ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأربعاء 16/05/2012


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

سورية: أطول مما نعتقد وأقصر مما يعتقد!

خير الله خير الله

الرأي العام

15-5-2012

من الواضح ان النظام السوري يحاول تصوير ان معركته مع «القاعدة» في حين انها مع الشعب السوري. لا يدرك ان ما يقوم به من مناورات بائسة لم يعد ينطلي على احد. من هذا المنطلق، نرى محاولات يبذلها من اجل الاستفادة من التفجيرين الاخيرين في دمشق وهما، اضافة الى تفجير حلب، عمل ارهابي ذهب ضحيته عدد كبير من المواطنين.

يشكل تفجيرا دمشق ثم تفجير حلب، نقطة تحوّل في الازمة التي يمرّ بها هذا البلد العربي المهمّ منذ نحو اربعة عشر شهرا. لماذا تشكل هذه الانفجارات، وهي ليست الاولى من نوعها في سورية نقطة تحوّل؟

الجواب انه اذا تبيّن ان النظام وراء التفجيرين، يكون فقد مبرّر وجوده، نظرا الى ان مهمّة اي نظام حكم في العالم حماية الشعب اوّلا وخدمة مصالحه. اللهمّ الا اذا كان هذا النظام، الذي هو نتاج انقلاب عسكري، نفّذ قبل تسعة واربعين عاما، يستمّد شرعيته من قدرته على قمع الشعب وإذلاله الى ما لا نهاية.

لنفترض ان لا علاقة للنظام بالتفجيرات الاخيرة. اذا تبيّن ان تنظيم «القاعدة» الارهابي قادر فعلا على اختراق دمشق والوصول الى مكان قريب من موقع امني مهمّ وحسّاس، فهذا يعني في اقلّ تقدير ان هناك ما يشير الى ان العمود الفقري للنظام، المتمثل في السيطرة الامنية على البلد، لم يعد موجودا. ما قيمة النظام السوري، الذي ليس لديه ما يصدّره للدول المجاورة سوى الامن، بالمعنى السلبي للكلمة، عندما لا يعود قادرا على التحكّم بالشوارع القريبة من المواقع الامنية داخل دمشق نفسها او في حلب؟

في الحالين، هناك حال افلاس ليس بعده افلاس. ما يؤكّد هذا الافلاس، الرسالتان الموجهتان من النظام الى مجلس الامن التابع للامم المتحدة والى بان كي مون الامين العام للمنظمة الدولية. ترفض الرسالتان الاعتراف بالواقع المتمثّل في انّ هناك ثورة شعبية في سورية وان النظام الذي يواجه هذه الثورة انتهى في اللحظة التي اعتقد فيها كبار المسؤولين ان لا حل سوى الحلّ الامني. لو كان الحلّ الامني يشكّل مخرجا للنظام، لكان استطاع استعادة السيطرة على حمص وحماة والرستن ودرعا ودوما وادلب ودير الزور وعشرات المدن والبلدات والقرى منذ اشهر عدّة.

لو كان الحل الامني حلاّ لما كان النظام مضطرا الى الاستعانة بمجلس الامن والامين العام للامم المتحدة الذي لم يتوقف عن دعوة كبار المسؤولين السوريين، على رأسهم الرئيس بشّار الاسد الى اعتماد لغة العقل ووقف المجازر التي يذهب ضحيتها الابرياء الذين لا ذنب لهم سوى المطالبة بالحرية والعدالة وحد ادنى من الكرامة الانسانية.

لعلّ أخطر ما في الحدث السوري اعتقاد النظام انه قادر على الاستمرار الى ما لا نهاية في الحلّ الامني. تبيّن مع مرور الوقت ان رقعة الثورة تتسع اكثر فاكثر بشكل يومي. الدليل على ذلك ما يجري في دمشق وحلب اكبر مدينتين سوريتين. صارت دمشق وحلب في قلب الثورة وباتتا تشكّلان دليلا واضحا على ان الشعب السوري باكثريته الساحقة يرفض نظاما لا يؤمن سوى باستعباده.

متى يقتنع النظام السوري بانّ لا خيار آخر امامه سوى الرحيل؟ الخوف كلّ الخوف من ان النظام بات يراهن على انه قادر على متابعة عملية الهروب الى الأمام عن طريق القاء اللوم على قوى خارجية واتهامها بانها وراء تأجيج الثورة والعمليات الارهابية.

قبل كلّ شيء، ينسى النظام السوري ان القوى الخارجية هي التي تدعمه بالمال والسلاح والمواقف السياسية. هناك تورط ايراني وروسي وصيني، الى حدّ ما، في عملية التصدي للشعب السوري والسعي الى قهره. اما بالنسبة الى الشكوى من تهريب السلاح، ليس سرّا ان كلّ السلاح الذي دخل لبنان منذ ما قبل الحرب الاهلية في العام 1975 جاء من سورية. ما دام النظام السوري يشكو من ان الاراضي اللبنانية تستخدم لتهريب اسلحة الى الداخل السوري، لماذا يصرّ على رفض ترسيم الحدود بين البلدين كي تسهل مراقبتها؟ لماذا يصرّ على اقامة قواعد لمنظمات فلسطينية تابعة له داخل الاراضي اللبنانية وتزويدها بالسلاح الموجه الى اللبنانيين؟

اضافة الى ذلك كلّه، لا يمكن تجاهل ان قسما لا بأس به من العمليات الارهابية التي استهدفت دولا عربية معيّنة في الخليج، انما خطّط له في دمشق وفي اماكن قريبة منها. اكثر من ذلك، حتى الامس القريب كانت الحكومة العراقية الحالية تتهم النظام السوري، بكل وضوح، بانّه وراء العمليات الارهابية التي تنفّذها «القاعدة» في بغداد ومناطق عراقية اخرى.

كيف يمكن لنظام لم يتقن يوما سوى لعبة ممارسة الارهاب القاء اللوم على الاخرين عندما يعجز عن الاعتراف بانه في مواجهة ثورة حقيقية تعبّر عن طموحات الشعب السوري وتطلعاته. انه الافلاس بعينه بالنسبة الى نظام لا يريد الاقرار بانه انتهى وان ليس امامه سوى الرحيل اليوم قبل غد.

بدل توجيه رسالتين الى مجلس الامن والامين العام للامم المتحدة، يفترض بالنظام السوري، في حال كان حريصا على سورية والسوريين، مباشرة التفاوض في شأن كيفية التنحي. انه الخيار الوحيد الذي يمكن التفاوض في شأنه قبل فوات الاوان وذلك من منطلق ان الثورة السورية قد تحتاج من الوقت كي تنتصر الى اكثر بقليل مما نعتقد... ولكنّ اقلّ بكثير مما يظن الرئيس السوري والمحيطون به!

=================

هل بدأت الحرب في سورية

محمد مجاهد الزيات

عكاظ

15-5-2012

حذر المبعوث الدولي كوفي عنان من احتمال اشتعال حرب أهلية في سورية، وهو ما أثار التساؤل حول ما إذا كان تحذير عنان يستشعر الخطر، أم أن الخطر قد بدأ بالفعل، ودخلت سورية في حرب أهلية فعلية. لقد جاء هذا التحذير متزامنا مع تصريحات ممثل الصليب الأحمر الذي زار سورية والذي أوضح فيها أن بعض المعارك التى جرت في حمص وإدلب يمكن وصفها بأنها جرائم حرب، واتهم النظام وقوى المعارضة المسلحة بممارسة ذلك، هذا بالإضافة إلى تدفق السلاح عبر لبنان وتركيا ومن إيران لطرفي النزاع، وهو ما يشير إلى أن الأمر بدأ يدخل منعطفا خطيرا. فالمجلس الوطني الذي تم الاعتراف به من جانب أصدقاء سورية لايزال يواصل سعيه لحرب التدخل العسكري الدولي، والبحث عن تسليح ثقيل .يواجه به القدرات العسكرية للنظام، وتركيا الطرف الإقليمى الرئيسي لاتزال تتخوف من تصاعد الحرب الأهلية وانعكاساتها على الداخل التركى، بينما لايزال الموقف الدولي يراهن على خطة كوفي عنان لتهدئة الأوضاع لتمرير الوقت، حيث لا تتوافر خطة بديلة لذلك حتى الأن، خاصة أن الولايات المتحدة وعدد من الدول الأوروبية المعنية لديها استحقاقات داخلية تمنعها من التورط في خطط بديلة في سورية التوقيت الحالى.

وفي ظل هذه البيئة الإقليمية والدولية العاجزة يشتعل الموقف الداخلى في سورية في الوقت الذى لاتزال فيه قوى المعارضة على اختلافها تشهد انقسامات واضحة، وفشلت الكثير من الجهود لتوحيدها، والدليل على ذلك التشتت الذى تعانيه المعارضة السياسية ، وإعلان اللجنة التحضيرية لإعادة هيكلة المجلس الوطني فشلها، والخلافات المتصاعدة بين جيش سورية الحر وقوات التحرير، ويتصاعد بالتزامن مع ذلك الحديث عن عمليات تهجير من مناطق في ريف حمص وحماة تنذر بحرب طائفية، وإلى جانب ذلك تصاعد الحديث أيضا عن نشاط لتنظيم القاعدة حيث أكد خبراء عسكريون وأمنيون أمريكيون وأوربيون حضورا متزايدا للتنظيم فى سورية ، الذي وفرت بعض خلايا له وفدت من العراق وليبيا فضلا عن إفراج النظام السوري عن بعض العناصر التابعة لهذا التنظيم، والتى كانت مسجونة لديه مناخا إيجابيا لنشاطه، الأمر الذى يطرح الكثير من المخاطر على مستقبل الثورة السورية والوطن السوري في النهاية.

=================

الأزمة السورية: دروس التجربة البلقانية

فيتون ساروي

كاتب، عمل كمفاوض في مفاوضات كوسوفو (1999) ومحادثات الأوضاع في البلقان (2005 - 2007) بريستينا - كوسوفو

ينشر بترتيب خاص مع خدمة

«كريستيان ساينس مونيتور»

تاريخ النشر: الثلاثاء 15 مايو 2012

الاتحاد

لا يبدو أن سوريا تسير على طريق السلام من خلال خطة عنان الحالية المكونة من ست نقاط والمدعومة من قبل الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الدولي. فتلك الخطة تنبني على افتراض وجود نوايا طيبة لدى الرئيس السوري، واستعداد لوقف قمع الانشقاق السياسي، ووقف الأعمال العسكرية العقابية ضد المدن والبلدات التي انبثق منها التمرد خلال العام الأخير. كما تفترض الخطة مسبقاً أنه بمجرد توقف القمع وأعمال القتل من جانب النظام "فإنه سيبدأ على الفور حوار بشأن الفترة الانتقالية".

والحقيقة أن السلطات السورية ليس لديها الدافع لتغيير نمط سلوكها الحالي. فرغم أن مجلس الأمن قد ارتأى زيادة عدد المراقبين الدوليين من 30 إلى 300، فالمتوقع أن تضيع الأسابيع بل والشهور القادمة في جدل عقيم حول ما إذا كانت هناك حاجة لرفع هذا العدد لـ 3000 أم لا، أما نمط السلوك ذاته فلن يتغير، في جميع الأحول، ولنا في تجربة البلقان درس وعبرة.

فخلال عقد التسعينيات من القرن الماضي كان للمجتمع الدولي عدد أكبر بكثير من المراقبين الدوليين مقارنة بما هو موجود في سوريا، غير أن ذلك لم يحل دون وقوع المجازر.

 فالجهد الرامي لإيقاف عمليات القتل من خلال إرسال المراقبين، يعتمد على فضح الطرف القائم بتلك الأعمال مما قد يدفعه للشعور بالخجل أمام العالم والتوقف بالتالي عن مواصلة أفعاله، وهو أمر ليس متوقعاً بالنسبة للنظام السوري الذي لم يتورع عن قتل 10 آلاف شخص خلال الأربعة عشر شهراً الماضية، مما يعني أنه فقد الوازع الأخلاقي الذي يحول بينه وبين ارتكاب المزيد من أعمال القتل، هذا إذا ما افترضنا أن ذلك الوازع كان متوافراً لديه أصلاً.

والنظام السوري لا يقوم بما يقترفه حالياً بدافع التحدي فحسب، وإنما كذلك بدافع الخوف من الجماهير المتعطشة للانتقام، ومن المعارضة التي تطالب برأس الرئيس نفسه كشرط مسبق (وغير واقعي) للدخول في أي مفاوضات.

لذلك نرى أن خطة عنان تفشل حالياً، سواء في إيقاف العنف أو حتى في تأمين حوار سياسي، خصوصاً وأن نظام الأسد يتلكأ في تنفيذها طالما أنه لا يوجد بديل عنها في الأفق. فالأسد يفترض كما افترض من قبله الرئيس الصربي السابق سلوبودان ميلوسوفيتش، أن الغرب ليس لديه الشجاعة على التدخل ضده. والنظام السوري -على الأقل في الوقت الراهن- يبدو على حق في افتراضه هذا. فالغرب يخشى بالفعل من أن يؤدي تدخله في سوريا إلى دفعها نحو التفكك، وفق خطوط طائفية وعرقية تشبه السيناريو البلقاني، وهو سيناريو لو تحقق فسيكون أكثر خطراً مما كان عليه في البلقان نظراً لطبيعة الأوضاع الدولية الحالية. وهناك أسئلة عديدة تتعلق بهذا الأمر، منها مثلاً: كيف سينعكس ذلك التفكك على تركيا، والقضية الكردية، وهضبة الجولان، ولبنان؟ ومن الذي سيدير أمور سوريا في فترة ما بعد الأسد؟ وحتى إذا ما كانت هناك رغبة لدى المجتمع الدولي في التدخل، فهل سيكون لديه استعداد للذهاب للمدى الذي ذهب إليه في كوسوفو سابقاً، من دون الحصول على شرعية كاملة من قبل المجتمع الدولي؟

والنظام السوري على علم بالمخاوف الغربية، ويرفع رهاناته وفقاً لذلك، مستفيداً من حقيقة أن العام الحالي هو عام انتخابات في الولايات المتحدة، يتحول فيها الرئيس إلى بطة عرجاء.

وهناك رأي آخر يقول إنه لا حاجة لتخيل إمكانية حدوث سيناريوهات كابوسية، لأن اللجنة الدولية للصليب الأحمر تقول إن هناك في سوريا مؤشرات على قيام حرب أهلية في بعض أجزاء البلاد.

لذلك، فإن أعمال القتل في سوريا لن يتوقع لها أن تخف، بل ويمكن للأمور أن تسوء عندما تؤدي دورة العنف المتفاقم إلى دفع المجتمع كله نحو التطرف. لذلك فإن الحاجة تدعو للقيام بعملية مراجعة عاجلة لخطة عنان من قبل الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي بمجلس الأمن الدولي. وفي هذا الشأن يجب على الخطة أن تعمل على تطوير نقطتين محددتين هما:

أولاً، العمل على توضيح ما المقصود بالفترة الانتقالية بسوريا بعبارات واضحة لا تحتمل التأويل تفيد أن الانتقال لا يعني ما يقوم به الأسد حالياً، أي التظاهر بتنظيم انتخابات تعددية مع القيام في نفس الوقت بقصف أحياء ومدن وبلدات بمناطق مختلفة من البلاد.

ثانياً، التركيز على الأمن من خلال العمل على إجراء تغيير واسع النطاق على سلوك كافة الأطراف على الأرض.

وعلى الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي التشاور مع جامعة الدول العربية للعمل من أجل صياغة الشروط اللازمة لإجراء مفاوضات بين نظام الأسد وبين ممثلي المعارضة السورية.

كما ينبغي أن تتمثل مرجعية تلك المفاوضات في مبادئ غير قابلة للمراجعة، مثل شجب العنف في العملية السياسية والمحافظة على وحدة أراضي سوريا وسيادتها، وعلى طبيعة مجتمعها المتعدد المذاهب والطوائف.

إن ترك الأمور في سوريا للسوريين سوف لن يعني شيئاً آخر سوى امتداد الصراع وتواصل نزيف الدم من دون أن يتمكن أي طرف، سواء النظام أو المعارضة، من تحقيق النصر على الآخر.

والمجتمع الدولي، لا يستطيع أن يقف ساكناً معتمداً على صيغ ومعادلات مثل هذه، ثبت فشلها من قبل إبّان مأساة البلقان.

=================

ما لم ينجح المراقبون الدوليون في وقف النار .. الأزمة السورية مفتوحة على كل الاحتمالات

اميل خوري

2012-05-15

النهار

لم يتوصل المراقبون الدوليون في سوريا حتى الآن الى تنفيذ بنود خطة كوفي إنان السلمية خصوصاً لجهة وقف اعمال العنف، الأمر الذي يطرح الاسئلة الآتية: هل في امكانهم التوصل الى ذلك قبل انتهاء مهلة الثلاثة اشهر المحددة لهم، وهل لدى مجلس الامن استعداد لتمديد هذه المهلة، وما العمل اذا أعلن أنان فشل المراقبين في تنفيذ خطته وألقى مسؤولية ذلك على كل الاطراف في سوريا وخارجها، وما هو البديل عندئذ من هذه الخطة؟

في معلومات مصادر ديبلوماسية أن مجلس الامن قد يكون مستعدا لتمديد المهلة المحددة للمراقبين الدوليين في سوريا إذا نجحوا خلال وقت قريب في تحقيق وقف أعمال العنف، وجعل الاسلحة الثقيلة للجيش السوري تنسحب من المدن ومباشرة اجراءات الافراج عن المعتقلين السياسيين في السجون السورية كي يصير في الامكان اجراء حوار وطني يحدد مكانه وزمانه للتوصل فيه الى اتفاق على انتقال السلطة في سوريا انتقالاً سلمياً وتكوين سلطة جديدة تتمثل فيها كل القوى السياسية والحزبية الاساسية في سوريا وتكون مهمتها الاشراف على انتخابات نيابية ينبثق منها مجلس نيابي يتولى انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة.

لكن احداً لا يعرف حتى الآن ما هو البديل من خطة أنان اذا فشل المراقبون الدوليون في تنفيذها ولا سيما في التوصل الى وقف أعمال العنف لأن ذلك هو المدخل لتنفيذ سائر البنود الواردة في الخطة.

لقد صدرت حتى الآن تصريحات عدة تعليقاً على استمرار الوضع في سوريا على ما هو حتى بعد ارسال المراقبين الدوليين اليها. فأعرب الامين العام للامم المتحدة بان كي – مون عن قلقه العميق من وجود قوات عسكرية واسلحة ثقيلة في المدن السورية، ودعا النظام السوري الى احترام تعهداته وسحب القوات العسكرية من المدن بدون تأخير. وقال الناطق باسم البيت الابيض "ان الولايات المتحدة تشعر بخيبة أمل لأن دمشق فشلت في الارتقاء الى مستوى الوعود التي قطعتها الاستجابة لخطة السلام". ودانت مندوبة الولايات المتحدة لدى الامم المتحدة السفيرة سوزان رايس اعمال العنف ورفض الحكومة السورية الالتزام بتعهداتها، ولم يحقق وجود المراقبين قدراً من الامن في الاماكن التي يوجدون فيها كما كان يؤمل، ما جعل صبر الولايات المتحدة يكاد ينفد. فاذا لم يتحقق الأمن في سوريا فلا بد عندئذ من العودة الى مجلس الامن لمناقشة الضغوط التي يجب تطبيقها. وكان لافتاً قول وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون ان الوضع المعقد في سوريا "يتطلب تنسيق العمل مع الشركاء الدوليين في تحمل المسؤولية، فاميركا لا تستطيع ويجب ألا تتحمل كل العبء وحدها"، فيما اعتبر الرئيس اوباما "ان الوضع في سوريا يشكل تهديداً كبيراً للامن القومي الاميركي"، والامين العام لجامعة الدول العربية يحذر من حرب اهلية في سوريا. كما اعتبر المجتمع الدولي ان الوضع الحالي في سوريا اصبح القضية الاكثر سخونة دولياً ويثير قلقه. أما أنان فقد حذر من تدهور الاوضاع في سوريا بما يؤدي الى حالة من الحرب الاهلية، مؤكدا ان ذلك سيكون امراً راعباً. ولمح الى احتمال أن ينحو المجتمع الدولي منحى آخر اذا فشلت الخطة، وقال انه ينتظر مقترحات عما يمكن القيام به، واذا كانت هناك افكار أفضل فسيكون أول من يأخذ بها.

الواقع أن الاسئلة المثيرة للقلق هي: ما العمل اذا فشلت خطة أنان وما هو البديل منها؟ الجواب عن هذا السؤال قد يكون في تموز المقبل حيث تنتهي المهلة المحددة للمراقبين الدوليين كي ينفذوا هذه الخطة بكل بنودها. هل تقع حرب اهلية قد لا تبقى داخل حدود سوريا بل تمتد الى دول الجوار وعندها تسود فوضى قد لا تنتهي الا بتدخل عسكري يتفق عليه عربياً ودولياً، ولان استمرارها يهدد بتفكيك دول المنطقة وتقسيمها دويلات؟ وهل يتم التوصل الى اتفاق اميركي – روسي على حل ينهي الازمة السورية سواء باعتماد الدعوة الى الحوار في موسكو ام بتدخل روسي لدى الرئيس الاسد لاقناعه بالتنحي عن السلطة بعد الاتفاق على خلف موقت له؟ وهل بـ"عرقنة" الوضع في سوريا اذا ما توالت التفجيرات التي بدأت في المدن السورية علها تشعر النظام بخطورة استمراره فيقتنع أهل هذا النظام بحل معقول ومقبول انقاذاً لسوريا وشعبها؟ وهل تكون الحرب الاهلية والتفجيرات هما البديل من خطة أنان اذا ما فشلت ا و اذا ظلت روسيا ومعها الصين وايران على موقفها الرافض اي تدخل عسكري في سوريا وفرض عقوبات شديدة ولا حتى انشاء مناطق عازلة وممرات آمنة؟

إن الاسابيع القليلة المقبلة سوف تحكم على نجاح خطة انان او فشلها، وقد يقوم خلاف عربي ودولي على تقويم ذلك وعندها لا احد يعرف شيئا عن الخطة البديلة التي تجعل الصيف ساخناً في سوريا والمنطقة أو بارداً من خلال التوصل الى تسوية أو صفقة تحفظ مصالح الجميع...

=================

ألم سوري في خاصرة لبنان

اوكتافيا نصر

2012-05-15

النهار

لا حاجة إلى التنبّؤ لتوقّع صدامات في لبنان نتيجة مباشرة للثورة السورية. فقد كانت مسألة وقت فقط نظراً إلى انقسام اللبنانيين بين مؤيّد لهذا الطرف أو ذاك. اللافت هو أنه قبل عام واحد، كانت عبارة "موالٍ لسوريا" تعني أمراً واحداً ليس إلا: الولاء للرئيس السوري بشار الأسد ونظامه البعثي. وكان هذا يقتصر على فئة واحدة في لبنان بقيادة "حزب الله" والأطراف الذين يدورون في فلكه.

حمل العام المنصرم تغييرات كثيرة يصعب فهمها في البلدَين اللذين يرتبطان ارتباطاً وثيقاً جداً منذ زمن بعيد. ففي سوريا، تعرّض النظام البعثي الذي كان يُعتقَد أنه لا يمس، لضربة قويّة هزّته في العمق على أيدي محتجّين شجعان يواجهون المجازر التي يرتكبها جيشهم وأعمال العنف يومياً، وهم لا يعرفون إذا كان العالم الخارجي سيتحرّك لمساعدتهم أم لا. في الوقت نفسه، يظهر المشهد السياسي في لبنان الذي كان يُعتقَد قبلاً أنه يخضع للسيطرة الكاملة لحكم "حزب الله" المسلّح، إمكانات جديدة في ضوء الضعف الذي تعانيه سوريا وتراجع تأثيرها.

في الجانب الآخر، هناك اللبنانيون الذين لم يكفوا يوماً عن الشعور بالغضب والكراهية حيال النظام السوري نتيجة عقدَين من الاحتلال وقفوا خلالهما يتفرّجون عاجزين فيما كان الجيش السوري يرتكب التجاوزات ويمارس التعذيب ويشوّه الأشخاص ويزجّهم في السجون ويخطفهم وينهال بالقصف على رؤوس عدد كبير من أحبابهم ويدمّر جزءاً كبيراً من أرضهم بلا رحمة. تتعاطف هذه المجموعة مع المواطنين السوريين الذين يتحمّلون وطأة التعسّف نفسه على أيدي القوات نفسها وبناءً على أوامر صادرة عن القيادة عينها.

مع انتشار العنف السوري إلى لبنان من خلال المعارك التي تشهدها طرابلس، هذه المدينة الشمالية الرمزية، لا مكان للمفاجأة، بل يجب أن نشعر بالقلق الشديد.

الانقسامات في الداخل اللبناني حيال الموضوع السوري مختلفة الآن عنها قبل عام. فطرابلس اليوم ليست هي نفسها طرابلس العام 1990 أو 2005 أو 2008 أو حتى 2011. فكما ان هناك عددا كبيراً من اللاعبين المشبوهين أنفسهم الذين لا يوفّرون وقتاً ولا جهداً لزرع الفوضى في طرابس ونشر التشنّجات أبعد من الشمال اللبناني أملاً في تحويل الأنظار عن المتاعب السورية، هناك أيضاً عدد كبير من الأصوات الجديدة والبنى الجسدية القوية المستعدّة والقادرة على الرد باللجوء إلى المواجهة القتالية.

ترمز طرابلس اليوم إلى الواقع الجديد على الأرض. لقد حان الوقت لصدمة قوية تعيد تركيز انتباه العالم على سوريا ولبنان. فتحت الثورة السورية قلوب وعقول عدد كبير من اللبنانيين وعقولهم، فأدركوا أن عدداً كبيراً من السوريين لا يريد الأسد رئيساً له، ويرغب في رحيله.

هذا الألم في خاصرة لبنان هو سوري بلا أدنى شك. إنه ألم ضروري، وقد طال انتظاره كثيراً. لقد آن الأوان كي تتحمّل الحكومة والجيش اللبنانيان مسؤوليتهما في حماية شعبهما وأرضهما من كل من ينوي إلحاق الأذى بهما. حان الوقت لفك الارتباط بين لبنان وسوريا، فنصير أمام دولتين نديّن، وجارَين صديقين يدعم كل منهما الآخر في الحرية وليس في القمع.

هل تصير سوريا حرّة أخيراً؟ هل يمكن أن تصل رياح الحرية إلى لبنان مثلما وصل العنف إلى طرابلس بصورة متوقّعة؟ لا نزال في بداية الاختبار!

=================

مهمة عنان .. من «المراقبة» إلى «المبادرة»

عريب الرنتاوي

الدستور

15-5-2012

اذا كانت الجامعة العربية عاجزة عن تنظيم مؤتمر يبحث في وحدة المعارضات السورية، فكيف لها أن تحتضن حواراً بين النظام والمعارضة، يفضي إلى توفير مخارج سياسية للأزمة السورية المحتدمة منذ أربعة عشر شهراً، وفقاً لما تقتضيه المبادرات العربية والأممية بهذا الشأن...هذا إخفاق آخر للنظام العربي يضاف إلى سجل إفلاساته المتراكمة.

وإذا كانت المعارضة السورية، أعجز من أن تلتقي حول “ميثاق شرف” ينظم خلافاتها واختلافاتها، فكيف يمكن لها أن تطلق الوعود والتعهدات بأن تحفظ وحدة سوريا و”فسيفسائها” الاجتماعية والسكانية والسياسية في مرحلة الانتقال للديمقراطية (إن ظل احتمالٌ كهذا وارداً بعد تزايد مظاهر العنف والعسكرة والتطييف)...كلام فارغ أقرب ما يكون للهراء والهذيان، بدلالة الإعلانات المسبقة بمقاطعة مؤتمر القاهرة، ودخول الدوحة (كدأبها دوماً) على خط التنافس مع القاهرة لاحتضان المؤتمر وحصد الأضواء و”قصب السبق”.

وإذا كان النظام في دمشق، قد أخرج كافة معارضيه عن طورهم، بمن فيهم قدري جميل ورفاقه...فكيف يمكن له أن يتحدث عن “حوار وطني” و”باب مفتوح أمام الجميع” ووحدة البلاد والعباد...أي معنى عملي يكتسبه إسقاط المادة 8 من الدستور القديم، طالما أنه لا أحد في سوريا يستحق أن يحظى بلقب “معارضة وطنية” من وجهة نظر النظام...هذا التهافت في الخطاب الرسمي السوري ما بعده تهافت.

والحقيقة أننا أمام متوالية انقسامات لا تقف عند حدود ولا قعر لها على ما يبدو...النظام يطرد معارضيه ويطاردهم في الداخل والخارج، وينزع عنهم صفة الوطنية و”الوجود”...والمعارضة تتجه من تشرذم إلى المزيد منه، بدلالة فشل مؤتمر القاهرة من جهة، وأنباء التوترات المفضية لانشقاقات داخل المجلس الوطني السوري الذي يلتئم في روما لتدارك ما يمكن تداركه والتكاثر “الشيطاني” للكيانات والمجالس والحراكات التي بات عددها يفوق عدد منتسبيها ونشطائها.

هذه حلقة مفرغة ومفزِعة، تجعل الحل السياسي للأزمة السورية متعذراً حد الاستحالة...وتبقي للخيارات العنفية اليد العليا في المعالجات، سواء من قبل النظام أو المعارضة، وقدت كانت التصريحات الأخيرة لجماعة الإخوان المسلمين السوريين لافتة للانتباه وصادمة تماماً، إذ وفق الواشنطن بوست، فإن قادة الجماعة قد حسموا أمر اللجوء إلى السلاح، وأنهم باتوا يحتكرون توزيعه مع “الإغاثة” وقبلها، وأنهم لا يمانعون قيام “حلف الناتو” بتوجيه ضربات لسوريا وإعادة إنتاج “النموذجين” الليبي والعراقي، بل ويستعجلون ذلك.

انسداد آفاق الحوار الداخلي “بين المعارضات السورية ذاتها”، ودخولها بدلاً عن ذلك، في متاهات المناكفة والمزايدة والابتزاز وتبادل الاتهامات من جهة....وانسداد آفاق الحوار الوطني بين “المعارضات” والنظام من جهة ثانية، لا يبقي مطرحاً سوى للأصوات المتطرفة داخل النظام والمعارضة على حد سواء، وليس مستبعداً على الإطلاق، أن تتمكن قوى التطرف ورموزه، هنا وهناك، من فرض أجندتها على سوريا، شعباً ودولة وكياناً، بحيث ننتهي إلى ما لا تحمد عقباه من نتائج كارثية.

بعض أركان النظام في دمشق، يرون أن فتح باب الحوار من شأنه أن يسرّع في انتقالهم “خلف القضبان”...هؤلاء لا يدافعون عن مصالحهم وامتيازاتهم فحسب، بل ويدافعون اليوم عن وجودهم وأمنهم الشخصي كذلك...فيما بعض المعارضات (الخارج أساساً)، استمرأ “بيزنس المعارضة وبريستيجها”، وبالنسبة إليه فإن من الأفضل إطالة أمد الأزمة السورية على الدخول في حلول وتسويات...بالنسبة لهؤلاء فإن حلم السلطة وشهيتها التي أظهروا “شبقاً غير مسبوق” حيالها، أهم من مصير سوريا ومصائر السوريين...هؤلاء يمكن أن يقبلوا بممارسة السلطة حتى ولو فوق الخرائب والأنقاض، خرائب البلاد، وأنقاض الدولة التي عرفنا ونعرف.

حيال هذه الاستعصاءات المركّبة، لا بد من كسر الحلقة المفرغة والشريرة التي تدور فيها الأزمة السورية...لا بد من مبادرات سياسية تجبر الأطراف على الانصياع لأولويات حفظ سوريا ومنعها من الانزلاق في أتون حرب أهلية ضروس تأكل الأخضر واليابس.

مبادرة كوفي عنان، التي وصفناها بأنها فرصة أخيرة لسوريا، وليس للنظام أو المعارضة، يمكن أن تكون مفتاحاً مهماً على هذا الطريق...والمأمول أن يخرج الموفد العربي / الأممي من الحدود الضيقة لمهمة المراقبة على وقف إطلاق النار، إلى فضاءات العمل السياسي، فيشرع في تمهيد الطريق لعقد مائدة حوار وطني، بمشاركة الجميع من دون استثناء، وبمظلة (وشبكة أمان) دولية/ عربية، لرسم خريطة طريق للخروج بسوريا من عنق الزجاجة....فهل يفعلها كوفي عنان، وهل ينجح حيث فشل نبيل العربي؟.

=================

شبيحة بلا حدود!!

ياسر الزعاترة

الدستور

15-5-2012

ما جرى ويجري في مدينة طرابلس اللبنانية من قتال بين بعض أبناء السنَّة هناك وبين العلويين يؤكد أن حرب النظام السوري ضد الثورة لا تنحصر في الداخل السوري، بل تتجاوزه إلى ساحات خارجية، يبدو أن لبنان من أهمها، وإن لم يكن ساحتها الوحيدة.

دعك من التشبيح الإعلامي الذي يدهمك صباح مساء في المقالات والتعليقات والتصريحات والمقابلات الفضائية في سائر وسائل الإعلام المرئية والمقروءة والمسموعة، والأهم عبر شبكة الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي.

هذا اللون من التشبيح لا ينحصر كما يرى كثيرون في أطر حزبية يسارية وقومية تبرر موقفها بالحرص على المقاومة والممانعة، بل يتجاوزها إلى أطر مذهبية أكثر قوة واتساعا جعلت من الحرب في سوريا عنوانا للحفاظ على مكاسبها خلال المرحلة الماضية، وهي ترى في سقوط بشار الأسد إيذانا بتراجع تلك المكاسب على مختلف الأصعدة.

ما يجري في طرابلس يشير إلى عنوان آخر للتشبيح يتمثل في مطاردة كل ما من شأنه دعم الثورة السورية، وفي لبنان تحديدا بات البلد محرما عمليا على أي نشاط يمكن أن يمسَّ النظام في سوريا.

ولأن البلد عمليا يخضع للسيطرة العملية لحزب الله، بدءًا من مطار بيروت وليس انتهاءً بمعظم المعابر والحدود، فقد بات المؤيدون للنظام السوري مطاردون على كل صعيد، وقصص الذين اختطفوا في لبنان وسلموا إلى السلطات السورية تكاد لا تحصى. وفيما تجاهد الحكومة اللبنانية، برأسها السني الضعيف والمستلب في تأكيد سياسة “النأي بالنفس” عما يجري داخل سوريا، فإن الذين يتحركون بقوة على الأرض من عناصر حزب الله وشبكته الأمنية الهائلة لا ينفذون هذه السياسة، بل يعملون ليل نهار على الحيلولة دون أي شكل من أشكال التضامن مع الثورة السورية في الساحة اللبنانية، ويطاردون كل من تسول له نفسه التورط في أمر كهذا.

كل تأكيدات الحكومة اللبنانية بنفي ذلك تبدو نوعا من الهراء أمام الوقائع التي يعلنها الطرف الآخر، مع أن أحدا لم يعد يجرؤ من الناحية العملية على الدخول إلى لبنان وهو يحمل فكرا مناهضا للنظام السوري، فضلا عن أن يكون متورطا في دعم الثورة بهذا الشكل أو ذاك. أما الأسوأ فيتمثل في تورط مباشر من قبل حزب الله في دعم النظام بوسائل شتى كجزء من منظومة الدعم الإيراني.

من أهم عناصر التشبيح العابر للحدود هو ذلك المتمثل في مطاردة واختراق أطر المعارضة خارج الحدود السورية، سواءً في تركيا أم لبنان أم سواهما من دول الجوار، الأمر الذي يجعل من غير اليسير الوثوق بأي من الذين يعلنون الخروج من الداخل السوري فرارا من بطش النظام بسبب حجم الاختراقات بين صفوفهم.

بل إن رسائل واضحة من طرف النظام يجري تسريبها تهدد وتتوعد الدول التي تسمح بنشاط للمعارضة السورية بأنها ستكون في مرمى الاستهداف إذا لم تكفَّ عن ذلك، فيما يعلم الجميع مدى قدرة النظام على ممارسة الاغتيالات والتفجيرات بحق المعارضين ومن يدعمونهم.

الساحات الأوروبية والدولية لا تبدو بعيدة عن هذا النشاط اليومي لشبيحة النظام، وكم من معارض في الخارج، أو شاب ينشط ضد النظام جرى تهديد أهله في الداخل، بل استهدافهم بهذا الشكل أو ذاك، ويتم ذلك من خلال التقارير التي يرسلها شبيحة النظام في الخارج عن سائر أشكال النشاطات المعارضة في العواصم الدولية والعالمية وأسماء المشاركين فيها.

هي معركة عابرة للحدود يديرها النظام، ومن ورائه إيران والمتحالفين معها؛ على أساس مذهبي مع الأسف الشديد، لاسيما أن الغالبية الساحقة من هؤلاء لا زالت تتحرك بروحية أن المعركة في سوريا هي المعركة المصيرية التي لا ينبغي التفكير في خسارتها كما ذهب غير مسؤول إيراني.

كل ذلك لن يغني عن ذلك النظام المجرم شيئا، وإن أطال عمره بعض الشيء، فقد ثبت للجميع أن إصرار الشعب السوري لا يزال أكبر بكثير من إجرام النظام وبطشه، وهو إصرار لا يفت في عضده تخاذل العرب والمجتمع الدولي. وحين يصرخ شبيحة النظام منددين بالمؤامرة الخارجية يضحك العقلاء ملء أفواههم، لأن الموقف الأمريكي والغربي لا يبيع السوريين غير الكلام، بينما يعلم الجميع أن السوريين يديرون معركتهم باللحم الحي والدم الزكي واثقين من أن الانتصار سيكون قدرهم طال الزمان أم قصر.

=================

سورية: التيار الثالث والاخطر

عبد الباري عطوان

2012-05-14

القدس العربي

في الوقت الذي تعيش فيه المعارضة السورية خلافات حادة تهدد بانفراط عقدها، ونسف فرضية تمثيلها للقطاع الأكبر من الشعب السوري، والبروز كبديل للنظام، او محاور له في اضعف الايمان، تبرز قوة مسلحة ثالثة على الارض ربما تؤدي الى خلط الأوراق، واعادة النظر بالكثير من المسلمات التي سيطرت على الساحة السياسية منذ انطلاقة الانتفاضة السورية.

تأجيل جامعة الدول العربية مؤتمر المعارضة السورية الذي كان مقررا عقده في القاهرة يومي غد وبعد غد، اثر انسحاب المجلس الوطني السوري منه، وانعقاد لقاءين آخرين، احدهما في روما والآخر في اسطنبول، كمؤشرات على هذه الانقسامات، سيعززان التيار الثالث الاكثر انسجاما وتسليحا ووضوح رؤية الذي نتحدث عنه.

الهجومان الانتحاريان في العاشر من ايار (مايو) الحالي اللذان استهدفا مقرات امنية وحزبية للنظام في مدينتي حلب وادلب، قد يكونان بمثابة جرس إنذار لما يمكن ان يحدث في سورية في الاسابيع والأشهر والسنوات المقبلة.

قبل كانون الاول (ديسمبر) الماضي لم يسمع احد بأي عمليات انتحارية في سورية، ولكن منذ ذلك التاريخ شهدت البلاد 11 تفجيرا انتحاريا، تصاعدت حدة خطورتها بشكل تدريجي، وبلغت ذروتها في التفجيرين الاخيرين اللذين اوقعا 55 قتيلا.

اختيار مدينتي حلب ودمشق كهدف لهذه التفجيرات لم يكن من قبيل الصدفة، فالمدينتان لم تشاركا في الانتفاضة السورية ضد النظام، وان شاركتا فبشكل محدود، وفي المناطق الريفية المحيطة بهما. واستهداف مقرات امنية الهدف منه هزّ صورة النظام في اذهان مؤيديه، وترهيب الطبقة الوسطى، طبقة رجال الاعمال والمال والمهنيين التي ساندته، ووضعها امام خيارين: اما الهجرة الى الخارج مثلما حدث مع نظيرتها العراقية، او الانضمام الى المعارضة، وعليها تحمل النتائج في حال استمرارها على موقفها الحالي.

المعارضة السورية اتهمت النظام بترتيب هذه التفجيرات والقول بان تنظيم 'القاعدة' يقف خلفها لحشد العالم الغربي خلفه، تماما مثلما فعل العقيد معمر القذافي ولم يصدقه احد في حينها، والجيش السوري الحر اكد على لسان قائده العقيد رياض الاسعد انه لا يملك الامكانيات لتنفيذ عمليات بهذه الخطورة، وهو محق في ذلك، ولكن القوتين العالميتين الكبريين اللتين تخوضان حربا باردة على ارض سورية، وهما امريكا وروسيا، اتفقتا على اتهام تنظيم القاعدة، فقد اكد ليون بانيتا وزير الدفاع الامريكي انها موجودة هناك، وفعل الشيء نفسه غينادي غانيلوف نائب وزير الخارجية الروسي.

' ' '

لا احد يستطيع تبرئة النظام بالكامل من الوقوف خلف مثل هذه التفجيرات، فلا شيء مستبعد على اجهزته الامنية، ولكن ليس من عادة النظام ارسال انتحاريين في سيارات مفخخة لتدمير مقراته الامنية والحزبية وتحطيم هيبته التي تعتبر الشيء الوحيد الذي بقي له للتعلق بالحكم وحشد ما تبقى من انصاره خلفه، فإذا كان النظام يحترف الكذب والتضليل، فإنه من المفترض ان تقدم المعارضة صورة مغايرة، لتعزيز مصداقيتها في اذهان المواطنين السوريين والعالم بأسره.

الجماعات الاسلامية المتشددة لم تحتج الى اذن لدخول العراق وليبيا وافغانستان واليمن والجزائر وباكستان، ولذلك لن تحتاج الى اذن لدخول سورية، او اي مكان آخر تريد فيه ممارسة عقيدتها الجهادية ضد انظمة ترى انها غير اسلامية.

بات لدي اعتقاد راسخ بأن قوة ثالثة تسللت الى ميدان الاحداث في سورية، ربما من العراق والاردن ولبنان، وتحظى حاليا بتسليح من دول خليجية، وربما المملكة العربية السعودية، التي دعت الى هذه الخطوة علنا، للتعجيل بإسقاط النظام السوري، تماما مثلما فعلت في ليبيا وافغانستان واليمن.

هذه القوى الجهادية الجديدة لا يتصدر التغيير الديمقراطي في سورية، او اي مكان آخر قمة اولوياتها، وليس لها اي علاقة بالربيع العربي وثوراته، فقد مارست عملياتها الجهادية قبل هذا الربيع بعدة عقود، ولذلك هي خارج سيطرة المعارضة والنظام معا، وقد تنهي الاثنين في نهاية المطاف اذا ما نجحت في خططها.

تنظيم جبهة 'نصرة اهل الشام' وزع شريط فيديو اعترف فيه بمسؤوليته عن تفجيري دمشق وحلب الانتحاريين، الى جانب تفجيرات اخرى مماثلة، وتحدث الناطق باسمها بلغة طائفية سنية، مؤكدا ان المسلمين السنة في سورية بحاجة الى حماية من بطش المجموعة العلوية الحاكمة التي ستدفع الثمن غاليا.

النظام السوري يستغل هذه العمليات الانتحارية لتصعيد تطبيقاته للحلول الامنية الدموية، بينما تجد المعارضة السورية التي راهنت معظم فصائلها على التدخل الاجنبي، على غرار نظيرتها الليبية، تجد نفسها في مأزق كبير، لأن وجود هذه الجماعات على الارض قد يؤدي الى تأجيل، ان لم يكن اعادة النظر، في اي خطط للتدخل خوفا من تكرار سيناريو العراق، حيث خسرت الولايات المتحدة خمسة آلاف قتيل وثلاثين الف جريح والف مليار دولار، وخرجت مهزومة وتاركة البلاد لحلفاء ايران.

احتمالات التدخل العسكري الغربي في سورية ضئيلة في الوقت الراهن لعدة اسباب، فروسيا والصين تتربصان بأي قرار دولي يقدم الغطاء الشرعي له، وتشهران الفيتو لاحباطه، وسورية ليست ضعيفة عسكريا مثل ليبيا او العراق اللذين تعرضا للحصار لسنوات قبل تغيير نظاميهما على ايدي قوات الناتو، والاهم من ذلك ان سورية ليست دولة نفطية او غازية، ومعارضتها غير موحدة.

' ' '

وحتى لو كان هذا التدخل واردا، فإنه لن يتم في ظل موسم الانتخابات الرئاسية الامريكية، وقبل اتخاذ قرار حاسم بالتعاطي مع الملف النووي الايراني، فأمريكا وحلفاؤها لن يخوضوا حربا الآن في سورية وبعد ستة اشهر في ايران، ولذلك لن تتضح هذه المسألة الا بعد انتهاء الانتخابات الامريكية مطلع تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل.

واذا كان الهدف البعيد للجماعات الاسلامية المتشددة اطاحة النظام السوري، فإن الهدف الاقرب هو نسف مهمة المبعوث الدولي كوفي عنان لإيجاد مخرج سياسي للأزمة السورية في العلن على الاقل. فكيف يمكن اجراء حوار بين النظام والمعارضة في ظل وجود قوة ثالثة على الارض تفرض وجودها بالتفجيرات والعمليات الانتحارية والسيارات المفخخة وخارج سيطرة الطرفين؟

سورية مقدمة على مرحلة خطيرة من الفوضى والحرب الاهلية الطائفية، وهي حرب ستضعف النظام وتقوّض اسسه، اذا لم تؤد الى اسقاطه في نهاية المطاف. وما جرى في مدينة طرابلس في شمال لبنان ليس الا نموذجا مصغرا لهذه الحرب، حيث تواصلت الاشتباكات المسلحة بين ابناء الطائفتين السنية والعلوية، وسقط فيها قتلى وجرحى من الجانبين بالتالي.

الحرب الطائفية هذه، والنظام يتحمل المسؤولية الأكبر في انفجارها لمماطلته بالاصلاح الجذري، قد تتطور الى حرب اقليمية تجرّ معظم دول المنطقة الى حمم بركانها دون استثناء. واذا كانت الحرب العثمانية الصفوية التي اندلعت عام 1514 قد استمرت قرنا، فكم ستستمر الحرب الاقليمية الطائفية الجديدة اذا ما اندلعت، وكيف ستكون صورة المنطقة اثناءها وبعدها؟

=================

مهمة أنان والمطلوب في ظلها

الثلاثاء, 15 مايو 2012

علي الشهابي *

الحياة

ينظر الكثيرون إلى مهمة أنان فقط من زاوية التزام النظام بسحب الجيش من الشوارع، وتطبيق بند السماح بالتظاهر. وليقينهم أن هذا لن يحدث، يعتبرونها مجرد فرصة إضافية للنظام سيستثمرها في استمرار نهجه. فهم، باختصار، يرون أنه سيتكرر مع المراقبين الدوليين سيناريو المراقبين العرب، إذ سيُشَوّشون بعمليات مسلحة يتعذّر عليهم الجزم بالهوية السياسية لفاعلها، ما يؤدي إلى عودة الأمور إلى ما كانت عليه من قبل.

هذا البند، الهام جداً في سلة مهمة أنان، لا يستغرقها. ومن غير المجدي مقاربتها من زاويته للوصول إلى إمكانية نجاحها أو فشلها، طالما أن هذه المقاربة لا فعل لها على الأرض. فالأهم هو كيفية التعاطي معها لتفعيلها سياسياً، لأن ذلك من شأنه الإفادة منها إن نجحت وتقليل الخسائر إن فشلت. وهذا يستدعي التعامل معها بمنتهى المسؤولية، طالما أن نجاحها سيساهم في إخراج سورية من المأزق الواقعة فيه.

يكمن المأزق في عجز الشعب الرافض للنظام عن إسقاطه، وعجز النظام عن فرض الاستقرار. ما يعني أن نجاح مهمة أنان معناه الدفع باتجاه حل سياسي للمأزق، أما فشلها فسيفتح بوابة الحرب الأهلية و/أو التدخل العسكري الغربي. هذه المهمة، أهم ما فيها انطواؤها على عنصرين يتكامل فيهما الخارجي والداخلي:

يتمثل الخارجي بالطرف الذي دعا إليها. فقد بدأت كمسألة إنسانية من الأمم المتحدة، وسرعان ما صارت مهمة سياسية بين يدي مجلس الأمن. وفي النتيجة هو من طرحها، وخوّل السيد أنان مهمة ترتيب خطوات تنفيذها والإشراف عليه. وطالما أنها من مجلس الأمن، لا مفرّ للنظام من القبول بها، تحت طائلة صيرورته «خارجاً عن الشرعية الدولية». فالمجلس لم يتدخل/يتمكن من التدخل، إلا بعد سطوع حقيقة هذا العجز المتبادل. ما يعني أن هذا الصراع، العاجز فيه كلٌ من طرفيه عن هزيمة الآخر، يتطلب حله مبادرةً من خارجهما. هذه الحقيقة، بعدما أسست لتدخل مجلس الأمن، هي التي ساهمت في فرض العنصر الداخلي.

يتمثل الداخلي بقبول النظام مبدأ الحل السياسي. منذ أحداث درعا، في 18 آذار (مارس) 2011، والنظام يجهد لفرض حله، الهادف إلى استمراره كما هو، بالأسلوب الأمني – العسكري. وفي اثناء ذلك أوحى باستعداده للسير على طريق الحل السياسي، من خلال دعوة الجميع، بمن فيهم المعارضة، إلى الحوار. لكنّ هذه الدعوة، التي حاول إظهارها على انها شكلٌ للحل السياسي، كانت في حقيقتها تمويهاً للمشكلة السياسية. ولأنها كذلك، فشلت حتى من غير تجريب.

أما الآن فقد أعلن النظام التزامه مع مجلس الأمن بالعمل على «تسهيل الانتقال السياسي... نحو نظام سياسي ديموقراطي تعددي... وذلك بطرق منها الشروع في حوار سياسي شامل بين الحكومة السورية وكامل أطياف المعارضة السورية» (البيان الرئاسي لمجلس الأمن حول سورية، بتاريخ 21/3/2012). وهو ما يعني «تعهد النظام العمل على جعل نظام الحكم في سورية ديموقراطياً، عبر التفاوض بينه وبين المعارضة على ترتيب خطوات إنهاء ديكتاتوريته».

ليس سهلاً على النظام الإيفاء بهذا التعهد، ولا التصريح بأنه في حلٍّ منه. فنراه يناور، تمضيةّ للوقت، عسى ان تحدث مشكلة إقليمية أو دولية كبيرة تحرره منه بقذفها سورية إلى خلفية المشهد الدولي. ولأن إمكانية حدوث ذلك تكاد تساوي الصفر في الجو السياسي الراهن، وعلى المدى المنظور، لا يجوز المقامرة بسورية على مذبح هذا الاحتمال. وبالتالي على النظام المبادرة إلى القيام بانعطاف U في مجمل سياسته، التي سأشير فيها إلى نقطتين:

1ـ حذار من التفكير بالقطع مع الأمم المتحدة، هذا الذي قد تؤشر اليه محاولة افتعال معارك وهمية معها، كتلك التي مارستها صحيفة تشرين مع بان كي مون وكوفي أنان في 28 نيسان (أبريل) 2012: عرّضت بهما لعدم تطرقهما الى التفجيرات الإرهابية، التي قامت بها المجموعات المسلحة، بينما ركّزا على أن النظام لم يطبق البند الأول مما التزم به. هذا التعريض ليس موقفاً رسمياً، ولو كان كذلك لعبّر عنه السيد وزير الخارجية، لكنّ الخشية من أن يكون أول الغيث. فإدانتها ليست من مهمتهما، وعلاوة على ذلك ليس مطلوباً منهما حتى الإشارة إليها، لأن خطة مجلس الأمن تنص على قيام النظام بوقف عملياته العسكرية أولاً وبعد يومين تليه المجموعات المسلحة.

2ـ لم يطبّق النظام البند الأول، هذا شأنه. لكنه سيقوم بذلك عما قريب طالما أن من المستبعد أن يقطع مع مجلس الأمن، وما يترتب على ذلك من ضم بوتين ولافروف إلى عداد المتآمرين عليه.

ولكنْ، ريثما يسحب قواته العسكرية فعلاً، ويسمح بالتظاهر السلمي، عليه رفع قبضته الأمنية عن الناشطين السياسيين في الداخل. فمثلاً من، وماذا، يخدم اعتقال الصديق سلامة كيله؟ ألأنه في «تجمّع اليسار»؟ يعلم النظام أنه مستعد لتحدي التجمع المذكور على تسليمه السلطة في كل سورية، إن أقنع ببرنامجه 51 في المئة من ناخبي أي قرية يختارها التجمع بنفسه. اعتقله كي يرسل رسالة إلى كل المجموعات السياسية في الداخل، التي تفكر بممارسة النشاط السياسي، ولو عبر إصدار نشرة كـ «اليساري»، مفادها «إيّاكم! نحن هنا!».

هذه السياسة غير مجدية، لأن سورية لا يمكن أن تعود إلى سابق عهدها. لذا لا مفر من وقفها كي تتبلور معارضة سياسية ديموقراطية في الداخل تساهم بفاعلية، إلى جانب المجلس الوطني وهيئة التنسيق، في مفاوضة النظام على كيفية الانتقال بسورية إلى «نظام سياسي ديموقراطي تعددي، يتمتع فيه المواطنون بالمساواة بصرف النظر عن انتماءاتهم السياسية أو العرقية أو العقائدية»، كما التزم النظام في نص البيان الرئاسي المذكور. أما إن اعتقد أنه باستمرار قمع هذه المجموعات يُضعف المعارضة الداخلية لمصلحته، فواهم. مثلاً، إنه يعتبر «هيئة التنسيق» معارضة وطنية، ويعتقد أنه يسمح لها بالعمل. وقد دعت إلى وقفة احتجاجية في دمشق، لم يتجاوز عدد محتجيها الـ250. فكم سيبلغ وزنها في الوفد المفاوض، الذي ستقرره قوتها في الشارع وليس النظام؟

من هنا على النظام أن يتعامل على أساس أنه لن يتفاوض مع ذاته، ولا مع المعارضين من حوله، بل مع ممثلي الشعب الرافض للديكتاتورية. ما يعني أن لا معارضة مؤيدة له! أما الناشطون السياسيون في الداخل، فأعتقد أن عليهم تشكيل معارضة سياسية، تستقطب السوريين المتحركين والصامتين، وتساهم في جعل ديموقراطيتهم رقماً صعباً في معادلة الصراع القادم الذي سيستعر داخل مفهوم «الديموقراطية المدنية» المجرد، وعليه. وهو ما يتم بصيرورتهم قوة سياسية شعبية الآن، أثناء مهمة أنان، وليس بعدها... وبالتأكيد ليس بعد فشلها.

* كاتب سوري

=================

«النأي بالنفس» سياسة فاشلة

الثلاثاء, 15 مايو 2012

الياس حرفوش

الحياة

إذا كان لأحداث طرابلس الأخيرة من مغزى فهو أن لبنان اقرب إلى عود الثقاب السوري مما كان يتمنى أركان الحكم فيه. لقد حاولت الحكومة اللبنانية جاهدة، ورئيسها على وجه الخصوص، أن تبعد هذا الهمّ عن رأسها. ولكن من أين لها ذلك، وهي الحكومة التي ولدت في ظروف اقل ما يقال عنها أن هدفها كان إعادة إثبات الهيمنة السورية على قرار الحكم اللبناني، ولو كان على حساب تجاهل نتائج الانتخابات النيابية الأخيرة وحق الأكثرية التي أفرزتها تلك الانتخابات بتولي الحكم.

لم تستطع حكومة الرئيس نجيب ميقاتي أن تبعد الجغرافيا اللبنانية عن النار السورية. بالتالي كان طبيعياً نتيجة التداخل المذهبي والعشائري والاجتماعي على جانبي الحدود، أن تجد بلدات حدودية نفسها في وسط الاحتجاجات السورية. وينطبق ذلك خصوصاً على منطقة وادي خالد في عكار وعرسال والقاع وسواها في البقاع. وكان من نتيجة هذا التداخل أن دفع الأهالي إلى نصرة من يقاتلون داخل سورية ضد قمع النظام بما تيسر لهم من وسائل، كما دفعهم في الاتجاه المعاكس إلى استقبال النازحين الهاربين من ذلك القمع بعد أن فقدوا أرزاقهم وأملاكهم، وفوق ذلك وقبله الضحايا من أبنائهم وذويهم.

وزاد من تهافت شعار «النأي بالنفس» أن الرواية السورية التي تفتقر الى اثبات، عن مسؤولية الجماعات «الإرهابية» عما يجري هناك باتت تجد صدى لها في أوساط الحكم اللبناني، وأجهزته الأمنية على الأخص. وهو ما كشفه التوقيف الأخير الذي جرى في طرابلس، والذي أكد مدى تفرد الأجهزة الأمنية باتخاذ القرارات واستنساب طريقة تنفيذها، بعيداً عن رأي وحتى عن معرفة السلطة السياسية المسؤولة عن أداء الأجهزة، وهو ما ذكّر كثيرين بأسوأ أيام الأجهزة الأمنية في زمن الوصاية.

أمام وضع كهذا لم تكن سياسة «النأي بالنفس» صالحة من الأساس للتعامل مع التطورات السورية. فالحكومة المسؤولة عن تنفيذ هذا «النأي» متهمة من جانب خصومها بأنها اخترعت هذا الشعار للتغطية على تنفيذ «أوامر» النظام السوري، وعلى الأخص في المجالين الأمني والديبلوماسي. والمعارضة غير راضية عن «النأي» أيضاً، لأنها ترى أن وظيفة لبنان التاريخية لم تكن يوماً حماية أنظمة مستبدة في المنطقة، بل على العكس. فقد كانت بيروت هي الرئة التي تتنفس منها المعارضات العربية، وهو الذي ميزها عن سائر العواصم، وساهم في قيام عصرها الذهبي الذي يبكي كثيرون عليه اليوم.

وهذا بالذات هو الدور الذي رأى النظام السوري، طوال فترة سيطرته على لبنان، وهو يرى اليوم اكثر من أي وقت، انه دور مناهض لمصلحة بقائه واستمرار نهجه المعروف في الحكم. ففتح الأبواب اللبنانية أمام المطالبين بالحرية في سورية هو نقيض «الوظيفة» التي أرادتها دمشق لجارها الصغير. إذ كيف تفتح أبواب الحرية للسوريين في لبنان في الوقت الذي منعتها عن اللبنانيين من الذين كانوا يطالبون بحرية قرارهم في زمن الوصاية؟

ربما كان من سوء حظ طرابلس أنها المدينة التي تجد نفسها اليوم في عين العاصفة السورية. غير أن ما تواجهه طرابلس كان يمكن أن يحصل في أي مكان آخر، حيث التداخل السياسي والمذهبي والمصلحي (مع النظام السوري وضده) داخل المناطق بات يشكل انعكاساً مباشراً لحال التداخل القائم في المدن والبلدات السورية. الحل الأمثل لمواجهة مخاطر وضع كهذا أن يكون هناك حكم في لبنان قادر على رسم سياسة للبلد تتماشى مع تقاليده العريقة، وفي إمكانه تنفيذ هذه السياسة واتخاذ قراراته بنفسه بعيداً عن الإملاءات ووصايات الداخل أو الخارج. غير أن هذا الطموح يصبح أشبه بالحلم عندما نعرف الظروف التي تأتي بأركان الحكم والمسؤولين في لبنان، سياسيين كانوا أو أمنيين، والوظائف المطلوب منهم تأديتها.

=================

لماذا ظهرت «قاعدة» سوريا الآن؟

علي إبراهيم

الشرق الاوسط

15-5-2012

كثيرون يتشككون في مصداقية البيان الذي خرج عن تنظيم يبدو كأنه أحد فروع «القاعدة» ويسمي نفسه «جبهة نصرة أهل الشام» وتبنى التفجيرات الأخيرة التي جرت في سوريا، وبينها تفجير دمشق الدامي الأخير الذي أودى بحياة العشرات من المارة، فهي تفجيرات تبدو كأنها تحاول تثبيت الفكرة التي يحاول النظام ترويجها عن الانتفاضة الشعبية السورية المستمرة منذ أكثر من عام بأنها ليست سوى مجرد جماعات مسلحة إرهابية تحاول ترويع المواطنين وفرض إرادتها على الناس.

وقد جاءت ردود الفعل، سواء على المستوى الإقليمي أو الدولي، سياسية في الدرجة الأولى لتعكس مواقف هذه الأطراف ضد أو مع النظام السوري الذي استغل التفجيرات على الفور، ليتهم كل الدول التي تقف ضد قمعه للانتفاضة الشعبية بدعم الإرهاب، بدءا من تركيا وليبيا إلى الدول الغربية، بينما قالت روسيا التي تدعم النظام أمس على لسان نائب وزير خارجيتها: إن هذه التفجيرات وراءها «القاعدة» ومجموعات متحالفة معها، محذرا من نزاع طويل ودموي لن ينتصر فيه أحد، كما كان موقف نصر الله أمين حزب الله اللبناني مشابها ليحذر السوريين من أن أمامهما خيارين هما: إما منهج جدي في الإصلاح تقوده السلطات السورية أو عقل تدميري، والكلام واضح هنا، فالعقل التدميري هو المعارضة، والإصلاح هو النظام.

ومنطق نصر الله قلب للحقائق، فهل الذي يقود الإصلاح هو الذي يقوم بقصف عشوائي على الرستن كما حدث أمس، ويدمر أحياء كاملة في حمص كما حدث سابقا، ويؤدي إلى نزوح عشرات الآلاف من السوريين خارج بلادهم، وهل صاحب العقل التدميري هو الذي يطالب بالحرية والعدالة.

التفجيرات لا أحد يستطيع أن يبررها، فهي مدانة من الجميع، بما في ذلك المعارضة السورية التي اتهمت النظام بأنه وراءها، لكن السؤال هو لماذا الآن؟ وما هو الهدف من محاولة إبراز «القاعدة» في المشهد السوري، سواء أكان صحيحا أن المنفذين من جماعة تتبنى أفكار «القاعدة» أم لا؟

الإجابة تكمن في تحليل المواقف منذ بداية الانتفاضة السورية حتى الآن، فقد بدأت بمطالب بسيطة للحرية والعدالة بعد قمع وحشي لأطفال في درعا كتبوا شعارات مناوئة للنظام على الجدران، ولشهور طويلة ظل السوريون الذين اندفعوا في فورة ما حدث في تونس ومصر ثم ليبيا ينزلون إلى الشوارع ويتظاهرون سلميا ويرد عليهم بالرصاص فتتصاعد مطالبهم حسب حجم الرد بالآلة الأمنية عليهم لتصل إلى إسقاط النظام، ثم تطور الأمر بعد شهور طويلة بانشقاقات الجيش، التي تشكل منها تشكيلات الجيش الحر.

ومنذ الأسابيع الأولى والنظام يحاول ترويج صورة أن هؤلاء المتظاهرين عصابات مسلحة أو متطرفون ولم يقتنع العالم بعدما رأى لقطات الصور والفيديوهات التي تظهر أن من يتصرف كعصابات مسلحة هو القوات التابعة للنظام، سواء كانوا من القوات النظامية أو الشبيحة الذين يروعون الناس، ولعب النظام - ونجح جزئيا في هذا على ما يبدو - في تخويف الأقليات من أن هذه انتفاضة سنية، وباعتبار أن السنة هم الأغلبية في سوريا فلو وصلوا إلى الحكم سينكلون بالآخرين، وهو ما نفته المعارضة مرارا وتكرارا.

وبالتالي لن يستفيد أحد من دخول تنظيمات أو جماعات متطرفة على المشهد سوى النظام نفسه ليبرر استمرار عملياته المسلحة وتواجد الدبابات داخل المدن خلافا لخطة أنان التي قبلها، وحتى لو لم يكن وراء هذه الجماعات مباشرة فإنه مسؤول بشكل غير مباشر عنها، فلو عدنا بالذاكرة إلى القصص الطويلة عن حملة التفجيرات الدموية في العراق، ودخول المقاتلين التابعين لـ«القاعدة» إلى العراق من كل أنحاء الدنيا، كان الطريق دائما يمر عبر دمشق، وفي معسكرات تجميع على الحدود مع العراق، وليس معقولا أن يكون كل ذلك كان يتم من دون علم السلطات في نظام معروف بقبضته الأمنية الشديدة، فهذه الجماعات وأسلوب التفجيرات هي بضاعة هذا النظام التي كان يصدرها إلى المنطقة.

=================

بشار أو الدمار

طارق الحميد

الشرق الاوسط

15-50212

تصريحات زعيم حزب الله بلبنان حول الأوضاع في سوريا، وقوله إنه ليس أمام السوريين إلا خياران هما إما الإصلاح الذي يقوده الأسد، أو الخيار التدميري، أي الثورة، يعني أن حسن نصر الله يريد القول للسوريين بكل بساطة، إنه بشار أو الدمار.

فعندما يقول نصر الله بأن «ما يجري في سوريا ليس مطالبة بإصلاح»، وإن الشعب السوري أمام خيارين، «منهج جدي في الإصلاح» تقوده السلطات، أو «عقل تدميري، ويد تدميرية، وجهات حاضرة تقدم السلاح والمال والانتحاريين» - فهذا يعني أن نصر الله بات مثله مثل دبابات الأسد التي تجوب الشوارع السورية مكتوبا عليها «الأسد أو لا أحد»، فتلك الدبابات تجوب الشوارع وهو يجوب الفضاء الإعلامي لنقل نفس الرسالة المكتوبة على الدبابات التي تقتل السوريين، وكم قتل الإعلام من عربنا مثل ما قتلت الدبابات! فنصر الله يتبنى نفس وجهة نظر النظام الأسدي بأن كل ما يحدث في سوريا اليوم هو بسبب تمويل خارجي، وإرهاب «القاعدة»، بل إن ما يفعله نصر الله مثله مثل ما فعله بشار الجعفري، مندوب الأسد في نيويورك، الذي جاء بفرية غير مسبوقة وهي أن «القاعدة» نتاج تحالف غربي - عربي ضد الأسد!

حديث نصر الله الأخير هو في حقيقته موجه لجهتين، الأولى هي القوات الأمنية في سوريا، التي تشهد انشقاقات متواصلة، حيث يعلم المطلعون على الشأن السوري جيدا أن قطاع الجيش السوري يشاهد قنوات «المنار»، و«العالم»، أكثر مما يشاهد أي قنوات تلفزيونية أخرى، وبالتالي فإن نصر الله يحاول إقناعهم بضرورة الثبات، وأن الإصلاح هو ما يقوم به الأسد، وعدا عن ذلك فهو عمل تخريبي من الخارج. والطرف الآخر الذي يريد نصر الله مخاطبته بذلك الخطاب هو الداخل اللبناني، حيث يريد نصر الله القول بأن رحيل الأسد سيعني أن الحزب لن يتوانى عن تكرار ما فعله في مايو (أيار) 2008 عندما احتل الشق السني في بيروت، وها هي طرابلس اللبنانية مشتعلة أصلا تأكيدا للتهديد الأسدي بأنه سيحرق المنطقة، وقبلها سوريا، لو أجبر الطاغية على الرحيل من سوريا!

هذا ما أراد نصر الله قوله ببساطة للقوات الأسدية، وللبنانيين، أي بشار أو الدمار، فنصر الله جزء من ماكينة سياسية وإعلامية تتحرك اليوم بكل نشاط دفاعا عن الأسد، ومثل نصر الله أشخاص آخرون بالعراق وأماكن أخرى، وجميعهم يتحركون تحت المظلة الإيرانية، والهدف من هذا التحرك الآن هو اعتقاد الأسد أن الفرصة باتت متاحة أمامه للهروب للأمام اعتمادا على التغييرات السياسية في فرنسا والتي تتطلب وقتا، وكذلك التغييرات في روسيا والتي تتطلب وقتا أيضا، واستغلالا للانشغال الأميركي بالاستحقاقات الانتخابية. لكن الأمر الجيد، وهو بالطبع سيئ للأسد ونصر الله، وغيرهما، أن شعلة الثورة السورية ما زالت مشتعلة وتتنقل من يد إلى يد في سوريا، وهذا الأهم، إلى أن يتنبه المجتمع الدولي إلى خطورة معادلة بشار أو الدمار، فسقوط طاغية دمشق بشكل سريع سيحمي سوريا والمنطقة كلها من ثمن فادح، وهذا ما قلناه مرارا وتكرارا.

=================

هدوء وحسن ضيافة!!!

2012-05-15

الوطن السورية

«الأوضاع في سورية هادئة»... بهذه الكلمات البسيطة يصف رئيس بعثة المراقبين الدوليين الجنرال روبرت موود ما يحصل يومياً من اغتيالات لمدنيين وعسكريين وخطف وتفجير وزرع لعبوات ناسفة واستخدام لصواريخ متطورة واستهداف آليات الجيش العربي السوري وعناصره وضباطه وعمليات تهجير بقوة السلاح لقرى بأكملها، على حين بدا ويبدو تجاهل شبه تام للخروقات اليومية التي ترتكبها جماعات إرهابية مجهزة ومسلحة ومتسللة من دول الجوار ومدعومة إقليمياً وعالمياً، وتجاهل أيضاً لما يصدر من تصريحات وتهديدات من آل سعود وآل ثاني وأزلامهم علناً دون خجل، وتجاهل أيضاً لتصريحات الجماعات المتطرفة المقيمة خارج سورية وتدعو من خلالها إلى حمل السلاح وإبادة السوريين!!

المراقبون الدوليون وصل عددهم إلى 189 مراقباً عسكرياً و54 مدنياً حسب آخر تصريحات الناطق باسم البعثة الدولية، وجميعهم موزعون على كبرى المدن السورية ويرسلون يومياً تقاريرهم إلى دمشق ثم إلى مجلس الأمن دون أن يتمكن أحد من معرفة ما يُخطّ في تلك التقارير؟ وما مصيرها؟ وكيف ستتمكن هذه البعثة من «إقناع» المجموعات المسلحة من إلقاء السلاح واعتماد لغة الحوار للخروج من الأزمة طبقاً لخطة المبعوث الأممي كوفي أنان؟

مع كل ما يحصل من اختراقات يومية إلا أن «الأوضاع هادئة»!! يدخل المراقبون إلى مدينة في ريف دمشق ويخرجون منها وزجاج سيارتهم محطم فيشكر الجنرال موود «حسن ضيافة الشعب السوري» ولا يعلق على ما دار داخل هذه المدينة. يحاولون الدخول إلى مدينة أخرى في ريف حمص فيتعرض موكبهم لوابل من الرصاص يمنعهم من الاقتراب، فيعودون أدراجهم وأيضاً لا تعليق ولا خبر.

تبث جماعات متطرفة أفلاماً تظهر استخدامهم صواريخ متطورة مضادة للدروع فلا تكلف البعثة نفسها لتسأل: من أين لكم هذا؟ وكيف أدخلت إلى سورية؟ ومن مولها؟

يتم اغتيال ضباط عند منازلهم وتصفية أساتذة مدارس وتهجير سكان من بيوتهم والتعليق ذاته دون تغيير.. فالأوضاع هادئة.

قناة سي إن إن (ليس الفضائية السورية ولا قناة الدنيا) تبث خبراً عن إصابة 6 أشخاص بألغام خلال محاولة تسللهم من تركيا إلى الداخل السوري. وأيضاً لا تعليق.. وكأن التسلل من تركيا أمر طبيعي ومشروع ولا يتعارض مع خطة أنان ولا يستحق إدانة دولية أو حتى تعليقاً من رئيس بعثة المراقبين أو من المبعوث الأممي الذي من المفترض أنه حصل على «ضمانات» لنجاح خطته من تركيا والسعودية وقطر.

تتكرر محاولات التسلل يومياً من شمال لبنان وتستمر عمليات تهريب السلاح ويزداد عدد المسلحين وعتادهم، وتبث وكالات الأنباء العالمية صوراً لعناصر للقاعدة إلى جانب مراقبين بالتزامن مع تصريحات لوزير الدفاع الأميركي يتهم فيه القاعدة بتفجيرات دمشق، فأيضاً وأيضاً لا تعليق، فالهدوء هو سيد الموقف في سورية!!.

الصحيح أن هناك من يريد ويأمل ويعمل ويمول ويسلح ويعطي التعليمات لإفشال خطة أنان، وهم معروفون لنا ولغيرنا وهم ذاتهم الذين قدموا الضمانات المزيفة لكوفي أنان وكذبوا ويكذبون منذ 15 شهراً، لكن السؤال الذي يطرحه أي سوري يتابع عمل البعثة: هل يجب على المراقبين التزام الصمت لكي تنجح الخطة؟ وهل سيقتل مئات السوريين لينجح أنان؟ وإلى متى سيبقى المجتمع الدولي فاقداً لشرعيته ويخشى من تسمية الأسماء بمسمياتها ويوجه الإدانة للدول المتورطة مباشرة بالأحداث السورية؟

والصحيح أيضاً أن هناك دولاً «عظمى» تريد أن تلصق بالدولة السورية تهمة إخفاق مهمة أنان لتنتقل إلى مرحلة أخرى في الصراع على سورية وداخل سورية، ونعني مرحلة الاقتتال الداخلي، تلك التي يحذر منها أنان نفسه لمعرفته وبالوثائق بأن ما يدخل من سلاح ومال ومسلحين لا هدف منه سوى الفتنة الطائفية التي أحبطها السوريون سابقاً وسيحبطونها لاحقاً، إلا أنها ستشعل كل المنطقة لتحقق مصلحة من يخطط للتقسيم والتفتيت ويحلم بتفوق إسرائيل والحفاظ على أمنها.

وإلى أن تقتنع قوى المعارضة وكل من غرر به بأن الحوار وحده من سيُخرج سورية من أزمتها ويحصّنها من كل ما يحضّر لها وللمنطقة وللشعوب العربية من قتل ودمار ومن سيعرّي المسلحين ويكشفهم ويحبط مخططات من يقف خلفهم ويدعمهم، ستبقى «الأوضاع هادئة» في نظر الجنرال موود، وستبقى الحقيقة الواحدة أن من يدفع ثمن الصراع هم السوريون وحدهم، وسيبقى الجرح ينزف وتزداد عمليات القتل والإرهاب والاستعدادات لما بعد أنان!!

=================

هل يتكيّف عقل أميركا مع إيران نووية؟

الثلاثاء, 15 مايو 2012

صلاح سالم *

الحياة

رغم حالة الصراخ التي تعيشها إسرائيل حيال احتمالات امتلاك القدرة النووية، وربما السلاح النووي، كما تعيشها الأوساط اليهودية، والمسيحية المتصهينة في الولايات المتحدة سواء داخل الكونغرس أو حوله بين ثنايا اللوبي الإسرائيلي، يمكن القول إن خيار الحرب ضد إيران لا يعد خياراً عقلانياً يتعامل معه العقل السياسي الأميركي بالقدر المطلوب من الجدية وذلك لدوافع ثلاثة أساسية:

الدافع الأول منها يتعلق بنجاح سياسية الحصار الاقتصادي المضروب حول إيران في تليين مواقفها تدريجاً على نحو بدا في جولة المحادثات الأخيرة بينها ومجموعة الدول الخمس + واحد وقبولها بمبدأ قبول التخصيب عند الحدود الدنيا والحصول على درجة التخصيب العليا (20 في المئة) من قبل أطراف خارجية. ولعله صحيح أن هذا القبول المبدئي بهدف الدراسة واعادة تقدير الموقف قد يكون في أحد أهدافه بغرض المناورة وشراء الوقت. غير أنه ومع الأخذ في الحسبان الحالة السورية الساخنة وما قد تؤدي إليه مسالك الخروج منها من تفكيك لقوة التحالف السوري - الإيراني، وضعف فاعلية الأوراق الإيرانية في المشرق العربي ولو نسبياً، فإن التفكير الأميركي قد يحبذ الانتظار أملاً في تحول الخيار الإيراني من المراوغة إلى الإقدام، وخصوصاً مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الإيرانية في السنة المقبلة، والتي يرجَح أن تشهد انتقالاً لمركز الثقل في النظام السياسي الإيراني من المحافظين إلى المعتدلين، إذا تجنبت الولايات المتحدة تعميق حدة الصراع معها، لأن انفجار صراع كهذا يؤدي إلى حشد الناخبين حول التيار الأكثر راديكالية، تغذياً على آليات شيطنة أميركا والغرب التي تجيدها الدعاية الإيرانية.

والدافع الثاني يتعلق بصعوبة الخيار العسكري في ظل الرفض القوي لروسيا والصين اللتين تمثل إيران لهما الكثير نتيجة القرب الجغرافي والتجاذب الإستراتيجي. فإذا أضفنا هذا البعد الذي أنتج دعوات مشتركة إلى «عالم متعدد الأقطاب» والى «شراكة من أجل السلام»، يمكننا تصور قدرة كبيرة لدى الطرفين على تحدي الخيار الأميركي المسلح ضد إيران. يضاف إلى ذلك أن خبرة العدوان على العراق تبدو حالة في أذهان الطرفين، تدفعهما إلى جعلها غير قابلة للتكرار مع إيران ليس فقط لأنها تملك أوراقاً استراتيجية أكثر، ولكن لأن إيران في الأصل مختلفة عن العراق، فهي ليست معتدية على جيرانها، ونظامها السياسي ليس مكروهاً تماماً كالنظام الفاشي لصدام حسين، بل يعتبره بعض المنظرين الأميركيين بحجم بريجنسكي والراحل صامويل هانتنغتون، نموذجاً للثورة الدينية، ما يجعل من إحكام الحصار حول إيران مهمة أشق كثيراً من إحكامها حول العراق.

لا خطر

يضاف إلى ذلك حقيقة أن القدرة النووية الإيرانية، حتى في حالة امتلاكها للسلاح النووي لا تمثل أدنى خطر على الولايات المتحدة كما يتم الزعم كثيراً أو تقول الدعاية الأميركية، سواء لأن إيران، وعلى رغم خطابها السياسي المتشدد، تبدو عقلانية بما يكفي لكبح جماح نفسها عن الاستخدام العدمي لهذا السلاح، أو لأنها تدرك أن استخدامه في غير أغراض الردع يكفي مبرراً لأن تقوم الولايات المتحدة بإبادتها نووياً. ما يعني أن العقل الإستراتيجي الأميركي قد يبدأ التكيف مع هذا الخيار إذا ما صاحبه موقف إيراني يرتكز على الإصرار وهو قائم بالفعل، وكذلك على مزيد من الاعتدال في قضايا المنطقة الأخرى، وهو ما نتوقعه، وعلى تقديم ضمانات بعدم تسريب التكنولوجيا النووية إلى أطراف أخرى في المنطقة، وهو ما ستطلبه الولايات المتحدة، وسترحب به إيران.

أما الدافع الثالث، وهو الأهم، فيتعلق بالعقل السياسي الأميركي نفسه ببراغماتيته المعروفة، والذي قد يقبل في النهاية بـ «إيران نووية» ضمن سياق معين وبشروط معينة. فعلى عكس الشعور المصطنع بحدة الهلع، ثمة تفكير في هذا السيناريو منـذ عشر سنوات تقريباً أثاره مفكر إستراتيجي بحجم بريجنسكي، مجـــادلاً بأن وجود خيار نووي إيراني موازن للسلاح النووي الإسرائيلي، علــى منوال التوازن القائم بين الهند وباكستان، يبدو أمراً متصوراً. بالقطع ينتمي هذا النوع من التفكير الى التيار الليبرالي لا اليمين المحافظ سواء الديني أو السياسي، ولديه أن هذا التطور لا يمثل أمراً كارثياً بالضرورة بل أمراً إشكالياً فقط، قد يكون مفيداً من زاويتين:

من زاوية أولى يبدو هذا التطور مفيداً لإنجاز تصور هذا التيار لمستقبل الشرق الأوسط والصراع العربي - الإسرائيلي، فهذا التيار يقبل بحل الدولتين الذي كان الرئيس باراك أوباما قد أعلن تبنيه قبل انتخابه ولكنه تراجع عنه أمام درجة التعنت الإسرائيلي الذي تنامى كثيراً في ظل وجود رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.

هذا التيار يفسر التعنت الإسرائيلي بحرية الحركة الإسرائيلية في التصرف إزاء المنطقة وبؤرها الساخنة بدءاً من الضفة وغزة مروراً بالجنوب اللبناني، وصولاً إلى سورية، لأن تلك الحرية وإن كانت يحفزها تفوق عسكري تقليدي إزاء جيرانها العرب جميعاً، فإنها تستند في النهاية وبالأساس إلى القدرة النووية التي تؤدي هنا دوراً مزدوجاً كونها رادعاً استراتيجياً مؤكداً، وسلاحاً استراتيجياً أخيراً ونهائياً. والأمر الذي لا شك فيه أن امتلاك طرف إقليمي آخر للقدرة النووية ولو في حدها الأدنى سيقلص من مساحة الحرية هذه وإن لم يهدد تفوقها النهائي نظراً الى الفارق الكبير في القدرة بين الطرفين. وإن تقلص مساحة هذه الحرية إنما يقلص الخيارات العدوانية لإسرائيل ويجعل من خيار السلام والدولة الفلسطينية خياراً حقيقياً واختياراً عقلانياً، ويقلل من ثم التكلفة السياسية والاقتصادية التي تدفعها الولايات المتحدة لحماية أمن إسرائيل وضمان تفوقها.

ومن زاوية ثانية، فإن امتلاك طرف إقليمي مناوئ لإسرائيل القدرة النووية يمثل ركيزة مهمة لدعم التوجه الأميركي في سياسة منع الانتشار النووي، إذا تقرر في لحظة إخلاء المنطقة برمتها من هذا السلاح ضمن إستراتيجية عالمية تقبع أميركا وروسيا والصين في قلبها. فمع تفرد إسرائيل بهذا السلاح يصعب اقناعها باتخاذ خيار مثالي والتخلي عنه، أما حالة امتلاك طرف مناوئ لها هذا السلاح فإن الخيار يتحول مباشرة إلى خيار عقلاني، بحيث يكون خطر الانفلات النووي قائماً، وبحيث يكون النزع متبادلاً.

=================

"هلال" إيراني في مواجهة "هلال" الإخوان المسلمين؟

أسعد حيدر

المستقبل

 الثلاثاء 15 أيار 2012

هل انتهت المفاوضات الأميركية ـ الإيرانية ولم يبق غير التوقيع على اتفاقاتها؟

يشيع الإيرانيون جواً من التفاؤل غير المسبوق في تاريخ العلاقات بين الجمهورية الإسلامية في إيران والولايات المتحدة الأميركية، الى درجة أن كلمة "الشيطان الأكبر" تبدو كأنها اقتلعت مثل "ضرس ملتهب". لا شك أن هذا النجاح، ايجابي جداً للمنطقة وللعالم. ليس أمراً عادياً انتهاء نزاع مستمر منذ أكثر من ثلاثين عاماً على خلفية عقائدية ودينية وسياسية. بالتأكيد ستتغير معطيات كثيرة. مثل هذا الاتفاق يشكل حكماً "زلزالاً" ضخماً يوازي الخطاب الأول للإمام الخميني الذي فتح النزاع مع "الشيطان الأكبر" على مصراعيه.

لا يمكن أن تكون المفاوض

ات بين واشنطن وطهران على الملف النووي فقط. من الطبيعي والواجب أن يكون على "سلة" مليئة بالملفات. أيضاً في مثل هذه المفاوضات، لا يمكن إلاّ أن تكون مفتوحة على تقديمات متبادلة. لذلك السؤال الكبير ماذا أعطت واشنطن وماذا أخذت طهران، والعكس صحيح؟

حصول طهران على حق التخصيب النووي بنسبة 3,5 في المئة هو كمثل من أن يأخذ حقاً مشروعاً له بتشريع من خصمه. المشكلة هي في الحصول على اليورانيوم المخصب بنسبة 20 في المئة. مجرد أن تقبل طهران بالحل القديم وهو الحصول من الخارج على احتياجاتها تحت رقابة من وكالة الطاقة النووية الدولية، يعني أنها تراجعت عدة خطوات للتقدم خطوة واحدة. أيضاً تريد طهران رفع العقوبات الاقتصادية عنها التي بدأت تحدث تشققات حقيقية في الاقتصاد الإيراني بكل ارتداداتها على المجتمع الإيراني خصوصاً لدى الطبقة المتوسطة التي تبقى محور القلق العميق للنظام الإيراني، مثله في ذلك مثل باقي الأنظمة التي ضربها "الربيع العربي".

مقابل هذا كله ماذا قدّمت إيران؟

إذا أخذ بما تشيعه طهران فإنها لم تقدم شيئاً أكثر من التزام عند التوقيع يقوم على توجيه المرشد آية الله علي خامنئي رسالة خطية إلى الرئيس باراك اوباما، يؤكد فيها على الفتوى التي سبق وأن قالها شفهياً بأنّ الحصول على السلاح النووي مخالف للإسلام. حصلت أيضاً على موافقة أميركية على بقاء الرئيس بشار الأسد. باختصار موافقة واشنطن على نحر الثورة السورية ومعها المطالب المشروعة للشعب السوري. لكن في الوقت ذاته معنى ذلك تقديم سوريا ولبنان وقبلهما العراق على طبق من ذهب لإيران تتحكم من خلالهم بكل المسارات في المنطقة.

قد تكون الولايات المتحدة الأميركية كريمة جداً لكن ليس إلى هذا الحد على المستوى الاستراتيجي. لا يمكن لواشنطن إلاّ إذا كانت تخاف فعلاً من إيران وقوتها العسكرية، تقديم كل هذه "الجوائز" دون أن تأخذ شيئاً. لا يمكن لواشنطن أن تقفل الباب في وجه العالم العربي خصوصاً دول اتحاد الخليج وتحديداً السعودية وقطر، لإرضاء النظام الإيراني فقط. لذلك لا يمكن تصديق كل هذه العروض، وأخذها على محمل الجد. لا يجب أن تكون طهران قد قدمت لواشنطن في أفغانستان والعراق، وأن تكون التزمت بعدم التدخل في حال سقوط النظام الأسدي. عكس ذلك معناه أن الولايات المتحدة قبلت بقيام "حزام" إيراني يمتد من العراق الى الحدود التركية ـ السورية. فهل المطلوب أميركياً قيام "الهلال الشيعي" في مواجهة "هلال" الاخوان المسلمين في المنطقة؟ ألا يعني ذلك أيضاً سقوط خط سايكس ـ بيكو، من دون التفاهم مع الاتحاد الأوروبي؟ وماذا عن موقف روسيا من قيام هذين "الهلالين"، هل يريحها ذلك خصوصاً في "حديقتها" الخلفية، أي آسيا الوسطى؟ وماذا عن إسرائيل، هل تقبل بمنافس استراتيجي لها يملك كل هذه الأوراق في المنطقة؟ وماذا عن تركيا ودورها الصاعد، هل تتحمّل استمرار وجود النظام الأسدي؟ وماذا ضمن مستقبلاً عدم تحريكه للملف العلوي ـ الكردي داخل تركيا؟

بعض التحركات تؤكد أنّ واشنطن تفاوض طهران وفي حساباتها أنّ النظام الأسدي، ساقط. من ذلك، ان القيادة الأميركية نشرت مجموعات كوماندوس في الاردن كانت قد شاركت في المناورة الأخيرة، للقفز فوق انهيار النظام الأسدي وبالتعاون مع القوات الروسية المضادة للإرهاب الموجودة في طرطوس للسيطرة على مخازن الأسلحة البالستية والكيماوية منعاً لوقوعها في أيدي قوى أصولية سنّية أو "حزب الله".

بغداد ـ 2، في 23 أيار، نجاح أو فشل المباحثات ستجيب جزئياً عن كل هذه الأسئلة، يبقى أن كل هذه الحسابات لا تأخذ بعين الاعتبار الشعب السوري، ولا الخطر الكامن في صعود الأصولية، علماّ أنّ المجتمع السوري محافظ لكن ليس متديناً كما المجتمع المصري، فيها مع كل علامة يأس تظهر في أفق العلاقات الإقليمية والدولية.

=================

حمّام «ميته» مقطوعة!

حسين شبكشي

الشرق الاوسط

15-5-2012

التفجيرات الحاصلة في مدن سورية مختلفة وبنفس الأسلوب وحصولها المصادف دوما لوجود مراقبين سواء أكانوا من قبل جامعة الدول العربية أم من هيئة الأمم المتحدة، تتضمن العديد من التفاصيل اللافتة، مما يجعل الرواية الرسمية لنظام بشار الأسد الشارحة لها مسألة غير مقنعة وغير قابلة للتصديق.. فهناك جثث داخل السيارات «المفخخة» لناس تم ربط أيديهم قبل إدخالهم للسيارات وعرض جثثهم المتفحمة، كما أن بعض الجثث قد تم التعرف عليها باعتبارها لمعتقلين تم القبض عليهم أيام الثورة ومن خلال المظاهرات السلمية التي كان يقوم بها ثوار سوريا في المدن المختلفة، مع عدم إغفال التغطية الإعلامية «الفورية» لأحداث التفجيرات بشكل مدهش في بلد لا يمكن تحريك كاميرا ومراسل فيه إلا بإشراف أمني دقيق جدا.

حتى جاءت آخر الإضافات لشرح ما يحصل وتفسير تلك الانفجارات، وهي البيان الذي صدر عن مجموعة أصولية سلفية جهادية جديدة على الساحة ومجهولة باسم «النصرة»، وقد كان لافتا أن تتبنى هذه الجماعة التفجيرات بعد تصريحات متتالية لمندوب سوريا لدى الأمم المتحدة الجعفري، ومن قبله وزير الخارجية المعلم، وهما يرددان أن التفجيرات الحاصلة في سوريا تحمل بصمات تنظيم القاعدة الإرهابي. وفور إطلاق جماعة «النصرة» لبيانها سارع الإعلام السوري بربط هذه الجماعة بأنها محسوبة على تنظيم القاعدة نفسه، مما يذكرني بنفس الأسلوب الذي اتبعته أجهزة الاستخبارات السورية كرد فعل استباقي لتوابع زلزال اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري، وإخراجها شريطا تلفزيونيا مسجلا لشخصية لها ملامح أصولية وتتبع نفس المفردات المستخدمة في مناسبات إعلامية كهذه، وعرفت الشخصية لاحقا باسم «أبو عدس» وتبنت العملية الإجرامية، ولكن طبعا مع مرور الوقت عرف الناس أن هذه ما كانت إلا بالون اختبار استخباراتي من السوريين لإبعاد الأنظار المتوقعة عليهم وعنهم في عملية اغتيال يبدو جليا أنهم هم الطرف الوحيد القادر على إعدادها والاستفادة منها.

ولكن تفجيرات دمشق قد تظهر أمرا مهما آخر، هو عدم وجود تناغم، وقد يكون تباعدا، بين أجهزة المخابرات السورية نفسها. حافظ الأسد أسس نظاما أمنيا بامتياز، حيث لا قيمة للوزارات ولا لحزب البعث ولا الجيش ولا الشعب ولا سائر المؤسسات والكيانات، فقط المنظومة الأمنية المخابراتية، وقام بتجهيز فروع لهذه الأجهزة مثل: المخابرات العامة، والمخابرات العسكرية، والمخابرات الجوية، وغيرها، وكل جهة مستقلة، وكل عملية أمنية تحصل لا بد أن تمر على الجميع حتى يتم «الموافقة» عليها. ومن المعروف أن التنافس كان على أشده بين رؤساء هذه الأجهزة، وكان الأسد يستغل ذلك جدا، والخاسر الوحيد كان دوما الأبرياء من الشعب.

وفي حقبة الابن بشار تم تغيير الوضع كثيرا، وإن كان توغل الأقرباء والمقربين في هذه الأجهزة له الدور الثقيل؛ فماهر الأسد وآصف شوكت وآل مخلوف (خال الرئيس) لهم من النفوذ الشيء الكثير ولهم من الطموح الشيء الأكثر، وهذا مما قد يعني توظيف هذه الأجهزة لمكاسب نوعية شخصية فورية في ظل الحديث المتزايد عن استعداد وقبول روسيا اليوم لفكرة خروج وتنحي بشار الأسد عن منصب الرئيس، ولكن أن يبقى النظام ويكون البديل موجودا من الداخل ليكمل ذلك، وهنا من الممكن «تفسير» هذه الموجة من الانفجارات لإقناع العالم، وتحديدا الروس، أن رأس النظام يجب أن يرحل ولكن هناك من بداخله قادر على الإمساك بزمام الأمور، مما يعني أن أجهزة المخابرات التي صممت على مبدأ التنافس من أجل إرضاء المعلم الكبير باتت اليوم أداة خطيرة تساهم في القضاء السريع عليه.

لا يصدق أحد رواية النظام بخصوص التفجيرات، كما أن أحدا لم يصدق من قبل رواياته التي فسرت الثورة عليه، التي دخلت شهرها الخامس عشر، ولا يبدو أبدا عليها ملامح الهدوء، بل المسيرة مستمرة حتى النهاية في ظل نظام انكشف وتعرى ويفضح نفسه بشكل يومي ومستمر حتى تحول إلى نكتة، لا أكثر. المخابرات السورية وصفت ذات يوم بأنها الأكثر دقة وفعالية في إدارة شؤون البلاد، لكن يبدو أنها تحولت إلى ما يشبه الحمّام الذي انقطعت المياه عنه، لا أكثر!

==========================

أين مفاتيح الاستعصاء الشامي؟

مطاع صفدي

القدس العربي 13/5/2012

ليست الأزمة السورية مستعصية على الحلول إلا إذا نقلنا النظر من ظروفها الذاتية إلى ما هو خارج مجالها الإنساني والواقعي المباشر.

 فحين انطلق شباب الانتفاضات الأولى ضد الاذلال المستديم، لم يكونوا دارين بأية قوة أخرى خارجة عن غضبهم. لم تكن الهبة الجماعية نتيجة تخطيط من قبل أحد. هذه البداية هي الخاصية الفريدة التي سوف تميز الربيع العربي مادام طقساً طبيعياً نابعاً من لحم أصحابه. فليس ثمة ربيع حقيقي مستفاد من أرض ومنبت غير تربته الأصلية فحسب.

لقد تطورت الانتفاضات والصدامات الأولى بين الشبيبة وزبانية السلطة حتى تحولت إلى تيار عارم، لم يلبث أن أصبح ثورة شعبية جذرية وشاملة. كان تطورها ذاك كفيلاً حقاً بتنمية طاقات متنوعة كمياً وكيفياً، تمنحها شراييَن حياةٍ وصمود وتفاعل، تؤهلها لأن تكون هي عقلها المنظم، وجسدها المقاوم. كانت الثورة تبني بسرعة فائقة كلَّ الأسس المطلوبة لسيادتها على مصيرها. ومن أهمها أساسان، هما الصمود والاستقلال، فكان النظام القاتل متخماً بصلف لا حد له، يجعله واثقاً كل الثقة بقدرته على القمع، مادام لا يضع له حدوداً قانونية أو أخلاقية، بالمقابل لم تكن تنطفئ مساحةُ تفجير حتى تنطلق ساحاتٌ أخرى، فالصمود ليس فعالية سلبية فقط. إنه لا يستنفذ طاقة محددة، إلا ليولّد طاقة أخرى أقوى. على العكس من القمع الذي لا يزيده فشلهُ إلا وحشيةً أشد وأقسى، لكنها تنكشف على اللاجدوى والعبث المتجدد من محاولاتها الدموية المجنونة، فهل نقول أن النظام والثورة، قد أصابهما معاً الإنهاك، وأن أحدهما ينتظر أن يسبقه الآخر كيما ينسحب بعده من الحلبة.

غير أن المشكلة أنهما لم يعودا وحدهما اللاعبين علي مسرح الحدث السوري، وبالتالي يكاد يخرج مصير الصراع من بين أيديهما معاً، سوف تتغير دلالات النصر أو الهزيمة'C إلي درجة يتغير معها وضعُ حدّ لسفك الدم، إذ يغدو منطق القتال في حد ذاته متخطياً أحياناً لقرارات المتورطين في وعثائه؛ هذا إن لم تصبح ساحاتُ المواجهة غاصةً بمختلف المتدخلين، مجهولين أو معروفين. وفي هذه الحالة من تصاعد الاشتبكات الملتبسة بين أصحاب القضية والمتطفلين على هوامشها إلى درجة الوصول حتى متونها، لن تكون الثورة هي المتضررة وحدها من تزاحم الأضداد حولها معها، أو رغماً عنها، بل إنه الشعب نفسه، صاحب القضية وحارسها الأول، من هو سيكون عليه أن يفصل بين قضيته تلك، وبين (إنجازاتٍ) باسم الثورة عن حق أو بهتان. وهذه الإنجازات هي ما تكون غالباً الأقرب إلى الانكسارات لفترة تطول أو تقصر، وأنها بالغة التكاليف بشرياً ومدنياً؛ لكن وحدة الشعب والثورة هي المسؤولة في شتى الأحوال ، عن تبرير التكاليف بمدى التقريب بين نتائجها الآتية، والمحصلة الأخيرة المنتظرة لكلية الثورة، إنها الثقة المطلقة بصلاحة أهداف الثورة، ومشروعية أسبابها، تلك التي تُرخص كلّ غال بدءاً من حياة المناضل وسلامه الوظيفي والاجتماعي من أجل حرية الأمة وكرامتها.

قد يكون التدخل الأخطر وليس الأهم فقط، هو فرض المجتمع الدولي أبوَّته الزائفة على ثورة الفتوة السورية، أغرب ما في السلوك الدولي هذا هو أن انحيازه الظاهري إلى جانب الثورة لا يحرج أو يزعج النظام بقدر ما ينأى بأصحابه عن أي إجراء حاسم يهدد بقاءه. وفي الوقت عينه تعمل هذه المبادرات الدولية، وآخرها خطة أنان، عن قصد أو بدونه، على تبريد حمية الفعل الثوري، وانتزاع وكالة الثورة عن ذاتها وتسليمها إلى عالم الإدارات البعيدة المشغولة أولاً بمصالحها؛ فليس ضعف المعارضة لأنها بدون مؤسسات أو قيادات تاريخية حتى الآن، ليست مشتتة بسبب من ماضي نشأتها في ظل القمع، ومن حاضر المنافسات الشخصانية والقيادية بين أركانها وكل هذا وارد، لكن هذا الانزلاق الكبير إلى ما تحت الاستقطابات الدولية جعل قراراتها متضاربة فيما بينها. وواقعة في المستويات الثانية والثالثة، وحتى الأخيرة، من استراتيجيات حكام العالم.

والحقيقة الأصلية في كل هذا الذي يحدث لأوطاننا العربية منذ تفجر باكورة الربيع، هو أن الانتفاضات لم تصارع عروشاً مهترئة، من سلالة مركّب الاستبداد/الفساد المحلي وحده، إنه الربيع العربي الذي يقاتل شتاءً كونياً، مدلهماً بظلاماته الرهيبة المتجذرة، وينجح بإسقاط بعض العروش، لكنه أخيراً يصاب بأعراض الاستعصاء في منازلة العرش الدمشقي، كأنما ليست هذه الظواهر سوى مداخل محلية لمناوشة أصحاب العروش الكبرى ماوراء الحدود.

يُخطئ من يعتقد، من بعض معلّقي الصحافة العربية، أن تمهل الغرب إزاء المافيا السورية الحاكمة، كان تردداً أو نأياً بالذات عن مستنقعات الدم التي يراد لها أن تزدحم بكل وحوش الفوضى والإرهاب والمقتلات الأهلوية، ليس تقاعس المجتمع الدولي عن الحسم مربوطاً فقط بالبحث عن البديل السلطوي المقبول، خيفةً من الاستئثار السلفي ومشتقاته بمستقبل الشام، هذا البلد الفسيح العريق الذي هو بمثابة جوهرة العقد الشرق الأوسطي، لذاته ولقارة العرب والإسلام والهندوس حتى سور الصين. هنالك ثلاث خارطات جيوسياسية متزاحمة على استيعاب مشرق العرب والفرس والترك. كأنما لم يعد هذا المشرق عربياً خالصاً، بل عائداً إلى تراثه التاريخي، كجغرافية للأديان السماوية الثلاثة، وللإسلام خاصة. فالمشرق إسلامياً حضارياً تكاتفت على بناته أمم ثلاث، العرب والفرس والترك، هؤلاء جميعاً، مضافاً إليهم الكرد، يتقاسمون مجالاً حيوياً واحداً، ويكاد يكون متجانساً في كثير من ملامحه الجغرافية ومكوناته البشرية ومزاياه الحضارية ونواقص كل هذه الخانات كذلك. وأيضاً، هم جميعاً يودون إعادة كتابة حاضرهم ومستقبلهم بأفضل ما كان لهم في ماضيهم المشترك، وبأبعد ما يمكن عن أسوأ انحرافاته السابقة.

هذه هي الخارطة الأولى والتي يمكن اعتبارها ذات أصول عائدة إلى مرتبة أنطولوجية تأسيسية، لكن الخارطة الثانية والثالثة لن تكونا من مستوى هذه المرتبة، وإن كانت لكل منهما فعالية الحراك السياسي المنعكس عن أيديولوجيات نهضة شاملة، أو مجردة، غير متفق على تحديد شخصيتها المفهومية إلا من خلال صراع هائل مع منهجيات دولتية طامحة إلى زرع زعامات إقليمية ذات سرعة أحادية، منطلقة من الواحد أحد في القمة نحو الآخرين (الشعوب) في القاع، وليس العكس أبداً، ويمكن القول أن هاتين الخارطتين الثانية والثالثة، إنما تخصّان امتزاج السياسي بالعقائدي ضمن الإقليم الجيوسياسي المباشر، وضواحيه القارية الأخرى. فالأمم الثلاث، العرب والفرس والترك، عائدة إلى المسرح العالمي، وكل منها حامل لمشروعها النهضوي المختلف، وإن تغطت جميعها تحت عباءة الإسلام، ما يسمح بالقول أن لكل أمة فهْمَها الخاص للدين الواحد الذي تتعدّد مذاهبُه، ومن ثمَ تتنوّع تأويلاته بحسب التوجهات السياسية السائدة في محيطه الاجتماعي والثقافي.

غير أن الإشكالية المركزية التي تعصف بتيارات الفكر والسياسة معاً في جو هذا المشرق المتسع لأمم متعددة متنافسة على زعامة حضارة واحدة، هو أن هذه المشاريع النهضوية الثلاثة لا تزال فاقدة للحظة المواجهة الصريحة مع الحقيقة، لما يمكن أن يسمّى بثورة التنوير؛ بحيث يتم التمييز المفهومي في الإسلام بين طقوس العبادات في تراثه، وآفاق المعرفة والحق في حضارته. في المجال الأول ذاك تصول وتجول الِملل والنِحل، وفي المجال الآخر ترتقي الجماعة إلى مستوى عقل العصر الذي تعيش تحت أحكامه، شاءت أم أبت.

أين موقع الربيع العربي من لحظة التنوير هذه. فالثورة من أجل الحرية لم تعد شعاراً مجرداً. أثبتت قدرتها على تحريك الجماهير العظمى، أخرجتها من قوقعة الكتل المهملة، جعلتها تُمسك بإرادة التغيير في كل ساحة، وبعد أن أنجزت مهمات شبه مستحيلة، قوّضت عروشاً فرعونية وطغيانية فريدةَ نوعها، ها هي تعاني حصاراً رهيباً من ازدحام نقائضها الأهلوية والأجنبية معاً، في الميادين الشامية، حيثما يكاد يتقرر هناك مصير 'الربيع العربي' كطقس كوني جديد في ثقافة التنوير، وليس كحدث سياسوي لهذا الشعب أو لسواه فحسب. من هنا ينبغي البحث عن علة هذه الاستعصاءات، وتزاحمها الخبيث على سد منافذ الحياة أمامها، تمهيداً إلى الشروع في الانقضاض على براعمها، وتشويه طبيعتها. وذلك مثلاً بتسليط أعدى أعدائها عليها، ما بعد النظام، وهو المتمثل في الإرهاب الدخيل الطاعن في ظهرها.

هنالك، في غياهب التخطيط الغربي من يعتقد أن إنجاز تحرير الشام سوف يقلب ركائز تلك الخرائط الثلاث المستقرة من دهور. ما يعني أن إنجازات ربيع الأطراف سوف يغدو ربيعَ المحور الأنطولوجي للمشرق وضواحيه الإسلامية. فأنْ يحكم شعبُ الشام نفسَه بنفسه لأول مرة منذ الفتح العربي، لا يريد أحد الاعتراف بدلالة ذلك الحدث؛ إذ في حال تحققه، لا بد لأهم عباقرة الاستراتيجيا العالمية أن يعمدوا إلى إعادة ترتيب أولويات أساسية في أحد أخطر قطاعاتها العملية.

ثورة الشام إما أن تكون حقيقية وجذرية، نظيفة من التحريف والاستغلال، وإما أن تطوي صفحاتِها الراهنة، لتأمل في فتح صفحات أخرى بيضاء أنقى وأبقى في تاريخ مستقبلي آخر. فهي اليوم لم تعد تنازل مجرد عصابة مافوية محتلة لمفاصل الدولة. إنها تكشف نظاماً دولياً متهالكاً يخترق لاشعوره المرضي نوعٌ من فَزَعٍ طاغٍ، من لحظة تحول الربيع العربي إلى ربيع عالمي. فالصهيونية تقرع أجراس الإنذار في كل مكان من عواصم الغرب. إنها تنعق بنُذُر عواصف هائلة إن تمّ نَسْفُ الخرائط البالية الجاثمة على صدور العرب والإسلام.

تحرّر الشام لن يُسقط جولةً أخيرة لمشروع الشرق الأوسط الأمريكي العتيد فحسب، بل لعله سينسف كل الأصول العميقة والقديمة، المتكفّلة بتصدير سلالة من أمثاله السابقة واللاحقة. لذلك لن ينهي الغرب 'الأزمة' السورية إلا عندما تتقهقر الثورة، بعد أن تنكسر أعلى أجنحتها البيضاء، لتنحدر هكذا دون أضعف منطلقاتها الأولى، حين تسهل في هذه الحالة إعادةُ إنتاج دورة جديدة من أنظمة قمع متخفية وراء أعلام ثورة منقضية من دون آثر إلا بقايا لون الدماء. هل هذا هو المصير المحتوم، أم أن الربيع له مواسم أخرى؟

*مفكر عربي مقيم في باريس

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ