ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأربعاء 06/06/2012


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

الأزمة السورية: نفاق روسيا وعجز أميركا

الشرق الاوسط

غسان الامام

5-6-2012

أين وصلت الأزمة السورية؟ هي أسيرة نفاق الدبلوماسية الدولية. أميركا وأوروبا تحملان روسيا المسؤولية. فلاديمير بوتين يرد بأن الرفيق كوفي «أنانوف» ما زال صالحا لحل الأزمة. ينفي بوتين تسليح الرفيق بشاروفسكي، فيما دبابات الاقتحام الروسية حلت بحجمها المغلق الصغير، محل الدبابات الثقيلة والضخمة. أما مدافع الهاون (فخر الصناعة الروسية) فهي منهمكة في دك المدن والقرى المتمردة.

الرياء الدبلوماسي يغطي تدخل السلاح الروسي الجديد الذي تموله إيران «المفلسة». يقابله عجز أميركا وأوروبا عن التدخل. فهو مؤجل، ريثما يرتكب نظام بشار مجازر دموية، على شاكلة مجزرة الحولة. عندها قد يغدو التدخل جائزا من خلال الشرعية الدولية (مجلس الأمن) أو من خارجها.

كيف يمكن لجم بشار، إذا كان الرفيق أنان يكتفي بمتابعة المشهد بالنظارات من جنيف، لا من دمشق التي يزورها مجاملة؟! مع الغياب الأميركي، يتبنى أنان النفاق الروسي: وقف إطلاق النار. وجلوس المعارضة مع الجزار إلى مائدة واحدة. المهزلة يكشفها جان ماري جيهينو نائب أنان الذي أبلغ مأوى العجزة (مجلس الأمن) أن الحوار «مستحيل» في اللحظة الراهنة.

سوريا، إذن، ستبقى أسيرة دوامة النفاق الدبلوماسي، فيما نظام بشار يقصف، مسلحا بحماية «راسبوتين». ثم يدفع شبيحة الطائفة لاقتحام بيوت المدنيين المقصوفين وذبحهم. ثم... ثم يأخذ بنصيحة شيخ السنة البوطي، فيأمر المساجد بالصلاة لراحة «الشهداء»! هناك «شهداء» آخرون. هم أولئك العسكريون الذين يتم إعدامهم وقتلهم ميدانيا، عندما يرفضون إطلاق النار على المظاهرات السلمية.

لماذا تقف روسيا هذا الموقف السلبي من قضية إنسانية؟ لأن روسيا الخارجة من إهاب نظام آيديولوجي شمولي، بقيادة ضابط مخابرات خاض الحرب الباردة، كجاسوس في ألمانيا، لا تملك تقاليد عريقة في الحرية. وبعد أكثر من عشرين سنة ديمقراطية مهزوزة، ليست هناك منظمات وحركات روسية جادة تتبنى قضايا حقوق الإنسان، كما في أوروبا الغربية.

على أية حال، الصدام بين روسيا وأميركا وأوروبا، حول سوريا، ليس آيديولوجيا. لم يصل بعد إلى ذروة مواجهات الحرب الباردة، حول كوبا. فيتنام. برلين. أفغانستان. وبالتالي، فإمكانية التوصل إلى تسوية بين أوباما وبوتين واردة.

ما هو التصور الأميركي لهذه التسوية؟ إدارة أوباما في إلحاحها على تنحية بشار شخصيا، تعتقد أن ضمان المصالح الروسية في سوريا (قاعدة طرطوس البحرية. الاستثمارات النفطية. الانفراد بتصدير السلاح. أمن وسلامة المسيحيين الأرثوذكس) كاف لتخلي الرئيس الروسي عن بشار، وليس عن نظامه. وهكذا، فالدبلوماسية الأميركية تعتقد أن الرفض الشعبي السوري والرسمي الخليجي لبشار الذي بات عبئا ثقلا على كاهل روسيا، بسبب مجازره، كل ذلك يشكل أساسا منطقيا لتنحية سلالته. فمستقبل سوريا مرهون بعدم بقاء هذه السلالة. كما يقول القاضي والمحامي هيثم المالح، أبرز المعارضين السوريين الذي قضى سنين طويلة في سجون الأسد الأب والابن.

أما آلية إزاحة عشيرة الأسد العائلية الثلاثية (آل شاليش. الأسد. مخلوف) المتحكمة بأجهزة الأمن. الإدارة الحكومية. الحزب. الاقتصاد. الفساد، فالتصور الأميركي/ الخليجي يستحضر آلية تنحية الرئيس اليمني السابق. بوتين قد يكون قادرا على إقناع قادة الجيش السوري العلويين بالتخلي عن السلالة الحاكمة، في مقابل احتفاظهم بالسيطرة على القوة الضاربة للجيش «لحماية» الطائفة العلوية من محاولات الانتقام منها.

لكن لماذا هذا العجز الأميركي عن التدخل العسكري؟ أميركا قادرة عسكريا، وخاصة بعد انسحابها من العراق وأفغانستان. لكن المعنويات النفسية لدى الشعب الأميركي. وإدارة أوباما ضعيفة، بعد الفشل المرير في الحروب.

الرئيس أوباما، كمثقف رافض للحرب، يلعب دورا كبيرا في هذا العجز. وهو كسياسي مسؤول لا يريد حربا، في وقت يخوض حربا انتخابية لتحديد ولايته، فيما نصف الأميركيين يعتقد أنه رئيس «ناعم. متردد»، وأخفق في معالجة الأزمة الاقتصادية الخانقة.

أما ميت رومني المرشح الرئاسي المحتمل للجمهوريين (تضعه استفتاءات الرأي على قدم المساواة مع أوباما) وغلاة المحافظين من أمثال جون ماكين، فهم يوبخون أوباما على تخاذله. لكنهم سيقفون موقفه الحذر إذا ما تولوا الحكم. هيلاري أكثر ميلا للتدخل، مستذكرة قرار زوجها الرئيس كلينتون بالتدخل العسكري الناجح ضد صربيا (1995) بعد مجزرة سريبرينيتسا التي أودت بحياة ثمانية آلاف مسلم.

جنرالات البنتاغون يقولون إنهم استكملوا وضع خطط للتدخل العسكري الطارئ، بما في ذلك في سوريا. لكن وزير الدفاع ليون بانيتا أشد حذرا. وكرئيس سابق للمخابرات المركزية، يدرك مدى تعقيد الأزمة السورية عربيا. إقليميا. دوليا. دينيا. مذهبيا. عنصريا.

هل تعترض روسيا على تدخل أميركا وأوروبا عسكريا في سوريا؟ روسيا يلتسين لم تتدخل لإنقاذ أبناء العمومة سلاف صربيا، عندما تدخلت أميركا كلينتون في البلقان في التسعينات. لكن بوتين أكثر حزما. فهو يقود روسيا الأقوى اليوم سياسيا وعسكريا. والأكثر تصميما على الاحتفاظ بدور نافذ في العالم. وخاصة في الشرق الأوسط المجاور لها.

حرب إسقاط القذافي دللت على أن أميركا طورت تقنية جوية ضاربة تعفيها من الحاجة إلى إنزال قوات برية في سوريا. تركيا وربما مع قوات عربية قادرة على إقامة مناطق «محررة»، بحماية جوية أميركية/ أوروبية، تنطلق منها قوات المعارضة المسلحة لاستنزاف جيش فقد مشروعيته الوطنية، ولاجتذاب عشرات ألوف المجندين السنة في صفوفه.

سوريا غير ليبيا. سوريا تملك منظومة دفاعية جوية قوية تعوض عن ضعف سلاح الطيران. هذه المنظومة التي شاركت مع مصر في تحييد سلاح الجو الإسرائيلي في حرب أكتوبر 1973، هي أقوى اليوم. لكن تقدير الخبراء العسكريين يشير إلى أنها لن تصمد سوى أيام قليلة أمام الضربات الجوية. سوريا تملك أيضا مخزونا ضخما من الأسلحة الكيماوية. إذا غامر النظام باستعمالها ضد دول مجاورة، أو نقل جانبا منها إلى «حزب الله». عند ذلك يغدو التدخل الغربي محتما.

لا أظن أني بحاجة إلى التعليق على انفجار الوضع في طرابلس بشمال لبنان. فقد توقعت ذلك في حديث الثلاثاء الماضي. تصريحات الأمير سعود الفيصل توحي بأن السعودية غير مقتنعة بنظرية «النأي» التي حملها معه الرئيس اللبناني في جولته الخليجية. اتهام الفيصل لنظام بشار بالضغط على لبنان، هو إشارة سعودية شديدة التهذيب، إلى أن الحكومة اللبنانية (المنحازة) باتت تستخدم الجيش ضد سنة طرابلس وعكار، بحجة منع تسلل المقاتلين والسلاح عبر الحدود.

سبق أن قلت مرارا إن تحليل الساسة اللبنانيين للأحداث يرتكز إلى العاطفة، وليس إلى المنطق والواقع. التحليل الرسمي اللبناني يراهن ضمنا على «انتصار» نظام بشار. وإيران. وشيعة «حزب الله» في الأزمة الراهنة. من هنا، كان خطأ توريط الجيش اللبناني في مواجهة مع السنة اللبنانية المتعاطفة مع الثورة السورية، فيما تسكت حكومة نجيب ميقاتي عن تسلل السلاح الإيراني/ السوري المتدفق عبر الحدود، على حزب الشيعة.

=====================

نواقص في الثورة السورية

وفيق السامرائي

الشرق الاوسط

5-6-2012

خلال أسابيع قليلة ارتفع عدد ضحايا الثورة السورية من عشرة آلاف إلى خمسة عشر ألف قتيل. ومقارنة بأيام القتال (العادية) للحرب العراقية – الإيرانية، فإن العدد اليومي للقتلى السوريين يفوق كثيرا معدل قتلى العراقيين على جبهة ألف كيلومتر. ومن يقاتل بإرادته إنما يدرك المخاطر التي يمكن أن تتعرض لها حياته، فالحرب هي الحرب. وهذا ينطبق على معارك بابا عمرو وغيرها. أما مذبحة الحولة، فإنها جريمة تاريخية تفوق كل ما قيل عن حالات أخرى، لا سيما أنها موثقة بلا رتوش، وقد تحولت أرواح الأطفال الذين قضوا إلى صقور للثورة، صغر أمامهم بعض المعارضين الحالمين بكراسي الحكم، وصغر أمامهم جنرالات، يفترض أن يكون بينهم من يسمع النداء كما سمع المعتصم.

وبينما كانت الأجهزة السورية قادرة على رصد ذبابة تطير في كل المدن والأرياف، كما كان الوصف سائدا، ورغم أن السلاح غير متاح للناس، ومع الاستعدادات المسبقة لمجابهة الربيع العربي ومراقبة الحدود، حيث أتيحت للنظام فترة إنذار واستعداد، انتشرت الثورة بطريقة تدل على فعل يقع خارج المتوقعات، ففي بداية الأحداث تحدثت الدولة السورية عن تهريب بنادق صيد عبر الحدود التركية، وعن كميات بسيطة من البنادق الخفيفة مهربة عبر الحدود مع العراق، وبعد أسابيع قليلة امتدت الاشتباكات المسلحة إلى قلب دمشق، وإلى مقربة من أكثر المواقع الرئاسية والأمنية أهمية، فما هذا الدرس المثير؟ إن أسلحة المعارضة لم تنزل بمظلات من السماء، ولا بغواصات سحرية، ولا بسفن أسطول المسقوف (الروس) سبب ولادة العنف باحتلال أفغانستان، الذين نجوا حتى الآن من مقاطعة اقتصادية ودبلوماسية عربية يستحقونها.

استمرار المظاهرات، وإرادة التحدي، وانتشار السلاح، وتشكيل كتائب الثورة، والتعاطف العالمي، كانت ولا تزال عوامل مثيرة للانتباه. كان على القيادة السورية التوقف عندها، ودراستها عن كثب، تمهيدا للقبول بالمبادرات العربية والأممية. وكانت الفرصة مواتية لتطبيق النموذج اليمني على الوضع السوري. لأنه لا أحد من العرب يحمل ضغينة إلى الرئيس بشار ونظامه لولا ما يجري، رغم خلافات استراتيجية بقيت وراء الستار، بحكم علاقات إيجابية مع دول الخليج ومواقف سياسية متميزة.

وحتى الآن، فإن المواقف العامة تبدو محيرة، فمن يطلع على مقابلات نبيل العربي يتلمس جوانب مضطربة متضادة من أمين عام الجامعة العربية، كأن ما يجري في سوريا لعبة من لعب العجز الدبلوماسي، وليس مذابح فاقت فظائعها كل ما جرى في ثورات الربيع العربي، فالخلط واضح في تداخل العبارات بين الرغبة والاستعداد والقدرة، وغابت عنه قراءة احتمالات المستقبل، مثلما غابت عبارات الاحتجاج القوي، وهكذا حرم الشعب السوري من موقف جاد أو وساطة مصحوبة بتلويح، وما يصل إليه يبقى خفيا ولا يمكن تقييمه.

الغربيون أخذوا يلوحون بخيارات خارج مجلس الأمن، لكنهم منشغلون بمعضلات حقيقية، خصوصا الأزمات المالية، ومحددون بما يمكن التوصل إليه في مجلس الأمن من قرارات عجز، واختلاف المعارضين السوريين أصبح ذريعة للمتقاعسين ولذوي الغرض المبطن، ومع الإشارة إلى أن عددا منهم يقوم بأدوار إعلامية مميزة، فإن معظمهم في واد والشعب السوري في ساحة أخرى، والكتائب المسلحة تبدو عليها علامات عدم ربط النهايات وإحكام التنسيق الميداني!

إن المعارضين والثوار ينقصهم الإعلام النفسي الموجه، فالناس في حاجة ملحة لمعرفة ما يدور في ميادين الصراع، مما يقتضي ربط القيادات المركزية بمنظومة قيادة وسيطرة يفترض أنها قدمت من قبل طرف آخر، وعقد مؤتمرات صحافية عسكرية يومية تبين سير العمليات العدوانية التي يشنها النظام ضد الشعب وقواه المعارضة، فتعريف العالم بما يحدث يتطلب مواقف تفصيلية تتخطى البيانات الورقية والإعلامية، وعندما يتكلم المختصون يصغي الآخرون بانتباه أكثر، ومن المفيد وجود فضائية مختصة، أو أن يخصص توقيت محدد من قناة عاملة مهمة، والتركيز على دعوة (الجنود) إلى الانتقال الفردي والجماعي إلى جانب الشعب، بدل الاختلاف على بيان أو موقف عابر.

قد لا يمكن إنكار وجود مجموعات عنف تدخل تحت باب الإرهاب، إلا أن أسوأ أشكال الإرهاب هو إرهاب الدولة، لأنه يجمع بين عناصر القوة وادعاء شرعية زائفة لم تستمد من إرادة شعبية حرة، ومع أن الحل السياسي كان ميئوسا منه من البداية، فإن جريمة الحولة ربما دفنت المبادرات المطروحة مع ضحاياها.

=====================

خطورة التسليح الخفيف للجيش السوري الحر

أمل عبد العزيز الهزاني

الشرق الاوسط

5-6-2012

انتظرت القوى الكبرى أن يقضي النظام السوري على الثوار السوريين، ولم يسعه ذلك. منحوه عاما كاملا ليفعل فتطوى هذه الصفحة، لكنه فشل. إصرار الثوار وشجاعتهم فاجأت الكل، الكل بلا استثناء، حتى النظام نفسه لم يكن ليتصور أن 45 عاما من القمع والترهيب لم تطفئ جذوة الشجاعة في نفوس السوريين، وأن النار كانت ساكنة تحت الرماد، خلع السوريون لباس الجوع والخوف وخرجوا لا يلوون على شيء.

لم يتوقف الثوار يوما منذ سنة وأربعة أشهر، بل ازدادوا إصرارا وارتفع عدد المظاهرات اليومية بالتزامن مع ارتفاع عدد الضحايا. حتى إسرائيل الدولة الآثمة أنطقها بطش نظام بشار الأسد بالسوريين، فقد تعجب الإسرائيليون كيف لأحد أن ينكل بأهله وقومه ويذبحهم بدم بارد؟ الإسرائيليون الذين يعدون آخر من يفقه في حقوق الإنسان، الذين امتهنوا التنكيل بالفلسطينيين المدنيين 70 عاما، استنكروا أن ينظر بشار الأسد للشعب السوري - صغارهم وكبارهم - على أنهم أعداء وخصوم.

سفن إغاثة النظام السوري العابرة من روسيا وإيران والمحملة بالأسلحة والعناصر المدربة تمر منذ يناير (كانون الثاني) الفائت تحت أعين الأقمار الاصطناعية وأجهزة الرصد الأميركية والأوروبية حتى تفريغها في ميناء طرطوس. الغرب يغض النظر عنها لأنه لا يتحمل تداعيات الاعتراف بحقيقتها، لكنه جهور الصوت برفض تسليح الجيش الحر. في النهاية، لا نستطيع أن نلوم الروس وحدهم، لأنهم ليسوا أسوأ من الشياطين الخرس.

حسابات سوريا معقدة على دفتر الدول الكبرى، فالرئيس الروسي العائد فلاديمير بوتين يريد أن تستعيد بلاده دورها المحوري وتستعيد مقعدها كأحد القطبين اللذين يحكمان العالم. أما الرئيس الناعم باراك أوباما فهو يعمل وكأنه رئيس لدولة نامية صغيرة، هدفها لملمة أبنائها العسكر المنتشرين في مناطق النزاع الساخنة وإعادتهم لحضن أمهاتهم. وميركل القوية، ولية أمر الاتحاد الأوروبي، مهمومة من انهيار اقتصاديات دول اليورو.

الثوار السوريون ليسوا أولوية لأحد، بل هم إشكالية معقدة، صلت لربها الدول الغربية أن تصحو يوما لتجدها قد حلت. من يصدق أن الثوار السوريين لم يقرروا حمل السلاح الخفيف وحماية أنفسهم من شراسة النظام الحاكم إلا في منتصف مارس (آذار) الماضي؟ أي بعد مرور عام كامل على انطلاقة ثورتهم في مارس 2011! ليس عجيبا أن تكون هذه الثورة عصية على الهزيمة.

صحيح أنه لو لم يحمل الثوار السوريون السلاح لكان عدد الضحايا متجاوزا بأضعاف 14 ألف ضحية المعلنة، خاصة مع احتماء التحدي، ولكان الموقف الدولي كما هو؛ روسيا تدعي وجود عصابات مسلحة كما يردد النظام، وبقية الدول الغربية حائرة بين الانتصار للسوريين أو مراعاة مصالحها. ولكن مشكلة تسلح الجيش السوري الحر أنه تسلح خفيف، وبعضه من رجيع أفراد الجيش الذين انشقوا عن النظام أو باعوا أسلحتهم. ولأن هذا المستوى البسيط من التسلح كشف سوأة الجيش السوري وضعفه وأظهر حقيقة أنه جيش البزة العسكرية وليس جيش آلة الحرب العسكرية، اضطر النظام إلى تكثيف استجلاب الإمدادات اللوجيستية من آلات عسكرية وأفراد مدربين من روسيا وإيران، فظل توازن القوى كما هو؛ لصالح جيش النظام وشبيحته.

أشاع نظام بشار الأسد أن الجيش الحر مدجج بالسلاح ليبرر للعالم جرم أفعاله بحق المتظاهرين وقصفه العشوائي للأحياء السكنية، واستهداف الجنائز، والخطف والاعتقالات اليومية.

ما سيغير موقف الدول الكبرى من القضية السورية هو استمرار فشل النظام في القضاء على الثورة، ولكن هذا الوقت الذي تحتاجه هذه الدول لتفقد الأمل وتيأس من فاعلية النظام في قمع المظاهرات وصد الجيش الحر سيأتي على حساب المدنيين، وبمرور هذا الوقت بلا حسم ستتكرر مجزرة الحولة حتى يصبح خبر ارتكاب المجازر خبرا اعتياديا، كما أصبح عدد القتلى اليومي خبرا اعتياديا.

التسليح الجاد لعناصر الجيش الحر وفرض مناطق عازلة سيحمي المدنيين، خاصة النساء والأطفال، وسيوصل الثوار للقصر الرئاسي خلال أسابيع قليلة، وسينتهي هذا الفصل الدامي والمؤلم من حياة السوريين بأضرار أقل، وكل من يماطل أو يؤخر الحسم هو شريك في مسؤولية الدم، لأنه يفعل ذلك عمدا وليس اضطرارا.

=====================

الويل لبشار.. نريد اعدامك

صحف عبرية

2012-06-04

القدس العربي

في تموز/يوليو 2008 كنت مع زوجتي على جسر الكسندر العظيم فوق نهر السين في باريس. وكان الجسر مليئا بطوله بالشباب والشابات السوريين، الذين لوحوا بحماسة باعلام سورية. 'ما سبب الفرح؟' سألت أحد الشباب، فاجابني: 'الرئيس بشار الاسد يصل'. وهتفت الشابات بالفرح.

لاول مرة في التاريخ يأتي رئيس سوري في زيارة رسمية الى باريس ويحظى باحترام الملوك وبالثناء والمجاملة. ليس فقط في فرنسا، بل وفي اسرائيل. المفاوضات غير المباشرة التي ادارها معه في تركيا رئيس وزراء اسرائيل أخرجت بشار من بيت المنبوذين مباشرة الى منصة الشرف الغربية المعتبرة. في مقال مؤطر تجدر الاشارة الى ان ايهود اولمرت يستغل كل منصة كي يفصل كم تنازل للفلسطينيين وكم كان قريبا من الاتفاق معهم، ولكن لسبب ما لا نسمعه على الاطلاق في الموضوع السوري.

في بداية الاسبوع الماضي كنت مع زوجتي في الميدان المركزي في برلين الغربية. وقد واجهنا مرة اخرى تجمهرا للسوريين والسوريات، نساء كبيرات في السن بلباس أسود، رجال شبان والكثير من الاطفال والطفلات. هذه المرة رفعت أعلام سورية الى جانب يافطات عديدة بالالمانية. والتقطت عيني بالذات اليافطة الاكبر التي كتب عليها بالعربية: 'الويل يا بشار، نريد اعدامك، يا قاتل الاطفال'.

بشار اياه، نفس الشخص، دون أي فارق بين بشار 2008 وبشار 2012. باستثناء اننا كنا في حينه نحضر حفلة تنكرية. عظيم الطغاة في الشرق الاوسط في ذاك الوقت وضعوا على وجهه قناع سلام: محبة الناس، الاصلاحات، التقدم، الجدية، خريج الثقافة الغربية وباقي الزينة الزائفة والصارخة. أما الان فقد سقطت كل الاقنعة، بل والملابس. فالحديث يدور عن ولد منبوذ تربى في ظل أخيه الاكبر الناجح، وأبيه أعد له مهنة (طبيب عيون) توجد خارج دوائر الحكم والتأثير. وقد تربى وتعلم في نظام الطغيان الذي تساوي فيه حياة مواطني الدولة في نظره قشرة الثوم. وقد استوعب على مدى السنين المفهوم الذي يقوم 'الرب اختار' للحكم في سوريا عائلة الاسد والعائلات القوية من الطائفة العلوية، وان يكون المرء علويا معناه أن يكون رجل حكم ورجل أمن.

ينبغي للمرء أن يكون ساذجا جدا كي يخمن انه سيسقط قريبا، بعد سنة أو بعد عدة سنوات. يخيل لي أنه يمكن منذ الان التقدير بان الارثين الكبيرين اللذين خلفهما الاب حافظ لبشار وتميزت بهما الدولة السورية في الاربعين سنة الاخيرة قد ضاعا. الاول بينهما هو الاستقرار الداخلي. فقد خلق حافظ الاسد على مدى السنين منظومة حكم مرتبة دمجت في نظام الطغيان البرجوازية السنية لدمشق وحلب وجزءً من طوائف الاقليات. وكان الشعار: 'انتم تتشاركون مع الحكم العلوي الامني الغنيمة الاقتصادية والمكانة الاجتماعية وتستفيدون من المكانة العربية المحترمة التي اكتسبتها سوريا بصفتها 'القلب النابض للعروبة الذي يقف في الصف الاول ضد الامبريالية والصهيونية'. وبالمقابل تسلمون بطغيان وسمو المكانة العلوية. هذه المنظومة انهارت.

الارث الثاني الذي ضاع هباء هو المكانة الاقليمية المستقلة لسوريا. حتى فترة حكم عائلة الاسد كانت سوريا دولة يتدخل فيها الجميع ويرغبون في التأثير عليها: مصر، العراق، فرنسا، تركيا. فجاء حافظ الاسد ووضع حدا لذلك وجعل سوريا قوة عظمى عربية اقليمي صغرى، بما في ذلك ذات سيطرة على لبنان.

بشار بدأ باضاعة شيء ما من هذا الارث في الوقت الذي ربط مصيره بايران وبحزب الله، جرير ايران. وستعود سوريا الان على ما يبدو الى الوضع الذي كانت فيه كل جهة ذات قدرة تحاول التدخل في شؤونها، سواء بقي بشار لزمن طويل آخر في الحكم أم لا. بالنسبة لايران، هذه المسألة حرجة. ويبدو أن تركيا ستكون خصمها الاكبر في 'اللعبة السورية'.

معاريف 4/6/2012

=====================

الثورة السورية والديسكو الروسي

اوكتافيا نصر

2012-06-05

النهار

أحرز الإيرانيون تقدّماً مع محاوريهم الأميركيين. فقد أجروا محادثات رسمية أخيراً مع أنه لم يتّضح بعد ما هو الموضوع الذي تمحورت عليه المحادثات أو إذا كانوا قد توصّلوا إلى اتفاق ما. ولكن يمكن القول إنهم ناقشوا مسائل ذات أهمّية للبلدَين، وحاولوا تحديد بعض النقاط المشتركة من أجل رسم مستقبل العلاقة بينهما.

وقد اتّخذت الحكومة التركية خطوة جريئة وطردت البعثة الديبلوماسية السورية بكاملها، فوجّهت بذلك رسالة واضحة بأنها ضاقت ذرعاً بنظام الأسد ولم تعد تعتبره الممثّل الرسمي للشعب السوري. لم تستدعِ تركيا السفير السوري للاعتراض على معاملة نظام الأسد لشعبه. ولم تطرد السفير السوري احتجاجاً على القتل الهمجي للسوريين الأبرياء على أيدي القوات الموالية للرئيس بشار الأسد. بل طردت البعثة السورية بكاملها من أجل إيصال رسالة واضحة لا لبس فيها. فتركيا تريد أن يعلم الأسد أنها قطعت كل علاقة به.

ثم انضم مزيد من البلدان إلى موجة المطالبة بطرد السفير السوري. فكان يوماً قاتماً لنظام الأسد، ومحطّة غير مشرِّفة في مسيرة السفراء السوريين، ووصمة عار على جبين الديبلوماسية السورية. ولكن لم يرف جفن للرئيس والمحيطين به. فبما أن الحليف الروسي لم يدر لهم ظهره بعد، لا يزالون يشعرون أنهم يتمتّعون بالنفوذ الذي يخوّلهم قلب الأمور لمصلحتهم. لقد رفعت روسيا حدّة خطابها المستنكِر، لكنها لا تبدو مستعدّة لإعطاء الضوء الأخضر لتسديد الضربة القاضية الى الأسد، وقد لا تفعل ذلك إطلاقاً.

ثم وردت أنباء بأن إسرائيل تطالب بتحرّك أشدّ صرامة ضد الأسد. قد يبدو غريباً أن الحكومة الإسرائيلية تتدخّل علناً وتصدر عنها مثل هذه الإدانة العلنية. فقد ظهر جلياً أن كل القيادات الإسرائيلية كانت تتصرّف وكأن وجود حافظ الأسد، ومن بعده نجله بشار، لا يزعجها. وكان واضحاً في مناسبات عدّة أن الإسرائيليين يفضّلون آل الأسد على الإسلاميين في السلطة. كما أن إسرائيل كانت تجري محادثات سرّية (أو ربما ليست سرية جداً) مع سوريا بوساطة تركية في شأن مرتفعات الجولان ومسائل أخرى. ويُعتقَد أيضاً أن البلدَين توصّلا إلى الكثير من الاتفاقات، لكنهما لم يكشفا عنها على الملأ بسبب أحداث خارجة عن سيطرتهما غيّرت مجرى التاريخ.

وصف وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الوضع في سوريا في الآونة الأخيرة بأنه يشبه الرقص. وأضاف أنه خلافاً لرقصة التانغو التي تحتاج إلى شخصين لتأديتها، الوضع أشبه بحفلة ديسكو "حيث يشارك العشرات فيها".

ما يجري في سوريا بعيد كل البعد من الرقص. إنه واقع قاتم وعنيف حصد آلاف الضحايا حتى الآن. ففي وجه الثورة التي لا تستكين والديبلوماسية العاجزة، يُرتكَب عدد لا يُحتمَل من المجازر التي تقضي على مئات الأبرياء يومياً.

وفيما تؤدّي الدول المجاورة لسوريا، مثل إسرائيل ولبنان والعراق وإيران وتركيا والسعودية وسواها، أدواراً في النزاع، سوف تنتشر الفوضى ويشتدّ الجنون أكثر فأكثر قبل أن يصطلح الوضع ويصبح سوياً.

نظراً إلى كل المخاطر والمخاوف التي تلوح في الأفق، وعندما تهدأ العاصفة، هل يستمر حزب البعث في حكم سوريا إنما بوجود رئيس مختلف في سدّة القيادة؟ ليس هذا السيناريو مستبعداً.

=====================

أنان يعدّ لحوار سوري في أيلول .. والجميع يتمسّكون بخطة أخفق تنفيذها!

روزانا بومنصف

2012-06-05

النهار

أفادت معلومات توافرت لمصادر سياسية واكبت زيارة المبعوث المشترك للامم المتحدة والجامعة العربية كوفي انان الى بيروت منتصف الاسبوع الماضي انه على رغم التحذيرات العلنية التي ساقها انان من وقوع سوريا في الحرب الاهلية والتعثر الذي اصاب خطته بعدم تطبيقها حتى الان، فانه لا يزال يعمل على السعي الى تطبيقها لكنه مدد الآجال التي كان قد حددها لها. فبعدما كان خطط ان يبدأ في شهر حزيران الحالي بدء العمل لحوار سياسي بين النظام والمعارضة في سوريا، اقر بان مرحلة هذه الخطة قد شهدت تعديلات بحيث يرجح ويأمل ان يبدأ هذا الحوار في ايلول المقبل. وتقول هذه المصادر انه وعلى رغم الاقرار بان التصعيد الامني وعدم التزام النظام تطبيق هذه الخطة وفق ما حمله انان المسؤولية الاولى في هذا الاطار، فان هذا النظام لا يزال يظهر لانان حسن نية في التجاوب مع خطته علما ان مراقبين رأوا في الخطاب الذي القاه الرئيس السوري بشار الاسد في افتتاح الدورة التشريعية الاولى لمجلس النواب واصراره على اعتماد المقاربة الامنية نفسها معتبرا ان الازمة لا تحل بالمسار السياسي نسفا جوهريا لمهمة انان. لكن الضغط الروسي لا يزال يفعل فعله من اجل ابقاء النظام السوري متمسكا بها اقله علنا وظاهرا وعدم المساهمة في نسفها. ولهذا السبب بالذات فان النظام ابدى استعدادا للجلوس مع المعارضة من اجل الحوار وهو ابلغ المتصلين به من جانب انان بانه سيوفد اليه المستشارة بثينة شعبان من اجل تمثيله في الحوار مبعدا نائب الرئيس فاروق الشرع عنه وفق ما سرى في وقت سابق. وهذا الحوار الذي يعد له انان يرتقب ان يكون بين النظام من جهة والمعارضة من جهة اخرى بوفد يمثل جميع اطيافها علما ان العمل لا يزال قائما على الاعداد لذلك من حيث المبدأ والتساؤلات كبيرة ما اذا كان النظام سيوقف التصعيد الامني ومتى تضغط روسيا عليه في هذا الاتجاه. اذ انه خلال الاجتماع الوزاري العربي الذي انعقد في الدوحة السبت في الثاني من حزيران الجاري حذر انان الذي شارك في الاجتماع منهيا زيارة قادته الى دمشق وتركيا والاردن وبيروت من اندلاع حرب طائفية شاملة من جراء العنف في سوريا محملا النظام المسؤولية الاولى عن وقف العنف. ويفترض ان يقدم انان تقريرا مماثلا لذلك الذي عرضه في الاجتماع الوزاري العربي امام مجلس الامن بعد غد الخميس علما ان الدول الكبرى هي على اتصال مباشر وشبه اسبوعي مع انان وهو يطلعها اول باول على الوضع في سوريا وتشكل روسيا احد ابرز الافرقاء المعنيين في هذا السياق ممن يجري اتصالات في هذا الاطار. وتتوقع المصادر المعنية ان يحظى انان بدعم متجدد لخطته في ظل غياب البديل المتفق عليه في ظل اعتقاد ان هذه الخطة تبقى الاطار الذي تحتاج اليه الدول الكبرى متى اتفقت في ظل استمرار تشكيلها الواجهة التي تحتاجها هذه الدول حتى اشعار آخر.

وتقول هذه المصادر ان الموقف العلني الاخير لانان يساهم في احراج روسيا التي حرصت حتى الان على توزيع المسؤولية سواسية بين النظام والمعارضة كما احرجها الموقف الذي اتخذه مجلس الامم المتحدة لحقوق الانسان في جنيف يوم الجمعة في الاول من الشهر الجاري والذي حمل النظام السوري مسؤولية مجزرة الحولة داعيا الى تأليف لجنة تحقيق مستقلة وهو قرار عارضته روسيا والصين في حين ان الثقة بان النظام براء من هذه المجزرة يفترض ان يشجع على لجنة تحقيق مستقلة من اجل تبرئته بدلا من رفضها. ذلك انه في حال استند النظام في التحقيقات الاولية الى ادلة ثابتة وحاسمة تجرم خصومه فان من مصلحته القيام بذلك باعتبار ان لا ثقة لا بالتحقيقات التي يجريها ولا بما يعلنه. الا ان كل ذلك لا يشكل حائلا دون بقاء الموقف الروسي على حاله على رغم صدور مواقف توحي بامكان التفاهم على عملية انتقال سياسي في سوريا وفق ما اشار مسؤولون روس في مطلع الاسبوع.

البحث الذي لا يزال يثار بعيدا من الاضواء يتناول الخطوات الآيلة الى العملية السياسية والتي تقوم على جملة عناوين جديدة قديمة تتمثل في اقامة حكومة انتقالية تمهد لانتخابات نيابية مبكرة واعادة هيكلة الاجهزة الامنية من دون الاشارة الى تنحي الرئيس السوري على ان يكون رحيله نتيجة طبيعية ومباشرة لهذه العملية السياسية التي تتضمن ايضا البحث في الضمانات التي يمكن ان تعطى للطائفة العلوية من اجل التخفيف من مخاوفها ومن بين ذلك ما هي المراكز المحتملة من بين المواقع الاساسية في الجيش او الاجهزة الامنية التي تسمح لها بالشعور بالاطمئنان في حال احتفظت برئاستها.

الا ان كون خطة انان وطبخته من اجل وقف العنف في سوريا لا تزال على النار واستمرار دعمها من الدول الكبرى وتجدد هذا الدعم اسبوعا بعد اسبوع لا يعني ان التفاؤل كبير بانجاز هذه الخطة وفق المواعيد التي حددها او يحددها تباعا. والمفارقة ان الجميع يتمسكون بهذه الخطة علنا مع الاقرار ضمنا وفي الوقت نفسه بفشلها كمقاربة ديبلوماسية مقنعة لحل سلمي في سوريا.

=====================

سوريا ولعنة الجغرافية!

دمشق غازي دحمان

المستقبل

5-6-2012

يشير تأكيد قادة الدول الثمانية الكبار، في قمتهم الأخيرة في كمب ديفيد، على ضرورة الحل السلمي والانتقال في سوريا واعتباره الخيار المفضل والوحيد، على أن العالم لم يعد يملك أي فعالية في الملف السوري، وهو يحيل الأزمة إلى حالة من الاستنزاف الطويل الأمد، لعل ذلك يفرز واقعاً جديداً يكون قابلاً للتفاوض والمساومة... وربما التكيف.

ما يعزز هذا الافتراض حقيقة أن قادة الدول الثمانية الكبار يملكون إطلاعاً معمقاً على واقع الأزمة في سوريا، ويعرفون أن إمكانية الحل السلمي وعملية انتقال السلطة مسألة غير واردة في تفكير النظام ولا في حساباته، كما يدركون أن أركان السلطة الذين يتهمون الشعب كله بالإرهاب ويحرضون العالم على مساعدتهم لمحاربة هذا الشعب، وأنهم تالياً لديهم الاستعداد لارتكاب الأهوال والمجازر، لن يفكروا بالتنازل عن السلطة ولا حتى عن أدنى مستوياتها، ولهم في حزمة الإصلاحات التي يجريها النظام خير مثال على ذلك.

ثم ان هذا النظام الذي لم يعترف حتى اللحظة بثورة الشعب على الظلم والقهر، ويصر على أن الثوار ليسوا سوى أفراد مغرر بهم وإرهابيين يتلقون الدعم من السعودية وقطر وتركيا، وحتى من حكومة لبنان الحليفة، بل ويذهب إلى إحصائهم بالواحد "تسعة وخمسون ألفاً" على ما يدعي فيصل المقداد نائب وزير الخارجية، وهم حسب التوصيف كلهم من الخارجين عن القانون، وبقية الشعب هانئة وراضية ومسبحة بحكم الأسد، ثم يقول نجري إصلاحات، هل في كل ذلك ثمة منطق سياسي سليم وعقلاني!.

أم هل هي مؤامرة على الشعب، كما بات يردد الكثيرون في الشارع السوري، رغم كل ما يجلبه هذا النمط من التفكير من شبهة الاقتراب من نظرية المؤامرة "سيئة الصيت"، غير أن ثمة من بات يفكر بشكل جدي بنظرية أخرى، لتفسير هذا الخليط المتنافر، وهي نظرية "لعنة الجغرافيا" بسبب التجاور الجغرافي بين سوريا وإسرائيل، بالنظر للقداسة التي تتمتع بها إسرائيل في الوجدان الغربي عموماً، والحرص تالياً على كل ما من شأنه حماية أمنها ومصالحها.

ثمة مؤشرات عدة على تطبيق مندرجات هذه النظرية في الواقع السوري، وربما يشكل عدد الضحايا من قتلى وجرحى ومخفيين ومسجونين مؤشرات مؤلمة لحجم المأساة التي تعيشها سوريا الآن، لكن مؤشرات المأساة أخطر من ذلك بكثير وأكثر ألماً، ذلك أن سوريا تشهد تفككاً بطيئاً ولكنه حثيث للكيان الدولتي فيها، وهي ليس بعيدة عن المرحلة التي ستتسارع فيها عملية التفكك، كما أن ارتفاع وتيرة القمع ورفع منسوب الدم سيدفعان بعد فترة، قد لا تطول، إلى نوع من الفوضى التي يصعب ضبطها في عقود قادمة، ذلك أن النظام الذي قتل وهجّر كل قادة الحراك السلمي، ليثبت روايته المزعومة عن لا سلمية الثورة، جهّز المجال لتعبيرات أخرى ربما تدفعها حاجتها إلى الدفاع عن الوجود والكرامة والعرض إلى انتهاج طرق وأساليب متطرفة، هذا ناهيك عن نهوض الدين الشعبي وسيطرته على المزاج العام وتأثيره المباشر في الحراك.

وفوق هذا وذاك بدأت مؤشرات التراجع في المجتمع السوري تظهر على السطح بشكل فاقع ومرعب، من زيادة نسبة الفقر والاحباط إلى تسرب التلاميذ من مدارسهم وجامعاتهم، وصولاً إلى ندرة حالات الزاوج على ما لاحظ مختصون ومهتمون بالشأن الاجتماعي.

ماذا يعني ذلك؟، مؤقتاً أن المجتمع السوري دخل مرحلة العطالة على كل المستويات، الأمر الذي سيدفع المجتمع إلى الحالة البؤرية بحثاً عن الأمان وايجاد حل لأزمته، أي إلى الحالة الما قبل وطنية، حيث تتحول العائلة والعشيرة والطائفة إلى ملاذات آمنة، الأمر الذي ستتشكل معه لبنات التفكك الأولى في الهيكل السوري.

التفسير الوحيد لهذه الحالة، هو أن لا ضمانات لإسرائيل في الداخل السوري إلا عائلة الأسد أو... لا أحد، بمعنى أنه لا يعود هناك مبرر لوجود سوريا الدولة.

=====================

جدل "التدخل" بين موسكو وواشنطن

عبد الوهاب بدرخان

تاريخ النشر: الثلاثاء 05 يونيو 2012

الاتحاد

عندما يطرح أوباما، رئيس الدولة العظمى، مبدأ عدم التدخل العسكري لحل صراع في دولة ما، فهذا خبر جيد، بل تاريخي، يؤسس لنمط جديد من العلاقات مع الدول والشعوب، كما يقترح على المجتمع الدولي مقاربة أخرى لحل النزاعات الإقليمية. يبقى أن يصدّق العالم أن هذا المبدأ أصيل وهادف، والأهم أنه عملي وفاعل في إيجاد الحلول في الوقت المناسب. أما أن يُعطى كل الوقت اللازم لإراقة الدماء ومفاقمة الانقسامات وتصدّع الخرائط، وأن يكون هناك تدخل مباشر أو غير مباشر في كل ذلك، ثم يقال إن التدخل غير محبذ لأنه قد يتسبب بحروب أهلية، أو أنه غير ممكن بحجة تعذّر الاتفاق في مجلس الأمن، فهذا يطرح علامات استفهام حول الأهداف الحقيقية ل"عدم التدخل".

واقعياً، قد لا يكون التدخل مستحباً، ثم إن تجارب كثيرة أحدثها في العراق وليبيا انتهت إلى وقائع أقل ما يقال فيها إنها مثيرة للجدل، أو إنها أدت إلى نتائج كارثية على الأرض من أخطرها أن الأنظمة المستبدة التي وجب إسقاطها وتغييرها كانت نجحت ظاهرياً في توطيد "وحدة" بلادها ومجتمعاتها، حتى إذا انهارت لابد أن تظهر الشقوق والفوارق ولا تعود الفئات والمكوّنات قادرة على التعايش في ما بينها. وفي كل الأحوال كان هناك "تدخل"، قبل وبعد، لذلك فإن عدم التدخل -إذا كان صحيحاً- يجب أن يطبّق "قبل"، وإذا طرحه رئيس الدولة العظمى فلا بد أن يكون ضامناً أنه في صدد تأسيس نظام دولي جديد، وأن بقية الدول راغبة في أن تكيّف مصالحها مع قواعد مختلفة ليس بينها أي تدخل في شؤون الغير.

لكن الأمم المتحدة التي قامت على أسس احترام السيادة لا تستبعد الضرورات التي تحتم عليها التدخل، خصوصاً عندما يكون المدنيون يتعرضون لمخاطر دموية واضحة، أو عندما يبلغ نظام ما درجة من الإجرام والوحشية لا تترك مجالاً للتردد. غير أن أسوأ ظواهر ما بعد انتهاء الحرب الباردة رسمياً، كانت في استمرار تلك الحرب بأساليب ووسائل أخرى، مما عطّل المنظمة الدولية وأدى إلى تعجيزها. هذا ما شهده العالم في حال كوسوفو، وما يشهده اليوم في حال سوريا. فنتيجة للسلبية الروسية المعرقلة، وضعف الدوافع الأميركية أو الغربية عموماً، يصبح الواقع المفضل أن تفلت المنازلة الدموية رغم أن الجميع يعرف ما هو مؤداها، حتى إذا باغتت الصور المروعة اللاعبين الكبار في إدارتهم لشراء الوقت -كما في مجزرة الحولة- يبدأون الحراك لعل جثث الأطفال تساعدهم في صنع مقاربة أخرى للأزمة، ليكتشفوا أنهم لا يزالون يراوحون مكانهم.

غداة المجزرة لم تجد روسيا أن هناك ما يستحق فعلاً تغيير قواعد اللعبة. وعندما وافقت على بيان الإدانة في مجلس الأمن صوّرت الأمر، وكأنه "تنازل" تقدم عليه، فقط من أجل امتصاص الغضب والسخط على نظام أقنع موسكو أو هي أقنعته بأن المجزرة من ارتكابات "عصابات مسلحة". الأكثر إيلاماً هو التراشق بالاتهامات بين موسكو وواشنطن، فكل منهما تتهم الأخرى بأنها تتسبب في نشوب "حرب أهلية". ثم أن الروس استنكروا "الاستنتاجات" المستندة إلى مجزرة الحولة لتبرير تدخل عسكري غربي في سوريا. ورد حلف الأطلسي نافياً جملة وتفصيلاً. بل جلست وزيرة الخارجية الأميركية تعدد بالتفصيل مواقع الخيار العسكري: قوة الجيش السوري، الموقف الإيراني، غياب قرار دولي (الممانعة الروسية). لكن الواقع أن الروس يحذرون من أي تدخل فيما هم يتدخلون لمصلحة النظام (تسليح مستمر، رعاية مباشرة في التخطيط، دعم دولي...)، كما يحذرون من الحرب الأهلية ويقولون إنهم يعملون للحؤول دونها إلا أنهم يساندون النظام في استدراجه سوريا إلى هذه الحرب.

يدفع الشعب السوري ثمن هذا الجدل الدولي دماً، وفقد النظام كل مقومات مساعدة داعمية في عملية إنقاذه التي باتوا يعرفون أنها مستحيلة. أصبح معروفاً أن "عدم التدخل" الأميركي له علاقة بالانتخابات الرئاسية بمقدار ماله علاقة بالأهداف الإسرائيلية، فلماذا التدخل طالما أن هذه الأهداف تتحقق بفضل النظام السوري والأخطاء التاريخية التي يرتكبها. فحتى روسيا التي تعتقد أنها تدافع عن مصالحها إنما تخدم تلك الأهداف طالما أنها تؤخر سقوط النظام وتساهم في التعجيل بتفتت سوريا.

عبدالوهاب بدرخان

كاتب ومحلل سياسي- لندن

=====================

خطاب الأسد.. تناقضات تعلوها مغالطات

2012-06-05 12:00 AM

الوطن السعودية

المناورة والمماطلة باتتا سمتين بارزتين لطريقة تعامل نظام الأسد مع كل خطة حل تسعى لتجنيب سورية حالة فقدان الحكمة في التعامل مع الأزمة الداخلية التي بدأت تأخذ منحى خطرا في تمددها لخارج حدودها ووصولها إلى لبنان، حيث أحداث طرابلس التي أوقعت 14 قتيلا و48 جريحا، وهو ما دعا وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل إلى توصيف الحالة العامة ب"الخطرة جدا".

وعوضا عن أن يعمل النظام السوري على حل الأزمة دون تصديرها، جنح بها إلى ما هو أبعد من حالات القتل اليومي، وتصفية كل من يرفع شعار "رحيل النظام"، وذلك عبر إضفاء الصبغة الطائفية على ما يجري، وما مجزرة الحولة التي ترحم القاتل على ضحاياها، وحاول عبر خطابه التنصل منها، وإلصاقها بمن يصفهم ب"قتلة الشعب"، إلا دليل على بشاعة المخطط الذي يعمل عليه نظام الأسد.

لم يأت الأسد في خطابه الذي وجهه لأعضاء مجلس الشعب السوري بجديد، فما يطبقه جيشه على الأرض هو ترجمة عملية لما كان يتفوه به من منصة إلقاء الخطاب، والهدف هو مواصلة الحرب حتى القضاء على كل من يعارضه.

التناقضات المبتذلة كانت واضحة وجلية في خطاب الأسد، ففيما وصل بلهجته إلى أعلى درجات التصعيد والتهديد لمعارضيه، استغرب مقاطعتهم للانتخابات التشريعية الأخيرة، متناسيا أن أي انتخابات في العالم لا يمكن أن تكون حرة ونزيهة إذا كانت تجري تحت تهديد السلاح.

اقتصار الأسد لخطابه على الداخل دون توجيهه إلى الخارج، رسالة على المجتمع الدولي أن يدركها جيدا، فبعد 15 شهرا من الأزمة السورية، لا يزال النظام السوري يعتمد حلوله الداخلية، ولا يلتفت إلى أية مبادرات من الخارج، بما فيها تلك التي يسوقها أصدقاؤه الروس، وهو ما يعني استمراره في هذا النهج حتى يحقق ما يريد وبالطريقة التي يريد.

وباستثناء هذه النقطة، بدا كلام الأسد في مجمله فارغا من أية مضامين سياسية حقيقية تدرك أبعاد الأزمة الحالية، إلى درجة وصلت حالة عدم الفهم لمضامين الخطاب لأعضاء مجلس الشعب أنفسهم الذين أساؤوا فهم رئيسهم الأسد حينما ترحم على من قتلهم جيشه ووقفوا اعتقادا منهم بأن رئيسهم سيتلو الفاتحة على أرواحهم.

=====================

كيف نوقف الشلل الدولي في سورية؟

عبدالعزيز حمد العويشق 

الوطن السعودية

5-6-2012

وفقا لمبدأ "مسؤولية الحماية" فإن هناك التزاما دوليا بحماية المدنيين، بموافقة مجلس الأمن أو بدونها. فلماذا لم يتحرك المجتمع الدولي لوقف الانتهاكات في سورية؟

في يوم الجمعة (1 يونيو 2012) ناقش مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف مذبحة الحولة، التي ذهب ضحيتها (108) من المدنيين، منهم (49) طفلاً و(34) امرأة. وفي ختام الاجتماع، تبنى قراراً بالإجماع تقريباً (عارضته روسيا والصين وكوبا فقط)، يدين الحكومة السورية. وكلف المجلس "الهيئة الدولية المستقلة لتقصي الحقائق في سورية"، التي شكلها المجلس العام الماضي، بإجراء "تحقيق سريع، مستقل وشفاف" عن هذه المذبحة، وجميع الجرائم ضد الإنسانية، والانتهاكات الأخرى للقانون الدولي التي تُرتكب في سورية، بهدف ملاحقة المسؤولين عن تلك الجرائم. وطلب من الهيئة تقديم نتائج هذا التحقيق إلى دورته القادمة، المقرر عقدها خلال الفترة من 18 يونيو إلى 6 يوليو 2012.

والحقيقة أن اجتماع يوم الجمعة الماضي هو رابع "دورة خاصة" يعقدها مجلس حقوق الإنسان عن سورية منذ بدء الأزمة السورية في مارس 2011، حيث أسس في دورته الثانية هيئة التحقيق المستقلة التي أشرتُ إليها، والتي قدمت أول تقرير لها في نوفمبر 2011، وخلُصت فيه، إذ ذاك، إلى تواتر الأدلة على ارتكاب قوى الأمن والجيش جرائم بحق المدنيين. ووضعت الهيئة في وقت لاحق قائمة بأسماء بعض المسؤولين عن ارتكاب الفظائع، بما في ذلك جرائم ضد الإنسانية.

وفي مارس 2012، بناءً على تقرير من هيئة التحقيق المستقلة، أدان مجلس حقوق الإنسان الحكومة السورية بسبب ارتكابها لانتهاكات "منظمة وواسعة النطاق" لحقوق المدنيين. وتأكيداً للإجماع الدولي بهذا الشأن، لم يعارض قرار المجلس في مارس سوى روسيا والصين وكوبا، تماماً مثل ما حدث يوم الجمعة الماضي.

ومع أن جهود المجلس وهيئة التحقيق المستقلة التي شكّلها مشكورة ومقدرة، إلا أن النتائج مازالت مخيبة للآمال، إذ استمرّ القتل في سورية، ولم يُعرْ النظام السوري اهتماماً لإدانة المجلس المتكررة لها، ولم يستجب لنداءات المنظمة الدولية بالسماح للمنظمات الإنسانية بالعمل في سورية لمساعدة المدنيين.

وتقدر المنظمة الدولية الآن أن أكثر من تسعة آلاف شخص، معظمهم مدنيون، قد قُتلوا في سورية منذ مارس 2011، بالإضافة إلى عشرات الآلاف من الجرحى والنازحين واللاجئين والمشردين.

وغني عن القول أن الحكومة السورية لم تسمح لهيئة التحقيق الدولية بزيارة سورية، كما لم تسمح للمنظمات الدولية الأخرى، أو الصحافة العالمية، بالدخول إلى سورية. السبب يبدو واضحا: إنها تحاول منع أي تحقيق مستقل في الجرائم التي تُرتكب بحق الشعب السوري.

وفيما رفض النظام السوري الاستجابة لجميع جهود مجلس حقوق الإنسان في جنيف، فإن روسيا ضمنت من جانبها ألا يتخذ مجلس الأمن في نيويورك أي إجراءات لإلزامه بوقف الانتهاكات بحق المدنيين العزل، حيث تستخدم سلاح الفيتو لإحباط أي مشروع قرار يُطرح على المجلس. وفي الوقت نفسه تستمر روسيا في تقديم السلاح لدعم قدرة النظام على قمع الاحتجاجات وقهر إرادة الشعب السوري، في معركة غير متكافئة أصلاً.

وهكذا نجد أنه على الرغم من أن نظام تقصي الحقائق في الأمم المتحدة قد توصل إلى قناعة بأن انتهاكات صارخة قد ارتُكبت في سورية، وعلى الرغم من أن ثمة إجماعاً دولياً على طبيعة تلك الانتهاكات وتوصيفها في القانون الدولي، فإن المجتمع الدولي يبدو كمتفرج على مسرح الأحداث، فيما تحمي روسيا حليفها من أي إجراء دولي رادع.

ولكن هل هذا ما يجب أن تكون عليه الحال في النظام العالمي؟ هل هو مشلول قانوناً عن التحرك كما يتوهم النظام السوري؟

ألا يستطيع المجتمع الدولي التحرك بشكل قانوني لحماية المدنيين، في ظل فشل النظام السوري في حمايتهم، بل ضلوعه في قتلهم؟ ما هي الوسائل الممكنة، في النظام الدولي، لتقديم مساعدة عاجلة وفعالة للمدنيين هناك؟

لدينا مثال سابق للحالة السورية: ففي عامي 1998-1999 كانت كوسوفو في وضع مشابه. وحينئذ، كما هو الحال اليوم، كانت ثمة معركة غير متكافئة بين الجيش الصربي والمدنيين العزل. ومثلما هو واقع اليوم، رفضت روسيا حينها أي إجراء طرح في مجلس الأمن للجم حليفتها صربيا. ولكن مجموعة من الدول اتفقت خارج نطاق مجلس الأمن، وبدون إذن منه، وتدخلت ونجحت في وقف المذابح التي كانت القوات الصربية ترتكبها في كوسوفو، كما تفعل القوات السورية اليوم في بلادها.

ألا يمكن استخدام مثال كوسوفو لحماية المدنيين في سورية؟ في الحقيقة أن مبدأ "مسؤولية الحماية" الذي بدأ يستقر كأحد الأعراف الدولية، يمكن أن يسند أي جهد دولي أو إقليمي صادق لحماية المدنيين السوريين. وقد تطور هذا المبدأ على مدى السنوات القليلة الماضية، وتم تطبيقه بنجاح في عدد من النزاعات في مناطق مختلفة من العالم.

وقد أقرت الأمم المتحدة هذا المبدأ في مؤتمر دولي عُقد لهذا الغرض في عام 2005، حين تم الاتفاق على أن ثمة مسؤولية دولية مشتركة لمنع ووقف جرائم التطهير العرقي، والإبادة العنصرية، والجرائم ضد الإنسانية. وفيما بين عامي 2005 و2010، تم تطبيقه في ثلاثة قرارات وبيانات صادرة عن الأمم المتحدة، أما في عام 2011 فقد تم تفعيله في ستة قرارات على الأقل، منها أربعة صدرت عن مجلس الأمن، بشأن ليبيا وجنوب السودان واليمن. وتم تفعيله في الجهود الدولية التي أنهت النزاع في ساحل العاج.

وهذا المبدأ مبني على أسس مستقرة في القانون الدولي المعاصر، بأن سيادة الدولة ليست مطلقة، بل مشروطة بمبادئ وأعراف القانون الدولي نفسه. وحيث إنه لا شك في أن هذا القانون يعتبر جرائم معينة مناقضة لأهدافه وأغراضه، فضلاً عن أسسه الأخلاقية، وتسمى تلك الجرائم ب "جرائم الفظائع الجماعية"، مثل جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، فإنه يجب أن تكون هناك مسؤولية مشتركة، تقع على جميع الدول القادرة، لحماية المدنيين منها، حماية للنظام الدولي نفسه.

ولا شك كذلك، كما هو واضح من قرار مجلس حقوق الإنسان يوم الجمعة الماضي، أن مذبحة الحولة تندرج بوضوح تحت هذا النوع من الجرائم. ولذلك فإن مبدأ "مسؤولية الحماية" الذي أشرتُ إليه يجب أن يدفع جميع الدول القادرة إلى العمل على وقف هذه الجرائم، بموافقة مجلس الأمن أو بدونها.

=====================

بشار في متاهته!!

ياسر الزعاترة

الدستور

5-6-2012

مثل عادته في الخطابات الطويلة، أفاض بشار الأسد واستفاض في الحديث عن المؤامرة التي تتعرض لها سوريا منذ عام ونيف، وتشارك فيها قوى دولية وإقليمية وعربية.

والحق أننا لم نكن إزاء خطاب بالمعنى التقليدي المعروف، لأن الخطاب عادة ما يحاول المجيء بجديد بالنسبة للناس، وإلا لن يكون له معنى، فقد كنا إزاء محاضرة مدججة بالإنشاء كتبها مستشار متمرس في الكتابة، لكن المصيبة أنها كانت بلا مضمون حقيقي، هي التي لم تغادر في مقارباتها السياسية ما تضمنته الخطابات السابقة، فضلا عن المقابلات الصحفية، مع توفر بعض النكهات الأفضل في المقابلات تبعا لقدرة الصحفيين الغربيين على الحصول على تصريحات تجعل المقابلة أكثر إثارة.

كان من الصعب على بشار الأسد إخفاء حالة الارتباك التي يعيشها؛ لا على ملامح وجهه ولا طريقة حديثه الأقرب إلى استجداء السوريين من أجل المحافظة على وطنهم من المؤامرة، أو محاولة دغدغة عواطفهم بالتبجيل واستثارة مشاعر الفخر، فضلا عن استدعاء النبي عليه الصلاة والسلام والخلفاء الراشدين بدون مناسبة في سياق من الحديث عن الحروب الاضطرارية التي خاضوها (لا تخفى الدلالة هنا تبعا لحقيقة أن حلفه الإيراني لا يعترف بالمصطلح الأخير أصلا).

خلاصة الخطاب أن لا شيء نفعله في مواجهة هذه الموجة من الإرهاب غير الحل الأمني، لأن الإرهابيين لا يريدون الحوار ولا الإصلاح، بدليل أننا كلما تقدمنا على طريق الإصلاح ازداد الإرهاب، مع أن أحدا لا يدري بالطبع عن أي إصلاح يتحدث بعد الدستور الذي استبدل حزب البعث القائد للدولة والمجتمع، بالرئيس الوصي على الدولة والمجتمع، والذي تعود إليه مقاليد الأمور، ما ظهر منها وما بطن!!

ما يجري هو معركة حول سوريا ودورها، ومن يديرونها يريدون أن يضربوا هذا الدور ويقسِّموا هذا الوطن. هذا ما قاله بالنص، الأمر الذي يثير السخرية بالطبع، لأن من خرجوا إلى الشوارع لم يتلقوا أوامرهم من الخارج، أما العنف (الإرهاب كما يسميه) فلم يظهر منه شيء إلا بعد شهور طويلة من الثورة وما انطوت عليه من قمع دموي.

هذه المؤامرة الخارجية الرهيبة بحسب المحاضرة ينسجم معها مرتزقة من الداخل، والمرتزقة هنا هم الذين ينزلون إلى الشوارع من أجل الاحتجاج بعد أن يقبضوا الثمن (هذا ما قاله أيضا)، وهناك من بينهم صغار في السن يتلقون 2000 ليرة سورية (يا للثمن الرخيص) مقابل كل شخص يقتلونه، ما يعني أن فتيان سوريا ورجالها قد تحولوا إلى مرتزقة يعيشون على القتل، بينما يغامر كل واحد منهم بحياته حين ينزل للشارع مقابل الحصول على حفنة من الليرات السورية (لم يذكر الرقم بالدولارات أو اليورو أو الريالات نسبة إلى عواصم التآمر على نظام المقاومة والممانعة!!).

لقد كنا إزاء رجل يدفن رأسه في الرمال ويداري ارتباكه باستجداء الشعب من أجل الوقوف في وجه المؤامرة، لكن المصيبة أن الشعب الذي يخاطبه هو المتآمر الحقيقي، وأقله أداة المؤامرة الخارجية، فكيف يتأتى له أن يواجهها، ما يعني أنه ليس أمام الرئيس سوى مخاطبة الجيش لكي يقوم بمهامه، وهو ما كان حين توجه إليه بالتحية، ودافع عنه في مواجهة الذي يتهمونه بقتل الناس (اعتبر ما يسفكه من دماء مثل الدماء على يد الطبيب الجراح حين يخرج من غرفة العمليات!!)، وتوقف عند اتهام الجيش المذكور “الباطل” بمجزرة الحولة، وحيث انتقل المتآمرون بعد انكشاف أكاذيبهم حول مسؤوليته عنها إلى مليشيات النظام، الأمر الذي لم يحدث بالطبع، إذ بقي الاتهام للجيش قائما في الشق الأول من المجزرة المتعلق بقصف الدبابات، بينما كان الذبح التالي من نصيب الشبيحة الذين يطلقهم النظام مثل الكلاب المسعورة ضد الناس.

لم يتطرق بالطبع لكثير من التطورات الخارجية التي تحيط بالقضية السورية، من تلك التي تشي بضعف موقفه وترنح نظامه، مثل طرد السفراء الأوروبيين، فضلا عن موقف جامعة الدول العربية الجديد كما عكسه اجتماع الدوحة، كما لم يتطرق للتطورات الداخلية المستجدة مثل سيطرة الجيش الحر على العديد من مناطق سوريا، فضلا عن انخراط دمشق وحلب بقوة في الثورة.

بدأ الخطاب وانتهى من دون أن يقدم للمستمعين جديدا يذكر، اللهم سوى التأكيد على أن المعركة مستمرة حتى يحسمها أحد الطرفين، وقد ثبت لكل العقلاء أن النظام هو الخاسر، فيما جاءت التطورات الأخيرة لتؤكد أن المدى الزمني لصموده قد أخذ يتقلص بمرور الوقت.

=====================

دمشق و «إرهاصات التوافق» الأمريكي - الروسي

عريب الرنتاوي

الدستور

5-6-2012

حققت “الماكينة الدبلوماسية” الروسية إنجازين مهمين، يمكن وصفهما ب”الاختراق” على ساحة العمل السياسي الدولي المتركّز حول الأزمة السورية...الأول، يتلخص في نتائج أول جولة خارجية للرئيس الروسي فلاديمير بوتين بعد عودته للكرملين، حيث نجح بكسب تأييد المستشارة الألمانية أنجيلا ميريكل لخيار “الحل السياسي” للأزمة السورية، موسعاً بذلك الشرخ القائم في الموقفين الفرنسي والألماني، حيث تميل باريس لتبني خيارات أكثر تشدداً وصرامة، بل وتجنح للأخذ بسيناريو “الجراحة العسكرية” للأزمة السورية.

أما الإنجاز الثاني، والأكثر أهمية بكل المعاني والمقاييس، فهو التأسيس لشراكة أمريكية – روسية في تناول الملف السوري، بعد أن بات شبه المؤكد أن واشنطن وموسكو قررتا العمل سويةً على هذا الملف، وأن طواقماً تعمل على وضع تصورات مشتركة كما كشفت عن ذلك مصادر أمريكية...وسط تطور مفاجئ في مواقف السيدة هيلاري كلينتون التي لم تعد ترى في “تنحي الأسد” شرطاً لبدء الحل السياسي للأزمة، بل نتيجة لهذا الحل، وتأكيد روسي متكرر على أن موسكو لا تدعم نظام الأسد، ولكنها تعمل من أجل منع انزلاق سوريا إلى أتون الفوضى والحرب الأهلية التي حذر بوتين من أنها تطل برأسها.

لكن المفارقة “الصادمة” تأتي من دمشق هذه المرة...ففي الوقت الذي تتجه فيه عواصم القرار الدولي للاقتراب أكثر فأكثر من وجهة نظر حليف سوريا الرئيس على الساحة الدولية...تصدر عن الرئيس السوري في أول خطاب له منذ أزيد من نصف عام، تصريحات يقول فيها لا حل سياسياً للأزمة السورية، لأن الأزمة بالأساس ليست سياسية ولا داخلية، بل هي حرب على سوريا ومشروع فتنة و”تدخل دولي” وعصابات إرهابية...هكذا ببساطة، يُختزل المشهد السوري برمته، على أنه حرب الإرهاب على سوريا، وحرب سوريا على الإرهاب...إنه حقاً خطاب مُخيب للآمال، ويعكس “انفصال” النظام عن واقع الأزمة في بلاده، وإصراره على المضي في خياره الأمني العسكري “مهما كان الثمن”، ومهما سال من دماء من جسم المريض على أيدي الطبيب الجرّاح ؟!

والمؤسف حقاً، أن الرئيس السوري، بدا في خطابه “مقتنعاً” بأن ما يتخذه من إجراءات “هزلية” و”شكلية” كتعديل الدستور وإجراء انتخابات تشريعية من طراز “ما قبل الربيع العربي” وإصدار قانون هزيل للأحزاب، هي “ذروة سنام” عملية الإصلاح السياسي والتحوّل الديمقراطي التي يطالب بها الشعب السوري ويتطلع إليها، وقدم من أجلها ألوف الشهداء وأضعاف أضعافهم من الجرحى والمعتقلين والمشردين في وطنهم وفي الشتات القريب والبعيد...المؤسف والمُفجع أن الرئيس الأسد، وبعد أزيد من عشرة آلاف قتيل، يعود لتذكرينا بمطالب الثورة السورية في إيامها الأولى، من نوع تعديل المادة الثامنة من الدستور وإصدار قانون جديد للأحزاب السياسية، من دون أن تصدر عنه إشارة واحدة تفيد بأنه تأخّر كثيراً في الاستجابة لنداءات الثورة السلمية قبل أن تتحول إلى “السلاح”، وأن ما يعرضه اليوم تلخصه العبارة التي قيلت في سياقات الثورات العربية في مصر وتونس وليبيا من قبل: Too Little Too Late””.

والراهن أن خطاب الرئيس السوري أمام مجلس الشعب، قد سجّل أكثر من خطوة واحدة للوراء في توصيف النظام للأزمة وتعاملها معه...فالخطاب إذ ينكر وجود أساس سياسي – داخلي للأزمة السورية، ويرفض - استتباعاً - حلها سياسياً، يتنكر لمبادرة كوفي عنان شكلاً ومضموناً، ويتنصل من التزاماته ببنودها الست، السياسية بامتياز...والنظام الذي طالما اتهم المسلحين والإرهابيين بتلقي المال والسلاح من الخارج، يوسع اليوم دائرة اتهاماته للمتظاهرين السلميين، الذي يخرجون للشارع لقاء 2000 ليرة سورية، فتكون النتيجة أن لا أحد في سوريا ينتمي للمعارضة، وأن المعارضيين سلميين أكانوا أم مسلحين، هم عملاء ومأجورون، يعملون بنظام القطعة والمياومة لدى الجهات التي يتهمها النظام بالتدخل ودعم الإرهاب وزرع الفتنة واستهداف سوريا الدولة والوطن...ومع ذلك، ما زال النظام يتحدث عن “حوار وطني” و”أبواب مفتوحة” إلى غير ما هنالك من شعارات لم يعد أحد يأخذها على محمل الجد.

من المفروض بالتحليل المنطقي، أن يكون النظام “سعيداً” بنجاحات حليفه الروسي على الساحة الدولية، وأن يقدم من المواقف والممارسات، ما تساعد سيّد الكرملين على جبه أوسع تحالف دولي ضد النظام في دمشق...لكن ما نراه على الأرض، وما نسمعه من مواقف وتصريحات، توحي بخلاف ذلك، بل وتذهب في الاتجاه المعاكس...فهل فقد النظام صلته بما يجري من حوله وأمام ناظريه ومن تحت أقدامه...أم أن النظام يخشى “التوافق الدولي” على الحل السياسي للأزمة السورية، بقدر خشيته من “سيناريو التدخل العسكري” وربما أكثر؟...هل تشعر دمشق بالارتياح للتقارب الروسي – الأمريكي، أم أنها تخشى خسارة هوامش المناورة بين القطبين الدوليين؟...كيف تقرأ دمشق إرهاصات التقارب الأمريكي الروسي الأخيرة؟...وهل تُدرجها في سياق “المكاسب” و”النجاحات” وتنظر إليها بوصفها “فرصة” للخروج من الاستعصاء، أم أنها ترى فيها ملامح “تحدٍ” جديدة، ونّذر ضغوط قادمة وإرهاصات لاستحقاقات سياسية لطالما سعت في تفاديها؟ّ!

أسئلة وتساؤلات قد تبدو غريبة في شكلها، لكنها واقعية جداً في مضمونها، خصوصاً إذا تأكد للنظام أن فاتورة هذا التوافق، ستكون ثقيلة جداً عليه....وأنه لن يقوى في المرات القادمة على الإفلات من شقوق الخلاف الدولي وثقوبه، بعد أن يصبح حليفه الأفعل و”صديقه الصدوق” ضامناً لحسن تنفيذ التزامات “التوافق” واستحقاقاته، ومشرفاً على سلامة ترجمتها ميدانياً وعلى الأرض.

====================

مجرّد أكاذيب.. لا تصدّقوهم!

محمد أبو رمان

5-6-2012

الغد الاردنية

"داخل غرفة صغيرة في أحد المساكن الذي يضم لاجئين سوريين في مدينة الرمثا الأردنية المتاخمة للحدود مع سورية، جلست أمل تحدق في شرفة صغيرة كانت تبرز من خلالها معالم مدن أثقلتها أعمال القتل والتهجير، مستذكرة ذلك "الكابوس"، الذي تمثل في اغتصاب بناتها، قبل أن يقضين نحراً بالسكاكين".

"بصوت غالبه البكاء، أخذت الوالدة المكلومة تصرخ في شكل هستيري: "أخرج الأمن والشبيحة عائلات بأكملها من داخل منازلهم المدمرة، وبدأوا يعرّون صغيراتي بالقوة قبل أن يغتصبوهن ويقتلوهن لاحقاً". وتابعت فزعة: "كانوا يقولون مستهزئين: بدكم حرية؟ هاي أحلى حرية".

"العويل والبكاء الذي كان يملأ المكان، واستجداء الصغار والنساء، جميعها محاولات لم تقو على استدرار عاطفة المجرمين"، تضيف أمل، من دون أن توضح كيف استطاعت هي نفسها الفرار من الجلادين. وتمضي قائلة: "لم أتمالك نفسي حينما شاهدتهم ينحرون رقابهن بالسكاكين.. سقطت على الأرض مغشياً علي". وتقول متحسرة إن بناتها عائشة ودعاء ورقية "ذهبن بدم بارد لانخراط الأب في صفوف الثوار"، مؤكدة أن "آلاف السوريات اللواتي دخلن السجون في سورية لم يسلمن من الاغتصاب والمعاملة المهينة".

التفاصيل السابقة مجرّد قصة من قصص متعددة يسردها الزميل المبدع تامر الصمادي في تحقيق الحياة اللندنية (ملحق شباب) أمس. الضحايا أنفسهم، وهن أمهات الفتيات المغتصبات، يتحدثن في هذا التحقيق؛ لا فضائية الجزيرة ولا "العربية" ولا "المتآمرون على محور الممانعة"، ولا "مجلس اسطنبول العميل"، كما يصفهم الإعلام السوري؛ من يتحدث هن السوريات-الأمهات، أي الشعب السوري نفسه، عمّا يفعله جيشه وأمنه وأعوان رئيسه به!

أحد المناضلين الفلسطينيين البارزين، سلامة كيلة، وهو يساري معروف، يروي لنا شيئاً مما حدث معه شخصياً، ومن شهادته على بعض ما رآه، خلال فترة اعتقاله الأخيرة هناك، قبل أن يعود إلى عمان منهكاً من المرض والتعذيب البشع الذي لحق به! ليست الصدمة فيما يقوله سلامة كيلة عن التعذيب اللاإنساني في السجون والمعتقلات السورية، بل في المستشفى العسكري الذي نُقل إليه لكتابة تقرير عن الجروح والكسور التي أصابته؛ فهنالك صور أخرى، أكثر غرابة وبشاعة. فبدلاً من معالجة المرضى المعتقلين، يتم تقييدهم في الأسرة لأيام طويلة، مع الضرب والتعذيب، وعدم السماح لهم بمجرد الذهاب إلى الحمامات، فيضطر الرجال الكبار والمرضى أن يقضوا حاجاتهم على أنفسهم، وهم مقيّدون!

لا تصدقوهم؛ فما نسمعه من شهادات حية، وما نقرأه من قصص مرعبة، وما يقوله الآباء والأبناء، وما تذرفه الأمهات من دموع، ومئات الآلاف من الناس الذين يتحدون كل هذا الجحيم، هذا كله أكاذيب غير صحيحة من نسج المخابرات المركزية الأميركية واستوديوهات الفبركة في "الجزيرة"!

لا أعرف كيف يمكن للرئيس السوري أن يخرج ببرودة أعصاب ليتحدّث أول من أمس عن "حرب خارجية" تشن على سورية، من كان يخاطب؟! شعبه، الذي يكتوي بنار القصف والمذابح والمجازر! هل يريد أن يقنعه، مثلاً، بأنّ من يقوم بهذه الأهوال هي الطائرات الغربية والمدافع الإسرائيلية؟! هل كان يخاطب نفسه! أم بقايا المثقفين والسياسيين العرب الذين يروجون أكاذيب النظام ضد المؤامرات الخارجية؟! من الذين سيصدّقون رئيسا من الواضح أنه معزول تماماً، لم يعد يدرك أنّه فقد شعبه بالكامل، وشرعيته حالياً تكمن فقط في أنّه يتحكم بآلات دموية تقتل الشعب وتعذبه، وكأنّه حشرات لا بشر، وما يبقيه على رأس السلطة هي الحسابات الروسية، واختلاف المصالح مع الغرب!

معادلة مثل هذه لا يمكن أن تستمر، مهما طال الليل، فإنّ الصبح قريب. هذا نظام يحتضر، وينتظر رصاصة الرحمة

===================

سورية المُضيّعة بين روسيا والمعارضة

منار الرشواني

الغدالاردنية

5-6-2012

تبدو روسيا أكثر حرصاً على النظام السوري من النظام ذاته، بل وتبادر إلى تقديم حلول ولو شكلية لإخراجه من أزمته، وتمارس انتقاداً للذات "السورية" أكثر مما فعل ذاك النظام –إن فعل أصلاً- على امتداد ما يزيد على أربعة عشر شهراً من عمر الثورة.

التفسير المنطقي الوحيد لهذا الموقف، كما يعرف الجميع، هو الحرص على المصالح الروسية في منطقة الشرق الأوسط التي بات نظام بشار الأسد آخر ممثليها "وحماتها"! لكن، ألا يفترض أن تدرك روسيا أن نظاماً نال ببطشه السوريين من شمال البلاد إلى جنوبها ومن شرقها إلى غربها، لن يكون قادراً على الاستمرار، وأن كل يوم يواصل فيه دمويته إنما يعني ثمناً باهظاً ستدفعه روسيا من مستقبل حضورها ونفوذها، لا في سورية فحسب بل وعلى امتداد العالم العربي الذي تؤيد أغلبية شعوبه ثورة الكرامة السورية؟

لا يمكن عقلاً إلا توقع أن روسيا تدرك ذلك فعلاً، لكنها تدرك أيضاً أن تخليها عن نظام الأسد الآن لم يعد يجدي في تغيير صورتها والشعور السوري والعربي تجاهها بالتواطؤ مع ذاك النظام المسؤول عن قتل الآلاف وإخفاء أضعافهم؛ ولتكون النتيجة النهائية هي ابتزاز كل الأطراف المعنية، مرة أخرى، لضمان مصالحها في المنطقة؛ أكانت غاز البحر الأبيض المتوسط كما يشاع، أم صفقات السلاح المربحة، أم النفوذ والحضور السياسيين على المستويين الإقليمي والدولي.

وإذا كانت روسيا، التي لم يعد لديها ما تخسره وفق المنطق السابق، تملك ترف مراقبة إهراق الدم السوري، وتدمير سورية ككل؛ فإن السوريين يقفون بداهة على الطرف النقيض طالما أنهم وحدهم من يؤدي ثمن استبداد نظام الأسد، وهو ثمن يزداد فداحة، في الحاضر والمستقبل على السواء، مع استمرار ذاك النظام. ومن ثم، ورغم كل الإساءات الروسية، لا يبدو من حل إلا في تطمين روسيا حقيقة إلى مصالحها ما بعد الأسد.

هنا يبدو مجدداً جوهر المعضلة! إذ من يملك القدرة فعلاً وحقيقة على إقناع روسيا وتطمينها هو البديل القادم الذي يملك منذ الآن التحدث باسم السوريين أو أغلبيتهم على الأقل؛ والذي هو، بشكل عام وفضفاض، المعارضة السورية. لكن السؤال، مرة أخرى: من هي هذه المعارضة، ومن يمثلها؟ وهل المقصود معارضة الداخل أم معارضة الخارج التي لا تقتصر بدورها على المجلس الوطني السوري؟

هكذا يكون مفتاح روسيا، الذي يحقن تالياً دماء السوريين ويضمن نجاح ثورتهم، متمثلاً في معارضة موحدة. لكن غياب هذا المفتاح سببه أن بعض أطياف المعارضة السورية يظن أيضاً أنه يمتلك ترف مراقبة سفك دماء السوريين على يد النظام؛ وليس ذلك لأن هذه الفئات لم يعد لديها ما تخسره، كما هو حال روسيا، بل لأنها تريد الاستئثار بكل ما هو آت. إنما الخشية أن لا يبقى شيء يقتتل عليه في المستقبل، لا إنسان ولا شجر ولا حجر، بفضل سياسة الأرض المحروقة التي ينتهجها النظام ويطيل أمدها انقسام المعارضة.

manar.rachwani@alghad.jo

========================

شعب يطالب بالحرية

رأي الراية

الراية

4-6-2012

بدا الرئيس السوري بشار الأسد في خطابه أمام مجلس الشعب وكأنه خارج الزمان والمكان، ففي الوقت الذي كان يلقي فيه خطابه الذي تحدث فيه عن المؤامرة الخارجية التي تستهدف سوريا، كانت قوات النظام وأجهزة الأمن والشبيحة تقتل المواطنين السوريين الذين يطالبون بالحرية والتغيير.

بعد نحو ستة عشر شهرا من الثورة السورية وبعد أكثر من خمسة عشر ألف قتيل وعشرات آلاف الجرحى والمشردين لا زال رأس النظام في سوريا يعيد أسطوانة المؤامرة الخارجية ويصف المطالبين بالحرية بالإرهاب وأن سوريا لا تواجه مشكلة سياسية بل "مشروع فتنة أساسه الإرهاب وحربا حقيقية من الخارج". رافضا الاعتراف بوجود أزمة داخلية وشعب يطالب بالحرية والديمقراطية.

الشعب السوري الذي انتفض مطالبا بالحرية والكرامة وأثبت طوال شهور الثورة أنه عصي على الكسر لا يمكن أن يكون متآمرا على وطنه، ينفذ مؤامرة خارجية تستهدف تقسيم بلاده، فهو خرج مطالبا بالإصلاح والتغيير بعد عقود طويلة من حكم الديكتاتورية والاستبداد.

الرسالة التي أراد النظام في سوريا إيصالها أنه ماض في قمع الثورة السورية بالقوة مهما كان الثمن، ولن ترده عن ذلك أية مبادرات دولية، وهو ما يؤكد أن النظام السوري الذي وافق على خطة المبعوث الدولي والعربي كوفي عنان ولم يطبق أيا من بنودها يناور ويماطل من أجل كسب مزيد من الوقت للإجهاز على الثورة.

لقد بادر النظام منذ اللحظة الأولى لاندلاع الثورة السورية في استخدام القوة والعنف لإجهاضها ولم يثنه عن ذلك وقوع الضحايا المدنيين، وهو ما أدى إلى انشقاق الآلاف من الجنود الذين رفضوا توجيه رصاصاتهم إلى صدور أبناء وطنهم، كما ساهم ذلك في امتداد الثورة إلى جميع المدن والبلدات السورية التي اضطر أبناؤها للدفاع عن أنفسهم في وجه أعمال القتل والاعتقال والتعذيب.

النظام الذي يتحدث عن إصلاحات لم يلمسها الناس ويدعو للحوار للخروج من الأزمة الطاحنة التي تعيشها البلاد لم يترك مجالا لبدء حوار حقيقي، فهو لم يلتزم عمليا بتهيئة الظروف الملائمة للحوار وأولها وقف العنف والقتل.

إن على مجلس الأمن الدولي الذي سيستمع إلى تقرير المبعوث الدولي والعربي كوفي عنان عن مهمته في سوريا خلال أسابيع أن يضطلع بمسؤولياته وأن يتخذ الإجراءات لتوفير الحماية للشعب السوري من بطش النظام، من خلال إيجاد منطقة عازلة وتوفير ممرات آمنة لتقديم المساعدات الطبية والغذائية لضحايا النظام وتحويل مهمة المراقبين الدوليين إلى قوات حفظ سلام تكون قادرة على فرض وقف إطلاق النار.

=================

الجانب الأخطر في الأزمة السورية

خيرالله خيرالله

الرأي العام

4-6-2012

لعلّ الجانب الأخطر في الأزمة السورية انكشاف البلد امام الانقسام المذهبي والطائفي الذي حاول النظام القائم منذ ما يزيد على اربعة عقود تغطيته عن طريق الشعارات الفضفاضة والفارغة، من نوع الممانعة، احيانا والهرب الى لبنان والمتاجرة بفلسطين والفلسطينيين دائما وابدا. لم يعد من كلام بعد مجزرة الحولة القريبة من حمص سوى عن الشرخ المذهبي والطائفي الذي يستعين النظام به حاليا لمتابعة عملية الهروب الى الأمام.

هذا هو للاسف الشديد الواقع الذي بلغته الازمة السورية في ظل نظام يرفض الاعتراف بانه انتهى وان نهايته يجب الا تعني في الضرورة نهاية سورية بكيانها الحالي. هذا الكيان في اساس الازمات المتلاحقة التي كلّفت السوريين الكثير وكادت ان تقضي على المجتمع السوري الغني بتنوعّه وثقافته وعلى المهارات الفردية للسوريين وتفوقهم وقدرتهم على الصبر والثبور.

لا شيء يعيد عقارب الساعة الى الخلف سوى اعتراف النظام بانه انتهى والاعداد السريع لمرحلة انتقالية يعيد فيها السوريون ترتيب اوضاع بلدهم بعيدا عن اي نوع من الهيمنة لطائفة على اخرى. فاذا كان من أزمة طائفية ومذهبية، فانّ هذه الأزمة في سورية وليس لبنان...

لا بديل من العودة الى سورية الطبيعية، اي سورية بصفة كونها الدولة التي تهتم بشؤونها الداخلية وتعترف بأنّ عليها الانصراف الى مشاكلها الضخمة التي تفاقمت مع الزمن بسبب رفض النظام الاعتراف بها تمهيدا لمعالجتها. على رأس هذه المشاكل المشكلة المذهبية والنمو السكاني العشوائي وهبوط مستوى التعليم وتحوّل الدولة الى ربّ العمل الاكبر في البلد.

هل لا يزال هناك أمل في انقاذ سورية... ام ان الرئيس بشّار الاسد يعتبر ان مجرد انكاره للواقع والعيش في عالم خاص به يغنيه عن التحرك بسرعة في اتجاه التنحي بطريقة حضارية مستفيدا من التجربة اليمنية.

في كلّ يوم يمرّ يزداد الخطر على سورية. في كلّ يوم يمرّ تزداد مخاطر الحرب الاهلية. في كلّ يوم يمرّ يتوسع الشرخ الطائفي والمذهبي الذي لا يزال في الامكان تجاوزه في حال رحيل العائلة الحاكمة عن سورية. في النهاية ان بشّار الاسد ضحية نظام وجد نفسه على رأسه من دون ان يطرح على نفسه سؤالا في غاية البساطة يتعلّق بالشرعية. ما هي الشرعية التي يمتلكها النظام القائم منذ العام 1963، تاريخ وصول حزب البعث الى السلطة عن طريق انقلاب عسكري؟

هل الشرعية الحزبية أساس لأيّ شرعية من ايّ نوع كان؟ هل هناك شرعية مستمدة من انقلاب عسكري تلته عملية تصفية للقيادات السنّية في الجيش تلتها تصفية للقيادات الدرزية وحتى الاسماعيلية؟ هل من شرعية لطائفة معيّنة ثم لعائلة محددة تسيطر على السلطة والمرافق الاقتصادية وتوزع بعض المغانم على تجار دمشق وحلب وبعض ممثلي الاقليات؟

هل من شرعية لنظام يغطي نفسه في الداخل بالعلمانية والعروبة فيما يركّز في الخارج، خصوصا في لبنان، على تسليح احزاب مذهبية وطائفية؟

كان طبيعيا وصول النظام السوري الى ما وصل اليه، اي الى ارتكاب مجزرة الحولة. ما نشهده حاليا عملية تطهير عرقي في غاية الخطورة مسرحها حمص والقرى والبلدات المحيطة بها. يترافق ذلك مع محاولات واضحة لإثارة كلّ انواع القلاقل في لبنان مع تركيز على منطقة عكّار ومدينة طرابلس.

ما نشهده حاليا يندرج في التسلسل الطبيعي للامور. كانت هناك حاجة للنظام السوري في عهد الرئيس الراحل حافظ الاسد كي يلعب ادورا معيّنة. من بين هذه الادوار ايجاد توازن مع نظام البعث في العراق حيث كان هناك حاكم لا حدود لطموحاته ولقدرته على الدخول في مغامرات اقلّ ما يمكن ان توصف به انها غير محسوبة النتائج. كذلك، كانت حاجة الى الدور السوري لضبط المسلحين الفلسطينيين وابقاء القيادة الفلسطينية اسيرة الأزقة العربية بدل الانصراف الى تحقيق الهدف الكبير المتمثل في اقامة الدولة المستقلة. ولذلك، كان حافظ الاسد يعتبر القرار الفلسطيني المستقل الذي تمسّك به ياسر عرفات حتى لحظة وفاته مجرد «بدعة».

ارتكب النظام السوري الخطأ القاتل المتمثل في انه حسب انه اصبح لاعبا اقليميا. لم يفرّق يوما بين استخدامه في لعب ادوار اقليمية وبين ان يكون لاعبا اقليميا. لم يستوعب انه كان مسموحا له بلعب لعبة الغاء الآخر عندما كانت هناك حاجة اليه في الاقليم. هذه الحاجة انتهت في مرحلة ما.

لهذا السبب، اضطر الجيش السوري الى الانسحاب من لبنان بعدما انتفض اللبنانيون في وجهه اثر اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه في العام 2005. الى الآن، لم يفهم النظام السوري لماذا كان عليه مغادرة لبنان والانصراف الى مشاكله الداخلية التي ليس معروفا لا اين تبدأ ولا اين يمكن ان تنتهي. وهكذا، نراه متمسكا بالحل الامني القائم على فكرة الغاء الآخر. حسنا، ألغى رفيق الحريري، ماذا كانت النتيجة؟ كانت النتيجة الوحيدة ان النظام صار اكثر من اي وقت اسير ايران، اكان ذلك في لبنان او داخل سوريا نفسها.

ليس امام النظام السوري سوى الرحيل اليوم قبل غد. ليس بعيدا اليوم الذي لن يجد الذين على رأس النظام ما يطرحونه على انفسهم سوى سؤال واحد: هل الحل اليمني لا يزال متاحا ام لا؟ الاكيد ان الخيار اليمني لا يعود خيارا لدى الايغال في لعبة سفك الدماء كما هو حاصل حاليا في حمص والمناطق القريبة منها. الاكيد اكثر من ذلك، ان استبعاد الخيار اليمني لا يبقي سوى خيار آخر هو مزيد من التباعد والتنافر والحروب بين الطوائف والمذاهب والمناطق السورية...

=================

الرئيس الرمادي!

يوسف الكويليت

الرياض

4-6-2012

  ذكرنا بشار الأسد وهو يلقي خطابه، بالرئيس كاسترو الذي اشتهر بمطولاته التي تجعل الحضور يضطرون للنوم، ومن حضروا وصفقوا سبق لغيره أن نال نفس الاحتفال، وذهبوا بلا رجعة، ولعل التركيز على الإصلاحات، وخروج الشعب بمظاهرت مؤيدة للسلطة، وكيف صوت بحس ديموقراطي للدستور والأحزاب بما في ذلك من يعارضون الدولة، ومما سبب اختلاط الألوان عنده وتحوله من طبيعي إلى رمادي وهي الأشكال السرابية بذهنه تجاه شعبه..

فهو يقول الحوار مع معارضة غير ممثلة من الشعب باطلة، لكن بأي شرعية يكون هو الطرف المفاوض وهو الذي وصل إلى الحكم بالتوريث وسلطة الطائفة، ومغالطات الأسد كثيرة، وأهمها لماذا لم تكن هذه الاصلاحات قبل انفجار الثورة، حتى يكسب شرعيته على الأقل بدوافع ما يفعل، وقد وعد بذلك عندما تولى بدايات الحكم، ولكنه لم يف أو يصل إلى قناعة بهذا العمل..

فقضية أنه حقق لشعبه نظاماً ديموقراطياً تعددياً لا يصدقها إلا من حضروا خطابه، والتنصل عن جرائم القتل بدفاع المستميت الذي يخشى المطاردات الدولية، وهو يعرف أن الإدانات لم تأت لتلاحق إرهابيين من القاعدة، بل جاءت الشواهد بالصور الناطقة، وشهود عائلات ممن قتلوا أو شاهدوا المذابح بأوامر مطلقة من السلطة للجيش وأجهزة الأمن والشبيحة..

فحكاية الإرهاب قال بها من سبقوه في مشهد الثورات العربية، وأهم الأمور أنه جاء متزامناً مع الحكم على الرئيس مبارك، وكأنه يرى صورته في قفص الاتهام مع طواقمه من القتلة، وهذا سبب في خلق الاتهامات والمؤامرات والخطط المبيتة لدولة المقاومة الأولى والممانعة الدائمة، وإذا كان، كما يقول، يكره الدماء، ولا يقبل بها أي إنسان، فماذا يقول عن مذابح حماة التي قادها عمه، وأمر بها والده، وهي من الثوابت في الجرائم الكبرى ضد الإنسانية؟!

من هذا الخطاب ثبت أن الحل السياسي مستحيل، إلا بما يقرره الأسد وحده وهذا أمر يضع دول مجلس الأمن الأعضاء أمام مسؤولياتهم بحماية الشعب الذي أنكر بشار أنه تسبب في جرح أي أصبع إنسان من المواطنين السوريين..

لقد ثبت أن الأسد مازال يعيش في المنطقة الرمادية من شعبه والمجتمع الدولي وهذه مشكلته، لا مشكلة الشعب السوري، الذي خرج أسوة بدول عربية كانت حكوماتها أقل قسوة من تسلسل حكم عائلة الأسد، وانتهوا بفعل ضغط شعب ثائر..

سوريا لم تعط للأسد بصك مفتوح، فهي كيان ثابت مر على تاريخها قتلة وحكومات عادلة، واحتلال واستعمار، لكنها تجاوزت كل أولئك وبقيت الوطن الثابت في جميع المعادلات، والأسد إذا كان يريد أن يعطي دروساً في الأخلاق ومعاييره، وطهارة الحكم وعدله، واعتبار ما ينطق به دستوراً يعمل به كل مواطن مهما علت قيمته المعنوية والثقافية، فإنه خارج زمنه وعصره، ونرجسيته وفوقيته وغروره المتناهي، أدوات تنفيس عن مكنونات صراع داخلي يعيشه ويدرك ما سيؤول إليه..

الشعب يرفض هذه السلطة لأنها بلا شرعية، وأكدت ذلك بالتعديات على حقوقه، واستخدام قانون الدولة البوليسية على شعب يريد حريته مهما دفع من أثمان من دمائه، وقضية انتقاء الكلمات ببلاغة الادعاء الفارغ، بهذا الخطاب تعرية أدبية وسياسية وأخلاقية لرئيس أشاع ثقافة الموت مع سبق الإصرار..

=================

«جياع إيران» يسقطون بشار!

معنى الأحداث

عادل السلمي

الإثنين 04/06/2012

المدينة

لم يكن يدر بخلد أحد أن يتسبب إضرام شاب تونسي النار في نفسه بأواخر العام 2010م احتجاجًا على مصادرة سلطات بلدته في تونس عربته التي يبيع عليها الخضار والفاكهة كونها مصدر رزقه الوحيد، ورفضها قبول شكوى تقدم بها بحق شرطية صفعته أمام الملأ، بإشعال ثورات عربية أطاحت بزعماء دول، حيث فر الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي، وتنحى المصري محمد حسني مبارك عن الحكم، قبل أن يقضي العقيد الليبي معمر القذافي بأيدي ثوار بلاده، ويسلم لاحقًا الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح الحكم إلى منصور عبدربه هادي وفق مبادرة قدمتها الدول الخليجية.

"عربة البوعزيزي" أخرجت الشعوب إلى الميادين والساحات، مطالبين بالتغيير، إثر معاناتهم من سوء الأحوال المعيشية، إضافة إلى التضييق السياسي والأمني، وعدم نزاهة الانتخابات في بلدانهم. ولأن إيران شهدت حركة احتجاجات شعبية واسعة على نتائج الانتخابات الرئاسية في 2009م والتي أعادت انتخاب أحمدي نجاد رئيسًا لفترة ثانية، فهي مرشحة لأن تشهد ربيعا احتجاجيًا، رغم قمع سلطاتها لاحتجاجات 2009م، والزج ببعض من زعماء المعارضة بالسجون، وفرض الإقامة الجبرية على البعض الآخر، إضافة إلى تقييد مواقع التواصل الإجتماعي على الإنترنت والتي كان لها دور كبير في "الربيع العربي".

الثورة في إيران إذا ما اندلعت، ستكون "ثورة جياع"، فطهران التي تعد ثاني أكبر مصدر للنفط والغاز الطبيعي في العالم، يعاني مواطنوها ظروفًا اقتصادية ومعيشية صعبة جدًا، حيث كشفت دراسات صدرت عن مراكز بحثية إيرانية عن ارتفاع نسبة الفقر والبطالة، فضلاً عن ارتفاع نسبة التضخم بشكل عام إلى قرابة 31 في المائة كون العملة الإيرانية فقدت خلال الأشهر الماضية الكثير من قيمتها أمام العملات الصعبة؛ بسبب العقوبات التي تتعرض لها من قبل الدول الغربية على خلفية برنامجها النووي المثير للجدل.

إن ثورة إيرانية محتملة ستلقي بظلالها على الوضع في سوريا التي يواصل الشعب هناك ثورته التي بدأت في الخامس عشر من مارس من العام 2011م، والتي يواجهها نظام بشار الأسد بالقتل والمجازر، بدعم روسي وإيراني، حيث سيتوقف دعم طهران التي ستنشغل بداخلها، وقد يكون ذلك نهاية لحكم الأسد وبداية لتغيير السلطة الحاكمة بإيران قد ينتهي بسقوط ولاية الفقيه.

=================

المشرق العربي: من القومية إلى الطائفية!

ما يقع الآن من مذابح في العراق، ومجازر في سوريا مرده الأساس حالة من اللاقومية، واللاوطنية، واللاانتماء..

طريف عيد السليطي

الإثنين 04/06/2012

المدينة

يمتاز المشرق العربي بتعدد الطوائف والمذاهب الدينية، بجانب تعدد العرقيات، خاصة في الشام والعراق. ومنذ عصر استقلال الدول العربية بُعيد الحرب العالمية الثانية، لم تتمتع أغلب البلدان بنظم تعددية وديمقراطية وليبرالية، فالعراق وسوريا مثلاً حُكما بالحديد والنار لعقود طويلة عبر نظام البعث الدموي، بزعامة صدام حسين في العراق، وحافظ وابنه بشار في سوريا، وتسبب هذان النظامان بوقوع مجازر دموية، وجرائم إنسانية أفزعت مناظرها كل المراقبين والمتابعين، ممّا جعل حالات الاحتقان المذهبي والعنصري تتزايد عند بعض الأقليات التي وقع عليها الظلم، ظنًّا من الضحايا أن هؤلاء الزعماء يمثلون طوائفهم وانتماءاتهم المذهبية، ولا يمثلون مصالحهم الشخصية الضيّقة.

وفي أغلب دول الخليج وجدت المشكلات المذهبية، والتحديات الاجتماعية والسياسية التي تنجم عن وجود مثل هذا التحدّي، ومع محاولة القوميين العرب التمدد في بلدان الخليج إبان الستينيات والسبعينيات ونجاحهم «النسبي» في إيجاد مواقع معقولة لتحركاتهم في بعض البلدان، إلاّ أنه بالرغم من ذلك لم تتحقق حالة من التوحّد العربي بين دول المشرق نفسها، فكيف أن تكون ثمة وحدة عربية من الأساس، وحدة تجمع بين عشرين دولة تفرقها المتناقضات السياسية، والاختلافات الإدارية، والتقسيمات الاستعمارية والإمبريالية؟!

ومع اضمحلال المد القومي، وانحسار الانسجام الإنساني بين دول المشرق، نجد أن النزوع نحو الطائفة، والالتياذ بالقبيلة، والانتماءات البدائية صار هو المخرج الوحيد والبديل البديهي للتملّص من أعباء الهمّ العربي، وصارت الدعوة لأي توحد قومي كبديل للصراع والاقتتال الطائفي نوع من العبث.

وما يقع الآن من مذابح في العراق، ومجازر في سوريا مرده الأساس -على خلاف ما يعتقده بعض المتحمّسين في الهجوم على القومية العربية- سببه الأساس حالة من اللاقومية، واللاوطنية، واللاانتماء، فجميع الجرائم التي تقع في هذين البلدين خصوصًا (أعني العراق وسوريا) لم تكن لتمثل حتى الطوائف التي تعلن باسمها هذه الجرائم، خاصة وأنه لا دليل إحصائي، أو رقمي على نسبة تأييد الطوائف لمثل هذه الجرائم، بل قد يبلغ الأمر من الغموض أن الجاني نفسه لا يُعرف (في الحالة العراقية)، أو تعمد الجاني إخفاء نفسه (في الحالة السورية).

وفي دول أخرى لم تقع المذابح والمجازر، ولكن استمرت التحديات المذهبية، وبزوغ نجم القبيلة في السطوع خلال العقدين الأخيرين، وخُصِّصت الكثير من المنابر الإعلامية والفضائية، وكُرِّست وسائل البث العصرية والتقنية لخدمة هذه الأهداف «الماضوية» على حساب الأهداف «المستقبلية»، وبات النقاش حول تاريخ الطائفة والمذهب من جهة، والقبيلة وشيوخها من جهة ثانية، هو الموضوع الأثير والمحبب لدى المنتمين لهذه المرجعيات البدائية، بينما همش وغيّب النقاش حول المبدأ الوطني والهوية القومية الشاملة.

إن التحدّي المستقبلي الحقيقي لدول المشرق العربي يتمثل في التصدّي للنزعات البدائية والمغالية في الشأن الطائفي خصوصًا، فالدماء التي تسيل في العراق والشام قد تجرف المنطقة بكاملها، وتخضب أرضها ورجالها باللون الأحمر، والتهاون بهذه المسألة لن يؤدّي إلى تحقيق أي نجاح ولو جزئيًّا. والفكرة المطروحة كبديل لكل هذا الاحتراب هي ببساطة فكرة الإصلاح والتطوير الاقتصادي والاجتماعي، والعدالة الاجتماعية، وفتح المجال أمام قصص النجاح الملهمة التي تفتح الباب أمام الشعوب كي تتطور وتنضج، وتراكم من خبراتها وممارساتها، فالحرية والطموح والشعور بالعدالة هي عوامل أكثر من كافية لقتل حالات الاحتقان، ورغبات الدمار التي قد تسكن أي إنسان!

=================

الأزمة السورية...وقيود التدخل

تاريخ النشر: الإثنين 04 يونيو 2012

هنري كيسنجر

وزير الخارجية ومستشار الأمن القومي الأميركي الأسبق

ينشر بترتيب خاص مع خدمة "تريبيون ميديا سيرفس"

الاتحاد

الشيء اللافت للنظر بالنسبة لظاهرة "الربيع العربي" هو أنها تُناقش بشكل عام، من حيث علاقتها باحتمالات تحقيق الديمقراطية. وما لا يقل عن ذلك دلالة بالنسبة لهذه الظاهرة هو تلك الجاذبية المتزايدة لموضوع التدخل الخارجي في شؤون دول معينة، بغية إحداث تغيير في النظام، وقلب الأفكار السائدة عن النظام الدولي- وهو ما وجد تجسيداً له مؤخراً في الحالة السورية على وجه التحديد.

ومن المعروف في هذا السياق أن المفهوم الحديث للنظام الدولي قد تبلور بعد "معاهدة ويستفاليا" عام 1648، التي أنهت ما عُرف بحرب الثلاثين عاماً التي خاضت خلالها ممالك أوروبا المختلفة حروباً فيما بينها لفرض رؤيتها ومعتقدها الديني ضد بعضها بعضاً.

وهذه النسخة من تغيير النظام المنتمية للقرن السابع عشر قتلت ثلث عدد سكان وسط أوروبا. وللحيلولة دون تكرار هذه المذبحة، قامت "معاهدة ويستفاليا" بفصل السياسة الداخلية لكل بلد عن سياسته الدولية، أي تلك المرتبطة بكيفية إدارته لعلاقاته مع الدول الأخرى. وقد اعتبرت الدول التي بُنيت على دعامتين، هما الدعامة الوطنية والدعامة الثقافية، دولًا ذات سيادة داخل حدودها الوطنية.

أما السياسة الدولية، فقد تم قصرها على التفاعل العابر للحدود الوطنية القائمة، أي على التفاعل بين تلك الدول المستقلة وبعضها بعضاً. وبالنسبة لمؤسسي تلك الدول، فإن المفاهيم الجديدة للمصلحة الوطنية وميزان القوى كانا في واقع الأمر أداة للحد من- لا التوسع في- الدور الذي تلعبه القوة المجردة، حيث عملت تلك المفاهيم على استبدال عملية القيام بتحويل عقائد الشعوب المختلفة بالقوة، إلى المحافظة على التوازن القائم بين الدول وبعضها بعضاً.

وقد انتشر هذا النظام "الويستفالي" إلى العالم كله عبر الدبلوماسية الأوروبية. وعلى الرغم من تعرضه للاهتزاز بسبب الحربين العالمية الأولى والثانية، وانتشار الشيوعية، فإن نظام الدولة- الأمة استطاع الاستمرار بصعوبة، باعتباره الوحدة الأساسية التي يقوم عليها النظام الدولي.

لم يطُبق النظام "الويستفالي" أبداً على الشرق الأوسط، الذي تعكس حدوده الحالية الطريقة التي تم بها توزيع مغانم الإمبراطورية العثمانية البائدة، قبل أن تتعرض تلك الحدود للتغيير فيما بعد، وهو ما كان يتم غالباً من خلال القوة العسكرية (باستثناء ثلاث دول هي تركيا وإيران ومصر التي تستند حدودها على أسس تاريخية راسخة).

والدبلوماسية التي ولّدها "الربيع العربي"، تستبدل المبادئ "الويستفالية" القائمة على حفظ التوازنات القاتمة بعقيدة للتدخل الإنساني. وفي هذا السياق يتم النظر- من قبل المجتمع الدولي- إلى الصراعات الداخلية في داخل دولة من الدول عبر منظورين، هما المنظور الديمقراطي والطائفي. وبموجب هذا النظام تطالب القوى الأجنبية الحكومات القائمة بالتفاوض مع خصومها بغرض نقل السلطة، غير أن ما يحدث في الواقع هو أنه ونتيجة لأن غرض كل طرف - بشكل عام- هو البقاء، هو أن هذه المطالبة من جانب القوى الأجنبية لا تلقى آذاناً صاغية من جانب النظام الحاكم الذي غالباً ما يكون ميزان القوة في مصلحته. أما عندما تكون قوة الطرفين متقاربة، فإن درجة ما من التدخل الدولي، بما في ذلك التدخل باستخدام القوة المسلحة، يتم الاستعانة بها في هذه الحالة لكسر حالة الجمود أو الخروج من المأزق.

وهذا النوع من التدخل الإنساني يميز نفسه عادة عن السياسة الخارجية التقليدية عن طريق تجنب الدعاوى المتعلقة بميزان القوى والمصلحة الوطنية- نظراً لافتقار تلك الدعاوى للبعد الأخلاقي. وهو يبرر نفسه- التدخل الإنساني- ليس من خلال التغلب على التهديد الاستراتيجي، وإنما من خلال إزالة الشروط التي تعتبر مثل هذا التدخل خرقاً لمبادئ الحكم.

وفي دولة مثل سوريا يختلط نوعا التدخل، وهما التدخل الإنساني القائم على التوافق والإجماع من قبل المجتمع الدولي من جهة والاستراتيجي الذي تقوم به دولة من جانب واحد، أو بالتعاون مع تحالف من الدول الراغبة، التي تشترك معها في الهدف من التدخل من جهة ثانية، على أساس أن تلك الدولة التي تقع في قلب العالم العربي قد ساعدت استراتيجية إيران في الشام والمتوسط، كما دعمت حركة "حماس" الإرهابية التي ترفض قيام دولة إسرائيل، ودعمت كذلك "حزب الله" الذي قوض تماسك لبنان.

ومن هنا يمكن القول إن للولايات المتحدة أسباباً استراتيجية تدعوها لتفضيل سقوط نظام بشار الأسد وتشجيع الدبلوماسية الدولية على تحقيق هذا الغرض.

والتدخل العسكري، سواء الذي يتم لأسباب إنسانية أو لأسباب استراتيجية يتطلب توافر شرطين أساسيين مسبقين: الشرط الأول، إجماع على أسلوب الحكم الجديد بعد إطاحة النظام القائم- وهي مسألة حيوية للغاية. فإذا كان الغرض هو إطاحة حاكم معين، فإنه من الممكن جداً أن يترتب على تلك الإطاحة، حالة من فراغ القوة يمكن أن تؤدي إلى حرب أهلية نتيجة لسعي الجماعات المسلحة لملء الفراغ والوصول إلى السلطة. وفي هذه الحالة تقوم القوى الأجنبية بتأييد طرف معين على حساب الطرف أو الأطراف الأخرى المتنافسة معه. الشرط المسبق الثاني هو أن يكون الهدف من التدخل موضوعياً، وقابل للتحقق خلال مدى زمني قابل للإدامة محلياً.

من جانبي أشك في أن المسألة السورية قادرة على اجتياز هذه الاختبارات، خصوصاً وأنها تتسم ببعد طائفي يزداد ظهوراً على الدوام. فعندما نستجيب لمأساة إنسانية ما يجب أن نكون حريصين على ألا نتسبب بتصرفاتنا في خلق أو تسهيل نشوء مأساة أخرى.

وهكذا فإنه في غيبة مفهوم استراتيجي محدد بشكل دقيق، فإن النظام العالمي الذي يذيب الحدود، ويمزج الحروب الدولية والأهلية معا، لن يكون قادراً أبداً على التقاط أنفاسه. فهناك دوماً حاجة لما يمكن أن نطلق عليه الإحساس أو القدرة على التمييز بين الفروق الدقيقة للأفكار والمفاهيم المختلفة، لأن ذلك الإحساس أو القدرة سوف يكونا مطلوبين لإعطاء منظور يتم من خلاله إعلان الأساس الذي يتم التدخل بناء عليها. وهذه القضية ليست قضية حزبية، ويجب أن نتعامل معها بهذه الصفة في الحوار الوطني الذي ندخل فيه الآن.

=================

مجزرة الحولة... "سربرنيتشا" السورية!

تاريخ النشر: الإثنين 04 يونيو 2012

د. عبدالله خليفة الشايجي

الاتحاد

في الوقت الذي يستمر فيه نزيف الشعب السوري على أيدي نظامه في ثنائية القمع والدم التي ظلت تصبغ الثورة السورية خلال خمسة عشر شهراً مرت حتى الآن من عمرها، وقد بات كثيرون يخشون أن تتحول تدريجياً إلى حرب أهلية ومذهبية ستكون لها تداعيات على الشأنين السوري والإقليمي المثقلين بالهموم والمخاوف والسيناريوهات المخيفة. في هذه الأثناء يبرز العديد من المتغيرات على خلفية المجازر والتحرك الدولي المتصاعد، وتكثر السيناريوهات والمخاوف مجدداً من تمدد الحالة السورية إلى خارج حدودها كما عبر عن ذلك أكثر من مسؤول وجهة دولية وعربية، وتتزايد المخاوف أيضاً في المنطقة والغرب من احتمال تسرب ترسانة السلاح الكيماوي والبيولوجي التي يملكها النظام السوري، إلى قوى معادية للغرب، بكيفية قد تغير من قواعد اللعبة وتدفع نحو المزيد من المجهول في منطقة دخلت سلفاً مرحلة اللا حسم وعدم الاستقرار.

والراهن أن مجزرة الحولة البشعة التي سقط فيها أكثر من مئة قتيل معظمهم من الأطفال والنساء، تمت تصفيتهم حسب تقارير المراقبين بقصف تمهيدي ثم نحروا بالحراب والسكاكين، قد قادت لإدانة واسعة من المجتمع الدولي الذي تحرك أخيراً بعد خمسة عشر شهراً و13 ألف قتيل، وضمن هذا التحرك تم طرد الدبلوماسيين والسفراء والقائمين بالأعمال في أكثر من 13 دولة أوروبية، وكذلك الولايات المتحدة وكندا وأستراليا، مما يزيد من عزلة النظام الذي أصبح دولة منبوذة ومحاصرة. وقد كان التنديد بالمجزرة البشعة واسعاً وغاضباً. وزاد الغضب بإعلان النظام السوري نتائج لجنة التحقيق الصورية التي زعم أنه شكلها لهذا الغرض، وقد حمّل بلا أدنى شعور بالخجل "الجماعات الإرهابية المسلحة" مسؤولية قتل وإبادة 108 أشخاص، نصفهم من الأطفال وثلثهم من النساء قصفاً وذبحاً وتنكيلًا. وكان هذا الإخراج فاشلاً طبعاً وغير مؤثر في عصر الانفتاح الإعلامي الذكي والفضائيات واليوتيوب الذي تصل فيه الحقيقة بأكثر من طريقة في وقت وقوعها إلى الجمهور العريض. وقد أدمعت عيوننا وبكينا، ونحن نرى جثث وأشلاء أطفال صغار ممددة أمامنا، ثم نرى الأكفان البيضاء ممددة في مقبرة جماعية لدفن ضحايا مجزرة تشكل وصمة عار في جبين الإنسانية في القرن الحادي والعشرين.

في كل أزمة وفي كل حرب تكون هناك انعطافة وحدث مفصلي يشكل نقطة ولحظة فاصلة تغير المسار وتشكل نقطة اللاعودة في تلك الأزمة أو الحرب. وللتذكير فقط ففي يوليو من عام 1995 قام سفاح صربيا ميلوسوفيتش، وأعوانه كقائد القوات الصربية ميلاديتش، بجمع وإبادة أكثر من 8000 شاب وفتى مسلم في البوسنة في منطقة ضمن المناطق الآمنة كانت تحت حماية قوات حفظ السلام الدولية- الهولندية، التي لم تحرك ساكناً وسمحت لآلة الموت الصربية المجرمة والمتعصبة بقتل ممنهج لآلاف المسلمين في أكبر مجزرة في قلب أوروبا، شكلت وصمة عار وجريمة ضد الإنسانية.

والحال أن تلك المجزرة المؤلمة والبشعة كانت نقطة تحول كبيرة في مسار الحرب الأهلية في البوسنة والهرسك بعد سنوات من النزيف، وقد أدت إلى إدانة واسعة وتدخل دولي ليُشكل ذلك بداية النهاية لحرب البوسنة والهرسك الدامية، ومحاكمة مرتكبي المجزرة من أمثال ميلاديتش وكارديتش.

واليوم مثلما فشلت الأمم المتحدة سابقاً في حماية المدنيين العزل في البوسنة والهرسك وفي "سربرنتشا" بالتحديد ضمن المناطق الآمنة، فشل أيضاً 300 مراقب دولي في منع وقوع مجزرة الحولة -سربرنيتشا السورية- ومجازر أخرى للأسف. وحتى إقامة مناطق عازلة، وهو مطلب كثير من السوريين وغيرهم، لن تكون آمنة وحدها إذ كانت "سربرنيتشا" مثالًا على عجز القبعات الزرقاء عن حماية المدنيين ومنع إبادتهم.

ومن المفارقات أنه في الوقت الذي وقعت فيه مجزرة الحولة كانت محكمة جرائم الحرب الدولية تصدر حكماً غير مسبوق بسجن "تشارلز تايلور" رئيس جمهورية ليبيريا السابق، لمدة 50 سنة. وذلك لارتكابه جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب وتزويده متمردي "الجبهة الثورية المتحدة" في سيراليون في الحرب الأهلية هناك بالسلاح، مقابل استغلال الألماس في تسعينيات القرن الماضي. وهي حرب أدت إلى مقتل 120 ألف شخص.

ومن الواضح أن مجزرة الحولة أيقظت الضمير العالمي، وحركت وحشيتها المجتمع الدولي لينتفض مجدداً مثلما فعلت مجزرة "سربرنيتشا". وفي الأسبوع الماضي نددت دول عربية وغربية بهذه المجزرة، وعبرت عن غضبها بطرد السفراء السوريين وانتقاد الدول الداعمة للنظام السوري، وعبّر المجتمع الدولي كله عن تقززه من تلك المجزرة عن طريق التصريحات التي استمع لها الجميع في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف الذي ندد بقوة بجرائم النظام السوري واصفاً إياها بأنها "جرائم ضد الإنسانية". وفي إدانة واضحة للنظام السوري ندد المجلس، بارتفاع وتيرة القتل وسط استمرار خرق حقوق الإنسان، وارتكاب جرائم ضد الإنسانية وممارسة العنف الجنسي ضد النساء والأطفال. وطالب بتشكيل لجنة دولية للتحقيق في مجزرة الحولة، والسماح بدخول هذه اللجنة إلى سوريا لإجراء التحقيق والإعلان عن أسماء المسؤولين عن المجزرة، ومن أعطى التعليمات وارتكب تلك الأعمال البشعة.

واليوم تزداد المخاوف، وحتى يعود الحديث عن خيار التدخل العسكري والتحرك لمنع تفجر حرب أهلية في سوريا، وهي حرب لن تبقى تداعياتها مقتصرة عليها، بل ستتمدد إلى جوارها. وقد رأينا إرهاصات ذلك في لبنان مؤخراً، وقد يتكرر ذلك في العراق وغيره من دول الجوار السوري. كما نرى وجود خطر من نوع آخر بدأ الحديث عنه بجدية، وهو القلق من وضع ترسانة السلاح الكيماوي والبيولوجي التي طورها، ويملكها النظام السوري في أكثر من قاعدة وموقع عسكري، خاصة غازي الأنثراكس والسيرين القاتلين. ولذلك نرى وسنشهد المزيد من التحرك والسعي المحموم بقيادة واشنطن والدول الغربية لإقناعه بالموافقة على زيادة عدد المراقبين الدوليين إلى عدة آلاف مراقب مسلح وجلهم من الروس والدول التي ليس لها موقف متشدد من النظام السوري. ولذلك لم يكن مستغرباً مع بدء هذه الحملة التي سرعت مجزرة الحولة من تفعيلها تصريحات المندوبة الأميركية في الأمم المتحدة سوزان رايس التي وصلت إلى الحديث حتى عن إمكانية العمل خارج الأمم المتحدة للالتفاف على "الفيتو" الروسي- الصيني للتعامل مع الشأن السوري.

وكل يوم يتأكد أكثر صواب قرار دول مجلس التعاون الخليجي التي كانت أول من انحاز للشعب السوري وتصرف بمسؤولية سبقت حتى الدول الكبرى في سحب الشرعية عن النظام السوري. وكان لافتاً في نهاية الأسبوع الماضي اعتراف المبعوث العربي والدولي كوفي عنان بالإحباط، دون أن يعترف بفشل مبادرته، على رغم مسلسل المجازر، وخرق مبادرته وعدم الالتزام بها.

ومن الواضح أن مجزرة الحولة وتفاقم خرق النظام السوري للأعراف والقيم، وحّدا المجتمع الدولي ضده ما يشكل واقعاً بل نهجاً جديداً، يغير قواعد اللعبة ويحفز المجتمع الدولي ومعه العربي ضد النظام السوري الذي تزداد عزلته وحصاره، وبالتالي يسرع من سقوطه. ولكن للأسف ليس قبل أن يُراق المزيد من الدماء ويُرتكب المزيد من المجازر أمام سمع وبصر المجتمع العربي والدولي!

=================

التوتر في لبنان... رسالة «الأسد» للسنَّة!

ترودي روبن

البيره - لبنان

ينشر بترتيب خاص مع خدمة

«إم. سي. تي. انترناشيونال»

تاريخ النشر: الإثنين 04 يونيو 2012

الاتحاد

كان زعماء السنة الذين يرتدون البزات الداكنة أو العبايات السوداء، يتوجهون لمسجد هذه القرية الصغيرة التابعة لقضاء عكار في شمال لبنان لحضور مراسم عزاء الشيخ أحمد عبدالواحد.

كانت هناك ملصقات ضخمة تحمل صورة رجل الدين الراحل ذي الشعبية الواسعة على جدران المباني المنتشرة على امتداد الطريق للمسجد، منها واحد كان موضوعاً على واجهة المسجد يحمل عبارة "دمك لن يضيع هدراً".

معظم المعزين كانوا يعتقدون أن الشيخ عبدالواحد قتل رمياً بالرصاص عند نقطة تفتيش على أيدي عملاء لسوريا، لأنه دعم علنا المتمردين الذين يتحدون نظام الأسد، وأن مقتله يمثل تحذيراً للآخرين بألا يدعموا خصومه.

قال خالد ضاهر، عضو البرلمان الذي ينتمي لشمال لبنان وهو يزفر غضباً: "النظام السوري يريد تصدير الحرب الأهلية المحتدمة في سوريا إلى لبنان... إنهم يريدون نشر الفوضى".

والحقيقة أن الانتفاضة السورية لو تواصلت لعام آخر من دون حل، يمكن أن تؤدي لانفجارات داخل الدول المجاورة، بمساعدة عملاء الأسد ومؤمراته.

ومقتل الشيخ عبد الواحد يظهر بجلاء مدى خطورة هذا التهديد. ولفهم الأبعاد الكاملة لهذا الخطر ينبغي أولاً فهم جذور الانتفاضة السورية التي بدأت كتمرد من جانب الجيل الشاب ضد ديكتاتورية عائلة الأسد التي استمرت في الحكم لما يزيد على أربعة عقود.

لكن ذلك التمرد كان في نفس الوقت سبباً في وضع الأغلبية السنية من سكان البلاد في مواجهة مع تلك العائلة الحاكمة المنتمية للأقلية العلوية، وهي فرع من الشيعة، وهي مواجهة ساعد عليها أن الأسد قد ملأ كافة الوظائف العليا والنافذة في الدولة بموظفين من أنصاره من تلك الطائفة.

ومع استمرار الأسد في قتل المزيد من السنة، وإقدامه على قتل أطفالهم كما حدث في قرية "الحولة"، فإن الصراع بدأ يكتسب لوناً طائفياً واضحاً.

يقول "نديم حوري" من منظمة "هيومان رايتس ووتش" في بيروت: "حتى الآن ظلت عمليات القتل الانتقامية من جانب السنة محدودة، لكن الشيء الواضح مع ذلك أن ثمة زيادة في درجة التوتر الطائفي... ورغم أنه لا يوجد لدينا حتى الآن أدلة كافية على وقوع عنف طائفي، فإن البلد ينزلق شيئاً فشيئاً لوهدة الحرب الأهلية".

وفي نفس الوقت ظلت الأقلية السنية في لبنان -التي تنتشر بكثافة في المناطق الشمالية- تعاني من الإحباط بسبب القوة السياسية المتنامية ل"حزب الله" الشيعي المدعوم من قبل نظام الأسد، والذي يحصل على سلاحه من إيران. وعندما ثار السنة في سوريا المجاورة ضد نظام الأسد، تلهف سنة لبنان لدعمهم من خلال نقل الأموال والمواد الطبية والأسلحة الصغيرة عبر الحدود.

وينظر السنة في لبنان لاغتيال الشيخ عبدالواحد، وسلسلة عمليات الاعتقال والقتل، وحوادث إطلاق النار التي تعرض لها أفراد من طائفتهم... على أنها رسالة تحذير قاتمة من نظام الأسد مفادها أنه قادر على قلب التوازن الطائفي الهش في لبنان رأساً على عقب إذا ما تجرأ اللبنانيون على إغضابه.

وما حدث هو أن مصرع الشيخ عبد الواحد، قد أدى إلى صدام دموي في مدينة طرابلس أكبر مدن الشمال اللبناني بين منطقة تسكنها الأقلية العلوية ومنطقة سنية مجاورة. وقال "ضاهر" إن السياسيين اللبنانيين من مختلف الطوائف، والذين ما زالوا يتذكرون أهوال الحرب الأهلية اللبنانية (1990-1975) حريصين على تهدئة تلك التوترات الطائفية، غير أنه في حالة لجوء سوريا إلى تصعيد الأمور من خلال القيام بعمليات اغتيال لشخصيات لبنانية قيادية، وهو تكتيك اشتهرت به استخباراتها، فإن جميع الرهانات سوف تغدو مطروحة.

وفي نفس الوقت تشير كافة الدلائل إلى أن الجهود التي يقوم بها عنان لم تصل حتى الآن إلى نتيجة، بل وتعرضت لانتكاسة مهينة بسبب مذبحة الحولة. واحتمالات تفاقم الحرب الأهلية في سوريا يجب أن توحد جهود الولايات المتحدة وروسيا وتقنعهما بالحاجة إلى عمل منسق.

وتصاعد عمليات القتل التي تقع في سوريا تدفع بالناس لأن يكونوا أكثر تطرفاً في معتقداتهم المذهبية وأكثر تشدداً بشأن الطريقة التي ينظرون بها إلى الطوائف الأخرى.

وإدارة الولايات المتحدة تعرف هذا الخطر، وهو ما يتبين مما قاله "دينس ماك دونو"، نائب مستشار الأمن القومي الأميركي الذي أدلى في الآونة الأخيرة بتصريح قال فيه: "كلما طال أمد الصراع في سوريا ازداد المشاركون فيه تطرفاً، وكلما زاد تأثير العوامل السلبية التي ستنعكس منه على باقي المنطقة وعلى مصالحنا فيها".

وماك دونو على حق فيما قاله، لكن الولايات المتحدة يجب أن تمضي لما هو أبعد من خطة عنان، وتعمل بقدر أكبر من التصميم والقوة من أجل مساعدة المعارضة السورية إذا ما كانت تريد تجنب هذه المحصلة.

عندما تحدثت إلى الشباب السني اللبناني في جنازة عبد الواحد كانوا في غاية الغضب، وقالوا إنهم يريدون الانتقام، لكنهم يريدون في الوقت الراهن على الأقل ترك الأمور إلى الزعماء كي يقوموا بمعالجة المشكلة".

لا أحد يعلم إلى متى سيستطيع هؤلاء الشباب ونظراؤهم السوريون كبح جماح غريزة الانتقام لديهم، خصوصاً إذا ما استمر الأسد في عمليات قتل المدنيين، وهو ما سيفعله بالتأكيد.

=================

توطين الأزمة في سوريا!

فايز سارة

السفير

4-6-2012

تجاوزت الأزمة في سوريا شهرها الخامس عشر، وهي في ذلك، كانت الاطول والاكثر تكلفة بين ثورات الربيع العربي. غير ان ما سبق لا يبدو المشكلة الاهم في الازمة السورية، لان ثمة تعبيرات تؤشر الى مساع هدفها توطين الازمة، وجعلها تدوم الى أمد بعيد، وهذا ما يمكن أن يخلق بالفعل مشكلة لا يمكن احتمالها ولا حلها، خاصة في ظل التفاعلات الراهنة المحيطة بالازمة ومجرياتها، خصوصاً لجهة الخسائر البشرية والمادية الفادحة، التي تلحق بالسوريين من جراء استمرار المعالجة الأمنية العسكرية التي يتابعها النظام، وما تولّده من تداعيات ونتائج.

ان السبب الرئيس في مساعي توطين الازمة، انما يعود أصلاً الى عدم القدرة على حسم وضعها الحالي، حيث أنها، منذ أشهر طويلة، باتت في مستوى من استقرار القوى، فلا النظام قادر على إخضاع الحراك الشعبي وإعادته الى بيت الطاعة، ولا الحراك الشعبي وصل بقدرته حد إسقاط النظام، وهذه المعادلة في توازناتها الداخلية، وجدت لها رديفاً اقليمياً ودولياً، فصارت الاصطفافات الاقليمية والدولية في السياق الداخلي ذاته من عدم القدرة على حسم الموقف في الازمة السورية، على الرغم من أن حجم وتأثير القوى الداخلة في الصراع متفاوت في ظل حقيقة ان الاكثر عاجز عن المبادرة الى الحسم، والاقل مستمر في ممانعته.

ويأخذ السعي الى توطين الازمة، من فكرة استنزاف الآخر، وتقوية القدرات الذاتية سنداً له، على أمل إجراء متغيرات في موازين القوة، ما يتيح له فرصة تحقيق الغلبة، ومنذ الاشهر الاولى وبعد ان استوعبت السلطات السورية حقيقة ما يجري حولها، وان الحراك الشعبي هدفه إسقاط لنظام وبناء نظام بديل، اتجهت نحو توطين الازمة وإدامتها الى أبعد وقت ممكن، وهو السلوك الذي كثيرا ما تم التعبير عنه بالقول ان السلطات السورية تسعى الى شراء الوقت لتعزيز محاولتها إلحاق الهزيمة بالحراك الشعبي عبر ثلاثة مسارات أساسية.

أول المسارات مواصلة تنفيذ الخطة الامنية العسكرية ضد الحراك وفعالياته الشعبية، بما فيها التظاهرات والاعتصامات وحركة الاحتجاج، وقد اتبعت في ذلك أقصى درجات العنف، بما فيها من قتل وجرح واعتقال وتهجير وتدمير ممتلكات ومصادر عيش، وتجاوز هذا المسار الحراك الشعبي ليصل في ممارسته الى حواضن هذا الحراك وبيئته الاجتماعية، فأصابت الخطة الامنية العسكرية وتوسعاتها مدناً وقرى كاملة، ولم تقتصر على أماكن الحراك وفعالياته ونشطائه.

والمسار الثاني، تمثل في تعزيز القدرات الذاتية للسلطات وأجهزتها، ليس من باب تنمية قدراتها البشرية بضم المزيد الى الجهاز الامني العسكري ورفع قدراته بالأداء فقط، بل بإنشاء قوة من نوع خاص ممسوكة ومضمونة الولاء للنظام ممثلة بمليشيات الشبيحة، إضافة الى تنمية قدرات الأجهزة والمؤسسات من الأسلحة والتجهيزات، التي تتلاءم مع المهمة الوظيفية الجديدة في إخضاع الحراك الشعبي ومنع استمرار فعالياته بكل الاحوال، وقد أدى ذلك في أغلب الاحيان والمواقع الى استخدام مفرط للقوة وغير مبرر بكل المعايير.

واذا كان المساران الاول والثاني قد جسدا الأساس في الخطة الامنية العسكرية للنظام في مواجهة الحراك الشعبي وفعالياته، فقد بدا المسار الثالث متمماً ومكملاً من خلال أخذه الجانب الدعاوي والسياسي للخطة العسكرية - الامنية، وفي هذا الجانب جرى التركيز على ان ما يحدث في سوريا انما هو مؤامرة خارجية تستهدف البلاد، وما يحصل في الداخل هو نشاط تقوم به جماعات إرهابية وأصولية مسلحة مرتبطة بالمؤامرة الخارجية، فيما السلطات تقوم بعملية إصلاح شامل للنظام، وهي تستجيب للمطالب المشروعة، التي تحتاج الى وقت لإنجازها.

ان مساعي السلطات السورية الى توطين الازمة، وجدت لها سنداً في مواقف أنصارها وحلفائها في الداخل، كما في المحيط الاقليمي والدولي من خلال دعم موقف السلطات وسلوكها الامني العسكري، وكان الاهم في ذلك موقف كل من روسيا والصين، وجسده بقوة استخدام الفيتو في مجلس الامن الدولي منعاً لتطوير موقف دولي من شأنه وقف السياسات والممارسات الامنية العسكرية للسلطات السورية في تعاملها مع الازمة القائمة.

غير ان فكرة توطين الازمة، ليست نتيجة مسعى للسلطات السورية ودعماً من حلفائها فحسب، بل انها من الناحية الموضوعية، ناتج طبيعي لسلوك وسياسات خصوم السلطات السورية ممن من يؤخرون معالجة الازمة في سوريا وحسمها، لان ذلك يساهم في توطينها وإطالة عمرها، ولا يكلف السوريين مزيداً من الضحايا والخسائر فحسب، بل يساهم في إدخالهم في نفق يهدد كيانهم ووجودهم، وهذا هو الخطر الاهم في الواقع السوري الراهن.

=================

قال الأسد.. ما قاله سابقاً

نصري الصايغ

السفير

4-6-2012

متى ندرك أن الزمن السوري القديم قد نفد؟ متى نتيقن أن الزمن السوري الراهن قد توقف؟ فد تخثر؟ قد تشظى؟ قد غرق في الدم؟ متى نعي أن الزمن السوري القادم قد تأجل؟

ما من فكرة جديدة تستحق الاهتمام. ما من مبادرة تستحق الأمل. ما من سياسة جديرة بأن تكون «حبال هواء». كأن الأوان السوري قد فات من زمان، ولم يدرك أهلها، سلطة ومعارضة، أنهم بلا أفق، وان المراودة اليتيمة راهنا، هي الكارثة، وان الكابوس المرجح، هو الحروب الاهلية.

كم وما يلزمنا بعد؟ كم مجزرة غداً؟ كم عنفاً دائماً؟ كم تأكيد ملغى؟ كم موعداً بنهاية كذب؟ كم اجتماعاً عقد وانفرط؟ كم أصدقاء لسوريا صدقوا؟ كم معركة خيضت ولا حسم؟ ثم كم قمعاً ولّد ركاماً من سلطة بلا حجة؟ كم جيشاً حراً بالاسم تبرأت منه المعارك النظيفة؟ كم يلزمنا من السقوط بعد كي نصل الى القاع الذي لا قاع بعده؟

فعلنا كل شيء بطرق مفتوحة على الانكسار. كل المعارك خسرت أهدافها ودفعت أثمانها رجالا ومجتمعا، نظاما ودولة، سلطة ومعارضة. لا فاز النظام ولا فازت المعارضة. النظام تفوق في التربص والتوغل والقفز من منصة الى خندق. الوطن على يديه، بلا وطنية. معه، وبسببه، وبسبب من معه، وبسبب من ضده، ومن يثور عليه كذلك، صار الوطن في حمى الطوائف وخنادق المذاهب، قذيفة ولغما ومجازر.

استنفد ملوك العرب نفطهم.. ولم يسقط النظام. استنفد أمراء العرب غازهم وفضائياتهم وتصاريحهم.. ولم يسقط النظام. استنفد الغرب تهديداته ومشاريع قراراته.. ولم يسقط النظام. هددوه بعظائم الفصل السابع.. ولم يسقط النظام.. سقط الجميع في المجهول المخيف.

سقطت سوريا في دمها.

هذا النظام لا يشبه أي نظام عربي. هو من نوع مختلف. أعمدته ليست من داخله بل من خارجه. نظام غير يتيم وغير طالق. هو على منعطف استراتيجي صعب، فيه تلتقي وتتنافر وتصطدم وتتنازع قوى دولية من المرتبة الاولى وقوى إقليمية من الجدارة المتفوقة، وقوى مقاومة، من براهينها أنها انتصرت ولم يقو عليها العالم.

هذا النظام غير آيل الى السقوط. قد تسقط سوريا، ولكنه قد يستمر، ولو من دونها، أو ذهبت سوريا الى حروبها الاهلية.

روسيا معه بلا هداوة. الصين الى جانبه بثبات. حساباتهم دولية ومعاييرها استراتيجية ومراميها حيوية، وتكتيكاتها اختبارية: أميركا ليست صاحبة الإملاء في هذا الميدان. إيران معه مهما كلّف الأمر. حساباتها تنطلق من قوة تتصاعد ولا تتراجع، تكسب ولا تخسر، تحاصر فتخرج بحرية وبيد طليقة ودعم مستنفر. إيران معه لأنه الطريق الى فلسطين، وفلسطين في فقه الولي تحتل مرتبة من يزكيها ومن يزكي من أجلها.

معضلة سوريا الكبرى أنها على مفترق المقاومة وفي مقام الاستبداد معا. الذين ثاروا على النظام لاستبداده، أطاحوا فضيلة النظام الاستراتيجية ونقطة قوته الفضلى. الغرب برمّته أيّد الثورة في سوريا وعلى سوريا، وخرس إزاء ثورة نقية وبريئة في البحرين.

ولذلك.. لم يسقط النظام، وقد يسقط كثيرون قبل سقوطه؛ كثيرون من أبرياء سوريا، كثيرون من مواطني سوريا.. بلا حساب.

النظام لم يسقط والمعارضة لم تسقط كذلك. القمع لم ينه المعارضة. دفعها الى السقوط في العنف. تعامل معها على أنها مؤامرة. وكما أطاحت المعارضة دور سوريا المقاوم عبر احتضان الغرب وعرب الاعتدال «ثورته»، حاول النظام أن يطيح ثورة الحرية على الاستبداد، عبر بيع المؤامرة للمعارضة.

أمس، قال الاسد ما كان قد قاله سابقا. لا جديد بعد. الزمن السوري مقفل. سوريا تستعيد «عرس الدم». الحولة لم تكن الاولى ولن تكون الاخيرة.

من لديه ذرة أمل فليبشرنا بها. لا أمل يأتي من جهة النظام ولا تفاؤل يأتي من جهة المعارضة ولا بادرة من أي مطرح إقليمي أو دولي.

=================

الطبقات الاجتماعية في الثورة السورية

مازن كم الماز

2012-06-03

القدس العربي

قوبلت مشاركة بعض تجار دمشق في الإضراب الاحتجاجي على مجزرة الحولة بالكثير من الحفاوة، وأعاد هذا التطور إلى الواجهة الحديث عن الطبقات في المجتمع السوري وموقفها من الثورة .. هناك إلى حد كبير قبول عام بأن الثورة السورية هي عموما ثورة المهمشين، ثورة المناطق الأكثر إفقارا نتيجة ممارسات النظام السوري .. أما الطبقة الأخرى في المجتمع التي تقابل الأولى، خصمها، الأغنى، فهي تلك التي تشكل رأس النظام مباشرة، تلك الحلقة الضيقة جدا من حكام سوريا ومالكيها الفعليين.

كنظام شمولي كان النظام السوري قد ربط بقية الطبقات، أو أجزاء منها على الأقل، بمصالحه وبوجوده، من الطبقة الغنية الواقعة خارجه أو تحته إلى الطبقة الوسطى وانتهاءا بجيش العاملين الذي يعمل في مؤسساته الحكومية .

إذا استثنينا الأكثر فقرا وتهميشا والضحايا المباشرين لسياسات النظام ونهبه، الذين يشكلون عمليا الشارع السوري الثائر، فإن بقية الطبقات انقسمت أفقيا في موقفها من الثورة والنظام .. صحيح أن هناك سخط حقيقي بين الطبقتين الغنية والوسطى، الواقعتين بين الطبقة الحاكمة أو الطغمة الحاكمة وبين الجماهير الأفقر، لكن هناك أيضا تخوف حقيقي بينهما من حراك غير محسوب أو خارج عن السيطرة للفئات المقهورة الأكثر فقرا .. لذلك قد يبدو أن أجزاء الطبقة الوسطى التي ساندت الثورة تتمتع بدرجة أعلى من الوازع الأخلاقي في موقفها من الثورة، خاصة في مواقف بعضها التي تظهر وكأن هذه الفئات قد تماهت بشكل فعلي وربما بشكل كامل مع الثورة، أي بالجماهير الثائرة، لدرجة أنها كانت مستعدة للدفاع عن كل خيارات هذه الجماهير، حتى تلك المفزعة بالنسبة لطبقة وسطى مدينية. في تشخيص حقيقة الطبقات والفئات الاجتماعية، لا أعتقد بصحة الموقف الماركسي الذي يصف فئة اجتماعية ما على أساس برنامجها الاجتماعي السياسي، هذا سيعني أن هذه الفئات، ذات البرنامج الليبرالي في معظمها، ليست إلا فئات من البرجوازية السورية، هذا غير صحيح، على الأقل حاليا .. أنا أميل إلى اعتبار هذه الفئات على أنها تكنوقراط سياسي ثقافي، كما أن النظام يستخدم نظراء هؤلاء في ماكينته الحكومية والإعلامية فإن هناك تكنوقراط مارس ويمارس فعلا احترافيا معارضا .. تشكل هذا التكنوقراط المعارض الذي شكل أساس المعارضة السورية التاريخية قبل الثورة لكن هذه الثورة كانت هي من منح وجوده وخطابه دفعة حقيقية، رد جميلها بأن أصر على منح الشارع الثائر عصمة ثورية مطلقة، مع ذلك يجب ألا يفهم موقفه على أنه تماه حقيقي مع الشارع الثائر، ما فعلته المعارضة السورية هو خيار متفوق أخلاقيا بلا شك لكن خيار اضطراري إلى حد كبير، وهو ليس خيارها النهائي، لقد فوضت المعارضة السورية التاريخية والموسعة حديثا بأطياف أخرى تكنوقراطية أيضا.

فوضت هذا الشارع بالقيام بالثورة والانتصار فيها، لكن هذا لا يعني أنها قررت تفويضه حكم سوريا المستقبلي بعد انتصار الثورة الذي يبدو حتميا رغم الصعوبات الحالية .. رغم دفاعه المستميت المتقدم أخلاقيا بكل المقاييس على خطاباته السابقة، يبقى التكنوقراط المعارض، بشقيه الإسلامي أو الليبرالي (العلماني) يعتبر نفسه الأحق بحكم سوريا المستقبل، وليست الجماهير الثائرة التي 'يدافع' عنها، وهو يتبنى، رغم بعض التباينات، مشروعا متشابها، ليبراليا في السياسة كما في الاقتصاد، يعني في الواقع تشكيل دولة مركزية، اعتبرت الدولة دائما في خطابات النخب العربية أداة التحول الضرورية وهذا يشترط بالطبع دولة مركزية ذات صلاحيات هائلة، دولة تنتج أو تعيد إنتاج المجتمع الذي تحكمه وليس العكس، من الأعلى دائما، هذا لم يتغير حتى مع وقوف غالبية هذا التكنوقراط المعارض ودفاعها عن ثورة شعبية تجري في الأسفل طالما لم تصل هذه الثورة إلى تغيير جوهر العلاقة بين الدولة والمجتمع القائمة على تبعية الثاني للأولى.

مضى على الشارع الثائر في سوريا 15 شهرا وهو يواجه ماكينة قمع استثنائية في انفلاتها وحتى دمويتها، كان أفضل ما يمكن للمعارضة أن تفعله له هو أن تصادق على كل خياراته الشعبوية، التي لم تستطع للأسف حسم هذه المواجهة التي تفتقد لأدنى توازن في القوى إذا استثنينا إصرار الشارع الثائر على مواصلة ثورته أيا تكن التضحيات .. المؤسف والمؤلم أن الخيار الأهم الذي كان يمكن للشارع الثائر أن يمارسه والذي كان من الممكن أن يحسن فرصه في حسم الصراع مع النظام هو إنتاج مشروع بديل عن استبداد النظام يقوم على سلطة الجماهير الثائرة والسورية عموما، الأمر الذي لم تكن المعارضة السورية لتستطيع أن تبرره أو تتعايش معه كما تفعل مع خيارات الشارع الثائر الأخرى اليوم من عسكرة وغيرها، تماما مثل عدم قدرة النظام على التعايش مع شارع مستقل يطالب بحريته وبحياة جديرة بالبشر.

=================

في سورية: النظام وحدَه حربٌ أهلية دائمة!

مطاع صفدي

2012-06-03

القدس العربي

في لحظة امتناع الحلول السياسة عن أية نتائج عملية، تنفجر المجزرة، كأنها ثورة مضادة، تقلب معطيات الأزمة رأساً على عقب. ما بعد المجزرة ليست الحرب الأهلية القادمة حتماً، بل ربما هو الحسم صار بمثابة الضرورة القصوى. فقد آن للصراع أن يخرج من حال المراوحة في المكان الواحد لكلا الخصمين: النظام الهمجي والطلائع الشبابية المكافحة ضده في شوارع المدن السورية وأريافها. فالمجزرة ليست حدثاً طارئاً في سلوك النظام القائم أصلاً على قاعدة الأحادية المطلقة للسلطة، والقهر لكل آخر، سواء كان من أتباعها أو معارضيها، فالمجزرة تبدأ أولاً سياسية، بإفقار المجتمع من كافة حقوقه المدنية والطبيعية في آن، بتجريد المواطن من شخصيته المستقلة فكرياً وسلوكياً ومعاشياً، أما المجزرة الدموية فسوف تكون من نصيب كل معارضة منظمة أو عفوية، فردياً أو جماعياً.

لو أُتيح ذات يوم توثيقُ الوقائع اليومية لأنظمة الحكم السائدة في حقبة الاستقلالات الوطنية للدول العربية المعاصرة، لظهرت بينها وحدة تنافسية عجيبة في التزام أساليب القمع، على أن تكون هذه الأساليب محكومة جميعها بنموذج المجزرة الدموية خاصةً باعتبارها النتائج الواقعية لحصيلة القمع ذي الصفة الجماهيرية غالباً. وقد تميز النظام الأسدي عن أنداده في هذا المجال بجرأته اللامحدودة في اقتراف الأهوال بحق خصومه علنياً، ودون خشية من ردود الأفعال، محلياً أو إقليمياً ودولياً، فليس ثمة مقتلة كبرى عرفتها سورية، وبعض محيطها العربي خلال العقود الأربعة أو الخمسة الماضية، كانت بعيدة في تخطيطها أو تنفيذها، أو بهما معاً، عن أجهزة الحاكم الدمشقي. وسواء كانت هذه المقتلات نصيب فئاتٍ أو أحزاباً أو مكونات إجتماعية معينة، بما فيها من الفتن والمؤامرات، حتى حدود إشعال الحروب الأهلية وأشباهها، السافرة أو المقنعة.

شعوب لبنان وفلسطين والعراق شهود أحياء، على المآثر الأسدية طيلة أربعين عاماً وأكثر في ظل الثورة الراهنة، حيثما يواجه النظام أصعب أيامه الأخيرة ربما، لم يتبق أمامه أية حدود لاعتبارات عامة، سوى جنون الهلع الهمجي الذي لا مكان بعده لأية غريزة أخرى، تُعقلن شيئاً من البطش أو تحاول حتى التنصل من أعبائه، بل من مفاخره التي تتباهى بإنجازاتها المروّعة وحوشُه الضارية، على رؤوس الأشهاد. لكن الجريمة الكبرى التي يرتكبها نظام البطش الفالت من عقاله ليس فيما يحدثه من المهالك الجمعية وحدها؛ بل بما يفجره أيضاً من غرائز عنف الانتقام والحقد والمرارة لدى قطاعات متزايدة من كتل الناس الآخرين. من هؤلاء المسالمين أو المحايدين أو المتوارين عن ساحات الفعل والانفعال المباشرة. وهي الكتل الأكبر والأوسع من جماهير المجتمع، فقد يكون عقل السلطة موغلاً في تبني شريعة الغاب إلى الحد الذي يتمنى فيه إشراكَ الجميع في الجريمة. حتى يصبح هؤلاء الجميع مشبوهين بارتكابها، إنه مصمم على تعميم المقتلات بحيث تختلط أسماء فُعلائها بين القتلة والمقتولين، وتضيع كل التصنيفات الحقوقية ما بين جماعاتها.

في ظل (إستراتيجية) تعميم المقتلات لا تعود ثمة ضرورة لاشعال نوع الحرب الأهلية الشاملة، إذ يصبح ما هو مطلوب منها متحققاً عملياً، وهو إغراق المجتمع المدني تدريجياً في نموذج مجتمع الغاب. فلا يتبقى ثمة خطوط فاصلة ما بين كبار الجلادين وضحاياهم، إذ يصير هؤلاء الاخرون مجرد جلادين صغار فحسب. هكذا يمكن للثورة أن تفقد بوصلتها مابين حماتها وأعدائها. تنسحب الأفكارُ العظيمة من ساحات الصراع، وتتهاوى حدود التصنيفات (الأخلاقية) ما بين المتاريس. فالنظام منخرط بكل وعي و(بطولة) في إلغاء كل تمايز فكري أخلاقي مع الثوار. يريد أن يحول بعضهم إن استطاع إلى نوع آخر من الشبيحة، ما أن يحاصرهم في منطقة رد الفعل الغريزي على مقتلاته. لعله بذلك يفاقم من محاولته المستمرة منذ بداية الانتفاضة في عزل الثوار عن الكتلة الجماهيرية الواسعة، غير المشاركة بعد في إيقاع التظاهرات المتلاحقة.

لكن الثورة تخوض كفاح النمو والانتشار، والنظام يصارع للبقاء والاستمرار. والثورة هي أفكار وانفعالات ومواقف، والنظام هو وحش مستبد ممسك بخناق الدولة والمجتمع معاً. فليس ثمة تعادل أو توازن ما بين الطرفين في رصيد التملك من وسائل القوى المادية على الأرض. كل امتياز الثورة هي غضبتها الإنسانية المشروعة، متوجةً بأبسط الأفكار المشتركة مابين كل بؤساء البشرية المظلومة منذ بداية التاريخ، يختصرها تعبير واحد هو الحق بالحياة الحرة. لكن ليس من غضب ثوري لا يصاحبه عنف ما، مهما تمسّك أصحابُه بفضائل السلم الأهلي. وقد يكون في البداية عنفاً معنوياً تجسده وسائل الاحتجاج المدنية المعروفة من إعلام وتحشيدات جماعية وتظاهرية وإضرابات، لكن حكومات الاستبداد العربي أثبتت أنها لا تشعر بحريتها وأمنها إلا بمقدار ما تحرم شعوبها من أبسط مكتسبات هذين الشرطين، الحرية والأمن معاً.

النظام الأسدي كان السيد المجلّي لهذا الملف. فكان دائماً مطلق الحرية ما فوق الأخلاق والقانون، بقدر ما كانت سورية الشعب والمجتمع مغيّبة سياسياً وثقافياً، وحتى تنموياً حضارياً. لقد قبض الأسد الأب على سورية الحرة، منتزعاً من يديها كل دور قيادي لها إبان لحظات الانعطافات الجيوسياسية والنهضوية التي حَفَلَ بها النصفُ الثاني من القرن العشرين، وخاصة فيما يتعلق بمعظم رهانات التحرر التي انخرطت في ممارستها طلائع أجيال متتابعة، كانت قدمت أعظم التضحيات من أجل أهداف إنسانية بسيطة بالنسبة لكل أمة حية، لكنها أمست أشبه بالمستحيلات في مواجهة العرب لها، لماذا لا يمكن للعرب أن ينهضوا، أن يتحرروا، أن يتحدوا. هل الأجوبة تحتاج إلى تدخّل ثقافة المعجزات. فقد انتهى عصر الجدل العقيم، سياسياً فكرياً وواقعياً، مابين ثقافتيْ الممكنات والمستحيلات، ولم يتبقَّ سوى أطلال الهزائم في كل ميدان، حتى تستمرئ الشعوب أخيراً كونها سجينة أنظمتها، تتقبلها وتتلاءم معها.

إن تحرير سورية اليوم من سجنها الأسدي هو الأصعب في مسيرة الربيع العربي. يصير هذا التحرير بمثابة عقدة الفصل بين ازدهار هذه المسيرة وبلوغها غايةَ التغيير الشاملة للخارطة العربية، أو انحدارها إلى مستوى مستنقعات دموية لمختلف عوامل التدمير الذاتي. ولذلك ليس من السهل أن يتنازل عقل النظام الدولي عن مدى سيطرته شعرة واحدة على هذه العقدة الجيوسياسية الحاسمة. فالانتفاضات الأربع السابقة، وفي ذروتها زعزعة الفرعنة المصرية، لن يُكتب لها الخلاص من تناقضاتها الشعبوية داخلياً، وتحديداً في مصر خاصة، دون أن يدخل العامل الإقليمي الأوسع كمعيار مرجعي كلي لتطورات هذه الانتفاضات مع ظروفها الداخلية المضادة؛ لن يتكون هذا العامل إلا مع تحقق نوع الانقلاب البنيوي لخارطة المشرق العربي، ومن عاصمته دمشق/الشام. فالربيع سيشكو من فقدان التوازن إن ظل الشارع المصري منقطعاً عن الشارع الشامي. إن طال انتظار الأول حتى يطيح الثاني بسُجّانه.

إشكالات ما بعد إسقاط حكّام الأقطار الأربعة أن ثوراتها فاقدة حتى اليوم لهويتها السياسية. إذ يجري إغراقُها في تفاصيل الصراعات السلطوية/الفئوية من دون أية آفاق فاتحة على ما هو كلي وراهني في آن معاً. هذه الحالة المعبأة بكل الاحتمالات لا يعرفها (النظام الدولي) فقط، بل يرعاها ويشجع نموها وتجذّرها مدركاً أن مبدأ التمزيق القطري لم ينفع في إحباط كل تاريخ النهضة المعاصرة فحسب، لكنه يصبح اليوم أكثر من ضرورة استراتيجية لإحباط ربيع الثورات واحدة بعد الأخرى. على أنه ينبغي ألا يفهم من هذا التواصل مجرد التعاون العملي ما بين انتفاضات متفاصلة جغرافياً، لكنها موحدة في جوهرها كمعارضة مشروعة ضد الظلم، وفي مآلها الإنساني والاجتماعي في تحقيق الحرية والعدالة. فتلك هي سيرورة عامة تشترك فيها معظم ثورات التاريخ على مظالم الناس ضد بعضهم؛ وتبرز خاصة عبر أركيولوجيا الدولة الحديثة. لكن ما يضفي على إنجازات 'الربيع العربي' معالمَه الذاتية المختلفة هو كونه ثورة (أمة) كاملة على ظروفها (القومية) العامة، متحققة من خلال أقطارها المجزأة، في نوع من إيقاع التناغم الاجتماعي العابر للحدود المصطنعة، من حيث تشابه ظروف الأقطار المتحركة، في خطوطها العامة، مع التنوع في تفاصيلها المباشرة؛ فالاستغراق في هذه التفاصيل قد يحرم الثورة من غذائها المعنوي الكبير، يجرُّها من شرطها البنيوي التاريخي؛ يُبعثر دَفَقَها الحيوي تحت وطأة الصدف الحَدَثية في أصغر ساحات الصراع اليومي المفتوحة سواء ضد عدوها السلطوي، أو تلك المتناسلة مابين مكوناتها أو شراذمها البشرية إزاء مصالحها الآنية. وقد يتغلّب هذا الصنف من نوازع الأنانية والتسلّط الذي هو من الدرجة الثانية، ليصبح من بين المحركات الأولى لما كان فعالية ثورية خالصة، منتهياً إلى مجرد حراك سياسوي عرضي وعابر لفئات وتشكيلات لا حصر لها. بيد أنه قد يطيح من جديد بدورة نهضوية كاملة، لمستقبل أمة فاشلة.

هذا المصير الكالح لا ينتظره أعداء الربيع دون حراك، إنهم ناشطون في إنتاجه وفي التعجيل بأحداثه. ولعل الجهد الأعظم في هذا السياق إنما يتناول ثورتيْ المحور النهضوي العربي ما بين مصر والشام؛ في استنزاف الأولى سياسياً، والثانية عسكرياً وكيانياً معاً. في القاهرة تحاول العسكرتاريا الحاكمة منذ عقود، أن تجعل المرحلة الانتقالية نحو سلطة الثورة، ترتدّ على أعقابها، كأنها تريد حصار الثورة في حدود تيار ما من بين تيارات أخرى كثيرة يتوزّع بينها شعب الناخبين، وذلك ما أن تصبح رئاسة مصر خياراً بين استبداديْن: عسكري قديم، وشعبوي ديني؛ لكن ثورة مصر ليست تياراً ولا حزباً، لا يمكن عزلُها أو حصارُها. وإلا فإن تحريف هذه العملية الرئاسية سوف يعيد وضع كل من السلطة والمجتمع في غالبيته، على طرفيْ استقطاب حديّ رأسيّ، لا يعيد إنتاج العصر الفرعوني البائد وحده، بل مضافاً إليه انقسام المجتمع أفقياً كتلوياً كذلك بين قبائل الشعبويات الدينية وتيارات الحداثة التقليدية والمستجدة.

لكنه هو الانقسام الذي تأمل العسكرتاريا من تجديده قلْبَ وجهة الصراع العمودية ضدها، الصاعدة من قاعدة المجتمع، إلى وجهة أفقية عرضانية تشقّ وحدة الثورة، وتُشغلها عنها إلى مرحلة مستقبلية ريثما تموت زهور 'الربيع'، ويبقى تمثال (أبو الهول) شاخصاً إلى آفاق الصحراء كماكان دائماً منذ الأزل.

ما يكسر شيئاً من سواد هذه اللوحة هي الفكرة الفلسفية القائلة أن خيار التاريخ قد يكون هو الأقوى من 'مؤامرات' البشر. ليس هذا تفاؤلاً غيبياً، بل قد تبلوره لغةٌ استراتيجية، وحتى أنها واقعية مادية، تثبت على الأقل هذا الحد الأدنى من يقين ساذج لكنه صادق مع نفسه، وتعرفه بعض الشعوب الواعية في لحظات التحولات المصيرية. يقول أن خارطة العالم العربي، مع الثورة أو بعدها، منهزمةً أو منتصرةً، لن تبقى كما كانت قبلها. هذه الحكمة ليست عقيمة ومكرورة، إن لها حاملاً ملؤه الحيوية والقوة الجديدة، في هذه المنطقة من عالم اليوم. إنهم شباب العرب الذين يكافحون شيخوخة الأمة: يولدون أحراراً طلقاء، كأنهم مصنوعون فقط من لُبُنات أفكارهم وسواعدهم. هؤلاء مبدعو التغيير، وهم الأولى برقابته وحراسته. وكل انحراف أو تحريف وطني أو مدسوس، سوف يلقى تقويمه العاجل. وإلا لن يكون هناك طبيعةٌ أو تاريخ ، والدليل الأقوى؛ من كان يتوقع ربيعاً ما ينفجر فوق صحارى العرب..!

' مفكر عربي مقيم في باريس

=================

سيناريوات سورية

ناصيف حتي *

الإثنين ٤ يونيو ٢٠١٢

الحياة

لا توجد دولة في الشرق الأوسط تشابه سورية من حيث عناصر التفجير والتعقيد، حين تلتقي المعطيات الخارجية، معطيات الجغرافيا السياسية والموقع الاستراتيجي الجاذب والدور القائم والمحتمل، ومعطيات البنية المجتمعية حيث الموزاييك السوري الذي هو مصدر غنى عادة وكما كان دائماً ويصبح مصدر جاذب وأساسي في صنع التفجر الداخلي في زمن احياء الهويات الأصلية وهي حالة عربية وشرق اوسطية وليست سورية فقط، إحياء العقائد والهويات الدينية والمذهبية والاثنية على حساب الهويات الوطنية والقومية وذلك بسبب غياب مفهوم المواطنة الذي ليس هو مجرد عنوان او شعار بل هو وضع قانوني ومناخ ثقافي سياسي واجتماعي. وهذا الغياب ايضاً حالة منتشرة في العالم العربي بدرجات مختلفة. خاصية الوضع السوري في تعقيداته وفي صعوبة اخراج سورية من مأساتها الحالية تكمن في التداخل والتفاعل المتفجر والذي يزيد الأمور تعقيداً بين مختلف هذه المعطيات.

في ظل انسداد الأفق السياسي وغياب احتمالات واقعية في المدى المنظور لإخراج سورية من ازمتها الدامية وحيث تبدو مهمة المبعوث الأممي العربي المشترك كوفي عنان مجرد هدنة ديبلوماسية تعفي الكل الخارجي من ان يقف في الواجهة بحثاً عن مخرج وتختبئ بالتالي الأطراف الخارجية وراء مهمة كوفي عنان الى ان تستطيع تحسين اوراقها في الصراع او تغيير مواقف الطرف الخارجي الآخر، في ظل هذا الوضع تتجه سورية الى واحد من سيناريوات خمسة:

أولاً، ادارة الاهتراء والتفكك والمواكبة الديبلوماسية لمحاصرة الحريق دون نجاح كبير وليس بالطبع لإطفاءه وتجفيف مصادره وتدخل سورية في ما يعرف بالصراع الاجتماعي الممتد ذات الدرجات المختلفة من العنف حيث تصبح هنالك مناطق مهما صغرت او اوقات مهما قصرت تكون خارج سيطرة السلطة فتتآكل مؤسسات الدولة، والدولة عادة اضعف من النظام في هذه الحالات ويصبح مسار الصراع العنفي المسلح بأنواعه المختلفة هو الحاكم والناظم للساحة السورية دون أي افق سياسي سلمي واضح.

ثانياً، الأفغنة التي تذكر بالصراع ضد نظام نجيب الله في افغانستان فمع استمرار العنف كوسيلة وحيدة لتسوية الأزمة وغياب أي افق سياسي للحل يزداد خطاب الثورة راديكالية ويزداد سلوكها عنفاً او تحديداً تزداد قوة الأطراف التي تؤمن بالحل العسكري العنفي كرد على سياسة العنف الرسمية وفي اطار خط الزلازل المذهبي الذي استقر بقوة في المنطقة والتي تقع سورية في قلبه تصبح الساحة السورية جاذبة ومحرضة للجهادية القتالية الدولية وقد شهدنا بعض ارهاصاتها. ويعد هذا السيناريو فيما لو استقر بقيام افغانستان عربية في قلب المشرق.

ثالثاً، العرقنة مع سقوط وتفكك السلطة مع الوقت وقيام صراعات داخلية بين الجماعات والمكونات الأصلية ولو تحت عناوين "وطنية" جامعة وجاذبة لكنها تصلح لتعبئة الجماعة ذاتها وليس لإقامة جسور مع الجماعات الأخرى فيصبح التحارب بين الجماعات بأشكال مختلفة هو العنصر الحاكم، فيما تجوف الدولة وتتآكل من الداخل وتشل قدراتها وأدوارها وتتعقد امكانيات ايجاد حل سياسي ذات مشروعية وطنية.

رابعاً، اللبننة او السقوط في حرب اهلية على الطريقة اللبنانية التي قد تنتهي بجذب التداخلات الخارجية القريبة والبعيدة وبلورة نظام على الطريقة اللبنانية نظام الديموقراطية القائمة على التوافقية الطائفية وهو نظام هش وجاذب دائماً للتدخل الخارجي وقد شهدنا كيف تمت لبننة النظام في العراق، فيما نرى سورية تعيش احتمال عرقنة لوضعها.

خامساً، اليمننة او اعتماد النموذج اليمني رغم صعوبات ذلك بسبب الفوارق الأساسية من حيث دور الخارج وقوة النظام في الداخل بين الحالتين السورية واليمنية، ولكن هذا الخيار يفترض مع انسداد الأفق اسقاط السلطة الفعلية برمزها رأس الدولة وبقاء النظام مع تغييرات طفيفة لا تمس جوهره. ولكن يبقى هذا السيناريو هشاً وقابلاً للتحول الى أحد السيناريووات المشار إليها سابقاً.

ان إخراج سورية من محنتها لا يكون برفع سقف الطروحات السياسية والديبلوماسية هنا وهناك وتعزيز منطق الحرب الباردة واستقراره بين الأطراف الخارجية الفاعلة في المسألة السورية، بل يستدعي قبل كل شيء احداث نوع من التوافق او تفاهم الحد الأدنى الخارجي الذي تتبلور على اساسه خريطة طريق تقوم على ادارة ومواكبة عملية التغيير الفعلي والتدريجي وعملية الانتقال في سورية من حالة الحرب الى حالة السلم المجتمعي عبر آلية حوار وطني ذات إطار زمني محدد وجدول اعمال واضح يلتزم به التفاهم الخارجي لإحداث التغيير المطلوب في النظام، والذي هو في نهاية الأمر تغيير تدرجي للنظام يحفظ سورية دولة ومجتمعاً وينقذها من السقوط في دوامة العنف والموت، الذي يشكل خطراً على جميع المعنيين باستقرار المشرق قلب الشرق الأوسط. انه ليس بالحل السحري ولا بالحل المستحيل ودونه صعوبات كبيرة، لكنه يبقى المخرج الوحيد لإنهاء المأساة السورية.

=================

لا ندم في دمشق.. ودموع تماسيح في موسكو!

إياد أبو شقرا

الشرق الاوسط

4-6-2012

«محاولة التحاور مع شخص تخلى عن أي منطق أشبه بإعطاء الدواء لجثة هامدة».

(توماس باين)

ساعة ثقيلة جدا مضت علي يوم أمس وأنا أتابع خطاب الرئيس بشار الأسد في افتتاح أعمال مجلس الشعب السوري الجديد.

لقد تابعت المحاضرة التلقينية الديماغوجية و«التشريحية» بألم وأسى. ومر في بالي أثناء المحاضرة شريط قصة مأساوية حقيقية حصلت في إحدى القرى القصية في جرود جبل لبنان «بطلها» فلاح قتل ابن أخته بفأس إثر خلاف على دخول عنزة يملكها ابن الأخت إلى بستان الخال.

بعد الجريمة البشعة حكم على الخال القاتل بالسجن المؤبد، ولكن ل«حسن السيرة والسلوك» أفرج عنه بعد مرور 15 سنة. وخلال رحلة العودة إلى قريته برفقة عدد من أقاربه عطلت حالة الطقس السيئة مسيرة الحافلة فتوقف مع الأقارب في قرية مجاورة ليبيتوا ليلتهم في بيت بعض المعارف والأهل. وهناك على مائدة العشاء، أمام الموقد، بادر صاحب البيت ضيفه القاتل المفرج عنه بكلمات تجمل وتعاطف، انتهت بالقول كيف أن الشيطان يوسوس للناس فيقودهم إلى ارتكاب خطأ يندمون عليه لاحقا. وتابع أنه يقدر كم يشعر ضيفه بالندم على قتله ابن أخته، ومن ثم، على ضياع 15 سنة من عمره أمضاها خلف القضبان. غير أن القاتل انتفض بغضب بمجرد سماعه هذا الكلام، صارخا «نادم! على ماذا؟! أنا لم أكن على خطأ. لقد هددته بوضوح بأنه إذا سمح للعنزة بدخول البستان فإنني سأقتله، لكنها دخلت! كيف ألام إذن على قتله؟!».

عودة إلى الرئيس الأسد، الفخور بحمله شهادة الدكتوراه في الطب والجراحة - بدليل استشهاداته الطبية الدائمة - يبدو لي أننا أمام اللامنطق نفسه. فالرئيس السوري، لم يتعظ بعد بما حل بزملائه السابقين صدام حسين وزين العابدين بن علي وحسني مبارك وعلي عبد الله صالح، وطبعا «شريكه» الممانع في «النضال ضد (القاعدة)» معمر القذافي.

إنه مصر على الصورة السرابية التي اختار ترويجها للانتفاضة الشعبية السورية، منذ البداية، يوم كتب أطفال درعا على جدرانها عبارات لم يسامحهم عليها المسؤول الأمني المحلي السيد عاطف نجيب.

بعد 14 شهرا من القتل والخطف والإخفاء والتدمير لم يندم «السيد الرئيس» على شيء. إنه ما زال مقتنعا بأنه جراح يعمل في غرفة عمليات مهمته الاستئصال.. وهنا نحن بصدد استئصال «الإرهاب»!

«استئصال الإرهاب» كان حتى الأمس القريب عبارة تكثر من استخدامها إسرائيل و«القوى الإمبريالية» حسب وصف إعلام الممانعة في دمشق، تماما مثل كلمة «المخربين». وكان «الممانعون» في دمشق يستشيطون غضبا لتعمد واشنطن اعتبار «المقاومة» المشروعة و«النضال ضد الإمبريالية»، «إرهابا». ولكن فجأة هضمت دمشق كلمة «الإرهاب» كما استساغت استخدام كلمة «المخربين».. وصار «الإرهابيون» و«المخربون» العدو الألد لنظام الممانعة غير الممانع والمقاومة غير المقاومة.

ولم يكتف الرئيس الأسد بهذا، بل شاهدنا كم هو حريص على تنصيب معارضة برلمانية «زخرفية» تابعة ومأجورة يستخدمها للتمويه والتضليل حيث تدعو الحاجة. وهذا، مع أنه ما كان مضطرا لفضح بعض هؤلاء من الذين يصفون أنفسهم ب«معارضين» و«تقدميين».

ربما كان أشرف بكثير لبعض الوجوه التي تدعي أنها قيادات لتيارات وأحزاب سياسية «معارضة» - ولو كانت جزءا من ديكور «الجبهة الوطنية التقدمية» البائس - ألا تترشح لدخول مجلس الشعب الجديد جنبا إلى جنب مع «شبيحة» النظام المفضوحين إعلاميا وشعبيا.

كان أفضل لهؤلاء أن يظلوا خارج المجلس لمواصلة جولاتهم الخارجية التضليلية الهادفة إلى إرباك المعارضة والتشكيك بوحدة أهدافها.

ولكن ما العمل مع رئيس ينتمي إلى مدرسة الديكتاتوريات العربية ذاتها.. مدرسة الاجتثاث والاستئصال، واحتكار الوطنية والممانعة، ومناهضة الاستعمار.. وطبعا - على رأس القائمة - مواجهة الطائفية والطائفيين (!) من منطلقات طائفية مضادة؟!

أذكر أنه عندما تولى الرئيس بشار الأسد الحكم قبل 12 سنة، وهذه مدة تعادل ثلاث فترات رئاسية أميركية، سألت صديقا سوريا - رحل الآن عنا - عن شخصية الرئيس الجديد، فأجابني بمرارة «ليس ساذجا كما يظنه الناس، ولا هو ذكي كما يظن نفسه». وبمرور الأيام تأكد لي صدق كلام صديقي - رحمه الله. فهو اختار سياسة المواجهة المباشرة من دون أن يحاول أن يفهم أن الظروف التي ساعدت الأسد الأب على سحق انتفاضة حماه في مطلع عقد الثمانينات تختلف جذريا عن ظروف انتفاضة الشعب السوري في طول البلاد وعرضها اليوم. غير أن خيار المواجهة اليوم، وهنا لا أدري إن كانت كلمة «خيار» دقيقة، يرتبط باعتبارات عدة خدمت المشروع الدموي للنظام. فإسرائيل متحمسة جدا لتدمير النسيج الداخلي لسوريا والمنطقة عبر استقطاب تفجيري طائفي - عرقي لا يبقي ولا يذر. والإدارة الأميركية، التي لا تخرج عادة عن التصور الإسرائيلي العام في ما يخص المنطقة، منشغلة بحملة انتخابات رئاسية لا تريد خلال الأشهر المتبقية منها أن ترتكب هفوات مكلفة. والقيادة الروسية الجديدة - القديمة، بصلفها القيصري الفاقع الذي شاهده العالم في مراسم تنصيب فلاديمير بوتين، ما عادت ترضى بأقل من مقايضة مربحة ما في علاقاتها مع قيادة أميركية عديمة الطعم واللون والرائحة. وإيران، صاحبة المشروع الإقليمي الطموح، تعلمت منذ بعض الوقت أن «الهجوم خير وسائل الدفاع»، وأن مقارعة الخصوم خارج أرضها أفضل لها من مقاومتهم في شوارع مدنها وحقول قراها. وهي اليوم تطبق استراتيجية «شفير الهاوية» هذه بدقة.

الرئيس الأسد، عمليا، لا يريد أن يعترف أنه مجرد بيدق شطرنج صغير في لعبة غدت أكبر منه بكثير. والسؤال الوحيد المطروح هنا هو: هل كان بمقدور الرئيس السوري في أي وقت من الأوقات خلال السنوات الماضية أن يتصرف بصورة مغايرة؟ هل كان «سيد نفسه» حقا على الأقل منذ مطلع عام 2005، الذي اضطرت فيه دمشق لسحب جيشها من لبنان، تاركة الهيمنة عليه لإيران مباشرة؟

حاليا لا خلاف على أن الدور الإيراني ورقة مقايضة ابتزازية لموسكو مع واشنطن، وأن الواقع السوري أيضا ورقة مقايضة إيرانية - روسية مع تل أبيب وواشنطن. كذلك فإن سياسة «الأرض المحروقة» التي اعتمدتها القوات العسكرية للنظام السوري تشكل رسالة من الكتلة المصلحية المتحكمة بنظام دمشق، وامتداداتها اللبنانية، على أن النظام جاهز للذهاب بعيدا في التهديد بالتقسيم عبر التطهير الفئوي والمذهبي.

أخيرا، في بداية الانتفاضة السورية كانت الانتفاضة شعبية وسلمية. ولكن دموية النظام المستقوية ب«الفيتو» الروسي - الصيني أطالت أمدها. والعالم جرب وأدرك أنه في إطالة أمد الانتفاضات الشعبية استدعاء خطير لكل أنواع اللاعبين.

وبالتالي، عندما تذرف موسكو اليوم دموع التماسيح وتحذر من خطر انزلاق سوريا نحو الحرب الأهلية.. فعليها أن تقر، ولو ضمنيا، بأنها وراء تلك الحرب، وأنها مع بكين تتحملان مسؤوليتهما سياسيا وأخلاقيا.. إن بقيت بقية من أخلاق.

=================

الأسد جعلها أكثر بساطة

طارق الحميد

الشرق الاوسط

4-6-2012

حسم طاغية دمشق كل الجدال الدائر، عربيا ودوليا، وحتى بين بعض أطياف المعارضة السورية، حول إمكانية الحل الدبلوماسي في سوريا، حين أعلن في خطابه أمس أن سوريا ليست في أزمة، وأنه ماض في قتال من وصفهم ب«الإرهابيين»، ولو كان الثمن غاليا!

كلام الأسد كان واضحا، فهو لا يرى أزمة سياسية بسوريا، وإنما أزمة إرهاب، وعدوان وتمويل خارجي.. هكذا بكل بساطة، وأنه مستعد لاستكمال مشوار القمع والقتل، أياً كانت الأسباب، حيث يقول في خطابه «قد يكون الثمن غالياً.. مهما كان الثمن لا بد أن نكون مستعدين لدفعه». بل إنه يريد من السوريين شكره على ذلك، حيث يقول: «عندما يدخل الطبيب الجراح ويقطع.. يقال له سلمت يداك لأنك أنقذت المريض»! إذن هو يتعهد بمواصلة المزيد من القتل، والقطع، لأنه يرى كل رافض لنظامه عدوا ممولا من الخارج، وإرهابيا يجب التصدي له، والأدهى من كل ذلك أن الأسد تعهد في خطابه ألا تذهب دماء المدنيين والعسكريين هباء، وأنه لن ينتقم ولكنه سيقتص، أي أن الأسد يقول للآخرين، في الداخل والخارج، إن كل من ثار ضده، أو تعاطف مع الثورة السورية، فإن عليهم الاستعداد لأنه سينتقم منهم!

هذا مجمل وأهم ما قاله الأسد في خطابه يوم أمس، أن لا أزمة سياسية، وأنه سيواصل ومهما كان الثمن غالياً، وأنه في حال هدأت الأوضاع فإنه سينتقم. رسائل واضحة، وصريحة جدا، معناها أنه على كل من يعتقد أن مهمة السيد كوفي أنان قابلة للتنفيذ فهو إما واهم، أو يريد منح الأسد الفرص. كما أن معنى خطاب الأسد، بالأمس، أن كل من يأمل بحل سياسي في سوريا، سواء على غرار المبادرة اليمنية وبجهد روسي، أو خلافه، فهو واهم أيضاً، فطاغية دمشق لا يرى أصلا أزمة سياسية، وإنما إرهابيين يجب قطع دابرهم، أي مزيداً من القتل، والمجازر، والأعمال الوحشية!

وإذا كان من أمر جيد يحسب للأسد هنا فهو إسهامه الحقيقي في تبسيط عملية اتخاذ موقف تجاه ما يحدث بسوريا، وهذا يعني أن على كل من أملوا بحل سياسي، سواء عبر نقاط أنان الست، أو عبر موسكو، أن يعيدوا النظر في ذلك، ويبدأوا التفكير الجدي في كيفية العمل الآن على إنهاء معاناة السوريين، وجلب طاغية دمشق للعدالة، وإنهاء حقبته السيئة. ومن هنا تأتي أهمية تأييد وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل للمناطق الآمنة داخل سوريا، وإن كان الفيصل يقول إنه من الضروري أن تكون عبر مجلس الأمن، إلا أنه بحال استمر التعنت الروسي والصيني في مجلس الأمن، فقد بات من الواجب الآن السعي بتكوين تحالف الراغبين، عربيا ودوليا، وبإشراك الناتو، للقيام بهذه المهمة التي من شأنها توفير حماية للسوريين، وتسريع انهيار مؤسسات الطاغية العسكرية.

فبعد خطاب الأسد لا بد أن تكون هناك مواقف عملية، ومنها التدخل العسكري؛ فطاغية دمشق جعل المسألة أكثر بساطة حين أعلن أنه سيواصل القتال، وأياً كان الثمن!

=================

خطاب الأسد الإصلاحي!

منار الرشواني

الغد الاردنية

4-6-2012

بعيداً عن الإنشاء المدرسي الممل، والتنظيري الأجوف على الأغلب، الذي اعتاده مستمعو خطابات بشار الأسد، يظل في خطابه أمس في افتتاح مجلس الشعب السوري "الجديد"، ما يلفت النظر، شكلاً ومضموناً.

في الشكل، يحسب للرئيس السوري تماسكه، بل وحتى تلعثمه، خلافاً لخطابات سبقت توزعت فيها إشارات الثقة بقهر الشعب بين القهقهة والضحك المجلجل والابتسام، رغم تصاعد أعداد الضحايا السوريين. وهي الرصانة التي قابلها مجلس الشعب بتصفيق خضع لمعايير "الترشيد" الذي يليق بكونه "مجلساً إصلاحياً" بخلاف مجالس التصفيق الهستيري السابقة!

أما في المضمون؛ فعلى قلّتها، تبرز أفكار يفترض أنها تستحق التأمل، وإن فقدت قيمتها سلفاً لأنها جاءت في خطاب عام، وكان الأولى أن تكون حواراً يجريه الرئيس مع ذاته، في سبيل الخروج من الأزمة التي أدخل فيها سورية.

فإذا كان الرئيس قد أغدق في استخدام مصطلح "الدولة" و"الوطن" اللذين لا ينتقمان من الأبناء العصاة "الفوضويين" في أحسن الأحوال، ولا يجوز التفريط بهما، إلا أن الأسد في ذلك لم يكتف بأن أقام تماثلاً تاماً –مكرراً في الواقع- بينه وبين الدولة والوطن، بل وأيضاً بينهما وبين الأجهزة الأمنية التي يصر الرئيس أن كل جرائمها منذ وصول البعث إلى السلطة، ناهيك عن الفظاعات التي ترتكبها منذ اندلاع الثورة السورية، ليست إلا إساءات فردية، لا تستحق التوقف والمحاسبة والمعاقبة!

في هذا السياق، يبدو الأهم في الخطاب احتواؤه على اعتراف بأسباب تدمير الدولة السورية، وبما يستحق وصف "من فمك أدينك"؛ وذلك عندما حذر الأسد من العجز عن رؤية القادم. أفليس العاجز هنا هو النظام السوري الذي أتيحت له الفرصة تلو الأخرى لمراجعة سياساته؛ بدءاً من وراثة بشار السلطة عن والده، ثم اندلاع الربيع العربي، وصولاً إلى اشتعال الانتفاضة في سورية؛ فما كان من هذا النظام إلا أن نظر إلى الماضي الاستبدادي ظاناً أنه صورة المستقبل السوري القادم، منذ الاطمئنان إلى قتل ربيع دمشق إلى اليقين بأن درعا 2011 ليست إلا حماة 1982؟

رغم أنه خطابه الخامس، والأول بعد استكمال منظومة التشريعات الإصلاحية، كما قال، يبقى السؤال المحير: ماذا يريد بشار الأسد فعلاً؟

فهو إذ يقر، في حديثه عن الانتقام، بأن العودة عن الثورة بات أصعب من إطلاقها، بسبب معرفة السوريين لدموية النظام وحقده لأكثر من أربعة عقود، إلا أن الأسد لا يرى في كل مظالم الناس إلا فوضى غير مبررة سببها أن شخصاً أساء له فرد أو موظف! وهو إذ يعلن فتح باب الحوار، إلا أنه يحدده بالمعارضة الوطنية التي تغلق عليها أبواب سجون وأقبية تعذيب، مع آلاف المواطنين الآخرين الذين لا ينقص عددهم إلا بالقتل!

كان الرئيس أولى بخطابه، لو كان صادقاً فعلاً في اجتراح وتقديم حلول فعلية للأزمة. ولعله بتخبطه إنما يعبر عن إدراك بتأخر الوقت جداً للتفكير والتأمل في المسؤولية عن تدمير سورية طوال عقود.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ