسي لأنه شقيق «يوني»
الضابط الشاب الذي قتل في عملية عنتيبي
عام 1976، وبالتالي، فنحن هنا أيضا مع
حكم بعيد جدا عن مفهوم «الحكم المدني»
الحقيقي. وهنا نصل إلى القوى التي استفادت حتى الآن
من «الربيع العربي»... في تونس ومصر انتصرت القوى الإسلامية –
بصرف النظر عن نسبة تشددها أو
اعتدالها، ونسبة أصواتها – في أول
انتخابات حرة أجريت بعد التغيير في
البلدين. وفي ليبيا بدا جليا من أول خطاب بائس
ألقاه السيد مصطفى عبد الجليل، رئيس
المجلس الانتقالي، في بنغازي خلال
احتفال انتصار الثورة الليبية، أن
التيار الإسلامي المتشدد بات قوة يحسب
حسابها في هرم السلطة. وفي سوريا، يظهر أن النظام يدفع عبر قمعه
الدموي وخطابه السياسي المكابر
الأمور، من حيث يدري ولا يدري، نحو منح
الإسلاميين المتشددين «شرف» أن يكونوا
القوة الوحيدة القادرة شعبيا وميدانيا
على إطاحته. لقد هربت بعض القيادات الإسلامية الطامحة
إلى السلطة في دول «الربيع العربي»،
عمدا، إلى اعتماد مصطلح «الحكم المدني»
لأنه في المقام الأول مصطلح مناسب... لا
يشير من قريب أو بعيد إلى العلمانية.
وهذه القيادات مرتاحة جدا لغموض هذا
المصطلح وضبابيته، وهذا مع إدراكها
أنها تتحرك في مجتمعات تبتعد أكثر
فأكثر عن احترام روح المواطنة
والمؤسسات المدنية. وفي المقام
الثاني، يكسبها بعض الصدقية في واشنطن...
الشغوفة بالشعارات الكبيرة التي لا
تعني شيئا على الأرض. لقد عشنا مع «عراق ما بعد صدام حسين» أول
نموذج إقليمي ساهمت في إنضاج ظروف
قيامه إيران والولايات المتحدة – عبر
اللوبي الإسرائيلي في «البنتاغون» –
والنتيجة التي نرى أبعد ما تكون عن حلم
«الحكم المدني». والشيء نفسه تقريبا
يصدق على لبنان؛ حيث «تتعايش» طهران مع
واشنطن. فالطائفية المتوحشة حاضرة،
والسيادة الحقيقية مغيبة، والتفاهم
الداخلي مفقود كي لا نقول معدوم، ووحدة
البلاد المهددة جديا... رهين للحسابات
الإقليمية التي أضحت كلها تقريبا خارج
إرادة العراقيين واللبنانيين. هذا «سيناريو» غير مطمئن إطلاقا لسوريا؛
حيث توحي الأمور بوجود نية عند القوى
الدولية الفاعلة لدفعها دفعا باتجاه «الدولة
الفاشلة» وصولا إلى التقسيم الفعلي..
وهذا طبعا ما لم تقرر كل من إسرائيل
وإيران كسب تركيا أيضا إلى تفاهمهما
الاستراتيجي الضمني. وفي هذا المجال
ينبغي التوقف مطولا أمام المواقف
العلنية اللافتة من قيادات أمنية
إسرائيلية – تكررت خلال الأسبوعين
الأخيرين –تشكك في جدية التهديد
النووي الإيراني لإسرائيل. وهذا مسعى
قد يكون القصد منه سحب أي مبرر أميركي
للتصعيد ضد طهران. واستطرادا، التمهيد
للتعايش الإيجابي مع إيران «شريكة»
إقليمية مقبولة في مواجهة «السنية
الأصولية» المستقوية بالنزعة
الجهادية. أيضا هذا «السيناريو» مقلق جدا في موضوع
مصر، حيث يجرف انفلات الشارع العقول
المسؤولة خارج حلبة التقرير، تاركا
اللعبة السياسة محصورة بين «العسكر»
المرفوض شعبيا و«الإسلام السياسي»
القاصر عن استيعاب تبعات المحافظة على
الوحدة الوطنية ودولة المؤسسات
والالتزامات الدولية. وكذلك مقلق في
موضوع اليمن، حيث من يشك اليوم جديا
بإمكانية المحافظة على أي شكل من أشكال
المجتمع المدني في البلاد.. الممزقة
الأوصال والمشتتة الولاءات والهزيلة
القيادة. ذات يوم قال الرئيس الأميركي باراك
أوباما «لسنا في صدد رعاية حرب أهلية». أغلب الظن أنه لم يكن يقصد بكلامه
السياسات المشبوهة لإدارته في المنطقة
العربية، وبالذات في سوريا. ================= فؤاد مطر الشرق الاوسط 30-4-2012 لم يجد شكري القوتلي رمز سوريا المستقلة،
الذي انقلب عهده بفعل حركة قادها
الزعيم حسني الزعيم، ملاذا حنونا عليه
مثل بيروت التي شاءت الأقدار أن تفيض
روحه فيها يوم 30 يونيو (حزيران) 1967 عن 76
سنة. وكانت الغصة الناشئة عن هزيمة
صديقه وحليفه جمال عبد الناصر سببا
مضافا إلى الوضع الصحي الذي يعيشه. كما
أن رمز وصول البعث إلى الحكم في سوريا
ميشيل عفلق لم يجد الملاذ الحنون عليه
مثل بيروت التي أمنته من إخافة الرئيس
حافظ الأسد له. وكانت بيروت غير
المتسلط عليها الواحة لأي سياسي سوري
يرى فيها الملاذ الآمن له أو لأفراد
عائلته. كما أن هذه العاصمة الصغيرة
حجما الكبرى من حيث الدور المتفوقة في
كل ما يخص الطبابة والدراسة والنشر،
كانت تلبي ما يرنو إليه أصحاب تجربة
سياسية جار عليهم الزمن فتساقطوا أو
أسقطوا بفعل الانقلابات العسكرية
المتلاحقة، من نشر مذكرات لهم يهدفون
منها إلى إنصاف تجربتهم على نحو ما حصل
بالنسبة إلى رئيس الحكومة السورية
خالد العظم الذي سقط مضرجا باتهامات
وجهها إليه الزعيم حسني الزعيم الذي
استقالوه كما استقالهم شكري القوتلي
أول رئيس للدولة السورية المستقلة
مدشنا بإقالة الاثنين بداية حقبة
الانقلابات العسكرية السهلة الحدوث،
وكان أكثرها سهولة ذلك الانقلاب على
دولة الوحدة السورية - المصرية والتسبب
لزعامة جمال عبد الناصر بصدمة اكتملت
فصولها بصدمة هزيمة الخامس من يونيو
1967. وعلى نحو ما رواه خالد العظم في مذكراته،
التي لولا المنارة الثقافية بيروت لما
كان لهذه المذكرات أن تبصر النور، فإن
الذي حصل له وللرئيس شكري القوتلي
بانقلاب عسكري قاده الزعيم حسني
الزعيم، كان بفعل فاعل أجنبي استغل
الظروف الداخلية المرتبكة والتي تشبه
في بعض جوانبها ما يحصل منذ سنتين في
العراق والسودان ولبنان وفلسطين
والأردن وبدأ يشق طريقه في سوريا. ويروي خالد العظم الوقائع التي سبقت
الانقلاب العسكري الأول في سوريا يوم
الأربعاء 30 مارس (آذار) 1949، بصيغة
الاتهام دفاعا عن الذات السياسية. وفي
هذا الصدد يتهم حسني الزعيم بأنه «رجل
أحمق متهور»، ثم يضيف «إن الحركة
الطائشة التي قام بها هي لحماية نفسه
من العزلة والإحالة إلى المحاكمة
بتهمة الاشتراك في صفقات مريبة وخاسرة
تعاقدت عليها مصلحة التموين في الجيش
مع بعض الملتزمين الذين قدموا بضاعة
فاسدة وقبضوا ثمنها مضاعفا». أما روايته عن اكتشاف أمر الصفقات
فيوجزها بالقول إنه دعا رئيس
الجمهورية شكري القوتلي إلى حضور «تجربة
الأسلحة والذخائر التي اشتريناها
حديثا»، وتبين أن المدافع غير صالحة
والذخيرة فاسدة وأن الرئيس القوتلي
توجه إلى مستودعات الجيش وكانت
السيارة التي تقل الزعيم تسير وراء
سيارته. ويضيف: «دخلنا أحد العنابر
وبدأ الرئيس يتجول بين أكياس وصناديق
يسأل عن محتويات كل منها، وكانت
الفاصوليا اليابسة تتكدس إلى جانب قمر
الدين والزيت. وكان الرئيس القوتلي
يتظاهر بالارتياح كلما شاهدنا نوعا من
الأنواع، حتى وصلنا إلى مجموعة من
التنكات المعبأة سمنا فطلب فتح إحداها
ففتحت وإذ بنا نشاهد لون السمن أقرب
إلى السواد، فأظهرنا استغرابنا. ونظرت
إلى حسني الزعيم فرأيته ممتقع اللون
بادي الاضطراب. وطلب الرئيس من أمين
المستودع أن يحضر (وابور كاز) ومقلاة
وبيضا، ففعل ووضعت قطعة من السمن ضمن
المقلاة فلما حميت تصاعدت منها رائحة
كريهة حتى أننا اضطررنا إلى سد أنوفنا
بمحارمنا. وكان حسني الزعيم يزداد
اضطرابا وامتعاضا. وطلب الرئيس أن تحمل
تنكة السمن إلى سيارته ليأخذها معه
لفحصها، ثم برحنا المكان..». بقية الواقعة أن حسني الزعيم إزاء هذا
الذي حدث وانكشاف أمر الفساد سلاحا
وذخيرة وسمنا، وجد نفسه موضع مساءلات
في مجلس النواب، فاستبق ما قد يحدث من
إعفاء له من منصبه وكذلك بالنسبة إلى
ضباط آخرين فأعد مذكرة تحمل تواقيع
كبار الضباط تطلب من الرئيس القوتلي
تحقيق مطالبها، وأبرز هذه المطالب عدم
بحث الأمور العسكرية في جلسات
برلمانية علنية، وخصوصا بعد اتهام ب«الخيانة
والتآمر على سلامة الدولة» وجهه
النائب فيصل العسلي إلى قائد الجيش
حسني الزعيم. حول الذي حدث بعد الانقلاب العسكري الأول
في سوريا وما تبعه من انقلابات لاحقة
يروي لنا المعايشون لنصف قرن من
الأحوال السياسية العربية الكثير من
الوقائع التي تعكس حقيقة أساسية، وهي
أن سوريا محكومة بعقلية أمنية منذ
إسقاط الجمهورية الأولى وتشتيت رموز
العمل السياسي، وأنه إذا كتب
للانتفاضة الراهنة المزيد من الصمود،
فإن الجمهورية الثانية ستنقل سوريا من
نظام العقلية الأمنية إلى النظام
التعددي والذي يمارس الجيش فيه دوره
كمؤسسة عسكرية واجبها حماية الحدود
وليس مطاردة الناس في الشوارع لأنهم
ينادون في مظاهرات بمطالب وقفت
العقلية الأمنية دون تنفيذها. ومن المؤكد في حال حدوث ولادة الجمهورية
الثانية في سوريا أن تصبح حال العلاقة
السورية - اللبنانية على درجة من الود
المتبادل بين شعبين، فلا يعود لبنان
إلى الاستهداف الذي هو عليه الآن وحتى
إشعار آخر من التطلعات السورية، وإنما
يكون المتآلف رسميا وشعبيا مع الدولة
الجارة التي قررت إسقاط الورقة الأكثر
حساسية من كتاب العلاقات، وهي الورقة
التي طالما أصرت العقلية الأمنية على
التمسك بها، وهي الاستقواء بلبنان
الدولة على لبنان الشعب. وفي هذه الحال تستقيم الأمور الملتبسة
ويرى الرئيس بشار الأسد أن لبنان الذي
احتضن ومن دون حساسيات الزعيم السني
شكري بن محمود بن عبد الغني القوتلي،
واحتضن ومن دون حساسيات أيضا كبير «البعث»
ميشيل عفلق، وبينهما العشرات من
القياديين والسياسيين والعسكريين
السوريين المتباعدين أو المطاردين من
حكومات أمنية تعاقبت على سوريا، يحتضن
بترحاب آخر الرؤساء المحكومين بطقوس
أمنية، أي الرئيس بشار بن حافظ بن علي
بن سليمان الأسد. وأي خيار غير هذا الذي
نشير إليه سيبقى رهانا على المجهول..
الذي لا نريده مأساويا. ================ الراية 30-4-2012 بقلم :جهاد فاضل (كاتب لبناني) لم يسبق لثورة في
التاريخ الحديث أن بدت موحّدة متجانسة
في الداخل، ومتشرذمة ومنقسمة قيادتها
في الخارج كالثورة المشتعلة في سوريا
منذ أكثر من سنة، فثوار الداخل رفعوا
ويرفعون على الدوام شعارات الوحدة (واحد
واحد واحد/ الشعب السوري واحد) في حين
تتناسل تنظيمات الخارج كل يوم،
وتثبعّض، وكأن الصراع الدائر هو صراع
حول مغانم السلطة بعد نجاح الثورة وكأن
كل واحد من هؤلاء المعارضين في الخارج
يريد منذ الساعة أن يحجز مقعدًا له في
الحكومة السورية الآتية، وقد بدأ هذا
بالفعل عندما أعلن نجل معروف
الدواليبي، آخر رئيس حكومة سورية قبل
وصول آل الأسد إلى السلطة تأليف حكومة
سورية في المنفى برئاسته، سائرًا في
ذلك على غرار أبناء وأحفاد آخر ملوك
على رومانيا وبلغاريا وسواهما ممن
أسقطهم النظام الشيوعي فعادوا بعد
زوال هذا النظام يطالبون بعروش آبائهم
وأجدادهم، ويبدو أن قرابةً ما كانت
منعقدة بين معروف الدواليبي والأنظمة
الشيوعية، ذلك أنه على الرغم من
الإسلامية التي كانت تميزه، فقد رفع
لحكومته يومها شعارًا طريفًا هو: «شراب
ماركسي في كأس محمدي» ولكن الضابط
الانقلابي حافظ الأسد لم يمهله،
فعاجله بكأس أمرّ من الحنظل وأقرب إلى
كأس المنون، إلى أن وجد معروف
الدواليبي نفسه لاجئًا في المملكة
العربية السعودية. ولعلّها المرة الأولى في التاريخ أيضًا
يُلهم ثوار الداخل قيادات الخارج ولا
تقدّم هذه القيادات شيئًا يذكر
للداخل، أو لا تقدّم شيئًا على
الإطلاق، وهذا من أغرب ما تقع عليه عين
المراقب، كل ما في الأمر أن هؤلاء
المعارضين في الخارج يُطلّون بين وقت
وآخر على هذه الفضائية أو تلك وُيبدون
رأيًا في هذه المسألة وسواها، لا يخرج
عما بإمكان أي صحفي مبتدئ أن يأتي
بمثله أو بما هو أفضل منه، ومع الإشارة
إلى أن نقطة دم واحدة يبذلها ثائر في
الداخل السوري هي أهم وأبقى في حسابات
الضمائر والمكارم من كل هذا الكلام
الفضائي الذي لا يقدّم ولا يؤخر
والصادر بلا انقطاع من هؤلاء
المتشرذمين الذين لا يضعون المصالح
العليا لشعبهم فوق مصالحهم الشخصية. على أن أهم ما في الثورة السورية التي
تنمو وتتعاظم وتكبر مع الوقت وكأنها
قامت قبل أيام قليلة، هو نسبة الوعي
العالية التي يلحظها فيها كل من يراقب
الشعارات التي يرفعها الثوار، ففي
غمار المظاهرات الصاخبة التي تشهدها
مدن وقرى وأرياف، يظهر فجأة شعار بيد
أحد الثائرين مكتوب في الأعم الأغلب
بخط اليد يقول: "المؤامرة بدأت قبل43عاما"
أو شعار آخر من نوع: "سوريا الممثلة"
أو "درعا المحتلة" أو "بشعار
حافظ إسرائيل" أو "إلى الجولان لا
إلى إدلب" ومن آخر الشعارات التي
ظهرت حديثًا في إحدى المظاهرات شعار
يقول: "هناك نقص في الكافيار في قصور
آل الأسد وهذا ما يؤسف له"!. الأكيد أن هذه الشعارات أبدعتها مخيلة
هؤلاء الثوار، ولم ترِدهم لا من هذا
التنظيم المعارض في الخارج، ولا من
ذاك، إنها من وحي معاناة شعب عظيم مضى
عليه في السجن السوري الكبير الذي سجنه
فيه آل الأسد ما يقرب من نصف قرن وهو
يفتقر إلى أبسط مقومات الكرامة
الإنسانية، ومقومات المواطنة قبل كل
شيء، كما هي رد مباشر على مزاعم النظام
الحاكم وأراجيفه، ولأن هذا النظام
كرّر كثيرًا أن ما يجري في سوريا هو "مؤامرة
خارجية" على سوريا، ردّ هؤلاء
الثائرون بأن المؤامرة على سوريا بدأت
لا اليوم، بل قبل 43 عامًا عندما وصل
حافظ الأسد إلى السلطة نتيجة مؤامرة
خارجية كان ركناها الأساسيان: أمريكا
وإسرائيل، فما يجري إذن إنما هو في
واقع أمره ثورة هدفها الإطاحة بهذه
المؤامرة والتخلص من آثارها وإعادة
سوريا من حالة الاغتراب عن النفس إلى
حالة المصالحة مع الذات والالتحاق
بركب العروبة التي كانت سوريا قلبها
النابض، عندما كان "عز الشرق
أوّلُهُ دمشق" كما يقول أمير
الشعراء شوقي في قصيدته الشهيرة عن
الثورة السورية بوجه فرنسا في
العشرينيات من القرن الماضي. ولا يقلّ شعار "سوريا المحتلة"
توفيقًا عن شعار "المؤامرة بدأت قبل
43 عاماً". سوريا المحتلة شعار مهذّب
يوحي ويومئ ولا يصرّح بالحقيقة المرة
كاملةً، هو لا يقول إن العلويين يحتلون
سوريا ويقاتلون شعبها السنّي المسلم،
أو أن الجيش المفترض أن يكون جيش سوريا
الوطني هو جيش هؤلاء العلويين، وإنما
يكتفي بالقول إن سوريا واقعة تحت
الاحتلال، والواقع أن شعار "سوريا
محتلة" شعار صحيح بنسبة مئة بالمئة،
فمن يحكم سوريا هم العلويون، والجيش
السوري هو بإمرة هؤلاء العلويين وتحت
سيطرتهم وسلطتهم، العلويون سيطروا على
هذا الجيش منذ سنوات طويلة وباتت
الأكثرية المطلقة من ضباطه وجنوده من
الطائفة العلوية، وقد روعي في تشكيل
هذا الجيش أن يكون جيشًا مذهبيًا
خالصًا تقريبًا، وأن يكون أكثر سلاحه
لا للقتال ضد عدو خارجي، وإنما ضد عدو
داخلي هم المسلمون السنة، وتقول
المعلومات الدقيقة عن عتاد هذا الجيش
أن80 بالمائة منها عبارة عن سلاح للقمع
الداخلي . فهل سوريا "البعث" تأسيسًا على ما
تقدّم، محتلة أم غير محتلة؟. ومع ذلك ورغم الآلام والجراح والعذابات
التي سبّبها هذا النظام للشعب، فإن
أحدًا من هؤلاء الثائرين المجهولين
الشرفاء لم يصرخ مرة صرخة طائفية أو
مذهبية، أو يسمي الأشياء بأسمائها.
طبعًا هذا الثائر يموت في القبر الذي
حفره له الأسد الأب ومن بعده الأسد
الإبن، ولكنه يَعَض على جرحه، ويعود
إلى هتافه وصراخه: "واحد واحد واحد/
الشعب السوري واحد"!. أما "بشار حافظ إسرائيل" فإنه يدل
على وعي تام بما جرى، ويلخّص أفضل
تلخيص السيرة الذاتية السريّة للنظام
السوري مع إسرائيل، كان لهذا النظام
"كامب ديفيد" خاص به دون أن ينعقد
الاتفاق في منتجع كامب ديفيد بأمريكا،
لا لزوم لعناء السفر وقطع المحيط
ذهابًا وإيابًا، فالرحلة مضنية، كما
لا لزوم لزيارة الكنيست حسب أسلوب
السادات، كامب ديفيد السوري انعقد
سرًا ونفذ بالكامل وبأسلوب باطني
معروف عن أهل الباطن والتقية، وقد كان
الهدف منه حراسة إسرائيل وحدود
إسرائيل، ولكن على أصوات موسيقى
وأناشيد تصدح يوميًا بشعارات "الممانعة"
و"الصمود" و"التصدي" وما إلى
ذلك من الشعارات الخادعة والمضللة لما
يجري في السرّ، وقد روعي في كل ذلك
خصوصية سوريا وشارعها الوطني
وحساسياتها. طوبى لهؤلاء الثوار السوريين الذين
يحاولون الآن طرد العار عن بلدهم
وإعادته إلى دار العروبة والإسلام. طوبى لهؤلاء الثوار الشرفاء الذين يضحون
بأنفسهم، بأولادهم، بيوتهم،
وأقرانهم، بدمائهم قبل كل شيء، كي تعود
سوريا إلى ذاتها، إلى شعبها، إلى
قضيتها، إلى قدرها، إلى تاريخها
الأموي الناصع الذي سُلب منها، إلى
طريق العروبة، طريقها الذي اضطرت
للانقطاع عنه، وسلوك طريق آخر هو طريق
الشعوبية والمذهبية. ================== أسوأ ديمقراطية أفضل من
أعدل ديكتاتور الشرق القطرية 29-4-2012 فيصل القاسم من أكثر الفزاعات التي يستخدمها أعداء
التغيير وفلول الأنظمة الساقطة
والمتساقطة تداولاً على الساحتين
السياسية والإعلامية أنه ليس هناك
بديل للأنظمة التي ثارت عليها الشعوب،
وأنه من الأفضل للبلدان الثائرة أن
تقبل بالأنظمة الحالية مع بعض
الإصلاحات الطفيفة على أن تنتقل إلى
مستقبل مجهول المعالم على مبدأ:"تمسك
بقردك كي لا يأتيك أقرد منه". وللأسف
الشديد فقد انطلت هذه الخدعة السخيفة
حتى على بعض المثقفين الذين بدوا
وكأنهم ابتلعوا الطعم، فراحوا يحذرون
من عدم وجود البدائل المناسبة لبعض
الأنظمة المهترئة المهددة بالسقوط. لا شك أن مثل هذه التبريرات الخادعة تنزل
برداً وسلاماً على الطواغيت الذين
مارت الأرض وتمور تحت أقدامهم في أكثر
من بلد عربي، لكنها بالتأكيد لن تحميهم
من السقوط الحتمي، فقد توصلت الشعوب
إلى نتيجة مفادها أن أسوأ بديل هو أفضل
من الطغاة الحاليين، ناهيك عن أن
الأنظمة التي تتحجج بأنها الأفضل لعدم
وجود بديل يسد الفراغ الذي ستتركه، هي
من عملت منذ عشرات السنين على إخصاء
الحياة السياسية في البلاد العربية كي
تكون أرضنا قاحلة وجرداء سياسياً،
وبالتالي غير قادرة على إنتاج أي
شخصيات وأحزاب قادرة على منافسة
الأنظمة الحاكمة. لقد عملت الديكتاتوريات العربية على مدى
عقود على خنق أي نشاط سياسي حقيقي في
بلادها. وعلى هذا الأساس راحت تلك
الأنظمة تشن حرباً استباقية على أي
شخصية أو تجمع أو تنظيم أو حزب يمكن أن
يشكل لها تحدياً حتى لو بعد عشرات
السنين. لقد عملت على طريقة الملك
هيرود الذي عندما أخبروه بأن مولوداً
جديداً سيولد، وسيتحدى نظام حكمه في
المستقبل، أمر السلطات على الفور
بإعدام كل المواليد الجدد كي يقتل
المنافسين في مهدهم. وهكذا أمر
الطواغيت العرب الذين لم يتركوا وسيلة
إلا واستخدموها لمنع ظهور أي منافس
سياسي لهم. الويل كل الويل لمن كانت تسول له نفسه
مزاحمة النظام أو الحزب العربي الحاكم
في الاتصال بالجماهير والترويج
لبضاعته السياسية. فقد كان ذلك حكراً
على ما يُسمى بالنظام، لا بل من
الكبائر الكبرى. وهو محرّم ليس فقط على
العموم بل أيضا على الأحزاب الهزيلة
الأخرى المفترض أنها "معارضة"
ومشاركة في اللعبة السياسية، لكنها
ارتضت لنفسها أن تخرس، وتخمد، وتكون
مجرد تابع ذليل وخادم مُزايد للحزب
الحاكم مقابل منافع شخصية معينة وضيعة.
لا أدري أي نوع من الديمقراطية هذا
الذي يسمح بتعددية حزبية ثم يمنع بقية
الأحزاب من النشاط السياسي والتعبوي
داخل الجامعات والمدارس والمعاهد
والمصانع والهيئات الشعبية. ولا أدري
أين يمكن لأحزاب المعارضة أن تنشط إذا
كان ممنوعا عليها التواجد في الأماكن
التي تفهم في السياسة قليلا كالتجمعات
الطلابية مثلا. هل تنشط في دورات
المياه والسهول والوديان والأحراش بين
الحيوانات المفترسة أو في دور البغاء؟
لم يتركوا لها أي مكان لمزاولة نشاطها
السياسي إلا في الغابات وفوق أعمدة
الكهرباء. وبالتالي فقد كان يتحول هواة
العمل السياسي الحقيقيون والمخلصون
إلى النشاط السري، واعتاد النشطاء
السياسيون في الماضي اللجوء إلى توزيع
المنشورات بطريقة سرية جداً لإيصال
أفكارهم ومشاريعهم من بعضهم البعض
وإلى الناس. وكانوا يمضون وقتا طويلا
في نقل المناشير من مكان إلى آخر تحت
جنح الظلام كي لا تكشفهم كلاب المراقبة
السياسية المتحكمة بالمسرح السياسي في
معظم الدول العربية وتقطّعهم إربا
إربا بأسنانها النتنة. لقد كان توزيع المنشورات السياسية
والحزبية عملية بطولية بكل المقاييس،
وكم سمعت بعض المتحزبين العرب يتحدث
بكثير من الانتشاء والنشوة عن فتوحاته
العظيمة المتمثلة بوضع منشور تحت
أوراق شجرة أو تحت حجر كي يأتي زميله
وينقله إلى مكان آخر بالتتابع حتى يصل
في نهاية المطاف إلى بقية "المناضلين"
أو الناس. لكن هذا النشاط السياسي
والإعلامي كان جريمة لا تغتفر، فقد
أمضى ممارسوه عشرات السنين وراء
القضبان في غياهب السجون العربية
الغراء. كل ذلك كان من أجل منع أي تغيير
سياسي مستقبلي في البلاد وابتزاز
الشعوب بخيار وحيد لا شرك له، ألا وهو
نظام الديكتاتور. ولا شك أن البلدان العربية الخارجة لتوها
من تحت نير الاستبداد تعاني من عدم
وجود معارضات تحل فوراً محل الأنظمة
الساقطة، وذلك لأن أنظمتها الطغيانية
عملت على إخصاء الحياة السياسية في
البلاد كي يبقى الديكتاتور الفحل
الوحيد على الساحة. لكن هذه المعضلة
يجب ألا تثني الشعوب أبداً عن
الاستمرار في الثورة، وإلا لجثم
المستبدون على صدور الشعوب لمئات
السنين. ماذا تتوقع من بلاد قتلوا فيها
المجتمع المدني، وحرموا أي نشاط
اجتماعي، فما بالك بالسياسي؟ لا شك أن
تلك البلاد ستعاني بعد الثورات لإيجاد
البديل المناسب للطواغيت الساقطين.
لكن الشعوب قادرة وخلال فترة وجيزة على
إنتاج البديل. فرغم أن الوضع كان
مشابهاً في أوروبا الشرقية، إلا أن تلك
البلاد استطاعت أن تخرج من تحت ربقة
الشيوعية خلال وقت قياسي، مع أن
الأنظمة الشيوعية القديمة كانت تحصي
أنفاس الجميع وتمنع أيضاً ظهور أي بديل
قوي لأنظمتها التسلطية. وها هي تونس
تخلق نخبها السياسية الجديدة ببراعة
عظيمة. وكذلك مصر وليبيا وسوريا. لا شك
أن المهمة صعبة للغاية، لكنها ليست
مستحيلة، ولا يجب أن تكون بأي حال من
الأحوال مبرراً للتمسك بالأنظمة
الديكتاتورية القديمة في أي بلد بحجة
الحفاظ على الاستقرار والأمن. كل
البلدان التي خرجت من عصر الطغيان إلى
الديمقراطية عانت المشكلة ذاتها
وتخطتها بسرعة، خاصة أن عصر الحرية
يفرز نخباً جديدة بسرعة هائلة وقياسية.
ويقول الرئيس الأمريكي الراحل بنجامين
فرانكلين في هذا السياق: "من يتخلى
عن حريته خوفاً على أمنه، لا يستحق
حرية ولا يستحق أمناً". وبالتالي
مهما عانت مجتمعاتنا في مرحلة
الانتقال من الديكتاتورية إلى
الديمقراطية على صعيد الاستقرار، بسبب
عدم وجود بديل جاهز للأنظمة
المتساقطة، فإنها يجب أن تمضي بلا أي
تردد في تنظيف بلادنا من رجس الطواغيت
مهما كان الثمن، خاصة أن "أسوأ
ديمقراطية في الدنيا أفضل من أعدل
ديكتاتور"، كما قال الأديب السوري
الراحل محمد الماغوط. =============== 29-4-2012 محمد رشيد العربية نت لا يبدو المبعوث الدولي كوفي عنان أفضل
حالاً من الفريق السوداني محمد أحمد
الدابي وقبله الأمين العام لجامعة
الدول العربية السيد نبيل العربي وهو
أقرب الى "اللعنة" السورية منه
الى النجاح، ويبدو قدراً على الشعب
السوري ودمه الطاهر الزكي كشف "عورات"
وضعف المنظمة الدولية ونفاقها، كما
فعلت ذلك من قبل مع الموقف العربي، في
ظل انحدار هيبة ومصداقية المنظمة
الدولية في عيون الشعب السوري. وزير الخارجية الفرنسي آلان جوبيه توعّد
بموقف فرنسي صارم ليوم الامتحان في
الخامس من ايار/مايو، وهو موعد تقديم
كوفي عنان تقريره الى مجلس الأمن
الدولي عن مدى التزام طرفي الصراع في
سوريا ببنود مبادرته، وما يتعلق
تحديداً بوقف إطلاق النار وسحب قطاعات
وآليات جيش النظام من المدن والبلدات
السورية. وعيد جوبيه لم يعد يخيف نظام بشار الأسد،
وهو وعيد يتكرر منذ خمسة عشر شهر دون
خطوة عملية واحدة، وعلى العرب اليوم
اكتشاف "وهم" ساركوزي، فما شهدناه
في ليبيا غير قابل للتكرار في سوريا،
لأن "الكبير" الروسي معترض و"الكبير
جداً" الامريكي غائب، ومع ذلك لم
تترك موسكو ذلك "الوعيد" يمر مرور
الكرام، فألقت حجرها الثقيل لتعكير
المياه، متهمة المعارضة السورية
باللجوء الى الارهاب وعدم الالتزام
بواجباتها إزاء مبادرة عنان، ثم أضيف
اليها "كذبة نيسان المتأخرة"
بالإعلان عن ضبط باخرة سلاح للمعارضة
قادمة من لبنان! لا شيء تغير في لعبة الاستقطاب الدولي حول
الأزمة السورية، والتي باتت مربوطة
بمساومات دولية اخرى لا علاقة للشعب
السوري بها، وبدرجة كبيرة أيضاً
بأوضاع داخلية وانتخابية لعدد من
الأقطاب الدوليين الكبار، ولمصالح
وتحالفات أقطاب إقليميين خاصة إيران
وتركيا وإسرائيل ولكل من هؤلاء مصالح
في سوريا، وأهداف إقليمية تتخطى حدود
سوريا. والحقيقة أن التغاضي والتعامي الأمريكي
عن دماء السوريين قد تكون، وأشدد على
كلمة "قد تكون" في حسابات قادة
الحملة الانتخابية للرئيس باراك
أوباما بهدف تجنيبه بعض المخاطرة مهما
كانت صغيرة، وهو يخطو على الصفائح
الساخنة لحملته الانتخابية، ولو سئل
رئيس الحملة الانتخابية للرئيس
الامريكي، أيهما أفضل لديك، احتمال
خسارة بعض الاصوات الانتخابية، أم منع
قتل عشرة آلاف سوري من قبل نظام بشار
الاسد؟ فإن الجواب سيكون: "نحتاج الى
انتخاب الرئيس لتحقيق الديمقراطية في
سوريا"، على مرارتها، تلك هي
الحقيقة الامريكية لمن لا يعرف، ولا
أحد يستطيع مناقشة مشروعية ذلك. الأمر ليس مختلفاً عبر الأطلسي، فالاتحاد
الأوروبي يملك من الحصافة البلاغية
والحجج ما قد يقيد اللسان عن السؤال،
لكنه اتحاد يتميز بعجز مثير للشفقة في
ظل غياب الدور الامريكي الفاعل،
وأوروبا تحولت الى بنك كريم يدفع دون
مقابل، لتغطية متطلبات السياسة
الامريكية حضوراً او غياباً، وإلى
وسادة امتصاص الصدمة مع روسيا
الاتحادية في كل قضايا الخلاف الدولية.
واقعياً لا تملك الثورة السورية أي غطاء
دولي، بل عليها الاستعداد جيداً
لإلقاء كل الأحذية القديمة في وجه من
يجرؤ من دول وحكومات الغرب على الادعاء
مستقبلاً أنه دعم او ساعد ثورة الشعب
السوري على الانتصار، فليس لهم أي فضل
او جميل يرد مستقبلاً، بل عقاب طويل
لسداد ثمن جرائم ومجازر ارتكبت تحت
سمعهم وبصرهم في "محرقة" القرن
الواحد والعشرين، دون ان يكون لأي منهم
ادعاء الغفلة والجهل. هذا الواقع الدولي المؤلم والمقزز للغاية
يحول الأنظار مرة أخرى باتجاه العرب،
وأكثر تحديداً باتجاه المملكة العربية
السعودية ودول قطر والكويت والامارات،
فليس في ظهر الشعب السوري المكافح
والمضحي غيرهم، ودماء السوريين تفرض
نفسها بقوة على أجندة العمل اليومي
لهذه الدول، في ظل معادلة واضحة،
انتصار الشعب السوري او مواجهة الخطر
الايراني. نطاق الموضوع خرج كثيراً عن العواطف
الاسلامية والنخوة العربية، وأنه
اليوم جزء أساسي من الحسابات
الاستراتيجية ليس للملكة العربية
السعودية وقطر فحسب، بل إن دول الخليج
سوف لن تستطيع سداد فاتورة تأمينها إن
لم يسقط نظام بشار الاسد، فلا خيار
ثالثاً بين هزيمة هذا النظام او
التهديد والسطوة الإيرانية على رقاب
شعوب دول الخليج العربي. وإنه لمن المؤسف حقا رؤية أمة اعتادت
لعصور على سياسة صد العدوان و"محو
آثاره"، ولم تقتنع يوما ان ردع
العدوان افضل وأقل كلفة كثيرا من صد
العدوان، ومن المؤسف حقاً رؤية مصر
الثورة التي حركت كل سواكن السوريين
وغيرهم تقف عاجزة عن دعم سياسي حيوي
وفعال لثورة الشعب السوري، ومثلما
ألهمت الثورة المصرية الشعب السوري،
فإن الموقف المصري يسبب الكثير من
الإحباط والألم لهذا الشعب وثورته. وربما كان على دول الخليج إعادة "صب"
المفاتيح العربية "مصر والأردن"
الاقليمية "تركيا" في قوالب
جديدة، فتركيا وحدها القادرة على
تحقيق حالة من التوازن الحقيقي مع
النفوذ والتأثير الروسي الايراني في
الحالة السورية، ودون ضمان جبهة تركيا
سوف لن يخاطر الأردن بكل المصاعب
الاقتصادية التي يعانيها، لكن حكومة
الرئيس رجب طيب أردوغان، ومثل أية
حكومة منتخبة تضع عينها على معدلات
التنمية والنمو الاقتصادي وتكاليف أي
قرار سياسي استراتيجي، باختصار، تركيا
أردوغان لا تريد ولا تستطيع تحمل
العواقب الاقتصادية لتكاليف
الاندفاعة السورية. الحقائق دائماً مؤلمة، وحقائق الموقف
الراهن لا تختلف عن ذلك، فإذا لم يسقط
نظام بشار الاسد بفعل هذه الثورة
الدموية، فإن نظماً أخرى ستصبح في
دائرة خطر السقوط، او على الاقل ستتحول
الى دول رهينة تحت قبضة التهديد
الايراني الراغب في التوسع والهيمنة،
وستصبح دولاً "مخطوفة" لإرهاب
نظام بشار الاسد. هل هي معركة بقاء؟ نعم إنها معركة بقاء بين نظام يقتل شعبه
ويمد لسانه متحدياً وساخراً من
العالم، وبين شعب وضع كل مقدراته في
كفة هذه الثورة وقدّم لها كل ما يستطيع
ويملك، وهو لا يملك إلا دمه، بين تحالف
دولي وإقليمي قد يكون له ظهير مؤثر عبر
مرتفعات الجولان، وبين حلف يكتفي
بالكلام في ظل استمرار النزيف السوري
اللامحدود قرباناً على مذبح الحرية
والكرامة. ================== علي بردى 2012-04-30 النهار يتمسك الرئيس
السوري بشار الأسد ب"حبال الهواء".
لا يعترف بأن في بلاده ثورة شعبية. يدعي
أن مشكلته الرئيسية خارجية. يعتقد أن
ساعة الزمن تدور لمصلحته. من يجرؤ من
الذين يصغي اليهم على ان يقول له: أنت
مخطئ سيدي الرئيس؟ ما كان صالحاً في عصر الرئيس الراحل حافظ
الأسد أفسده "الربيع العربي" على
ابنه بشار، الذي ينتظر تغير المعادلات
الدولية للبقاء في قصر المهاجرين.
يتمنى أن يفيد من الوصول الإنتخابي
المحتمل لفرنسوا هولاند الى قصر
الأليزيه على حساب الرئيس نيكولا
ساركوزي. يأمل في أن ينشغل الرئيس
باراك أوباما بمعركته الإنتخابية
المرجحة مع منافسه ميت رومني على البيت
الأبيض. لعله سيطلب المزيد من الدعم
الروسي بعد مع انتهاء عهد الرئيس
دميتري ميدفيديف وعودة الرئيس
فلاديمير بوتين الى الكرملين. الأرجح
أن أياً من هذا – بل كل هذا - لن ينفع. يقف النظام السوري أمام خيارين لا يبدو
حالياً أن ثمة ثالثاً لهما: إما أن يسعى
مخلصاً الى تنفيذ خطة المبعوث الخاص
المشترك للأمم المتحدة وجامعة الدول
العربية الى سوريا كوفي أنان التي ترمي
في خلاصتها الى استجابة تطلعات الشعب
السوري الى التغيير، وإما أن يواصل
نهجه الراهن الذي يبدو أنه يدفع البلاد
في اتجاه حرب طائفية طويلة قد تكون لها
ارتدادات بالغة الخطورة على الدول
المحيطة. إذا صح أن خطة أنان هي الفرصة
الأخيرة لوضع حدّ للأزمة السورية، فإن
ذلك يعني أن أياً من هذين المسارين
سيقود حتماً الى نهاية حكم بشار الأسد. أحسنت السلطات السورية إذ اعترفت ضمناً
بعجزها عن تسوية الأزمة التي تعصف
بالبلاد منذ أكثر من سنة. فعلت جامعة
الدول العربية خيراً إذ أقرت علناً
بأنها أخفقت في إقناع الرئيس الأسد
بالتنحي وفي جمع شمل معارضيه. على رغم
استمرار أعمال العنف في أنحاء البلاد،
لا يستعجل أحد اعلان فشل أنان. يأمل
اللاعبون الدوليون في أن تحقق مهمة
الأمم المتحدة للمراقبة في سوريا "أنسميس"
ما عجزت عن تحقيقه طليعة المراقبين
الدوليين، وقبلهم مهمة المراقبين
العرب. اتخذ حتى الآن قراران في مجلس الأمن.
يتحسب البعض فيه لكل الإحتمالات إذا
ظلت الأوضاع على حالها من التدهور. لقد
نفد صبر المجتمع الدولي. لا يمكن
النظام السوري أن يواصل سياسة إلقاء
التبعات على مسلحين ومخربين وإرهابيين
في سوريا، أو على مهربين ومنتفعين في
لبنان أو سواه. هذه وتلك، وأولاً وأخيراً، مسؤولية نظام
الأسد، الذي يبقى جزءاً من النظام
العربي القديم الذي ترعرعت في كنفه
أجيال من المثقّفين العرب الحزانى
وأشاع زمن الثقافة العربية الحزينة،
حتى لو ادعى المقاومة والممانعة. ================= «الحرب الباردة» على
صورة سورية الجديدة الحياة Mon, 30 أبريل 2012 فوزي زيدان * تجتاز الأزمة
السورية مرحلة دقيقة ضبابية الاتجاهات
والمعالم، نتيجة تشابك الحراك الداخلي
المعارض للنظام الذي يعم معظم المدن
والبلدات السورية منذ أكثر من عام مع
التدخلات الإقليمية والدولية، لتتحول
الأزمة من مسألة سورية داخلية إلى أزمة
صراع على النفوذ بين الدول الإقليمية
والدولية الفاعلة والمؤثرة في الإقليم.
ويختلف تعامل هذه الدول مع الانتفاضة
السورية مع تعاملها السابق مع
الانتفاضات العربية الأخرى نتيجة
عوامل عدة، منها الموقع الجيو-سياسي
لسورية في منطقة ترقد على برميل بارود
وتشهد صراعات إقليمية – إقليمية
وإقليمية – دولية وتباينات ومشاحنات
داخلية، طائفية ومذهبية وعرقية.
فالصراع العربي - الإسرائيلي مستمر منذ
أكثر من ستين سنة لم يحاول خلالها
المجتمع الدولي إيجاد حل عادل للقضية
الفلسطينية يستند إلى إقامة دولة
فلسطينية مستقلة على التراب الفلسطيني
وعودة الراغبين من فلسطينيي الشتات
إلى دولتهم، بل تمادت دوله الفاعلة في
مساندة إسرائيل في كل ما تقوم به من
اعتداءات على الفلسطينيين من قتل
واعتقال تعسفي، وتغاضيها عن بناء
إسرائيل مستوطنات في الضفة الغربية
وتهويد القدس. وكل ما فعله المجتمع
الدولي موافقته على مشروع حلٍ بإقامة
دولتين في فلسطين، ولكن من دون
استخدامه وسائل الضغط الفاعلة على
إسرائيل للمضي في هذا الحل. ويعتبر
تغاضي الدول الفاعلة عن انتهاكات
إسرائيل وتشبثها برفض الحلول السلمية
العادلة بمثابة مشاركتها في جريمة
ضياع ما تبقى من فلسطين. ويتمحور الصراع
الغربي – الإيراني حول ملف إيران
النووي والشكوك القوية بتخصيبها
اليورانيوم لأغراض عسكرية، ما دفع دول
الغرب إلى فرض عقوبات اقتصادية صارمة
عليها بدأت تظهر تداعياتها السلبية
على الأوضاع الاقتصادية الإيرانية.
ويتمحور هذا الصراع أيضاً في محاولة
طهران تقاسم النفوذ في منطقة الخليج
العربي مع واشنطن، الأمر الذي ترفضه
الأخيرة باعتبار الخليج منطقة حيوية
للاستراتيجية والمصالح الأميركية. كل
ذلك دفع بطهران إلى التمسك بالرئيس
السوري بشار الأسد والدفاع عن نظامه
كونه حليفاً موثوقاً به ساعدها في مدّ
نفوذها إلى شواطىء البحر المتوسط
وإقامة قاعدة قوية لها في لبنان، الذي
أصبح خاضعاً بصورة غير مباشرة لسلطة «حزب
الله» الذي أنشأته وتولت رعايته كي
يكون سنداً لها في الأزمات. وتعارض تركيا
وهي دولة إقليمية كبيرة تحكّم إيران
بالإقليم، خوفاً على مصالحها السياسية
والاقتصادية الحيوية في المنطقة، ومن
تنامي النفوذ الشيعي في منطقة تتشارك
مع غالبية سكانها الانتماء إلى المذهب
ذاته. ومعلوم أن لتركيا مصالح مشتركة
مع إيران وليس من مصلحتها التصادم
معها، إلا أن تنامي النفوذ الإيراني في
المنطقة العربية يشل دورها في هذه
المنطقة ويضعف نفوذها الإقليمي، ما
يتعارض مع استراتيجيتها السياسية
والاقتصادية. موقع استراتيجي وما يدفع تركيا
وإيران إلى التهافت على المنطقة
العربية موقعها الاستراتيجي وثرواتها
الهائلة، وتفكك العرب وضعفهم وعدم
قدرتهم على حماية بلادهم ومصالحهم،
واستنجادهم، بحسب أهوائهم السياسية
والطائفية والمذهبية، بإحدى هاتين
الدولتين. وتعتمد روسيا في المنطقة سياسة الهجوم
وإثبات الذات ضد الولايات المتحدة
التي أطاحتها من مكانة الدولة العظمى
في العالم، وتعمدت تهديدها بنصب الدرع
الصاروخية على حدودها، ما دفع
بقيادتها إلى الرغبة في الانتقام
واستعادة مكانة موسكو في النظام
الدولي من خلال الحفاظ على ما تبقى لها
من دور في الشرق الأوسط، والعودة إلى
الاهتمام بالقاعدة الروسية البحرية في
طرطوس، وبعلاقاتها الأمنية والعسكرية
مع النظام السور. ويختلف وضع الولايات المتحدة عن وضع
روسيا، إذ لا تشكل لها الأزمة السورية
عقبة كبيرة أمام نفوذها في المنطقة، بل
يكفيها إنهاك الأسد في اضطرابات
داخلية طويلة الأمد وبالتالي إضعافه،
ما يبعده عن التدخل في شؤون الدول
المجاورة ويمنعه من المساهمة الفاعلة
في تنفيذ سياسة طهران في المنطقة.
وتعتمد الولايات المتحدة الحذر في
التعاطي مع الأزمة السورية خصوصاً أن
الرئيس الأميركي باراك أوباما مقدم
على انتخابات رئاسية يسعى خلالها إلى
تجديد ولايته، لذا فإن إدارته تعتمد
سياسة النفس الطويل لإغراق روسيا في
وحول الأزمة وإغراق الأسد في وحول
الاضطرابات المتنقلة. ومن بعد
الانتخابات تتفرغ الإدارة الأميركية
لمعالجة ملفات المنطقة الشائكة ومنها
الملف السوري، ما يعني أن الأزمة
السورية ستطول وأن مهمة المبعوث
الأممي – العربي كوفي أنان ما هي إلا
إحدى محطات هذه الأزمة. ويعتقد كثيرون
أن مهمة أنان لن يكتب لها النجاح، لأن
تطبيق الأسد لخطة أنان بشكل كامل يؤدي
إلى «هزيمة سياسية» له، كما أن الدول
العربية والغربية التي حسمت موقفها من
ضرورة رحيل الأسد على قاعدة أنه حلقة
من المحور الإيراني - السوري لن تقبل
بتسجيل مكاسب لهذا المحور وهزيمة لها. وأدت الهزائم والتحولات التي شهدتها
المنطقة في العقود الأخيرة إلى تحول
الانتماء القومي العربي إلى انتماءات
طائفية ومذهبية، حتى أن النظام السوري
الذي يفاخر بأنه نظام علماني وقومي
عربي، تطغى عليه الصبغة المذهبية، إذ
أن معظم المسؤولين الذين يتولون مراكز
سياسية وأمنية رئيسة وحساسة هم من
الطائفة العلوية وهي طائفة الرئيس
السوري، ما ولد انقساماً حاداً بين
مكونات الشعب السوري نتيجة تفاقم
النقمة لدى السنة الذين يشكلون غالبية
السكان. وبدأت الانتفاضة السورية التي
تعلن في كل بياناتها أنها انتفاضة
وطنية وسلمية، تتحول على الأرض إلى
مواجهات طائفية نتيجة شراسة القوى
العسكرية النظامية في التعامل معها
وتصدر العلويين وقياداتهم صفوف هذه
القوى. وتحول العراق بعد سقوط نظام الرئيس
الراحل صدام حسين إلى ساحة للحروب
المذهبية نتيجة سيطرة العرب الشيعة
على الحكم ومقدرات البلاد وتحالفهم
الوثيق مع إيران وتهميشهم العرب السنة
وإقصائهم عن مراكز القرار. ويتابع
النظام السوري، على رغم التزامه وقف
النار، قصف المدن والبلدات المنتفضة،
وتنفيذ عمليات «إعدام ميدانية» في حق
نشطاء سوريين، في المقابل يتابع
المحتجون تظاهراتهم السلمية والتصدي
لقوات النظام. ما يشير إلى أن أتون
العنف لن يتوقف أو أن النظام سيخفف
وطأة «القوة المفرطة» في المدن
والأحياء السكنية، ولا يبدو أيضاً أن
المعارضة والجيش الحر بوارد الاستسلام
للوعود الورقية بسحب الدبابات
والأسلحة الثقيلة من الشوارع. الأزمة السورية
خرجت من النفق المحلي والإقليمي ودخلت
المسار الدولي، خصوصاً مع صدور قرار
مجلس الأمن الذي نص على إرسال
المراقبين الدوليين إلى سورية، وبدا
واضحاً أن روسيا تكرست لاعباً أساسياً
في مسار هذه الأزمة. كما أفسحت الأزمة
المجال أمام اللاعبين الكبار لاستعادة
مشهد الحرب الباردة، حيث تدور
المواجهات غير المباشرة بينهم على
الساحة السورية، وعلى حساب الشعب
السوري. ------------------------ المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |