ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأحد 10/06/2012


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

سورية وأزمة الضمير العالمي

2012-06-09

الوطن السعودية

يتألم الناس من موت الضمير العالمي أمام المجازر التي يرتكبها نظام بشار في سورية، وآخرها مجزرة القبير بريف حماة أول من أمس.. يتألم الرأي العام، خاصة في العالم العربي، من حمامات الدماء التي لا تتوقف، من تلك الوحشية العبثية في القتل والتدمير، والتي لا تفرق بين مدني وعسكري، بين طفل وامرأة وشيخ وشاب.. هذا الألم الشعبي هو ما يجب أن يكون ما دام الإنسان حيا.. ولكن الأمر على المستوى السياسي مختلف.. فالسياسة على مر التاريخ هي لغة الواقع والقوة والمصلحة والحسابات المعقدة للنتائج المستقبلية على كافة المستويات.. هي فن الممكن، وفن إدارة الأزمات، وهي لعبة التوقعات أيضا بين الخصوم المتوازيين، السياسة تتضمن في طبيعتها أيضا فن المناورة وعدم المغامرة، والخوف من الخسارة، فالأزمات التاريخية تمثل أحيانا منعطفات حادة لصعود قوى سياسية وأفول أخرى.

لا يمكن للسياسة أن تتحرك من دوافع أخلاقية وقيمية على الإطلاق، ولو حاولت فعل ذلك لكان الفشل حتما مصيرها. من هنا فإن من يعول على أي تدخل على الأرض لإنهاء الأزمة السورية قد يكون مخطئا، فهذا التدخل لن يكون إلا بشبه إجماع دولي، وعندما نقول دولي فإن القوى الكبرى في العالم هي التي تتصدر المشهد، وهو الأمر شبه المستحيل فيما يتعلق بالوضع السوري الراهن، وذلك من خلال قراءة المواقف والمعطيات.

المشهد الداخلي في سورية وصل حد المفاصلة ونقطة اللاعودة بين النظام والشعب؛ وأي تسوية لهذه الأزمة تستوجب إنهاء النظام هناك، وهنا بيت القصيد، أولا: في الآلية أو الكيفية التي يتم عن طريقها القضاء على هذا النظام الوحشي، وفي الجهة الدولية المخولة بالتدخل العسكري، ثانيا: في الحسابات والنتائج المتعلقة بالمصالح الدولية مع هذا النظام، وهي الإشكالية الحقيقية التي تستدعي القوى العظمى والدول الإقليمية للتوصل إلى اتفاق بشأنها.. ولو استثنينا إيران فكيف يمكن لروسيا خاصة؛ والصين وأميركا وإسرائيل والاتحاد الأوروبي؛ بالإضافة إلى تركيا والدول العربية الفاعلة التوصل إلى صيغة يقبلها الجميع ولو على مضض لإنهاء الأزمة السورية التي لن تنتهي إلا باقتلاع النظام من جذوره؟ وفي حال أقدم المعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة وأوروبا على خطوة استثنائية بالتدخل العسكري في سورية فما هي التداعيات وردود الأفعال من المعسكر الآخر روسيا والصين وبعض القوى الإقليمية في المنطقة كإيران؟

نظن أن الأزمة السورية لم تكشف عن أزمة مقابلةٍ لها في الضمير العالمي وحسب؛ وإنما عن انسداد سياسي خطير لا يعلم عواقبه إلا الله.

=================

دكتاتور بهوية طائفية!!

يوسف الكويليت

الرياض

9-6-2012

  العراق رقم كبير في الجغرافيا السياسية العربية، وظل المعادلة الصعبة في المتغير القومي والاستقرار الأمني، غير أن ما بعد الملكية وإغراقه بسلسلة من الانقلابات ووجبات الإعدامات، والتصفيات على الهوية، وتفجير الحروب، حولت العراق من دولة مركزية بثقل سياسي واقتصادي، إلى بلد يعود إلى العالم ما قبل الأخير، رغم ذخيرته الهائلة من العلماء والاختصاصيين في كل المجالات، حتى إن الآلاف من الأطباء في المهاجر الأوروبية والأمريكية، لو عادوا مع بقية المشتتين من الكفاءات النادرة، لأصبحوا اضافة هامة في إعادة هيكلة حياته وتطوره..

عراق اليوم بلا هوية ثابتة، فهو شيعي، سني، كردي، وكل مكون له انتماء جعل الوطن مجرد دكان لبيع الولاءات، حتى ان الحضور الايراني أصبح أكبر من الاحتلال الأمريكي الذي هو من تسبب في قتل الهوية مع قتل الإنسان وتشريده..

الصراع الدائر، ظل سنّياً شيعياً بقوالب عربية وإيرانية، ووحدهم الأكراد الذين يعيشون بأقليمهم حياة استقرار وبناء جديد، غير أن الخلافات العاصفة داخل البيت الشيعي والتي اكتشفت متأخرة أن نوري المالكي يستنسخ حكم صدام حسين، فتح الباب لضرورة تغييره، سواء بالإقالة، أو الاستقالة، وهذه المرة جاء التحالف بين القوى الداخلية كسبب وجيه من الخوف من انفجارات قد تعصف بكل شيء، غير أن الموالين لإيران، لا يسعون لاستقلال قرارهم، لأن فتوى التغيير يجب أن تأتي من قم، وليس من النجف، مما وسع التبعية لدولة أجنبية حولت العراق إلى مركز دعم لسوريا نيابة عنها، ووسيلة ضغط على دول الخليج بخلق فوضى داخله، وكل هذا جاء على حساب مطالب وطنية لم تمس السنّة أو الأكراد وحدهم، بل تأثر بها الشيعة، ولم يكن مستغرباً أن يأتي مبرر التغيير جماعياً، لأن فترة المالكي طيلة سنوات حكمه لم يسجل أي انجاز يقضي على الفقر، ويبدأ سلسلة الأعمار لما هدمته حالات الاحتلال ومخلفات الحروب، ولا استطاع المواطن العودة لوطنه من المهاجر العالمية، لأن قائمة التهم طويلة تجاهه مما وسع السجون، والإبادة بحس طائفي حاول كل الأطراف من الأحزاب والطوائف، ايجاد حلول تبعث هوية الوطن للجميع.

وصول المالكي للسلطة جاء ثمرة شكل ديموقراطي غير مستوفي الشروط لأنه لم يساو بين الطوائف والأقليات الأخرى، ونتيجة الفراغ السياسي، دعمت أمريكا وصوله بصفقة مع إيران، فهو يحكم بعقلية الطائفة أسوة بإيران وسوريا، وهو نسخة من النظامين وشهوة الانفراد بالحكم طورت في ذاته حلم الدكتاتور، ولكن بصيغة مختلفة عن حكومات العراق السابقة..

فهو يعتمد على طائفته التي تضخمت في أجهزة الأمن والجيش بعد تفتيت الأخير وأبعد الخصوم بدعاوى التآمر والإرهاب، وسير مداخيل العراق لأهداف شخصية، لكنه غير مدرك أن حاجة الخبزة أهم من أقوال الحكماء، وبعناده وضع العراق في حالة فراغ سياسي وأمني قاتلين، مما فجر غضب الجميع عليه، وأصبح اجراء التغيير مطلباً هاماً حتى من المقربين إليه من الطائفة والحاشية..

=================

الثورة السورية ليست طائفية

شتيوي الغيثي

عكاظ

9-6-2012

منذ اندلاع الثورة الشعبية في سورية لم يرفع أي شعار ديني، أوطائفي أو فئوي، وإنما كانت ضد الاستبداد بكافة صوره والانتقال من دولة القمع إلى دولة الحريات المدينة. وهذا ما أعلنه الثوار في بعض بياناتهم أي أنها ثورة من أجل كرامة الرجل والمرأة السوريين. من أجل كرامة الشعب المطحون منذ سنوات طوال، إنها ثورة من أجل الإنسان وللإنسان.

والمجازر التي يتلقاها الشعب السوري والمؤلمة بكل المقاييس، تصل الجميع بلا استثناء، إلا ذلك الذي يتوافق هواه مع هوى حزب البعث الذي يدل تاريخه منذ تأسيسه في سورية على الوحشية وقمع الإنسان السوري، ولا تفريق هنا عند نظام البعث المجرم بين دين ودين، أو بين طائفة وطائفة، وإنما القسمة هي كالتالي: إما القبول بالنظام، وبكل فظائعه وتبرير كل سلوكياته الإجرامية، أو الوقوف مع الثوار الذي يؤدي ذلك إلى التصفية الجسدية والمجازر الفظيعة.

الشعب السوري ليس سنيا فقط؛ بل هو يحمل أطيافا دينية وطائفية مختلفة والنظام ليس علويا فقط، وإنما يشمل كل من يقبل بهذا النظام من كل الأطياف، ولذلك فمن الخطأ وضع الثورة السورية في إطار الطائفية حتى من قبل المؤيدين، إنما هي ثورة الشعب للشعب، وثورة الإنسان السوري من أجل كرامة الإنسان السوري بغض النظر عن دينيه وطائفته ومذهبه.

صحيح أن إيران تدعم نظام الأسد من أجل أن يكون أكثر صمودا لكن هذا لا يعني أن الطائفة الشيعية في داخل سورية أو في العام العربي كاملا يوافقون على ذلك القتل والمجازر الفظيعة التي ترتكب بحق الإنسان السوري، وإن كان هناك من يوافق فإن حسه الإنساني غائب وشريك في الجرم، لكن هذا لا يشمل الطائفة، بل يخص الشخص نفسه وغياب ضميره.

الشيخ محمد سعيد البوطي مثلا لا يؤيد الثورة السورية، وهو من أعلام المذهب السني في سورية، ومع ذلك فإن موقفه كان مخجلا في دعم الثورة، وهذا يعني أنها ليست طائفية فلو كانت كذلك فإن البوطي سوف يكون في صف مذهبه وليس في مذهب غيره.

إن الأزمة السورية ليست أزمة طائفة تجاه طائفة أخرى، وإنما أزمة مجتمع كامل مع نظام استبدادي، كما أن الوضع السوري معقد جدا، وتتداخل فيه الكثير من القوى الدولية، كما أن سورية منطقة تجاذب صراع بين أكثر من جهة دولية تحاول الهيمنة على المنطقة، وتأثير مد ديني أو أيديولوجي ولا يعني أن تبني دولة ما لمذهب ما أنها تمثل ذات المذهب بحيث نحاكم الطائفة بسبب سياسة دولة محددة. إيران هنا مثال جيد في ذلك حيث إنه لا يمكن أن تمثل المذهب الشيعي، ولا يمكن أن يرضى الشيعة العرب بهذه المجازر التي تحصل وكل ما يحصل هو نفوذ إيراني كما في سورية، وحزب الله في لبنان.

إن تجيير الثورة السورية على أنها ثورة طائفة ضد قمع طائفة أخرى هو تحجيم لدور الثورة في صياغة مجتمع مدني عام للشعب السوري بكل أطيافه بما فيها المسيحية.

إن تعاطفنا مع الثورة السورية ليس تعاطفا مذهبيا، بل هو تعاطف إنساني قبل أي شيء آخر، فسورية للشعب السوري، وليس لحزب أو طائفة أو دين.

=================

جديد الرئيس الأسد القديم

حسين العودات

التاريخ: 09 يونيو 2012

البيان

ألقى الرئيس بشار الأسد خطاباً قبل أيام أمام مجلس الشعب السوري ، وكان الجميع ينتظرون هذا الخطاب، ويفترضون أنه سوف يتناول تطور الأزمة السورية، والظروف المحيطة بها، وسيكون ذلك مدار الخطاب وشاغله الأكبر.

وكان من المفترض ، حسب رأي الشعب السوري والمراقبين أنه سيجيب على عديد من الأسئلة التي تتعلق بالأزمة السورية (واقعها، تطورها، ملامح حلولها) وغير ذلك، خاصة وأن الخطاب جاء بعد أن تطورت هذه الأزمة تطوراً مخيفاً، وربما انزلقت نحو التسبب بالفوضى والحرب الأهلية التي قد تتطور إلى حرب طائفية.

كما أشار معظم المراقبين (المعارضة، بان كي مون، كوفي عنان، ومعظم وزراء الخارجية الأوروبيين)، لهذه الأسباب ولغيرها، وللحاجة القصوى لوضع الأزمة السورية على طريق الحل، توقع الجميع خطاباً مهتماً بالوصف والتحليل واقتراح الحلول. ولكن يبدو أن الرئيس الأسد لم يحقق رغبات الشعب السوري أو المراقبين أو القوى العربية والدولية ذات العلاقة التي كانت تنتظر خطاباً مختلفاً، فلم يتضمن خطابه ما كانوا يتوقعون.

كرس الرئيس الأسد معظم خطابه، لمهاجمة عدة أطراف داخلية وخارجية، منها المعارضة الداخلية والخارجية والمنتفضين والحراك الشعبي والدول الإقليمية وعدد من الدول الأجنبية، وكان هجوماً عنيفاً ينم إما عن ضعف كبير أو عن شعور مفرط بالقوة. وفي الحالات كلها لم يترك هامشاً للتصالح مع هذه القوى، وكأنه أغلق الأبواب معها، وقطع الصلات.

وقرر أن يسد جميع الطرق الموصلة إليها.أشار الرئيس الأسد في خطابه إلى الحراك الشعبي والانتفاضة السورية على أنها تدخل خارجي تقوم به عصابات مسلحة ومواطنون مأجورون وإرهابيون وما أشبه ذلك، دون أن يشير إلى وجود أزمة داخل النظام وداخل المجتمع، أو يعتبر أن المنتفضين والحراك الشعبي يطالبون بحقوق مشروعة للشعب السوري.

ويهدفون إلى إقامة نظام سياسي جديد ديمقراطي تعددي يحترم معايير الدولة الحديثة، وقد وصل به الأمر إلى اعتبار المتظاهرين والمنتفضين مرتزقة، يأخذون أجوراً من الخارج للتظاهر وقتل الآخرين، ومن الملاحظ أنه لم يتجاهل فقط أسباب الأزمة وبنيتها وآفاق تطورها أو يقترح الحلول المناسبة لها بل تجاهل أيضاً مبادرة كوفي عنان، وهي المبادرة الوحيدة التي أجمع عليها الداخل والخارج وقبلتها المعارضة والعرب والغرب الأوروبي والروسي والصينيون، وكان تجاهله للمبادرة ملفتاً ومثيراً للانتباه.

يبدو من خطاب الرئيس الأسد أن السلطة السورية ما زالت حتى الآن، وبعد مرور خمسة عشر شهراً على الانتفاضة، تتجاهل أن تغييب حقوق الإنسان السوري هي سبب الحراك، كما تنكر وجود أزمة داخل النظام تحتاج إلى حل.

ويلاحظ أن الموقف الذي تضمنه خطاب الرئيس هو الذي صرحت به الناطقة باسم الرئاسة في الأسبوع الأول من الانتفاضة أي في مارس العام الماضي، حيث قالت إن هذه الانتفاضة هي من فعل تدخل خارجي وعصابات مسلحة ومندسين ومتمردين وما يشبه ذلك.

وعرض التلفزيون السوري في الأسبوع الثاني من انطلاقتها أسلحة وأموالاً قال ان السلطة وجدتها في الجامع العمري بدرعا، والأمر نفسه كرره الرئيس الآن في خطابه أمام مجلس الشعب. وكأن الظروف لم تتغير قيد أنملة خلال خمسة عشر شهراً.

هناك أمر لافت للانتباه في خطاب الرئيس وهو أنه ألقى بالمسؤولية في المخالفات والممارسات والارتكابات التي حصلت خلال قمع الانتفاضة على الأفراد وليس على المؤسسات التي ينتسبون إليها، أي أنه أراد القول إن هذه تصرفات فردية وليست سياسة مؤسسة أو سلطة.

ويعرف السوريون أن دخول البيوت وحرقها وسرقتها وتدميرها وقتل المواطنين المتظاهرين وغير المتظاهرين، هي أسلوب عمل وممارسات القوات الأمنية والعسكرية في سورية وليست نتيجة لتصرفات فردية، وهي نهج اتبع في جميع القرى والمدن والبلدات السورية دون أن تمنع السلطة أو المؤسسات ممارسته.

وبالتالي فالقول بأنه تصرف فردي فيه بعض المبالغة والبعد عن الواقع، فلا يمكن ممارسة التعذيب والقتل والنهب وإعطاء الحق للعسكريين ورجال الأمن بأن يعملوا ما يشاؤون خارج القانون، هو تصرف فردي من وراء ظهر المؤسسة والسلطة، ويبدو أن الرئيس أراد أن يبرئ سياسة السلطة من المجازر التي حدثت والتي كان آخرها (مجزرة الحولة). لم يتناول خطاب الرئيس بجدية الاهتمام بالحل السياسي .

وأكد مجدداً على الحل الأمني، ومر مروراً سريعاً على مقترح الحوار مع المعارضة، وأوحى بأنه يضع شروطاً لمن سيحاورهم من جهة، وأن الحوار هو أن يبدي هؤلاء رأيهم بالقوانين والمراسيم ( الإصلاحية) التي صدرت في هذا الإطار وتعديلها من جهة أخرى.

وبالتالي فإنه رفض واقعياً البحث في تغيير بنية النظام السياسي وتطويرها. وما على المعارضة حسب خطابه إلا أن تأتي طائعة لتطلب منه بعض التعديلات على إجراءاته (الإصلاحية)، هذا بعد أن اتهم معظم المعارضة ليس بقصر النظر والبعد عن المسؤولية الوطنية والحس الوطني فقط وإنما أيضاً بالتعامل مع الخارج.

باختصار كرر الرئيس بشار الأسد في خطابه أقوال السلطة ومواقفها التي تكررها منذ أكثر من عام، حتى أنه أعاد بعض العبارات التي وردت في خطاباته السابقة كما هي. ويبدو واضحاً رفضه لأي مشروع حل سياسي للأزمة السورية، واستطراداً رفضه لمبادرة عنان وللمواقف الأخرى ذات العلاقة، وأخيراً تأكيده المضمر بأنه لن يتراجع عن الحل الأمني قيد أنملة، ولن يقبل أية تسوية تاريخية أو سياسية، أو أي اتفاق من شأنه تفكيك الأزمة السورية وحلها، إلا حسب ما تراه السلطة القائمة.

=================

غازي العريضي

سوريا و"البازار" الدولي

تاريخ النشر: السبت 09 يونيو 2012

الاتحاد

تشهد الأزمة السورية تطورات دراماتيكية في الأيام الأخيرة، وخصوصاً بعد زيارة الموفد الدولي العربي كوفي أنان إلى سوريا.

أنان حمل في الدوحة في اجتماع وزراء الخارجية العرب، مسؤولية تعثّر خطته بنسبة كبيرة إلى النظام السوري! وزراء الخارجية طالبوا بتبني الفصل السابع في مجلس الأمن وبوقف بث الفضائيات السورية عبر القمرين الصناعيين "عربسات" و"نايل سات".

الأسد في خطاب جديد أمام مجلس الشعب ردّ مؤكداً أن كل ما يجري في سوريا هو بسبب التدخل الخارجي، وأنه يواجه الإرهاب، وقد حسم مسألة الإصلاح السياسي إذا كانت القضية قضية إصلاح، وجرت انتخابات وستشكل حكومة جديدة. كل هذا يجري على وقع مجزرة "الحولة"، التي حُمّل النظام السوري مسؤوليتها في كل المنتديات تقريباً. في هذه الأثناء ارتكبت مجزرة جديدة في منطقة "القبير" في ريف حماه. ومسلسل المجازر ينتقل من مكان إلى آخر. ومنع النظام المراقبين الدوليين من الوصول إلى مكان المجزرة.

كوفي عنان انتقل إلى الأمم المتحدة ثم مجلس الأمن. قدم إفادته، حمّل النظام المسؤولية. "الأزمة السورية ستخرج عن السيطرة قريباً". "لا بد من ممارسة الدول الكبرى ضغوطاً ملموسة على دمشق وإبلاغها بأن عدم احترام نقاط الخطة الست سيكون له نتائج كارثية"! الأمين العام للأمم المتحدة "بان كي مون"، أكد "أن الآمال في تماسك خطة عنان في سوريا تتبدّد! "والرئيس السوري وحكومته فقدا الشرعية"!

وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون، وفي مؤتمر صحفي مشترك مع نظيرها التركي أحمد أوغلو، وبعد اجتماع لعدد كبير من وزراء الخارجية العرب والأوروبيين والغربيين عقد في تركيا قالت: "على الأسد أن ينقل سلطته ويغادر سوريا".

الناطق باسم البيت الأبيض الأميركي "جاي كارني"، انتقد مجزرتي "الحولة والقبير" وقال: "هذا الأمر غير مقبول. ورفض النظام السوري السماح لمراقبي الأمم المتحدة الدخول إلى المنطقة للتحقق من هذه المعلومات، يُشكل إهانة للكرامة الإنسانية والعدالة"!

المندوب السوري في مجلس الأمن "فيتالي تشوركين" أكد خلال اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة أن بلاده ستقدم مبادرة حول الوضع في سوريا في مؤتمر ستدعو إليه مشيراً إلى أنه "يجب عدم المطالبة بالتغيير الفوري للنظام في سوريا"!

وتأتي هذه التطورات بعد طرد السفراء السوريين من عدد كبير من دول العالم. وتحميل النظام مسؤولية ما يجري وما يرتكب من مجازر. ومع تصعيد في الوضع الميداني في مختلف أنحاء المحافظات السورية واتساع رقعة المواجهة مع النظام. ولا ندري من الآن وحتى صدور هذه المقالة كم من الضحايا سيسقط؟ وهل ستكون ثمة مجازر جماعية جديدة أم لا؟!

والذين يحذرون من خطر اندلاع حرب أهلية، يحاولون تجنب تأكيد الوقوع في هذا الخطر. أو تجنب الوصول إليه ويعتبر بعضهم أن ذلك لا يزال ممكناً. لكن الحقيقة أن سوريا تعيش حالة الحرب الأهلية. فالدمار والخراب الذي استهدف المؤسسات والممتلكات والخسائر البشرية الكبيرة وعمليات "التطهير" المذهبي التي تشهدها مناطق عديدة، والخطف والسلب والفوضى والمجازر، هي عناوين ومواد هذه الحرب اليومية المفتوحة ولا سيطرة على الوضع إطلاقاً ولذلك تتكثف الاتصالات، وتكثر المبادرات في محاولة لوقف هذه المسألة عند حدود معينة، ومنع تمددها في الداخل وإلى الخارج في محيط سوريا.

الوضع معقد، وكما سبق وذكرنا منذ البداية، نحن أمام بازار دولي كبير يضع مستقبل سوريا على الطاولة، وإذا كانت روسيا بشكل خاص تمنع سقوط النظام من خلال تمسكها بحق "الفيتو" في مجلس الأمن، فإن ذلك لا يعني أن هذا الموقف سيبقى ثابتاً حتى النهاية بسبب أمرين: الأول يعود إلى إصرار الناس في سوريا على استكمال معركتهم مع النظام مهما كانت كلفة ذلك. والناس هم المعارضة الأقوى الثابتة على الأرض. قد تنقسم الدول والقوى حول معارضات في الخارج أو معارضات في الداخل. حول شرعية هذه أو تلك، أو ميول وتوجهات وأهداف هذه أو تلك.

قد ينقسم هؤلاء حول تسليح أو عدم تسليح المعارضة، لكن الواقع على الأرض يفرض نفسه. والناس بمواقفهم وتحركاتهم ومواجهاتهم يسبقون كل هؤلاء. وهذا أمر لا يمكن تجاوزه. هذا هو الأمر الأهم والحقيقي، الذي يؤدي إلى الأمر الثاني المؤثر في الموقف الروسي، وهو أنه في لحظة معينة واستناداً إلى الأمر الأول ستجد روسيا نفسها مضطرة لتفاهم ما أو حقيقة ما وتحديداً مع الأميركيين وتأخذ شرعيتها من الأمم المتحدة. فتكون قد منعت التفرد الأميركي. حرصت على "احترام" الشرعية الدولية وأكدت الشراكة الدولية وحفظت مصالحها في المنطقة وكرّست دورها فيها.

من الآن وحتى الوصول إلى هذه الصفقة سوف تدفع سوريا أثماناً كبيرة آخذين بعين الاعتبار تداخل الملفات ببعضها البعض، وخصوصاً الملف النووي الإيراني وربطه بالأزمة السورية من خلال التحالف السوري - الإيراني. وهذا أمر لا يمكن تجاهله روسياً وأميركياً. إضافة إلى المصالح الإسرائيلية والتأثير الإسرائيلي في إنتاج قرار التغيير والصفقة، وكذلك الدور التركي المهم في هذه العملية.

وتدور المفاوضات أو الاتصالات الروسية الأميركية بين حدّين. عبّر عنهما دبلوماسياً بدقة متناهية.

الإدارة الأميركية تقول: "تنحي" الأسد ليس شرطاً مسبقاً للبدء بالعملية الانتقالية السلمية". والإدارة الروسية تقول: "بقاء الأسد ليس شرطاً لانتهاء العملية السياسية". هذا هو الميزان الروسي – الأميركي، فالحدود محددة، وبالتالي مهما طالت المسافات أو قصرت الواضح أن لا أحد متمسك ببقاء الأسد. ربما ثمة طرف يريد التخلص منه بسرعة وفوراً، ولكن إذا لم يكن ذلك ممكناً فلا حول ولا قوة إذا تأخرت العملية، وقد يكون في ذلك مصالح مختلفة تتحقق في الطريق أهمها دمار سوريا وخرابها وتفككها وإضعافها وهذا يفيد إسرائيل أولاً ومن يدعمها ، لكن في النهاية "ليس ثمة مكان في المستقبل لهذا النظام" كما يرى هذا الطرف. أما الطرف الثاني فقد يكون غير ميّال للتغيير، لكن الوقائع تفرض نفسها على الأرض عليه وعلى غيره وبالتالي هو يستعد لمواجهة هذا الاحتمال. بين هذين الحدّين يدور البازار ويدفع الشعب السوري الثمن. ويبدو أن الأمور تتجه إلى مزيد من التصعيد ونزف الدم. المعارضة، الناس، لن يتراجعوا. والنظام مستمر في سياسة الهروب إلى الأمام تحت عنوان مكافحة الإرهاب!

=================

أقوال المجتمع الدولي لا تتبعها أفعال

الأزمة السورية... ومخاض الحلول الحرجة

تاريخ النشر: السبت 09 يونيو 2012

الاتحاد

واجه الرئيس السوري إدانات دولية متصاعدة يوم الخميس الماضي بعدما عرقلت جماعات مسلحة، يُعتقد أنها تابعة لنظامه، قيام فريق المراقبين الأممي بالتحقيق في مجزرة جديدة بتعرض الفريق لإطلاق النار ومنعه من دخول إحدى القرى القريبة من حماة، وجاءت هذه الأحداث في وقت اعترف فيه المبعوث الأممي، كوفي عنان، بأن خطته المكونة من ست نقاط وصلت إلى طريق مسدود مع رفض الطرفين معاً، النظام والمعارضة، تطبيق بنود الخطة، مضيفاً أن جهداً دبلوماسياً جديداً أصبح ضرورياً لمنع سوريا من الانزلاق إلى حرب أهلية شاملة، محذراً ولأول مرة من أن أي طرف يعرقل الانتقال السياسي سيواجه عواقب وخيمة لم يحددها. وفي تفاصيل الحادث قال الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، إن فريق المراقبين تعرض لإطلاق نار من أسلحة خفيفة يوم الخميس الماضي فيما كان أفراده يحاولون بلوغ موقع مجزرة أخرى في بلدة القبير بمحافظة حماة، وفي حديثه أمام جلسة خاصة للجمعية العامة بالأمم المتحدة قال "مون" إن الواقعة حدثت على إثر منع فريق المراقبين من دخول القبير للتحقيق في جرائم القتل، ولم يحدد الأمين العام للأمم المتحدة هوية المسؤولين عن إطلاق النار على فريق المراقبين، أو ما إذا كانت هناك أية إصابات في صفوفهم.

يُذكر أن هذه ليست المرة الأولى التي تطلق فيها النار على فريق المراقبين منذ وصولهم إلى سوريا في مهمة لرعاية وقف إطلاق النار ومراقبته، وقد أدان الأمين العام للأمم المتحدة بأشد العبارات المجزرة واصفاً إياها ب"الوحشية وغير المقبولة"، مناشداً الحكومة السورية بالتطبيق الفوري للخطة الأممية لوقف إطلاق النار.

وجاءت المجزرة التي شهدتها بلدة القصير وراح ضحيتها 78 مدنياً أغلبهم من النساء والأطفال لتضيف المزيد إلى الضغوط المتنامية التي يواجها نظام الأسد في سوريا. وقال كوفي عنان خلال جلسة الجمعية العامة: "من الواضح أن الوقت قد جاء لنتساءل ما الذي يمكننا القيام به لضمان تطبيق خطة الست نقاط، وما البدائل الأخرى المتاحة لمعالجة الأزمة". وأضاف عنان في الجلسة التي حضرها الأمين العام "بان كي مون"، والأمين العام للجامعة العربية، نبيل العربي: "إذا لم تتغير الأمور فإن المستقبل سيكون مليئاً بالقمع الوحشي والمجازر والعنف الطائفي، بل حتى الحرب الأهلية الشاملة، وسيخسر جميع السوريين". وبمنع فريق المراقبين الأممي من دخول بلدة القصير لم يتسنَّ التحقق من مقتل 78 شخصاً يوم الأربعاء الماضي في البلدة السنية الصغيرة الواقعة إلى الشمال الغربي من حماة، والتي تحيط بها قرى علوية، ولكن من خلال شهادات النشطاء وسكان البلدة الذين تم التواصل معهم أشاروا إلى وقوع سيناريو مشابه لما جرى في الحولة التي شهدت هي الأخرى مجزرة رهيبة قبل أسبوعين راح ضحيتها 108 أشخاص ونفذتها على الأرجح ميليشيات تابعة لنظام الأسد تعرف باسم "الشبيحة". وفي هذا الإطار قال ليث الحموي، أحد قاطني بلدة القبير الذي قتلت أمه وستة من أخوته، إنه كان بعيداً عن القرية بحوالي الميل بأحد بساتين الزيتون عندما شاهد قوات الأمن و"الشبيحة" تدخل القرية من ثلاث جهات، واستطرد قائلاً: "لقد كنت خائفاً للغاية فلم أستطع التحرك"، ولعدة ساعات سُمع صوت إطلاق النار وقصف الدبابات وشوهدت البيوت وهي تحترق، وبعدما غادرت قوات الأمن البلدة رجع إلى البيت ليجد أمه جثة هامدة وأربعة من إخوته ، فيما أخذت الميليشيات معها جثث اثنين من إخوته. يشار أيضاً إلى أن أغلب الضحايا ينتمون إلى عائلة واحدة، من بينهم 40 من النساء والأطفال. وأضاف الناشطون أن "الشبيحة" أخذوا معهم 30 جثة، وأن الباقي أُحرق عندما أضرموا النيران في البيوت، وقد انتظر الأهالي يوم الأربعاء كاملاً كي يطلعوا المراقبين على الجثث، ولكن عندما لم يأتوا قرروا دفن الجثث المتبقية.

ومن جهتها اعتبرت وكالة الأنباء الرسمية في سوريا، "سانا"، أن الاتهامات الموجهة لقوات الأمن "لا أساس لها من الصحة"، قائلة إن القوات الحكومية دخلت المنطقة وقتلت "الإرهابيين" بعدما قامت "جماعة إرهابية مسلحة" بقتل تسعة من الأطفال والنساء. وأمام الطريق المسدود الذي وصلته خطة عنان المكونة من ست نقاط بدأ الحديث عن خطة جديدة لتشكيل مجموعة اتصال تضم ممثلين عن الولايات المتحدة وروسيا وإيران بالإضافة إلى قوى إقليمية، وحسب دبلوماسيين مطلعين على المبادرة الجديدة ستوكل لمجموعة الاتصال هذه مهمة بلورة خطة انتقالية تنص على إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية واستخدام نفوذ تلك الدول للضغط على أطراف الصراع في سوريا. ولكن على رغم مناشدات كوفي عنان للمجتمع الدولي بالتوحد حول سوريا ظلت الاختلافات مستشرية بين الحكومات الغربية والعربية من جهة التي تؤيد فرض عقوبات على سوريا، وبين الصين وروسيا من جهة أخرى اللتين رفضتا العقوبات وقاومتا أية محاولة لإسقاط نظام الأسد في دمشق. وفي تعبيره عن الموقف الأميركي أصدر البيت الأبيض بياناً طلب فيه من "جميع الدول التخلي عن دعم النظام الوحشي وغير الشرعي في سوريا، والانضمام إلى محاولات تأمين انتقال سياسي". وفيما تتصاعد وتيرة العنف في سوريا وتتسع رقعتها يوماً بعد يوم عقدت وزيرة الخارجية الأميركية، هيلاري كلينتون، اجتماعاً في إسطنبول ضم الأوروبيين ودول الشرق الأوسط لبحث القضية السورية، وذلك على هامش المؤتمر الذي استضافته تركيا حول مكافحة الإرهاب. أما الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، فقد طرح أمام الجمعية العامة تقييماً متشائماً للوضع السوري، محذراً من أن آفاق الحل بدأت تبتعد تدريجياً وأن "خطر الحرب الأهلية الشاملة بات وشيكاً وحقيقياً"، محملاً نظام الأسد مسؤولية تردي الحالة الأمنية في البلاد، حيث قال "لعدة أشهر بات واضحاً أن الرئيس الأسد وحكومته فقدا الشرعية".

كوليم لينش، وليز سلاي

الأمم المتحدة، نيويورك

ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفيس"

=================

الأسد يحرق آخر مراكبه

دمشق غازي دحمان

المستقبل

9-6-2012

بدا رأس النظام السوري وكأنه يقطع نهائياً مع الشريحة الأكبر من شعب سوريا، فقد ظهر واضحاً مدى اليأس والإحباط من إمكانية تطويع هذه الشريحة أو إعادة إخضاعها وإرجاعها إلى قمقم العبودية، وتأكد لدى رأس النظام أن أركان جمهورية الخوف آيلة الى السقوط وأن كمية الذخائر المتبقية لدى النظام، التي تشرف على النفاد رغم الإمداد الروسي شبه اليومي، هي التي تحدد مؤقتاً تاريخ ذلك السقوط، فكل يوم في عمر جمهورية الخوف بات يكلف المزيد من شحنات الذخائر.

لقد ذهب رأس النظام بعيداً في قطعه مع غالبية الشعب السوري عندما تعمّد التشكيك في وطنيتهم وانتمائهم ووصفهم بالمرتزقة والإرهابيين الذين يتقاضون المبالغ المالية مقابل خروجهم في التظاهرات المناهضة لحكمه، وهو ما يبدو مستغرباً لدى تطبيقه على أرض الواقع، ذلك أن نسبة المخاطر التي يتعرض لها المتظاهر في سورية تعتبر عالية جداً، واحتمالات تعرضهم للموت أو الإعتقال او الإصابة كبيرة جداً، ولا أحد يمكن أن يتصور ان عاقلاً في هذه الدنيا يمكن أن يقدم على هذا النوع من المخاطر مقابل مبالغ معينة، ثم أي جهة يمكنها أن تمول هذا النوع من النشاط لأناس يخرجون للتظاهر بشكل يومي وصبحاً ومساء؟!.

هذا الخطاب السياسي البائس واليائس في الوقت نفسه، يحمل في طياته مقادير كبيرة من الجهل بالواقع هي في حقيقتها انعكاس لحالة الإنفصال عن الواقع التي يتفيأ تحت ظلّها رأس النظام، وهو الذي لم يبرح قصور الرئاسة إلا حين نزوله الى المطاعم الراقية في الشوارع الخلفية لقصره، وكان أحد زواره نقل عنه مرة خوفه وارتباكه في إحدى زياراته لحلب عندما تجمعت حوله بضع نساء محجبات لهن مطالب، إلى أن شرح له أحد رجال الدين القريبين منه أن الوضع طبيعي وهؤلاء النسوة لسن ملتزمات وأن الزي الذي يلبسنه هو الزي التقليدي لجزء كبير من السوريات!.

لقد ذهب رأس النظام إلى أبعد الحدود في هذا الخطاب عندما أعلن انشقاقه عن الشعب وانتمائه إلى جزء محدد منه، حددهم بأولئك الذين يؤمنون بإصلاحاته ونهجه والباقين تحت سقف تعريفه للوطن والوطنية، الذين ما يزالون يعيشون على أمجاد جمهورية الخوف العتيدة، ويغضّون العين عن كل المآسي المحيطة بهم، أما باقي الشعب، من طلاب جامعات ثائرة وتجار مضربين، وفلاحين متظاهرين وأبناء مدن تغص بهم الشوارع، كل هؤلاء يلغيهم رأس النظام من تعريفه للشعب، فيما يبدو أنه مقدمة لإلغائهم من الحياة بشكل نهائي.

لا شك ان الخطاب الاخير لرأس النظام ستكون له انعكاسات خطيرة على الارض، فهو من جهة سيرفع منسوب القتل باعتبار أن ما ورد في الخطاب هو امر عمليات واجب التنفيذ بحق العملاء، ما يعني زيادة في صلاحيات أجهزة الأمن والكتائب العسكرية المنتشرة في ممارسة مهامها القتالية وزيادة درجة البطش؛ من جهة ثانية سيعمل هذا الخطاب على زيادة إصرار الثوار على المضي في طريقهم حتى النهاية، أقله لأن النظام لم يترك لهم خيارات بديلة تحفظ لهم حقهم في الحياة.

لم ينسَ رأس النظام تكرار الحديث عن إصلاحاته العتيدة على مدار عام ونيف، في حين لم يستطع احد من السوريين، حتى أولئك الذين أدرجهم النظام في خانة مواطنيه، رؤية سوى بلد جرى تدمير نصفه وتهجير الملايين من شعبه في الداخل والخارج، وقتل الآلاف من أبنائه، في إطار خطة إصلاحية عجزت حروب الإبادة عن مجاراتها.

=================

ما تفعله المخابرات السورية في عمان * ماهر ابو طير

الدستور

9-6-2012

للسفارة السورية في عمان نشاط امني متواصل،اذ تجمع المعلومات بشأن الاردن،وتترصد ايضا السوريين الهاربين من جنة الاسد،وبعض الدبلوماسيين السوريين ضباط مخابرات بجوازات دبلوماسية،واغلب السفراء الذين يأتون الى الاردن من دمشق هم من المؤسسة الامنية السورية،وهناك شبكات من جنسيات مختلفة تعمل مع السوريين.

نشاطات السفارة السورية في عمان،مكشوفة للجهات الرسمية في البلد،والاهم من ذلك ماتعرفه الجهات المختصة،حول ان المخابرات السورية وضعت خطة،للتخريب في دول معينة ابرزها لبنان والاردن وقطر وتركيا،وقد ارسلت المخابرات السورية خلايا كثيرة الى دول متعددة تمهيدا لمرحلة محددة.

مراقبون سياسيون يعتقدون ان حرائق الدوحة التي تتوالى تحت مسميات لتنظيمات اسلامية مختلفة،ليست الا نتاج افعال المخابرات السورية التي تريد الانتقام من قطر بسبب دور قناة الجزيرة ضد الاسد،ولان تهريب السلاح الى قطر صعب بسبب المسافات،فإن اللجوء الى الحرائق والبدائل الكيماوية امر اسهل،مما يعني ان القصة مازالت في اولها.

وزير الخارجية ناصر جودة نفى ان يكون الاردن منع السوريين من دخول البلاد،وتحدث عن حالات فردية مشكوك فيها وصلت عبر مطار الملكة علياء الدولي تم ردها وتسفيرها،وبعضنا لم يعجبه تصرف الدولة،غير انك تسأل ماشعور هؤلاء لو ارتكب بعض هؤلاء جرائم امنية في البلد،وعندها سيكون اللوم بطبيعة الحال على الدولة أنها لاتحمي مواطنها ولا امنها.

هي مفارقة،ومن هنا فإن من حق الدولة منع دخول اي شخص،يتم الشك فيه،في ظل تدفق المعلومات حول خطة المخابرات السورية التي تم وضعها بشراكة اطراف اخرى،ولنا في تداعيات لبنان وحرائق قطر،وغيرهما ادلة على ذلك،وستثبت الايام ان الحبل على الجرار،لان الدولة السورية عمليا تساوي فقط المؤسسة الامنية هناك.

هذا يعني ودون ان تكون القصة قصة اثارة ذعر مفبرك او مقصود،ان هناك مخاطر امنية في البلد،والعبء الامني ارتفع منسوبه جدا،خلال الفترة الماضية،لكننا بنفس الوقت نراهن على قوة الدولة ووعي الناس للحفاظ على استقرار البلد،الذي بقي حتى الان قائما مقارنة بكل دول الجوار التي تنهار يوميا من مصر الى لبنان،مرورا بفلسطين وسورية والعراق،وهذا يقول ان الضغط شديد،غير ان ليس من مصلحة احد،ان يلتحق الاردن بالقاطرة المحترقة وعرباتها.

لن يكون غريبا ان نسمع عن قصص غريبة وحوادث امنية خلال الفترة المقبلة،لان هناك من يريد مد النار الى الاردن،الذي برغم كل مصاعبه الاقتصادية واحتقانه الاجتماعي،الا انه بقي متماسكا،ولم يسقط تحت وطأة عوامل كثيرة،فيما كل هذه الشعارات العاطفية لاتصمد عبر التكرار بقدر تنبه الناس لبلدهم،حتى لايكونوا من حيث يحتسبون او لايحتسبون،وقودا في محرقة اطراف اخرى.

الاخطر ان الجوار مع سورية يسمح بتهريب السلاح او تسلل عناصر الى الاردن وشراء السلاح من هنا،ولامانع عند المخابرات السورية غدا من اغتيال نشاط سياسي في الاردن،او تفجير اسطوانة غاز في سيارة قرب مسيرة او اعتصام او تخريب منشأة حيوية،مادام ذلك سيؤدي الى دب الفوضى في الاردن،وهز بنيانه.

يكره الناس التحذير في وقت السلم،ويتثاقلون من الانذارات التي ُتوتر وجودهم،او يرونها مبالغة في مبالغة،وهذا طبيعي لان النفس البشرية لاتحتمل الشعور بالخوف،غير انها ليست حربا نفسية على الناس بقدر كونها وقائع على الارض.

التاريخ : 09-06-2012

=================

الاسد سيبقى مع المذابح

صحف عبرية

2012-06-08

القدس العربي

ليس لروسيا أي مشكلة في أن تقول الحقيقة: ليس لديهم اي فكرة عن اي اتجاه تتطور فيه الازمة في سوريا. في الاتصالات الدبلوماسية الجارية التي تجريها اسرائيل مع مسؤولين كبار في القيادة الروسية يعترف الروس بان سياستهم تتقرر من اسبوع الى اسبوع. في واقع الامر هم ليسوا وحدهم. السياسة الروسية، التي يشارك فيها الصينيون ايضا، لا تختلف جوهريا عن سياسة الاوروبيين والامريكيين بالنسبة لسوريا. بتعابير شرق أوسطية يمكن القول بان اولئك وهؤلاء على حد سواء يتخذون القرارات من مذبحة الى مذبحة.

قبل بضعة اسابيع زار موسكو رئيس مجلس الامن القومي، اللواء يعقوب عميدرور، في محاولة لاقناع الروس بالكف عن تأييد الاسد والكف عن صب السلاح في صالح نظامه. وقد أوضح له الروس بانه لا توجد ولم توجد لهم اي نية لعمل ذلك. وهم لا يتمسكون بالذات بشخص الاسد؛ ولن تكون لديهم مشكلة في أن يؤيدوا شخصا آخر، شريطة أن يعرف كيف يحافظ على مصالح روسيا في المنطقة، مثلما عرف كيف يفعل الاسد. كما أن ليس لديهم اي مشكلة الى جانب ارساليات السلاح للاستعداد منذ الان لاخلاء رجالهم بشكل فوري مع سقوط الاسد. رئيس الاركان بيني غانتس هو الاخر الذي زار الصين مؤخرا، سمع ذات القول الى هذا الحد او ذاك حين طرحت المسألة.

مركز البحوث السياسية في وزارة الخارجية، الذي هو هيئة استخبارية بكل معنى الكلمة، جمع قوائم اسمية مفصلة لمواطنين قتلوا في سوريا منذ اندلاع الازمة: 12.500 شخص. وتيرة القتل تبلغ الان 50 60 مواطنا قتيلا، بالمتوسط، في كل يوم. ورغم ذلك فان استنتاج الباحثين في وزارة الخارجية هو أن وضع حكم الاسد اليوم لا يختلف جوهريا عن مكانته قبل نحو نصف سنة. صحيح أنه يوجد تآكل تدريجي، ولكن لا نزال لا نرى الشرخ الكبير الذي سيؤدي الى انهياره.

كل الاحاديث عن عدم شرعية الاسد لا تنطبق، طالما كان الصينيون، الروس، الايرانيون، واللبنانيون يعتقدون أنه شرعي. لا تزال لديه الشرعية في أجزاء واسعة من المجتمع السوري ايضا.

وعندها تنشر وزارة الخارجية الامريكية خطة اخرى تتحدث عن الحاجة الى تفعيل الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة الذي يتهم الاسد بالمس بالنظام العالمي. الويل الويل الويل. الامريكيون يتحدثون عن3 الاف مراقب بدلا من ال 300 الحاليين ليعملوا في فرض الامور ايضا. يتحدثون مرة اخرى عن مناطق فاصلة على طول الحدود السورية وعن أروقة انسانية في عمق سوريا تكون محمية بمروحيات قتالية. في هذه الاثناء كله حكي.

إذن ماذا كان في سوريا هذا الاسبوع؟ مذبحتان وحشيتان، ومزيد من الصور الفظيعة. لقاء زعماء في تركيا ولد عددا لا يحصى من التصريحات في المسألة السورية وصفر افعال. لنلتقي في المذبحة القادمة. في مثل هذا الوضع يمكن للاسد أن يبقى لزمن طويل آخر.

 

=================

لمن سينقل الاسد حكمه؟

صحف عبرية

2012-06-08

القدس العربي

اللغة الحازمة للامين العام للامم المتحدة، بان كي مون، الذي قال امس في الجلسة الخاصة للجمعية العمومية ان 'الرئيس الاسد وحكومته فقدا كل شرعية لهما'.

والكلام القاطع الذي وصف فيه الامين العام للجامعة العربية نبيل العربي تفاصيل الفظاعة التي وقعت في سوريا في الاشهر الاخيرة. التقرير الجاف لكوفي عنان، الذي اوضح كم تجاهل الاسد خطته ذات الست نقاط.

كل هذه غرست للحظة الانطباع بان ها هي الامم المتحدة تعتزم اظهار تصميم عملي وليس لفظيا فقط، فتتخذ قرارا كفاحيا يضع حدا للمذبحة في سوريا. ولكن ايا من المتحدثين لم يطلب التدخل بالقوة، بل العكس، شدد الامين العام للجامعة العربية على أن الجامعة العربية تعارض كل تدخل عسكري في سوريا. دون اسناد من الجامعة العربية وبينما يعارض الناتو العملية العسكرية، وفي ضوء مواقف روسيا، فان الخيار العسكري ضد الاسد ليس قائما.

يتبقى الخيار السياسي، الذي معناه العملي هو اقناع روسيا بالموافقة على اسقاط نظام الاسد، او على الاقل الاعلان رسميا عن استعدادها كي تجبر الاسد على الشروع في اجراءات نقل السلطة.

هذا الاسبوع انطلقت من جهة روسيا تصريحات كفيلة بان تشهد على تغيير في موقفها. 'لسنا مع الاسد او مع معارضيه، نحن نريد فقط الهدوء ومنع حرب اهلية في سوريا'، قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين؛ 'لا يوجد اي الزام في ان يبقى الاسد في الحكم'، صرح نائب وزير الخارجية الروسي.

حتى الان اكتفت الدول الغربية، الدول العربية وبالاساس الولايات المتحدة باطلاق التوبيخات نحو روسيا. يبدو الان أن النية تتجه لتبنيها كشريك. من المتوقع اليوم لوزيرة الخارجية الامريكية هيلاري كلينتون أن تلتقي بوتين، في محاولة لاقناعه بتشديد تصريحاته تجاه الاسد. وبعد عشرة ايام سيلتقي الرئيس الامريكي باراك اوباما مع بوتين في موسكو وهناك أيضا سيبحث الموضوع السوري.

أمس، افادت محافل دبلوماسية غربية بان في نية كوفي عنان أن يقترح، بموافقة امريكية، تشكيل 'فريق اتصال' مع النظام السوري يضم روسيا، الصين، فرنسا، بريطانيا، الولايات المتحدة وكذا ايران وتركيا، السعودية وقطر. هدف مجموعة الاتصال هذه ليس فقط ادارة مباحثات عقيمة مع الاسد، بل الايضاح لروسيا ايضا، من خلال 'ضغط جماعي' بان من شأنها أن تفقد دورها ونفوذها في الشرق الاوسط اذا لم تعمل حسب 'الاجماع العام'.

ليس واضحا اذا كانت روسيا ستوافق على المشاركة في مجموعة تبدو ظاهرا كمجموعة ضغط على روسيا، ولكنها ستجد صعوبة في أن ترفض عندما يكون الهدف المعلن هو تطبيق خطة عنان التي تؤيدها روسيا. المشكلة هي أن فرضية عمل الدول العربية والدول الغربية تعتقد بانه مطلوب فقط موافقة روسيا على تبادل السلطة، حسب نموذج تبادل السلطة في اليمن. ولكن لفرضية العمل هذه لا يوجد بعد أساس. حتى الان عمل الاسد بالذات حسب نموذج القذافي او صدام حسين، وليس الرئيس اليمني المخلوع، فما بالك تونس أو مصر. السؤال الاكثر حرجا، الذي يحتمل أن بسببه روسيا ايضا لا تسارع الى ازالة الاسد عن كرسيه، هو لمن بالضبط سينقل الاسد حكمه؟

 

=================

مرحلة التفاوض على النظام السوري

عمر قدور *

السبت ٩ يونيو ٢٠١٢

الحياة

من وجهة نظر الكثيرين من متابعي الشأن السوري أتت خطوة طرد السفراء السوريين من عواصم عالمية فاعلةٍ متأخرةً عن المتوقع، بل تأخرت كثيراً عن خطوة من الطبيعة ذاتها سبقت إليها دول مجلس التعاون الخليجي، ويقلل من القيمة الفعلية لهذه الخطوة أن البعثات الديبلوماسية السورية لم تكن أصلاً قنوات اتصال سياسية مع النظام الذي تحتكر دائرة صغرى منه سبل التفاوض والقرار السياسي. على أن وضع طرد السفراء في إطار اللفتة الرمزية، أو تصوير ذلك على أنه رد فعل أخلاقي على مجزرة الحولة، ينبغي ألا يغيّب الحسابات الدولية أو السياق المتكامل الذي أتت من ضمنه هذه الخطوة. إذ من الواضح أن هذا الإجراء معدّ سلفاً للرد على الموقف الروسي، المتوقع أيضاً، أثناء مداولات مجلس الأمن حول مجزرة الحولة، وإذا بدا المجتمع الدولي عاجزاً إزاء الممانعة الروسية في المجلس فإن ذلك لا يمنعه من متابعة عقوباته «الهادئة» للنظام، ويخطئ من يعتقد بعدم جدواها ضمن المدى الذي يريده أصحابها، لا ضمن صفة الاستعجال المتأتية من العنف الممنهج للنظام.

ولعل تجاهل الرئيس السوري للحدث في خطابه أمام مجلس الشعب، تحت مسمى عدم الاكتراث بالخارج، يؤشّر إلى المستوى غير المسبوق من العزلة التي لم يعد ينفع معها إرسال إشارات سياسية إلى الأطراف الفاعلة دولياً. قد يعيننا الخطاب الرئاسي على فهم ما آلت إليه الظروف المحدقة بالنظام، فهو إذ يُعرض عن الخارج كلياً يؤشّر أيضاً إلى تراجع ثقته بالدعم المطلق من حلفائه الدوليين. المؤامرة، كما صوّرها الرئيس السوري، لم تعد تندرج ضمن صراع جيواستراتيجي أشمل، ويبدو أن الحديث عن محاور دولية تؤطر معركة النظام قد شارف على نهايته، فلم تعد الإشارات الآتية من الحلفاء مطمئنة كما كانت من قبل، ربما باستثناء الحليف الإيراني الذي يعاني بدوره مأزق الحصار.

لم تنجح تهديدات النظام الصريحة أو المبطنة بإشعال حرب إقليمية، ولم تستدرج القوى الدولية إلى التفاوض معه خشية منها، وعلى رغم الإقرار بقدرته على تنفيذ التهديد إلا أن ذلك صار أدعى إلى التخلص نهائياً منه، ولن يكون مستبعداً أن «رسالة طرابلس» قد أتت بعكس المرتجى منها وساهمت في استعجال التحرك الدولي. حتى الإقرار باحتمالات وقوع حرب أهلية واسعة النطاق في سورية بات مقروناً بنسبها إلى بقاء النظام، أي أن الأخير فقد نهائياً ميزته التقليدية كعامل استقرار داخلي أو كركيزة من عوامل التوازن الإقليمي، ومن المحتمل جداً أن القوى التي خبرت جيداً مكامن قوته صارت أكثر استعداداً لمواجهة تداعيات سقوطه، بما في ذلك تحييد بعض القوى الإقليمية الحليفة التي لم تعد تستبعد خيار السقوط.

منذ بدأ النظام باستخدام العنف المفرط الممنهج سادت الفكرة القائلة بتردد المجتمع الدولي إزاءه، ووجدت هذه الفكرة دائماً مبرراتها الأخلاقية فضلاً عن المقارنة بسرعة التحرك في الحالة الليبية، وقد يكون من المفارقة اتفاقُ النظام والقوى المناوئة له محلياً وإقليمياً على إنكار جدوى العقوبات التي فُرضت عليه. هذا التصور، المُحقّ إلى حد كبير أخلاقياً، لن يكون وجيهاً بالدرجة نفسها إن تتبعنا المسار الدولي، والذي أخذ شكل حرب استنزاف متصاعدة ضد النظام. فعامل الوقت الضاغط بكلفته البشرية على السوريين لا يبدو كذلك من جهة السيناريوات التي تروم إنهاك النظام إلى أقصى حد ممكن، في الوقت الذي تسير الترتيبات الدولية لإبطال مفاعيله الإقليمية. هذه الاعتبارات لن يضيرها التضحية بمزيد من السوريين، إن لم نقل إنها تقوى بمزيد من تورط النظام بالدم، ولا تضيرها الخسارة العامة الكلية بل على العكس قد يروق لبعض الأطراف خروج البلاد منهكة ومنشغلة لوقت طويل بمداواة خساراتها.

بخلاف ما يُنسب إليها مضت القوى الغربية في مشروع إسقاط النظام، ولم يكن ثمة تناقض في تصريحات قادتها سوى تلك الاختلافات حول ضرورة أو عدم إمكانية التدخل المباشر، مع أنها تشي أيضاً بأن خيار التدخل المباشر مطروح للتداول ولم يكن مستبعداً يوماً ما. مبكراً استبعد القادة الغربيون خيار التفاوض مع النظام، الخيار الذي تُرك أولاً لممثل الجامعة العربية ومن ثم لممثل الأمم المتحدة المشترك معها، ويمكن وصف مرحلة التدويل بأنها مرحلة التفاوض مع الروس بما أن امتثال النظام لخطة عنان غير وارد بالحسبان أصلاً. قد لا يستعجل الغرب دفع ثمن غالٍ للروس لقاء تخليهم عن النظام، فعامل الوقت ليس لمصلحة الروس، إنْ على الصعيد الأخلاقي دولياً أو على الصعيد الميداني حيث يزداد ضعف النظام باضطراد أمام التظاهرات السلمية، ويفقد السيطرة على مناطق جديدة كلما ظن أنه استعادها في مناطق أخرى.

حتى أيام قريبة خلت لم تضع القوى القادرة على الدفع، بالمعنى المباشر وبالمعنى الاستراتيجي، ثقلها في المساومة مع الروس، ولم تلجأ أيضاً إلى قدراتها في الضغط المباشر. تتعدد التأويلات حول أسباب التأخر وإن صبّت مجملها في عدم جاهزية الأطراف المعنية لعقد صفقة مرضية، إلا أن التطورات الأخيرة توحي بحلول مرحلة التفاوض على النظام، وبأن حلفاءه سيكونون مضطرين لمناقشة سيناريوات التغيير بعد استنفاد سبل المناورة والمماطلة أمامهم. إن الممانعة الروسية بخاصة لن تكون فعالة مع ارتفاع منسوب الضغط الدولي والتلميحات بالقيام بتدخل منفرد، وقد سبق للروس اختبار العزيمة الأطلسية في مناطق أكثر حيوية لهم. لذا، من المحتمل أن يبرهنوا على شيء من الحنكة فلا يغالون في الثمن المطلوب؛ هذا إذا قرروا التضحية بالنظام قبل أن يصبح عبئاً ثقيلاً عليهم.

على ذلك يمكن قراءة التشدد الأخير بأنه استباق للمفاوضات الحقيقية يتماشى مع استبعاد النظام نهائياً من دائرة التفاوض، فالروس لا يفاوضون نيابة عن النظام بل باتوا أيضاً يفاوضون عليه، وربما يدلل تشددهم على الضعف والافتقار إلى الأوراق الاستراتيجية أكثر مما يعني القوة. في كل الأحوال قد تشهد مرحلة التفاوض على النظام ذبذبات بين تصاعد وهبوط، وسيمر الوقت عصيباً على الثوار السوريين حيث ليس من المتوقع الوصول سريعاً إلى نهاية هذه المرحلة. المؤكد أن القوى الدولية الراغبة في إسقاط النظام أضحت أكثر جاهزية لهذا الهدف، أما القوى الممانعة فسيتعين عليها قريباً تقبّل سقوطه، إن لم تصبح جاهزة للمساهمة فيه.

=================

ماذا بعد خطة كوفي أنان؟

عبد العزيز التويجري *

السبت ٩ يونيو ٢٠١٢

الحياة

جاء الخطاب الذي ألقاه بشار الأسد في مجلس الشعب، ليؤكد مرة أخرى، إصرار هذا النظام على المضيّ قدماً في القمع والتقتيل والإبادة، تحت مسمى الخيار الأمني لمواجهة ما يدعي أنها «الجماعات المسلحة الإرهابية» بينما المقصود هو الشعب السوري الثائر على الظلم والبطش، وقد بدا بشار الأسد في حالة من الذهول والارتباك والانفصال عن الواقع الدامي الذي تعيشه سورية في هذه المرحلة، أثناء إلقائه خطابه الطويل الذي لا معنى له ولا فائدة فيه، والذي يعود إلى عهد الرؤساء الاستبداديين في الأنظمة الشمولية القمعية. وهو خطاب مغرق في الوهم، مفرط في الخيال، موغل في الانفصال عن الواقع على الأرض، ومنقطع عما يجري في هذا العالم من استنكار شامل ورفض كامل وإدانة قاطعة للجرائم ضد الإنسانية التي يقترفها نظام الأسد القمعي على مدى خمسة عشر شهراً.

ولكن إمعان النظام الطائفي في ممارسة القمع والتقتيل والتعذيب إلى أبعد الحدود، ليس هو كل المشكلة، بل هو جزء من المشكلة، فالموقف المتردد الذي يقفه بعض القوى الكبرى إزاء ما يحدث في سورية من ثورة شعبية عارمة شاملة، والموقف المؤيد للنظام والداعم له الذي تتخذه روسيا بالدرجة الأولى والصين بالدرجة الثانية، هذان الموقفان هما لبُّ الأزمة بصورة إجمالية، وهما أصل المشكلة المعقدة التي أضحت اليوم من أكثر المشاكل التي تهدد الأمن والسلم الدوليين.

فإذا كانت موسكو تؤيد النظام الطائفي تأييداً مطلقاً وتتشبث به وسيلة للحفاظ على مصالحها الاستراتيجية في سورية وفي الإقليم، فإن واشنطن تحجم حتى اليوم، عن اتخاذ الموقف القوي الحاسم مما يجري في هذا البلد المنكوب بنظامه القمعي، وتتردد لحساباتها الخاصة، في الانحياز الكامل غير المحدود إلى الشعب السوري الذي يعيش تحت بطش النظام الدموي الذي يشمل جميع المناطق السورية من دون استثناء، بينما تقف جامعة الدول العربية موقف التخاذل والعجز المعيب، ويصرح أمينها العام بين الحين والآخر، بتصريحات تبعث على الاستغراب والشك، ويمكن تفسيرها أحياناً على نحو مريب أيضاً. ومعروف أن السيد نبيل العربي يرتبط بالمصاهرة - ولعله بالفكر أيضاً - بالصحافي محمد حسنين هيكل.

ومعلوم أيضاً، أن هيكل هذا يثير جوّاً من البلبلة والشك بأحاديثه المدوية في الصحافة المصرية خلال الفترة الأخيرة، وبخاصة في «الأهرام» وقبلها في «الأخبار». وهو شخص يظهر في فترات حرجة ليخلط الأوراق، وليروّج لمفاهيم مغلوطة ومقولات ملتبسة. والواقع أن الدول العربية، باستثناء دول الخليج العربي وتونس وليبيا، لم تتخذ حتى الآن الموقف الذي يقتضيه التضامن الكامل مع الشعب السوري، فتطرد سفراء سورية، وتسحب سفراءها من دمشق، باعتبار أن هذا القرار سيقوي لا محالة من موقف المعارضة، ويوجّه ضربة قوية إلى النظام الطائفي المستبد، أما الموقف الذي تتخذه منظمة التعاون الإسلامي فهو ليس في مستوى المطلوب منها والمأمول فيها، فهي إلى الآن شبه متفرجة على المشهد الدموي.

وما دام الوضع العربي الإسلامي على هذا النحو، فلن تكون للضغوط التي يمارسها بعض الدول العربية - وهي دول الخليج العربي تحديداً - أي آثار فعالة وملموسة على الأرض.

أما إيران فهي تخوض معركة مصير نظامها الطائفي على الأرض السورية. ودعمها غير المحدود للنظام الطائفي في سورية، هو من أجل الحفاظ على مصالحها وأطماعها في المنطقة. وهذا الموقف من إيران مفهوم منطقياً وواضح واقعياً، فهو العداء المطلق والكيد الكامل للدول العربية التي تنأى بنفسها عن الطائفية، والتي تعمل من أجل الأمن والسلام وتحافظ على التضامن الإسلامي الحق وتسعى إلى تعزيز الوحدة الإسلامية الخالصة من الشوائب. لذلك، ينبغي وضع الموقف الإيراني في الاعتبار في جميع الأحوال؛ لأن مطامع طهران في الإقليم تمثل خطراً محدقاً بالدول العربية يجب التعامل معه بالمنطق الواقعي وبمنتهى الحذر.

لقد تبين بالوضوح الكامل أن النظام الإيراني الطائفي يتخذ من سورية والعراق وأنصاره في لبنان مركزاً له للوثوب إلى دول الإقليم، وبخاصة دول الخليج العربي. لذلك، فإن العصابة الطائفية الإجرامية التي تمسك بزمام الأمور في سورية، تخدم في المقام الأول، الدولة الطائفية الأكبر التي تساندها من كل النواحي عسكرياً ومالياً وسياسياً وديبلوماسياً وطائفياً أيضاً.

وفي ظل هذا التدهور المرعب والمريع للوضع في سورية، وفي ظل المواقف العاجزة المتخاذلة، والمواقف الداعمة المتحالفة، والمواقف المترددة الخائفة، لا يبقى هناك سوى اللجوء إلى مرحلة ما بعد خطة كوفي أنان التي فشلت فشلاً ذريعاً، وكان متوقعاً لها منذ البداية أن تفشل. إن العالم مدعو اليوم، وبإلحاح شديد، إلى التفكير في خطة بديلة لا بد أن تُبنى على أساس من الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، وأن تأخذ في الاعتبار قرار مجلس حقوق الإنسان ودعوته مجلس الأمن إلى رفع القضية للمحكمة الجنائية الدولية.

وتلك هي السبيل الوحيدة لإنقاذ الشعب السوري من المجازر والوطن السوري من الانهيار.

=================

الخطاب الخامس وربما الأخير للرئيس السوري

منذر خدام

الشرق الاوسط

9-6-2012

ألقى الرئيس السوري الدكتور بشار الأسد خطابه الخامس منذ اندلاع ثورة الشعب السوري ضد نظامه، وذلك بمناسبة افتتاح الدور التشريعي الأول لمجلس الشعب الذي تم «انتخابه» مؤخرا كتتويج لحزمة «الإصلاحات» التي أنجزها خلال الخمسة عشر شهرا الماضية. من هذه الزاوية أراد الرئيس السوري أن يبدو خطابه وكأنه خطاب رجل منتصر قد أنجز جميع الإصلاحات المطلوبة، في حين أنه لا يعدو كونه، على الأرجح، خطاب وداع مقدم اجتهد ملقيه أن يبدو هادئا فلم ينجح.

لقد حاول الرئيس في أكثر من موضع في الخطاب أن يوحي لمستمعيه بأنه في كل ما يقوم به منذ بدء الأزمة في سوريا يهدف إلى تحقيق مصلحة المواطن، فالمواطن بالنسبة إليه هو «المنطلق»، وعليه لا بد أن يكون «رأي المواطن هو البوصلة» التي يسترشد بها. وهو أيضا، بحسب ما جاء في الخطاب، يتعلم من الشعب إذا أرد أن يواجه مشكلة معينة، غير أن المواطن الذي يسترشد الرئيس برأيه، والشعب الذي يتعلم منه، قد قالا كلمتهما وهي أنهما يريدان «إسقاط النظام».

لكن بعيدا عن الجوانب الشعبوية في الخطاب، وهي جوانب قصدها الرئيس لذاتها، وبعيدا أيضا عن الدروس التعليمية التي تعود أن يلقيها علينا وعلى غيرنا في جميع خطاباته، فإن أقل ما يمكن أن يوصف به الخطاب هو أنه جاء مخيبا للآمال، وبعيدا جدا عن الواقع، وبالتالي فهو لا يتناسب مع طبيعة الأزمة التي تسبب فيها نظامه الاستبدادي للشعب السوري ولسوريا الكيان السياسي. لقد شكل الخطاب صدمة كبيرة حتى لكثير من مناصري النظام ولأولئك الواقفين على «الحياد» أيضا، والذين بدأوا يتساءلون بأصوات مسموعة عن مخرج للأزمة يأتيهم به الرئيس بإعلان تنحيه وتحمل مسؤولية ما يجري في سوريا، أو في الحد الأدنى يعلن عن اتخاذ إجراءات جريئة وحقيقية لتطبيق خطة كوفي أنان. فبعد كل هذه الدماء التي سالت في سوريا، من غير المنطقي أن يبشرهم رئيسهم بمزيد منها.

وحتى بالنسبة لمعارضي النظام السوري وللعالمين بطبيعته الطغموية المافيوية، فإنهم لم يكونوا يتوقعون هذه المغالاة والمكابرة في تجاهل حقيقة ما وصلت إليه الأوضاع في سوريا. فلا يزال الرئيس السوري بعد سقوط أكثر من عشرين ألف شهيد، ونحو ستين ألف معتقل ومفقود، وأكثر من مليون ونصف مليون من المهجرين، وبعد كل الدمار الذي تسببت فيه آلته العسكرية والأمنية لمختلف مرافق الحياة في سوريا، يصر على أن ما يجري في سوريا ليس أكثر من مؤامرة خارجية وهجوم إرهابي شامل، بهدف إحداث «فتنة» بين السوريين. بل وذهب بعيدا هذه المرة إذ اتهم شعبه بالإرهاب، وأنه صار أداة من أدوات المؤامرة الخارجية على بلاده!! في تعبير واضح عن الإفلاس السياسي.

يقول الرئيس في خطابه «تتصارع في سوريا قوتان؛ الأولى تدفع للوراء بما تحمله من محاولات لإضعاف سوريا وانتهاك سيادتها» بما تقوم به من «قتل وتخريب وجهل وتخلف وارتهان البعض للخارج» في إيحاء مكيف لكنه واضح الدلالة إلى الجماهير المنتفضة، و«القوة الثانية تدفع باتجاه الأمام بما تحمله من تصميم على الإصلاح تجلى بحزمة القوانين والدستور الجديد»، وهو هنا واضح في تعظيم دور نظامه. بل وذهب الرئيس بعيدا في تعاليه على الواقع عندما قال إن ما قام به من إصلاحات صدَّ «جزءا كبيرا من الهجمة» الخارجية الدولية على نظامه. لقد تجاهل الرئيس أن نظام حكمه لسوريا مستمر منذ نحو خمسة عقود، وأنه المسؤول الوحيد عما وصلت إليه الأوضاع فيها من تأزم وتعقيد، فهو المتسبب فيها بداية، وهو الذي عمقها وزادها حدة ثانية، وهو الذي يصر على تجاهل رؤية المخرج الوحيد منها وهو رحيل نظامه كما يطالب الشعب السوري بذلك.

لم ينس الرئيس السوري أن يتحدث عن الحوار مع المعارضة للبحث عن حل سياسي للأزمة، ولذلك خصها بجزء مهم في خطابه. لكن السؤال عن أي معارضة يتحدث الرئيس بعد أن استثنى من الحوار معارضة الخارج بذريعة أنها تدعو للتدخل العسكري الخارجي في سوريا، وبعد أن استثنى المعارضة التي وصفها بأنها تنتظر «توازنات الخارج» أو «تتلقى الأوامر» منه، ويقصد بذلك جميع فصائل المعارضة الداخلية التي رفضت المشاركة في لعبة الانتخابات لمجلسه البرلماني، وبتوصيفه هذا فإنه يتهمها بالعمالة؟! في هذه الحالة لم يبق من يحاوره سوى تلك «المعارضة» المضبوطة التي أغراها ببضعة مقاعد في برلمانه على أمل أن يمنحها بضعة مناصب وزارية في حكومته القادمة. ثم على ماذا سوف ينعقد الحوار، إذا كانت الإصلاحات قد أنجزها نظامه، وكانت «انتخابات» مجلس الشعب تتويجا لها، ولم يبق سوى أن تقبل بها المعارضة والشعب؟! إن من يفكر بهذه الطريقة واضح أنه لا يريد أي حل للأزمة التي تسبب فيها لسوريا، وأنه مصر على الاستمرار في خياره العسكري الأمني حتى تدمير البلد. لقد قلنا أكثر من مرة إن من يرفع شعارات «الأسد أو لا أحد» و«الأسد أو نحرق البلد» صدقوه، فهو يعني ما يقول، وغير ذلك لا يعدو كونه حشوات إنشائية.

لقد اعترف الرئيس في خطابه على غير عادته بأن سوريا تعيش في أزمة، وهذا تحول ينم عن ضعف، فلم تعد تجديه المكابرة، واعترف أيضا بأن الثورة السورية كانت ثورة شعبية سلمية حتى شهر رمضان من عام 2011، في تكذيب يقارب الفضيحة لما جاء في خطاباته السابقة ولكل آلته الإعلامية. وبالتأكيد سوف تكون لذلك مفاعيله على صعيد جمهور لا يزال مترددا في مواقفه مأخوذا بدرجات مختلفة بإعلام السلطة ودعايته.

إضافة إلى ذلك فقد ترددت كلمة «حوار» كثيرا في خطابه، حتى يكاد يستجديه فلا يجد من يحاوره، في علامة أخرى على الوضع غير المريح الذي أوصل نظامه إليه. وعلى الرغم من أن الرئيس السوري وجه خطابه إلى الداخل كما قال، واجتهد أن يكون هادئا أثناء إلقائه، ومتشددا تجاه خصومه، ومبشرا السوريين بمزيد من الدماء، في مقاربة ذات دلالة لعمل الطبيب الجراح، الذي «لا يكترث للدماء التي تسيل أثناء إجراء العملية»، فإن ما بين كلمات الخطاب المنطوقة رسائل واضحة للخارج وبصورة خاصة للروس حلفاء النظام بأنه باق، ولن تجدي تصريحاتكم الجديدة حول إمكانية مناقشة الخيار اليمني وتطبيقه في سوريا في المؤتمر الدولي القادم الذي تعد له روسيا بموافقة أميركية وأوروبية. لكن أن يريد النظام شيئا ويريد الواقع السوري والعربي والدولي شيئا مختلفا، فالغلبة لخيار هذا الأخير.

=================

مدرسة حكم الأسد

حسين شبكشي

الشرق الاوسط

9-6-2012

في عالم الإدارة وكليات الأعمال من المستساغ دوما أن يكون الحديث بالإعجاب والتقدير عن أسماء بعينها أو شركات محددة أبلت بلاء حسنا وتفوقت على غيرها، وقدمت النموذج المبهر والمميز. فمعروف أن أهم قصص النجاح الإداري كانت من نصيب جاك ولش، قائد شركة «جنرال إليكتريك»، ومؤخرا كان التبجيل والتفخيم من نصيب المبهر الآخر مؤسس شركة «أبل» العملاقة الراحل ستيف جوبز. إلا أن الحكومات والحركات السياسية هي الأخرى لها نهجها وأسلوبها الإداري «المميز»، والذي يعرف بأنه بصمتها الخاصة التي تفرقها عن غيرها من مثيلاتها.

ولعل ما يوصف به نظام بشار الأسد، ومن قبله والده حافظ الأسد، في إدارة الأمور في سوريا، مسألة جديرة بأن تدرس وتبحث في كيفية تكوين دولة من الذعر لا غاية منها سوى تكريس حكم العائلة والطائفة بأي ثمن ولأطول زمن.

الحكم بشكل أساسي ارتكز على تبني فكرة إشغال الرأي العام بشعارات جميلة ومثالية، ولكنها مبهمة، ينشغل منظرو النظام لسنوات وعقود في محاولة «حشو» عقول الأجيال بالمبادئ والأهداف والقواعد والأسس التي يجب تبنيها في ندوات ومؤتمرات وكتب ومقررات وخطب ومحافل وغير ذلك من مناسبات الغث والهراء الرخيص. فأشغل الناس بالاشتراكية تارة، وبالقومية تارة أخرى، وبالوحدة تارات، وهي جميعا شعارات حزب البعث العربي الاشتراكي، ذلك الفكر الشيطاني المدمر الذي يكرس حكم الطغاة وفكرهم، وطبعا باع وروج للناس أيضا أنه راعي المواجهة والمقاومة والممانعة «الأول» ضد العدو الصهيوني الإمبريالي، وكان ماهرا وبارعا في «تخوين» من يعارضه ويخرجه من الملة القومية والعربية بلا رجعة، ويتبنى «دعم» الفصائل والأحزاب والحركات «المقاومة»، بينما بقيت حدوده مع إسرائيل وهضبته المحتلة بالجولان آمنة مطمئنة بلا إزعاج، وهي في ذلك أقرب لمنتجعات هاواي وبحر الكاريبي منها إلى منطقة احتلال ومواجهة على خط النار الملتهب كما يفترض.

وكان من صميم أسلوب النظام في تعامله مع من يخالفه طريقة إطلاق «الشبيحة» عليه، و«الشبيحة» ذلك اللفظ الذي عرف مع أحداث الثورة السورية الأخيرة هو حقيقة كان نهجا موجودا منذ بدايات النظام، فنظام الأسد يجند أبواقا في الإعلام العربي أو نوابا في بعض البرلمانات العربية، الغاية منها «بهدلة وشرشحة» ومسح البلاط السياسي بكل معارض للنظام، وإذا لم يتم استيعاب المطلوب بدقة يتم الإيذاء الجسدي الذي يبدأ بالتهديد حتى الإيلام والتشويه، وقد ينتهي بالقتل المرعب.

لقد برع النظام وأبدع في استخدام أشكال متنوعة من «الشبيحة» في كافة القطاعات والمجالات من ساسة ورجال أعمال وتجار وفنانين ورياضيين، كل يدلي بدلوه، وكل يترك بصمته المميزة في مجاله للتأثير على الناس بطريقته. والتشنج الأسدي لم يعد مع مرور الوقت ظاهرة محصورة داخل إطار وحدود سوريا وحدها، ولكنه انتقل إلى دول الجوار مثل العراق ولبنان والأردن والأراضي الفلسطينية وتركيا ومصر وبعض دول الخليج، كل هذه الدول بأشكال مختلفة عانت وذاقت المر جراء التشنج السوري العابر للحدود، وهو ما يفسر وبقوة «تردد» وخوف بعض هذه الدول من الإقدام بصراحة وبشكل غير قابل للشك في دعم الثورة السورية، لأن التهديد التشنجي مسألة قائمة ومستمرة من قبل نظام الأسد ضد الأردن مثلا، وها هي المظاهرات تتحرك في توقيتات مريبة وبأشكال «مختلفة»، وكأنها موجهة كما بات معروفا للمخابرات الأردنية من جهات «محسوبة» على المخابرات السورية وعناصرها، وكذلك الأمر بطبيعة الحال في لبنان المخترق تماما من قبل منظومة التشنج السوري بامتياز، فهناك وصل التشنج إلى الحكومة والبرلمان وأصبح جزءا من المنظومة الحاكمة بامتياز، وفي تركيا هناك قلق وخوف واضح من اختراق سوري تشنجي للفئة العلوية وتوظيفها لإحداث القلاقل لصالح الأسد ونظامه كنوع من تخفيف الضغط التركي على سوريا ونظامها.

وهناك أيضا «تحريك» واضح لبعض الحركات الكردية في الداخل التركي عن طريق أعمال إرهابية تزعزع ثقة المواطنين الأتراك في قدرة أردوغان الأمنية على حماية استقرار البلاد بعد فترة استقرار وحسن إدارة للملف الكردي.

التشنج هو إحدى أدوات ووسائل نظام الأسد المرعب الذي يتفق شرفاء العالم على أهمية الخلاص منه، ليس لأنه من صالح الشعب السوري فقط، ولكنه معيب على الإنسانية استمراره حتى الآن.

=================

فرصة جديدة أخرى للأسد؟

طارق الحميد

الشرق الاوسط

9-6-2012

ترتكب آلة القتل الأسدية المجزرة تلو الأخرى، وتمنع وصول المراقبين الدوليين لمكان المجزرة، مثلما حدث في القبير، لمدة يومين، حتى تنظف المشهد، ثم تسمح للمراقبين الدوليين بالدخول هناك، ورغم كل ذلك لا يزال السيد أنان يبحث عن طريقة لتنفيذ بنود خطته في سوريا! أمر عجيب حقا.

فعلى السيد أنان أن يعلن أن خطته قد فشلت، وكما قلنا من قبل، فإن فشل مبادرته ذات الست نقاط ليست فشلا شخصيا له، بل لأن بشار الأسد هو من أفسدها، مثلما أفسد الطاغية كل المبادرات التي طرحت لسوريا، ومنذ اندلاع الثورة، ولذا فإن من واجب السيد أنان أن يعلن عن فشل مبادرته، وليس تطويرها، أو بحث طرق أخرى لتنفيذها، مثل إقحام إيران في المشهد، وهو أمر غير مقبول، فكيف يقال لمساعد القاتل تعال لتكون جزءا من الحل؟ إشكالية عدم إعلان أنان عن فشل مبادرته أنه يعطي الروس والصينيين فرصا للتلاعب بالمجتمع الدولي، وإعاقة أي تحرك فعلي داخل مجلس الأمن، كما أنها تمنح الإدارة الأميركية الحالية فرصة للتهرب من مسؤولياتها تجاه سوريا وذلك من أجل انشغال أوباما بالانتخابات الأميركية القادمة!

هذه هي إشكالية تمسك أنان بمبادرته إلى الآن، وعدم إعلان فشلها، فهي تعطي الجميع فسحة للتهرب من حماية السوريين العزل، كما أنها تعطي الطاغية الأسد فرصة جديدة أخرى ليس للقضاء على الثورة، فهذا أمر بعيد المنال تماما، وإنما تمنح الطاغية فرصة للقيام بقتل المزيد من السوريين، وبالتالي تعريض مستقبل سوريا الدولة ككل للخطر، مثلما أنها تعرّض أمن المنطقة ككل للخطر، وتنذر باندلاع حريق كبير. ومن هنا فإن إعلان أنان فشل مبادرته يعني أن على الجميع تحمل مسؤولياته تجاه ما يحدث بسوريا، حينها سيقطع طريق المتاجرة على الروس والصينيين، كما سيكون على أميركا، وخلفها المجتمع الدولي، مسؤولية حماية المدنيين السوريين، والأهم من كل ذلك أن إعلان فشل الخطة يعني أن الأسد بات بين أمرين لا ثالث لهما؛ وهو إما الفصل السابع من قبل مجلس الأمن، وإما أنه سيواجه تحالف الراغبين، ومن خارج مجلس الأمن كما حدث في يوغوسلافيا، والقصة ليست رغبة في الحروب، وإنما هي مطالبة لإيقاف آلة القتل الأسدية التي حصدت أرواح السوريين بشكل بشع، ومهين، حتى إن واشنطن وصفت المجزرة الأسدية الأخيرة بأنها مهينة للكرامة الإنسانية، وهذا ما يفعله النظام الأسدي وشبيحته بالسوريين كل يوم، فما الذي ينتظره المجتمع الدولي من أجل أن يتحرك ضد من يهين الكرامة الإنسانية للشعب السوري، ويقتل أطفالهم ونساءهم، ورجالهم، بأبشع الطرق؟

المؤكد أن الجميع يتعذر اليوم بوجوب انتظار إجابة السيد أنان على قابلية تنفيذ خطته، ولذا فإن من واجب السيد أنان، وحقنا لدماء السوريين الذين يتعرضون لمجزرة تلو الأخرى على يد طاغية دمشق، أن يعلن فشل خطته ليواجه الأسد مصيره المحتوم، وليس منح الطاغية فرصة جديدة أخرى!

=================

الثورة السورية المستمرة!

أكرم البني

الشرق الاوسط

9-6-2012

ثمة سؤال يطرحه الكثيرون في هذه الآونة حول نقاط القوة التي تقف وراء استمرار الثورة السورية، في ظل ما تشهده من قمع عنيف ومعمم يتجاوز كل تصور وفي ظل فداحة ما تقدمه من ضحايا وجرحى ومعتقلين ولاجئين، وأيضا في ظل مشهد يبدو فيه الحراك الشعبي وكأنه يترك ليواجه مصيره وحيدا، أو ما يصح تسميته بغياب موقف عربي ودولي داعم، فالأول لا يزال متأخرا وفي أحسن الأحوال لم يرق إلى مصاف شدة ما يكابده الناس، والثاني يعاني من تشتت وحسابات سياسية يعيقان خطوة التقدم لإعلان موقف أممي يدين ويوقف هذا التوغل غير المسبوق في القهر والتنكيل!

لا نضيف جديدا حين نقول بوجود إيمان راسخ وعميق لدى الشعب السوري بضرورة التغيير، نابع من شدة معاناته خلال عقود من القهر والتمييز والتهميش، وصل الأمر في بحر السنوات القليلة المنصرمة إلى حدود غير مقبولة، أوضح ما يمكن أن يقال فيها، إنها أباحت لأهل الحكم كل شيء وأطاحت من دون أي مسؤولية بأبسط حقوق الناس ومصالحها، وأوصلت الأمور إلى حد يتجاوز كل طاقة على الاحتمال، ليغدو العيش محالا وترجح كفة تفضيل الموت على الخضوع للوضع القائم.

لكن الإيمان وحده لا يكفي، فما يزيد قوة الثورة ويرفع روح الإيثار والاستعداد لتقديم التضحيات، شيوع إدراك أو لنقل شعور عام لدى جموع المحتجين، بأن ما يحصل هو لحظة للتغيير يصعب تكرارها أو هو فرصة تاريخية لن تعوض للخلاص مرة وإلى الأبد من منطق القوة والتمييز والغلبة، وأن أي توقف أو عودة إلى الوراء سيمكن الدولة الأمنية من التحكم أكثر بحياة الناس ومصائرها ويضع الأجيال القادمة في شروط ستكون أسوأ بكثير مما هو قائم الآن، وهنا يمكن أن نضيف دور الاحتجاجات الشعبية، التي اتسعت وامتدت لتشمل معظم المدن والبلدات السورية، في إعطاء أمل وثقة بقوة الثورة وبقدرتها على تحقيق أهدافها، يعززهما التراجع المستمر في قدرة أدوات القمع على محاصرتها أو سحقها.

إن فشل الخيار الأمني والعسكري في حسم الأمور وكسر شوكة الحراك الشعبي بعد ما يقارب الخمسة عشر شهرا على انطلاق الثورة عزز ثقة الناس بجدوى ما يقومون به وبأن قضيتهم أصبحت قضية موت أو حياة لا مجال للتراجع عنها، والدليل أن المناطق المدمرة والمنكوبة تظهر من جديد كأنها المناطق الأكثر تحديا والتي بمجرد انحسار الحضور الأمني، أول ما تعاود وتبادر، وهي تعض على جراحها، للتظاهر والاحتجاج وتأكيد مطالبها وشعاراتها، مما يشجع على القول إن صمود الناس رغم كل ما سبق قد وضع الثورة عند نقطة لا عودة منها، خاصة أن دعاة الحسم العسكري قد جربوا وبصورة مبالغ فيها كل أنواع القمع والأسلحة الجبارة ولم تنجح تجاربهم المحمومة في إطفاء جذوة الثورة، كما لم تنفعهم مناوراتهم الإصلاحية أو محاولات إثارة الخلافات والتفرقة بين الجماعات الأهلية أو تشويه الثورة سياسيا وأخلاقيا بوصفها بالطائفية والسلفية أو التشكيك بوطنيتها وبأنها أدوات لمؤامرة خارجية.

وضوح مطالب الحرية والكرامة والقيمة الأخلاقية للمظاهرات الشعبية التي تتحدى الموت واتساع البنية التكوينية للقيادات الميدانية لتعوض ضعف المعارضة السورية التقليدية التي أرهقها القمع والعزلة التاريخية عن الناس، هي حوافز سياسية صريحة لهذا الاستمرار المبين للثورة السورية، وإذا أضفنا ما تعممه الثقافة الإسلامية من حب للشهادة طلبا للحق ورفع الظلم وأيضا روح الوفاء للدماء الذكية التي أريقت ولمعاناة الجرحى والمعتقلين والمشردين، وما يترتب على ذلك من حرج أخلاقي في التراجع ونكث الوعود، ومن مسؤولية كبيرة في الحفاظ على ظواهر الاحتجاج والاستبسال في التظاهر، ثم الحماسة المنقطعة النظير لمن يفاخرون في المناطق التي عرفت إدارة أهلية لشؤونها، بأنهم تذوقوا طعم الحرية وصار الموت سهلا دونها! يمكن أن نقف عند أهم الأسباب التي لا تزال تحفز همم الشباب وتشد من عزمهم للاستمرار في ثورتهم، وتساعد تاليا على كسر تردد آخرين وضم فئات جديدة إلى الصفوف، وبالفعل ثمة أعداد كبيرة أخذت ترفد الحراك الشعبي، يصعب تفسير دوافعها مع تصاعد شدة القهر والتنكيل، هل لأن حاجز الخوف انكسر نهائيا في نفوسها بعد هذا الزمن الطويل من عجز السلطة عن الحسم، أم لانحيازها الأخلاقي مع المتظاهر الأعزل واشمئزازها من عنف أعمى لا يعرف حدودا أو ضوابط، أم لإيمانها أخيرا بأن ما يحصل اليوم هو معطى تاريخي أصيل للخروج من الأزمة السورية المزمنة؟!

ونضيف، يستمد المحتجون السوريون القوة والأمل من الثورات العربية التي تتقدم والتي كرست بصورة لا رجعة عنها إمساك الناس بقضيتهم، ولا يغير من هذه الحقيقة حين يجري تضخيم بعض المظاهر السلبية التي تشهدها هذه الثورة أو تلك للطعن بجدوى التغيير وأن ثماره هزيلة بالمقارنة مع حجم التضحيات التي يتطلبها، أو إثارة المخاوف من احتمال تقدم تيارات إسلامية متطرفة لقطف ثمار التغيير وحرف الثورة عن أهدافها الحقيقية في بناء مجتمع المواطنة والدولة المدنية الديمقراطية.

وأيضا ثمة شعور عند السوريين يزيدهم ثقة وإصرارا هو أن ثورتهم صارت الشغل الشاغل لدى الشعوب العربية والإقليمية المجاورة، وأن ما يقومون به من استبسال وإيثار في تقديم التضحيات هو موضع تقدير وإعجاب، وأن ثمة ترقبا كبيرا لتأثير هذه الثورة الفريدة في مستوى المشرق خصوصا والعالم العربي عموما. ليس الغرض من عرض نقاط قوة الثورة السورية وحوافز استمرارها تقديم أمل كاذب أو شحنة تفاؤل، بل للإشارة إلى أن خمسة عشر شهرا على انطلاق الاحتجاجات والمظاهرات الشعبية ورغم شدة القمع والعنف المطبق ضدها، تعني أن الثورة تجاوزت مرحلة الانتكاس، وأن خطر إجهاضها أو كسر شوكتها صار وراءها، وأن الشعب السوري الذي استبعد تاريخيا من حسابات الانتفاضات والثورات، يفاجئ الجميع اليوم ويبرهن أنه يزخر بطاقة لا تنضب وباستعداد عالٍ للتضحية، من أجل حياة حرة وكريمة!

==========================

الآفاق السياسية بعد مجزرة الحولة : بعد مجزرة الحولة......إلى متى سيبقى المجتمع الدولي متفرجا؟

دقت مجزرة الحولة المسمار الأخير في نعش خطة السلام التي جاء بها المبعوث الخاص للأمم المتحدة والجامعة العربية إلى سوريا، كوفي عنان، وبات من الواضح أن هناك حاجة لبدائل تقي البلاد شر حرب أهلية طاحنة ذات عواقب إقليمية وخيمة، بحسب تعليق لأندرياس تسوماخ.

أندرياس تسوماخ

ترجمة: ياسر أبو معيلق

مراجعة هشام العدم

حقوق النشر: قنطرة 2012

إن فشل كوفي عنان في سوريا لا يعني فشل الأمين العام السابق للأمم المتحدة على مستوى شخصي، فهو جرب جميع الطرق. لكن من فشل هو مجلس الأمن الدولي، خاصة الأعضاء الخمسة الدائمين فيه والمخولين باستخدام حق النقض (الفيتو): الولايات المتحدة الأمريكية والصين وروسيا وفرنسا وبريطانيا.

عندما قام مجلس الأمن بإقرار خطة السلام مطلع شهر أبريل الماضي، سادت شكوك كبيرة في أن يتمكن 300 مراقب دولي غير مسلح من التأكد أن بلداً كبيراً مثل سوريا سيلتزم بوقف إطلاق النار، وضمان سحب الحكومة للأسلحة الثقيلة من المناطق السكنية، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين وتأمين حرية التجمع والصحافة. لقد كان واضحاً منذ البداية أن تطبيق هذه الاتفاقات من قبل هذا العدد من المراقبين الدوليين، خاصة في ظل وجود طرفين مسلحين للنزاع، أمر غير ممكن.

الحرب على المدنيين مستمرة

هول الحرب على المدنيين السوريين: مجزرة الحولة كانت أسوأ عمل يرتكب منذ اندلاع الاحتجاجات على نظام الأسد قبل حوالي 15 شهراً، وأدت إلى استياء عالمي. أدى الهجوم على بلدة الحولة إلى مقتل 110 أشخاص، ثلثهم تقريباً من الأطفال.

 

 

ورغم أن حكومة الأسد وافقت على خطة عنان، إلا أنها لم تلتزم إلا بالبند الأول منها، ألا وهو وقف إطلاق النار، لمدة يوم ونصف فقط – من الثاني عشر وحتى الثالث عشر من أبريل. ومنذ ذلك الوقت لم تخض القوات الحكومية ومليشيات "الشبيحة" حرباً ضد المقاومة المسلحة وحسب، بل وهاجمت المدنيين أيضاً. وشكلت مجزرة الحولة، التي أدت إلى مقتل 108 أشخاص وجرح المئات، القمة المحزنة لهذه الحرب. أما مجلس الأمن الدولي، فقد اتفق ليلة الاثنين (28 مايو)، بعد الإشارة إلى استخدام أسلحة ثقيلة ضد المدنيين، على أن القوات النظامية هي المسؤول الرئيسي عن هذه المجزرة.

كما أوضحت تحقيقات أخرى قام بها مراقبو الأمم المتحدة أنه وبالإضافة إلى تعرض بلدة الحولة إلى قصف من قبل الدبابات والمدفعية الثقيلة، فإن مليشيات الشبيحة قامت أيضاً بتنفيذ إعدامات جماعية. هذا هو الدليل الأخير على أن نظام الأسد لا يفكر في الالتزام بخطة السلام، وبالتالي المسؤول الأول عن فشل هذه الخطة.

إفشال خطة السلام

وقت العمل: رداً على مجزرة الحولة أعلن الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند أن التدخل العسكري لم يعد أمراً مستبعداً في سوريا، بشرط أن يلتزم هذا التدخل بالقانون الدولي وأن يكون نتيجة لموافقة مجلس الأمن الدولي.

 

 

هذا الاستنتاج سيكون صحيحاً أيضاً لو أثبتت التحقيقات النهائية ضلوع قوى المعارضة المسلحة في المجزرة. لكن حتى إذا كان بالإمكان إثبات عدم ضلوعهم بشكل قاطع، فإن ما حصل قبل مجزرة الحولة أثبت بكل وضوح أن التزام القيادة السياسية للمعارضة بخطة عنان للسلام تعرض للتخريب على يد المجموعات المسلحة، إما من أجل دفع حلف شمال الأطلسي إلى التدخل عسكرياً ضد نظام الأسد، أو بسبب خلافات داخلية أو حتى بدافع حسابات أخرى.

وبغض النظر عن المسؤول عن القتلى والجرحى في الحولة، فإن هذه المجزرة شكلت الفرصة الأخيرة لمنع أسوأ سيناريوهين يمكن حدوثهما بالنسبة للسوريين، ألا وهما حرب أهلية مضنية على مستوى البلاد قد تؤدي إلى مقتل مئات الآلاف وتصعيد الصراع الدموي بين الطوائف المختلفة، وتدخل عسكري من قبل حلف شمال الأطلسي كما حدث في ليبيا، والذي خلف 50 ألف قتيل رغم نجاحه في الإطاحة بالنظام هناك. وفي كلتا الحالتين من المتوقع أن تنهار الوحدة الوطنية لسوريا، مما سيكون له عواقب وخيمة على دول الجوار كتركيا والعراق وإيران والمنطقة بأسرها.

شروط لإنجاح المهمة الأممية

يعتبر تسوماخ أن "البديل الوحيد لهذين السيناريوهين المرعبين يبقى، بعد الفشل التام لخطة عنان، قوة دولية أممية يوافق عليها الأعضاء الخمسة الدائمون في مجلس الأمن، تعمل على وقف الاشتباكات المسلحة وضمان وصول المساعدات الإنسانية للمدنيين وتهيئة الظروف المناسبة لانتخابات حرة تحت رقابة الأمم المتحدة".

 

 

البديل الوحيد لهذين السيناريوهين، بعد الفشل التام لخطة عنان، هو إرسال قوة دولية أممية بدعم من الدول الخمس ذات العضوية الدائمة في مجلس الأمن، تعمل على وقف الاشتباكات المسلحة وضمان وصول المساعدات الإنسانية للسكان وتهيئة الأجواء لإجراء انتخابات حرة تحت رقابة الأمم المتحدة، والتي قد تؤدي على الأرجح إلى إنهاء نظام الأسد.

أهم عناصر نجاح هذه المهمة الأممية هو مشاركة جنود يمثلون الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن فيها، لأن القوات الحكومية والمعارضة المسلحة لن تجرؤ على مهاجمة بعثة تضم جنوداً أمريكيين وروسا وصينيين وبريطانيين وفرنسيين. مثل هذه المهمة ستكون حدثاً جديداً في تاريخ الأمم المتحدة، وفرص إقرارها ازدادت بعد مجزرة الحولة. في واشنطن وبكين وموسكو بات جلياً أن مصالحها لن تكون مضمونة إذا ما تركت سوريا تحت رحمة حرب أهلية دموية تؤدي إلى انهيارها، وإذا لم يتم استبدال الدكتاتورية في دمشق بحكومة منتخبة بشكل ديمقراطي.

 

=========================

أضواء على مشروع الولي الفقيه

غازي التوبة

المصدر:الجزيرة

8-6-2012

توجهت جماعة الإخوان المسلمين في سوريا بمذكرة إلى أبناء الأمة المسلمة، تدعوهم فيها إلى مواجهة مشروع الولي الفقيه الذي يعيث فسادًا في سوريا وغيرها من البلدان العربية.

وإنني أثمن هذا التوجه، وأعتقد أن هذا البيان قد وجّه الأنظار إلى مشروع خطير يفتك بجسم الأمة، ويهدف إلى تفتيتها، ومن الواجب التصدي له ووضع الخطط وحشد الإمكانات من أجل ذلك، قبل أن يستفحل ضرره ويستشري خطره.

وأعتقد أن المتابع لشؤون الأمة، يدرك أن هناك مشروعين لتدمير الأمة وتمزيقها والسيطرة عليها وهما:

 

الأول: المشروع الصهيوني، الذي بدأ خططه منذ نهاية القرن التاسع عشر، والذي أفلح في إسقاط الخلافة العثمانية، ثم في إقامة إسرائيل، وما زال يسعى إلى تمزيق الأمة وتفتيتها وإضعافها من أجل أن تبقى إسرائيل هي القائدة لدول الشرق الأوسط.

الثاني: مشروع الولي الفقيه الإيراني، الذي بدأ منذ أن وصل الخميني إلى الحكم عام 1979، والذي يخطط لنشر المذهب الشيعي، وتحويل الشيعة إلى أكثرية في الأمة، وهو من أجل تحقيق هذه الغاية يلتقي مع المشروع الصهيوني في إضعاف الأمة، وتفتيتها، وتمزيقها، ويتعاون معه في بعض الأماكن والأحيان.

وليس من شك في أن الواعين من أبناء الأمة هم الذين يتصدون لكلا المشروعين باعتبارهما يشكلان خطرًا على الأمة، أما المغفلون، والمصابون بقصور الإبصار فهم الذين يرون أن هناك مشروعًا واحدًا يستهدف الأمة هو المشروع الصهيوني، ويتهمون من يقول بالمشروعين بالعمالة للصهيونية. والسؤال الآن: ما المراحل التي قطعها مشروع الولي الفقيه منذ عام 1979؟

 

بدأ مشروع الولي الفقيه بالقضية الفلسطينية لأنّه وعى أنها خير مدخل إلى قلوب مسلمي العالم، وقد ذكر الخميني في أحد اجتماعاته مع المقربين منه أنه إن لم يكن لنا رصيد في القضية الفلسطينية فعملنا السياسي لا قيمة له، لذلك ركزت إيران على فتح أبوابها للمنظمات والحركات والشخصيات الفلسطينية، وكان ياسر عرفات رئيس منظمة التحرير الفلسطينية أول من زار الخميني عام 79 من الشخصيات العالمية، لكن التحالف بين إيران ومنظمة التحرير انفكت عراه بعد أن بدأت الحرب العراقية الإيرانية عام 1980.

لكن إيران استمرت في البحث عن أصدقاء وحلفاء جدد في الساحة الفلسطينية، فأقامت علاقات وثيقة مع حركة الجهاد في بداية الثمانينيات، وأمدتها بالأموال، وأبرزتها في إعلامها، وقد تعدّت العلاقات بين إيران وحركة الجهاد الإطار السياسي إلى الإطار الثقافي، فقد اعتبرت حركة الجهاد في دراسة لمؤسسها فتحي الشقاقي أن الخلاف بين السنة والشيعة خلاف تاريخي، وأن السياسة هي التي أنشأته وغذته، وأنه خلاف في الفروع وليس في الأصول، وقد تبنت إيران هذه الدراسة وطبعت منها آلاف النسخ ووزعتها في كثير من البلدان الإسلامية، لذلك مثلت حركة الجهاد حليفًا رئيسيًّا لإيران في الساحة الفلسطينية.

أعلنت حماس عن وجودها الرسمي عام 1987، وأقامت علاقات مع إيران في تسعينيات القرن الماضي، وقد أمدت إيران حماس بالأموال، وأشركتها في مؤتمراتها، وأبرزتها في إعلامها، وسهّلت وجودها في لبنان عن طريق حليفها حزب الله.

وقد أصبحت إيران عن طريق علاقتها الوثيقة بحركتي الجهاد وحماس بالدرجة الأولى وعن طريق علاقتها بحركات أخرى مثل جبهة التحرير الفلسطينية (القيادة العامة) التي يرأسها أحمد جبريل بالدرجة الثانية، لاعبًا رئيسيًّا في الساحة الفلسطينية، وذات تأثير في القرار الفلسطيني، وبهذا تحقق الهدف الذي كان يرمي إليه الخميني، والذي تحدثنا عنه في بداية المقال.

أما بالنسبة للبنان فإن إيران استثمرت الطائفة الشيعية، فأنشأت حزب الله عام 1982، ورفع الحزب راية مقاتلة إسرائيل، واستهدف تحرير جنوب لبنان المحتل منذ عام 1978 من قبل إسرائيل، وأمدته إيران بالسلاح والأموال والتكنولوجيا والخبرات العسكرية عن طريق الحرس الثوري، وقد نجح حزب الله في تحرير جنوب لبنان عام 2000، وقد تعدّى ارتباط حزب الله بإيران العلاقة بين طرفين، إلى أن أصبح جزءًا من مشروع الولي الفقيه، حاملاً رسالته الفكرية والثقافية والشرعية والدينية، ولم يخف حزب الله ذلك بل صرح به في أكثر من مكان من أدبياته المعلنة.

 

أما مخطط الولي الفقيه بالنسبة للعراق فقد قام منذ اللحظة الأولى على التطلع إلى السيطرة على العتبات المقدسة في النجف وكربلاء، وعلى دعوة الشيعة إلى الثورة على نظام صدام حسين، مما أدى إلى الحرب العراقية الإيرانية التي أكلت الأخضر واليابس بالنسبة للبلدين والتي بدأت عام 1980 وانتهت عام 1988، ثم تعاونت إيران مع أميركا في غزو العراق 2003.

وأدى هذا الغزو إلى تدمير العراق تدميرًا كبيرًا في مختلف المجالات: الاقتصادية والزراعية والاجتماعية والعلمية، واستهدف الغزو الأميركي تفكيك الجيش العراقي، وتدمير القوة العسكرية العراقية التي كانت تشكل عماد الجبهة الشرقية في مواجهة إسرائيل، واستهدف إنشاء جيش جديد، وقد فعل الحاكم الأميركي بريمر ذلك لصالح إسرائيل.

أما مخطط إيران بالنسبة لمصر وشمالي أفريقيا فقد قام على نشر التشيع هناك، وقد أحس الشيخ يوسف القرضاوي بخطر فعلتهم تلك ولمس ذلك، فدعاهم إلى التوقف عن ذلك، وهو الشيخ الذي كان موقفه معتدلاً من مذهبهم، وتعاون معهم أكثر من عقدين في مجالات توحيد الأمة، وفي مجالات مواجهة الغزو الصهيوني والغربي، وفي مجال الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وتلخصت خطة الشيخ القرضاوي التي عرضها عليهم، بأن لا تكون هناك دعوة إلى التشيّع في المناطق ذات الأغلبية السنية، كما لا تكون هناك دعوة إلى التسنّن في المناطق ذات الأغلبية الشيعية من أجل استبعاد الاحتكاك والتنازع، لكن آيات الله في إيران رفضوا ذلك.

أما بالنسبة لسوريا فقد تحالفت إيران مع النظام السوري مع أنه نظام علماني لا ديني، ودعمته في كل المجالات أكثر من ثلاثة عقود، وقد استغلت إيران العلاقة الطيبة مع النظام السوري فنشرت المذهب الشيعي في كل أنحاء سوريا، وأقامت الحوزات العلمية والحسينيات، وأحيت كثيرًا من الآثار الشيعية التي كانت مندثرة في سوريا مثل قبر "الست زينب" في محيط دمشق، الذي رممته وأقامت حوله الفنادق والأسواق، وشجعت الشيعة لزيارته والقيام بواجب التقديس نحوه، من أجل تدعيم المذهب الشيعي في سوريا.

والآن بعد أن قامت الثورة في سوريا، وأراد الشعب أن يتخلص من حكم عائلة الأسد، فأعمل نظام الأسد آلته العسكرية وأجهزته الأمنية في مواجهة الثورة وقتل الآلاف من الرجال والنساء والوالدان، وشرّد مئات الآلاف داخل سوريا وخارجها، وجرح عشرات الآلاف، واعتقل مئات الآلاف، ودمر مدنًا بكاملها، ومع كل هذه الحصيلة الكبيرة من القتل والتشريد والتدمير فإن نظام إيران ما زال يدعم سوريا بالمال والسلاح والخبرات العملية. ليس هذا فحسب، بل نستطيع أن نجزم بأن هذا الدعم يشكل عاملاً رئيسيًّا في استمرار وجود حكم الأسد.

أما بالنسبة للخليج واليمن فإن مخطط إيران قام على تحريك الطوائف الشيعية الموجودة في مختلف البلدان الخليجية ضد حكوماتها، والوقائع كثيرة في هذا المجال، وأبرز نموذجين لذلك هما: البحرين واليمن.

أما البحرين فقد حركت إيران الشيعة فيها، وطالب بعض قادتها بضم الجزيرة إلى إيران كما صرح بذلك أكثر من مسؤول فيها. وأما اليمن فقد دعمت إيران الحوثيين وأمدتهم بالسلاح والمال مما جعلهم يقيمون عدة حروب، ويتطلعون إلى الانفصال.

من الواضح أن مشروع الولي الفقيه قطع مراحل بعيدة –كما رأينا- من أجل تحقيق أهدافه في مختلف بلدان العالم الإسلامي، والآن: كيف يمكن أن نواجه هذا المشروع ونحبط مخططاته؟

أولا: يجب أن نواجه هذا المشروع بمشروع على مستوى الأمة، كما أشار بيان الإخوان المسلمين -إلى ذلك- وبخاصة بعد أن رفضت قيادات مشروع الولي الفقيه في إيران التجاوب مع دعوة الشيخ يوسف القرضاوي في إيقاف الدعوة إلى التشيع في المناطق السنية.

 

ثانيا: أصبح من الضروري –الآن- تداعي علماء الأمة ومفكريها وجماعاتها وأحزابها وأهل الرأي فيها إلى الاجتماع والتداول في وضع خطة لمواجهة مشروع الولي الفقيه.

ثالثا: دعوة الجماعات والأشخاص الذين لهم ارتباط بإيران وبمؤسساتها إلى فك هذا الارتباط، ردًّا على مشروع الولي الفقيه وأتباعه الشيعة، وإظهار ذلك، وأبرز من يمكن أن نذكر في هذا المجال حركتا حماس والجهاد، لأنهما تمثلان الورقة الأكثر ربحًا وقوة في تزيين مشروع الولي الفقيه، وفي تضليل عامة الناس.

رابعا: من الجلي أن مشروع الولي الفقيه يساهم في تدمير الأمة وإضعافها، ويتقاطع في كثير من الأحيان مع المشروع الصهيوني، وأوضح ما يكون ذلك في العراق حيث إن الشيعة أصبحوا الطرف الأقوى في العراق من خلال التحالف مع الغزو الأميركي، لكن إسرائيل هي المستفيد الأكبر من مآلات الوضع في العراق في مجالين:

الأول: تفكيك الجيش العراقي وهو الجيش الأقوى في المنطقة بعد انسحاب مصر من ساحة الصراع مع إسرائيل حسب اتفاقات كامب ديفد عام 77، وإنهاء الجبهة الشرقية في مواجهة إسرائيل، ومن المؤكد أن هذا يصب في مصلحة إسرائيل.

الثاني: تقسيم العراق إلى ثلاثة كيانات: كردي في الشمال، وسني في الوسط، وشيعي في الجنوب، بعد أن كان كيانًا واحدًا، وهذا يصب في مخططات إسرائيل التي رسمتها للمنطقة منذ أن أنشئت عام 1948.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ