ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
نيك هوبكنز- «الغارديان» الدستور 25-5-2012 استوردت الحكومة السورية ما ثمنه 167 مليون
دولار أميركيّ من أنظمة الدفاع الجويّ
والصواريخ، بالإضافة إلى ما قيمته
مليون دولار أميركيّ من الأسلحة
الخفيفة والذخيرة في الشهور التي سبقت
حملتها ضد ناشطي المعارضة، كما يدّعي
التقرير. تقول مؤسسة أوكسفام (وهي اتحاد دوليّ يضم
خمس عشرة منظمة تعمل في أكثر من تسعين
بلداً، حول العالم، لإيجاد حلول للفقر
والمواضيع المتصلة بالظلم في دول
العالم).. تقول إن بيع الذخيرة ونقلها
إلى نظام الرئيس بشار الأسد، في عام 2010،
يشدد الحاجة إلى معاهدة جديدة لتجارة
أسلحة. وتضيف أن المعاهدة يمكن أن
توفرالتزامات على الدول، واضحةً ولا
لُبس فيها» بألاّ تبيع أسلحة إذا كان
من الممكن أن تنتهي إلى إثارة الحرب أو
انتهاك حقوق الإنسان. حظر الاتحاد الأوروربيّ حظراً للأسلحة
على سوريا في شهر أيار من العام
الفائت، غير أن فرنسا استمرت باتهام
إيران بأنها تبيع الأسلحة للأسد. أمّا
روسيا فمعروفة أنها المصدِّر الرئيسيّ
لأسلحة سوريا. وفي تقريرها ذي العنوان «الشر في
التفصيلات»، قالت أوكسفام إنه بين
عامي 2000 و2010 بيع إلى سوريا من الأسلحة
والذخير ما قيمته 2.2 بليون جينيه
إسترلينيّ، وذلك من قِبَل بلدان كانت
تخضع لستة وعشرين حظر أسلحة مختلفاً. كان من الممكن لأحد مؤتمرات الأمم
المتحدة الذي عقد في حزيران من العالم
الفائت أنْ يؤدي إلى معاهدة جديدة
ائتلاف، وإلى حيثما يتطلب الأمر تشديد
للقوانين التي تحكم بيع الأسلحة «في صك
واحد شامل، قانوني وملزِمٍ». منظمة أوكسفام تحاجج في أنّ الاتجار
بالأسلحة يخضع لضوابط أقل تشدداً
التجارة في البضائع الاستهلاكية من
مثل الموز، والبن، وجوز الهند. قالت آنا ماكدونالد، وهي رئيسة الحد من
الأسلحة في منظمة أوكسفام: «كيف يمكن
أن يكون بيع الموز منضبطاً على نحو
أكثر تشدداً من بيع الأسلحة؟ إنّ ذلك
لا معنى له. وهذا وضع لا يمكن الدفاع
عنه، وقد تأخرت الدول كثيراً في التوصل
إلى اتفاق ملزم بشأن نقل الأسلحة». تضيف آنا أننا على «شفا لحظة تاريخية، غير
أن التحدي هو تأكيد أنّ المعاهدة قوية.
وعلى المعاهدة أن توقف على نحو لا لبس
فيه نقل الأسلحة إلى حيث يمكن أن تأجج
الصراعات، والفقر، وانتهاكات حقوق
الإنسان. إن الحظر القائم على الأسلحة
الآن من السهل خرقه وتجاهله. والافتقار
إلى وجود مقررات دولية [بهذا الشأن]
يعني أن الدول الواقعة تحت الحصار تمّ
لها استيراد كلَّ ما تشاء من الأسلحة
التي تختارها مع إفلاتها من العقوبة.» تزعم منظمة أوكسمفام أنّ دولاً عديدة في
العقد الأول من هذا القرن اخترقت الحظر
واستمرت بالاتجار بالأسلحة على نطاق
واسع. وذكر التقرير [الصادر عن المنظمة]
بورما (600 مليون دولار أميركيّ بين عامي
2000 و2010)؛ إيران (574 مليون دولار أميركيّ
بين عامي 2007 و2010)، ووجمهورية الكونغو
الديمقراطية (124 مليون دولار أميركيّ
بين عامي 2000 و2002). وقد حصلت المنظمة على هذه الأرقام من خلال
البحث في شبكة معلومات تابعة لمعهد
ستوكهولم الدوليّ لأبحاث السلام، ومن
خلال قاعدة البيانات والإحصائيات
الخاصة بالسلع والتابعة للأمم المتحدة. وقالت ماكدونالد إنّ معاهدة جديدة يجب أن
«تكون قوية بما يكفي لتمتلك التأثير
الحقيقيّ في حيوات عشرات الآلاف من
المدنيين الأبرياء الذين يعانون العنف
المسلح في كل يوم». ثم تضيف أنّ «هذه فرصة للأجيال من أجل
ينجزوا تغيراً حقيقياً. فالمعاهدة
الضعيفة قد تكون أسوأ من ذلك كلياً
بوضفها تضفي الشرعية على الوضع المشين
القائم». تقدَّر السوق العالمية للأسلحة بنحو 55
مليار دولار أميركيّ، ومكتب الأمم
المتحدة لشؤون نزع الأسلحة يقول إنّ «التجارة
في الأسلحة التقليدية من السفن
الحربية ودبابات المعارك إلى الطائرات
المقاتلة والمَدافع الرشاشة ستظل سيئة
التنظيم. لا يوجد مجموعة من المعايير
المتفق عليها دولياً تؤكد أنّ نقل
الأسلحة لا يتمُّ إلا للاستعمال
المناسب». بعض البلدان، من مثل روسيا والصين، مارست
ضغوطاً لتمييع لغة أية معاهدة جديدة
لتجارة السلاح؛ لا سيما إذا بما يتعلق
بمنع بيع الأسلحة إذا كان ثمة ما يدعون
إلى التفكير بأنها قد تستخدم لخرق حقوق
الإنسان. وبرغم دعمه معاهدة جديدة من
حيث المبدأ إلا أن البيت الأبيض أثار
القلق، قائلاً إذا كان السبب إلزامياً
جداً فإنّ كثيراً من الدول سيتم ردعها
من التوقيع [على المعاهدة]. في السنة الفائتة، قال وزير للشؤون
الخارجية البريطانيّ، ألستير بيرت، إن
المعاهدة «لديها القدرة على منع
انتهاكات حقوق الإنسان، والحد من
الصراعات، وجعل العالم مكاناً أكثر
أماناً». ============== حروب إسرائيل في السودان
وسورية في لبنان د. عبدالوهاب الأفندي القدس العربي 25-5-2012 (1) في مطلع هذا الأسبوع، كانت أحد التجار
السودانيين يقود سيارته في أحد
الشوارع عند أطراف مدينة بورتسودان
الساحلية حينما تفجرت السيارة واشتعلت
فيها النيران، مما أدى إلى وفاة الرجل
في الحال. وحتى قبل إجراء أي تحقيق في
الحادث، كان الاستنتاج المتداول هو أن
السيارة تعرضت لقصف صاروخي، وأن
الفاعل هو بلاشك إسرائيل. ذلك أن هذه
كانت المرة الثالثة (أو الخامسة في
رواية أخرى) التي تتعرض فيها سيارات في
هذه المنطقة خلال السنوات القليلة
الماضية إلى قصف من النوع الذي ظلت غزة
وبعض مناطق اليمن وأفغانستان وباكستان
تتعرض له بوتيرة أكبر. (2) في أبريل من العام الماضي، أصابت صواريخ
مجهولة المصدر سيارة في نفس المنطقة (طريق
المطار القديم)، مما أدى إلى مقتل
شخصين بداخلها. وبسرعة سربت مصادر
إعلامية (عربية للأسف) على صلة
بإسرائيل أن فلسطينياً يعتقد أنه
خليفة المبحوح في حماس أصيب بالحادث.
ولكن اتضح فيما بعد أن الضحيتين كانا
سودانيين ولا علاقة لهما بفلسطين. وقبل
ذلك بعامين أصيبت قافلة سيارات (اتضح
فيما بعد أنها كانت تحمل لاجئين من
الصومال واثيوبيا) وقتل العشرات من
ركابها. وقد تحدثت مصادر إسرائيلية
وقتها عن استهداف مهربي أسلحة. وفي
ديسمبر 2011، أوردت مصادر إسرائيل أنباء
عن هجومين استهدفا ثلاث سيارات في شرق
السودان، ولكن المصادر السودانية لم
تؤكد الخبر. (3) هذه الهجمات هي أعمال إرهابية بأي تعريف
شئنا. وهي فوق ذلك تكشف مشكلتين
متعاظمتين تواجههما إسرائيل. الأولى
أن مصادرها الاستخبارية أظهرت هبوطاً
كبيراً في مستواها، حيث أن الهدف في
الحالتين السابقتين لم يكن هو الذي
حددته التسريبات الإسرائيلية. أما
الثانية فهي أن إسرائيل تواجه مصادر
تهديد متعاظمة ومتوسعة لأمنها إن صحت
مزاعمها. فبينما كانت في السابق تقاتل
في لبنان وغزة، نجدها الآن تنقل
معاركها إلى سيناء والخليج وإيران
والقرن الافريقي. فما هي يا ترى الوجهة
القادمة؟ (4) وبذكر تصدير المشاكل فإن لبنان المجاور
شهد في نفس الأسبوع تصاعداً
للاضطرابات، ومقتل أحد كبار مشايخ
السنة هناك، وذلك بعد يومين من اتهام
سفير سوريا في الأمم المتحدة لبنان
بأنه 'يصدر الإرهاب' إلى سوريا، وبعد
اربعة أيام من تهديد الأسد المبطن في
مقابلة مع التلفزيون الروسي بتصدير
المشاكل إلى الدول التي اتهمها بتصدير
الفوضى إلى سوريا. ويبدو أن الرجل إذا
قال فعل، ولكن فقط حين يتعلق الأمر
بفعل الشر. (5) بالمقابل، وفي نفس الأسبوع، كان قادة حلف
الأطلسي يأتمرون في مدينة شيكاغو
الأمريكية حول أسرع الطرق للانعتاق من
مستنقع أفغانستان. وقد كان قادة أمريكا
وبريطانيا وحلفائهما سارعوا قبل عشر
سنوات إلى غزو أفغانستان باعتبارها
فاتحة 'الحرب على الإرهاب'، وثنوا في
عام 2003 بغزو العراق تحت نفس اللافتة.
وقد بلغ الأمر أن أحد الوزراء
البريطانيين وصف أفغانستان بأنها
بمثابة 'مرتفعات دوفر'، في إشارة إلى
حدود بريطانيا الجنوبية. ولكن بعد زوال
الغشاوة، أدرك الجميع أن بريطانيا هي
بريطانيا، وأفغانستان هي أفغانستان،
وكذلك العراق. (6) كما هو معروف فإن سوريا كانت بدورها قد
مدت أذرعها الأخطبوطية إلى لبنان،
واخترقت الساحة الفلسطينية، وتحالفت
مع إيران ضد العراق، قبل أن تدعم 'المقاومة'
في العراق لحاجة في نفس بشار، ليس
لأنها تحب المقاومة، فقد حارب جندها مع
أمريكا من قبل ضد العراق لقاء أجر
معلوم، وشر المقاتلين المرتزقة. ولكن
امبراطورية الارتزاق والإرهاب هذه
انهارت انهيار الاقتصاد اليوناني
والبنوك الأمريكية، فانسحبت سوريا من
لبنان، وخسرت حلفاءها الفلسطينيين
وبلغ بها الأمر أن أصبحت تعتمد على
الحكومة العراقية، عدو الأمس، في بقاء
نظامها. (7) الدرس من كل هذا هو أن سياسة الهرب إلى
الأمام التي تنتهجها إسرائيل ستواجه
في نهاية المطاف انهياراً مدوياً كما
حدث لسياسات التوسع الأطلسي والسوري،
ولكن ربما بصورة مأساوية أكثر. ولعل
خطيئة شن الحرب على إيران ستكون هي
العلامة الفارقة التي ستعلن ارتداد
التوسع الإسرائيلي على ذاته بصورة
مدمرة لا يمكن تصور أبعادها حالياً. (8) هناك مع ذلك علامة استفهام كبرى حول
تضاريس حرب المخابرات الدائرة رحاها
حالياً في شرق السودان، والتي يبدو أن
المخابرات السودانية كانت فيها دائماً
آخر من يعلم. على سبيل المثال نجد أن
خبر قصف قافلة اللاجئين في يناير 2009
جاء من وسائل إعلامية من خارج السودان،
بينما لم تصدر الحكومة السودانية أي
بيان رسمي حول المسألة التي ما زال
الغموض يلفها. وحتى اليوم فإن السلطات
لم تقدم للرأي العام أي معلومات شافية
حول ملابسات أي من الهجمات وهوية
المستهدفين في الهجمات السابقة. (9) كان لإسرائيل توغل استخباراتي قديم في
شأن السودان، كان الحكم عنه غافلاً في
غالب الأحيان، كما حدث حين أنشأت
المخابرات الإسرائيلية منتجع 'عروس'
السياحي على ساحل البحر الأحمر في مطلع
الثمانينات تحت غطاء شركة بلجيكية
واستخدمته قاعدة لعملية ترحيل الفلاشا.
وفي وقتها أنشأت إسرائيل مدرجات لهبوط
الطائرات، وكانت ترحل مئات اللاجئين
كل يوم والحكومة في غفلة تامة عن كل ذلك.
وربما لو أن جهاز المخابرات أنفق اليوم
وقتاً أقل في مطاردة المواطنين
الشرفاء من صحافيين وناشطي حقوق
إنسان، ووقتاً أكبر في تعقب عملاء
إسرائيل (ولا نستبعد أن يكون بعضهم
داخل الجهاز نفسه) فإن الأمن الوطني قد
يتعزز أكثر. ============== ماذا وراء استدعاء
القاعدة إلى سورية؟ عبدالناصر العايد * الحياة الجمعة ٢٥ مايو
٢٠١٢ ببساطة شديدة، هلل النظام السوري لإعلان
واشنطن في معرض تعليقها على تفجيرات
القزازين، بأن القاعدة موجودة فعلاً
في سورية، وحرد المعارضون واتهموها
بالتآمر، وبهاتين العاطفتين أغلق
النقاش حول تلك التصريحات، والحقيقة
أن الإدارة الأميركية ليست في وارد
مغازلة النظام، ولا استرضاء المعارضة،
ولا تقول قولاً ارتجالياً في شأن من
أخطر شؤون الساعة عالمياً، وإذا كان
النظام في يأسه ومأزقه لا يرى أبعد من
أنفه، فإن المعارضة كان يجب أن تكون
أكثر عقلانية وعمقاً في تناولها. إن منطلق الإدارة الأميركية شأن كل إدارة
حصيفة هو مصالحها الذاتية، ثم مصالح
حلفائها، ومآل سورية بعد سقوط النظام
يقع في صلب المصالح الأميركية نظراً
إلى موقع سورية الاستراتيجي في العالم
وفي الشرق الأوسط، وأقرب من الصلب
ربما، بالنسبة إلى حليفيها المهمين
إسرائيل وتركيا، وهي لذلك تريد أن تضع
يدها على هذا البلد وأن تستأثر به
كاملاً، الأمر الذي أثار حفيظة الروس
والصينيين، إلى درجة أبديا في شأن هذا
الملف مستوى غير معهود من العناد. لكن الولايات المتحدة حين تقرر أن تقوم
بعمل عسكري لإسقاط النظام، فلن تعجزها
الذريعة ولا الوسيلة، وهي لن تعبأ
كثيراً بالحصول على قرار أممي يمرره
الروس والصينيون، وبوسعها التحرك وفق
البند الخامس في اتفاقية حلف الناتو،
أي ما يتعلق بإيذاء تركيا، أو وفق مبدأ
التدخل الإنساني، لكن الولايات
المتحدة لن تسعفها سوى ذريعة واحدة
للبقاء والهيمنة على سورية ما بعد
النظام، هي قضية الحرب على الإرهاب،
القديمة المتجددة، فهي وحدها القادرة
على تحييد الروس والصينيين، من دون أن
تقدم لهما أي تنازل، وهي المعبر الذي
يمكن الولوج منه إلى سورية المستقبلية
والتدخل في شؤونها. وإن صح هذا التصور فإن اليوم الذي سيلوّح
فيه القادة الأميركيون بأقراص الفيديو
التي وضعها الجعفري أمام مجلس الأمن
والمتضمنة كل الأدلة على تهافت عناصر
القاعدة من كل حدب وصوب على سورية، لن
يكون بعيداً. فالنظام السوري، وفق
الطبعة الأخيرة من مسلسل الحرب على
الإرهاب، هو أحد الأنظمة
الديكتاتورية، التي تفرخ المتطرفين
والإرهابيين، عبر قهر شعوبها
واضطهادها، وتدفع بهم ليلحقوا الخراب
والدمار بالعالم الحر، وسيقترن تدخلها
العسكري، الذي سيحدث من خارج مجلس
الأمن غالباً، بحملة أوباما
الانتخابية، التي سيكون من أبرز
ادعاءاتها أن أميركا تحملت مسؤوليتها
الإنسانية وأنقذت السوريين من براثن
النظام المافيوي، وأنياب تنظيم
القاعدة، وكل ذلك في إطار حربها
الكونية على الإرهاب ومنابعه. وإذا صح هذا التصور أيضاً فإن المعارضة
السورية، ستكون أمام استحقاق صعب
بُعيد سقوط النظام، وعلى الجميع أن
يفكروا ملياً في استراتيجية وطنية
للمرحلة المقبلة، وعدم إفساح المجال
لتسلل الانتهازيين من الضعفاء الذين
تفضلهم دول الوصاية، للوصول إلى مواقع
القرار في البلد، ومنحه للقوى التي
دفعتهم إلى تلك المواقع. إن ثمة عناصر من القاعدة موجودون فعلاً في
سورية، قدموا من تلقاء أنفسهم أو
استقدموا، لكن وجودهم في ليبيا ومصر
وتونس، وفي اليمن التي اقتطعوا شطراً
منها، لم يمنع التحول الديموقراطي في
تلك البلدان، وهو لن يمنع ذلك في
سورية، ولن يحول دون سقوط النظام، ولن
يكون ذريعة للهيمنة والوصاية
الخارجية، والمعارضة السورية التي آن
لها أن تنضج سياسياً، عليها أن تجعل من
محاربة التطرف من جهة، ومقاومة
الوصاية الخارجية من جهة أخرى، قضية
وطنية جامعة، تدشن بها حقبة الاستقلال
الثاني. ============== باتريك سيل * الحياة الجمعة ٢٥ مايو
٢٠١٢ خطت الأزمة السورية في الأسابيع القليلة
الماضية خطوة إضافية وخطيرة باتجاه
الحرب الأهلية. وبات وقف إطلاق النار
الذي عمل كوفي أنان، مبعوث الأمم
المتحدة وجامعة الدول العربية، على
هندسته بكل فخر في 12 نيسان (أبريل)، شبه
بائد. هذا وسمح انتشار 200 مراقب من
الأمم المتحدة، من المفترض أن يُرفَع
عددهم إلى 300 بحلول نهاية الشهر،
بانحسار أعمال العنف نسبياً، لكنه لم
ينجح في وضع حد نهائي لها. وفي ظل تراجع
عدد المعارك الأوسع نطاقاً، كتلك التي
دمرت أحياء كاملة في مدينة حمص الرئيسة
خلال آذار (مارس) الماضي، تتواصل
الاشتباكات يومياً في أرجاء البلاد.
وفي حال بقيت أعمال العنف غير مضبوطة،
قد تبدو معركة حمص - والمجازر
الانتقامية التي تخللتها - مجرد مقدمة
للأحداث المريعة التي يحملها المستقبل.
إلى ذلك، يتم تأجيج المشاعر الطائفية،
ولا استعداد لدى أي طرف كان، أقله
حالياً، للتخلي عن اسلحته. بل على العكس، شن المقاتلون المتمردون،
الذين يلجأون إلى أسلحة متطورة
باستمرار ويحصلون على تمويل متزايد من
الخارج، حرب عصابات في المدن، وهم
عازمون أكثر من أي وقت مضى على الإطاحة
بالرئيس بشار الأسد. وهم يرفضون أي
مفاوضات قد تبقيه في منصبه. وفي
الأسابيع القليلة الماضية، انضم إليهم
العشرات، وربما المئات من المتطرفين
الإسلاميين، الذين توافدوا إلى سورية
عابرين الحدود اللبنانية والعراقية
والأردنية. ويسود الظن على نطاق واسع
أن بعض هؤلاء الجهاديين، الذين تربطهم
ظاهرياً صلة بعيدة بتنظيم «القاعدة»،
أقدموا على تفجيرات انتحارية بثت
الذعر في أوساط المواطنين. ومن أصل أحد
عشر حادثاً كبيراً تم تسجيلها حتى
الآن، حصل التفجيران الأكثر دموية في
دمشق، بتاريخ 10 أيار (مايو)، وتسببا
بمقتل 55 شخصاً وجرح نحو 400. وهبطت
معنويات الشعب، فلا أحد يشعر بالأمان،
ولا مكان بمنأى عن الخطر. وتجدر الإشارة إلى أن الظهور العنيف
للجهاديين لا يخدم المعارضة أبداً،
لأنه يبرر حجة النظام الذي يقول إنه
يحارب «عصابات إرهابية». وهو يدفع «الغالبية
الصامتة» التائقة دوماً إلى الأمن،
إلى الوقوف إلى جانب الحكومة، ويساهم
في إبعاد بعض داعمي المعارضة في الغرب. ومن الواضح أن النظام يرزح تحت ضغوط
هائلة، ويصعب عليه أكثر فأكثر تعقب
وتدمير الجماعات المتمردة السريعة
التصرف التي تُقدِم على عمليات كر وفر
جريئة. وعلى رغم كل تفوقه العسكري، ليس
الجيش السوري النظامي مدرباً أو
مجهزاً للتصدي لحرب عصابات. وقد ارتفع
عدد الإصابات في أوساط الجيش، ما أجج
الرغبة في الانتقام. ويرى أكثر رجال
النظام قسوةً، ممن تحملوا القسم
الأكبر من القتال، أن الوضع قائم على
مبدأ «أو قاتل أو مقتول». وبالنظر إلى
أن الجيش وقوات الأمن لا تزال وفية
للنظام، يبدو أن هذا الأخير لا يواجه
خطر الإطاحة الفورية. أما النتيجة،
فأزمة دامية، تتخللها أعمال عنف شديد
يُقدم عليها النظام وأعداؤه. ويعرف كل
طرف أن الفائز في المعركة، أياً كان،
لن يقوم بأي تنازل لخصمه. وفي تلك الأثناء، انتشر القتال خلف
الحدود إلى لبنان – وخصوصاً إلى مدينة
طرابلس السنية بمعظمها والقريبة من
الحدود السورية، فتحولت إلى قاعدة
خلفية للمعارضة السورية المسلحة.
واندلعت فيها اشتباكات مسلحة بين
الفئات المؤيدة لسورية، وتلك المعارضة
لها، وحتى بيروت لم تكن بمنأى عن تلك
الأحداث. وبقدر ما ان هذه الاشتباكات المحلية
عديمة الرحمة، يطغى عليها الصراع
الإقليمي والدولي للسيطرة على سورية.
وتبرز في هذا السياق منافستان: من جهة
تقف المملكة العربية السعودية
وحلفاؤها في الخليج في مواجهة مع
إيران، ومن جهة اخرى هناك المواجهة بين
الولايات المتحدة وروسيا الاتحادية.
وهناك مواجهة فرعية محورها المنافسة
القائمة على التوتر بين إيران وتركيا،
نتيجة تمركزهما عند الجانبين
المتضادين من القتال، كون إيران
الحليف الإقليمي الرئيسي لسورية،
وتركيا الداعم الخارجي الرئيسي
للمعارضة السورية، كما توفر ملاذاً ل «لمجلس
الوطني السوري»، و «الجيش السوري الحر»،
وأعداد كبيرة من اللاجئين السوريين. وتُظهر السياسة الأميركية مؤشرات عدم
تماسك مثيرة للقلق، فواشنطن تدعم خطة
السلام التي وضعها أنان، وتسعى في
الوقت ذاته لضمان فشلها. وفي حين يسعى
أنان لضمان استمرارية وقف إطلاق
النار، كإجراء تمهيدي ضروري لإطلاق
مفاوضات «برعاية سورية»، لا تتوانى
الولايات المتحدة، بضغط من إسرائيل،
والكونغرس المؤيد لإسرائيل،
والمتشددين الجمهوريين، في مساعيها
لخلع بشار الأسد عن منصبه. ويقضي الهدف
الرئيس للسياسة الأميركية
والإسرائيلية بعزل إيران وإضعافها،
وقطع الرابط بينها وبين المقاومة
اللبنانية الشيعية المتثمثلة ب «حزب
الله». وتود إسرائيل الإطاحة كلياً
بمحور طهران – دمشق – «حزب الله» الذي
ظهر في السنوات الأخيرة كأهم عائق
يعترض هيمنتها الإقليمية. وشاءت سخرية القدر أن تجد الولايات
المتحدة نفسها، وسط اعتراضها على
النظام السوري، في موقع لا تُحسَد عليه
إلى جانب تنظيم «القاعدة» – الذي تشن
حرباً طاحنة للقضاء عليه في أفغانستان
واليمن والصومال، وأماكن أخرى! وتنشط الولايات المتحدة في دعمها
المتمردين السوريين، وغالبيتهم من
الإسلاميين، فتزودهم بأجهزة اتصالات
متطورة، ومعلومات، وتمارس في موازاة
ذلك ضغوطاً على قطر والمملكة العربية
السعودية لتوفرا دعماً أكبر لهم. ويبدو
في الواقع أن الولايات المتحدة تنسق
تدفق الأموال والأسلحة الموجهة إلى
المقاتلين المتمردين. وورد في مقال
نشرته صحيفة «واشنطن بوست» في 15 أيار (مايو)
الجاري بقلم كارن دي يونغ وليز سلاي -
ويستند على ما يبدو إلى تسريب رسمي –
كلام عن تسريبات من مسؤولين أميركيين -
أن «الولايات المتحدة ودولاً أخرى
تمضي قدماً نحو تعزيز مستويات التنسيق
من أجل تزويد المقاتلين المتمردين
بالمعلومات وتسليحهم». وورد أن شخصيات
من المعارضة تقيم اتصالات مباشرة مع
مسؤولين في وزارة الخارجية الأميركية
من أجل «تعيين جهة ضمن المعارضة تتسلم
الأسلحة وتحديد مواقع لتخزينها»، لكن
من المستحيل تسليح المتمردين والدعوة
في الوقت ذاته إلى وقف إطلاق النار! ولكن هناك حدوداً لما يمكن أن تفعله
الولايات المتحدة للإطاحة بالنظام
السوري. فهي غير مستعدة للتدخل من طريق
قواتها الخاصة – كأن ترسل جيوشاً
أميركية الى أرض المعركة أو أن تشن
غارات جوية على أهداف سورية – ولن
تجازف بالاصطدام علناً مع موسكو، بسبب
التداعيات المضرة المحتملة على
المصالح الأميركية في أماكن أخرى. وليست الولايات المتحدة الدولة الوحيدة
المتهمة بعدم التماسك في مواقفها. ولا
شك في أن تعزيز الانقسام السائد بين
السنّة والشيعة منذ قرون لا يفيد مصالح
أي من العرب والمسلمين. علماً أن
أعداءهم المشتركين هم المستفيدون
الوحيدون من تقاتلهم. وكذلك، لا يفيد
تحويل إيران إلى عدو مصلحة العرب أو
المسلمين. ولطالما كتبتُ في هذه الصفحة
أن من الحكمة أن تبقى دول الخليج بعيدة
من النزاعات بين إسرائيل وإيران، أو
بين الولايات المتحدة وإيران. وبحكم
العوامل الجغرافية، تشترك إيران مع
دول الخليج في عدد كبير من المصالح
الاستراتيجية والتجارية، نتيجة تقابل
موقع الطرفين على امتداد ممر مائي ضيق.
وهو ما يفرض على هذه الأطراف أن تكون
شريكة، لا عدوّة. ولا شك في أن التاريخ المأسوي للعراق
ولبنان يؤكد الضرورة الملحّة لتجنيب
سورية الانغماس في أتون الحرب الأهلية
الطائفية الشاملة، كونها ستنطوي على
تداعيات كارثية في أرجاء المنطقة،
علماً أن مكونات المجتمع السوري بدأت
تتفكك منذ الآن. ومن الضروري نزع
السلاح من النزاع، ومنح خطة السلام
التي وضعها أنان فرصة للنجاح، وبذل كل
جهد ممكن لحل النزاع السوري من طريق
المفاوضات، قبل فوات الأوان. * كاتب بريطاني مختص في شؤون
الشرق الاوسط ============== قلق عربي من وقوع الغرب
في غرام ايران الجمعة ٢٥ مايو 2012 الحياة عاد الحديث عن «الصفقة الكبرى» Grand Bargain يشق طريقه الى أطروحات العلاقة
الأميركية – الإيرانية على ضوء الرغبة
المتبادلة لبناء جسور الثقة في الملف
النووي وانعكاسات التفاهم على المسائل
الإقليمية الممتدة من العراق الى
سورية. القيادة الإيرانية تعرف تماماً
ما هي أولوياتها الآن ابتداءً بعلاقة
إستراتيجية ثنائية مع الولايات
المتحدة بناءً على تعهدات بعدم تغيير
النظام في طهران. إقليمياً، يتحدث
الإيرانيون تارة بلغة جهاز أو نظام
إقليمي للتعاون يضم إيران والمملكة
العربية السعودية والعراق ويتحدثون
تارة أخرى بلغة التفوق والإملاء
تماماً بسبب امتلاك القدرات النووية
وإجبار الدول الكبرى على أخذ مطالب
الجمهورية الإسلامية الإيرانية في
الحسبان. العناصر التي أدت بطهران الى
التلميح باستعدادها الى الأخذ والعطاء
في الملف النووي لها علاقة بوطأة
العقوبات التي مثّلَت العمود الفقري
لسياسة الرئيس باراك أوباما تجاه
الجمهورية الإسلامية الإيرانية، إلا
ان ما سرّع القرار الإيراني بإبداء بعض
المرونة هو نجاح رئيس الوزراء
الإسرائيلي بنيامين نتانياهو في إسقاط
سياسة «الاحتواء» التي تبناها أوباما
ودفع الولايات المتحدة الى الحسم
العسكري في حال سقط خيار الإقناع
بالمفاوضات. هذا من جهة. ومن جهة أخرى،
وجدت القيادة الإيرانية نفسها في عزلة
كبيرة دولياً كما وجدت في الحديث عن «الصفقة
الكبرى» فرصة لفك العزلة ليس عنها فحسب
وإنما أيضاً عن حليفها السوري الذي
يشكل لها موقع قدم للهيمنة الإقليمية
وتفكيك العروبة. وهذا يلائم إسرائيل
وتركيا الى حد ما، علماً أنهما يشاطران
إيران الرغبة في الاستيلاء على موازين
القوى واستبعاد اللاعب العربي عن هذه
الموازين. وبما ان مصر محيّدة حالياً
عن موازين القوى، تبرز المملكة
العربية السعودية في هذا الإطار
بصفتها الدولة العربية الوحيدة
المؤهلة حالياً لدخول صراع موازين
القوى، لا سيما بشراكة بقية الدول
الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي. إلا
ان الإستراتيجية الإيرانية القائمة
على إعادة خلط أوراق النظام الإقليمي
الذي يُفرَز حالياً لا تبدو في مقابلها
إستراتيجية خليجية متكاملة استباقية
ذات أبعاد إقليمية ودولية. قد تكون
هناك تفاهمات وراء الكواليس إنما هذا
لا يكفي، لا سيما على ضوء الاندفاع
الذي يميّز الإستراتيجية الاستباقية
الإيرانية التي يجد فيها المرشح
الرئاسي باراك أوباما ما يعجبه – أقله
في هذه المرحلة الانتقالية ولأن
المسألة متعددة المحطات، من المفيد
التدقيق في ما يمكن ان يكوّن عناصر «الصفقة
الكبرى» وما هي المعطيات التي أدت الى
إحياء المفاوضات بين الجمهورية
الإسلامية الإيرانية والدول الخمس
الدائمة العضوية في مجلس الأمن –
الولايات المتحدة، الصين، روسيا،
بريطانيا، فرنسا – وكذلك المانيا. هذه
المحادثات التي استضافتها بغداد في
جولتها الثانية بعدما كانت جولتها
الأولى في إسطنبول. القيادة الإيرانية تدرك إفرازات انهيار
أسعار الغاز والنفط على نفوذها
داخلياً وإقليمياً، لا سيما إذا
استمرت في الرضوخ تحت العقوبات
المفروضة عليها والتي تركت أثراً
بالغاً. كذلك، انهيار أسعار الغاز
تزامن مع بروز حاجة سورية الى مساعدات
مالية من إيران بسبب إنفاق دمشق
البلايين شهرياً من أجل مكافحة
المعارضة السورية وقمع الانتفاضة
الشعبية. أدركت القيادة الإيرانية ان العقوبات على
صادراتها النفطية والبنك المركزي
تكلفها غالياً على الصعيد الداخلي، لا
سيما بسبب سقوط العملة الإيرانية،
فكان لا بد من إيجاد وسيلة لتخفيف
العقوبات أقلّه مرحلياً لشراء الوقت. أسعار الغاز الطبيعي انخفضت بصورة مؤذية
للدول المهمة المصدرة للغاز وأبرزها
روسيا وإيران وقطر. روسيا دولة غنية
لديها موارد أخرى تغنيها عن الاعتماد
الحيوي حصراً على الغاز الطبيعي – على
رغم أهميته لها. وبالتالي، انها
مرحلياًَ في حالة تأقلم لكن واقع أسعار
الغاز الطبيعي سيؤثر آجلاً أم عاجلاً
في النفوذ الروسي الذي يتطلب إنفاقاً
كبيراً. قطر لن تعاني مباشرة لكنها تأخذ علماً
بأبعاد وإفرازات سقوط أسعار الغاز على
اقتصادها ونفوذها، فهي تعي أيضاً ان
الآتي هو انهيار أسعار النفط نظراً
لاكتشاف كميات ضخمة منه في الولايات
المتحدة ونظراً للتكنولوجيا الجديدة. جميع دول مجلس التعاون الخليجي ستعاني
وستضطر للتأقلم مع هبوط أسعار النفط
المرتقب من ناحية موازناتها
واقتصادها، كما من ناحية الإنفاق من
أجل النفوذ خارج بلادها. لدى هذه الدول
بعض الوقت قياساً مع الجمهورية
الإسلامية الإيرانية التي عليها تلبية
متطلبات 60 مليوناً من شعبها. فإذا
أُضيف هبوط أسعار الغاز والنفط الى
استمرار العقوبات، ستكون القيادة
الإيرانية في مأزق «لا تمتلك خيار
الاستدانة ولا خيار الاستمرار في
تمييع قيمة عملتها» وفق خبير مخضرم يرى
ان نفوذ ايران آخذ في التآكل بسبب
الأسعار. القيادة الإيرانية أخذت هذه
الاعتبارات في الحسبان عندما قررت
أقله الظهور بمظهر الليونة. هذا من الناحية الاقتصادية المهمة كأداة
من أدوات النفوذ الخارجي والمهمة جداً
على الصعيد الداخلي، لا سيما ان
المعارضة الإيرانية تترقب ماذا سيحدث
في سورية لتستعيد بعض زخمها قبل
إخمادها على أيدي النظام في إيران.
فسورية مهمة لدى القيادة الإيرانية
لأسباب عدة، محلية وإقليمية ودولية.
ولدى إحساس طهران ان دمشق قد تخسر
المعركة معنوياً ودولياً، أخذت
القيادة الإيرانية المسألة السورية في
الاعتبار عندما قررت لعب ورقة الليونة
النسبية. فلقد قررت طهران ان تشديد
الخناق والعزل على سورية سيزيد من عزل
وإضعاف القيادة الإيرانية، فاتخذت
قرار الاستباق عبر الملف النووي
المغري للاتحاد الأوروبي كما للولايات
المتحدة الأميركية. قررت طهران أيضاً الاستفادة من الورقة
الروسية البالغة الأهمية في المعادلة
السورية – الإيرانية في مواجهة دول
مجلس التعاون الخليجي في مقدمها
المملكة العربية السعودية. فلاديمير
بوتين الرئيس الروسي ثانيةً، شريك
بالغ الفائدة للقيادة الإيرانية.
بوتين، حتى الآن، قرر المواجهة مع دول
مجلس التعاون الخليجي الست – المملكة
العربية السعودية، ودولة الإمارات
العربية، وقطر والكويت وعمان والبحرين
– لأسباب متعددة منها القاسم المشترك
مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية في
علاقاتها مع الغرب والولايات المتحدة
بالذات والمبنية على «العصا والجزرة»
في مواجهة «الجزرة والعصا». رهان طهران على موسكو، ورهان موسكو على
طهران، وكلتاهما اتخذت من دمشق ساحة
لشد العضلات تهيئة للمقايضة. كلتاهما
تريد التموضع من أجل كسب أفضل مردود في
«الصفقة الكبرى». انها لعبة صياغة
النظام الإقليمي والنظام الدولي
الجديد. وفي هذه اللعبة، يعتقد قادة
الكرملين وملالي إيران ان الفرصة
متاحة لهم مع باراك أوباما ومع المعركة
الانتخابية الأميركية. كذلك هم
يعتقدون ان الأزمة الاقتصادية
الأوروبية أتت عليهم بنعمة لم تكن في
الحسبان. كيفية تعاطي – بل تفادي – قمة حلف شمال
الأطلسي وقمة الثماني للتطورات في
سورية زادت من اقتناع موسكو وطهران
ودمشق بأن كفة الميزان لمصلحتها. ثم
أتى عنصر التطرف الدموي الذي اقتحم
ساحة المعارضة السورية إما بلباس «القاعدة»
أو بلباس السلفيين أو غيرهم ليرفع
الضغوط عن الثلاثي السوري – الإيراني
– الروسي ويعطيه مساحة لالتقاط
الأنفاس وشن هجوم وقائي واستباقي. قبل
سنة، كان مجلس التعاون الخليجي في موقع
القيادة في مرافقة التطورات على
الساحة العربية وفي موقع الشراكة مع
الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي (ناتو).
اليوم، تبدو الجمهورية الإسلامية في
موقع القيادة في خطب ود الدول الدائمة
العضوية في مجلس الأمن والدول
الأوروبية عبر إغرائها بوعود تعاون في
الملف النووي فيما أنظارها منصبة على
دورها الإقليمي وعلى مستقبل علاقاتها
الثنائية مع الولايات المتحدة. أجواء اليوم هي أجواء الانقلاب على طبول
الحرب التي سبق ودقها بنيامين
نتانياهو قبل ان يحصل على ما يريده من
باراك أوباما. وما حصل عليه هو انه وضع
الطابة في ملعبه الأميركي بعدما حصل
على تعهد منه بالتخلي عن سياسة «الاحتواء»
كركيزة للعلاقة الأميركية –
الإيرانية. نتانياهو سلّف أوباما
الوقت الذي يحتاجه الرئيس الأميركي
كمرشح لرئاسة ثانية. وصلت الرسالة الى
طهران بأن فترة الزمن باتت محدودة،
والولايات المتحدة باتت مرتبطة ومضطرة
للخيار العسكري، وعليه قررت طهران
تغيير نمطها بعدما أفلح نتانياهو،
وقررت تشغيل الفترة الزمنية لمصلحتها. ما هي أولويات طهران في زمن التفاهم الذي
يبدو انه آت «خطوة بخطوة» على نمط «بناء
الثقة» تدريجاً وسيستغرق وقتاً؟
أولاً، لقد أوضحت القيادة في طهران ان
أولويتها هي الحصول على تعهد من الغرب
بعدم مساعدة المعارضة والكف عن أية
محاولة لتغيير النظام. ثانياً، تصر
طهران على حقها بتخصيب اليورانيوم
وتصر على أنه لأهداف سلمية. ما هي على
استعداد للقيام به هو إثبات حسن النية
لجهة عدم المضي حالياً بتصنيع السلاح
النووي. فالقيادة الإيرانية تفضل عدم
تصنيع وامتلاك القنبلة النووية آنياً،
حتى ولو كانت قادرة على ذلك، إذ إنها
تفضل امتلاك كامل القدرات ب «كبسة زر»
عندما تقرر بنفسها انها جاهزة. بالقدر نفسه من الأهمية – وهذا ما يغيب عن
بال إدارة أوباما – ان القيادة
الإيرانية مهتمة للغاية بدورها
الإقليمي وبإقرار الولايات المتحدة
بمركزية دور الجمهورية الإسلامية
الإيرانية واستمرار وجودها ونفوذها
إقليمياً، بالذات في العراق وسورية
ولبنان عبر «حزب الله». وفي البحرين
كمدخل الى دول مجلس التعاون الخليجي.
لذلك انها تسعى وراء «الصفقة الكبرى». في هذه المرحلة البالغة الحساسية في
المنطقة العربية وفي الشرق الأوسط،
هناك قلق كبير من وقوع الدول الغربية
وبالذات الولايات المتحدة في غرام
الوعد الآتي من ملالي إيران كما يبدو
انها وقعت قبل شهور في غرام الوعد
الآتي من رجال «الإخوان المسلمين»
بالاستعداد لشراكة ما معها. حذار وعود
المراحل الانتقالية والانتخابية اذ
إنها قد ترتد على جميع من يقطعها
بمفاجآت غير مستحبة. ============= "البعث" السوري: من
عفلق إلى الأسد محمد ولد المنى الكتاب: البعث السوري... تاريخ
موجز المؤلف: حازم صاغية الناشر: دار الساقي الاتحاد 25-5-2012 في عام 1947 ولد حزب "البعث" على أيادي
أستاذين عائدين من باريس، هما المسيحي
الأرثوذكسي ميشيل عفلق والمسلم السني
صلاح الدين البيطار، إضافة إلى مدحت
البيطار، وأستاذ آخر درس في باريس
أيضاً هو العلوي زكي الأرزسوي. وفي
كتابه الذي نعرضه هنا، "البعث
السوري... تاريخ موجز"، يعرض حازم
صاغية القصة مفصلة لهذا الحزب الذي طبع
الحياة السياسية العربية مدة نصف قرن؛
من خلال سيرة شخصياته الأساسية
وتفاعلها مع أحداث سوريا والمنطقة،
منذ نشوء الفكرة البعثية، مروراً بحكم
العسكر الحزبي، خصوصاً فترة الأسد
الأب، وانتهاء بمرحلة الأسد الابن
التي تكرر المشاهد الدموية لعهود "البعث"
السابقة. ولدى ميلاد "البعث" كانت سوريا التي
استقلت لتوها، غير أن المستقبل سرعان
ما اصطفى الضباط الذين قفزوا في عام 1949
إلى السلطة بقيادة حسني الزعيم، ثم
توالت انقلابات أخرى وثيقة الصلة ب"الصراع
على سوريا" بين الهاشميين في العراق
ومصر الملكية ثم الجمهورية. ويرجّح
المؤلف انحياز "البعث" إلى العراق
الهاشمي، بتولي عفلق وزارة المعارف
بعد انقلاب "سامي الحناوي" على
"الزعيم"، والذي اعتُبر انقلاباً
عراقي الهوى على النفوذ المصري. أما
التطور الأهم في تاريخ "البعث"
حتى عام 1962، فكان اندماجه مع "الحزب
العربي الاشتراكي" الذي أسسه أكرم
الحوراني، وعن اندماجهما نشأ "حزب
البعث العربي الاشتراكي" الذي أصبح
أكثر ميلا إلى مصر. لكن الجيل الجديد من "البعثيين"
الذين نشؤوا على مقولات الوحدة
العربية، وجدوا في عبدالناصر نموذجاً
وتحدياً في وقت واحد، خاصة أنه أصر على
شرطين لقبول الوحدة؛ إنهاء تدخل الجيش
السوري في الحياة السياسية، وحل جميع
الأحزاب السياسية السورية، فكان على
هذه الأخيرة حل نفسها طوعاً، فيما ترك
للبعثيين مكتب ل"القيادة القومية"
كان يرتاده عفلق وبعض معاونيه. وما لبث
البعثيون أن أحسوا أن "حزبهم المنحل
أكبر ضحايا الوحدة التي هي أقنومهم
الأيديولوجي الأول". لكن الوحدة مع
مصر لم تعمر طويلا، فقد انقض عليها
كبار الضباط الدمشقيين الذين وثق
عبدالناصر ببعضهم أكثر مما وثق
بالبعثيين (أبناء الريف). وفيما كان
البعثيون حائرون بين تأييد الانقلاب
الذي أطاح بالوحدة وبين الانتصار
للوحدة، كانت إعادة توحيد الحزب
المنحل عملية بالغة الصعوبة، لاسيما
وقد انقسم إلى كتل مختلفة؛ أقواها كانت
"اللجنة العسكرية" التي شكلها
خمسة ضباط بعثيين، ثلاثة منهم علويون،
هم محمد عمران وصلاح جديد وحافظ الأسد،
أما الآخران فكانا إسماعيليين. وكما
استفادت "اللجنة العسكرية" من
تفتت الحزب لتعظيم شأنها داخله، فقد
استفادت أيضاً من ضعف النظام
الانفصالي الجديد، لتنفذ أول انقلاب
عسكري بعثي في سوريا. وهكذا ولد في 8
مارس 1963 "أحد أطول العهود السلطوية
في التاريخ العربي الحديث، كما سيكون
واحداً من أقساها". وكان أَمين
الحافظ أَول أَدوات "البعث" في
صبغ سوريا الجديدة بالدم، على ما يرى
صاغية. ثم يحدثُ التآمر مجدداً بين
ضباطِ ذلك الانقلاب، فتؤولُ السلطةُ
في انقلاب تال، في فبراير 1966، إلى
جماعة صلاح جديد التي تخلصت من القيادة
القومية للحزب. وخلال فترة حكم "البعث
القطري"، بين 1966 و1970، تم اختزال
مراكز القوى البعثية بالقوة، دون أن
يخفي ذلك مساراً طائفياً متنامياً.
فحتى عام 1968 كان الاهتمام الداخلي
للسلطة متركزاً على استئصال القيادات
العسكرية الموالية ل"القيادة
القوميّة" وعفلق، على نحو كاد
يتطابق مع تصفية النفوذ الدرزي في
الجيش وفي المنظمات الحزبية المدنية،
ذاك أن وجوهاً بعثية درزية وغير
عسكرية، كحمود الشوفي وطارق أبو
الحسن، استُبعدت لدى التخلص من "أقصى
اليسار" قبل انقلاب فبراير 1966. هذا
قبل أَن يقود وزير الدفاع حافظ الأَسد،
في 1970، "حركة تصحيحية" ويودع
رفاقه في السجون. وبالأسد ابتدأ عهد
جديد في سوريا، هو العهد البعثي الثالث
الذي قُيّض له الاستمرار طويلاً بعد
ذاك، فلا يغير الحزبَ فحسب بل يغير
سوريا الحديثة كلَّها. وهنا يرى صاغية
أمرين: أن الأسد صاحب أعصاب فولاذية
تُعفيه من كل حساسية حيال القتل بدم
بارد، وأن "الاستقرار" عبر القوة
والهيبة، كان دينه وديدنه. ومما له
دلالة في هذا الخصوص، يقول الكاتب، أن
الأسد، وهو سليل تقاليد الحذر الفلاحي
والأقلوي في آن، وكان من اكتشف أن
سوريا التي حفل تاريخها بالانقلابات
العسكرية وعدم الاستقرار وبنوازع
الانفصال العديدة، آن لها أن تستقر بحد
السيف! وكم يستدعي اكتشاف كهذا من بعثي
شب على أفكار "الوحدة" المثالية،
وعلى أهمية اللغة والتاريخ، احتقار
الأحزاب والأفكار عموماً؟! ولعل أهم ما في الأمر أن الأسد حكم بالقوة
المحضة، ونجح في تحويل حزب "البعث"
إلى واجهة شكلية، فيما تُرك للجيش
وأجهزة الأمن والمخابرات التمتع
بالأولوية الفعلية، وصار الحزب مجرد
أداة لتوسّع وتوسيع قاعدة الحكم.
فالحزب الذي يعتبر بموجب دستور 1973، "قائد
المجتمع والدولة"، لا نعثر له على
حضور واضح في المرحلة الانعطافية التي
تعبرها سوريا حالياً. ============= آصف شوكت: احتمالات غياب
لا يقصم ظهر النظام صبحي حديدي القدس العربي 25-5-2012 ما يزال الغموض يكتنف العملية التي أعلنت
عنها 'كتائب الصحابة'، قبل أيام، وما
تزال الأسئلة تكتنف مصداقية ما تضمنته
من إبلاغ عن مقتل جميع (ثمّ لاحقاً: بعض)
أفراد 'خلية إدارة الأزمة'، وفق
التسمية التي شاعت منذ أشهر، واستقرّت
في أذهان الكثيرين بوصفها اسماً على
مسمّى فعلي، وليس توصيفاً مجازياً
مثلاً. ومنذ آذار (مارس الماضي)، بعد
انشقاق عبد المجيد بركات، الذي تردد
أنه كان أمين 'الخلية'، تكدست معلومات
شتى حول طبيعة عمل هذه المجموعة
الأمنية، والمهامّ المناطة بها،
وصلاحياتها، وتقاريرها اليومية التي
قيل إنها تُرفع مباشرة إلى بشار الأسد... كذلك شاع، أو بات من المسلّم به، أنّ 'الخلية'
تتألف من هذه الشخصيات: ماهر الأسد،
الشقيق والقائد الفعلي للفرقة
الرابعة، والرجل الثاني الأقوى في هرم
النظام العسكري؛ آصف شوكت، صهر
العائلة الأسدية، الذي تقلّب في مناصب
عديدة منذ توريث بشار الأسد، أبرزها
إدارة المخابرات العسكرية؛ اللواء
جميل حسن، رئيس مخابرات القوى الجوية؛
اللواء علي مملوك، مدير المخابرات
العامة؛ اللواء عبد الفتاح قدسية،
مدير المخابرات العسكرية؛ اللواء محمد
ديب زيتون، رئيس شعبة الأمن السياسي؛
العماد المتقاعد حسن توركماني، وزير
الدفاع الأسبق، والنجم اللامع اثناء
سنوات الوفاق السوري التركي؛ العماد
علي حبيب، وزير الدفاع السابق؛ العماد
داود راجحة، وزير الدفاع الحالي،
اللواء صلاح النعيمي، رئيس هيئة
العمليات؛ اللواء محمد الشعار، وزير
الداخلية؛ هشام بختيار، رئيس مكتب
الأمن القومي في القيادة القطرية؛
ومحمد سعيد بخيتان، الأمين القطري
المساعد لحزب البعث. هي 'عظام رقبة' النظام، كما قد يقول المنطق
البسيط، ولا ينقصها إلا عضوية رئيس
إدارة الأمن الجنائي، أو إدارة شرطة
السير، أو الضابطة الجمركية، أو
الشرطة العسكرية... حتى يكتمل المطبخ
الأمني للنظام، فتسقط صفة 'الخلية' عن
هذه الاجتماعات، لتصبح في منزلة ما،
عجيبة غريبة، بين 'المحفل' العمومي و'المجمع'
السرّي! وشخصياً، لست أخفي ارتيابي في
أنّ هذه 'الخلية'، في توصيفها هذا على
الأقلّ، لا توجد فعلياً على أرض
الواقع، أو لا تعمل ضمن هذه الأوالية
المحكمة، التي توحي بأنّ النظام ليس
متماسكاً ومنسجماً ومتكاملاً، على
صعيد مراكزه الأمنية العليا، فحسب؛ بل
توحي أيضاً، أنه نظام 'عقلاني'، و'ائتلافي'
و'مؤسساتي'، يعطي لكلّ مسؤول حقّه في
الإدارة، ويوكل له صلاحياته. والحال أنّ نظام 'الحركة التصحيحية' لم
يعمل وفق هذا المنطق في أي يوم، وما كان
ممكناً له أن يعمل أمنياً، في المقام
الأوّل، ثمّ عسكرياً وسياسياً بعدئذ
استناداً إلى أية صيغة تجعل القائد
الفرد الأوحد مجبراً على الرجوع، فما
بالك بالخضوع، إلى اجتهادات هذا أو ذاك
من 'قيادات' النظام الأدنى مرتبة. تاريخ
العشرات من رفاق حافظ الأسد، ثمّ وريثه
بشار الأسد، ممّن سادوا ذات حقبة، وبدا
أنهم أساطين وأعمدة وركائز في معمار
النظام؛ قبل أن يتضح أنهم بادوا في
غمضة عين، وانتهوا إلى سلال مهملات
التاريخ، غير مأسوف عليهم، ولا أثر
يكاد يبقيهم حتى على الألسن (حكمت
الشهابي، ناجي جميل، علي دوبا، علي
حيدر، رفعت الأسد، محمد الخولي... أيام
الأسد الأب؛ وعبد الحليم خدام، غازي
كنعان، بهجت سليمان، محمد منصورة...
أيام الأسد الابن؛ محض أمثلة على هذه
السيرورة المتصلة). ذلك يجعلني أرتاب في أنّ 'خلية إدارة
الأزمة' هذه ليست سوى خرافة، غذّتها
مخيّلة تلقائية، بسيطة بقدر ما هي
مشروعة في الواقع، شاءت أن تجمع كلّ
هذه الإدارات والدوائر والشُعَب
والمؤسسات الأمنية في حلقة واحدة،
وحيدة؛ يُعزى إليها التخطيط لسياسات
النظام الأمنية العليا، والإشراف على
تنفيذها، وتنظيم مختلف التدابير في
سياق الحلّ الأمني الذي اعتمده النظام
منذ بدء الانتفاضة. وبصرف النظر عن
احتمالات نجاح عملية 'كتائب الصحابة'،
كما وُصفت تفاصيلها بعدئذ؛ وما إذا كان
ظهور الشعار وتوركماني على قيد
الحياة، دليلاً على فشل العملية؛ أو
كانت المعلومات المتفرقة عن موت
الآخرين، وغيابهم، دليلاً على نجاحها؛
فإنّ الحلقة الأمنية الفعلية التي
تدير سياسات النظام ليست هذه، وليس هذا
منطق عملها. ومع التسليم بأنّ مقتل أي من أعضاء 'خلية
إدارة الازمة'، الافتراضية تلك، يمكن
أن يشكّل ضربة للنظام، ويمكن لبعض
الضربات أن تكون موجعة؛ إلا أنها لن
تكون قاصمة لظهر النظام، من جهة أولى؛
كما أنها، من جهة ثانية، لن تشلّ عمل
مؤسساته الأمنية، غير المرتبطة دائماً
بقياداتها المباشرة. وقد لا يبالغ امرؤ
يفترض أنّ غياب أعضاء 'الخلية'،
مجتمعين، لا يساوي غياب فرد واحد مثل
ماهر الأسد؛ ولهذا فإنّ الأخير كان
غائباً عن الاجتماع المذكور في
القيادة القطرية، هذا بافتراض أنه
شارك في أي من اجتماعاتها تلك، ذات يوم!
موجعة، إلى هذا، أن تكون العملية قد
نجحت في استهداف آصف شوكت، لأسباب أخرى
لا تتصل بأنه ركن أساسي في معمار
النظام الأمني، وتعود في جوهرها إلى
موقعه داخل البيت الأسدي، ومطامحه
السياسية (بالتكافل والتضامن مع
عقيلته، بشرى الأسد)، وشبكات الولاء
التي نسجها في جيوب محددة داخل الطائفة
العلوية (علاقاته بممثلي المجموعات
المرشدية، بصفة خاصة). لا يُنسى، في هذا الصدد، أنّ شوكت هبط،
مثل طائر الوقواق، على العائلة
الأسدية حين ارتبطت به بشرى الابنة
البكر، والوحيدة في العائلة ورضيت أن
تكون زوجته الثانية، سرّاً ودون
موافقة العائلة، وعاشت معه بعيداً عن
القصر الرئاسي، حتى حسم الأسد الأب
الأمر فأعادها وضمّ شوكت إلى الأسرة.
وشاع أنه ما يزال منبوذاً من العائلة،
ولم يتردد ماهر الأسد في إطلاق النار
عليه ذات مرّة، إثر شجار حول مكانة
العمّ رفعت الأسد. وطيلة خمس سنوات رفض
الأسد طلب شقيقته بشرى تسليم زوجها
رئاسة جهاز الاستخبارات العسكرية،
وكان أعلى منصب اقترحه عليه هو
استخبارات القوى الجوية، الذي رفضه
شوكت واعتبرته بشرى إهانة لها. وليست
إعادته من المخابرات العسكرية، إلى
نيابة رئيس الأركان، ثمّ إلى نيابة
وزير الدفاع، إلا المؤشر على أنّ شوكت
ظلّ دخيلاً على البيت الأسدي، صهراً
فحسب وليس عضواً كامل الحقوق والمزايا. وقبل الانتفاضة بسنوات، منذ اغتيال عماد
مغنية في ربيع 2008، تحدثت تقارير جدّية
عن توتر أقصى بين الأسدَين، بشار
وماهر، والصهر شوكت، تردّد أنّ الأخير
قرّر بسببها ترك العاصمة دمشق و'الحرد'
في ضيعته البعيدة، 'المدحلة'، طيلة
أشهر، حتى نجحت المصالحة في رأب 'الصدع'.
بيد أنّ اتفاق شوكت والأسد حول
الضرورات العليا لأمن النظام (وكان ذاك
هو جوهر المصالحة، لأنه انقلب إلى
توافق جماعي حين تندرج فيه أدوار ماهر
الأسد، الأقوى في صفوف الجيش
الكلاسيكي والوحدات العسكرية ذات
المهامّ الأمنية الخاصة؛ والخال محمد
مخلوف وأولاده، بارونات اقتصاد
العائلة، وبالتالي اقتصاد الاستبداد؛
وحفنة محدودة للغاية من العسكريين
والمدنيين، الأقلّ رتبة ومرتبة فقط،
ولكن ليسوا أبداً أقلّ ضرورة في تشغيل
آلة السلطة)؛ لم ينقلب إلى انطباق تام،
أو تطابق شامل، حول وسائل الحفاظ على
ذلك الأمن. ظلت المؤشرات تتكاثر على 'افتراقات' في
مسائل سياسية حاسمة، مثل تدهور علاقات
النظام مع السعودية ومصر، وما إذا كان
الحفاظ على المقدار الراهن من النفوذ
السوري في لبنان يستحق كلّ ذلك التدهور
من جهة، أو أنّ في وسع النظام الصمود
طويلاً في المواجهة الحالية، بل
المواجهات القادمة، العربية أو
الإقليمية أو الدولية. هنا، بالطبع،
دخلت الأشغال والأعمال على خطّ الخلاف
السياسي، إذْ هل من مصلحة القيّمين على
النهب والفساد والاستثمار أن تُغلق
الأبواب السعودية، وبعدها بعض أبواب
الخليج، في وجه رساميلهم وشراكاتهم
وشركاتهم؟ ملفّ افتراق آخر دار حول
حدود العلاقات مع إيران، أمنياً
وسياسياً وعسكرياً واقتصادياً، وهل من
الحكمة أن تنتهي تلك الحدود إلى تحالف،
بلا حدود؟ وقد يسلّم المرء (بما يسهل التسليم به، في
الواقع) بأنّ شوكت كانت لديه أجندة
طبيعية شخصية، في إدامة النفوذ
والسلطة والحلفاء وشبكات الولاء، مثله
في ذلك مثل تسعة أعشار كبار رجالات 'الحركة
التصحيحية'. التالي، من حيث المبدأ، هو
أنّ هذه الأجندة تصطدم موضوعياً
بالمشروع الإيراني في سورية: كلما
تزايد الرهان الإيراني على بشار
الأسد، بما ينطوي عليه ذلك من إحاطته
أكثر فأكثر بأنصار إيران (ثمة تقارير
ذهبت، آنذاك، إلى حدّ ترجيح نجاح طهران
في تشكيل 'نواة' عسكرية أمنية سورية من
هذا الطراز، كفيلة بأن تنفّذ انقلاباً
عسكرياً في التوقيت الملائم)، تناقصت
فرص آصف شوكت في تشكيل مركز قوّة/طوارىء،
نظير على الأقلّ، إذا لم يطمح إلى موقع
البديل، مالىء الفراغ إذا وقع. صحيح أنه لم يكن في الوسع رصد هذه
الخلافات علانية، بالنظر إلى أنّ شوكت
لم يسبق له أن خاض في غمار السياسة
علناً؛ إلا أنّ تطوّرات كثيرة لا يمكن
أن تظلّ حبيسة جدران بيوت السلطة، وثمة
دائماً معلومات بالغة الدقة تأخذ
نادراً صفة التسرّب، ولكنها غالباً
تسير مسرى التسريب عن سابق قصد وتصميم (صداقات
اللواء مع نخبة من الدبلوماسيين وضباط
الأمن في بعض الدول الغربية، فرنسا
وإسبانيا خصوصاً، كانت كفيلة بتأمين
معين لا ينضب من المعلومات). كنّا نعرف،
وبتنا اليوم على معرفة أوسع، وامتلكنا
معلومات أدقّ، حول العلاقة الوثيقة
التي جمعت شوكت مع كلود غيان (سكرتير
قصر الإليزيه في تلك الحقبة، وكاتم
أسرار الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي،
وناصحه الأبرز)، على سبيل المثال؛ حول
مسائل جيو سياسية بالغة الحساسية، على
رأسها أمن إسرائيل، وما يُسمّى 'الحرب
ضدّ الإرهاب'، و'القاعدة' بصفة خاصة. بهذه المعاني، مترابطة ومتكاملة، يمكن
القول إنّ عملية 'كتائب الصحابة'، إذا
كانت قد قضت على شوكت بالفعل، فقد أسدت
للانتفاضة خدمة ثمينة، إذْ أبعدت عن
دائرة النظام الأمنية أحد كبار
وحوشها؛ ولكنها، في المقابل، لم تسدد
للنظام ضربة قاصمة للظهر، إذا لم تكن
للمفارقة، ودون أن تقصد بالطبع قد
أراحت البيت الأسدي من طائر وقواق غير
مرغوب به. أمّا في المحصلة الجدلية،
التي تذهب أبعد من أثر الفرد في ظواهر
التاريخ الكبرى، فإنّ حضور شوكت كان
متساوياً مع غيابه في مآل عظيم، واحد
على الأقلّ: هذا نظام إلى زوال، وشيك
ومحتوم، مثل 'عظام الرقبة' فيه... أجمعين!
' كاتب وباحث سوري يقيم في باريس ============================= أمير طاهري الشرق الأوسط 25-5-2012 عند مناقشة القضية السورية في العواصم
الغربية، في الوقت الراهن، يفاجأ
المرء بخطاب جديد ينصب على ثلاث فرضيات. تؤكد الفرضية الأولى أنه «لا شيء يمكن
القيام به» حتى يتم الانتهاء من
الانتخابات الرئاسية الأميركية بعد
ستة أشهر، حيث يشدد بعض الخبراء على
أنه نظرا «لتركيزه الكامل» على حملة
إعادة انتخابه، لا يرغب الرئيس
الأميركي باراك أوباما في تشتيت هذا
التركيز عن طريق التورط في مأزق آخر،
في الوقت الذي لم تعد فيه سوريا قادرة
على القيام بالمزيد من الأعمال
المزعجة، حيث إنها تغرق في مستنقع من
الفوضى. أما الفرضية الثانية، فتؤكد أن المعارضة
السورية، المنقسمة والتي ربما تكون
مخترقة أيضا من قبل عناصر النظام، ليست
في وضع يسمح لها بالاستفادة من عجز
الرئيس السوري بشار الأسد عن استعادة
السيطرة على البلاد مرة أخرى. بينما تؤكد الفرضية الثالثة على إمكانية
استفادة بعثة المراقبين التي يقودها
كوفي أنان، بمرور الوقت، من وضع الجمود
الحالي في سوريا بصورة كبيرة، وهي
الفرضية التي بنى عليها حلف شمال
الأطلنطي (الناتو) موقفه في القمة
الأخيرة التي عقدت في شيكاغو
بالولايات المتحدة الأميركية. ورغم أن هذه الفرضيات الثلاث ربما تبدو
أمورا بديهية، فإنها تعد موضع تساؤل
أيضا. تؤكد الفرضية الأولى أن حدوث تطور في
الأزمة السورية يعتمد بصورة شبه كلية
على السياسة الأميركية، أو بكلمات
أخرى، إذا تحركت الولايات المتحدة
تحرك معها كل شيء، وإذا لم تتحرك فسوف
نواجه حالة من الجمود. ليس هناك أدنى شك في أن الولايات المتحدة،
كقوة عظمى، يمكنها أن تلعب دورا حاسما
في تشكيل التوجه الدولي تجاه كافة
الأزمات تقريبا، ورغم ذلك، فسوف يكون
من الحماقة أن نبالغ في تقدير أهمية
العوامل الخارجية بخصوص أي موقف. يكمن الافتراض الضمني الذي تتضمنه
الفرضية الأولى في الدور الذي لعبته
الولايات المتحدة في الإطاحة بنظامين
استبداديين في أفغانستان والعراق، إلا
أنه حتى في هاتين الحالتين، كانت
الولايات المتحدة بمثابة العامل
الخارجي. ففي أفغانستان، انهار نظام طالبان بسبب
تحديد الولايات المتحدة لأعدائه
المحليين الذين كانوا على استعداد تام
لمحاربته حتى النهاية، ثم قام التحالف
الشمالي، وليست قوات الناتو،
بالاستيلاء على كابل. أما في العراق،
فتمثل العامل الداخلي الحاسم في قرار
غالبية العراقيين، بما فيهم القوات
المسلحة، بعدم القتال من أجل صدام
حسين، وهو السبب الذي مكن الجنرال تومي
فرانكس من قيادة قوته الصغيرة نسبيا
إلى دخول العاصمة العراقية بغداد خلال
ثلاثة أسابيع فقط. وكما يقول المثل الصيني: «إذا كان لديك
بيضة، فربما تحصل على دجاجة لو عرضتها
للحرارة، ولكن إن كان لديك حجر، فلن
تحصل على دجاجة حتى لو عرضته لحرارة
العالم بأسره». فنظام الأسد محكوم عليه بالفشل نظرا
لعجزه عن نزع فتيل قنبلة سياسية
واجتماعية موقوتة نتجت عن عقود من
القمع والفساد، وفي العقود الستة
الأخيرة، التي أصبحت فيها الولايات
المتحدة «قوة عظمى»، حدثت الكثير من
الأمور من دون أن يكون للولايات
المتحدة دور رئيسي فيها، مثل استيلاء
الشيوعيين على الصين وانهيار
الإمبراطوريات الاستعمارية الأوروبية
وظهور أكثر من 150 دولة جديدة واندلاع
العشرات من الحروب الأهلية في كل قارات
العالم، وأخيرا وليس آخرا سقوط
إمبراطورية الاتحاد السوفياتي، وهي
الأحداث التي نتجت جميعها عن ديناميات
داخلية في هذه المجتمعات وليس عن
مبادرات أميركية. وفي الآونة الأخيرة، أخذ الربيع العربي،
الذي جاء نتيجة عقود من الاستبداد،
الولايات المتحدة على حين غرة. ولكي نكون منصفين، فقد لعبت الولايات
المتحدة دورا هاما في الكثير من
القضايا، وهو الدور الذي جاء، في كثير
من الأحيان، على الجانب الصحيح من
التاريخ، بينما حاولت الولايات
المتحدة، في بعض الحالات، منع وقوع
الأحداث أو تحديد أبعادها، ولكنها
فشلت في ذلك في معظم الأوقات. وفي الفرضية الثانية، فعند الإشارة إلى
الانقسامات الموجودة في صفوف المعارضة
السورية، يحدث هناك خلط بين حقيقتين،
أولاهما هي الثورة الشعبية في سوريا ضد
الأسد، وثانيتهما هي المعارضة
الرسمية، التي يوجد معظمها خارج سوريا. تندمج هاتان الحقيقتان معا في المساعي
الرامية إلى الإطاحة بالأسد، رغم
أنهما ليستا متطابقتين، وفي السياق
الثوري، لا تتحد قوى المعارضة
المختلفة بصورة رسمية على الإطلاق،
حيث تتمثل نقطة الوحدة الوحيدة بينها
في رغبتهم المشتركة في إحداث تغيير. تعتمد الفرضية الثالثة على سراب
دبلوماسي، ألا وهو أن نظام الأسد لا
يزال قادرا على خلق آلية للإصلاح، مما
يجعل عملية التحول السلمي مسألة ممكنة.
ورغم ذلك، فإن أي شخص مطلع على مجريات
الأحداث في سوريا في ظل حكم حزب البعث
يدرك تماما أن مثل آلية الإصلاح هذه لم
تتواجد في سوريا في أي وقت مضى. لن يقبل
الأسد بأي شيء أقل من السيطرة الكاملة
على البلاد، بينما لا تزال الغالبية
العظمى من معارضيه غير مستعدة لمنحه
ولو مكانا ثانويا في سوريا في المستقبل. يحاول الأسد الآن تصدير عنفه وإرهابه إلى
الدول المجاورة، ولا سيما لبنان، على
أمل خلق كارثة إقليمية أوسع نطاقا.
وبالطبع، لا تعد الكارثة حدثا فرديا
مثل الزلزال، حيث إنها من الممكن أن
تحدث في تسلسلات كثيرة وبالحركة
البطيئة. لم يصل الوضع في سوريا بعد إلى درجة
الثورة، ولكن لدينا وضع ثوري في سوريا،
بالتأكيد، له قواعده الخاصة، والذي
سيتمكن من العثور على الزخم أو فقدانه
من خلال المساعدة الخارجية أو من
دونها، وبالطبع ستؤثر وحدة أو تفكك
المعارضة الموجودة في المنفى على هذه
الثورة، ولكن هذا لن يكون عاملا حاسما
في نجاح أو فشل الثورة في نهاية المطاف. تتميز الثورة السورية باتساعها وعمق
القاعدة الشعبية التي تمتلكها على ما
يبدو، فبمرور الأيام، يتنامى إلى علم
المرء الكثير من المدن والقرى الجديدة
التي باتت تدعم الثورة، وهو الدعم الذي
لم تحظ به أي ثورة من الثورات الشعبية
التي اندلعت في بلدان الربيع العربي. وكما كان الوضع في نهاية عام 2010، لا
يتواجد نظام الأسد في المشهد، حيث إنه
فقد القدر القليل من الشرعية التي كان
يتمتع بها، وبينما يتمزق القناع الذي
يرتديه، يعمل النظام السوري الآن
كآلية قتل، بينما تكمن النقطة
الرئيسية في كيفية تدمير آلية القتل
هذه في أسرع وقت ممكن، وكما كان الوضع
دائما، فإن زمام المبادرة لا يزال بيد
السوريين أنفسهم، فإذا ظلوا مصرين على
النجاح، فسوف ينجحون في النهاية. ======================= العاصفة على لبنان :
الاستهداف والاستنزاف رضوان السيد الدستور 24-5-2012 بلغت الاحداث والتطورات ذروة في لبنان ما
بلغتها منذ قيام حكومة ميقاتي واندلاع
الثورة في سورية فتدشن النظام السوري
عبر مندوبه في الامم المتحدة والمتحدث
باسمه في البلاد هجوما على تيار
المستقبل وعلى الدول العربية بالخليج
معتبرا ان شمال لبنان صار بيئة للقاعدة
والارهاب.. وما مضت غير ايام قليلة على
ذلك حتى قام الامن العام اللبناني بخطف
شاب من طرابلس من آل المولوي.. واتهمه
بالانتماء الى تنظيم ارهابي مسلح “اطلق
سراحه بكفالة يوم امس” ثم جرى قتل
شيخين كانا متوجهين لحضور احتفال
بحلبا بعكّار، وهكذا فقد اضطرب الوضع
في عكار والشمال وامتد الاضطراب الى
بيروت والبقاع. لقد كان الواضع منذ البداية ان النظام
السوري، ومنذ الثمانينيات من القرن
الماضي، يستخدم لبنان وأهل السنة فيه
صندوق بريد لارسال رسائل الى العرب،
وابتزازهم بالضغط على المسلمين في
لبنان واضيفت الى هذا الهدف بعد خروج
الجيش السوري عام 2005 معاقبة اهل السنة
لاصرارهم على ازالة الوصاية السورية
عن البلاد، وهناك وظيفة ثالثة الآن بعد
اشتداد الازمة عليه بسبب الثورة: لفت
انتباه العرب والعالم الى ما يستطيع
فعله اذا استمرت الثورة واستمر تأييد
دول الخليج والمسلمين البنانيين لها. لقد كان منطق رجال المسلمين في لبنان في
مواجهة هذه الهجمة انها فخّ لا ينبغي
الوقوع فيه، ولا بد من الاصرار على
الانضباط والالتفاف حول الدولة
والجيش، ومطالبة الحكومة المسؤولة عن
الامن والنظام بحماية المواطنين
واستقلال لبنان وحرياته، وهذا المنطق
سليم وصحيح في كل الظروف، انما من جهة
اخرى، وليس في هذه الظروف وحسب بل في كل
الظروف ايضا، هناك عنوان وحيد ينبغي
التوجه اليه هو الحكومة القائمة
والمسؤولة بمقتضى الدولة والدستور عن
الامن والعدالة، وقد اثبتت هذه
الحكومة بشخص رئيسها واشخاص بعض
وزرائها انها لا تنهض بمسؤولياتها في
اي من الملفات القديمة والمستجدة
وطوال اكثر من عام بل ان بعض الوزراء
دعموا دعاوى الجعفري والسفير السوري
في لبنان، وما وجد رئيس الحكومة ما
يقوله غير ان تصريحات الجعفري تؤجج
الاوضاع! ان قطع الطرقات والاعتصامات ما عادت
مفيدة، كما ان الاشتباكات المفتعلة هي
كمن يطلق النار على نفسه - انما المفيد
وحسب حماية للوطن والمواطنين هو
الدعوة والعمل على اسقاط هذه الحكومة
العاجزة والمخترقة، او يبقى المسلمون
واللبنانيون الاخرون عرضة للاستهداف
والاستنزاف. التاريخ : 24-05-2012 ================= الخميس ٢٤ مايو
٢٠١٢ الحياة مع بدء جولة المفاوضات في بغداد بين الدول
الست وإيران، لم تحجب عاصفة الغبار
عقدة تخصيب طهران اليورانيوم ولا شكوك
الغرب في التضليل، لجرّه مرة أخرى الى
مسلسل لقاءات بلا نهاية. غبار بغداد لم
يحجب كذلك تسابق الطرفين، الإيراني
طلباً لرفع العقوبات التي تكاد أن
تخنقه، والغربي لحشر الأول في زاوية
مطالب المفتشين (تذكّر بتجربتهم مع
نظام صدام حسين). هي مرحلة جديدة إذاً، تتعادل في بدايتها
كفّتا الصفقة الكبرى والحرب الإقليمية
التي استدعت استدراكاً من بريطانيا
لحجز مقعد في السيناريو العسكري، إذا
وقّعت طهران اتفاقاً مع المفتشين، ثم
رفضت لاحقاً فتح أبواب قاعدة عسكرية أو
منشأة «نووية» محصّنة، مثلاً. ومثلما هواجس المنطقة تجدّد السؤال عمّن
يدفع ثمن الصفقة غير العرب، إذا اختارت
إيران مقايضة التخصيب بحماية نظامها
معززاً بنفوذ إقليمي من الخليج
والعراق إلى لبنان، تفرض اهتزازات
الساحة اللبنانية لربطها بمسار الحدث
السوري، ما يتعدى القلق «التقليدي»
إلى البحث عن هوية من يعنيه تخصيب
الفتن. وإذا كان الأكيد في ما توالى من أحداث
خلال الأيام القليلة الماضية، أن «الأشباح»
تسعى الى ضرب الطوائف بعضها ببعض، لعل
الصدام الكبير في سورية ولبنان يمهّد
لشطب قوى وتثبيت قوى أخرى، فالأكيد في
المقابل ان رياح بغداد ليست بعيدة من
شواطئ المتوسط. الإيراني منهمك بمعركة بقاء نظامه لذلك
يسعى الى رفع سيف العقوبات، وبين
أوراقه دائماً نفوذه الذي يقترب من
الهيمنة على الحكومة العراقية، وكلمته
ودالته على «حزب الله» في لبنان،
وأمصال الدعم التي يقدمها للنظام
السوري. في الحالات الثلاث لا يفعل
الكبار شيئاً لخفض تلك الأوراق، رغم
سقوط أكثر من عشرة آلاف قتيل في سورية،
وعودة العراق الى عتبة التقسيم
المذهبي والعرقي، وتنشيط الرياح
المذهبية في لبنان حيث الدولة الغائب
الأكبر. في سورية والعراق ولبنان حلفاء
إيران الذين إذا نطق أحدهم أو توعّد
فكأنه يهدد بالنيابة عن أربع دول،
تقودها «قوة نووية». هي إيران التي
أثبتت حتى الآن، أنها لا تخذل حلفاءها،
ولكن، ماذا لو حانت ساعة الحقيقة؟ الغرب يلوّح بتلازم العصا والجزرة، ولم
يتخلَّ بعد عن ورقة «إغراءات»، لعل
طهران تعفيه من كلفة الحرب التي لن
تدفعها وحدها، مهما حاول الإسرائيلي
التسويق لحتمية الضربة... وبساطتها،
والتقليل من شأن تداعياتها على
المنطقة. وإذا كان خياراً واقعياً قبول
النظام الإيراني مشروع «بنكٍ
لليورانيوم المخصّب» في الخارج، يلبي
حاجة مفاعلاته المدنية، فلا يبدو
يسيراً في المقابل التكهن بكيفية
اقتسام طهران والدول الكبرى كعكة
النفوذ في منطقة ما زالت على براكين
الثورات، تطوّقها أعاصير التغيير،
ورياح الفتن. بكلمة أخرى، لم يكن بريئاً تلميح بعضهم
الى أن إيران مستقرة تسيطر على مدخل
مضيق هرمز، هي حاجة غربية في مواجهة
اضطراب دول الثورات العربية التي
انتقل فيها الإسلاميون من السجون الى
القصور، لإدارة الحكم... ومحاصرة
إسرائيل بالعداء. وإن لم تكن الدولة
العبرية مطمئنة الى تمسك مصر بمعاهدة
السلام في مرحلة صعود «الإخوان
المسلمين»، فالحال أن المشروع
الأميركي لتقديم أضخم مساعدات عسكرية
لإسرائيل، يستجيب التغيرات
الاستراتيجية، خصوصاً احتواء ما بات
يسمى «الخطر المصري»، مهما حرص
نتانياهو وجيشه على المبالغة علناً في
تقويم ما يسميانه «خطر إيران وحزب الله». المبالغة تخدم حكومة نتانياهو في تبرير
المزيد من تطرف اليمين الإسرائيلي
المنهمك بالتهويد... المبالغة ذاتها
تسخّرها إيران في مفاوضاتها الصعبة
على الملف النووي، لانتزاع تفويضٍ ما
أو اعترافٍ دولي بنفوذها الإقليمي. وفي ربع الساعة الأخير، ألن يعني التفويض
تسليماً بإدارة إيرانية لمناطق «الفتنة»
في قلب العالم العربي (سورية ولبنان...)،
هي نسخة منقحة عن التفويض الغربي الذي
مُنِح لدمشق لإدارة الحرب الأهلية
اللبنانية؟ ظروف كثيرة تبدّلت منذ الثمانينات،
خصوصاً أن إيران التي ينقسم حولها
اللبنانيون والسوريون والعراقيون
والفلسطينيون، تكاد أن تكون مشبوهة
بتخصيب الفتن. ... ومن «النووي» الى الرياح المذهبية،
يُدرك العرب أنهم بين أوراق الصفقة، ما
زالوا أصحاب الفرص الضائعة، حتى في
ربيع الثورة. ================= سورية: مرحلة وقت ضائع
استعداداً لمواجهة نوعية الخميس ٢٤ مايو
٢٠١٢ الحياة دخول حلب الانتفاضة كان النبأ السيء الذي
توقعه النظام السوري وسعى الى تأخيره
ما أمكنه ذلك. كان راهن على مهادنتها له
معتقداً أنها موالية له ومباركة للعنف
الدموي الذي يعامل به المواطنين
المناوئين له، والمدينة صبرت على مضض
وانتظرت عودته الى رشده فإذا به يراكم
الأخطاء وإذا بها وهي العاصمة
الاقتصادية تتوقف مصانعها تباعاً
ويبدأ مستثمروها هجرة لا يعرفون متى
تنتهي، وواصلت الصبر لكن الضائقة
السياسية مضافة الى الضائقة المعيشية
وانسداد الآفاق في الأزمة ما لبثت أن
فجّرت غضبها المختزن. حلب تغيّر
المعادلة بالنسبة الى النظام. لن يعود
قادراً على ادّعاء أن أكثر من نصف
الشعب معه. لكن هذا النظام لا يعدم «الأصدقاء»
المنقذين. فجأة انضمّ تنظيم «القاعدة»
الى روسيا وإيران لإبقاء المعادلة
لمصلحته، فالدخول المبرمج ل «القاعدة»
المزعومة عوّض النظام خسارته كبرى مدن
سورية. وإذ تقدّمت حلب لتضخّ روحاً
وزخماً في الانتفاضة، بدا النظام
منتعشاً بالدفعة «المفاجئة» التي
أمنها له التنظيم الإرهابي فقوّى
كلمته في مجلس الأمن وأصبح شاكياً وهو
المشكو منه، بل يصوّر نفسه كضحية وهو
الذي سفك دماء آلاف الضحايا ولا يزال
يقول أن الأزمة في بدايتها. قبل فترة،
تحديداً قبل وصول المراقبين الدوليين،
أبلغت دمشق حلفاءها من اللبنانيين
أنها تمكنت من احتواء الانتفاضة، وما
عليها الآن سوى معاودة «الهجوم»
خارجياً لإنقاذ النظام في الداخل. كان
قد حان في حساباتها خروج ورقة الإرهاب
من جحرها، بدليل حصول عمليات انتحارية
تستهدف حتى مقار الاستخبارات
المرهوبة، ما يتيح لها القول إن النظام
والمجتمع الدولي صارا في خندق واحد.
ومن لم يصدّق فليسترجع تصريحات ليون
بانيتا وبان كي مون وآخرين. جميعهم
يشيرون الى دخول «القاعدة» المشهد،
ولو مع بعض التحفظ، أما كبير المراقبين
روبرت مود فاعتبره، اذا ثبت، معطىً
جديداً يثير مشاكل خطيرة. بالنسبة الى
روسيا، الباحثة عن أي ذرائع لتغطية
انحيازها الكامل للنظام، هذا تطور
مناسب جداً، والحجة هنا أنه ما دام
هناك «ارهاب» فلا مجال للضغط على
السلطة لوقف النار بل تجب مساعدتها
لمواجهته. أين خطة كوفي انان من كل ذلك؟ لا المبعوث
الدولي - العربي ولا مساعدوه مستعدّون
للاعتراف بواقع أن النظام أكمل عملية
احتواء مهمتهم، اذ وضع مراقبيها أمام
الاحتمال المبرهن بأنهم سيكونون
أهدافاً سهلة ل «القاعدة»، أي أنهم
أصبحوا تحت التهديد ولا حماية لهم إلا
من لدنه. انهى النظام أحلام انان بوقف
النار، اذاً، ومعها أحلام اتاحة
التظاهر السلمي في رعاية المراقبين،
وحتى مساعي الإغاثة للمناطق المنكوبة
وللمهجّرين في الداخل ناهيك عن اطلاق
المعتقلين. لم يكن أحد يتصوّر العجائب
التي يمكن «القاعدة» أن تجترحها حيث
فشلت دول كبرى. الأعجب أن الزعيم الحالي لهذا التنظيم
كان أبدى من مخبئه تعاطفاً مع
الانتفاضة، فإذا كان ينفذ التفجيرات «دعماً
للشعب السوري» فلا شك في أنه أخطأ
الهدف، وإذا كان يستهدف مؤسسات للنظام
«لإضعافه» فإنه جعله المستفيد المباشر
من تلك التفجيرات. ورغم كل شيء لا يوجد
مرجع دولي واحد يستطيع تأكيد أن «الطرف
الثالث» المشار اليه هو فعلاً تنظيم «القاعدة»
أو أحد فروعه. فهذا مجرد افتراض لكنه
فتح أمام النظام نافذة يطلّ بها على
العالم ليذكّره بأنه لم يصدّق روايته
الأولى عن «العصابات المسلحة» التي
تتظاهر ضدّه، وها قد أصبحت «تنظيماً
ارهابياً» كان بشّر بظهوره قبل حصول أي
تفجير. لم يعد أحد في المجتمع الدولي يتوقع شيئاً
من مهمة انان أو خطته لكن الجميع
يتمسّك بهما ويبحث عن سيناريو اعلان
فشلهما حال ارتسام أي بديل مجدٍ. ورغم
أن خطر «القاعدة» أُخذ في الاعتبار إلا
أن المعنيين في مختلف العواصم لا يرون
أنه مبرر كافٍ لتغيير منطق وقف العنف
توخياً لظروف معقولة تسمح بطرح عملية
سياسية. غير أن النظام هو الذي بات يطرح
منطقاً آخر قوامه أن الذهاب الى حوار
سياسي هو ما يتيح وقف النار. أي أنه
يصعّد العنف بوجود المراقبين، ويتذرع
بإرهاب «القاعدة»، ليزيّن فكرة تجاوز
وقف النار للقفز الى الحوار تحت وطأة
العنف واستمرار الاعتقالات والحملات
العسكرية على مناطق الانتفاضة. هذه الفكرة المكشوفة لا ترمي فقط الى جلب
الجميع الى «اصلاحات» النظام و «دستوره» و «انتخاباته»، بل تنمّ عن شعور بالارتياح
والاستقواء عبّر عنه رئيس النظام في
حديثه المعلَّب مع قناة «روسيا اليوم»،
اذ أنه أرفق تهديداته المعتادة بإشارة
ضمنية الى أن النظام هو الذي يدير
اللعبة طالما أن المراقبين تحت رحمته،
وبالتالي فإنه مستعد ل «انقاذ» مهمة
انان ما دامت موضع اجماع أصدقائه
وخصومه على السواء. لم يطرح انان علناً خيار القفز الى الحوار
علّه يساهم في وقف العنف، إلا أن طريقة
عمله اللصيقة بالنظام أوحت بذلك. ثم أن
كبير المراقبين أفصح بما لا يقبل اللبس
بأن «حجم العنف لن ينخفض ما لم تُعطَ
فرصة حقيقية للحوار من جانب الأطراف
الداخلية والخارجية كافة». هذا هو موقف
النظام، وقد نطق به الجنرال مود غداة
تعرض عدد من مراقبيه لأول حادث جدي في
خان شيخون وقد أغدق بالشكر للسلطات على
مساعدتها لاستردادهم. لم يعد «الحوار»
هنا تطوراً طبيعياً لانخفاض العنف أو
لتوقفه، بل أصبح شرطاً ابتزازياً
يفرضه النظام لقاء التزامه وقف العنف،
ولن يوقفه. لكن الأهم، بل الأخطر، أنه
يشترط حواراً يعرف مسبقاً أنه لن يحصل،
إلا أنه يعوّل على انان كي يقنع
الأطراف الدولية باستحالة تحقيق هدفها
الرئيس (وقف العنف) طالما أن المعارضة
المعبّرة عن الانتفاضة لم تتوحّد
لتكون محاوراً اساسياً. كما أن النظام
يترك أمام انان خيار رعاية حوار مع
المعارضين المزيّفين الذين يرتضون
الجلوس معه الى طاولة غارقة في الدماء
والجرائم، لكن حواراً كهذا لن يحصل
أيضاً. يحاول النظام قطف ثمار احتوائه ومصادرته (مع
روسيا والصين وإيران، وبمساهمة من «القاعدة»)
مهمة انان، ولعله نجح حتى الآن في
تبديد الآمال التي بنيت عليها لإنصاف
الشعب، بل أحكم السيطرة على مسارها
ومجرياتها ويريد دفعها نهائياً في
اتجاه أن يحاصرها في خطته لتلعب لعبته.
لكنه يعرف جيدأ أنه لم يتمكن من كسر
المعادلة الداخلية التي فرضتها
الانتفاضة لذا يلجأ الى توتير الوضع في
لبنان لعل اللعب في الخارج يفيده. ثم أن
المجتمع الدولي وضعه من خلال «خطة انان»
في اختبار أخير ولن يتردد في سحبها في
أي وقت. هذه مرحلة وقت ضائع يعمل النظام
على استثمارها لمصلحته، وتنتهزها
المعارضة الحقيقية على الأرض لترتيب
قدراتها استعداداً لمواجهة مختلفة
نوعياً. كان النظام بادر منذ بدايات
الأزمة الى وضع سورية على طريق الحرب
الأهلية معتبراً أن الأمر يتعلق أولاً
وأخيراً ب «مؤامرة» خارجية، وبالتالي
بموازين القوى العسكرية التي تمكّنه
من ارتكاب مجازر كبرى، أما أن تحقق له
النصر فهذه قصة اخرى. ================= سركيس نعوم 2012-05-24 النهار تحدّث المسؤول الرفيع جداً في "الادارة"
الاميركية المهمة جداً نفسها في بداية
اللقاء عن سوريا، قال: "نحن نحاول
المساعدة في سوريا، لكننا لن نتدخل
عسكرياً ليس فقط لأن السنة الحالية هي
سنة انتخابات رئاسية عندنا بل لأسباب
اخرى عدة. فهناك روسيا المتمسكة ببشار
الاسد ونظامه، وهي لها مصالحها
وحساباتها، وكان لبوتين رئيس حكومتها
والرئيس السابق للجمهورية فيها وضعه
الانتخابي. كما كان عنده ولا يزال هاجس
استعادة روسيا صفة القوة العظمى
والدولة العظمى. لكن في المدة الاخيرة
أظهرت روسيا تقدماً بسيطاً نحو إمكان
تفاهم وذلك بدعمها مهمة كوفي انان في
سوريا. وهي مهمة عربية دولية أهم ما
فيها ان الحل يشترط أو سيطلب تنحّي
الاسد عن السلطة، طبعاً بعد تنفيذ
سلسلة خطوات. وأنا اعتقد، بصرف النظر
عن الشروط التي وضعها الاسد، ان الروس
ربما يصلون يوماً الى موقف معتدل.
الصينيون يمشون وراء روسيا رغم ان
موقفهم يختلف في السياسة عن موقف روسيا.
إذا غيَّرت روسيا موقفها تغيِّر الصين
موقفها ايضاً". علّقتُ: أنا أرى مثلك
تغيُّراً طفيفاً ايجابياً في الموقف
الروسي، لكنني أراه تغييراً تكتياً لا
استراتيجياً. روسيا لا يهمها بشار
الاسد ونظامه. تهمها مصالحها. إذاً
بشار ونظامه أداة تستعملها للمحافظة
على هذه المصالح. بشار يريد أن يُعتَبر
تحالفه مع روسيا استراتيجياً. وإذا فرط
هذا التحالف، لسبب ما أو لوصول طرفيه
الى تناقض في تقويم الأوضاع وتالياً
المواقف منها، فإنه "سَيُكفّي" من
دون موسكو لكن ليس وحده. إذ ان ايران
الاسلامية معه. في أي حال اعتقد ان
حواراً منتجاً بينكم وبين روسيا حول
أوضاع سوريا ممكن شرط ان يتناول كل
القضايا الخلافية بين موسكو وواشنطن.
ردّ: "مبدئياً أنا معك في ما تقول.
لكن في الموضوع الايراني عرضت اميركا
مرات عدَّة التحاور مع طهران حول قضايا
عدة خلافية وليس حول قضية واحدة كما
يتصوّر الكثيرون. وقد رفض المسؤولون في
ايران عروضنا مرات عدة. حدّثني عن الجيش السوري وعن الانشقاقات
الحاصلة عنه وعن إمكان تصاعد وتيرتها"؟
أجبت: الجيش السوري كبير ونسبة ابناء
"عصبية" الرئيس الاسد فيه كبيرة.
كما ان نسبة ضباط هذه العصبية فيه
كبيرة جداً. يعني ذلك ان الاسلحة
المهمة والمعقّدة كلها في ايدي "الجيش"
الموالي حتى الموت لبشار والنظام. الى
ذلك تركيبة هذا الجيش بكل مقوماته
معقّدة جداً رغم ان الأكثرية العددية
هي للمكوِّن الأكبر من شعب سوريا. وذلك
يجعل الانشقاقات الكبيرة عنه، رغم
العواطف السلبية تجاه النظام صعبة كما
يجعل الانشقاق فردياً او بأعداد قليلة.
ولا يستطيع المنشقون تبعاً لذلك أخذ
اسلحتهم. إذا انشقوا يفرّون ب"الكلاشينات".
ولا اعتقد ان انشقاق فرقة أو لواء
بأسلحتهما أمر محتمل على الاقل الآن،
وربما في المستقبل المنظور. علماً ان
هناك عشرات الآلاف من العسكريين –
الامنيين الذين ربما يسميهم البعض "شبّيحة"
قد دربوا منذ سنوات على ايدي سوريا
وايران وهم في غالبيتهم الساحقة من "عصبية"
الرئيس. لذلك لا خلاص من النظام الا
بتدخل عسكري خارجي كبير ومنظّم. أما
اذا استعضتم عن ذلك بتسليح المعارضين
وتمويلهم وتدريبهم وما الى ذلك فان
سوريا ستدخل حرباً اهلية لا يخشاها
الاسد لأنه قادر على خوضها عسكرياً،
ولأنه في نهاية المطاف أي بعد سنوات
يستطيع الانكفاء الى "جغرافيا"
سورية له ولعصبيته. علماً انه يستطيع
رسم خطوط التماس التي تؤمن مصلحته.
ومصلحته استمرار التواصل الجغرافي
بينه وبين ايران. وفي حال كهذه قد تتغير
مواقف دولية واقليمية، وخصوصاً عندما
تصور اقلية للعالم انها تتعرض لإبادة
من الأكثرية. ردّ: "معك حق في ذلك، لكن على الأقل لنرى
اثر العقوبات، وخصوصاً على الوضع
الاقتصادي وعلى الاوضاع الاخرى. ذلك ان
تردّيها يؤذي النظام ورأسه. لا يمكن
التقليل من اهمية العقوبات. وعلى كل
العرب ان يقوموا بدورهم الآن". علّقت:
على الدول العربية إذا كانت تريد فعلاً
إسقاط نظام الاسد في سوريا، وتشعر
بالانزعاج من موقف روسيا المدافع عنه،
ان تتخذ مواقف سلبية منها ولكن عملية
تدفعها ربما الى إعادة النظر في
تعاطفها مع الاسد حفاظاً على مصالحها.
طبعاً قد لا يخيف ذلك روسيا الغنية
بالنفط والغاز المرشحة أسعارهما الى
التصاعد إذا تفاقم سوء الأوضاع في
الشرق الاوسط. لكنها رغم ذلك ستتأثر إذ
لا يمكن ان تقبل قوة كبرى مثلها مقاطعة
الدول العربية كلها لها أو على الاقل
غالبيتها. ردّ: "معك حق في ذلك. على
العرب ان يفعلوا بدلاً من ان يكتفوا
بالنقّ". سألت: ماذا عن ايران. سمعت في اكثر من محفل
اميركي ان احتمالات توجيه اسرائيل
ضربة عسكرية الى ايران كبيرة. هل هي
احتمال أم إمكان؟ ================= يوسف الكويليت الرياض 24-5-2012 برقية خادم
الحرمين الشريفين للرئيس اللبناني
لخصت الموقف بأن «أطرافاً خارجية لا
تريد الخير للبنان والعرب» ومن يفسر
هذا الكلام بتحليل واقعي يدرك أن لبنان
تخلص من الحرب الأهلية باتفاق الطائف،
لكن ذيولها باقية، وصارت ثلاث قوى
قادرة أن تتلاعب بمصيره بوجود جيوب لها
داخل البنية السياسية والاجتماعية.. فسوريا حاضرة بقوة، وهاجس أن لبنان اقتطع
منها بمؤامرة دولية، أبقى الأمر
متحركاً ومتجدداً في تأزيمه أو
انفراجه لأي سبب كان، وعقدة أنه كان
مطبخ المؤامرات والانقلابات عليها
شكّل عقدة المواجهة، وقطعاً هناك من
يخدمها على مر عصور حكومات لبنان، سواء
كان الحكم في سوريا وحدوياً قومياً، أو
راديكالياً يطرح شعارات المواجهة
والممانعة، وأسباب أزمته الأخيرة أن
سوريا في غالب ظروفها لا تريد ازدهار
لبنان واستقراره لأنه يستفز سلطتها
وشعبها معاً.. إسرائيل جعلته حقل تجارب، لتمرير
جواسيسها، وخلق فوضى وحروب سهلت مهمات
احتلالها للبنان قوى داخلية، كانت
تعتقد أن تحالفها مع قوة إقليمية كبرى،
سوف يساعدها على الهيمنة السياسية
والعسكرية عليه، وقد أفرزت حربه
الأهلية صوراً وأشكالاً لتحالفات لا
تزال موجودة قابلة للعودة لذات
السياسات مرة أخرى، حتى لو كان سبب
الاحتلال إنهاء قوة الفلسطينيين. إيران، كقوة ثالثة، لم تكن بالقوة، أو
الزخم الذي يجعلها تتحكم بلبنان، فقد
كانت أمل الذراع مع الفلسطينيين الذي
يقف ضد إسرائيل، ولأن لبنان يتحرك
ساسته وفق مصالحهم فقد انقلبت أمل على
الفلسطينيين، وكانت أحد أسباب تحجيمهم
وطرد قياداتهم لتونس، ليرى النور حزب
الله والذي تواجه مع أمل ليصل، بدعم من
إيران أن يكون القوة المنفردة في ساحته
الداخلية كلها، ويصبح لإيران هذا
القوس الشيعي في هذا البلد وقت ما تشاء.. حالة الصدام الأخير بين العلويين
المدعومين من سوريا وحزب الله، مع
الطائفة السنّية، هي اختبار لمدى وزن
السنّة، والذين تشعر سوريا أنهم رأس
الحربة في دعم المناوئين لسلطة
الدولة، غير أن الواقع لا يفهم منه
سذاجة هذا الفعل، بل جاء مخططاً لإشعار
الدولة اللبنانية، أنها إذا لم تتدخل
وتردع من يساندون ثوار سوريا، فالبديل
حرب أهلية لكل الطوائف، ومع أن السلاح
موجود بين جميع العناصر التي خاضت
الحرب الأهلية، إلا أن حزب الله القوة
الأكبر والأهم، والقادر على حسم
الأمور لصالحه، ولسوريا معاً.. هذه القوى المتلاعبة بلبنان قد تختلف
استراتيجياتها وفقاً لرؤية كل بلد
وتقويمه الوضع الداخلي، وإسرائيل رغم
أنها طرف مكروه، فهي عند اللبنانيين
مطلوبة أن تنهي قلقهم من حزب الله
وقوته في حال أي صدام معها، ومن جانب
إسرائيل تتمنى حرباً أهلية تستنزف
إيران وحزب الله معاً، وتبقى الأطراف
المسيحية والإسلامية والسنّية
والدروز في وضع يجبرهم إما التحالف، أو
التشرذم، وسوريا تعرف أن ميزان قوتها
أكبر، ولذلك فخلق فوضى جديدة بجارتها
الصغيرة يضع الغرب في خوف من تكرار
الحرب الأهلية وخاصة فرنسا، لكن ربما
ينقلب السحر على الساحر، فتكون بيروت
قاعدة تمويل وتموين للمعارضة السورية
بتعهد عربي ودولي، وهنا قد تضيع كل
الحسابات، لكن لبنان يبقى بؤرة تصادم
دولي في أي لحظة أو ساعة.. ================= هكذا أُخرجت سوريا من
إطارها العربي وأُلحقت بإيران! صالح القلاب الشرق الاوسط 24-5-2012 يستغرب البعض كيف أن سوريا في عهد حكم من
المفترض أنه حكم حزب البعث العربي
الاشتراكي، الذي شعاره «أمة عربية
واحدة ذات رسالة خالدة» وأهدافه «وحدة..
حرية.. اشتراكية»، قد أُخرجت من إطارها
العربي وتحولت إلى رأس جسر لإيران التي
كنا نعتقد أن ثورة الإمام الخميني، في
فبراير (شباط) عام 1979، ستحولها إلى عمق
للعرب يصل إلى خراسان وأبعد، لكن ثبت -
للأسف - أن اعتقادنا لم يكن دقيقا ولا
صادقا، وأن النزعة الفارسية التوسعية
في اتجاه منطقتنا وليس في أي اتجاه آخر
لدى هؤلاء «المعممين» أشد عدوانية مما
كانت عليه زمن الشاه السابق محمد رضا
بهلوي، الذي مثله مثل والده قد ضاقت به
الدنيا بما رحبت وانتهى نهاية مأساوية
ولم يجد أرضا يُدفن فيها إلا أرض
الكنانة العربية. ربما أن الذين ما زالوا يرفعون شعار «الرسالة
الخالدة» الذي كانوا حكموا على صاحبه،
مؤسس «البعث» في أربعينات القرن
الماضي، بالإعدام بتهمة الخيانة
العظمى، لم يسمعوا أن علي لاريجاني كان
قد وصف الدعوة إلى الارتقاء بصيغة مجلس
التعاون لدول الخليج العربية إلى
اتحاد فيدرالي أو كونفيدرالي بأنها
دعوة «بدوية»!! وربما لا يعرف هؤلاء أن
«الشعوبية» في جمهورية إيران
الإسلامية قد عادت إلى أشد مما كانت في
بدايات الدولة العباسية عندما كان «الجاحظ»
- ويا ليت عندنا الآن ألف جاحظ - هو صوت
هذه الأمة ضد هجمات تلك الشعوبية. عشية الانقلاب على رفاقه في حزب البعث في
نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1970، تعهد
الجنرال حافظ الأسد، الذي بقي يرفع
شعارات قومية بينما هو يمارس أبشع
السياسات الطائفية، بالترويج إلى كونه
ضد توجهات هؤلاء الرفاق اليسارية
والعلمانية، وأنه سيخرج سوريا من
عزلتها ويعيدها إلى الإطار العربي.
وكانت البداية، بعد أن نفذ انقلابه على
هؤلاء الرفاق وأرسلهم إلى زنازين سجن
المزة إلى أن أكلت أعمارهم الواحد بعد
الآخر، أن اتجه إلى الرئيس المصري
الأسبق محمد أنور السادات وإلى معمر
القذافي وجعفر النميري، وأقام معهم
اتحادا رباعيا وضع على رأسه رئيس نقابة
المعلمين أحمد الخطيب، رحمه الله،
الذي كان قد استخدمه ك«مُحلل» لضمان
انتقال رئاسة الدولة له بعد فترة زمنية
انتقالية كان خلالها - وإلى أن رتب
الأوضاع لرئاسة طويلة استمرت لنحو
أربعين عاما - رئيسا للوزراء. لم يدم هذا الاتحاد، الذي كان مفتعلا وكان
حافظ الأسد يريده قاطرة لنفوذه في
المنطقة، طويلا، وكانت النهاية عندما
اختار السادات بعد حرب أكتوبر (تشرين
الأول) عام 1973 طريق الصلح مع إسرائيل،
والذي انتهى به إلى اتفاقيات كامب
ديفيد المعروفة، فكان أن ذهب هذا
الرئيس السوري السابق إلى بغداد هرولة
ليحمي نظامه من الاستفراد، وليتفق مع
أحمد حسن البكر وصدام حسين على ما سمي «الميثاق
القوي» الذي تضمن تأكيدات على وحدة «القطرين»
ووحدة جناحي حزب البعث، والذي لم يصمد
إلا لفترة قصيرة جدا، حيث بدأت بعد ذلك
حرب باردة وساخنة تواصلت فعليا وعمليا
إلى حين غزو العراق في عام 2003 وإسقاط
نظام البعث العراقي الذي هو نظام صدام
حسين. وحقيقة، فإن حافظ الأسد منذ وصوله إلى
الحكم وحتى وفاته بقي يتبع سياسة
عنوانها إبعاد مصر عن العراق، وإضعاف
مصر وإضعاف العراق بقدر الإمكان،
وعنوانها أيضا السيطرة على القرار
الوطني الفلسطيني، والسيطرة أيضا على
لبنان وعلى الأردن، ليكون هو الرقم
الرئيسي في هذه المنطقة، وليتفاوض مع
الإسرائيليين ومع الأميركيين نيابة عن
هؤلاء جميعا. لكن هذه السياسة إن هي
نجحت في لبنان فإنها واجهت فشلا ذريعا،
حيث كان الملك حسين عصيا على مثل هذه
التطلعات الاستحواذية، وحيث اضطر ياسر
عرفات إلى الابتعاد عن دائرة النفوذ
السورية باختيار تونس مقرا له
ولقيادته بعد إخراجه وإخراج قواته من
بيروت، ولاحقا من لبنان كلها، في أعقاب
الغزو الإسرائيلي للأراضي اللبنانية
في يونيو (حزيران) عام 1982. لقد بقي الرئيس حافظ الأسد يتأرجح بين
معادلات هذه المنطقة، وبقي يغير
اتجاهاته من تجربة الاتحاد الرباعي
الآنفة الذكر الفاشلة إلى الميثاق
القومي مع العراق الأكثر فشلا إلى
التحالف مع السادات والذهاب معه إلى
حرب أكتوبر ثم الاختلاف معه بسبب «كامب
ديفيد» التي كانت معاهدة صلح منفردة مع
إسرائيل ولم تشمل هضبة الجولان
المحتلة التي لا تزال محتلة، وكل هذا
إلى أن انتصرت ثورة الخميني في فبراير
عام 1979، فكانت بداية التحول
الاستراتيجي الذي انتزع سوريا من
إطارها العربي وجعلها مجرد رقم، وإن
كان في البدايات أساسيا في المعادلة
الإيرانية الشرق أوسطية الجديدة التي
لا تزال مستمرة حتى الآن. بعد التحاق حافظ الأسد بإيران الخمينية
كان عليه أن يتخلص من النظام العراقي
الذي مع بدايات ثمانينات القرن الماضي
أصبح في ذروة تألقه وقوته، وكان عليه
أن يواصل الهيمنة العسكرية والأمنية
والسياسية وكل شيء على لبنان، وأن يبدأ
بتخطيط السفير الإيراني في دمشق وممثل
الولي الفقيه في هذه المنطقة محمد حسن
اختري إقامة دولة حزب الله هذه القائمة
الآن داخل الدولة اللبنانية، وأن يحول
حركة حماس الناشئة إلى ضرس ملتهب في فك
ياسر عرفات ومنظمة التحرير
الفلسطينية، وأن يؤمن جبهته الشمالية
بالاستجابة للضغط التركي وطرد عبد
الله أوجلان من دمشق وإبعاد مقاتلي حزب
العمال الكردستاني التركي من منطقة
البقاع اللبناني ومن الأراضي السورية. وهكذا فقد دخل حافظ الأسد، الذي يعتبر
لاعبا سياسيا بارعا لا يقارن به ولده
بشار الأسد في هذا المجال على الإطلاق،
في المنظومة الإيرانية بصورة مطلقة،
ولهذا فقد دخل الحرب إلى جانب إيران ضد
العراق وكأنها حربه هو نفسه، لكنه،
ولدهائه السياسي الذي غاب عن سوريا
نهائيا بمجرد غيابه، بقي يحتفظ
بعلاقات متينة مع الدول الخليجية كلها
على أساس أن انحيازه لجمهورية إيران
الإسلامية «يُعقلن» مواقفها تجاه هذه
الدول، وعلى أساس أنه لا بد من استيعاب
هذه الدولة «الشقيقة» الصاعدة وعلى
الأقل تجميد قضايا الخلاف معها والتي
في مقدمتها وأهمها قضية الجزر
الإماراتية الثلاث التي كان
الإيرانيون قد احتلوها في عام 1971. لكن هذا الدهاء السياسي ما لبث أن غادر
سوريا بمجرد رحيل حافظ الأسد ومجيء
نجله بشار إلى موقع المسؤولية، حيث
ذابت سوريا الدولة ذات المصالح الخاصة
وذات السيادة نهائيا في دولة الولي
الفقيه، وأصبح القرار السوري، حتى
القرار المتعلق بالعلاقات العربية
والعلاقات الدولية الحساسة، في طهران
أكثر منه دمشق، وبالطبع فإن هذه
التبعية المرعبة حقا قد أُعطيت بعدا
طائفيا بات واضحا ولا يستطيع أي كان
إنكاره، كما أعطيت إطارا سياسيا هو «فسطاط
الممانعة والمقاومة» الذي يضم أيضا
حزب الله اللبناني وحركة حماس
الفلسطينية، جناح خالد مشعل سابقا
وجناح إسماعيل هنية في الفترة الحالية. لقد أصبحت سوريا مجرد رقم ثانوي وصغير في
المعادلة الإيرانية الشرق أوسطية
والدولية أيضا، ولقد خرجت في عهد بشار
الأسد والمجموعة الحاكمة الحالية من
إطارها العربي بصورة كلية ونهائية،
فهي خسرت علاقاتها - التي بقي حافظ
الأسد يحرص على الحفاظ عليها رغم
العلاقات الناشئة الوطيدة التي أقامها
مع إيران الخمينية - مع المملكة
العربية السعودية ومع بقية دول
الخليج، وهي لم يعد معها من العرب إلا
نوري المالكي وحسن نصر الله
والمجموعات الحديثة وبعض البؤر
الطائفية والمذهبية في المنطقة
العربية. ================== الأزمة السورية تراوح
مكانها في انتظار القرار الأميركي فوزي زيدان * الخميس ٢٤ مايو
٢٠١٢ الحياة يعيش السوريون في خوف على حياتهم
ومستقبلهم ومصير بلدهم، نتيجة تعثّر
مبادرة الموفد الدولي – العربي كوفي
أنان في إيجاد حل للأزمة التي تعصف
ببلادهم منذ حوالى أربعة عشر شهراً.
وتتلخص النقاط الست لمبادرة أنان ب «الالتزام
بعملية سياسية، ووقف العنف وسحب
الدبابات والأسلحة الثقيلة من المناطق
السكنية، وتأمين نقل المساعدات
الإنسانية، وإطلاق سراح المعتقلين،
وضمان الحريات، والسماح لكل وسائل
الإعلام العربية والعالمية بدخول
سورية وحق التظاهر السلمي». ومعلوم أن
كل ما تحقق من هذه المبادرة حتى الآن هو
وصول بعض المراقبين الدوليين إلى
سورية وانتشارهم بصورة غير كافية في
بعض المناطق الأكثر اشتعالاً، ما أدى
إلى انحسار حدة العنف فيها وتراجع عدد
القتلى المدنيين الأبرياء. وتشير
الأحداث الجارية في سورية الى أن
النظام لم يحترم التزاماته تجاه
المجتمع الدولي بوقف العنف وحماية
المراقبين الدوليين والتعاون معهم
وتسهيل مهمتهم في إعادة الاستقرار إلى
سورية، وارتكب بوجودهم منذ أيام،
مجزرة ضد مشيعيي أحد ضحاياه في مدينة
خان شيخون، وقصف موكبهم بقذيفة من أحد
حواجزه. وبقيت الدبابات والآليات
العسكرية الثقيلة متمركزة في الساحات
العامة والشوارع الرئيسة تطلق نيرانها
بطريقة عشوائية على البيوت والمحلات
التجارية. واستغلت الأجهزة الأمنية السورية فترة
الهدوء النسبي للقيام بحملة اعتقالات
تعسفية واسعة بين صفوف الناشطين ضد
النظام سعياً إلى وقف أي تحرك في
الشارع وبالتالي إخماد الثورة. ويلقى
المعتقلون شتى أنواع التعذيب في
معتقلات تبقى عناوين معظمها مجهولة،
حتى أن بعضهم لقي حتفه من شدة التعذيب،
كما وُجدت جثث البعض الآخر مدفونة في
مقابر جماعية أو مرمية في البساتين.
وتؤدي الاشتباكات المتواصلة، وإن
بصورة متقطعة، بين الجنود المنشقين عن
النظام والمسلحين المدنيين المعارضين
له من جهة، والقوات العسكرية والأمنية
النظامية من جهة أخرى، إلى عدم
الاستقرار وإلى خوف المواطنين وهلعهم. ومعلوم أن أعمال العنف أدت إلى تدمير آلاف
الوحدات السكنية والمتاجر وتهجير مئات
آلاف السوريين من مناطقهم إلى أماكن
أكثر أمناً داخل سورية، أو خارجها في
تركيا ولبنان والأردن. ويعاني
المهجرون آلام فراق المكان والأحبة
والتشتت والفقر والذل، على رغم ما
يلقونه، في معظم الأحيان، من حسن
استقبال وضيافة من سكان المناطق التي
قصدوها، وما يتلقونه من رعاية
اجتماعية وعناية طبية ومساعدات غذائية
من بعض الجمعيات الأهلية وحكومات
الدول التي نزحوا إليها ومؤسّسات
مجتمعاتها المدنية، لكن تبقى هذه
التقديمات، على رغم كبر حجمها، ضئيلة
مقارنة بالمتطلبات الحياتية الكثيرة
التي يحتاجونها. وتشير التفجيرات التي شهدتها العاصمة
السورية إلى دخول المواجهة بين النظام
السوري والمعارضة مرحلة متطورة من
العنف ولجوء كل منهما إلى محاولة الحسم
لمصلحته، إذ أن النظام لم يتمكن، على
رغم استخدامه الأسلحة الثقيلة والعنف
المفرط، من السيطرة الأمنية والعسكرية
على كل البلاد، ولا المعارضة تراجعت من
أرض المعركة، بل تبدو مصرة على
الاستمرار في المواجهة في ضوء تدفق
الأسلحة المتطورة إليها، في محاولة
لإيجاد نوع من التوازن العسكري مع
النظام يمكّنها من التغلب عليه
وإسقاطه. وتؤشر هذه التفجيرات إلى
انتقال الصراع في سورية إلى مرحلة أكثر
دموية، وإلى بقاء الوضع على مراوحته،
خصوصاً أن الولايات المتحدة تحاذر
الإقدام على أي عمل يؤدي إلى انتصار
الثورة قبل تحييد مواقف روسيا والصين
المؤيدة للرئيس السوري بشار الأسد،
والتيقن من وحدة المعارضة السورية
ومعرفة برنامجها السياسي ونظرتها إلى
المستقبل والبديل من الأسد وضماناتها
لحماية الأقليات والسلم الأهلي. تعيش سورية في مأزق نتيجة انقسام المجتمع
الدولي حول طريقة إدارة المواجهة مع
النظام الحالي وضبابية ما سيجري في
سورية بعد سقوط النظام. ويشعر السوريون
بقلق كبير من فشل خطة أنان وفريق
المراقبين العاملين بإمرته، إذ أن
استمرار العمليات العسكرية
والتفجيرات سيمنع الانتقال إلى تطبيق
البنود الخمسة المتبقية من خطة أنان،
خصوصاً البند المتعلق بإدارة العملية
السياسية من أجل التوصل إلى اتفاق على
انتقال السلطة انتقالاً سلمياً،
وتكوين سلطة جديدة تتمثل فيها كل القوى
السياسية والحزبية الأساسية في سورية،
تكون مهمتها إعادة صوغ دستور جديد يحقق
تطلعات الشعب السوري في الحرية
والديموقراطية واحترام حقوق الإنسان
وكرامته والتداول السلمي للسلطة،
وإجراء انتخابات رئاسية ونيابية نزيهة
وتشكيل حكومة جديدة. ويتخوف السوريون
من أن يؤدي فشل خطة أنان وتكاثر موجة
التفجيرات المتنقلة وإضفائها أجواء
الرعب والذعر في المدن، خصوصاً دمشق
وحلب إلى إطالة الأزمة و «عرقنة» الوضع
السوري، ونشوب حرب أهلية لا تبقى داخل
حدود سورية، بل تمتد إلى دول الجوار
يؤدي استمرارها إلى تفكيك دول المنطقة
وتقسيمها دويلات. ويرى كثيرون ان
التفجير الأمني الأخير في مدينة
طرابلس في شمال لبنان كان من عمل
النظام السوري من أجل تخفيف ما يواجهه
في الداخل من صعوبات اقتصادية وعسكرية
وشلل في مؤسّساته السياسية والعسكرية،
وإبعاد الاهتمام الدولي عن الأزمة
السورية وحرف الانتباه عما يجري في
سورية. وإن كان من الصعوبة معرفة الجهة
أو الجهات التي تقف وراء هذه
التفجيرات، إلا أن كل الفئات
المتصارعة على الساحة السورية تحاول
الإفادة منها في تحقيق أهدافها. ويتخوف
السوريون أيضاً مما قد يقدم عليه
النظام من عمليات تصفية جسدية لعشرات
آلاف الناشطين في ما لو قدر له القضاء
على الثورة، ومن الفوضى والفتنة
والفلتان الأمني وتحوّل فرق الثوار
إلى ميليشيات طائفية وعرقية تتنافس
على النفوذ والمصالح، في حال نجحت
الثورة في إسقاط النظام وبقيت
المعارضة مشتتة ومن دون قيادة جامعة
وحازمة. ------------------------ المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |