ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الاثنين 07/05/2012


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

أزمة النظام الإقليمي

سعود كابلي

الوطن السعودية

6-5-2012

لا يوجد في منطقتنا أي صيغة ملكية إقليمية للتعامل مع الأزمات، فأزماتنا ليست ملكنا في الأساس للتعامل معها، ومن ثم فالنظام الإقليمي هيكليا عاجز عن التعامل مع أي تحد إقليمي

ليس سرا أن منطقتنا تعاني من أزمة في نظامها الإقليمي وهي أزمة عاد الربيع العربي ليكشف عوارها بقوة، بدءا من تعريف ماهية هذا النظام بعموميته، وكذلك محدداته وأطره العامة. فالجغرافيا التي تشكل العامل الأول في معادلة أي منظومة إقليمية تكشف من جهة أخرى عوار مفهوم النظام الإقليمي الذي يجد العرب أنفسهم فيه. فحدود نظامنا الإقليمي غير واضحة ويغلب عليها التشابك أكثر من الوضوح.

حتى الآن ما يجمع ٢٢ دولة عربية تمتد من المحيط إلى الخليج تشكل صلب منطقة الشرق الأوسط ليس أكثر من تشارك في اللغة والتاريخ والإرث الثقافي، إضافة لمفاهيم عائمة من قبيل وحدة المصير.

على امتداد العالم العربي تتباين حالة الدول العربية بين نقيضين على الدوام، فالنظام الاقتصادي لا يشكل أرضية مشتركة بين دول تتمتع بثراء فاحش في مقابل دول تعاني من حالة اقتصادية متردية، وهذا التباين ليس تباينا في الثراء بحد ذاته بقدر ما هو تباين في هياكل الدول أنفسها، سواء هياكلها الاقتصادية أو حتى هياكلها السياسية، وهي هياكل سيزيد من عمق تباينها الربيع العربي بتأثيراته المستقبلية وخاصة على الثقافة السياسية بين الدول العربية. وسيظل القاسم المشترك بين موريتانيا وفرنسا على سبيل المثال أكبر وأعمق بكثير من الرابط المشترك بين عمان وموريتانيا. ولا يزال تصور قيام نظام إقليمي متكامل تحت مظلة استراتيجية واحدة يجمع الصومال بالعراق مثلا ضربا من ضروب الخيال السياسي أكثر من الواقع السياسي.

ما هي حدود النظام الإقليمي هنا؟ هل يتضمن نظامنا الإقليمي تركيا وإيران؟ وهل يتضمن إريتريا ودول القرن الأفريقي التي لها تداخل مباشر مع دول عربية؟ وهل يتضمن حوض المتوسط الشمالي الأقرب لدول المغرب العربي؟ ثم، ما هو التصور النهائي لتداخل كل تلك الأطراف مع بعضها البعض؟ فإذا كان هناك نظام إقليمي عربي، فما هو إذا مفهوم الأمن الإقليمي العربي؟ وهل يمتد هذا المفهوم ليشمل تحديات دول شمال أفريقيا التي تختلف عن تحديات دول الخليج التي تختلف بدورها عن تحديات جيبوتي والسودان؟ إنها أزمة معنى حقيقية، في أن يكون هناك تبنٍ لمفهوم نظام إقليمي دون أن يكون لهذا النظام أي حدود أو معالم واضحة.

هذا الأمر هو ما يسبب الانكشاف الكبير الذي تعاني منه المنطقة من الخارج، وهو انكشاف يظهر أكثر ما يظهر في أوقات الأزمات. والعراق كمثال سابق أظهر حجم تعدي مصالح الدول من خارج المنطقة على مقدراتها دون أي قدرة لهذا النظام الإقليمي العربي من التأثير ناهيك عن القيادة، فخلال أزمة العراق منذ الاحتلال الأميركي كان التأثير العربي فيه صفرا إذا جاز التعبير، ولا يتجاوز مجرد محاولة العرب البقاء في اللعبة والموازنة مع اللاعبين الآخرين. هذا الأمر يتكرر اليوم مع سورية بصورة أو بأخرى، فرغم وجود هذا النظام الإقليمي المفترض نجد أن أزمة سورية في الواقع تقف أرجل حلها خارج النظام في عواصم عالمية تتجاذب مسألة سورية لحسابات مصالحها التي لا تتعلق في المحصلة النهائية لا بالإقليم أو نظامه. وطرح فكرة حل التدخل العسكري التركي ومن وراءها حلف الناتو بناء على حجج قانونية تمتلكها تركيا على وجه الخصوص ولا يمتلكها العرب هو أبلغ تعبير عن حجم أزمة هذا النظام الإقليمي في التعامل مع تحدياته وقضاياه.

لا يوجد في منطقتنا أي صيغة ملكية إقليمية للتعامل مع الأزمات (regional ownership of conflict) فأزماتنا ليست ملكنا في الأساس للتعامل معها، ومن ثم فالنظام الإقليمي هيكليا عاجز عن التعامل مع أي تحد إقليمي.

سورية أبلغ مثال لهذا العجز، ويتبدى أكثر عند محاولة الخروج بمفهوم شامل وواضح لماهية منظومة الأمن الإقليمي في المنطقة التي يتشارك فيها الجميع. فالأمن الإقليمي ليس أكثر من توافق مصالح حول قضايا بعينها ولا يرقى لأي صيغة جامعة تشكل مظلة لسياسات الدول. وبالمقارنة نجد أن أقاليم أخرى كأميركا الجنوبية أو حتى أفريقيا استطاعت تجاوز هذه التحديات من خلال صياغة مفاهيم واضحة للنظام والأمن الإقليمي الخاص بها. أزمات أفريقيا اليوم هي ملك لأفريقيا في المقام الأول، فالاتحاد الأفريقي بمجلس السلم والأمن الخاص به رغم كل ما يشوبه من تحديات وضعف في أحيان ما، هو أكثر فاعلية بأذرعه الدبلوماسية والعسكرية (قوات حفظ السلام) من جامعة الدول العربية على سبيل المثال.

إن نظاما إقليميا على سبيل المثال تفاعلات تركيا وإسرائيل وإيران تشكل مقدراته بأكثر مما تشكل الدول العربية التي هي عصبه الأساس هو نظام وصل لحالة من السيولة تجعله عاجزا عن توليد أي رؤية إقليمية، وبالتالي عاجزا عن

التعامل مع أي من تحدياته أو قضاياه. والحل يبدأ بإعادة طرح السؤال الرئيسي: ما هو النظام الإقليمي فعلا؟ هل هو مجرد منظومة مشتركة بين دول تجمعها وحدة اللغة في المقام الأول؟ أم منظومة بين دول قائمة على وحدة استراتيجية حقيقية ضمن بقعة جغرافية؟

=================

تنظيم القاعدة في البلاد السورية

عمر الزبيدي

الوطن السعودية

6-5-2012

حينما ذهبت مؤخرا في مهمة عمل صحفية إلى سوريا لم يغب عن ذهني العديد من الأسئلة التي أثارتها شهادة وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون أمام مجلس النواب الأمريكي حول وجود القاعدة في سوريا، إضافة إلى تصريحات أطلقها أيمن الظواهري أعلن خلالها دعمه للمقاومة في سوريا.

وأردت معرفة مدى تواجد تنظيم القاعدة الذي دخلت عناصره سابقا الفلوجة لتشويه أهداف المقاومة العراقية ما أعطى الجيش الأمريكي العذر لضرب المقاومة السنية هناك، ولإبعاده عن تنامي قوى مسلحة تابعة لطهران، ليتحول التنظيم المعادي للجمهورية الإيرانية في السابق إلى أداة تستخدمه إيران في تشييع العراق.

بحثت في سوريا عن مقاتلين عرب أو قاعدة فكان الجواب واضحا من قيادات الجيش الحر "لا نريد مقاتلا غير سوري ولا نحتاج ولن نسمح بذلك"، رافضين تكرار التجربة العراقية وتشويه الثورة بمشاركة عناصر إرهابية، مكتفين بالعسكريين المنشقين عن النظام للقيام بدورهم الحقيقي في الدفاع عن الشعب، ولم أقابل خلال تواجدي في أكثر من مدينة وبلدة وقرية سورية ولو صدفة عربيا واحدا غير أبناء سوريا.

أما حديث الظواهري في دعمه للمقاومة السورية فله عدة أبعاد؛ الأول إذا كان ذا صبغة تسويقية فالقاعدة فقدت بريقها وانكشفت حقيقة أهدافها وأنهى الربيع العربي كل مبررات وجودها، وإذا كان حديثه تعبيرا عن تعاطف فإنه يسيء للثورة السورية ولا يخدمها ويشكك بالعناصر الوطنية الذين يقاتلون ضد الدكتاتورية والعمالة لإيران، وإذا كان حديث الظواهري تعبيرا عن أجندة للقاعدة للدخول في سوريا فهي مؤشر خطير على محاولة طهران تحريك عملائها التكفيريين المدعين بأنهم من أهل السنة لضرب الثورة كما ضربت بهم المقاومة العراقية الوطنية الشجاعة ضد المحتل الأمريكي.

=================

في أي مرحلة يعيش النظام السوري؟ (1-2)

بقلم: خالص جلبي

الراية

6-5-2012

في مهنتي كطبيب وجراح أوعية أميل أحيانا إلى تسخير قوانين البيولوجيا لفهم الظاهرات الاجتماعية، وهو أمر استفدت فيه من الفيلسوف البريطاني (هربرت سبنسر)، ومما وقع تحت يدي دراسة ظريفة قامت بها باحثة من حقل علم النفس للمراحل التي يمر بها مريض الموت، أي ذلك المشرف على الموت والمتأكد من دخوله هذه المرحلة.

وهي دراسة قد تفيد بشكل عام، وقد لا تنفع عند كل فرد، فصديقي الدكتور رياض وهو المختص في الأورام والسرطانات أصيب بورم قتاميني في فروة الرأس، ولم ينتبه له إلا وقد انتشر إلى الصدر، ولم تنفع فيه عمليات الاستئصال الواسعة للورم ولا المعالجة الكيماوية والشعاعية، وقد جاءتني نعوته في 25 أبريل من هذا العام 2012م، فبعد أن وصلت الانتشارات إلى الصدر أرسل لي يودعني ويطلب مسامحتي إن كنت قد أسأت في حقه فقد أصبح وجهه باتجاه العالم الآخر. هكذا قال.

نحن الأطباء نحب أن نقوم بمقارنات بين البيولوجيا والسسيولوجيا وحين وقعت تحت يدي هذه الدراسة الشيقة للمرضى المقبلين على الموت شعرت أنها تنفع أيضا في الأنظمة المنهارة أو على وشك الانهيار كما في النظام السوري؛ فسوريا لم تعد كما كانت من قبل بسبب بسيط هي كسر حاجز الخوف ومربعات الرعب الأمني؛ ولذا ففي قناعتي أن النظام السوري آيل للسقوط لا محالة مثل مرضى الموت المدنف، ولكن الوقت هو الذي يصعب تقديره، وقد يطول أي تحول الحالة من حادة إلى مزمنة. كما هو في العلل والأمراض، قد تنفجر الزايدة الدودية ولا تقتل وتتحول إلى ورم زائدي يعلعل منه المريض ولا يستفيق. أو كما في الحمى التيفية والملاريا فتضرب الحمى كل يوم جمعة بأسماء شتى فيرتج المريض ويصاب بفقر الدم التدريجي وكذلك هو الحال في سوريا كما كان عنوان الجمعة الأخير (إخلاصنا خلاصنا).

وهناك الكثير من رؤوساء الدول من يحقونهم بكل الأدوية ليحافظوا عليهم ولو بالشكل كما حصل مع ستالين وملوك من الشرق الأوسط وشاه إيران وهواري بومدين من الجزائر.

وربما تنفعنا الآية القرآنية من سورة سبأ حين يتحدث عن موت النبي سليمان وبقاء الجثة تستند على المنسأة حتى قرضتها دابة الأرض فهوى فلما خر تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين.

)فلما قضينا عليه الموت مادلهم على موته إلا دابة الأرض تأكل منسأته فلما خر تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب مالبثوا في العذاب المهين( في الدراسة التي قامت بها (إليزابيث كوبر روس E.K.Ross) على مئات المرضى الذين يواجهون الموت لاحظت أنهم يمرون بخمس مراحل قبل تسليم الروح ولبس الكفن.

هذه المراحل الخمسة هي:

(1)(الإنكار) وعدم الاعتراف بعمق الأزمة الوجودية) كما كان حال النظام السوري أنه ليس ثمة من أزمة مطلقاً.

(2)(الغضب والتحدي) ظهر ذلك في نسف المدن بالصواريخ والمدفعية كأي مراهق طائش يفجر كل شيء أمامه.

(3)(المساومة) ومحاولة التملص من قبضة الموت).

(4)(الاعتراف مع الكآبة) وأخيرا (5)(الاستسلام) فالموت حق فلا وزر..

ولعل النظام السوري هو الآن في (المرحلة الثالثة) فالمخاض عند الحامل يشتد فيه الطلق والألم والنزف حين الوضع، ثم يخرج الجنين إلى الحياة وهو المتوقع مع سوريا الديمقراطية المدنية الجديدة، بدون مخبرين سريين وحبوس وفلق... وقل أعوذ برب الفلق.

والآن لنأخذ تفصيلات البحث وتطبيقه الاجتماعي على سوريا الجديدة.

تقول الباحثة إن الإحساس بقرب النهاية يتم على مراحل خمس هي:

1 (الإنكار Deny) ورفض الاعتراف أنه سيموت فضلا أن يكون بالأصل مريض، وهي في الأنظمة رفض الاعتراف بالأصل أن هناك أي أزمة كما هو الحال عند الطبيب الجاهل أو المهمل أو المستكبر، أو كل ذلك معا حين يلاحظ النزف عند المريض؛ فلا يقدر أو يستخف أو ينام ومعه تنام سمعته.

في القرآن يوجد شيء يشبه هذا عن فرعون حين تحركت مئات الآلاف من المصريين العمال من بني إسرائيل مع موسى فوقف فرعون يقول إنهم شرذمة قليلون وإنا لنا لغائظون وإنا لجميع حاذرون وسنضرب بيد من حديد على المخربين والمسلحين والمارقين. قارن تعبير النظام السوري (العصابات المسلحة).

2 تقول الباحثة روس ثم يدخل المريض (الميت) المرحلة الثانية فتأتي مرحلة الغضب (Anger) والشعور بعدم العدالة، وتكون هذه المرحلة خطيرة من الغيظ والكلام السيئ واللعن بل والضرب والإيذاء فلماذا اختاره الله هو بالذات ليلبس كفن الموت وكان البارحة في متعة وحبور؟

وهو ما شعر به بشار الأسد بعد 11 عاما مريحة على ظهر العباد محروسا بخناجر الحشاشين.

فلماذا التغيير والعصابة مستريحة؟

ظهر هذا الارتياح بغبار من الكلمات كعادته أن الإصلاح ليس موضة (صرعة) وأنه بعون المخابرات سوف يغير البلد ليبقى سرجا مريحا للركوب إلى يوم التناد.

ولعل النظام السوري عبر المرحلة الثانية إلى الثالثة بعد تدمير بابا عمرو من الغضب على هؤلاء الجرذان بتعبير المهرج الليبي، والسلفية والمندسين بتعبير نظام البعث فكان الفتك شديدا جدا، فقتل الآلاف واعتقل عشرات الآلاف وفر مئات الآلاف فيما لم تعهده سوريا منذ الثمانينات.

كيف أمكن للخرفان أن يتحدوا الأسد في غابة تسرح فيها الضواري الأمنية؟؟ كيف تجاسروا ؟ كيف تجرؤوا؟ في الثورة الفرنسية شبه البعض الحالة أنها خرفان التهمت الأسد فهل هذا يحصل في سوريا الأسد؟

3 وحين يصمد المستضعفون في وجه المستكبرين يدخل المريض (الميت) المرحلة الثالثة وهي (المساومة Bargain) وهو ما فعله النظام السوري مع فتح الباب للمعارضة الداخلية، ومحاولة فتح باب المفاوضات والعفو العام، ومبادرات شتى آخرها مبادرة عنان مع الاستمرار في القتل اليومي، وما شابه عسى أن ينجو من قبضة ملك الموت..

=================

وقاحة السفير السوري..؟!

راشد فهد الراشد

الرياض

6-5-2012

 قبل أيام اعترضت البحرية اللبنانية السفينة "لطف الله 2"، وصادرتها في مياه مرفأ سلعاتا وتبين أنها تحتوي على ثلاثة مستوعبات، وفي داخل كل مستوعب كميات كبيرة من الأسلحة الثقيلة والخفيفة، وقد تم توقيف طاقم الباخرة، البالغ عددهم 10 أشخاص، كما تم توقيف وكيل الباخرة الجمركي، ويُدعى أحمد برنارد.

إلى هنا والخبر عادي، لا يثير نوعاً غير عادي من الاهتمام، ولا يستحق التوقف عنده كثيراً، فلبنان ساحة مفتوحة لكل شيء، يعيش بلا حكومة، وبعض شعوبه المتعددة والمتناقضة تتصارع فيما بينها على لا هدف، أو رؤية، أو برنامج، ولاءاتها ليست للجغرافيا، والتاريخ، والحرية، والسيادة، والاستقلال كما نسمع من خلال الصخب والصراخ والضجيج الذي تمارسه المنابر السياسية والزعامات الطائفية، وتباشره القنوات التليفزيونية التي تلبس ألوان الأحزاب والتيارات ودكاكين الأيديولوجيا والعقائد السياسية، وكل شيء فيه مباح بفضل فائض الحريات بما فيها حرية القتل، والخطف، والاجتياحات، كما حدث في 7 أيار، ومطار الشهيد رفيق الحريري الذي يقع في منطقة خاضعة للسيطرة الكاملة للحزب الإلهي، أو حزب السلاح الذي أتى بحكومة نجيب ميقاتي، هو مطار يهرب عبره السلاح، والمدربون، وخبراء الحرس الثوري الذين يتقنون فن صناعة المتفجرات، وفن قمع الناس في الجامعات السورية، وساحات المدن، وإعداد الشبيحة، والقتلة.

خبر السفينة "لطف الله 2" ليس حدثاً غير عادي في بلد كلبنان، بحيث يأخذ أبعاداً تطفو على سطح الحياة السياسية، بل إن محاولة اغتيال قائد القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع هي أخطر بكثير من مصادرة السفينة، فمن شأن عملية الاغتيال لو نجحت أن تفجر الوضع اللبناني، وتحدث زلزالاً مخيفاً، وتعيده إلى أتون الحرب الأهلية التي لم يتعافَ لبنان من ويلاتها وتداعياتها، وربما كان هذا هو الهدف الحقيقي الذي يعمل له المخططون من خارج الحدود اللبنانية، والمنفذون من الداخل اللبناني.

ما يستدعي التوقف عنده هو الكلام البذيء واللامسؤول الذي أطلقه السفير السوري في لبنان علي عبدالكريم علي من قصر بسترس، مقر وزارة الخارجية اللبنانية، بعد اجتماعة بوزير الخارجية اللبناني في حكومة حزب الله عدنان منصور، حيث ساق اتهاماته للمملكة وقطر في موضوع السفينة وأنهما "تقفان مع دول أخرى وراء هذه الأعمال التي تنال من أمن سوريا ولبنان والمنطقة".

ممارسات السفير السوري وتصريحاته تمثل البذاءة في أحط أساليبها، وقد أتى من مدرسة الكذب، والدجل، والتضليل، والعهر السياسي، والأخلاقي في التعامل، فهم لا يرون الدماء التي تسيل في شوارع حمص، وحلب، وبابا عمرو، وكل المدن السورية، ولا يرون المنازل يدفن أصحابها أحياء تحت أنقاضها بفعل الآلة الحربية التي دفع المواطن ثمنها من قوت أولاده، ورفاههم لتكون في خط المواجهة مع العدو في الجولان، فإذا بها تصب نيرانها على الصدور العارية الجائعة في الجامعات والمدارس والميادين والساحات، وتقتلهم بلا رحمة.

المؤلم أن يطلق السفير السوري هذه الاتهامات والبذاءات من منبر وزارة الخارجية اللبنانية، ثم لا تجد رداً، أو استنكاراً من رئيس حكومة لبنان نجيب ميقاتي، ولا تستدعي الحكومة اللبنانية هذا السفير لتوبيخه لأنه أساء إلى دولة صديقة وشقيقة للبنان، وتلفت نظره بمراعاة الأصول والقواعد البروتوكولية لعمل السفراء.

وحده رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان، الرجل الذي يتمتع بحكمة الكبار استنكر هذا التصريح، ورفض الإساءة إلى المملكة كدولة وقفت وتقف مع لبنان في سرائه وضرائه.

=================

الثورات.. ومأزق الانتقال للديموقراطية!

يوسف الكويليت

الرياض

6-5-2012

 كثر الجدل حول الثورات العربية، البعض رآها مبادرات من شباب لا ينتمون لتنظيم أو حزب أو تحركهم جهات أجنبية، وأن الأحزاب والمنظمات الراسخة التنظيم هي التي جنت الفائدة، واستطاعت أن تهيمن على الانتخابات البرلمانية، أو الحكومية، وأن من قاموا بهذا الدور ظلوا خارجها تماماً، وقد تحولوا إلى صوت خافت في صخب القوى المحلية الأخرى..

الاستقرار، أم الفوضى؟ السؤال المطروح على دول الربيع، فكل هذه الدول تعاني اقتصادياً وأمنياً، والتدخلات الخارجية موجودة، سواء دولية أو إقليمية أو عربية، فدول المغرب ممن لم تتعرض لعواصف الثورات، تخشى انتقال العدوى إليها، لكن الحالة القائمة ربما لا تجعل الخطر قادماً، إذا عرفنا أن تونس لا تزال في حالة تجاذب وعدم استقرار، وليبيا تمرّ في وضع أكثر حرجاً قد يؤدي إلى التقسيم..

وفي المشرق تمرّ الظروف بنفس الإيقاع، وعدا سورية التي انتقلت القضية بها من وضع داخلي، إلى نزاع دولي، فالمستقبل ضبابي وسط قتال شرس بين جيش السلطة والجيش الحر، والميدان مفتوح لمفاجآت قادمة، وعموماً فالحالة الراهنة قلبت التوقعات، أي أن الاحتفال بإسقاط الأنظمة الدكتاتورية لم يعد غاية، لأنها بحكم المنتهية، لكن مخلفاتها بقيت تضغط على الحياة العامة، سواء من بقي من مناصري السلطات القديمة، أو من حاول جني مكاسب من حالة عدم التوازن، وهذا ما يخيف المحللين السياسيين أن المرور من الدكتاتورية إلى الديموقراطية وفي بلدان تعمها البطالة، والتدهور الاقتصادي ونضوب الموارد الخارجية، ستجعل الأولويات للأمن والخبز والوظيفة، بينما القوى المتصارعة على السلطة تطرح مشروعات على الورق دون تحليل الواقع من أوجهه المختلفة، مما سيحدث صدمة في الشارع العام إذا ما وجد أن الواقع بدأ يأخذ مساراً لا يلبي الاحتياجات الأساسية..

هناك دول على خط النار، فالسودان يعيش حالة حرب مع جنوبه الذي انفصل عنه وكل يتحدث عن ذرائعه، وحالة الاقتصاد في البلدين أسوأ مما كان، وربما يصعب إيجاد حلول تنهي الصراع، وتبدأ التجاور السلمي، لأن الاحتقان الذي تركته سنوات الحرب الطويلة لا يزال يخيم على العقل السياسي بكلا البلدين، وعدم تحديد الحدود وإنهاء إشكالاتها فالدروب وعرة إن لم تكن غير سالكة على المدى البعيد..

في العراق تدور لغات التخوين والحكم الدكتاتوري، والفساد وتمكن إيران من القبض على العصب السياسي والاقتصادي، وهذا يرشحه إلى خلق فوضى، ومع أن كلاً من العراق والسودان ليسا طرفين فيما حدث بدول الربيع، فإن حالتهما تدخل ذات النفق..

الديموقراطية تحتاج إلى مناخ وأدوات ووعي وإمكانات اجتماعية ومادية تُهيئ لدورة الانتقال من حال سابقة إلى ظرف جديد، ولا نقول هناك تشاؤم من النجاح، لكن هناك مخاوف بدأت تبرز تطرح أبعاداً لم تكن بذهن من احتفلوا بهذه الثورات، والخشية أن يحدث فراغ كبير يُلجئ العسكر أن يكونوا البديل، بدلاً من تردي الأوضاع وانفجارها.

=================

لم يطيعوه في سورية.. لأنه ماعاد يستخفّهم

كيف يُمكن لنظامٍ سياسي أن يُرسّخ في واقعٍ بشري يحكمهُ الفناء والموت شعاراً يقول (قائدُنا إلى الأبد..)؟!

د. وائل مرزا

الأحد 06/05/2012

المدينة

{فاستخفّ قومه فأطاعوه}.

تُفسّرُ الآية المذكورة بشكلٍ عبقري طبيعة العلاقة بين شعبٍ يتعرّض للإذلال والإهانة والاحتقار، ونظامٍ سياسيٍ يقوم بتلك الممارسات ويُسلّطها عليه.

على مدى أكثر من أربعة عقود، استخفّ النظام السوري بشعبه إلى درجةٍ لاتكاد تُصدّق. لن يُدرك المرء معنى الكلام مالم يكن سورياً. فمن الشعارات إلى الممارسات، ومن القوانين إلى السياسات، كان واضحاً أننا بإزاء نظام حكمٍ يرى من يُفترض أن يكونوا (مواطنين) على أنهم أقلّ من الحشرات.

كيف يُمكن لنظامٍ سياسي أن يُرسّخ في واقعٍ بشري يحكمهُ الفناء والموت شعاراً يقول (قائدُنا إلى الأبد..)؟! لم يقف الأمر عند ادّعاء الخلود بالقول وبشكلٍ مباشر، وإنما تجاوز ذلك إلى ادّعاء درجةٍ من الألوهية، بلسان الحال وبشكلٍ غير مباشر. فكل فعلٍ قام به النظام على مرّ الأيام كان يوحي بوجود قناعةٍ عميقةٍ في قرارة نفسه بأنه يهب الموت والحياة، ويعطي الرزق ويمنعه، ويتحكم بمصائر العباد والبلاد في كل مجال.

في أيّ بلدٍ من هذا العالم يمكن لعريفٍ جاهلٍ في الجيش أن يُخيف رئيسه، نقيباً كان أو عقيداً أو لواءً، ويأمره بما يجب أن يفعل ليل نهار، ويجعل (خدمة الوطن) همّاً بدون نهاية؟

من الذي قال بأن رجل الأعمال في بلدٍ كان مضرب المثل في الطبيعة التجارية لشعبه لايستطيع أن يُطور عملاً دون شراكةٍ مع مفسدٍ كبير؟

متى كان الوزير في أي نظامٍ سياسي يرتجف رعباً من حاجبٍ لديه، أو من سكرتيره في أحسن الأحوال؟ بل متى كان هذا الوزير أو رئيس الوزراء مُجرّد (ممسحةٍ) يمسح بها الحاكم حذاءه؟ فلا يكونَ له أمرٌ أو نهيٌ دون إشارةٍ من ضابط أمنٍ تخجل القذارة من اقترانه بها؟

كيف كان يحق لأصغر مُخبرٍ شأناً وإنسانيةً أن يتبختر بين عامة الناس كأنه إلهٌ قادر؟

بأي حقٍ يُنعت بلدٌ راسخٌ في الحضارة والتاريخ بأنه (سورية الأسد)؟

لم يكن لكل هذا أن يحدث لولا أن ذلك النظام (استخفّ) قومه. والاستخفاف هنا يعني فقدان الإنسان لشعوره بقيمته كإنسان، حتى قبل أي حديث عن شعوره بحقوقه الطبيعية والشرعية والقانونية. والاستخفاف يعني فقدان المرء لأي درجةٍ من درجات الإرادة في مقاومة الظلم لاستعادة تلك القيمة واسترداد هذه الحقوق.

لكن هذا كُله كان قبل انطلاق ثورة الحرية والكرامة.

سأستعير من الصديق إياد شربجي إحصائية قام بها منذ أسبوعين لنعرف معنى أن يرفض الشعبُ الاستخفاف. واستخدم حرفياً مااستخلصه من تلك الإحصائية.

يقول إياد: «عليكم الآن أن تقرؤوا هذه الأرقام لتتعرفوا على حقيقة شعبكم العظيم:

مليون ومئتي ألف مهجّر داخل البلاد من المناطق الأكثر نشاطاً في الثورة، 220 ألف مهجّر وهارب خارج البلاد، 28 ألف معتقل، 8 آلاف مختفي قسري، 13 ألف شهيد، 42 ألف مطلوب للجهات الأمنية تجري ملاحقتهم، 1100 منزل مدمر تدميراً كاملاً، 19 ألف منزل مدمر تدميراً جزئياً، 240 ألف عنصر عسكري وأمني ومدني يشاركون بقمع الثورة، 1800 حاجز أمني وعسكري مسلّح يقطّع أوصال المناطق الثائرة، 1200 عربة عسكرية ثقيلة تساهم في قمع الثورة (دبابات- مضادات للطيران- حاملات رشاشات ثقيلة- عربات مضادة للدروع- مدفعية..)، 218 واقعة مسجلة لاستخدام الطائرات الحربية والهيلوكوبتر في الرماية والقصف، انهيار اقتصادي أثّر بشكل مباشر على حياة الناس ومعيشتهم وضيق الخناق عليهم، حصار شامل وقطع مستمر لوسائل الحياة الأساسية (الكهرباء- الماء- الاتصالات- المحروقات..)، تواطؤ وتخاذل وعجز دولي لم يشهد له التاريخ الحديث مثيلاً.

رغم كل هذه الأرقام والحقائق المفزعة الكفيلة بالتأكيد بوأد أعظم الثورات الشعبية في العالم مهما بلغت قوتها وعظمتها.

رغم كل ذلك سجل يوم الجمعة 20 نيسان (جمعة سننتصر ويهزم الأسد) الرقم الأعلى بعدد التظاهرات في سورية منذ انطلاق الثورة السورية وبواقع 822 مظاهرة.

أعزائي.. هذه الثورة خارج كل التوقعات والحسابات..هذه الثورة حدث جلل سيترك بصمة لن تنسى في تاريخ البشرية..هذه الثورة سيكتب فيها مجلدات، وسيصّور عنها آلاف الأفلام وستكون موضوعاً لشهادات الدكتوراه حول العالم.هذه الثورة..هي بصمة السوريين وحدهم..أيها العالم.. أنتم الآن في حضرة الشعب السوري العظيم.. طأطئوا رؤوسكم أمام هذا المارد القادم».

صدقت يا إياد، وذهبت إلى غير عودة أيام الاستخفاف.

=================

خطة أنان و »اليوم التالي«

رأي البيان

التاريخ: 06 مايو 2012

البيان

تمضي خطة المبعوث الأممي- العربي المشترك الخاص إلى سوريا كوفي أنان، في طريق شائك يواجه صعوبات كثيرة على مختلف الأصعدة، مع مرور ما يقارب الشهر على تاريخ انطلاقها، ليبقى بذلك شهران على انتهاء الإطار الزمني الذي اتفق على تطبيقها خلاله. وفي حصيلة لشهر مضى، يلحظ الجميع أن الانتهاكات لخطة أنان لم تتوقف، في وقت تجد قوة الأمم المتحدة لمراقبة الهدنة صعوبة في الوصول إلى كامل قوتها، حيث يفترض أن تصل إلى 300 مراقب عسكري غير مسلح على الأرض.

والمشكلة تكمن حقيقة في آلية التطبيق، لجهة وجود ما يقرب من 50 مراقباً فقط في بلد يتجاوز عدد سكانه 23 مليوناً، فضلاً عن حقيقة النشر البطيء الذي أكده مختلف الأطراف، بينما برزت مشكلة جنسيات المراقبين كعقبة كأداء في طريق الوصول إلى حل يخفف من معاناة السوريين من آلة القتل اليومية، التي مازالت تحصد أرواح الآلاف منذ أكثر من عام، دون نسيان المفقودين والجرحى واللاجئين في غير بلدٍ حدودي مع بلادهم.

والمعضلة هي في السؤال عن «اليوم التالي»، أي ماذا بعد إعلان فشل مهمة المبعوث الأممي- العربي المشترك، التي يرجح كثيرون أنها سائرة في اتجاهه ولو بعد حين؟ والحال، أن المجتمع الدولي برمته لا يملك مفاتيح الحلول ولا الإجابات عن سؤال استحقاقات «اليوم التالي»، خاصة مع التأكيد أكثر من مرة على إسقاط الحل العسكري، والنفور حتى من استراتيجية المناطق العازلة التي يصعب تطبيقها يوماً بعد يوم. ويخشى أن المجتمع الدولي، في عام الانتخابات الغربية والروسية، قرر أن يترك الطرفين في سوريا، المعارضة والنظام، ينهك بعضهما بعضاً في حرب استنزاف طويلة، تعني بطبيعة الحال مزيدا من الدماء على إسفلت شوارع المدن السورية، إلى أن يرفع أحد الطرفين راية الاستسلام في حرب العض على الأصابع.

ويحمل هذا السيناريو مخاطر عديدة، أهمها أن ما يجري في سوريا سينعكس تدريجياً ومنطقياً، إن طال أكثر من اللازم، على المنطقة برمتها، لتطال شرارته جيرانها ويتحول الأمر إلى نزاع إقليمي بوجه مكشوف، غير مقنع هذه المرة.

=================

إيران بين التشيُّع والقومية

تاريخ النشر: الأحد 06 مايو 2012

د. رضوان السيد

الاتحاد

لا يزال الشبان الإيرانيون -وإن قلُّوا عدداً وقلت المناسبات- يهتفون بمقولة علي شريعتي بشأن التفرقة بين التشيُّع العلوي والتشيُّع الصفوي! التشيع الأول هو تشيُّع الشهادة والمظلومية وتطلُّب السلم والأمن والعدالة وإنسانية الإنسان، والتشيُّع الثاني هو تشيُّع السطوة والسيطرة وشنّ الحروب باسم الطائفة والطائفية، والتجبر على الناس، وممارسة المُلْك العَضوض، وصَُنْع الإمبراطوريات على الجماجم! ومع أنّ شريعتي اغتيل أيام الشاه، فإنه ما كان من الرموز المفضَّلين عند قادة الجمهورية الإسلامية الجديدة، لما لمسوه في مقالاته وكتبه من إعراض عن الدولة الدينية، مثل إعراضه عن الدولة الإمبراطورية. لكن المقولة انتشرت خلال الحرب العراقية الإيرانية، ليس للتفرقة بين نوعين من التشيع وحسْب؛ بل ولإدانة حرب صدام على إيران ذات التشيع العلوي. وقد قلَّ استعمالُ هذه المقولة أو المُفارقة بعد انقضاء الحرب، ليس لأنّ الناس أرادوا نسيانَها، بل لأن اتجاهات الدولة الإيرانية إزاء الداخل صارت تُذكِّرُ كثيراً بزمن الشاه، وبزمن إسماعيل الصفَوي الذي أقام أول دولةٍ شيعيةٍ في إيران، بالتحالُف مع العلماء، أو بالصمت من جانبهم والاعتزال. بيد أن تلك الحرب الهائلة في ثمانينيات القرن الماضي بقيت جُرحاً نازفاً في الأعماق، وظلّت جاهزةً للاستعمال والاستغلال سواء على مستوى العلائق بين الشيعة والسنة، أو على مستوى العلائق بين العرب وإيران.

إن الذي حدث في منطقتنا وعليها، وفيما بين بلاد الشام والعراق من جهة، والخليج من جهة ثانية، أعاد هذه الاشتباكات العميقة والممتدة بين المذهبين، وبين القوميتين إلى السطح. وما اقتصر الأمر على المشاعر، بل تعدى ذلك إلى السياسات والاستغلالات والحسابات التكتيكية والاستراتيجية. وقد أخذت إيران زمام المبادرة في ذلك كُلِّه. وقد بدا للوهلة الأُولى، في عهدي رفسنجاني وخاتمي، أن العلائق مع العرب عادت للتطبيع، إنما بقي الحصار الأميركي على إيران كأنما الوضْع لا يزالُ على ما كان عليه عشية ارتهان الدبلوماسيين الأميركيين في السفارة بطهران عام 1980. ثم عاد الصدْع للانفتاح عندما هاجم جهاديو بن لادن الولايات المتحدة، وانطلقت الحرب الأميركية على الإرهاب، والتي نالت بشُواظها ليس أفغانستان والعراق فحسْب؛ بل والعرب أجمعين. إنما الطريف وذو الدلالة أن طرفين رئيسيين كانا الأكثر إفادةً من الحرب الأميركية على الإرهاب، هما إسرائيل وإيران. بادرت إسرائيل أولاً مع الأوساط الأمنية والعسكرية والسياسية الأميركية، ومع الأكراد، ومع المعارضات العراقية بالخارج، بالاستحثاث على غزو العراق. ودخلت إيران على خط الإثارة والإفادة متأخرةً بعض الشيء، فأيقظت النعرتين معاً: المذهبية والقومية. فقد دخلت مع "تحالف الشمال" والولايات المتحدة إلى أفغانستان، كما دخلتْ مع المعارضة العراقية والعسكر الأميركي إلى العراق. واعتمدت في ذلك على تغطيتين: مصارعة الأصولية السنية في أفغانستان وباكستان والعراق، والضغط على الأميركيين والإسرائيليين (والعرب) بالملف الفلسطيني من خلال "حزب الله" والإسلاميين الفلسطينيين. وبين الجد والهزل، وجدْنا أنفُسَنا في عام 2006-2007 في خضم حربٍ طائفيةٍ بين السنة والشيعة بالعراق. ما لبثت أن امتدت إلى لبنان، كما وجدْنا الضغوط تشتدُّ على عرب الخليج، وكلُّ ذلك بحجة مصارعة الأميركيين!

وما تغيرت السياسات الإيرانية للاستغلال والإفادة، بل الذي تغيَّر هو السياسات الأميركية التي رأت منذ أواخر أيام بوش الابن أنه لابد من العودة بالتدريج إلى سياسات القبضة الناعمة للخروج من المأزق العراقي من جهة، ولتشديد الضغط على إيران من أجل النووي، مقابل صفقةٍ على العراق، وربما على ما هو أبعد من ذلك. وقد اعتقدت إيران أنها تستطيع الحصولَ على كلّ شيء، وليس في العراق وبلاد الشام فقط، بل وفي النووي أيضاً. ثم قامت الثوراتُ العربيةُ، والتي اعتبرها الأميركيون والإيرانيون والروس والإسرائيليون والأتراك ثوراتٍ سنية. وزاد الطينَ بِلّةً وصولُها إلى سوريا، حليف إيران الرئيسي في مشرق العالم العربي. ثم اندلع الخلافُ بين المالكي حليف إيران من جهة، والأكراد والسنة وبعض الشيعة من جهةٍ أُخرى. وهكذا وجد الحاكمون في طهران أنفسَهم في مواقع الدفاع في كلّ مكان: في العراق وسوريا وفلسطين، بينما يشتد الحصار الغربي عليهم بسبب النووي. وما ترددوا في استخدام العامل المذهبي في كل الأماكن: من اليمن إلى البحرين فلبنان وسوريا والعراق وأذربيجان وأفغانستان. وما عاد بالوُسع تصوير الأمر على أنه مُواجهةٌ مع الأميركيين، لأن الشعوب العربية الثائرة (خاصة في سوريا) تهتف ضدهم وضد "حزب الله"! لذلك فقد استخدموا أخيراً العاملَ القومي؛ إذ ظهر نجاد فجأةً في الجزر الإماراتية المحتلة!

فمع تصاعد مشكلاتهم وأزماتهم مع المجتمع الدولي، ومناطق النفوذ، بقي الخليج العربي صامداً، وحفظت دوله أمنَها واستقرارها، بل واندفعت لاستعادة الملف الفلسطيني، ولمساعدة الليبيين والسوريين على الخلاص من نظامي الاستبداد في البلدين. وفي الوقت نفسِه، هبَّ خصوم نجاد من محافظي خامنئي لمحاسبته على مجريات المرحلة الماضية، وبخاصة أنهم رأَوا استحالة المُضي في برنامج التسلُّح النووي، وصعوبة البقاء في العراق وسوريا ولبنان والبحرين. وهكذا جاء نجاد إلى الجزر الإماراتية لإثارة الحساسيات الوطنية والقومية الإيرانية، وإخماد الضجيج ضدَّه، وفي الوقت نفسِه تحذير خامنئي ومن حوله من التخلّي عن النووي. وبالفعل، وبعد الزيارة، تصاعدت أصواتٌ ضدَّ العرب، وكثُر الحديث عن وحدة الأراضي الإيرانية. وهي وحدةٌ ما تحداها أحدٌ، ولا كان ملفُّ الجزر مطروحاً باعتباره من موضوعات الحرب وبواعثها.

ما كان التشيُّع مهدداً، ومع ذلك فقد استثمر نظام ولاية الفقيه في هذه "النُصرة" طوال أكثر من عقدين. وما كانت القومية الإيرانية مهددةً، لكن فشل النظام الإيراني في كل المسائل، وضمنها مسائل الامتداد الإمبراطوري تحت اسم تصدير الثورة، هو الذي يجري الاستثمارُ فيه الآن. بيد أن هذه المسائل العاطفية والتي تثير مشاعر العامة بالمغالطة والتزوير، ليست قادرةً على إطعام الجوَعى، ولا على تغطية هدْر الجهود والأموال على مدى العقدين الماضيين. وقد اعتادت حكومات الثوريين والعسكريين على إثارة الموضوعات الخارجية عندما يكثر فشلُها بالداخل. فلننظر إلى "الأسد"، وهو لا يزال يزعم أنّ مشكلته سببها كونه نظام مقاومةٍ وممانعة! ولنتأمَّلْ خامنئي ومَنْ حوله، وهم يحاولون إثارة الصراع السني الشيعي أو الإيراني العربي للإلهاء عما يحصل بالداخل، وعن سياسات التبجح طوال العقد الماضي. ولستُ أدري كيف تستفيد إيران من خرابٍ العراق أو سوريا، أو من وراء اضطرابٍ الخليج؟ لكنها سياساتٌ ثأريةٌ وعشوائية سادت منذ الثورة. واجههم صدَّام في زمن ثورتهم فترك أحقاداً هائلة، وها هم يواجهوننا في زمن "الحرية والكرامة"، وأخشى أن التداعيات لن تكونَ أقلَّ هَولاً وخطورة. إنما من جهةٍ أخرى: لماذا يكون الجنرال سليماني أعقل من "الجنرالات" القذافي وصدام والأسد؟!

=================

الأزمة السورية... ومخاطر استقطاب الأصولية

نيكولاس بلاندفورد

بيروت

ينشر بترتيب خاص مع خدمة

«كريستيان ساينس مونيتور»

تاريخ النشر: الأحد 06 مايو 2012

الاتحاد

خلف تفجير انتحاري مزدوج يوم أمس بمدينة إدلب، التي تعيش على وقع الاضطرابات المتواصلة، ثمانية قتلى على الأقل، مشيراً ربما إلى أن الانتفاضة المستمرة ضد النظام السوري قد تكون بصدد تبني تكتيكات عنيفة معروفة أكثر في العراق ومناطق أخرى. ولكن العملية الانتحارية الأخيرة جاءت بعد يوم واحد على وصول الجنرال "روبرت مود"، رئيس بعثة المراقبين الأمميين في سوريا، إلى دمشق للإشراف على تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار الذي كان من المفترض دخوله حيز التنفيذ في 2 أبريل الماضي.

وعلى رغم أن أحداً لم يعلن مسؤوليته رسميّاً عن التفجير الأخير الذي هز مدينة إدلب، إلا أن تفجيرات سابقة أعلنت المسؤولية عنها جماعة مجهولة يُعتقد أنها تنتمي للتيار السلفي الجهادي. فقد أعلنت الجماعة تبنيها لهجمات انتحارية نفذت في دمشق خلال الأسبوع الماضي وأسفرت عن مقتل 11 شخصاً وجرح 28 آخرين، وحسب موقع متشدد على الإنترنت فقد تبنت الجماعة عملية دمشق ونسبتها إلى متشدد قالت إنه فجر نفسه بالقرب من عناصر الأمن التابعة للنظام. كما أعلنت الجماعة وقوفها وراء التفجيرين الانتحاريين اللذين استهدفا دمشق في 17 مارس الماضي وخلفا مقتل 27 شخصاً.

وفي شهر يناير الماضي قالت صحيفة "الأخبار" اللبنانية إنها تلقت شريط فيديو من الجماعة يُظهر مجموعة من الأشخاص يتلقون تدريباً عسكريّاً، وتضمن الشريط أيضاً تصريحاً لمن يعتقد أنه زعيم الجماعة، يدعى فاتح أبو محمد الجولاني، يدين النظام ويحشد التأييد ضده، واسم الجولاني ربما يشير إلى انحدار زعيم الجماعة من منطقة الجولان السورية التي احتلتها إسرائيل منذ 1967.

ولكن على رغم هذه المعطيات فقد شككت المعارضة السورية في العمليات الانتحارية الأخيرة ومدى انتسابها إلى حركات "جهادية" كما يدعي النظام، مؤكدة أنها عمليات من صنع النظام نفسه الذي يسعى إلى تبرير مزاعمه القائلة إنه يخوض حرباً ضد جماعات إرهابية تابعة لتنظيم "القاعدة"، وإنه يستهدف الإرهابيين بدل المتظاهرين السلميين.

وفي هذا السياق يقول عمار عبدالحميد، الناشط السوري المقيم في أميركا إن "الخلايا الوحيدة التابعة للقاعدة في سوريا هي تلك التي يستغلها النظام وجهازه الأمني، كما أن التفجيرات الانتحارية التي تمت في الآونة الأخيرة كانت بعلمه، هذا إن لم تكن بإشرافه المباشر، وسواء تعلق الأمر بالتوقيت، أو الطرف المستفيد، وحتى معطيات أخرى، فإنها تشير جميعاً بأصابع الاتهام إلى النظام نفسه، وليس إلى غيره".

ولتوضيح ما يقول إنها قرائن تذهب في اتجاه تورط النظام استشهد الناشط عبدالحميد بما قاله وزير الخارجية السوري، وليد المعلم، خلال مؤتمر صحفي بدمشق من أن النظام السوري لا يشعر بالحرج من التفجيرات الانتحارية لأنها تضفي المصداقية على مزاعمه بأنه يواجه خطر المسلحين الإسلاميين.

ولطالما اعتبر المحللون أن السلطات السورية تعاونت في مرحلة من المراحل مع شبكات أصولية على أساس تكتيكي ومرحلي، حتى وإن كان النظام الذي يقول إنه علماني وينتمي إلى الطائفة العلوية لا ينسجم في توجهاته وعقائده مع التشدد الذي يمثله الأصوليون السنة.

وفي جميع الأحوال هناك أدلة متزايدة على أن الانتفاضة السورية المستمرة منذ أكثر من عام بدأت تجذب اهتمام بعض المسلحين الأصوليين إلى ساحة معركة جديدة بعد انسحاب القوات الأميركية من العراق واقتراب وقف "الناتو" لعملياته في أفغانستان. كما أن الظواهري، زعيم "القاعدة"، عبر عن تأييده للانتفاضة السورية، قائلاً إن من واجب المسلمين جميعاً في الدول المجاورة سواء تركيا، أو الأردن، أو العراق، أو لبنان، تقديم المساعدة لإخوتهم في سوريا.

وفي الأسبوع الماضي نقلت بعض وسائل الإعلام مقتل القيادي اللبناني البارز المحسوب على التيار الجهادي، عبدالغني جوهر، في سوريا، ولكن ظروف وتفاصيل مقتله لم تعرف على وجه الدقة بعد في ظل التقارير المتضاربة التي تقول إنه لقي حتفه في مدينة القصير السورية القريبة من الحدود اللبنانية عندما انفجرت في وجهه قنبلة كان ينوي زرعها، فيما يذهب البعض الآخر إلى أنه قضى في تبادل لإطلاق النار بمدينة حمص المضطربة، وكان جوهر مطلوباً للسلطات اللبنانية لضلوعه في تفجيرات استهدفت الجيش اللبناني في عام 2008.

وأكثر من ذلك نقلت صحيفة "الحياة" اللندنية يوم الجمعة الماضي أن عنصرين متطرفين من الأردن لقيا حتفهما في سوريا خلال مواجهات مسلحة مع قوات الأمن، وأضافت الصحيفة أن أجهزة الأمن الأردنية اعتقلت عبدالله قباع، الخبير في المواد المتفجرة، ومعه عناصر أخرى كانوا يحاولون عبور الحدود إلى سوريا.

وهذه المعطيات وغيرها تثير قلق المراقبين للثورة السورية من احتمال انعطافها إلى مزيد من الراديكالية وغلبة الجانب العسكري المتطرف على نهجها، ولاسيما في ظل ما يعتبره السوريون المنتفضون، الذين يعانون من قمع قوات الأمن، تجاهلاً دوليّاً لمصيرهم وعدم الوقوف إلى جانبهم، وذلك على رغم ما يبديه المجتمع الدولي من تعاطف لا يتجاوز الكلمات. وتضاف إلى ذلك رغبة النظام في دفع الأمور في هذا الاتجاه لتأكيد مزاعمه للعالم وإثبات أن معركته هي ضد التطرف الإسلامي الذي يسعى إلى السيطرة على المنطقة وزعزعة استقرارها، وأن حملة القمع الوحشية التي ظل يقودها ضد شعبه لأكثر من سنة تندرج في إطار الدفاع المشروع عن النفس وصد هجمات الإرهابيين.

=================

من دروس الثورة السورية: لا تسوية مع النظام

علي العبدالله()

المستقبل

6-5-2012

لم تكن الثورة السورية وليدة عمل حزبي أو منظم، فقد أطلقتها قوى اجتماعية غير منظمة أو مسيسة في الأغلب الأعم. لذا فقد استحقت وصف ثورة شعبية بجدارة، ولهذا فقد عرفت مواقف وممارسات عفوية غير منسقة وغير نمطية. ممارسات متغيرة، متطورة. وقد ترتب على هذه الانطلاقة وهذه السمة نتائج ودروس يمكن إجمالها بالآتي:

1 انفجرت الثورة احتجاجا على واقعة اعتقال تلاميذ في مدينة درعا وتعذيبهم من قبل مخابرات النظام، ولم يكن في ذهن من تظاهر لا مشروع محدد للتغيير ولا الثورة على النظام، وقد تطور الهدف ردا على معالجة النظام القمعية والهمجية، فانتقلت من الاحتجاج إلى إسقاط النظام، مرورا بالإصلاح. وقد تطور اداء الثوار وأخذت تتشكل أطر عملياتية تحت مسميات عدة: تنسيقيات، مجلس ثورة، مجلس قيادة ثورة، مجلس ثوار، وفق نسق مفتوح وسري في الوقت نفسه، تقوم بدور تنظيم التظاهرات من تحديد الشعار، الى تسمية الجمعة، مرورا بتجهيز اللافتات، وتأمين وسائل لعلاج الجرحى. ثم تطورت مع التصعيد في استخدام الاسلحة من قبل قوات النظام ومخابراته وشبيحته، وتزايد عدد الجرحى، الى مشافي ميدانية، ناهيك عن اغاثة الاسر والمدن والبلدات والقرى المنكوبة ببطش النظام بتوفير اغذية وألبسة... الخ.

تطورت العفوية وردات الفعل مع مرور الوقت الى تبلور وعي بطبيعة المواجهة مع النظام، باعتبارها ثورة من اجل الحرية والكرامة، وهذا يستدعي اسقاط النظام وإقامة نظام ديموقراطي تعددي تداولي، والى فعل منظم له ملامح واضحة وخطط قريبة وأخرى بعيدة، أدى الى دخول مدن وبلدات وقرى في المواجهة / الثورة بشكل متواتر، والى تبني رؤى سياسية وبرامج مستقبلية. ما عنى ان الفجوة بين النظام والشعب كبيرة والقطيعة النفسية بينهما عميقة جدا، وان المجتمع السوري يختزن طاقات كبيرة في انتظار من يفجرها، ولكن عدم وجود قوة سياسية قادرة على ذلك لعب دورا في تأخير انفجار الثورة حتى جاءت ثورات الربيع العربي فلعبت دور المفجر.

2 - لم يستطع النظام الاستبدادي تفهم مشاعر المواطنين المعادية له، ناهيك عن مواقفهم الرافضة لبقائه، فهذه في نظره من المحرمات، والرد عليها يجب ان يكون حاسماً وعنيفاً وقاسياً إلى أبعد الحدود. لذا جاء رد النظام، ومنذ اللحظة الأولى، على التظاهرات السلمية، دموياً، عبّر فيه عن صدمته من موقف المواطنين منه، ورفضه المطلق لحقهم في الاحتجاج والخروج عليه، وعن تمسكه بالوضع القائم، ورفضه لأي تغيير مهما كان حجمه أو مستواه. وهذا يفسر تصعيده لعمليات القتل واستخدامه لأسلحة ثقيلة وفتاكة، وقصفه المدن والبلدات والقرى بالدبابات والراجمات والهاونات والمروحيات. واستهداف مستلزمات الحياة اليومية، من ماء وكهرباء ومحروقات وأفران، وصولا الى الذبح للنساء والأطفال واغتصاب الفتيات والنساء على اسس طائفية.

غير ان العنف والقتل المنهجي أعطى نتيجة عكسية، فبدلاً من كسر إرادة المواطنين وإعادتهم الى القمقم، الى حال الخوف المديدة التي كانوا فيها، جذب جموعاً جديدة من المواطنين إلى الثورة ووسع التظاهرات وطور الأهداف، فكلما زاد توحش النظام وتصاعد قتله وتنكيله زادت الكراهية وزاد لهيب الثورة.

3 ادى استمرار الاحتجاجات واتساع نطاقها، افقياً وعمودياً، وصمود المواطنين وتضحياتهم الكبيرة، الى تحرك المجتمع الدولي، بحيث تصاعدت الادانات وصدرت قرارات بمعاقبة رموز النظام، بالتوازي مع تصاعد عمليات القتل والتنكيل، كما صدرت مبادرات للحل. لكن رفض النظام لهذه المبادرات، وتمسكه بالبقاء في السلطة، دوّل القضية، وحوّل سوريا إلى ساحة للصراع الدولي وللمقايضة على المصالح بين القوى الاقليمية والدولية ولتصفية الحسابات فيما بينها.

4 أدى عنف النظام واستخدامه المفرط لكل الاسلحة المتوفرة لديه وتبنيه لخيار عسكري حربي، بعد فشل الحل الأمني البوليسي، الى دفع عدد متزايد من العسكريين للانشقاق عن الجيش، وتشكيل كتائب تحت اسم الجيش السوري الحر، والى ميل المواطنين لاستخدام السلاح دفاعاً عن النفس والأهل. وقد ترتبت على ذلك نتيجتان، الأولى حدوث قطيعة نفسية بين المواطنين والنظام، وتحوّل في مشاعرهم ازاء النظام بكليته، وانتقالها من الولاء الى الولاء الجزئي فالرفض الكامل. والنتيجة الثانية تبلور نمطين من النشاط في الثورة سلمي وعنفي، وخطين في ادارة المواجهة، تظاهرات ومعارك بالسلاح، أحدهما يتغذى على الآخر بحيث يتراجع النشاط السلمي/ التظاهرات في المناطق التي تشهد مواجهات مسلحة. ومعها خسارة التظاهرات آلاف المشاركين نتيجة لتغير الاساليب والأدوات، وهي ظاهرة موضوعية حدثت في الانتفاضتين الفلسطينيتين الاولى والثانية. والعكس صحيح، كلما تراجع استخدام السلاح، تقدم المتظاهرون وانتعشت حركة الاحتجاج السلمي. ومن جهة ثانية حصول مواجهات مباشرة بين الجيش والجيش الحر، في حرب غير متكافئة بسبب اختلال ميزان القوى كمّاً ونوعاً لصالح جيش النظام، وهذا أدى الى إلحاق خسائر كبيرة بالأرواح بين المواطنين وعناصر الجيش الحر على حد سواء، بالإضافة إلى الأضرار المادية الجسيمة التي تلحق بالمدن والبلدات والقرى، نتيجة اعتماد الجيش الحر على تكتيك حرب المواقع، بينما يقضي المنطق العسكري الالتفاف على اختلال ميزان القوى، باعتماد تكتيك حرب العصابات، والتوزع الى مجموعات صغيرة سريعة الحركة، تنتشر في طول البلاد وعرضها، بحيث تدفع الجيش الى الانتشار على مساحات واسعة، تبعده عن مصادر إمداده، وتجعل الدعم اللوجستي صعبا، ويستغرق وقتا طويلا، ما يضع جنود وضباط النظام في حال نفسية صعبة، نتيجة تعرضهم لهجمات مباغتة من مجموعات الجيش الحر. هكذا وبسبب النقص في الإمداد، وبوجود مجموعات تقاتل وفق قاعدة اضرب واهرب، بحيث تستنزف قدرات الجيش وتنهك رجاله، من دون أن تمنحه فرصة استثمار تفوقه في العديد والعدد. لكن ما يحدث هو الدخول في مواجهة مباشرة، تمنحه فرصة تسجيل انتصارات على الثورة، كما حصل في بابا عمرو وادلب والزبداني وغيرها. وهاتان النتيجتان قادتا الى تراجع عدد المتظاهرين في مناطق الاشتباكات المسلحة وتكبد الثوار خسائر عسكرية في هذه المواقع، وهذا اعطى انطباعا سلبيا وكأن الثورة تتراجع وتفقد شعبيتها، والنظام يحقق انتصارات ويستعيد السيطرة على الارض.

5 - كشفت الثورة المستمرة والمتصاعدة عجز النخبة السياسية السورية، ونقاط ضعفها، فقد بدت لحظة انفجار الثورة معزولة عن الواقع الشعبي، وقد تجلى ذلك في تفاجئها بالحدث نتيجة لقراءتها غير الدقيقة للواقع المحلي، حيث لم تحسن تقدير المزاج الشعبي، وتتلمس النار المتقدة تحت الرماد، ولم تتوقع حصول ثورة، وبهذه القوة، كما انكشف عجزها في طروحاتها وفي ادائها العملي، حيث كشف تحركها العملي، عبر الندوات والمؤتمرات والصيغ الجبهوية (تحالفات، ائتلافات) عن نمطية تكرر وصفات لم تثبت نجاعتها في الماضي، وهي تحاول ترويجها في ظروف ثورة مشتعلة. وقد توزعت قواها على مواقف متعددة متباينة بين من التحق بالثورة، وهم قلة قليلة، وشارك فيها بطريقة مباشرة وغير مباشرة، ومن يريد ركوب موجة الثورة من دون فعل حقيقي، ومن يريد حلا وسطا مع النظام، رأى انه السقف الذي يمكن ان تبلغه الثورة، ومن اثار هواجس ومخاوف من الثورة وتداعياتها على المجتمع والدولة على خلفية طبيعة القوى التي تتظاهر والتي تهيمن على الشارع، والعمل على احتواء الثورة.

لقد كشف الشعب، وخاصة جيل الشباب، بثورته، اغتراب النخبة السياسية السورية العميق وانفصالها عن المجتمع الذي تعيش فيه، لذا كانت استجابتها الأولى للحدث العظيم مرتبكة ومتخبطة وعاجزة عن الفعل، لم تجد في وعيها وخبراتها، التي كوّنتها في العمل السري وفي الغرف المغلقة والصالونات والمقاهي، أجوبة للأسئلة التي طرحتها الاحتجاجات الشعبية، ناهيك عن الامراض الذاتية التي طفت على السطح: شخصنة المواقف، وذاتيات متضخمة، وحساسيات، ومعارك تصفية حسابات في لحظة سياسية تستدعي نقيض ذلك، لحظة تستدعي ايجابية عميقة وتضحية ونكران ذات، تستدعي تجاوز الوعي التقليدي وتجاوز النمطية، تستدعي استجابة سريعة للمتغيرات وسعة خيال لإبداع تصورات وحلول تخدم الحدث وتدفعه الى الامام، الى الاستمرار والصمود في وجه نظام متوحش، والانتصار عليه، وتحقيق الأهداف، وتستدعي الانخراط في الحدث، والتكيف مع المتغير، والتفاعل مع الثوار، وبخاصة جيل الشباب، وإجراء اعادة تقييم للذات وللبرامج القديمة والتعاطي مع الثورة وفق مقتضياتها لا وفق خبرات كشف الواقع الحي عدم صلاحيتها.

لقد واجهت النخبة السياسية السورية لحظة سياسية شديدة الزخم والفعالية، برتابة ونمطية فجة، وبحلول مكررة أخرجتها من جعبتها التي علاها الغبار والصدأ، لتكشف عن حالة تصلب شرايين سياسي عميق وعجز عن التكيف والفعل المبدع الخلاق.

نجحت قوى اجتماعية غير منظمة، شبابية في قسمها الأعظم، في ردها الحاسم على الاهانة والمذلة، في تحريك قطاعات واسعة من الشعب، وزجها في أتون حدث ثوري كبير وعظيم، على خلفية السعي لاستعادة الحرية والكرامة المسلوبتين، ومازالت بالرغم من المعاناة العظيمة والتضحيات الجسيمة مستمرة في المواجهة ومصرة على بلوغ هدفها في الحرية والكرامة.

النظام من جهته اعتمد، ومنذ اليوم الأول، على القوة المفرطة. وقد صعّد عنفه مؤخراً في مواجهته للقوى الشعبية السلمية والمسلحة بتبني سياسة الارض المحروقة، وهو في سباق مع الزمن علّه ينجح في أحد أمرين: دفع المبادرات والحلول السياسية المطروحة الى طريق مسدود، وإجبار القوى العربية والدولية على الانسحاب من الساحة، والتخلي عن البحث عن حل، وتركه يواجه الشعب بالطرق التي يرتئيها، أو سحق الثورة وفرض امر واقع، والاحتفاظ بالسلطة، والتكيف مع مرحلة من العزلة، قد تطول قبل أن يعود، بحكم الأمر الواقع، الى الحظيرة العربية والدولية.

أما لمن ستكون الغلبة، فالتاريخ وروح العصر ينحازان الى الشعوب، والثورة السورية ثورة شعب وهي تسير مع التاريخ، وخدمة لتحرر الانسان ورقيه، ولسوف تنتصر وتحقق اهدافها في الحرية والكرامة.

==================

تجربة الربيع العربي مع ثقافة الاستبداد

شاكر الأنباري

المستقبل

6-5-2012

في أحد البرامج التلفزيونية لقناة عراقية يسأل المراسل واحداً من المواطنين عما يتمناه للبلد، فيجيب المواطن بتلقائية: "أتمنى أن يتوحد الجميع في حزب واحد، لأن تعدد الأحزاب لا يجلب سوى الفرقة والخراب". وهذا رأي يستوقف المتابع طبعا، رغم أنه يصدر من مواطن بسيط قد لا يكون ذا مؤهل تعليمي أو وعي ثقافي مميز. يستوقفه كونه يكشف، من جانب آخر، ذهنية لا توجد في أروقة الشارع البسيط فقط، بل نجدها حتى لدى قادة الأحزاب والحركات السياسية، يمينية كانت أم يسارية، علمانية أم دينية.

يصدر الأمر في الحقيقة عن مجتمع برمته، وفي مرحلة زمنية معينة، ضمن وعي عام لا يمكن تجاوزه من قبل الساسة، والنخب الاجتماعية، والتقاليد الشعبية، والفضاء المعرفي للبلد. وكأن مقولة "المستبد العادل" تجد صدى لها في لاوعي المجموع، وهذا ما عشناه خلال عقود من هيمنة مستبدين، لم يكونوا عادلين طبعا، على مقدرات معظم الدول العربية. فكرة المستبد العادل تنسج على رؤية وجود شخص يمسك بخيوط العدالة كلها، ويتفرد برأيه السديد، ولا يقبل بمنافس له في جنبات حكمه. باعتبار ان البلد أشبه بقطيع ماشية هو المسؤول عنه، أو قرية هو مالكها، ويتوارثها جيلاً بعد جيل.

والمستبد العادل يلغي فكرة تعددية الأحزاب وتعددية المواقف حتى داخل العشيرة أو الحزب أو الحركة السياسية. ومن ينظر الى هذه المقولة يجدها متجلية عندنا بشكل صريح، حتى بعد سقوط المستبد الأوحد، الديكتاتور. هناك قادة دائمون، سواء في أحزاب أو حركات. ورغم وجود مؤتمرات لتلك الأحزاب، ومنعطفات، وانشقاقات، وفشل سياسي وفكري، إلا انها لا تؤدي الى استبدال هذا الزعيم أو ذاك بل تكرسه مرة بعد أخرى حتى يوافيه الأجل. مستبد للحزب، للطائفة، للقومية، للوزارة، إلى أن يستبدله الموت بآخر. في الدول الديموقراطية ما أن يخسر حزب في الانتخابات حتى يطال التغيير زعيم الحزب، وربما القيادات من الصف الأول، فهم من يتحمل مسؤولية فشل الحزب في الفوز. وحادثة استبدال تشرشل في الانتخابات البريطانية بعد الحرب العالمية الثانية معروفة، وكذلك ديغول بطل التحرير الفرنسي، إذ الشعوب تبحث عن دماء جديدة، وزعماء جدد لكل مرحلة تاريخية. هذا الأمر لا يحدث عندنا على الاطلاق.

صدام حسين خسر ثلاث حروب لكنه بقي في السلطة، وعمر البشير خسر ثلث السودان ولبث منتصرا على كرسي حكمه، وثمة حكام تتظاهر شعوبهم بالملايين، أو تنتفض، رفضاً لهم لكنهم يتشبثون بالسلطة حتى النفس الأخير، كما في حالة العقيد القذافي، وعلي عبدالله صالح، وبشار الأسد. وأينما حدقنا حولنا نشاهد مستبدين، حقيقيين، من دون أن يكونوا عادلين. فلا عدل مع الاستبداد. والمستبد العادل أسطورة صاغها "العقل الشرقي" ليس الا. لكنها على ما يبدو استطاعت أن تزرع جذورها عميقاً في الذهن الشعبي، لتصبح هي البديل المثالي لعسف الواقع، ومهانة الفرد فيه.

واحدة من سيئات أداء الأحزاب والحركات، في عراق ما بعد ألفين وثلاثة، هي عدم تمتع تلك الأحزاب بتقاليد ديمقراطية داخلها، على صعيد انتخابات القيادات، وتعدد الآراء، والانفتاح على الاختلاف حتى داخل الحزب الواحد. وكذلك خلو أغلبها مما نسميه النظام الداخلي، واستراتيجية الحزب أو الحركة، وأهدافه وبرامجه ورؤيته للمعضلات التي تواجه البلد. والمعروف ان الديموقراطية ليست مقولة تحفظ وتطبق بين ليلة وضحاها، انما هي عملية سياسية اقتصادية اجتماعية مستمرة، ولا يمكن أن تنجز أو تصل الى هدف محدد، ونهائي. هي نمط حكم يستمر ويتطور بتطور الانسان. هذه الرؤية يصعب العثور عليها في البيئة السياسية التي نعيش، عراقياً وعربياً، وهذا ما يجعل من الصراعات التي نشهدها صراعات بين مستبدين، على صعيد أحزابهم أولاً، وعلى صعيد النظر الى السلطة ثانياً. من هنا حتى العملية الانتخابية ينظر اليها على انها استحواذ على مقاعد بكل السبل، وليست تنافساً صحياً ضمن قوانين محددة، وتقاليد ديموقراطية ترسخ التعددية، والتداول، وتطوير الأداء.

الديموقراطية، التي هي نقيض الاستبداد، تبدت وكأنها مزروعة اصطناعياً لدينا، مفروضة من فوق، يبقى الذهن الشعبي يبدي الشكوك حولها، ان لم نقل أنه يحاربها. هي نقيض لكل حياته ومعتقداته المتوارثة. والعقلية الاستبدادية التي تعيش بيننا يمكن لمسها من خلال عدم مراجعة التجربة السابقة، سواء تجربة العقود التسلطية، والاستبدادية، او العقد الأخير بعد انهيار حكم البعث وزواله.

نقع عادة على منطق إدانة، وليس على منطق نقد، ومراجعة، وتقييم. فالادانة جاهزة ولا تتطلب جهداً أو تغييراً في العقلية التسلطية، أما التحليل، والمراجعة، والنقد، والاستفادة من الدروس فتتطلب صراحة مع الذات، وصدقا مع الآخر، سواء كان من الحزب ذاته أو الشريك في العملية السياسية. لذلك ليس من الصعوبة الوقوع على ممارسات لا تقل فداحة عن ممارسات العهد السابق، مما يعني تشبث العقلية الاستبدادية في الساحة وتغلغلها في نسيج السلطة وتلونها بأكثر من طابع وشكل. وهنا تكمن خطورتها الحاضرة. وقد تكون نتائج الثورات العربية ليست بعيدة عن الحقيقة تلك.

ونحن نعرف أن آليات الحكم، في سلطة لا تكترث كثيراً بأسس الديموقراطية الحقيقية، ستكون متشابهة، وهذا ما أثبتته تجربة الربيع العربي، في تشابه آليات الأنظمة الساقطة أو التي ستسقط. احيانا تستخدم التعابير ذاتها، حتى على مستوى صياغة الجملة الاعلامية. طرق ووسائل العنف مع المعارضين تتشابه هي الأخرى. خلال محاكمات أركان النظام العراقي السابق لم يعترف أي منهم بخطأ، أو طلب العفو من الضحايا. اركان نظام القذافي سلكوا المسلك ذاته رغم دخول الثوار الى باب العزيزية في طرابلس.

ان المراجعة والنقد والتحليل معرفة، تضاف الى خبرة الشعب وتجنبه تكرار الخطأ، وتكرار التجربة القاسية، لكننا وخلال اكثر من ثماني سنوات على انهيار النظام السابق وبناه السياسية والآيديولوجية لم نلمس هذا النَفَس، هذا التوجه، لدى أي من القوى السياسية، بتلاوينها كافة. بقيت للقائد والمسؤول الحزبي القدسية ذاتها داخل جماعته. ومن نتائج ذلك ان الحوارات بين الكتل والأحزاب والتحالفات سرعان ما تتخذ سمة الحرب، والتطاحن، والذهاب الى أقصى سبل التطرف، وهذا ما يرعب الشارع الذي يتابع ما يدور. والمواطن البسيط الذي قابلته الفضائية كان يرتعب من وجود أكثر من حزب، وأكثر من مشروع سياسي واجتماعي للتغيير، لأنه تربى، طوال سنوات عمره على صورة القائد الأوحد، والشيخ الأوحد، والوجيه الأوحد. واعتاد على فكرة ان هناك من يفكر عوضا عنه، حيث تشغيل العقل عبء على الانسان لأنه يجعله في موقف الاختيار. وهو موقف يتطلب ان يكون الشخص حرا قبل كل شيء.

والحرية اليوم ليست موجودة الا نسبيا، لأن هناك كوابح كثيرة في الواقع العراقي تغلفها، وتحددها، وتعيقها. الانتصار على الخصم سواء كان غريما سياسيا أو غريما في داخل الحزب أهم من مراجعة التجربة للوصول الى الحقيقة بأقصر الطرق، وتجنيب البلد نتائج الاستبداد في المستقبل القريب. ربما من هنا لا نرى إلا نادراً قيام سياسي عربي بكتابة مذكراته الصريحة عن فترة مسؤوليته، ايمانا منه بضرورة تلك المذكرات لجهة عدم الوقوع بالخطأ مرة ثانية. والجميع يعرف، وهذه من البديهيات في الدراسات الاجتماعية، أن العقلية الاستبدادية لم تنبع فجأة من الأرض أو تسقط من السماء، بل هي وليدة ظروف اجتماعية، وبيئية، وتاريخية، تتظافر كلها لتبلور نمطا من الثقافة الجمعية تسمى ثقافة الاستبداد. تترجم في العلاقة بين الطفل والأبوين داخل الأسرة، ثم في العلاقة بين التلميذ ومعلمه، ولاحقا داخل الشارع ذاته، وصولا الى خلق انسان نطلق عليه ابن بيئته، أي حامل تلك الثقافة الاستبدادية، التي حتى وان صار يوما قائداً سياسياً أو مسؤولاً في سلم الدولة لن يستطيع الفكاك منها.

=================

ما زال أهل حمص يدفعون ثمن تحدّيهم للأسد

هالة قضماني

عن صحيفة "ليبراسيون" (24 نيسان 2012)

المستقبل

6-5-2012

على الرغم من توافد مراقبي الامم المتحدة الى سوريا، استمر النظام بالإنقضاض على حمص عاصمة الثورة، وعلى أهلها....

الخميس 22 من نسيان الماضي كان يوماً مشهوداً بالنسبة لسكان حمص؛ اذ لم تسقط على المدينة قذيفة واحدة، ولم تسمع أية طلقة رصاص. على أحد شرائط "اليو تيوب" اسرّ حاتم قمحية بأن الهدوء يسبّب له "الدوار". اذ كان اليوم الأول الذي يرى فيه هذا المواطن السيتيني النور بعد مكوثه أياماً طويلة في الظلام، مختفياً تحت الارض في حي الخالدية الشهير. وقف اطلاق النار الذي فرضه مشروع كوفي أنان استمر يومها أربعة وعشرين ساعة. كانت استراحة قصيرة، نسيها أهل حمص بسرعة. ففي اليوم التالي عاد القصف المكثف على أحياء حمص الشمالية، ومنها الخالدية، حيث قتل حاتم بعدما كان يحاول إنقاذ جيرانه الجرحى.

وعلى الرغم من وصول عشرة مراقبين غير مسلحين من الامم المتحدة، ومن مكوث إثنان منهما يوم السبت الفائت في مدينة حمص، فان قوى النظام المسلحة ما زالت تركز هجماتها على المدينة.

"عاصمة الثورة" لا تتوقف عن دفع ثمن تحدّيها لسلطة بشار الاسد. ثلث سكانها، من أصل مليون نسمة، الذين اضطروا للبقاء تحت نيران القاذفات الصاروخية ورصاص القناصة، لا يستطيعون اجتياز شارع واحد للانتقال من حيّ الى آخر. فيما الفارون منهم يتعرّضون لكل أشكال التنكيل والنهب والقمع.

حسب تقرير بان كي مون، الأمين العام للامم المتحدة، فان الحماصنة هم الأكثرية من بين عشرات الآلاف من اللاجئين السورين في لبنان والاردن، ومن بين المليون لاجىء داخل سوريا نفسها. منازلهم المهجورة احتُلت ونُهبت على "يد عصابات مسلحة" بحسب بروباغاندا النظام، أو على يد جيشه واتباعه بحسب العديد من الشهادات. تروي سيدة أعمال حمصية تركت مدينتها ووصلت الى دمشق: "جنود الجيش سرقوا كل شيء، حتى ثيابي الداخلية!". ففي حي الانشاءات، الميسور نسبياً، حيث تسكن هذه السيدة، شنّت قوات النظام حملات عقابية ضد تجاره لأنهم ساعدوا سكان حيّ بابا عمرو.

وفي وسط المأساة، تحضر الفكاهة السوداء. حمصية تشكتي على موقع الفايس بوك من ان منزلها ومنزليّ أخوتها الاثنين قد "نظِّفت تماما". فكان ردّ أحد مرتادي الشبكة، واسمه ابو حمزة الحمصي: "ما يطمئن في الحادثة انه، اثناء غيابنا، كان هناك من يهتم بمنازلنا. هكذا نعود اليها وهي نظيفة تماما".

اذا كان الأكثر حظا من بين أهل حمص قد وجدوا ملاذا في منازل أقاربهم وأصدقائهم، فان مصير عشرة آلاف عائلة وصلت الى محيط دمشق هو مصير مأساوي. نصف هذه العائلات استقر في حيّ السيدة زينب، جنوب العاصمة، وهو حيّ معروف، يحج اليه الشيعة، وتحيطه أحياء عشوائية وبؤس هائل؛ ويأوي منذ عدة سنوات لاجئين عراقيين.

العائلات الاخرى موزّعة في مختلف الضواحي الفقيرة للعاصمة. والتضامن المذهل لغالبية الدمشقيين تجاه أهل حمص المشرّدين سمحت لللاجئين الحماصنة بالاستمرار على قيد الحياة. لكن اجهزة المخابرات تنقض ايضا على المضيفين. خلود، وهي شابة ناشطة تقوم بمساعدة اهل حمص، وتعمل في السرّ طبعا، قالت لنا على "السكايب": "بوسعنا الحصول على مساكن خالية، وعلى ثياب وطعام يقدمها لنا بعض اهالي العاصمة. ولكن المهمة تزداد صعوبة. فالافراد الخمسة لعائلة وصلت الى حيّ المعضمية اوقفوا بعد يومين من وصولهم، ومعهم العائلة التي استقبلتهم".

حول الضاحية الشمالية لضاحية قدسايا، التي استقبلت لوحدها اكثر من الف عائلة حمصية، تقول خلود: "الناس يترددون الآن في تقديم المساعدات، وذلك تجنبا للتوقيف والتحقيق على يد قوات المخابرات الذين وصل بها الامر الى حدّ إقلاق الاطباء الذين يهتمون بالمرضى الحمصيين". الشاب بلال زعيتر مثلا اعتقل بعدما وزّع هدايا على اطفال حمص بمناسبة عيد الفصح. أصدقاء الشاب أذاعوا الخبر ونظموا حملة لاطلاق سراحه.

الحماصنة في دمشق يخشون التجول في العاصمة وجوارها، كي لا يضطروا لإبراز هوياتهم للرجال الواقفين على نقاط التفتيش. وهم معرضون لمختلف اصناف التنكيل والتعسف على يد رجال "الامن"، خصوصا عندما يكونوا عاجزين عن الاجابة على اسئلة هؤلاء العملاء الفاسدين. اما ان يتنقل الحمصي داخل العاصمة من دون اوراق ثبوتية، فان عقوبته تكون أشدّ.

حادثة اثارت صدمة المشتركين في شبكات التواصل في بداية نيسان الماضي بعدما سحقت القنابل مدينة حمص: وهي قصة ثلاثين يتيما لا يتجاوز عمرهم الثلاث سنوات، وبعضهم رضع، كان مجهولون قد رموهم في شوارع دمشق. بيوت الايتام والمؤسسات المتخصصة رفضت استقبالهم، وطالبت بأوراقهم الثبوتية، ولو كانت تحت انقاض المدينة المدمرة.

من بين كل الفظاعات التي ارتكبت في حمص، فان اغتصاب النساء والبنات من قبل جنود النظام وعملائه هي من أكثرها صعوبة على الكشف، وذلك خوفا من العار والثأر. طبيب نسائي في دمشق أسرّ لمحيطه بأن طفلة عمرها تسع سنوات اغتصبها "ستة خازير" عند الاستيلاء على بابا عمرو، وهو لا يجروء على الكشف عن نفسه خوفا من "الاختفاء"، كما حصل لطبيبين دمشقيين عالجا جرحى من حمص. لا احد يفلت من عقوبات نظام بشار الاسد ضد المدينة التي ترمز الى الثورة عليه.

=================

هل يدفع لبنان ثمنا للأزمة السورية ؟

يوسف الحوراني

الرأي الاردنية

6-5-2012

عادت الساحة اللبنانية الى ساحة الاهتمام السياسي وخاصة الأمريكي، فبعد أن طال أمد الأزمة السورية وتراجع أي احتمال للغزو على الطريقة الليبية أو لإحداث ثغرات واسعة سواء على صعيد الجيش أو الشعب أو المؤسسات، جرت محاولات للزعزعة الأوضاع الأمنية من خلال العمليات الانتحارية ومزيدا من السلاح والرجال لزيادة الضغوط والتعجيل في حسم مصير الأزمة، ومع فشل محاولات ايجاد منطقة عازلة أو توفير ممرات «انسانية» على الحدود مع تركيا وما تعرضت له الأخيرة من ضغوط داخلية سواء من المعارضة أو بعض القيادات السياسية والعسكرية، وهو ما يمكن أن يؤشر الى سبب انحراف سفينة «لطف الله 2» عن الشواطئ التركية باتجاه طرابلس لبنان، وما دعى الى اتخاذ قرار بتوسيع الاستخدامات اللوجستية والعسكرية من خلال الأراضي اللبنانية وخاصة في منطقة عكار وطرابلس في الشمال وتلكلخ ووادي خالد المتماهيتين مع الحدود السورية وهو ما يفسر هذا الاهتمام الأمريكي بالساحة اللبنانية بعد أن أكدت الادارة الأمريكية حرصها على الاستقرار والأمن في لبنان وترحيبها بسياسة النأي بالنفس التي ابتدعها اللبنانيون للخروج من الاحراج أو التعرض للضغوط سواء الأمريكية أو السورية.

الزيارة التي قام بها كل من نائب وزيرة الخارجية الأمريكية جيفري فيلتمان والسيناتور الأمريكي جوزيف ليبرمان الى بيروت والتوجه شمالا باتجاه وادي خالد وتفقد «اللاجئين السوريين» والاطلاع على واقع الحدود مع سوريا وتوجه فيلتمان جنوبا في الوقت الذي يقوم النائب الأول لرئيس الجمهورية الايرانية محمد رضا رحيمي بزيارة بيروت التي تبدو جاءت ردا على زيارة فيلتمان لبيروت ولتأكيد دعم طهران للمقاومة اللبنانية، وقد حمل نائب وزيرة الخارجية الأمريكية رسائل تطمين الى فريق 14 اذار باقتراب سقوط النظام السوري وضرور ترتيب اوراقهم والتحضير للانتخابات النيابية العام القادم على هذا الاساس،داعيا جنبلاط الى حسم موقفه باتجاه تيار المستقبل «لأن الأمور في سوريا ذاهبة نحو سقوط الأسد».

الادارة الأمريكية باتت ترى في الساحة اللبنانية ساحة اساسية ومنصة انطلاق لتقديم الدعم للمسلحين العاملين على الاراضي السورية، ولتحقيق نتائج ملموسة على هذا الصعيد تمارس واشنطن الضغط على الرئيس ميشال سليمان ورئيس الوزراء نجيب ميقاتي وتحاول استخدام لبنان كمحطة فاعلة لتجاوز الاخفاقات.

لبنان الذي دفع ثمنا باهظا على مدار عقود نتيجة انسداد افاق حل الازمة السياسية في المنطقة هو نفسه يبدو المرشح امريكيا واوروبيا ليسدد فاتورة الازمة السورية فالمستعجلون والمتحمسون للتسريع في حسم الصراع في سوريا انما ارادوا استخدامه تعويضا عن الاخفاقات التي جرت وتجري على الحدود مع تركيا، التي وجدت نفسها في مأزق سياسي سيكون له عواقب وتداعيات على الأوضاع الداخلية والاقليمية.

=================

انتخابات ودبابات

الأحد, 06 مايو 2012

عبدالله إسكندر

الحياة

يظهر التصاعد في وتيرة الحركة الاحتجاجية في كل المناطق السورية عموماً، وفي الايام القليلة الماضية في كل من دمشق وحلب خصوصاً، ان حل الازمة المندلعة منذ زهاء 15 شهراً لا يزال بعيد المنال او هكذا يبدو، سواء الحل الامني الذي تعتمده السلطات او الحل الدولي - العربي الذي يتعثر عند بنده الاول.

فالحكم السوري يستخدم كل ما لديه من قوة وقدرة سياسية من أجل فرض حله، من دون ان يتمكن من الوصول الى هدفه. المعارضة الداخلية لا تزال معبأة في الشارع حيث يمكنها ذلك، فتتظاهر وتقدم الضحايا، من دون ان تتمكن من فرض وتيرة اصلاحية تطالب بها. و»الجيش الحر» الذي اعلن ان مهمته حماية المتظاهرين يجد نفسه عاجزاً حتى عن حماية أنصاره من آلة القتل الرسمية. اما المعارضة السياسية في الخارج، خصوصاً «المجلس الوطني»، فهي مشغولة بأوضاعها وخلافاتها والتفاوت في تقديراتها وتكتيكاتها اكثر من التركيز على كيفية الخروج من مأزق اللاحل. والمجتمع الدولي وصل الى اقصى ما تسمح به الظروف الحالية، عبر اجماع مجلس الامن على خطة كوفي انان، لكنه ما زال عاجزاً عن تثبيت تنفيذ البند الاول من اجل الانتقال الى الحل السياسي.

الواقع ان الحكم السوري لا يزال قادراً على فرض وتيرته على الوضع، انطلاقاً من تصوره للحل الممكن. وليس من دون معنى، انه يعتبر ان البلاد تستعيد عافيتها، والسلطات الحكومية اعادت فرض سيطرتها والمواطنين مقتنعون بخطواته الاصلاحية، الى حد انه دعاهم الى الاقتراع في انتخابات تشريعية غداً. وبغض النظر عن هذه الخطوة السوريالية المتعلقة بانتخابات في مثل هذا المناخ الذي يحاكي الحرب الاهلية، يقوم الحكم في الوقت نفسه بحملات أمنية واسعة تركز اساساً على ضرب معاقل «الجيش الحر» وعلى اعتقالات واسعة في صفوف النخبة. ما يعني بالنسبة اليه ان القمع الدموي وكتم الانفاس هما الوجه الآخر للاصلاح الذي ينوي القيام به. ولتتحول انتخابات الغد جزءا لا يتجزأ من الحل الامني المعتمد منذ اليوم الاول لانتفاضة الشعب السوري. وبذلك يكون هذا الحكم وفياً لنظرته الى ادارة الشؤون السورية منذ «الحركة التصحيحية» في 16 تشرين الثاني (نوفمبر) 1970. اذ شكّل العنف أداة الحكم ولم تكن الانتخابات و»الجبهة الوطنية» الا الواجهة التي تخفي هذا العنف السلطوي. فالحركة التي قادها الرئيس الراحل حافظ الأسد أطلق عليها اسم «التصحيحية»، في اشارة الى مهمتها الاصلاحية التي انحرف عنها الرفاق في الحكم قبل 1970. وحصيلة هذا الاصلاح كانت إنهاء أي دور للأحزاب والنقابات والمعارضة عموماً والزج في السجون لأي صوت مختلف، وتغول الاجهزة الامنية على كل المستويات، وصولاً الى حملات أمنية واسعة على مناطق «متمردة»، كما حصل في حماة ومناطق أخرى.

كل ذلك باسم الاصلاح وحماية الكادحين والفقراء والفلاحين الذين ازدادوا فقراً وتراجعاً في وضعهم المعيشي لمصلحة فئات ذات نشاط اقتصادي هامشي داخل الحكم أو متحالفة معه راكمت الثروات الطائلة.

وظل الحكم الحالي، برئاسة الدكتور بشار الأسد، وفياً لهذه النظرة الى الحكم، وربما اكثر تمسكاً بها بعدما انهارت نظرية «الممانعة» التي ظلت لسنوات، مثل الاصلاح والتصحيح، الغطاء لطبيعة الحكم.

ومن هنا، يعتبر الحكم ان أي تراخ أمني، مثل وقف النار أو الامتناع عن مطاردة المعارضين (سلميين أو مسلحين) واعتقالهم وقتلهم، يتوازى في الأهمية مع أي تراخ على المستوى السياسي. اذ كلاهما يشكل بداية النهاية لهذا النوع من الحكم. وبذلك تكون وظيفة انتخابات الغد هي نفسها التي تنفذها الدبابات والأسلحة الثقيلة في مواجهة الحركة الاحتجاجية.

=================

الصحافي والكاتب والداعية في سوريا!

فايز سارة

الشرق الاوسط

6-5-2012

لم تتغير سياسة السلطات السورية باعتمادها الخطة الأمنية العسكرية في معالجة الأزمة في سوريا، رغم موافقة السلطات على خطة الموفد الدولي كوفي أنان لمعالجة الأزمة في سوريا بالطرق السياسية طبقا لبنود الخطة وهدفها الرئيس في وقف العنف والمضي نحو معالجة سياسية. وفي سياق الخطة الأمنية العسكرية، يتواصل حصار المناطق السكنية وقصفها، وإلحاق الدمار بممتلكات وموارد عيش السكان، قبل اقتحامها اللاحق، حيث يقتل أشخاص، ويجرح غيرهم، ويتم اعتقال البعض، ليودعوا معتقلات وسجونا، تمارس فيها صنوف من التعذيب والإذلال، يصل بسببها بعض المعتقلين حد الموت، وبعضهم يموت فعلا.

وسط تلك السياسة، التي تطبقها السلطات، تحت دعوى مواجهة الأعمال المسلحة والتدخلات الأجنبية، تقوم السلطات السورية باعتقال نشطاء وشخصيات عامة، معروفة بمواقفها السلمية وبجهودها لمحاصرة العنف ووقفه، والسعي إلى توفير أسس معالجة سياسية للأزمة، يكون من نتائجها حصار التداعيات الخطرة للوضع السوري، والتخفيف من الخسائر التي تصيب السوريين وبلدهم، وبين تلك الشخصيات ثلاثة: أولهم صحافي والثاني كاتب والثالث داعية إسلامي.

أول الأشخاص، مازن درويش الصحافي، وقد عمل سنوات في ميدان حقوق الإنسان، قبل أن يقرر إعطاء وقته وجهده لخدمة مجتمعه وبلده في مجال آخر عبر تطوير واقع الإعلام السوري، وكان مدخله في ذلك تأسيس وإدارة المركز السوري للإعلام وحرية التعبير ليعمل من خلاله على الاهتمام بالإعلاميين الأفراد، والاهتمام بالمؤسسات الإعلامية، وكلاهما كان ولا يزال بحاجة إلى تطوير يتوافق وملامح العصر وحرية الإعلام خروجا من عصر الإعلام التعبوي وصحافة المنشور التبريري والتحريضي، وهي مهمة جعلته يقيم شراكة مع أفراد ومؤسسات إعلامية حكومية وخاصة، تضمنت إقامة تدريب فني ومهني، وبلورة وتنفيذ مشاريع تطوير الإعلام السوري وبيئته العامة.

مازن درويش في نشاطه وجهده استحق احترام منظمات إعلامية عالمية، مما جعله شخصية إعلامية رفيعة بين السوريين. إذ هو عضو المكتب الدولي لمنظمة «مراسلين بلا حدود»، كما شغل منصب نائب رئيس المعهد الدولي للتعاون والمساندة في بروكسل، وبفضل جهوده حصل المركز السوري على صفة العضو الاستشاري في المجلس الاقتصادي والاجتماعي في الأمم المتحدة العام الماضي، وهي مكانة ظهر أن هناك من يعارضها.

والشخص الثاني في الأمثلة هو سلامة كيلة، المثقف والكاتب الفلسطيني المولد والسوري الإقامة، والقومي الحياة، واليساري النزعة، وقد قضى القسم الأكبر من حياته في خلق شخصية ثقافية وفكرية نقدية الطابع، شخصية تغوص في أعماق مجتمعها من أجل معرفة مشاكله ومعالجتها عبر الوصول إلى الحلول الأفضل والأقل تكلفة لهذه المشاكل.

ولم يكن طريق سلامة في هذا الاتجاه سهلا؛ إذ كان عليه أن يخرج من قطريته إلى فضاء عربي أرحب، وأن يزاوج بين قوميته في انفتاحها ويساريته التي تسبح في مجال آخر، مقتربا بصورة عملية أكثر إلى القطاعات الشعبية والأفقر من الباحثين عن فرص الحياة، وقدرة التقدم فيها على ما في هذا الترابط من إشكالات ومشاكل، وكان الثمن الأول لهذه التركيبة المعقدة من الخيارات، انخراطه في جهد ثقافي سياسي، أدى إلى ذهابه للاعتقال السياسي، حيث قضى 8 سنوات من الاعتقال ثمنا لفهم مهمته ودوره في الحياة، ومحاولته القيام بعبء المثقف إزاء بلده ومواطنيه، وهي النتيجة التي انتهت إليها جهوده الأخيرة في محاولة فهم الأوضاع السورية الراهنة، وسعيه إلى تقديم رؤية لمعالجة الأزمة المتواصلة في سوريا منذ 14 شهرا.

والشخص الثالث في موضوعنا أحمد معاذ الخطيب الداعية الإسلامي المتنور والمعتدل الذي يمثل في مواقفه وحياته أحد الوجوه السمحة للإسلام وللمسلمين في مواجهة التشدد والتطرف الذي ينبذه الإسلام، ليس فقط في علاقاته الداخلية، وإنما في علاقاته بمحيطه سواء في حلقاته القريبة، أو في الحلقات الأبعد، وهو في كل ذلك يستمد من النصوص الدينية والوقائع التاريخية أسانيده، التي تحمل وتؤكد معاني التوافق والعيش المشترك، والقدرة الهائلة على معالجة المشاكل القائمة والمحتملة.

ولأن للرجل مثل هذه الروح، التي تتناقض مع السائد في تطرفه تشددا أو تفريطا، فقد تمت محاصرته والتضييق عليه في القول والفعل والحركة، وإن كان ذلك لم يمنعه في السعي إلى معالجات تستند إلى العقل والمنطق وقيامه بالدفع نحو مبادرات تتجه إلى حلول ومعالجات من شأنها الوصول إلى نتيجة غالبا ما تكون في نقطة الوسط شكلا، لكنها ستؤدي لاحقا إلى نقطة الحقيقة بأقل قدر من التكاليف، وأقصى قدر من الفائدة.

ثلاثة من شخصيات عامة، عرفت باهتمامها واندماجها في الشأن العام السوري، وسعيها إلى تطويره بمنطق العصر والعقل بطريقة سلمية وهادئة تنحاز إلى الأكثرية وإلى المستقبل، وكله لم يمنع من اعتقالهم على نحو ما أصاب أمثالهم مرات، والأخطر في اعتقال هؤلاء، هو تردي أوضاعهم في الاعتقال، وخاصة وضع مازن درويش الذي قيل إن حالته الصحية تدهورت بصورة كبيرة، مما يجعل حياته مهددة بالخطر.

=======================

صحفي روسي يكتب …90 دقيقة بصحبة مقاتلي الجيش السوري الحر

كتب فاليري ميلنيكوف

(وكالة “نوفوستي” الروسية)

2012/05/05

كلنا شركاء

يصفهم النظام السوري بالعصابات الإرهابية المسلحة، عندما أعلنت عن نيتي الذهاب إلى حمص، حذروني منهم وقالوا “الجيش السوري الحر يكره الروس.. سيقتلونك حتما”.

أثناء تجولي في أحد أحياء حمص الفارغة من السكان، وصلت إلى أحد نقاط الحراسة المهجورة، ليشق الصمت صوت طلقات رشاش آلي، ظهر بعده من أحد الشوارع الجانبية مواطن سوري مسن، لوح لي بيديه وأخبرني أن التقدم خطر جدا، “إنهم يطلقون النار”، ومن ثم سألني من أين أنا؟ وماذا أفعل هنا؟

بعد أن عرف أنّي من روسيا، عرض اصطحابي إلى أحد أصدقائه الذي يجيد اللغة الروسية، وبعد حوالي دقيقتين، كنت أجلس بصحبة أربعة سوريين، أحضروا لي عصيرا وقهوة وسجائر،. ومن ثم سألوني كيف استطعت الوصول إلى حمص، وماذا أفعل هنا؟

من خلال حديثي مع أكبر الجالسين، فهمت أنه درس في جامعة موسكو الحكومية، وسكن في موسكو عدة سنوات، سألني إذا كنت راغبا في أن أرى حمص من الجانب الآخر، وأن أتعرف على سورية الأخرى؟ بالتأكيد كان ردي بالموافقة. ليتم نقلي بسيارة نقل إلى الجانب الآخر، بصحبة مقاتلي الجيش السوري الحر.

المستشفى

بعد رحلة طويلة نسبيا، انتقلت إلى سيارة أخرى بصحبة اثنين من مقاتلي الجيش السوري الحر، لنتوجه إلى حي الخالدية، الذي كان مدمرا بشكل كامل، وكان المنظر مشابها للعاصمة الشيشانية غروزني في العام 2000، حي الخالدية كان بشكل كامل تحت سيطرة الجيش الحر، مقاتلين شباب قاموا بحراسة تقاطعات الطرق، الشوارع شبه خالية، وطوال الوقت كان من الممكن سماع زخات رصاص متفرقة وأصوات انفجارات، كنا نشاهد طوال الوقت مجموعات من الأسر والنساء والشيوخ في تجمعات. هؤلاء كانوا لاجئين غادروا بيوتهم بعد تدميرها.

وصلنا بالسيارة إلى منطقة قريبة من مبنى المستشفى، كان يفصلنا عنها شارع فارغ، يتعرض طوال الوقت لزخات رصاص، وطلقات القناصة.

المقاتلين الذين صاحبوني، شرحوا لي بالإشارات، أنه يجب أن نقطع الشارع ركضا، وكل على حدة، ليقوم أحدهم بعد ذلك برمي زجاجة فارغة في الطريق، وبعد أن لم يلحظ ردة فعل من القناصة، قطع الشارع راكضا بسرعة، لأتبعه أنا، والمقاتل الثاني من بعدي.

كان واضحا أن المستشفى تضرر بعد إطلاق النار والقذائف عليها، بالإضافة إلى تعرضه لحريق، وتحطم جميع نوافذه. فوق مدخل المستشفى انتصبت صورة كبيرة لحافظ الأسد، الرئيس السابق للبلاد، ووالد الرئيس الحالي. الصورة أيضا كانت محترقة. أحد المقاتلين قام بإشارة ما بجسده باتجاه الصورة، وقال بضعة كلمات بالعربية، لم أفهم معناها، لكن كان واضحا أنه لم يتمنى للصورة شيئا جيداً.

عبرنا خلال العنابر والأسرّة المكسرة والمحترقة إلى الفناء الداخلي للمستشفى، حيث قبع عدة مقاتلين، أعطونا قناعين مضادين للغازات السامة، أحد المقاتلين ساعدني على ارتداء القناع، وقام بشده بقوة على رأسي. بعد دقيقتين وعند وصولنا إلى المشرحة، فهمت سبب لبس الأقنعة المضادة للغازات، التي لم تستطع منع الرائحة الكريهة للجثث من التسلل إلى أنفي. فالمكان كان بلا كهرباء أو ماء. عرض المقاتلون علي عددا من الجثث، التي لم أفهم من هم أصحابها.

بعد خروجنا من المشرحة، دخلنا إلى جزء آخر من المستشفى، وصعدنا عدة طوابق، لنلتقي بأحد المقاتلين الجالسين وراء مدفع رشاش يطل من فجوة في الجدار، بالاشارت شرح لي بأنهم من هنا يقومون بحماية المستشفى من الاقتحام، وسمح لي بالتقاط عدة صور.

عندما نظرت عبر الفجوة في الجدار، لم أر بيتا واحدا، إلا وكانت عليه آثار إطلاق النار والقصف، بعد مغادرتنا المبنى، انطلقنا مرة أخرى بالسيارة، التي كانت تدور عبر الشوارع بشكل غريب، متفادية المواقع الحكومية، وصلنا إلى ساحة ليست بالكبيرة جداً، تم تغطية مداخل الشوارع المطلة عليها بالأغطية، لحماية المتواجدين من نيران القناصة. مقاتلي الجيش السوري الحر الذين تواجدوا في الساحة، كانوا طيبين وودودين ورحبوا بي، ورفعوا الأعلام السورية بمرح من أجل أن ألتقط لهم صورا.

اقترب مني شاب، مدجج بمخازن الرصاص، رحب بي بالعربية، وقال أنه ضابط برتبة نقيب بالجيش السوري الحر، عرض علي بالإشارات أن أصطحبه إلى أحد الشوارع الجانبية، حيث فوجئت حين رأيت سيارة مدرعة مصنوعة بجهود ذاتية، كانت شبيهة جدا بمكواة ضخمة.

أثناء التقاطي الصور للمدرعة، قام النقيب بالاتصال عبر هاتف أقمار اصطناعية بجهة ما، وعرض علي الحديث، شارحا لي بأن قناة الجزيرة ترغب بالحديث معي، أنا رفضت.

الغداء

مدخل البيت كان مزدحما بالأحذية، بعد أن نزعنا أنا واثنين من المقاتلين أحذيتنا، دخلنا، المكان كان مقر إقامة مجموعة من المقاتلين، حيث توفرت الكهرباء والماء، التلفاز كان يعمل. في الغرفة جلس عدة أشخاص، أعربوا عن سعادتهم عندما عرفوا أنني صحافي من روسيا، لكنهم طلبوا ألا ألتقط لهم الصور.

أحد المقاتلين كان يجيد الإنجليزية، أشار إلى أحد رفاقه المصاب في قدمه، وأخبرني أنه قبل مدة قصيرة كان في داغستان. أخبرته أن لدي جذورا قوقازية، وسألته في أي مدينة بالتحديد كان في داغستان؟ الشاب أجاب أنه كان في مدينة نالتشيك. يبدوا أنه لم يفهم السؤال أو أنه لا يعرف أين تواجد! (مدينة نالتشيك الروسية هي عاصمة جمهورية قبرطا بلقاريا، ولا تقع في داغستان. ملاحظة المحرر).

في الغرفة المجاورة تم إعداد طاولة الغداء، فطائر طازجة وجبن وشاي، بعد تأدية الصلاة، التف الجميع حول الغداء. أحد الشبان عرض علي صور والده المقتول، أوضح أنه لو لم تقتل السلطات والده، لما حمل السلاح في يده أبداً. المقاتلين الآخرين عرضوا علي صور أقربائهم وعائلاتهم المقتولة. هم لم يكونوا يريدون القتال.

في هذا الحي عاش السوريون دائما في مودة وسلام، المسلمون والمسيحيون، في شارع واحد انتصب مسجد وبجانبه كنيسة. بعد القصف تضررت البنايتان بشدة. المقاتلون حدثوا كيف أن الاحتجاجات والتظاهرات كانت في البداية سلمية، الناس أرادوا تغييرا وإصلاحا، لكن بعد أن بدأت الحكومة بإطلاق النار عليهم وقتلهم، لم يبق لديهم مخرج آخر. بعد الغداء، طلب مني المقاتلون أن أتصور معهم في صورة جماعية للذكرى.

مستشفى الثوار

توقفت السيارة بنا أمام ورشة تصليح سيارات تقع في الطابق الأول لبناية سكنية، عدة أشخاص كانوا يصلحون سيارة مليئة بثقوب جراء تعرضها لإطلاق نار، عرضوا عليّ الهبوط إلى الطابق التحت أرضي.

تحت الأرض تم تحويل الطابق إلى مستشفى متكامل، قابلنا سورياً يرتدى بذلة أنيقة، انه الطبيب، هو كان يجيد الانجليزية، وكان في المستشفى عدد من الجرحى، أحدهم كانت حالته حرجة.

سمحوا لي بالتقاط الصور، بعد أن أخفوا ووجوههم بأيديهم، أخبرني الطبيب عن عدم كفاية المواد الطبية والأدوية، مشيرا أن ما لديهم، هو بقايا أدوية المستشفى القديمة التي دمرت وحرقت.

بعد أن عرف أنني من روسيا، قال الطبيب أن السوريين يحبون الشعب الروسي ويحترمونه، لكنهم لا يستطيعون فهم لماذا بوتين وروسيا يدعمون بشار الأسد وحكومته؟ لماذا روسيا لا تنتبه إلى ما يدور حقيقة على الأرض، إلى أن الناس يموتون؟

هو سألني، إلى جانب من أنا؟ أجبته أنني كصحافي، يجب أن أكون محايدا، وإلا فأنا لست صحافيا. بعد وهلة قصيرة من الصمت، قال الطبيب أنه يتفهم موقفي، وينظر إليه باحترام، وطلب مني أن أعمل على أن يعرف الشعب الروسي ما عرفته، وأن يرى ما رأيته في حمص.

خرجنا إلى الشارع، حيث تجمع عدد من الناس الذين حضروا من البيوت المجاورة، وكلهم سألوني نفس الأسئلة، عن بوتين والأسد وروسيا.. التي نسيتهم

========================

جدل في ألمانيا حول قصيدة غراس عن إسرائيل:قصيدة غراس عن إسرائيل......الطريق إلى جهنم مفروش بالنوايا الطيبة

غونتر غراس غير معاد للسامية مثلما يدعي منتقدوه ووسائل الإعلام اليمينية، غير أن قصيدته – كما يرى الإعلامي الألماني والباحث في العلوم الإسلامية شيتفان فايدنر - لا تصلح لإجراء نقاش موضوعي حول أخطار الضربة العسكرية المحتملة على إيران.

شتيفان فايدنر

ترجمة: صفية مسعود

مراجعة: هشام العدم

حقوق النشر: قنطرة 2012

18 /4/2012

في آخر آيامه دخل غونتر غراس بقدميه إلى أكبر عش دبابير في السياسة العالمية الراهنة، وهو البرنامج النووي الإيراني والموقف الإسرائيلي بالنسبة له. إن المشاعر تزداد حدةً على الصفحات الثقافية في الصحف الألمانية، في حين يبدو غراس وكأنه قد أوشك على أن يفقد نهائياً سمعته ككاتب تنويري. ما الذي جعل غونتر غراس يفعل ذلك؟ إذا قرأنا النص الذي نشره، فسنجد أنه ببساطة يشعر بالخوف على السلام العالمي، أو بكلمات أدق يشعر بالخوف من ضربة عسكرية نووية توجهها إسرائيل إلى إيران، كما يخشى إفناء الشعب الإيراني ("الضربة الأولى [...] التي قد تمحو من الوجود الشعب الإيراني").

فلنحاول أن نتحلى بأقصى درجات الموضوعية. إن إسرائيل تحتفظ بالفعل لنفسها بالحق في الهجوم على إيران حتى تمنعها من صنع أسلحة نووية. هذا ما يقوله السياسيون الإسرائيليون أنفسهم، وهو ما ينتقده العديد من المعلقين السياسين داخل إسرائيل وخارجها معتبرين موقف إسرائيل غير حكيم. حتى الرئيس الأمريكي باراك أوباما طالب إسرائيل بالتمسك بالصبر في تعاملها مع إيران. ما يدعو إلى الاستغراب في قصيدة غونتر غراس هو فقط اتهام إسرائيل بأنها قد تخطط لشن ضربة نووية أولى ب"رؤوس متفجرة تدمر كل شيء". صحيح أن الحديث يدور كثيراً حول حرب هجومية محتملة تشنها إسرائيل على إيران، ولكن نادراً ما يتحدث أحد عن ضربة نووية أولى.

 

الإشارة إلى الماضي الألماني الإسرائيلي

يرى شتيفان فايدنر أن محو الشعب الإيراني من الوجود يبدو أمراً مبالغاً فيه، فالضربة النووية الأولى لن تستهدف السكان، بل المنشآت العسكرية في إيران.

رغم ذلك لا بد من أن نعترف لغونتر غراس بأن النقاش يدور أيضاً حول الضربة النووية الأولي. لقد كتب المؤرخ الإسرائيلي المعروف بيني موريس في السابع عشر من يوليو (تموز) عام 2008 في صحيفة النيويورك تايمز أن "من المحتمل أن توجه إسرائيل ضربة نووية لتمنع صنع القنبلة الإيرانية". "An Israeli nuclear strike to prevent the Iranians from taking the final steps toward getting the bomb is probable"

ولكن محو الشعب الإيراني من الوجود يبدو أمراً مبالغاً فيه حتى لو حدثت تلك الضربة. إن الضربة النووية الأولى لن تستهدف السكان، بل المنشآت العسكرية. ليس هذا عزاء كبيراً بالنسبة للضحايا، غير أنه فارق مهم وجدير بالذكر. ما يثير المشاعر في ألمانيا ليست المخاوف المتعلقة بنهاية العالم التي تدور في رأس غراس، بل إشارته إلى الماضي الألماني الإسرائيلي وطرحه السؤال حول الدروس التي على المرء أن يتعلمها من ذلك الماضي.

فبينما ترى المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل أن دروس الماضي تلزم ألمانيا "بحماية أمن إسرائيل" (انظر الكلمة التي ألقتها بتاريخ 9/11/2008) فإن غراس يرى أن هذه الدروس يجب أن تمنع إسرائيل من أن تقوم من جانبها بتنفيذ محرقة بحق "الشعب الإيراني". سطور غراس هذه تبدو لمعظم المعلقين على قصيدته مبالغاً فيها، كما أنها تنم عن اقتناع غراس بأن الصواب في صفه. غير أن البعض يستشف من تلك السطور معاداة للسامية، سواء كانت صريحة أو مبطنة، ثم يشيرون إلى أن غراس خدم في سلاح الإس إس النازي عندما كان صبياً في السابعة عشرة من عمره.

معاداة السامية: مفهوم مطاط

 

إن غراس يسيء إلى سمعته بنفسه، يقول شتيفان فايدنر: "ليس لأنه معاد للسامية، كلا، بل لأنه – وهو الحاصل على جائزة نوبل في الآداب – قد بات أديباً فاتر الهمة محاطاً على ما يبدو بمستشارين بائسين".

 

إذا ألقينا نظرة على التعليقات الواردة في الصحف، وبخاصة في الصحيفة المحافظة "دي فيلت"، فسوف يلفت بالطبع على الفور انتباهنا كيف يتم التعامل تعاملاً مطاطياً مع مفهوم معادية السامية لكي يشمل كل ما قاله غونتر غراس. إن المعنى الشائع في ألمانيا لمعاداة السامية هو كراهية اليهود. ولكن حتى صحيفة "دي فيلت" لا تتهم غراس بالكراهية المباشرة لليهود مثلما كان يفعل النازيون. لتوجيه تهمة معاداة السامية إلى غونتر غراس، لا بد من مط هذا المفهوم مطاً عظيماً. في تلك الحالة يُنظر إلى هذا المفهوم باعتباره حالة مَرَضية (انظر مقالة ريغينا غرونينبيرغ في صحيفة "فرانكفورتر زونتاغستسايتونغ" بتاريخ 8/4/2012) وذلك في صورة تحفظات وأحكام مسبقة كامنة في أعماق الإنسان، وغالباً في اللاوعي، تجاه اليهود أو دولة إسرائيل. فبدون توسيع مفهوم "معادة السامية" ليشمل النقد الموجهة للسياسة الإسرائيلية، يصبح الاتهام غير ذي موضوع. حتى في حالة غونتر غراس لن تصدق التهمة. فكلمات مثل "يهودي" أو "اليهود" لا ترد مطلقاً في القصيدة التي لا تتحدث سوى عن إسرائيل.

وهذا تحديداً هو مربط الفرس في النقاش الدائر. لو كان كل نقد للسياسة الإسرائيلية معاديا للسامية، لكان الحق مع غراس، ولكان من غير المسموح به أن يوجه النقد لسياسة إسرائيل. غير أن الحقيقة هي أن المعلقين المتطرفين اليمينيين، الذين غالباً ما يكونون، وعلى نحو ملفت للنظر، معادين للإسلام أيضاً، وكذلك وسائل الإعلام مثل صحيفة "دي فيلت"، أو المدونات المعادية للإسلام مثل "غير الصائب سياسياً" Politically Incorrect أو "محور الخير" – هؤلاء يمضون إلى حد وصم أي نقد للسياسة الإسرائيلية بأنه تنويعة معتدلة من تنويعات معاداة السامية.

إن الإدعاء الذي يقول إنه من غير المسموح ومن غير الممكن انتقاد إسرائيل (لا سيما في ألمانيا) هو بالفعل ادعاء فارغ، تماماً كالادعاء الآخر – الذي يصدر عن نفس الناشرين والمدونين اليمينيين – الذي يقول إنه من غير المسموح ومن غير الممكن انتقاد الإسلام في ألمانيا. كلا، لقد أخطأ غراس، وكذلك أخطأ نقاده: بإمكان المرء، في ألمانيا أيضاً، أن ينتقد السياسة الإسرائيلية. مَن يفعل ذلك لا يمكن اعتباره تلقائياً معادياً للسامية"، حتى إذا كان في صباه قد خدم في سلاح الإس إس النازي، ثم صمت عن ذلك – خجلاً - سنوات طويلة جداً.

نص تافه

 

"لقد أخطأ غراس وكذلك أخطأ نقاده: بإمكان المرء، في ألمانيا أيضاً، أن ينتقد السياسة الإسرائيلية. مَن يفعل ذلك لا يمكن اعتباره تلقائياً معادياً للسامية"، يقول شتيفان فايدنر.

 

لذلك فإن النقاش الدائر حول قصيدة غونتر غراس هو – إذا تأملنا الأمر بهدوء – لا وزن له، تماماً كالقصيدة التي لا تحمل أية قيمة شعرية حتى إذا نظرنا إليها على اعتبارها قصيدة نثرية. تبدو القصيدة، لا سيما للقارئ المحنك، متكلفة، بل مدرسية. القصيدة تثير الخجل، ليس لأن مضمونها يعتبر فضيحة، بل لأنها نص ضعيف تافه.

لكن الأسوأ هي العواقب الوخيمة للنص الذي يدعي أنه يدافع عن قضية. غراس في القصيدة يشبه الدب الذي حاول أن يدافع عن صاحبه، فقتله. إن القضية التي يدافع عنها غراس هي الإيمان بالسلام، ليس كمبدأ مطلق ساذج، بل كإرادة لحل الصراعات سلمياً دون اللجوء إلى التصعيد واستخدام السلاح، طالما كان ذلك ممكناً. ولكي نفعل ذلك فليس هناك ما هو أهم من الموضوعية والوضوح في المواقف والحجج. أما المبالغات ورسم صور نهاية العالم – مثلما يفعل غراس في قصيدته – فلا تؤدي إلى الهدف. ما فعله غراس لا يؤدي إلا إلى استثارة المهيجين والداعين إلى الحروب، ويقدم لهم فرصة سانحة لتشويه سمعة مَن يدعو إلى التوصل إلى حل سلمي.

بعد هذه القصيدة أصبح النقاش الموضوعي حول هذه القضية – أي ما إذا كانت السياسة الإسرائيلية الحالية بخصوص إيران سياسة ذكية أم لا – أكثر صعوبة وتعقيداً مما هو بالفعل. من ناحية أخرى تلوح لنا عاقبة أخرى سيئة لهذه القصيدة، أعني تشويه غراس لسمعته الشخصية. ليس لأنه معاد للسامية، كلا، بل لأنه – وهو الحاصل على جائزة نوبل في الآداب – قد بات في أيامه الأخيرة أديباً فاتر الهمة ومحاطاً، على ما يبدو، بمستشارين بائسين.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ