ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الخميس 03/05/2012


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

خطة عنان مصيرها الفشل

رأي الراية

الراية

2-5-2012

أخطر ما يمكن أن يتعرض له الشعب السوري الذي يتعرض لمسلسل الموت اليومي منذ أكثر من عام على اندلاع الثورة السورية أن يعتاد العالم على مشهد الموت في سوريا فيصبح مشهدا عاديا في ظل عجز دولي فاضح عن وضع حد لعنف النظام السوري والخيار الذي يلجأ إليه لوأد ثورة الشعب السوري ومطالبه العادلة بالحرية والديمقراطية والتغيير.

الجيش السوري وأسلحته الثقيلة ما زالت تتواجد في المدن والبلدات السورية وما زال القتل والقصف وسقوط الضحايا مستمرا رغم وجود المراقبين الدوليين الذين انتشروا في العديد من المناطق التي تشهد على مدار الساعة أحداثا دامية يذهب ضحيتها المدنيون وفي العديد من الحالات عائلات بأكملها بما فيهم النساء والأطفال والشيوخ بسبب القصف المدفعي أو الإعدامات الميدانية.

إن استمرار النظام السوري في القتل وقصف المدن وحصارها واستهداف المدنيين بعد أكثر من أسبوعين على دخول خطة المبعوث الدولي والجامعة العربية كوفي عنان حيز التطبيق يفرغ هذه المبادرة من مضمونها ويؤشر على فشلها وعدم قدرتها على تحقيق مطلب وقف العنف وحماية المدنيين الذي هو الأساس في هذه المبادرة التي أيدها النظام ووافق على بنودها إلا أنه لم يطبقها ولا يريد أن يطبقها كما هو ظاهر.

لقد شهدت المدن السورية ارتفاعا كبيرا في أعداد الضحايا المدنيين الذين سقطوا على أيدي الجيش وأجهزة الأمن وما يعرف بالشبيحة كما وثقت منظمات حقوق الإنسان السورية والدولية آلاف الخروقات لمبادرة كوفي عنان ما يدل على أن النظام السوري ما زال مُصِرًّا على حسم الأمور على طريقته باستخدام العنف ضد المحتجين وعدم رغبته بوقف العنف الذي بات يهدد وحدة سوريا ومستقبلها.

المشكلة في سوريا أن النظام لا يريد الاعتراف بوجود حركة احتجاج شعبية تطالب بتغيير النظام ويصر على التحدث عن مؤامرات خارجية ومنظمات إرهابية بل إن نائب وزير الخارجية ذهب إلى تحميل عصابات إجرامية مسؤولية ما تشهد بلاده من أحداث وهو توصيف لا يمكن تصديقه من أحد.

إن استمرار سقوط الضحايا وخاصة وسط الأطفال الذين بلغ تعداد من قتل منهم في مختلف المدن والبلدات السورية منذ بدء تطبيق خطة عنان نحو 34 طفلا يؤكد الطبيعة الدموية للنظام السوري الذي لم يعد يأبه بالمجتمع الدولي ومطالباته بوقف العنف وسحب أسلحته الثقيلة من المدن لأنه يعرف جيدا أن نجاح خطة عنان يعني بداية النهاية لعصر الديكتاتورية والتسلط الذي يمثله.

=================

رسالتي / هولاكو الشام وعرض الحرائر

عبدالعزيز صباح الفضلي

الرأي العام

2-5-2012

من المحزن رؤية مناظر الوحشية التي يتعامل بها نظام في الشام مع شعبه، ومن المؤلم أن يستمر هذا البطش على مرأى ومسمع العالم، دون أن يكون هناك تحرك فعلي وسريع من المجتمع الدولي لإيقافه.

مشهد الرجل الذي يتم سحله بالسيارة بعد قتله وهو شبه عار من قبل أزلام النظام السوري، ولقطة دفن الشاب وهو حي وهو يردد يا الله وهم مصرون على أن يقول كلمة الكفر حتى انقطع الصوت، ومنظر قيام جنود البعث وهم ينبشون قبر أحد الشهداء، ويستخرجون جثته، ومشهد العائلة والتي غالبيتها نساء وأطفال قد قتلوا رميا أو نحرا، إنها لمناظر تقشعر لها الأبدان.

لقد استخدم النظام في دمشق كل هذه الأساليب وما هو أبشع منها من أجل أن يوقف الثورة، والسؤال هل بالفعل سيتحقق له ذلك؟

من يقرأ التاريخ يجد أن هناك من استخدم صورا من البطش مثل هذا أو أشد، لكن في النهاية انهزم جيشه وانكسر، حدث الإمام ابن الأثير واصفا حال المسلمين في القرن السابع الهجري فترة الهجمة التترية على بلاد الإسلام فكان من قوله : من الذي يسهل عليه أن يكتب نعي الإسلام والمسلمين، فيا ليت أمي لم تلدني، ويا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا. وقال : ولعله يجيء من بعدنا إذا بعد العهد ويرى هذه الحوادث مسطورة أن ينكرها ويستبعدها.

ونُقل عن الإمام ابن تيمية في وصف حال المسلمين تلك الفترة بقوله: نزلت فتنة جعلت الحليم حيران، والصاحي منزلة السكران، وحدث من أنواع البلوى ما جعلها قيامة مصغرة عن القيامة الكبرى.

وحق للإمامين أن يعبرا بذلك الوصف، فمما ذكرته كتب التاريخ أن التتار لما دخلوا مدينة ( بخارى ) أعطوا أهلها الأمان، ثم اتجهوا إلى قلعة تحصن بها المقاتلون وتمكنوا من دخولها فقتلوا من فيها ثم عادوا إلى المدينة فقتلوا وأفسدوا حتى قال ابن الأثير عن ذلك اليوم: كان يوما عظيما من كثرة بكاء الرجال والنساء والولدين.

ولم يكن نصيب مدينة ( سمرقند ) بأقل من أختها، إذ نصب التتر كمينا لأهلها فأوقعوا في شراكهم قرابة السبعين ألف قتلوا في يوم واحد.

وأما مدينة ( نيسابور ) فقد شهدت منظرا تهتز له المشاعر وتتفطر له القلوب، إذ قاموا بذبح أهلها وقطعوا رؤوسهم وجعلوها ثلاثة اهرامات واحدة من رؤوس الرجال والآخر من النساء والثالث من الأطفال.

وامتد افسادهم إلى أن وصلوا (بغداد )، فقتلوا الخليفة العباسي، وقتلوا من قدروا عليه من الرجال والنساء والأطفال، حتى اختبأ الناس في الآبار وزرائب الأغنام، وقني الأوساخ، وهرب بعضهم إلى السطوح فقتلوهم حتى جرت المرازيم من الدماء في الشوارع.

ووصل حال الذل بالمسلمين أن رجلا من التتار رأى مسلما ولم يكن معه ما يقتله فأمره أن يضع رأسه في الأرض وينتظر حتى أتى التتري بسيفه فقتله به.

كل هذه المشاهد لم تستمر ولم يستقر الأمر للتتار في المنطقة، إذ قام القائد قطز بعد أن وصله نبأ نية هولاكو لغزو مصر، وخرج له بعد أن حض أمراء المسلمين للخروج فكان مما قال ( يا أمراء المسلمين لكم زمان وأنتم تأكلون أموال بيت المال، وأنتم للغزاة كارهون وأنا متوجه فمن اختار الجهاد فليصحبني، ومن لم يختر ذلك فإن الله مطلع عليه، وخطيئة حريم ( نساء ) المسلمين في رقاب المتأخرين.

ثم قاتل جيش التتار في رمضان في معركة ( عين جالوت ) وحقق الله تعالى له النصر بعد أن ظن بعض المسلمين أن ذلك من المستحيلات، وقُتل نائب هولاكو وقائده في الشام ( كتبغا ) فخر قطز لله شاكرا.

رسالتي

لقد كان من أهم عوامل النصر على جيش التتار مواقف الصدق التي وقفها الأمراء والعلماء، وكان لهم الناس تبعا، واليوم الناس بل الأمة تتطلع لوقفة صادقة من الملوك والأمراء والرؤساء لدعم ثورة الشعب السوري للتخلص من طاغيته، وإن لم يفعلوا فإن انتهاك أعراض الحرائر في رقابهم.

=================

الجولان وآل الأسد!

جهاد فاضل

القدس العربي

2-5-2012

 استخدم «الأسدان» مع الجولان سياسة «النأي بالنفس» لا علاقة لنا بالجولان، جرى نسيان الجولان نسياً كاملاً خلال عقود. ضاع نهائياً كما ضاعت الاسكندرون من قبل. الاسكندرون قديمة ولكن الجولان حي نابض في الذاكرة السورية والذاكرة العربية

منذ سنة ودبابات الجيش السوري ومدافعه وأسلحته الثقيلة تدك المدن والقرى السورية في حملة تأديب لم يشهد لها العالم مثيلاً من قبل فالمشهد بات مألوفاً على الفضائيات: دبابات وحاملات جند ومدافع ما أن تنتهي من مدينة الا لتغذ السير نحو مدينة أو قرية أخرى. ومن أجل ماذا؟ من أجل الدفاع عن الرئيس السوري ومحاولة إطفاء الثورة العارمة القائمة بوجهه والتي انضمت إليها الغالبية العظمى من الشعب السوري.

وقد خيل للكثيرين في العالم، عند بدء هذه الثورة، أن الجغرافيا التي يعمل الجيش السوري في إطارها، ليست جغرافيا سورية بل جغرافية الجولان المحتل من إسرائيل منذ أكثر من ٤٥ عاماً.

قال هؤلاء يومها وهم يشاهدون الجيش السوري يتحرك: «لا ريب أنه يتجه نحو الجولان، ومن حقه ان يتجه فقد يئس من تواطؤ العالم مع إسرائيل. وقد استعادت كل الدول العربية الأخرى التي كانت إسرائيل تحتل جزءاً من أراضيها، هذه الأراضي باستثناء سورية فمرحى للجيش الذي ينتفض بوجه حكامه ووجه العالم سعياً لاستعادة جزء عزيز من أرض الوطن»!

ولكن ما خيل لهؤلاء السذج لم يكن في مكانه. ذلك ان جيش سورية قد دُجن واحتوي على مدى سنوات طويلة وتحول من جيش لحماية البلد إلى جيش لحماية الأسد. وتحول، بصورة خاصة، من جيش لسورية كلها إلى جيش لفئة أو لطائفة من أبنائها.

ففي الوقت الراهن ثمة فرَق كاملة من هذا الجيش لا تنتمي إلاّ إلى الطائفة العلوية، وهي فرق مسلحة تسليحاً عالياً. في حين أن الفرق الأخرى تخضع لمراقبة شديدة وتسليحها يقتصر على بعض الأسلحة البسيطة.

أكثر من ذلك فقد نشرت مراكز أبحاث ودراسات استراتيجية في العالم احصاءات تفيد أن ٨٠ بالمئة من أسلحة الجيش السوري مخصصة للقمع الداخلي. فهو معاون لقوى الأمن الداخلي عند الضرورة وبالتالي فإن بناءه قد تم لا لأسباب قتالية مع عدو خارجي مفترض وإنما مع عدو داخلي متوقع.

ويتبين الآن ان سورية خضعت منذ وصول الرئيس السوري السابق حافظ الأسد إلى السلطة في دمشق، إلى مؤامرة كيانية كبرى لم يكن يتوقع الكثيرون ان تصل إلى ما وصلت إليه.

وبمقتضى هذه المؤامرة تفقد سورية تاريخها الوطني ودورها القومي العربي والإسلامي المعروف وتنسى الجولان إلى الأبد فقد بيع في «الطابو» العالمي بيعاً تاماً ناجزاً وتحول الاهتمام إلى لبنان كبديل عنه، ولكن من أجل الدخول إليه وتصفية فتح وأبو عمار وسائر المنظمات الفلسطينية بالإضافة إلى تصفية الحركة الوطنية والإسلامية فيه، وتشجيع حزب الله وبقية المتعاونين معه. قال الأسد يومها للسوريين: «ما قيمة الجولان؟ انه عبارة عن أرض صخرية قاحلة. لقد أعدت لكم لبنان الذي اقتطعه الفرنسيون من سورية».

وبخفة عجيبة شبيهة بخفة الحواة، تمكن حافظ أسد من القبض على زمام سورية وطوعها كما شاء يساعده جهاز أمني شديد الفتك لا يتورع عن ارتكاب أي موبقة ومن يعارض يصفى على الفور أو يدخل السجن ليقضي فيه عشرات السنين بلا محاكمة.

وكان من بين أسلحته الغلوّ الكاذب لا مفاوضات مع إسرائيل إن لم تعلن مسبقاً بأنها ستعيد الجولان كاملاً. وخلال حكم «الأسدين» نعمت إسرائيل بجار رضيّ هنيء، الحدود معه محرمة حتى على العصافير..

لقد أنجز مع إسرائيل «كامب ديفيده» الخاص، ولكن بأسلوب لم يتقنه إلاّ الحشاشون القدماء!

استخدم «الأسدان» مع الجولان سياسة «النأي بالنفس» لا علاقة لنا بالجولان، جرى نسيان الجولان نسياً كاملاً خلال عقود. ضاع نهائياً كما ضاعت الاسكندرون من قبل. الاسكندرون قديمة ولكن الجولان حي نابض في الذاكرة السورية والذاكرة العربية. ومن أجل هذا الجيش السوري المفترض ان من مهامه تحرير الجولان، دفع الشعب السوري دم قلبه ضرائب ورسوماً. أكثر من ٥٠ بالمئة عن موازنة سورية تذهب إلى موازنة وزارة الدفاع. وها هو هذا الجيش الذي يفترض ان سورية بنته للدفاع عن الوطن، يفتك بأهلها ويحول مدنها وقراها إلى دمار وحطام!

ولكن هناك من يرى أن على السوريين أن يشكروا ربهم لأن الجامع الأموي لا يزال قائماً إلى اليوم. ذلك ان ذكراه ليست عزيزة على آل الأسد وربعهم. ويبدو ان آل الأسد تمثلوا بالإسرائيليين لهذه الجهة عندما أبقى هؤلاء على المسجد الأقصى فالتعاون بينهما إذن لا يقتصر على الجانب الأمني فقط لا غير، بل إن له جوانب ثقافية أيضاً.

قطع «الأسدان» كل علاقة لهما ولنظامهما مع تاريخ سورية المعاصر ورجالها ورموزها. لم يكن ثمة أثر في زمانهما لا لسورية ولا للعروبة ولا للإسلام.

لم يكونا يمتان بصلة إلى هذه القيم الثلاث. يمكن للباطل أن يسود لفترة، ولكن الحق والتاريخ سرعان ما يستعيدان نفوذهما وهذا ما يأمله اليوم أحرار سورية والعرب والعالم.

=================

حقوق الإنسان والعمل العربي المشترك

عامر أرناؤوط

عكاظ

2-5-2012

لقاء وزراء الخارجية العرب في الجامعة العربية الخميس الماضي، لن يكون الأخير الذي يقف ليواجه التحديات التي تمر على ساحتنا تحقيقا لدور الجامعة الأساسي الذي من أجله قامت.

فاستمرار هذا المنطق المتناسق في العمل العربي المشترك يفتح الباب أمام تطور حتمي لآليات الجامعة العربية، وهو ما تحتاجه بالمناسبة لتكون قادرة على اللحاق بركب التعاون الأقليمي والدولي؛ تحقيقا لاستفادة حتمية من ثروات بلادنا وطاقات شعوبنا الفتية مع مواجهة التحديات التي تدور من حولنا.

هذه اللقاءات وغيرها تشكل سمة مهمة تسجل للنظام السياسي العربي المتصالح مع شعبه، ومع قناعته بفعل الربيع العربي المستمر، ذلك أن التغيير في الكثير من الأنظمة ساهم في إثبات أن العلة لا تكمن في الفكرة، بل في نوايا بعض من رهن نفسه لغير مصالح شعبه وعروبته وما زال كسورية مثلا التي باتت تتسول شرعيتها من هنا وهناك في مقابل قتلها المتمادي للأطفال والنساء والشيوخ.

العمل العربي المشترك انطلق، ولولا ذلك لما كنا وجدنا مبعوثا دوليا وعربيا مشتركا مثل كوفي عنان، ولما رصدنا اللقاءات المتوالية واللجان الناشطة والمساهمة الفاعلة في القرارين العربي والدولي من قبل الجامعة العربية ووزرائها وقادتها. وإن العرب مدعوون إلى الإيمان أنهم أمة واحدة، وأن بلادهم تختزن قيما يندر وجودها في عوالم الأرض، وأنهم أمة رسالة ومحبة وحضارة وتواصل، وأن عليهم أن لا يجاروا لا بالفعل ولا بالتحدي إيران التي تنحو نحو العقلية الرومانية القائمة على ترسيخ وسيادة فكرة الموت، والقهر والبطش والتحكم أو عبر التدخل في شؤون الدول الأخرى وبث الفتنة بين أبنائها وتصدير الفكر الطائفي الإلغائي والمدمر.

إيران الدولة التي ألغت من قاموسها حرمة الإسلام عن إخوانها العرب في الدين والحضارة. تحاور الغرب في حين أنها تناصب العرب العداء والبغض والكراهية وتسعى في مؤامراتها لضررهم وتعطيل دورهم الريادي والقيادي المتجدد.

وبالمقابل، على العرب أن يعودوا لاعبا أساسيا وضامنا لحقوق الإنسان لأنهم ربما الشعب الوحيد الذي أحب عبر التاريخ دون انتظار الأجر والثواب طبعا إلا من الله .

=================

الالتزام الأخلاقي للمجتمع المدني

نايجل أشفورد

كبير مسؤولي البرامج بمعهد الدراسات الإنسانية بجامعة جورج ماسون

ينشر بترتيب مع مشروع "منبر الحرية"

تاريخ النشر: الأربعاء 02 مايو 2012

الاتحاد

ليس من قبيل المصادفة أن الأنظمة الفاشية والشيوعية على مر التاريخ أعلنت الحرب على الأسرة، وحاولت تأليب الأبناء على آبائهم، والزوجات على أزواجهن، والأجيال بعضها ضد بعض. وسبب هذا هو رغبة الدولة في الحصول على المعلومات لخدمة أغراضها الخاصة، وحاجتها للمطالبة بولاء أقوى من الولاء الذي فُطر الناس على حمله لأسرهم. هذه المؤسسات تُعد تخريبية في مثل هذه المجتمعات لأن الحب والإخلاص اللذين تخلقهما يولدان المقاومة لمطالب الدولة. فالمجتمع المدني القوي يمثل عائقاً في وجه الاستبداد لأنه يتبع نظاماً أخلاقياً يحمي قيم الحرية ويصونها. ومن خلال إضعاف المؤسسات المدنية، تجرد الحكومات الشمولية الفرد من طبقات الحماية التي تقيه من يدها الخشنة. وحين تختفي هذه الطبقات التي تفصل بين الفرد والحكومة، يصير الفرد مكشوفاً في مواجهة أعداء المجتمع المفتوح الذين يُخضعون حرية الفرد لسلطة الدولة.

ونجد شبكة معقدة من الالتزام المتبادل، هذه الشبكة التي تحفظ القوة الاجتماعية من خلال كبح جماح القوة السياسية تخلق شبكة من الحقوق والواجبات المتبادلة التي تمكن المجتمع من حكم نفسه. المجتمع ميثاق عظيم، ليس فقط بين أفراده، بل يضم أيضاً أولئك الذين ما عادوا على قيد الحياة وكذلك الأجيال التي لم تولد بعد. فنحن نتصرف وفقاً لمصلحة أفراد آخرين لا نعرفهم، ولا يمكننا أحياناً معرفتهم، لأننا مدفوعون بحس أخلاقي يخبرنا بما علينا فعله. هذه الدوافع الأخلاقية تحثنا على أداء أدوارنا على نحو أفضل مما فعلته أي حكومة من قبل، وبما يحقق منفعة متبادلة أعظم. فكل من الآباء والأبناء لديهم حقوق ومسؤوليات نحو بعضهم بعضا. وكل جيل لديه مسؤولية تجاه الجيل الذي سبقه والجيل الذي يليه. والزواج والصداقة، بل حتى علاقة الإنسان بالحيوان، كلها محكومة بهذه الالتزامات التي تتولد عنها روابط المجتمع وترشدنا لتأدية واجباتنا تجاه الآخرين، مثلما نأمل أن تُؤدى تلك الواجبات تجاهنا. ولأن الحكومة تعجز عن أن تحل محل هذه الشبكة، تنشأ القسوة والوحشية عندما تحاول ذلك.

ربما لا تواجهنا في الوقت الحالي مهمة أكثر أولوية من إعادة بناء النظام المدني في تلك المجتمعات التي أدت ممارسات الدولة الشمولية فيها إلى تدمير هذا النظام كلياً. ومن الخطأ الافتراض بأن الحكومة يمكنها النهوض بهذه المهمة. فالمجتمع المدني نتاج للأفعال الإنسانية التلقائية لأشخاص أحرار. وهو يستلزم أن تبتعد الحكومة عن مساعي الأفراد وأن تترك لهم حرية الارتباط بعضهم ببعض. إن تدمير النسيج الأخلاقي للمجتمع أسهل بكثير من بنائه بحرص وتوريثه للأجيال القادمة. وما من شك في أن الحرية لن تدوم طويلاً ما لم نبدأ في تنفيذ هذه المهمة. وهذا يعني أن الأفراد لابد أن يكونوا أحراراً في شؤونهم الاقتصادية وأنشطتهم الدينية وحياتهم الأسرية.

=================

نظام "الشبيحة"

تاريخ النشر: الأربعاء 02 مايو 2012

د.خالص جلبي

الاتحاد

سألت سورياً من اللاذقية عن أصل كلمة "الشبيحة"، فقال: هي من عندنا في اللاذقية. لكن لماذا أطلقوا هذا الاسم؟ قال: ربما لأنهم لصوص سيارات المرسيدس من النوع القديم المسمى بالشبح، أو ربما لأنهم كانوا يظهرون ويختفون كالأشباح! قلت له: من يموِّلهم ومن خلفهم؟ وكيف يعملون؟ قال: هم مسلحون لا يستطيع أحد اعتراضهم ويفرضون "الخوة" على العباد. سألت: وما هي الخوة؟ قال: يتسلطون على الناس بالقهر والتخويف لدفع حصة من أرباحهم. قلت في نفسي: لقد تحولت سوريا كلها إلى نظام "الخوة".

أكتب هذه الكلمات وبين يدي تقرير موسع من مجلة "در شبيجل" الألمانية عن نظام "الهلك" (Hulk) السوري، أي العملاق الأخضر، وهو فيلم دفعته هوليوود لتصوير تحول الإنسان إلى وحش كاسر. يقول تقرير المجلة (العدد 12 2012، ص 93) إن ولدي جميل الأسد، منذر وفواز، لم يعودا شخصين عاديين بل تحولا إلى نوع من "الهلك" بأتباعٍ من عشرات الآلاف؛ فالنظام الآن "استنبت"، كما يقول التقرير، غولاً بشعاً وضارياً، أشبه بفيلم "الهلك" أو كينج كونج. وحيث لم تعد آلة القتل تغطي النفقات، فهناك مصادر لا تنضب من نهب القرى والمحال والدساكر والمدن، حيث يقتحمون ويقتلون وينهبون... فقد أصبحت سوريا كلها مباحة لنظام الشبيحة.

الميليشيات المسلحة ليست جديدة في الصراع الاجتماعي، ولعل الحرس القومي في العراق، والقمصان البنية النازية من جماعة "روهم" الذي صفاه هتلر بيده بعد تسلمه السلطة، والفاشية الإيطالية وشيوعيو "تيتو"، وجاندرما "فرانكو" الإسباني... كلها نماذج مكررة لنفس القصة في حراسة النظام القمعي في ظل أي نظام استبدادي.

ينقل التقرير واحدة من أغرب المكالمات بين مواطن سوري من دوما ومجند يتناول فطيرة ويتحدث معه ويقول الجندي: عجيب أن يتكلم هؤلاء الإسرائيليون بلغة عربية وبلهجة سورية!

يقول التقرير إن نظام الأسد يبقي جنوده معزولين عن الاتصال، لا يعلمون ماذا يحاك لهم وضدهم وضد الشعب السوري بأيدي رجال المخابرات المدربين على اغتيال العقل والإنسان. يحرك القطعات العسكرية بشكل مستمر، وينقل الجنود من مكان لمكان عند بوابة دمشق، وحيث تشتد المواجهات يرسل الجنود وهم منقطعو الاتصال عن أي مصدر سوى من يوهمهم بأنهم بصدد قتال الصهاينة، ليكتشف الجنود أنهم أمام مواطنين سوريين. إن النظام يستغل نظام التعمية الكامل لمنع هرب العناصر من الجيش.

يقول التقرير إن الوضع في سوريا يتأرجح، فمن جهة تقتحم الآلة الجهنمية العسكرية المدن وتسيطر عليها، ومن جهة أخرى يخيم على الجو مزاج "نهاية العالم". هذا ما صرح به رجل أعمال دمشقي هرب إلى عمان، وقال: إن النظام آيل للسقوط مثل أي جدار ينقض، لكن متى؟ الله أعلم.

إنها الحرب الضروس في سوريا، صور سريالية من رؤوس مفجرة بالرصاص، وجثث مقتلعة الأعين، وأطفال ضربوا حتى الموت.

لقد أحصت لجان حقوق الإنسان أكثر من 31 طريقة للتعذيب في سوريا، من تعليق الأعضاء التناسلية بالكهرباء، واغتصاب أمام الأهل، وليس انتهاءً بالكرسي الألماني (خلع المفاصل المتدرج). أما الحدود فلغمت بدون خرائط على وجه السرعة، لتبقى قرناً آخر تلتهم حياة الغافلين والأطفال النائمين في أحضان أمهاتهم.

وبين الحين والآخر تسلم الجثث المحروقة المقطعة لأهل مروعين حتى يذعنوا للنظام بعد أن يبتلعوا جرعة الفزع الأعظم، بل ظهرت إلى العيان صور لدفن أناس على قيد الحياة!

=================

في رموز الثورة السورية

عدي الزعبي

2012-05-01

القدس العربي

في سوريا يتخذ الصراع القائم بين الديكتاتور والشعب أشكالاً متعددة. أحدها هوالصراع على الرموز. رموز النظام تتمحور حول عبادة القائد. رموز الشعب متنوعة، من المفاهيم المجردة كالحرية والديمقراطية ووحدة الشعب السوري، والمدن المنكوبة كمهد الثورة درعا، وعاصمة الثورة حمص، ودوما وإدلب، إلى القادة الميدانيين كحسين هرموش وعبد الرزاق طلاس. ولكن الأهم والأكثر تأثيراً هم الشهداء الذين تمت تصفيتهم بوحشية. هنا يصبح الصراع أخلاقياً. وهنا يتجلّى التفوق الأخلاقي للثورة، والسقوط الأخلاقي الكامل للنظام.

هؤلاء الشهداء هم ناشطون مدنيون عزّل أو ضحايا مدنيون عزّل. الناشط غياث مطر والمغني ابراهيم قاشوش والمصور رامي السيد ومئات الناشطين الذين قام النظام بتصفيتهم بهمجية لا إنسانية. الأطفال ثامر الشرعي وهاجر الخطيب وحمزة بكور وأطفال درعا وعشرات الأطفال الذين قضوا إما تحت التعذيب، أوبالقصف العشوائي، أوبالمجازر المروعة التي رويت عن كرم الزيتون وبابا عمروومناطق أخرى. أن يكون هؤلاء هم رموز الشعب يعني أنّ السوريين استبدلوا الرمز الواحد الأوحد، الديكتاتور، بمئات المدنيين والناشطين الذين يرمزون لإنسانيتهم، إنسانية السوريين. أكثر من ذلك، لم يكن للسياسيين أوللأحزاب السياسية دور رمزي في الثورة السورية. لا يوجد تقديس لأشخاص سياسيين أومحاولة لجعلهم رموز للثورة. هذا ليس انعكاس لضعف الدور السياسي، بل هوانعكاس للسبب الرئيسي الذي قامت الثورة من أجله، إعادة الكرامة للسوريين العاديين، لأولئك الذين حُرموا من أبسط حقوقهم على مدى عقود من الديكتاتورية.

هذا الصراع على الرموز دفع النظام إلى محاولة تشويه سمعة الشهداء. وصم الشهداء بالإرهابيين والمتطرّفين والعرعوريين من جهة، واتهام جهات غير معروفة بتعذيبهم، من جهة أخرى. مأساة حمزة علي الخطيب، تبعتها فصول أخرى لا تقل مأساوية. طرح النظام قصصاً متناقضة لما حدث لحمزة. فهولم يكن في الثالثة عشرة من عمره، بل في السابعة عشرة. هوليس طفلاً بريئاً، بل كان يريد اغتصاب نساء الضباط في مساكن صيدا. وجد النظام جثته وعليها آثار التعذيب، ثم قام بتسليمها لعائلته. في رواية أخرى، لم يكن هناك آثار تعذيب، بل تحللت الجثة نتيجة طول الفترة الزمنية بين استشهاده ودفنه. اجتمع والد حمزة مع رئيس الجمهورية، ووعده بمتابعة الموضوع، وإلقاء القبض على من قام بهذه الفعلة الشنيعة.

تتكرر القصة في سوريا يومياً. يُقتل الشهداء مرتين. النظام يقتل ويعذّب ويشوّه سمعة من قام بقتلهم. ليست مأساة حمزة استثناء. إنها القاعدة التي يتبعها النظام. عملية تشويه السمعة تتبع عمليات التشويه الجسدي. لا يقبل النظام بوجود رموز للشعب. الديكتاتور يجب أن يكون الرمز الأوحد. مع منع وسائل الإعلام من دخول البلد، ينشغل النظام السوري بمحاولة تشويه سمعة الجميع، ويبقى الديكتاتور بحكمته وألوهيته الرمز الوحيد في سوريا.

التناقض بين الديكتاتور والثورة يتجلّى بالرموز التي يتبنّاها الطرفان وبمعانيها .أولاً، وحدانية الديكتاتور وتفرّده المزعوم، يقابلها غنى وتنوّع رموز الشعب. ثانياً، خلورمز النظام من المعنى الأخلاقي، مقابل وضوح المعنى الأخلاقي لرموز الثورة.

ليس في قاموس النظام رمز غير الديكتاتور. الديكتاتور هوالحاكم بأمر الله، ظل الله على الأرض. 'حافظ أسد رمز الأمة العربية'، كما كنا نردد في المدارس. أما الثوّار فلهم مئات الرموز.الشهيد الكردي مشعل التمو، ناشط داريا السلمي الشهيد غياث مطر، حارس الكرامة الساروت، مغني حماة ابراهيم القاشوش، الطبيب ابراهيم عثمان، الشيخ أحمد الصياصنة، أنس الشغري محرك مظاهرات بانياس، والعشرات غيرهم. يعكس هذا التنوع في الرموز، تنوّعاً في بؤر الثورة وطبقاتها ومناصريها. كما يعكس همجية النظام الذي استثار كافة أبناء الشعب ضده. الأهم أن هذا التنوع يعكس نهاية مفهوم تقديس فرد بعينه كممثل ورمز للشعب السوري. غنى وتنوع الشعب السوري يحضر بقوة في رموز الثورة. بؤس وانحطاط أتباع النظام ينعكس في عبادة الرمز الأوحد. بهذا المعنى، يكون الصراع على الرموز ايضاً صراع على أية سوريا نريد، ما هي الرموز التي تمثّل الثورة ولماذا.

المعنى الأخلاقي للرموز التي تبناها الطرفان تقف على طرفي نقيض. لا يوجد أي معنى أخلاقي في مفهوم عبادة الفرد. تحويل الديكتاتور إلى رمز وحيد يعكس غياب أي مفهوم اخلاقي لأتباعه. يتحوّل الأتباع إلى عبيد يدورون في فلك الديكتاتور. في مقابل بؤس هذا الرمز وخلوّه من أية قيمة أخلاقية، نجد رموز الثورة هم أبناؤها الذين قضوا على يد الديكتاتور. الرمز هنا يشير إلى الدافع الأخلاقي الذي يحرّك الثوار. شهداؤنا هم محرّكوالثورة ورموزها.

المعنى الأخلاقي يكمن في ثورة الشعب لإستعادة الكرامة المهدورة. يقف غياث مطر كرمز في اعلى السلم الأخلاقي. الناشط الشاب بابتسامته الهادئة، يوزّع الماء والورود على أفراد الجيش. يلخّص غياث مطر واستشهاده تحت التعذيب، مع اقتلاع حنجرته، الصراع على الرموز. المرح الصادق في صوت ابراهيم القاشوش الأجش، يعكس رغبة السوريين بحياة مختلفة عن أناشيد وهتافات العبيد. ابتسامة حمزة الخطيب في الصورة المتداولة له، هي الابتسامة التي نريدها لأطفالنا.

الصراع على سوريا يدور بين من يرون في الديكتاتور رمزاً لسوريا، وبين من يرون في الشهداء رمزاً لها. ابتسامة حمزة تغمرنا. يغمرنا بعدها نصف وجه. لا يبتسم ولا يبكي. لا دموع ولا آهات. دماء والعينان مفتوحتان على العدم. استشهد حمزة بكور في الصباح التالي. ليلة كاملة بنصف وجه. رمز لسوريا الأسد، ولثوار سوريا.

' كاتب من سورية

=================

التدخل العسكري في سورية محتمل

الاربعاء, 02 مايو 2012

ناتالي نوغيريد *

الحياة

لم تعد فكرة التدخل العسكري في سورية مستبعدة، على رغم أن ليون بانيتا، وزير الدفاع الأميركي ألقى على مسامع لجنة الكونغرس لائحة ذرائع تحول دون هذا التدخل، «ففي ليبيا كان ثمة اجماع في العالم العربي على التدخل وفي خارجه. ويُفتقر اليوم الى مثل هذا الإجماع حول سورية. والمعارضة غير منظمة ولا معقل تبسط سيطرتها عليه (...) والتدخل العسكري يفاقم الاوضاع ويعرّض المدنيين للخطر»، قال بانيتا. ويوم عرض هذه الذرائع، أي في 19 نيسان (ابريل)، علت في واشنطن اصوات مخالفة تقول إن الحل العسكري محتمل، إذا واصل ديكتاتور دمشق استراتيجية المجازر.

وسرت عدوى هذه التصريحات في باريس، حيث عقد اجتماع بين وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون، ونظيرها السعودي الأمير سعود الفيصل، ونظيره القطري، الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني. وتؤيد قطر التدخل العسكري لاطاحة نظام دمشق.

وزير خارجية فرنسا نبّه في اجتماع باريس الى خطر الانزلاق الى نزاع اقليمي في الشرق الأوسط، ما لم تتوقف عاصفة العنف الأسدي في سورية.

وأعلنت كلينتون السعي في مجلس الأامن الى اصدار قرار يلتزم الفصل السابع من شرعة الأمم المتحدة التي تجيز استخدام القوة المسلحة. وهي دعت الى فرض عقوبات مالية على نظام دمشق، وحظر بيعها السلاح. وأوجه الشبه بين هذه الاقتراحات وبين قرار 1973 الذي اجاز التدخل العسكري في ليبيا، ضعيفة.

وتطالب المعارضة السورية بإنشاء ممرات انسانية ومناطق آمنة. ولمحت الوزيرة الأميركية تلميحاً ملفتاً الى وجوب عدم طمأنة الاسد الى غياب الحل العسكري، وذكرت أن تركيا عازمة على طلب مساعدة الحلف الأطلسي في مواجهة تداعيات الازمة السورية في اراضيها: تدفق اللاجئين وانتقال النزاع المسلح السوري الى اراضيها. ولكن هل يلبي الحلفاء الأطلسيون الدعوة التركية يوم تُوجه؟

وهل هذه التصريحات والتلميحات جزء من حرب نفسية، تتستر فحسب على عجز المجتمع الدولي؟

وفصول المأساة السورية لم تتوقف منذ 13 شهراً، وراح ضحيتها اكثر من 11 ألف قتيل، وارتفع عدد المعتقلين الى اكثر من 25 ألفاً، وبلغ عدد النازحين عشرات الآلاف. وقد لا يقتصر الامر على حرب نفسية، بل قد تكون هذه التصريحات مؤشراً الى نفاد صبر الديبلوماسية الدولية ازاء عدم التزام بشار الأسد وقواته وقف النار. وهذا ما بدا جلياً في اعلان وزير الخارجية الفرنسي اثر استقبال معارضات سوريات في 25 نيسان، ان الأمور لن تبقى على هذه الحال. وإذا تعذر تنفيذ خطة كوفي أنان، لن يُسمح للنظام السوري بتحدي المجتمع الدولي، وسيصدر مجلس الامن قراراً يستند الى الفصل السابع، لكن جوبيه لم يوضح السبيل الى مثل هذا القرار.

المراوحة بين التمسك بقرار صادر عن مجلس الامن أو الوقوف موقف المتفرج قد لا تدوم. فالتدخل في كوسوفو في 1999 لم يلتزم تفويضاً أممياً، ودعت اليه اخطار زعزعة امن المنطقة والحالة الانسانية المتدهورة ونفاد السبل الأخرى الحل. وقال رئيس الوزراء البريطاني، في آذار (مارس) الماضي، إن سابقة كوسوفو تظهر أن الفيتو الروسي لن يحول دون المبادرة الى «حل عادل اخلاقياً». ويرى الباحث الفرنسي جان–بابتيست فيلمر في كتابه «الحرب دفاعاً عن المبدأ الإنساني: القتل او السماح به»، أن مجلس الأمن ليس الجهة الوحيدة المخولة قانوناً اقرار التدخل العسكري. وإذا حوصرت القوات الأممية وسط المجازر، لن تقف الدول الكبرى مكتوفة اليدين، في وقت يلوح طيف انبعاث مأساة البوسنة.

في الغرب لا يرغب أحد في شن حملة عسكرية في سورية، إثر التعب العسكري في حملة ليبيا وقبيل الانسحاب من افغانستان. والإدارة الأميركية تريد استمالة روسيا في الملف الإيراني، ولكن إذا لم يوقف الأسد المجازر التي تهدد الاستقرار الإقليمي، ارتقى التدخل العسكري حلاً أمثل ورجحت كفته.

* مراسلة، عن «لوموند» الفرنسية، 27/4/2012، اعداد منال نحاس

=================

في خطاب الخوف ورهان التغيير

الاربعاء, 02 مايو 2012

كرم الحلو *

الحياة

يعرب مراقبو الانتفاضات العربية الراهنة بمساراتها المفاجئة ومآلاتها المريبة عن اشكال شتى من الخوف. الخوف من "مجهول" يخيّب الآمال في "الربيع العربي" ويصدم التصورات المفرطة في التفاؤل، بانكشافه عن اصوليات ظلامية أشد استبداداً وتسلطاً من استبداد الأنظمة وتسلّطها. الخوف من مصادرة الانتفاضات لصالح خيارات سياسية غير تلك التي دفع الشباب لأجلها جهاداً وتضحية ودماء، الخوف من انقضاض رموز الأنظمة البائدة على مكتسبات الانتفاضات طارحة نفسها بدائل مخادعة تعيد انتاج تلك الأنظمة وسياساتها. الخوف من تغييب اية رؤية اقتصادية او اجتماعية او قومية للثورة تلبي الحد الأدنى من طموحات الحاضر والمستقبل.

وإذا كان في مآلات الانتفاضات والتباس توجهاتها وأهدافها ما يبرر خطاب الخوف، الا ان آفة هذا الخطاب تبقى في الرؤية الطوباوية الى التاريخ، سواء بوصفه احادي التوجه قابلاً للانتهاء على ما تصور فوكوياما، او باعتباره قطائع متناقضة مقفلة، كل مرحلة منه اشبه بتجلّ مفاجئ يجبّ ما قبله تماماً ليُسقط محله عالماً جديداً بالكامل.

لا يرى هذا الخطاب الى التاريخ حراكاً فاعلاً وإبداعياً، لا يفهمه صراعاً وتحولاً وتبدلاً وكذلك ارتداداً وانتكاساً وانقلاباً. يعتبر انتصارات الإسلاميين كأنما هي نهاية التاريخ او تكاد، وأن الأنظمة الآفلة قادرة بفلولها المتجذرة في المجتمع والسياسة على الإطباق على الثورة من جديد، الأمر الذي يربكه ويصيبه بالذعر والهلع.

لكن فات هذا الخطاب ان التغيير لا يحل دفعة واحدة ومن دون مخاضات عسيرة وطويلة ومكلفة. فحداثة اوروبا الباهرة بكل قيمها ومؤسساتها وحرياتها تشكّلت عبر مخاض تاريخي صعب، متدرج ومتصاعد كلف اجيالاً من الضحايا وأُهرقت على مذبحه شلالات من الدماء، ولم يتوصل الأوروبيون الى الاعتراف بالآخر والإقرار بحقوق الإنسان الطبيعية وتأسيس دولة العقد الاجتماعي الا بالعذاب والمعاناة ومن خلال مكابدة استغرقت قروناً من الصراعات والحروب الدموية، وما نعمت وتنعم به اوروبا ما هو الا حصيلة جهاد تاريخي دؤوب وطويل لم يأت ناجزاً ولم يحل مجاناً. فلماذا لا نرى الى تاريخنا العربي من هذا المنظور الجدلي باعتبار تحولاته الراهنة مخاض ولادة العالم العربي المأمول؟ ألا يمكن ان تكون التضحيات والآلام التي تكابدها مجتمعاتنا العربية في مواجهة العتو التسلطي السبيل الطبيعي المتاح لهذه الولادة؟ ان الدلالة الأساسية للانتفاضات التي لا يعبأ بها خطاب الخوف تبقى في اعلانها حراكاً جديداً وثورياً في العالم العربي أخرجه من سباته الطويل، حراكاً قد يتقدم او يرتد وقد ينكشف عن مفاجآت غير متوقعة لم تكن في الحسبان، الا انه لن يتوقف او يستقر قبل ان تبدأ مرحلة جديدة من تاريخنا محفوفة بالمخاطر ولكنها ايضاً حبلى بالوعود والآمال.

هذا الحراك لن يستتب، كما يشيع خطاب الخوف، بصعود الإسلاميين الى السلطة، فهؤلاء لا يملكون حلولاً سحرية للواقع العربي المأزوم، لن يتمكنوا من الإجابة عن الأسئلة الإشكالية التي وقفت وراء سقوط الأنظمة البائدة والتي اربكت حركة النهوض العربي منذ القرن التاسع عشر الى اليوم، ولن يكونوا في افضل الافتراضات اكثر حظاً من الليبراليين والاشتراكيين والقوميين في مقاربة تلك الأسئلة.

لن يستطيع هؤلاء في رأينا ايجاد حلول ناجعة سواء للبطالة والفقر المتزايدين أو للتخلف التنموي والعلمي المتعاظم او للأخطار القومية المحيقة بالعرب او للقبليات المتيقظة والإندماج الوطني العاثر، ما يؤكد استمرار المخاض وتجليه في اشكال جديدة من الصراعات والتحولات لن تهدأ ولن تتراجع قبل ان يكون عالمنا العربي في طريقه الى مستقبل جديد غير ذلك الذي حاولت الأيديولوجيا الدولتية التسلطية وتحاول الإسلاموية الشعبوية الآن القبض عليه من جديد.

* كاتب لبناني.

=================

«إخوان» سورية والإشكال الطائفي: من طهران إلى دمشق

الاربعاء, 02 مايو 2012

حمود حمود *

الحياة

إذا كانت فترة «ما بعد صدام العراق» قد شهدت نهوضاً طائفياً، نتيجة لتغير موازين القوى الطائفية في العراق والصعود الإيراني الملحوظ، فإن ربيع العرب، الذي ما زال يمثل إلى الآن بالنسبة لمعظم سُنة الإسلاميين «الغصن الذهبي»، قد أعاد الاعتبار بنظرهم للفضاء و «المجال السني» في المنطقة. إلا أنه من المهم ملاحظة أنه بمقدار ما يشكل هذا مزيداً من التورط في السياسة (وبالتالي مزيداً من الانهزام)، بمقدار ما يزيدهم «تطييفاً»، وبخاصة الإخوان المشرقيين السوريين. إننا في حقيقة الأمر أمام مشهد مشرقي يشهد إعادة إنتاج لصيغ الإسلام السياسي وتجدد صراع الهويات، مشهد ربما يتخذ أشكالاً من «الممانعة الطائفية»، لتتبادل الأدوار مع الممانعة «القومية» و «الإسلامية» (طرفي الأيديولوجيا العربية التوتاليتارية). لكنْ مرة أخرى: إعادة إنتاج لأشكال الصراع بين الممثلين السياسيين لكلا الفضاءين، الهلالين «الشيعي» و «السني». وربما ستكون سورية، إذا استمر تعقيد أزمتها، المحطةَ، الجسرَ، أرضَ الصراع Battleground (بحسب تعبير محللين) بين ذينك الهلالين، الذي يسعى كل منهما لأن يُكمل هلاله «بدراً» كاملاً، إذا استطاع كسبَ أرض الصراع. وفي الواقع، ربما تعود ضبابية المستقبل السياسي لإخوان سورية ببعض وجوهها إلى تعقد هذا الصراع وأدواته الحاملة له، وبالتحديد: لوحة الموزاييك الاجتماعية الطائفية.

وإذ يستيقظ اليوم إسلاميو الأمس بنحو عام على «وجبات» الغصن الذهبي ليتصدروا المشهد السياسي، فإن «إسلاميي سورية» (والمشرق عموماً) ستكون مهماتهم مضاعفة عما هو عليه الحال في تونس ومصر: عليهم الدخول في لعبة الأحلاف الدولية والتخندقات الإقليمية الطائفية، وبخاصة أن تاريخهم وحاضنتهم الأيديولوجية يعتبران بمثابة أرض خصبة لمثل هكذا صراعات. هل هذا يعني تحول إخوان سورية إلى أحد اللاعبين الإقليميين الطائفيين، وبخاصة في مواجهة إيران؟

ليس بإمكاننا تجاهل استيقاظ الإسلاميين بالتزامن مع استيقاظ الطائفية، وهذا عائد لأحد الثوابت العربية، وبخاصة المشرقية منها، في التلازم الهيكلي للأيديولوجيا الدينية (المسيسة) مع وعي طائفي ما، لا بد أن يغلفها: أنْ تصعد أيديولوجية دينية ما، لتُعبر عن نفسها سياسياً، يعني إعادة إنتاج ل «طائفية» طائفة تلك الأيديولوجيا. ما تقوله سوسيولوجيا الدين، أنه أيما مجتمع مُهيكل بفسيفساء طائفية متعددة، ومن ثم تنشأ أحزاب وقوى تحاول نقل وعي أيٍّ من تلك الطوائف إلى حيز الإمكان والفعل السياسي، فلا شك ستكون الحال كارثية على المدى الطويل، وبخاصة في مجتمعات لا تُعرف نفسها وهويتها إلا بتاريخها، أي تلك التي لم تستطع القطعَ مع تاريخها وذاكرتها (حزب الله، الإسلامي «الشيعي» -وهو إحدى نتائج صعود سياسات إيران «التطييفية» في لبنان والمنطقة- ليس ببعيد عن هذه الصورة وسط طوائف لبنان).

في طهران «الخمينية» كان الخميني، زائداً عليه كاريزما البعث والإحياء (إحياء النظيمات السلطانية بحلل جديدة) أحد أهم الوسائط في نقل وعي مجتمعه من حيز «الهامش» لحيز «التمكين والفعل»، أي نقل الشيعة من كونهم طائفة من بين الطوائف الإسلامية إلى «كيان سياسي»، هذا الكيان الذي عرفه الخميني بأنه «جمهورية»(؟)، الأمر الذي كان له استحقاقات سياسية «تطييفية» في إعادة إنتاج الخصم والخصوم المضادة في المنطقة المشرقية مرة أخرى. وسيكون إخوان سورية أحد هؤلاء الخصوم المهمين.

إن عقدة إخوان سورية هنا، والتي ما زالوا يعانون منها، وحتى بعد تقديمهم خطاب «الترضية» الأخير أو ما أطلقوا عليه «عهد وميثاق»، تتمثل في هذه النقطة: إشكال التمثيل والشرعية، فما يحاولونه دائماً (ولنبتعد قليلاً عن عذوبة كلمات بيانهم الأخير) على مدار تاريخهم، هو تمثيل الشارع السني، بل وتحويل هذا الشارع إلى «مؤسسة» بقيادتهم. وربما نتذكر أن هذه الصورة قد برزت بأوضح تجلياتها في ستينيات القرن العشرين فما فوق. هذا الخطأ هو نفسه الذي قام به الخميني في لعبة التمثيل، سواء على مستوى الداخل الإيراني أو الإقليمي (تمثيل العالم الإسلامي)، ليتخذ هذا التمثيل لاحقاً وجهاً طائفياً في دعم مناصريه ومناصري دوغمائيته الدينية المسيسة، والتي حاول تصديرها، في محاولة لاستمالة إسلاميي المنطقة.

إخوان سورية كانوا من أوائل من رحب بذلك بحفاوة صدر «ثورية»، على أمل قيام كيان إسلامي سياسي واسع في المنطقة (طبقاً لمشروع الإخوان /2004/، فإنهم لم يغيروا من هذه الأدلوجة). لقد كان ترحيباً إخوانياً بدا أنه سياسي براغماتي أكثر من كونه اعترافاً ب «شرعية» قيام كيان سياسي شيعي. لكن مرة أخرى، يعود الثقل التاريخي الصراعي بوجهه الطائفي ليلقي بظلاله: لا يمكن شهر عسل أن يصمد أمام ذاكرة طويلة وتاريخ مثقل بالآلام والدماء. إن كلاًّ من الطرفين معبأ بتلك الذاكرة.

إنه بتحول سورية الآن إلى أرضٍ للصراع بين القوى الدولية، فإن «إخوانها» (ومن ورائهم «الهلال التركي»)، لن يكونوا بعيدين عن هذا المشهد فقط، بل ربما «أداة طيعة» للصراع، في ظل ما يدور تحت الطاولة من صراع خفي محتدم، صراعٍ قديم يجدد نفسه دائماً بين «هلالي» الإسلام: الشيعي والسني. إن حجم موقع الإخوان السوريين في هذا الصراع وقدرته التمثيلية للهلال السني، مرهونان حتماً بمسار الأحداث في سورية وما سوف تستقر عليه.

لهذا، فإن تكرار الإخوان أخطاءهم الماضية ودخولهم في لعبة «التمثيل» الطائفي سيعتبر كارثياً في ظل ما تشهده سورية من أحداث دموية، وبخاصة على مستوى الداخل الموزاييكي السوري. ما يُفترض أن يقولوه بعد أكثر من سنة على مضي الأزمة السورية لم ينطقوه في وثيقة عهدهم، فهل كان يصعب عليهم بعد أكثر من نصف قرن «بعد تاريخٍ حافلٍ في العمل الوطني لعدة عقود، منذُ تأسيس الجماعة»(؟) كما قالوا، أنْ يعلنوا قطيعة مع محرك أيديولوجي «مخيالي» من محركاتهم الذهنية، وهو بعث وانبعاث «وحدة عربية» ثم «اتحاد إسلامي» كما جاء في بيانهم 2004، والذي أعادوا الإشارة إليه في وثيقة عهدهم الأخير؟ للأسف ما لم يدركه الإخوان، هو أن مثل هذه الأهداف وسط التوترات الطائفية والصعود الإيراني في المنطقة، لا تشكل مفاعيل توتاليتارية فقط، بل هي إعادة إنتاج للاستبداد العربي نفسه (صدام حسين انتقل من النداء للوحدة العربية أثناء حربه مع «فارس» إلى الوحدة الإسلامية في التسعينات)، لكن هذه المرة بصيغ ممانعة «إثنية» (قومية) و «طائفية» (دينية) أمام صراع الهويات الطائفية الذي تشهده المنطقة.

وبالتالي، ما لم يعلن الإخوان قطيعة مع تلك الذهنيات، فإنهم لن يتقدموا خطوة واحدة على منافسيهم، الأشقاء المستبدين.

* كاتب سوري.

=================

معارضة ضائعة!

ميشيل كيلو

الشرق الاوسط

2-5-2012

لم أجد بين من قابلتهم خلال الأسبوعين الأخيرين، من داخل سوريا أو من خارجها، من عبر عن ثقته بالمعارضة السورية. لقد فاجأني أن المتحزبين من هؤلاء انتقلوا من إبداء التذمر والضجر واليأس من مواقف أحزابهم إلى نقد جميع مكوناتها ومجالسها وهيئاتها. من الأمور الكاشفة جدا أن من كانوا يدافعون عن المعارضة السورية من المنتمين إليها والعاملين تحت لوائها هم اليوم أشد الناس انتقادا لها وتذمرا منها، بل إن كثيرين من هؤلاء أخذوا يتبرأون من أحزابهم وسياساتها، ويعلنون بوضوح وصراحة فشلها في كل ما تصدت له من مهام، عدا نجاح بعض تكويناتها في ملاقاة النظام عند منتصف الطريق، ومساعدته على تنفيذ برنامجه القائم على العنف والانقسام الوطني والضغط بالقوة على الشعب كي يهجر مشروع الحرية وسلميته وطابعه المجتمعي الشامل، بعد أن قدم آلاف الشهداء وعشرات آلاف الجرحى ومئات آلاف المعتقلين على الدرب إليه.

ثمة إجماع تشكل خلال السنة الماضية عامة، والأشهر الأخيرة منها خاصة، على أن المعارضة بتنظيماتها المختلفة هي التي يجب أن تكون من الآن فصاعدا موضوع النقد ومادته، ما دامت الأخطاء المقترفة لم تحدث من تلقاء ذاتها، بل هي أخطاؤها هي بالذات، ولأن نقد مواقفها وآرائها لم يصحح النهج السياسي والسلوكي الذي أدى إليها، فمن الحتمي والضروري انتقادها هي كجهة تقف وراءها، بالنظر إلى أن نقد سياساتها لم تعد تعبر عن حقيقة الأمور، ولا تفضي إلى خروج السوريين من عنق الزجاجة التي يجدون أنفسهم فيها بسبب طابع تنظيمات وأحزاب تسمي نفسها المعارضة، تنتج الخطأ تلو الخطأ، فمن الضروري أن تكون محل رفضنا بعد أن أعطاها الحراك ما يكفي من الوقت، ووضع تحت تصرفها ما يكفي من المقاومة الشعبية والنضالات المختلفة، التي كان من شأنها أن تشكل حاضنة تعينها على تصحيح أمورها وتطوير عقلياتها وممارستها، لكنه يتبين منذ بضعة أشهر أن العيب ليس في الأقوال والمواقف وحدها، بل هو أساسا وحصرا في الجهات التي تصدر عنها: في المعارضة.

وكنت إلى ما قبل أيام قليلة أعتقد أن المعارضة لا توحد مواقفها، ليس لأنها عاجزة عن توحيدها، بل لأن عقبات خارجة عن إرادتها تحول دون ذلك، تتعلق بالظروف السورية والعربية والإقليمية والدولية الراهنة، كما تتصل بشيء من تاريخها وملابساته المعقدة، وبعلاقاتها بعضها مع بعض ومع النظام القائم في بلادنا، لكنني أعتقد الآن أنها لا تريد الوحدة، أكانت وحدة مواقف أم تنظيمات، وأن بعضها يرى في الشقاق جزءا تكوينيا من خطة سياسية يجب التمسك بها، لاعتقاده أن ثمارها ستكون يانعة بالنسبة إليه، لاعتقاده أن المرحلة المقبلة في سوريا ستكون إسلامية بالضرورة، لأن هذا هو خيار أميركا باراك أوباما، وأن بعض الدول الإقليمية، وخاصة تركيا، تتبنى هذا الخيار، فهو لأول مرة في تاريخ العرب المعاصر والحديث خيار دولي وإقليمي، وهو خيار رابح لا محالة، فلا خير في تضييع وقت الإسلاميين على تحالفات ومواقف موحدة، إلا إذا أتت وفق شروطهم ورؤيتهم وضمن حساباتهم.

يزيد من اقتناع هؤلاء بهذه النظرة الخاطئة جدا ما يتدفق عليهم من أموال تمكنهم من استغلال جوع الشعب وبؤسه لشراء تأييده أو ابتعاده عن أحزاب وقوى وتيارات المعارضة الأخرى، فهل يعقل أن يسعى هؤلاء إلى الوحدة مع غيرهم إن كانت الوحدة تعني نهاية هذا النهج أو وضع قيود عليه، وتلزمهم بالتنسيق مع من تريد قهرهم والتغلب عليهم وإخراجهم من «الساحة»، وتقوض سعيهم إلى جعل المعركة في سوريا حكرا على طرفين: هم من جانب والنظام من جانب مقابل؟ هذه الخطة، التي تحتم إقصاء الآخرين واستبعادهم وتشويه سمعتهم ورفع الكراتين ضدهم واتهامهم بالخيانة في المظاهرات، هي سبب الاستعصاء الخانق في علاقات أطراف المعارضة السورية، ليس فقط لأنها تستثير ردود أفعال لدى التكوينات والتكتلات الحزبية تشبه طبيعة ما يفعله الإسلاميون، بل كذلك لأنها تحول الصراع من معركة ضد النظام إلى معركة داخل المعارضة، التي ترى عندئذ في الفرقة استقلاليتها، وفي الشقاق دفاعا عن خصوصيتها، وتبدأ بالعمل انطلاقا من قواعد وتدابير إقصائية واستبعادية بدورها. ماذا يبقى من القضية الوطنية؟ وكم تكون حصة الحراك المجتمعي من أجل الحرية أولوية في أجواء هذه محددات السياسة فيها؟ لا شيء، أو القليل جدا مما يتناقص من يوم لآخر.

لا تريد المعارضة أن تتحد أو تتقارب، ولا تستطيع أن تتحد أو تتقارب وهي تدافع عن خلافاتها باعتبارها مواقف مبدئية تضمن دورها ونضاليتها. لذلك، يجب أن نرى الحقيقة ونقر بها دون لف ودوران، ونفكر بكل جدية في سبل وآليات عمل وطني ليست جوامعه المشتركة كلامية بل عملية وضاربة، وليست رهاناته نقيض ما يعلنه، تلزم الطرف الإسلامي بأولوية الصراع ضد النظام، وبأن هذا يتسع لكل جهد مخلص ونزيه، من أي جهة أتى، وتقنعه بالإقلاع عن الصراع منذ اليوم على مرحلة ما بعد النظام، لأن سياسته هذه تتطلب الصراع ضد أحزاب وتجمعات المعارضة الأخرى، الذي يبدد أي جهد لتوحيد القوى في معركة طرفها المقابل نظام ليس لدينا أي تناقض عدائي مع أي أحد سواه، بينما التناقض مع بقية أطراف المعارضة ثانوي الطابع والهوية، ولا يجوز أن يحتل الصدارة من ممارسات ومواقف أي فصيل إسلامي، على عكس ما هو الحال في الحال السورية القائمة، حيث يصارع التيار الإسلامي بمختلف توجهاته النظام والمعارضة في آن معا، غير آبه للنتائج التي تتمخض اليوم وستتمخض غدا عن دوره هذا، وأهمها على الإطلاق فشل الثورة، وإلا فسفح المزيد من دماء شعب يزعم أرباب هذا التيار ليل نهار رغبتهم في حقنها، ويتهمون كل ما ل مايقر سياستهم بالتسبب في هدرها.

المعارضة السورية مريضة إلى درجة تصعب معالجتها: أما مرضها فيكمن بكل بساطة في «قلة عقل» من يقررون أمورها ويديرون شؤونها، وفي ما ينتج عن خفتهم السياسية من تهافت في الحسابات، وطرق مزدوجة لا يعرف أحد العلني من السري فيها، مع أن ثورة الحرية تتطلب أقصى قدر من النزاهة والوضوح، وأخيرا: من تعامل غير مستهتر مع قضية الشعب، وما ينجم عن بيئة حزبية وقيادية هذه صفاتها من ضغائن وأحقاد وصغائر تزيح من نفوس المنتمين إليها أي جانب إنساني أو علاقة طبيعية.

في لقاء ضمني وبعض الزملاء مع الأمين العام لجامعة الدول العربية الدكتور نبيل العربي، اقترحنا اعتماد وثيقة «المجلس الوطني السوري» التي أقرت في إسطنبول كأساس لحوار المعارضة حول مشتركات وجوامع يمكن انطلاقا منها تحديد مواقف مشتركة في مسائل غدت اليوم مصيرية، كنجاح مهمة كوفي أنان وتحديد تفاصيل مرحلة الانتقال إلى الديمقراطية، وتطوير وتعميق الحراك الشعبي والمجتمعي في سوريا على مختلف أصعدته. قبل الرجل الاقتراح ووعد بدعوة المعارضة إلى لقاء وشيك في القاهرة تنجز خلاله هذا العمل. أراهنكم أن هذا لن يحدث، فإن تصادف وحدث، تكفلت أطراف من المعارضة بإفشاله، ما دامت القوى الإسلامية تنطلق من إنكار وجود الآخر، والتنكر لشرعية ما يقول ويفعل، والتصميم على احتكار الثورة وأسلمتها!

هنيئا للنظام السوري معارضته عامة والإسلاميين منها خاصة!

=================

هل ينجح النظام هذه المرة أيضا؟

عبدالرحمن الراشد

الشرق الاوسط

2-5-2012

الحكومة السورية الآن تشن هجمة دعائية لإفشال مهمة المراقبين الدوليين الذين جاءوا للتحقيق في المجازر التي ترتكبها في أنحاء سوريا. فجأة مع بدء عمل المحققين الدوليين أصيبت العاصمة دمشق وإدلب وغيرهما بسلسلة تفجيرات كانت ملائمة جدا لإلصاق التهمة بالثورة لإقناع الخارج بأنها ضحية لجماعات إرهابية.

في العقود الماضية كانت تقنع كثيرين بمثل هذه القصص، لكنها الآن وصلت إلى نهاية حبل الكذب الطويل. للنظام السوري تاريخ وتجارب طويلة في إدارة معاركه وفق ركنين، التخويف والتضليل. لنحو أربعين عاما مارس هذا الأسلوب في المنطقة ضد خصومه اللبنانيين والأردنيين والعراقيين والفلسطينيين والمصريين. وما يفعله الآن ضد المعارضة السورية هو تمرين مكرر. وكان آخر وأطول معاركه ضد المعارضة في لبنان، الذي احتله لنحو أربعة عقود بخليط من القوة العسكرية والأكاذيب الدعائية.

قبل سبع سنين لم تكتف السلطات السورية باحتلال لبنان بل قررت فرض هيمنتها الكاملة وتصفية معارضيها. ولهذا الغرض أطلقت حملة أكاذيب ضد خصومها، لتشويه سمعتهم وتخوينهم، ثم بدأت بتصفيتهم واحدا بعد آخر لأكثر من عامين. بدأت بمحاولة اغتيال الوزير مروان حمادة، وعندما لم يتوقف رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري عن معارضته دبرت اغتياله وادعت أن إسرائيل خلف الجريمة. ثم قامت بقتل اثنين من مثقفي لبنان البارزين لإسكات البقية، سمير قصير وجبران تويني، وحاولت قتل المذيعة مي شدياق التي نجت لكنها فقدت ساقها ويدها. واستمرت في قتل اثنين وعشرين شخصية لبنانية من نواب برلمان وسياسيين، وكل من انتقدها من مسيحيين ومسلمين. وعندما أقرت الأمم المتحدة لجنة للتحقيق في جرائم الاغتيال لجأ النظام السوري إلى تهديد المحققين الدوليين أنفسهم، وقام باغتيال أحد أبرز رجال أمن لبنان عندما نجح في جمع معلومات تثبت تورطه.

الآن نحن نشهد نفس الفيلم السوري الذي لم يعد يصدقه أحد، فالسلطة تفتعل مسرحيات انفجارات تتهم بها المعارضة للتشويش على التحقيقات الدولية. فعلتها في المرات السابقة وتعيد فعلها هذه الأيام!

لقد ضحك النظام السوري على قطاع كبير من العرب الذين صدقوا شعاراته وأعذاره، ورفعوه إلى مصاف الأبطال ومنقذي الأمة، في حين كان يقتات على الشعارات ويدير حروبه بالأكاذيب. كان الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات أكثر من يشتكي من النظام السوري ويحذر بأنه أخطر عليه حتى من أعدائه الإسرائيليين لكن الكثيرين، بسبب الدعاية السورية الشريرة، خاصموا عرفات وأساءوا له.

لا ننسى ما فعله النظام السوري في القمة العربية ببيروت عام 2002، فقد أوعز إلى دميته الرئيس اللبناني السابق لحود بمنع عرفات من إلقاء كلمته المتلفزة. وكانت إسرائيل بدورها أيضا منعت عرفات من السفر وأبقته حبيس بيته في رام الله. جلس عرفات أمام الكاميرا لثلاث ساعات ينتظر ليخاطب المؤتمر لكن السوريين أصروا على منعه من إلقاء كلمته، حتى تدخلت السعودية والإمارات وخفضتا مستوى تمثيلهما في المؤتمر احتجاجا، كذلك انسحب الوفد الفلسطيني غاضبا، واضطر السوريون مرغمين لاحقا إلى السماح لعرفات أن يلقي كلمة الشعب الفلسطيني بعد أن أهانوه أمام الملأ نهارا كاملا. ماذا كان رد الحكومة السورية على فعلتها البشعة؟ قالت إنها منعت عرفات من المشاركة خشية أن يدخل شارون، رئيس وزراء إسرائيل آنذاك، على الخط التلفزيوني. طبعا كان عذرا سخيفا لكن بكل أسف نجح نظام الأسد وحزب الله في غسل دماغ ملايين العرب لسنين طويلة وفي قضايا كثيرة.

النظام يعتقد أنه يستطيع الاستمرار في الحكم بنفس الأسلوب طامعا في الخروج من جرائمه كما فعل طيلة أربعين عاما.

===========================

ملامح من فقه الهُويَّة

صحيفة العرب القطرية

 2012-05-01

د. محمد عياش الكبيسي

يكثر الحديث هذه الأيام عن الهُوية، من حيث أهميتها والتحديات التي تواجهها، ولكن ليس هناك ما يشير إلى وجود تعريف جامع مانع للهوية التي نتحدث عنها، وهذا ما يفتح الباب لتفسيرات وتأويلات فضفاضة قد تساعد في كشف خاصرة الهوية نفسها لكل من يسعى لاختراقها أو تشويهها.

الهُوية تعريفٌ، والتعريفُ ينبغي أن ينقّى تماما من الكلمات المحتملة والمفاهيم المبهمة، وإلا فقد التعريف وظيفته، تماما كالبطاقة التعريفية التي يحملها الأشخاص والتي تتضمن الاسم والصورة والتسلسل الوطني وكل ما يميز هذا الشخص عن غيره، وحينما نتكلم عن هوية الأمة فإن الحاجة إلى التعبيرات المحددة والمميّزة ستكون أشد، وإذا كان فقدان الهوية الشخصية أو اختلاطها قد يضيّع الحقوق والحدود، فإنه بالنسبة للأمم والشعوب سيكون أكثر خطرا على كل المستويات الثقافية والسياسية، خاصة إذا لاحظنا أن الهوية لا تعرّف الأمم والمكوّنات البشرية فحسب، بل هي من تؤسسها وتعيد صياغتها، والذين ينجحون في صناعة هوية جديدة فإنهم قد ينجحون أيضا في صناعة أمة جديدة! ولننظر مثلا إلى فرانكلين في صناعته للهوية الأميركية، ولينين في صناعته للاتحاد السوفيتي.

بعض الباحثين لا يعرّف الهوية إلا بالسمات والخصائص كالدين واللغة والعادات والتقاليد، ثم يضع هذه العناصر في مرتبة واحدة ويسوقها سوقا واحدا، وفي المقابل هناك من الإسلاميين من يعرّف الهوية بالعقيدة، وبهذا يلغي كل السمات والخصائص الأخرى، وكلا التوجهين يحملان تداخلات خطيرة قد يطول شرحها، ولكن يكفينا هنا أن نثير الجو النقدي المحفّز على التفكير الفاحص.

لكل هوية سماتها وخصائصها ولكل شعب طرائقه في التعبير عن ذاته، إلا أن كل هذه السمات والطرائق تدور حول فكرة مركزية تمثل العمود الأساسي في الهوية، وهذه الفكرة يمكن أن نسميها (الآصرة الأولى) فمثلا القبيلة مثّلت هذه الآصرة في بعض المجتمعات ووفق هذه الآصرة يكون الولاء والعداء، أما اللغة والعادات والتقاليد والفن فكلها خصائص تابعة لهذه الآصرة وتدور في فلكها، ومثل هذا حينما نتكلم عن الآصرة الوطنية أو القومية أو الطائفية.

في هويتنا الإسلامية لا بد من البحث أولا عن هذه الآصرة، فما الذي فرّق بين أبي لهب وأخيه العباس، وما الذي أبعد «أبا الحكم» وقرّب بلالا؟ وما الذي جعل الأوس والخزرج يخوضون حربا ضروسا مع قريش؟ هناك قضية واحدة وكلمة واحدة «لا إله إلا الله محمد رسول الله»، ولم يكن التمايز في اللغة ولا العادات أو التقاليد ولا كل السمات التي يضعها بعض الباحثين في صف واحد.

لكن هذه هي العقيدة التي انطلق بها المسلمون الأوائل وصنعوا منها تاريخا متميزا وممتزجا بروح العقيدة ومقتضياتها حتى إنه يصعب وضع حد فاصل بين التاريخ الإسلامي والعقيدة الإسلامية، فمعركة بدر وأُحُد والقادسية واليرموك والفتوحات الكبرى كفتح الأندلس والقسطنطينية... إلخ وما أفرزته هذه من رموز تاريخية كبيرة كالخلفاء الراشدين وخالد بن الوليد وسعد بن أبي وقاص وطارق بن زياد وصلاح الدين ومحمد الفاتح... إلخ هذا التاريخ كله هو جزء من هويتنا وإن لم يكن جزءا من علم العقيدة، بمعنى أنه لا بد من غرس الاعتزاز بهذا التاريخ في نفوس الأطفال والناشئين، وهو وإن كان تاريخا بشريا غير مقدس لكنه يمثل امتدادا هاما لهويتنا الإسلامية، ورافعة قوية لطموحاتنا الكبرى في الوحدة والنهضة، والأمة التي ليس لها تاريخ ليس لها مستقبل.

والعقيدة أيضا لم تنفصل عن الفكر الإنساني، فتراثنا الإسلامي حقق تفاعلا متواصلا بين المعرفة البشرية ومصادر الوحي المقدس (القرآن والسنة) فكتب التفسير والحديث والفقه والأصول... إلخ والمدارس العلمية والاجتهادية الرصينة كالمذاهب الأربعة، والمؤسسات التربوية كالزيتونة والأزهر والنظامية والمستنصرية، والرموز العلمية الكبيرة كالبخاري ومسلم والغزالي وابن تيمية... إلخ هذا التراث كله هو جزء من هويتنا وإن لم يكن تراثا مقدسا.

ولأن الوحي نزل بلغة العرب (إنا أنزلناه قرآنا عربيا) وهي لغة الحديث والفقه والتفسير، ولغة الصلاة والحج فإن اللغة العربية إذن هي جزء من هويتنا بكل تراثها العلمي والأدبي ومدارسها ورموزها، وإن لم يكن هذا التراث اللغوي تراثا مقدسا أيضا.

وكذلك طرائق التعبير عن هذه الهوية هي أيضا جزء من هويتنا، وهذا باب واسع يشمل الفن والعمران والزينة والزي... إلخ, ومعلوم تلك الأحاديث النبوية التي تتحدث عن ترجيل الشعر ومخالفة المشركين ثم اليهود فيه، وقد حوى كتاب اقتضاء الصراط المستقيم لابن تيمية لطائف وفرائد دقيقة في هذا المجال، وعلينا ألا نستهين بهذا الجانب فإن مآذن اسطنبول هي التي حافظت على هوية تركيا الإسلامية رغم كل مشاريع التغريب والأَوْرَبة، وإن مسجد أبي حنيفة النعمان هو من حافظ على هوية بغداد في أيام البويهيين، وسيحافظ عليها اليوم إن شاء الله في عهد الصفويين الجدد، كما أن قبة الصخرة التي بناها الأمويون في المسجد الأقصى المبارك ستحافظ على هوية فلسطين، وقد زرت الأندلس فوجدت الزخارف الإسلامية المنتشرة حتى على المباني الحديثة مثل فندق الحمراء والذي تزيّن أروقته عبارةُ (لا غالب إلا الله) وهي شاهدة على هوية الأندلس، وفي البلقان كانت أنشودة (طلع البدر علينا) يحفظها أطفال المسلمين هناك, وأصبحت جزءا من هويتهم، وأخيرا فإن تعلق قلوب الملايين من المسلمين بستارة الكعبة المشرفة وزخرفتها المميزة شاهد آخر على صلة هذا الجانب بالهوية.

إذن نحن بحاجة إلى تعريف متوازن ودقيق للهوية يجمع بين محور الهوية المقدس (العقيدة) وبين التفاعلات البشرية مع هذا المحور فكرا وحركة وتعبيرا، كما نوازن بين الاعتزاز بتاريخنا وتراثنا والشعور بالانتماء إليه وأنه جزء من ذاتنا وهويتنا وبين النقد العلمي لهذا التاريخ والتراث لأنه ليس تاريخا ولا تراثا مقدسا، بهذه النظرية المركبة والمتوازنة نستطيع أن نصوغ تعريفا مناسبا ودقيقا للهوية بشكل عام فنقول: «الهوية هي آصرة الولاء والانتماء الأولى والخصائص الثقافية والتراثية المنبثقة من التفاعل الإيجابي مع هذه الآصرة».

هذه المقدمة في تعريف الهوية ستوصلنا إلى استنتاجات ومعايير حاكمة في نمط التفكير السائد ومن ذلك:

أن الحديث عن الهوية من خلال السمات المجتمعية المنفصلة أو المتساوية مع المحور الأساس يجعل التمايز بين الذات والآخر تمايزا ضعيفا وربما متميعا، فحين نردد مثلا: علينا أن نعترف بالآخر أو أن نحترم الآخر، وهذه أدبيات جميلة، لكن أليس الأَوْلى قبل هذا أن نعرف بالضبط من نحن ومن الآخر؟ وهنا يأتي دور الهوية، فهي التي ستحدد بالضبط من نحن ومن الآخر، وحين تتناول الهوية السمات والأدبيات العامة من غير تحديد الآصرة «الجامعة المانعة» فإن الحدود بيننا وبين الآخر ستبقى مشوّشة ومرتبكة.

وحين نرتكب الخطأ المقابل فنمحو التاريخ والتراث من مسمى الهوية، فإننا سنعرّض كل هذه الثروة للضياع، وأذكر هنا محاضرة لأحد المشايخ وهو يتحدث عن الفتن والفِرق فقال: الحل هو أن نتجاوز كل هذا التاريخ المضطرب ثم ننصب جسرا من النقطة التي نعيش بها اليوم إلى عصر النبوة الصافي! ومع ما يبدو في هذا من طرح مريح للنفس، إلا أنه من الناحية العملية غير ممكن، فذلك العصر نُقل إلينا نقلا. والذين نقلوه هم بشر رواية ودراية واستنباطا، والذين وضعوا قواعد اللغة العربية هم بشر أيضا، وبالتالي فإننا لن نتخلص من الاجتهاد ولا الاختلاف وفوق هذا سنخسر من تلقتهم الأمة بالقبول وشهدت لهم بالتميّز والصلاح، وهذه الفكرة بأبعادها النفسية تمثل هزيمة داخلية وتخففا من أعباء استيعاب الهوية وفهمها والصراع من أجلها كحال جميع الأمم التي تقاتل من أجل هويتها.

في التعريف المقترح معيار حاكم حيث لا بد من التفريق بين التراث المنبثق من التفاعل الإيجابي مع «الوحي» والتراث الآخر حتى لو صدر ممن ينتسب إلى الأمة، وهذه فائدة التفريق بين الآصرة الأولى وبين بقية السمات والخصائص، فمثلا في بعض كتب التفسير هناك تفسيرات باطنية متناقضة مع صريح الوحي، وهناك روايات إسرائيلية استفادها بعض المفسرين من الكتب اليهودية كمحاولة لتفسير بعض القصص القرآنية والتي قد تكون وردت بشكل مفصل في الكتب اليهودية، وهناك أيضا مقولات عقائدية وفقهية لا تدخل في دائرة الاجتهاد المشروع، وهذا كله ينبغي إبعاده عن مفهوم الهوية, ثم لا بأس بتناوله في دائرة التراث الإنساني العام للاعتبار وليس للانتماء.

من هنا تكون أمامنا ثلاث دوائر: دائرة الوحي المقدس (قرآنا وسنة) وهذه الدائرة هي محور الهوية وركنها الأساس، ثم دائرة النشاط العملي والفكري المنبثق من التفاعل الإيجابي مع الدائرة الأولى، وهذه امتداد لهويتنا نعتز بها وندافع عنها وهي خاضعة أيضا لمزيد من الاجتهاد والنقد والتمحيص، الدائرة الثالثة دائرة النشاط العملي والفكري البعيد عن الدائرة الأولى، وهذه لا نعدها من هويتنا وإنما هي جزء من التراث الإنساني العام.

بقي أن نجيب عن تساؤل يثار وهو: لماذا فقه الهُوية؟ وما الذي يضيفه فوق الأحكام الشرعية المعروفة؟ نعم هناك بعض التداخل من حيث المصدر والغاية الكلية لكن هناك فارق جوهري كبير، ولهذا الفارق تداعيات وآثار كبيرة وخطيرة، منها أن الفقه الإسلامي يعنى به الفقهاء استنباطا وتحقيقا وترجيحا وتنزيلا، والأمة عليها أن تستفتي هؤلاء الفقهاء «فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون» أما الهوية فالأمة كلها معنية بفهمها وترسيخها والدفاع عنها، إنها الرأي العام والإطار الكلي الجامع، والمعيار الذي يجب أن تحمله الأمة في كل ظروفها وأحوالها لتعرف به عدوها وصديقها، وتعرف به الاعتدال من الشذوذ، لكن الأمة غير مطالبة بفهم كل الأحكام الفقهية، بل المطلوب أن تميز تراثها المرتبط بهويتها عن التراث الآخر تميّزا كليا من خلال الرموز والملامح العامة والقوانين الكلية وليس من خلال المعرفة التفصيلية لجزئيات هذا التراث، وبهذا يتمكن الجميع من المساهمة في ترسيخ الهوية وبكل الوسائل المتاحة كالتربية الأسرية والمدرسية ووسائل الإعلام والعلاقات الاجتماعية... إلخ, ولا يصح أن تترك الهوية لنخبة متخصصة من الفقهاء والباحثين، وعليه فمن الناحية العملية ليس معيبا أن يقول المسلم إني لا أعرف معنى هذه الآية أو ذلك الحديث، أو أني لم أسمع بهذا الحكم في العبادات أو المعاملات، ولكن من المعيب أن يسمع الطعن في أمهات المؤمنين وصحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وتاريخ الأمة, فيسكت أو يقول: لا أعلم! فهذا مؤشر على ضياع الهوية وتشويهها.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ