ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
سورية.. أرض الثورة وليست
أرض الرباط يحيى الأمير الوطن السعودية 12-6-2012 مفهوم الثورة لا يتسق أبدا
ومفاهيم الجهاد. الثورة مرتبطة
بالدولة، وليست بالأمة.. تنطلق من قيم
الحرية والخروج من الظلم والاستبداد،
بينما الجهاد ينطلق في الغالب من
مفاهيم فقهية تجعل من الطائفة والمذهب
عوالم للفرز والتقسيم والاستعداء الأخبار التي تتوارد عن وصول
مجاهدين من الكويت أو من السعودية أو
من غيرها، رغم أنها قد لا تكون بريئة،
وقد تحمل بصمات الآلة الإعلامية
للنظام، إلا أنها تدعو للكثير من
القلق، ويوم أمس نفى العقيد رياض
الأسعد قائد الجيش السوري الحر تلك
الأنباء وأكد أنها من صنع النظام، وهو
نفي مهم ومريح للغاية. وأكد الأسعد أن
الجيش السوري الحر ليس بحاجة لمقاتلين
وإنما بحاجة للمال والسلاح. رغم ذلك
النفي المهم، إلا أن الواقع لا يلغي أن
ثمة فهما خاطئا لما يحدث الآن في سورية
من قبل بعض القوى الدينية في المنطقة.
أبرز محاور ذلك الفهم هو إسباغ أدبيات
الجهاد على ما يحدث في سورية، وتحويل
قضية الثورة السورية إلى قضية جهاد وفق
المفهوم الوحيد والقائم للجهاد، وهذا
أحد جوانب الخطورة. الجهاد مفهوم أممي
عابر للحدود، بمعنى أنه لا يعترف
بالأبعاد القطرية والدولية التي يختص
بها الوضع في كل دولة، بل إن إقامة
الجهاد والتوجه إليه في أي دولة هو
تفريغ لتلك الدولة من مفهومها القطري،
وتحويلها إلى ثغر من ثغور الجهاد، وهو
ذات ما حدث في العراق، والكثير من
الشباب الذين توافدوا للجهاد في
العراق لم يتجهوا إلى هناك ليمثلوا
عامل استقرار للعراق بل ليدافعوا عن (الإسلام)
ولينصروا الأمة، وليقيموا الجهاد لرد
المحتل. وهو المفهوم الذي لا ينسجم
أبدا مع الثورة السورية. بكثير من الألم تابعنا بعد ذلك ما
تعرض له كثير من الشباب السعودي الذين
ذهبوا للجهاد في العراق حين تحولوا إلى
لعبة رخيصة في أيدي الجماعات التي
باعتهم واشترتهم بأبخس الأثمان،
وتحولت أجسادهم إلى قنابل ترمي بها تلك
الأيدي المتنازعة في وجوه بعضها البعض.
أما من نجا منهم فقد عاشوا أسوأ ظروف
اعتقال وتعذيب، وتحولوا بعد ذلك إلى
قضية حقوقية وإنسانية بذلت فيها
المملكة جهدا كبيرا لاستعادة من تبقى
منهم. جماعات العنف الجهادي هي في
الواقع من أكبر الخاسرين بعد موجة
الربيع العربي، بل إن أفكار التغيير
الجهادي المسلح شهدت تراجعا وانحسارا
كبيرا، فبعد ما يزيد عن عشر سنوات من
أحدث الحادي عشر من سبتمبر واندلاع
أعمال عنف في كثير من دول العالم،
واتساع الجماعات الإرهابية، اتضح جليا
عدم قدرتها على إحداث أي تغيير، وسقطت
نظريات التغيير بالسلاح
والإيديولوجيات، ليبدأ زمن الثورات
السلمية التي استطاعت أن تحقق في فترات
وجيزة ما عجزت عنه تلك الجماعات
المسلحة. إن مفهوم الثورة لا يتسق أبدا
ومفاهيم الجهاد، فالثورة مرتبطة
بالدولة، وليست بالأمة، وهـي تنطلق من
قيم، على رأسها قيمة الحرية والخروج من
الظلم والاستبداد، بينما الجهاد ينطلق
في الغالب من مفاهيم فقهية تجعل من
الطائفة والمذهب عوالم للفرز والتقسيم
والاستعداء، لكن الثورة يقوم بها
مواطنون من مذاهب وطوائف متعددة
يجمعها الوطن فقط. إن أبرز شعار رفعه القذافي ليهدد
به العالم بعد قيام الثورة الليبية هو
التخويف بالقاعدة وبالإرهاب، ولم ينجح
في ذلك، وهو ذات الشعار الذي رفعه
النظام السوري والإعلام السوري، والذي
سيجد فرصة كبيرة جدا في ذلك الحماس
الذي تبديه بعض المنابر والقوى
الدينية في المنطقة في تعاطيها مع
الأزمة السورية. إن بعض الفضايات
الدينية والأصوات الدينية التي لا
يوجد لها سوى تعريف واحد لكل حركة
ثورية وهو التعريف الديني (الجهاد)
يبالغون كثيرا في طمس معالم الثورة
السورية لتصبح أرض الرباط، مما يشكل
تحريفا للثورة وإمدادا لكل من يناهضها
بالمزيد من المبررات. الآن ثمة مسؤولية مهمة وتاريخية
على عاتق الكثير من القوى والمنابر
الدينية في المنطقة، تتمثل في ترسيخ أن
ما يحدث في سورية ثورة لا مكان فيها
لتدفق المجاهدين، بل ولا بد من تجريم
ذلك الفعل وبيان خطره على الثورة وعلى
السوريين وعلى تعاطف العالم مع ثورتهم. ================= الموقف الروسي الغريب
والمستغرب بقلم / خيرالله خيرالله - كاتب
لبناني : الراية 12-6-2012 لم يعد من معنى لايّ كلام يصدر عن
اي مسؤول روسي في شأن الثورة السورية.
الكلام الوحيد الذي له معنى هو ذلك
الذي يصدر عن الشعب السوري البطل، وهو
كلام يكتبه بالدم، دم اطفال درعا
ونسائها ورجالها ودم ابناء حمص وحماة
وحلب ودمشق ودير الزور وادلب وكل مدينة
وقرية سورية. فما لم يفهمه الروس الى
الان، ان الشعب السوري يرفض النظام
القائم وان اي فيتو في مجلس الامن
التابع للامم المتحدة وحتى اي تلويح
باستخدام الفيتو انما يصبّ في خدمة
نظام لا يمتلك اي افق سياسي، نظام لا
همّ له سوى اطالة عذابات الشعب السوري
وسفك مزيد من الدماء البريئة لا اكثر. انه بكل بساطة نظام لا علاقة له
بما يدور على الارض السورية يلقي رئيسه
خطابا في مجلس الشعب يبدو فيه وكأنّه
يتحدث عن بلد آخر يشبه الوضع فيه كلّ
شيء ما عدا الوضع الحقيقي في سوريا. لم يعد السؤال لماذا الاصرار
الروسي على دعم نظام مرفوض من شعبه؟ بل
لماذا الاصرار على زيادة عذابات الشعب
السوري وكأنّ المطلوب اكثر من اي وقت
اطالة الازمة السورية الى اقصى حدّ
ممكن مع كل ما يعنيه ذلك من مخاطر. في
طليعة هذه المخاطر تقسيم سوريا من جهة
وزيادة التطرّف من جهة اخرى. بكلام
اوضح، كلّما طالت الازمة السورية، وهي
ازمة كيان ونظام في الوقت ذاته، زادت
احتمالات انفلات الغرائز المذهبية،
خصوصا في المناطق التي يقيم فيها
السنّة والعلويون جنبا الى جنب. فما
يبدو واضحا بعد مجزرتي الحولة
والقبير، ان النظام يسعى الى خلق عصبية
علوية تؤدي الى تماسك داخل الطائفة
خشية انفضاضها عنه. كيف يمكن لروسيا دعم نظام يظنّ ان
خلاصه مرتبط بزيادة وتيرة التطرف
السنّي كي يقابله تطرّف علوي من منطلق
ان الطائفة كلّها صارت مهددة وان
مصيرها مرتبط بمصير النظام؟ انه سؤال
محيّر بالفعل الاّ اذا كان الجواب عنه
ان موسكو تراهن على الدور الايراني في
المنطقة وعلى انّ هذا الدور كفيل
بالمحافظة على المصالح السورية في
مرحلة ما بعد زوال النظام السوري. يا له
من رهان غريب... انه رهان غريب ومستغرب في الوقت
ذاته، نظرا الى انّه يقوم على افتراض
ان للنظام الايراني مستقبلا زاهرا وان
ايران ستكون قادرة على السيطرة على
العراق ونفطه بغض النظر عمّا ستؤول
اليه الاوضاع في سوريا. هناك تجاهل
روسي لواقع قائم يتمثّل في ان الولايات
المتحدة لا تزال القوة العظمى الوحيدة
في العالم وانها ترفض، الى اشعار آخر،
التفاوض مع ايران في شأن دورها الخليجي
او حصتها في العراق ولبنان وسوريا طبعا.
في كلّ مرة طرح الايرانيون مسائل تتعلق
بمستقبل الدور الاقليمي لبلدهم طارحين
اوراقهم على الطاولة، جاء الرد
الاميركي ان لا بدّ من حصر النقاش في
الملفّ النووي الايراني ولا شيء آخر
غير ذلك. اذا، ما الذي تبحث عنه روسيا؟ هل
يظن الكرملين ان سوريا ورقة يمكن من
خلالها الحصول على مكاسب في الشرق
الاوسط؟ من يفكّر بهذه الطريقة انما
يسعى الى اضاعة الوقت في احسن الاحوال.
لا لشيء سوى لانّ سوريا ليست ورقة في يد
احد. لو كانت سوريا ورقة في يد احد،
لكانت الثورة توقفت منذ فترة لا بأس
بها. ما يتبين مع مرور الوقت، ان عمر
الثورة السورية تجاوز الخمسة عشر شهرا.
ومع مرور الوقت، يزداد تمسّك الشعب
السوري بالتخلص من النظام. ولكن مع
مرور الوقت، تزداد ايضا مخاطر تعرض
الكيان السوري لهزات كبيرة. يطرح هذا
الامر سؤالا في غاية الخطورة هو الآتي:
هل من مصلحة روسيا تفكيك الكيان
السوري، ام ان هناك تلاقيا على ذلك بين
روسيا والدولة الوحيدة في المنطقة
التي يمكن، الى جانب ايران طبعا، ان
تستفيد من شرذمة الكيانات العربية...
وهي دولة اسرائيل؟ الموقف الروسي محيّر بالفعل،
خصوصا ان كلّ دول مجلس التعاون ومعظم
الدول العربية الفاعلة اخذت موقفا
واضحا مؤيّدا للثورة السورية وللشعب
السوري. هل بلغت الوقاحة بالقيادة
الروسية درجة تشجيع كلّ ما من شأنه
المساهمة في اثارة الغرائز المذهبية
في الشرق الاوسط بما يخدم القوى غير
العربية في المنطقة، اي القوى التي
اقامت حلفا غير مقدّس في ما بينها
ساعية الى ازالة كلّ ما هو عربي عن
خريطة الشرق الاوسط؟ =================== رأي الراية .. الأمم المتحدة
في سوريا على المحك الراية 12-6-2012 أصبح دور منظمة الأمم المتحدة
كشرطي للعالم وكجهة تحفظ الأمن والسلم
العالميين على المحك بعد تواصل القتل
والعنف في سوريا ولجوء النظام السوري
إلى استخدام سلاح المروحيات بعد
الدبابات والصواريخ في قصفه للمدن
والبلدات السورية الثائرة عليه. من اللافت أيضا أن النظام الذي
تواصل أجهزة أمنه وجيشه وشبيحته قتل
المدنيين وبوتيرة عالية لا يريد أن
يلتقط التغيرات في المواقف الدولية
تجاه مسألة التدخل الخارجي لحماية
المدنيين ولا يحاول فهم مغزى
التصريحات والمواقف الرسمية التي
تتحدث عن أن تدخل المجتمع الدولي
عسكريا في سوريا لم يعد مستبعدا فبعد
تصريحات الرئيس الفرنسي فرانسوا
أولاند وتصريحات وزير الخارجية
البريطاني وليم هيغ التي لم تستبعد
التدخل العسكري في سوريا لوقف العنف
وحماية المدنيين أدلى المتحدث باسم
كتلة المستشارة الألمانية إنجيلا
ميركل لشؤون السياسة الخارجية
بتصريحات مماثلة معتبرا أن خطة كوفي
عنان مبعوث الأمم المتحدة والجامعة
العربية لتسوية الأزمة السورية فشلت. تواصل المجازر في المدن والبلدات
السورية والتصعيد العسكري الكبير الذي
يقوم به النظام الذي يخلف وراءه يوميا
مئات الضحايا بين قتيل وجريح ومشرد
ووصول المشاورات بين الأطراف الدولية
داخل مجلس الأمن إلى حائط مسدود بسبب
الدعم الذي يلاقيه النظام من قبل
حليفتيه موسكو وبكين يدفع باتجاه قيام
المجتمع الدولي بالتحرك خارج مجلس
الأمن كتكرار لتجربة البوسنة في
تسعينيات القرن الماضي في سوريا وهي
التجربة التي يجري الإشارة إليها الآن
في العديد من عواصم القرار الدولي
كوسيلة يمكن اتباعها لحماية المدنيين
السوريين من بطش النظام. إن إصرار النظام على انتهاج الحل
العسكري في مواجهة الثورة السورية
التي بدأت سلمية ساهم بشكل واضح في
عسكرة الثورة ولجوء الثوار إلى السلاح
للدفاع عن أنفسهم وعن عائلاتهم
وبيوتهم ومن ثم انجراف البلاد إلى حرب
أهلية طائفية سيتضرر منها الجميع في
سوريا ولن يخرج منها أحد منتصرا. لقد تضاءلت الآمال في أن يعود
النظام عن غيه فيلتزم بمبادرة المبعوث
الدولي والعربي كوفي عنان والتي تنص
على وقف العنف وسحب الأسلحة الثقيلة من
المدن والبلدات السورية والإفراج عن
المعتقلين والسماح بالتظاهرات
السلمية ما يوفر الظروف المناسبة
لحوار وطني حقيقي يستجيب لمطالب الشعب
السوري ويؤمن انتقالا سلميا للسلطة
إلى حكومة مؤقتة تجري انتخابات تحت
إشراف دولي تعبر عن مكونات الشعب
السوري وتطلعاته في الحياة الحرة
الكريمة وتزيل عقود الاستبداد
والاستعباد إلى الأبد. ================= ظهور الذراع الاقتصادية
للثورة السورية: دلالات ومآلات عزيمة الثورة السورية وقدرتها
المهولة على الاستمرار تبقى دائمًا
العنصر الرئيس في قلب المعادلة رأسًا
على عقب، وبصورةٍ واضحةٍ وقوية د. وائل مرزا الثلاثاء 12/06/2012 المدنية منذ أيام، ظهرت إلى الواقع
الذراعُ الاقتصادية للثورة السورية
بشكلٍ مُعلنٍ وواضح. وبقراءةٍ سياسية
بحتة، يمكن القول أن ظهورها سيكون
نقلةً نوعيةً في مسيرة الثورة، لأنها
تُمثّل عملية انقلابٍ حاسمة لها
الكثير من الدلالات، وكان الكثيرون
ينتظرونها منذ زمن. من نافلة القول أن
الثورة السورية لم تبق مشتعلةً لأكثر
من عام في معزلٍ عن عمليات دعمٍ وإسناد
كان يقوم بها بعض أفراد مجتمع الأعمال
والاقتصاد السوري بشكل متفرق وفردي في
أغلب الأحيان. والمعلومات المتوفرة
تؤكد أن هؤلاء ضخّوا مبالغ كبيرة لدعم
الثورة في مختلف المجالات. بل إن عودة
قيمة الليرة السورية للارتفاع، بعد أن
هبطت بشكلٍ حاد منذ أشهر، يُعزى في
جزءٍ كبيرٍ منه إلى السيولة التي تمّ
صبّها في الاقتصاد من خلال ألوان الدعم
والمساندة. لا يختلف اثنان هنا على أن الصمود
الأسطوري للشعب السوري خلال تلك
الفترة ناتجٌ أولًا وقبل كل شيء عن
قوةٍ نفسيةٍ هائلة لهذا الشعب، أفرزت
إرادةً عمليةً لا تُقهر، بهرت العالم
بتجلياتها وأمثلتها التي باتت أكثر من
أن تُحصى وتُعدّ. والحديثُ هنا عن قوةٍ
لا تنفع في غيابها أي ثروةٍ اقتصادية
ومالية، وعن إرادةٍ فولاذية لا يمكن
للمال أن يصنعها، كما يدّعي النظام
زورًا وبهتانًا. وإنما العكس هو الصحيح.
بمعنى أن تلك القوة ومعها الإرادة كانا
بمثابة القاطرة الأساسية التي جرّت
باقي مقطورات الثورة السورية، والتي
فرضَت ولا تزال تفرض اتجاه وسرعة
الأحداث، ليس فقط على النظام وشرائح
الشعب المختلفة، وإنما على العالم
بأسره.رغم هذا كله، يعرف القاصي
والداني أن الثورة بقيت قرابة عام (متروكةً)
من قبل النظام الدولي، ويُصبح منطقيًا
الحديثُ عن وجود رأسمالٍ وطني صاحبَ
الثورة منذ البدايات، وكان يلعب دورًا
في عمليات الدّعم والإسناد، ولو في
حدّها الأدنى. ومن الواقعية القولُ بأن
صمت مجتمع الأعمال، خاصةً في الداخل،
كان يصبُّ بشكلٍ قوي في مصلحة النظام.
سيّما وأن الأمر لم يقتصر لدى شريحةٍ
من هذا المجتمع على الصمت، وإنما تجاوز
ذلك إلى دعم النظام بمختلف الأساليب.
بدءًا من تمويل (الشّبيحة) وخدمة
متطلبات العمل الأمني والعسكري بشكلٍ
عام، مرورًا بالارتزاق القذر من
الواقع الذي أحاط بالثورة اقتصاديًا
ومعيشيًا، وانتهاءً بتمويل الحرب
الإعلامية والدبلوماسية والتقنية
والنفسية للنظام، من خلال شبكات
وشركات صناعة الرأي والعلاقات العامة
الداخلية والخارجية. لهذا، كان طبيعيًا أن يتبجّح
النظام أن مجتمع الأعمال والاقتصاد
السوري يقف إلى جانبه، وكان طبيعيًا أن
يُشكّل موقف هذا المجتمع أكبر علامة
استفهام يطرحها النظام السياسي الدولي
دائمًا على المعارضة السورية، وكان
طبيعيًا أن يكون هذا الموقف، (المُلتبس)
في أحسن الأحوال، أرضيةً لتردّدِ
المترددين وعذرًا للخائفين
والمتشككين من أبناء الشعب السوري. لكن
عزيمة الثورة وقدرتها المهولة على
الاستمرار تبقى دائمًا العنصرَ الرئيس
في قلب المعادلة رأسًا على عقب،
وبصورةٍ واضحةٍ وقوية. فالثوار، مرةً
أخرى وأخرى، هم الذين يحددون اتجاه
البوصلة. وهم الذين يضعون الأجندة. وهم
الذين يصنعون الفعل. وهم الذين يُحددون
طبيعة الحدث وسرعته واتجاهه. ومن لا
يفهم هذه الحقيقة، سيكون عاجزًا عن فهم
ظاهرة الثورة السورية، وعن التعامل
معها بأي أسلوبٍ وعلى أي مستوى من
المستويات. ها نحن إذًا أمام لحظةٍ مفصليةٍ
انكسرت فيها ركيزةٌ أساسية من ركائز
النظام السوري.. والأرجح أن ارتفاع
منسوب العنف الوحشي الذي ترتكبه
عصاباته نتج عن إدراكه للدلالات
الاستراتيجية لما حصل بعد انقلاب
مجتمع الأعمال عليه. فمن ناحية، لم تبق
لدى النظام الآن سوى الركيزة الأمنية
والعسكرية التي أُنهكت إلى درجةٍ
كبيرة، ومعها ثلةٌ من المرتزقة الذين
ارتبطت مصالحهم كليًا ببقاء النظام
وأصبح وجودهم بأسره مهددًا في غيابه.
لقد كان من ملامح التوفيق أن يتضمن
البيان الصادر عن (المنتدى السوري
للأعمال)، والذي يمثل الآن الذراع
الاقتصادية للثورة، الفقرة التالية: «إن
أعضاء المنتدى يعلمون أن قطرة دم شهيدٍ
سوري من شهداء الثورة تفوق بقيمتها أي
ثروةٍ مادية، لكنهم يدركون أن انتصار
الثورة لا يتحقق إلا من خلال تكامل
الأدوار. ومن هنا، فإنهم يؤكدون
إصرارهم على أداء دورهم وواجبهم
بطريقتهم الخاصة، وبأساليب يُدركون
أكثر من غيرهم مدى تأثيرها على النظام،
بحيث يكونوا، بإذن الله، رأس حربةٍ في
إسقاطه المدوّي، وفي بناء سوريا جديدة
تكون منارةً للعلم والإخاء والتنمية
والسلام في المنطقة والعالم».فمجتمع
الأعمال يُعطي الحقّ لأصحابه بهذا
الاعتراف، ويُعيد التأكيد على الدور
القيادي للثوار في رسم اتجاه البوصلة
ووضع الأجندة وتحديد طبيعة الحدث
وسرعته واتجاهه. لكنه في الوقت نفسه
يرسل رسائل، سيفهمها أصحاب العلاقة،
بأن دخوله الميدان بهذا الشكل المباشر
والواضح والشامل سيكون المسمار الأخير
الذي يُدقُّ في نعش النظام. ================= آخر تحديث:الثلاثاء ,12/06/2012 علي الغفلي الخليج بعد مرور نحو خمسة عشر شهراً على
اندلاع الانتفاضة الشعبية السورية، لم
يقرر الرئيس بشار الأسد الفرار إلى
خارج البلاد، كما فعل زين العابدين بن
علي في تونس، ولم يقرر التخلي عن
السلطة كما فعل حسني مبارك في مصر .
لايزال نظام الأسد يتمسك بالسلطة، وهو
يصر على القيام بذلك من خلال استخدام
أقسى الأدوات الدموية، وقد نجح في فرض
اليأس في نفوس من يأملون بقرب نهايته
بالطريقة التونسية أو المصرية . يضع
استمرار نظام الأسد في سدة الحكم
المجتمع الدولي أمام أحد احتمالين
بشأن كيفية معالجة الأزمة السورية،
يتمثل الأول في النموذج اليمني الذي
أدى من خلال الضغط الدبلوماسي إلى
إجبار علي عبدالله صالح على الانسحاب
من السلطة ونقلها إلى نائب الرئيس،
ويتحدد الثاني في النموذج الليبي الذي
تعاونت فيه الحرب الأهلية مع الحرب
الدولية على اجتثاث نظام معمر القذافي
. إذا كان نظام صالح قد اعتمد أسلوب
المماطلة والتسويف مع الجهود
الدبلوماسية الدولية من أجل تفادي
مصير زواله من الحكم، فإن نظام القذافي
كان قد اعتمد أسلوب العنف المسلح ضد
شعبه من أجل زيادة فرص بقائه في السلطة
. تستند استراتيجية نظام الأسد بدورها
إلى توظيف الأداتين معاً، إذ إنه يزاوج
بين تفريغ المساعي الدبلوماسية
الدولية من مضامينها المؤثرة من خلال
المماطلة المفضية إلى اليأس من جهة،
والفتك بالثورة الشعبية بالأساليب
العسكرية بغرض تكسير إرادة القوى
المعارضة من جهة أخرى . لقد فقد نظام
الأسد شرعيته السياسية من حيث الجوهر،
ولكنه لايزال من الناحية الواقعية
يمارس السلطة السياسية، وذلك بفضل
النجاح الواضح الذي يحققه، للأسف، من
خلال الإجهاد الذي تسببت به هذه
الاستراتيجية الثنائية بالنسبة إلى
إرادة المعارضة السورية في الداخل
وقوى المجتمع الدولي المناوئة في
الخارج . في ظل حالة الإجهاد واليأس
المسيطرتين على المتعاطفين مع مطالب
الشعب السوري إزاء إمكانية وفرص سقوط
نظام الأسد، تبدو الخيارات المتاحة من
الناحية النظرية على الأقل، متأرجحة
بين احتمال تطبيق الأسلوب الدبلوماسي
اليمني، واحتمال الاضطرار إلى تبني
الأسلوب العسكري الليبي، وذلك ضمن
الإدراك السائد بأن مكونات الأزمة
السورية والظروف المحيطة بها، قد تجعل
من الصعب تصور إمكانية التطبيق الناجح
لأي من الأسلوبين من الناحية العملية . يمكن تصور أن من شأن مثابرة
الجهود الدبلوماسية الدولية أن تؤدي
إلى الدفع بالرئيس بشار الأسد إلى قبول
الانسحاب من السلطة، بيد أن نظام الأسد
لن يتسامح مع أي شخص في داخل سوريا أو
خارجها يمكن أن يقدم نفسه بديلاً يلقى
الدعم الدولي لتولي السلطة في دمشق،
وذلك خلاف الحالة اليمنية التي أمكن
فيها تحديد البديل المؤقت للرئيس
صالح، والذي قبل هذا الأخير نقل السلطة
إليه . أبعد من ذلك، لا يبدو أن المجتمع
الدولي متفق حتى الآن على شخصية القائد
البديل في سوريا، وذلك نظراً إلى الدعم
الذي تقدمه كل من روسيا والصين لشخص
بشار الأسد، على الرغم من تصريحات
مسؤولي هاتين الدولتين بأنهما غير
متمسكتين بالأسد، وهي تصريحات فارغة
المضمون يجب ألا تنطلي على أحد . أسوأ
من ذلك، لقد ارتكب نظام الأسد جرائم
بشعة في حق الشعب السوري، إذ بلغت
أعداد ضحاياه من القتلى والجرحى
والمعتقلين عشرات الآلاف، إضافة إلى
المجازر المروعة التي تتنقل بين المدن
السورية، ويصعب تصور أن أية مبادرة
دولية تهدف إلى نقل السلطة في دمشق على
غرار نموذج التسوية اليمنية، يمكن أن
تتجرأ على إعطاء أي شخص في نظام الأسد
الوعد بعدم ملاحقته جنائياً مقابل
تنازل بشار الأسد عن السلطة . ويمكن تصور، في المقابل، أن
التحدي الفظيع الذي تشكله ممارسات
القمع والقتل التي دأب نظام الأسد على
اقترافها طوال أيام الأزمة السورية
الراهنة، يدفع بالمجتمع الدولي إلى أن
يمنح خيار التدخل العسكري ضد دمشق
أهمية متزايدة، وواقع الأمر هو أن
باريس أعلنت صراحة جدية هذا الخيار على
الرغم من مخاطره . بخلاف الحالة
الليبية، فإن احتمال أن يجر أي نوع من
التدخل العسكري الخارجي ضد نظام
الأسد، إلى اتساع نطاق الحرب
الإقليمية في المنطقة هو أمر وارد
تماماً، ومن المؤكد أن مخاطره المروعة
تجعل الاعتقاد أن قبول استمرار
المستوى الحالي من العنف والقتل في
سوريا هو أمر أكثر عقلانية من التهور
في التسبّب بامتداد مستويات أكثر
خطورة وفتكاً من العنف في حال نشوب حرب
إقليمية كأحد المضاعفات المحتملة لأي
تدخل عسكري دولي على غرار الأزمة
الليبية . وبخلاف الحالة الليبية كذلك،
فإن من شأن تحرك أي تحالف عسكري دولي ضد
دمشق، أن يبدو بمثابة اعتداء مباشر على
كل من روسيا والصين، وهما الدولتان
اللتان لا تدخران وسعاً أو توفران
مناسبة لتأكيد رفضهما القاطع لأي تدخل
دولي في سوريا . إنْ صحّت المخاوف إزاء
ردود أفعال كل من موسكو وبكين تجاه
التدخل العسكري الدولي في سوريا، فإن
القيود التي تفرضها المضاعفات الأمنية
العميقة على تطبيق هذا الخيار، تصبح
مفهومة بكل تأكيد . يمكن للدول الخليجية أن تنسب إلى
نفسها الفضل في المساهمة الفاعلة في
تسوية الأزمة اليمنية بالوسائل
الدبلوماسية، تماماً كما يمكن للدول
الغربية أن تنسب إلى نفسها الفضل في
المساهمة الحاسمة في معالجة الأزمة
الليبية بالوسائل العسكرية . لاتزال
الأزمة السورية بعيدة تماماً عن أية
نهاية متوقعة، ولايزال الفضل في
المساهمة الناجحة في معالجتها بأي شكل
من الأشكال، تائهاً بين هشاشة الجهود
الدبلوماسية ومخاطر الخيارات
العسكرية . تتجاوز أهمية الأزمة
السورية مطالب الشعب السوري بالحرية
والديمقراطية، وتمتد إلى تشكيل القضية
التي يمكن أن تتمحور حولها صياغة آليات
صعود بعض الدول إلى مراتب أعلى من
النفوذ الدولي . إن الكيفية التي سوف
تتم من خلالها صياغة نهاية الأزمة
السورية، سوف تسهم بدورها في صياغة
جوانب مهمة من علاقات القوة في الساحة
الدولية، ويمكن أن تؤثر أيضاً في صياغة
شكل النظام الدولي المقبل، وهي فرصة لا
تريد كل من روسيا والصين وحلفاؤهما
تفويتها بكل تأكيد، وسوف تتمسك هذه
الدول بممارسة أدوارها الكاملة في
إدارة الأزمة ورسم نهايتها بالشكل
الذي يخدم صياغة مكانتها الطامحة
إليها، في إطار المنافسة العالمية مع
الولايات المتحدة وحلفائها . ================= تاريخ النشر: الثلاثاء 12 يونيو 2012 عبد الوهاب بدرخان الاتحاد في الجلسة الخاصة للجمعية العامة
للأمم المتحدة، نسي المندوب السوري
اسم القرية التي شهدت مجزرة إنسانية في
اليوم نفسه: التفت إلى ورقة إلى يساره
ثم لفظ الاسم "قنيبر". كانت وكالات
الأنباء والفضائيات عممت الاسم الصحيح
"القبير"، التي لم يسمح للمراقبين
الدوليين بدخولها، بل استخدم قصف
بأسلحة ثقيلة لردعهم. عندما دخلوها في
اليوم التالي كانت القرية قد أخليت من
القتلى والأحياء، وأخفيت معالم
الجريمة، ولم يتسنَّ الوقت للقتلة كي
يزيلوا كل الأشلاء، وخانتهم "رائحة
اللحم المحترق". تلك الرائحة هي كل
ما عثر عليه المراقبون. لم يعرفوا
شيئاً عمن قضى في تلك المجزرة. لم يبق
شاهد واحد. ذلك هو الأسلوب الجديد لـ"التطهير"
الكلي الشامل. عوقب المراقبون لأنهم قالوا
الحقيقة عن مجزرة الحولة. سيعاقبون في
المرّات التالية. فهذا النهج العربي قد
يكون اقتبس من نموذج حماة عام 1982،
ليعود الآن إلى أصله الذي قد يكون
النظام السوري استمده من جرائم عصابتي
"الأرغون" و"الهاغاناه"
الإسرائيليتين لتهجير الفلسطينيين
قبل أربعة وستين عاماً. وفي ظل التهاون
الدولي المستهجن لا عجب إذا استرشد
النظام السوري بمذابح رواندا. إذ لم
يبق بينه وبين اقتلاع جميع سكان حمص من
مدينتهم العريقة سوى مسافة بضع مذابح
لن يتردد في ارتكابها طالما أن روسيا
والصين وإيران وبعض العراق ولبنان
تشجعه وتريد بقاءه بأي ثمن، على رغم
إدراكها وإدراكه أنه لن يستطيع البقاء. بين استحالة التدخل الخارجي
واستحالة الحل السياسي الداخلي، لا
يزال هذا النظام يعتقد أن لديه أملاً
من خلال الحل الأمني الدموي. وليس أدلّ
على ذلك من تحقق كل تحذيراته وتوقعاته.
كان الشعب الأعزل يتظاهر ويُقتل وكان
النظام يقول إنهم "عصابات مسلحة".
وحين بدأت الانشقاقات العسكرية راح
يتحدث عن "مجموعات إرهابية"، وما
لبث العالم أن صدم بتفجيرات انتحارية،
فكان لابد من الإشارة إلى تنظيم "القاعدة".
كما أنه كرر التحذير من "إشعال
المنطقة"، وتتعاظم المخاوف اليوم من
العبث بأمن لبنان واستقراره، من
انهيار الهدوء الهش في العراق، ومن
إشعال الورقة الكردية في تركيا. هذا
نظام يعرف كيف يدفع الآخرين إلى أبشع
ما عندهم من خلال الدفع بأبشع ما عنده،
لتبقى اللعبة الجهنمية عنده في الذهاب
وفي الإياب. أسوأ ما حصل للشعب السوري
وانتفاضته كان هذا التعامد، والتماهي،
بين مصلحة النظام ومصالح روسيا والصين
وإيران. هذه الدول الثلاث تستثمر الآن
في جثة النظام في تصديها للقوى
الغربية، وكأنها انتظرت اللحظة
السورية لتشرع في حرب باردة جديدة.
ويُفاجأ المتحاورون مع الروس
والصينيين بأن تشددهم بلغ مرحلة
التحجّر، فكل ما يقال عن احتمالات "تغيير
في الموقف" يتجاهل أن ثمة تراكمات
وصلت أخيراً إلى تصفية الحسابات. وكل
من يعتقد أن الصين أقل تعنتاً من روسيا
ليس إلا واهماً، وما عليه سوى أن يلقي
نظرة أخرى إلى طبيعة النظامين، فلا
الانتخابات استطاعت تغيير العقل
الديكتاتوري في روسيا ولا الاقتصاد
المزدهر في الصين عنى ازدهاراً
للحريات. كلتاهما كانتا تحتاجان إلى
نموذجي ليبيا وسوريا حاجتهما إلى
بورما وكوريا الشمالية. لا شك أن بقاء النظام السوري حتى
الآن وإطالته الأزمة أسديا لروسيا
والصين وإيران بعض أغلى الخدمات. يظن
الضحايا الذين يتساقطون يومياً أنهم
يضحّون من أجل وطنهم، ولا يعرفون أن
النظام يقتلهم ليطمئن داعميه. ويظن
الضحايا أن الموقف "الأخلاقي"
للدول الغربية قد ينقذ على الأقل، من
بقوا بعدهم، لكنهم باتوا يعرفون أن
التصريحات البكائية من مذبحة إلى
مذبحة لم تصنع قراراً واحداً يعيد
الاعتبار إلى العدالة الإنسانية، وأن
كل الكلام عن "حماية المدنيين"
زاد في تعريضهم للبطش والوحشية. فمن
كرم الزيتون إلى بابا عمرو، إلى تفتناز
وأتارب، إلى الحولة والحفة والقبير،
لم يرَ النظام سوى فرص أخرى تتيح له
مزيداً من القتل. على رغم كل شيء يدرك النظام أن دعم
حماته الدوليين وتوسله العنف للبقاء
لا يشكلان له الحل الذي يتمناه. ولذا
اندفع إلى "التطهير المذهبي" رداً
على تطوّر أداء معارضيه وتسليحهم. إنه
يدفعهم الآن إلى مجاراته تطهيراً
بتطهير، أي بمذابح طائفية متبادلة،
والأرجح أنهم لن يقدموا عليها، لكنه
سيواصل. فمنذ البداية خطط للمضي إلى
حرب أهلية لا يزال معارضوه يرفضونها،
لكنه يفرضها فرضاً، ولن يتردد في
ارتكاب مذابح لتبدو أمام العالم، أنها
صنيعتهم. عبدالوهاب بدرخان كاتب ومحلل سياسي - لندن ================= إيران وسوريا...والاستراتيجية
الأميركية تاريخ النشر: الثلاثاء 12 يونيو 2012 جاكسون ديل الاتحاد البعض يقول إن العلاقة بين
مشاكلنا مع سوريا وإيران واضحة وبسيطة:
فنظام بشار الأسد السوري هو أقرب حلفاء
إيران، وهو همزة الوصل التي تصلها
بالشرق الأوسط العربي، حيث تشكل سوريا
الجسر البري لنقل أسلحة ومقاتلين من
إيران إلى لبنان وقطاع غزة. ومن دون
سوريا، فإن طموحات إيران إلى الهيمنة
الإقليمية، وقدرتها على تحدي إسرائيل،
ستكبح وتشل. وبالتالي، ومثلما قال رئيس
القيادة المركزية الأميركية في
الشهادة التي أدلى بها أمام الكونجرس
في مارس الماضي، فإن سقوط الأسد سيشكل
"أكبر انتكاسة استراتيجية لإيران
منذ 25 عاماً". والواقع أن تحقيق ذلك
ليس واجباً إنسانياً فحسب، بعد مقتل
أكثر من 10 آلاف مدني، ولكنه يمثل أيضاً
مصلحة استراتيجية رئيسية لإسرائيل
والولايات المتحدة. ولكن، لماذا تبدو إدارة أوباما
وحكومة نتنياهو غير متحمستين - على أقل
تقدير - لتدخل عسكري غير مباشر من أجل
إسقاط الأسد؟ السبب يعزى جزئياً إلى
القلق مما قد يعقب سقوط الديكتاتور.
وفي حالة أوباما، فإن الحملة
الانتخابية الرئاسية الأميركية،
وقوله إن "الحرب بدأت تنحسر" في
الشرق الأوسط، يمثلان عاملاً كبيراً. غير أن الحسابات بشأن سوريا
وإيران هي أيضاً أكثر تعقيداً مما تبدو
عليه لأول وهلة. فالبلدان ليسا مرتبطين
بتحالف فقط، ولكن أيضاً بحقيقة أن
الولايات المتحدة وحلفاءها حددا هدفاً
عاجلًا ومختلفاً لكل واحد منهما. ففي
سوريا، يتمثل الهدف في إزالة الأسد
واستبداله بنظام ديمقراطي، وفي إيران،
يكمن الهدف في منع تطويرها لسلاح نووي.
غير أنه يبدو أن الخطوات التي قد تحقق
نجاحاً في أحد هذين البلدين لا تعمل
إلا على تعقيد الاستراتيجية الغربية
في الآخر. ولنأخذ العمل العسكري – الذي
يشكل مبعث قلق رئيسي لإسرائيل– كمثال.
فدعاة التدخل في سوريا (ومن بينهم كاتب
هذه السطور) يجادلون بأن على الولايات
المتحدة وحلفائها مثل تركيا أن
يشاركوا في إنشاء مناطق آمنة للمدنيين
والقوات المعارضة للأسد بمحاذاة
الحدود السورية، وهو ما سيتطلب غطاء
جوياً وربما بعض الجنود (الأتراك). غير
أنه إذا انخرطت الولايات المتحدة في
عملية عسكرية في سوريا، فهل من الممكن
حينئذ شن هجوم جوي على منشآت إيران
النووية؟ ثم ماذا لو أن إسرائيل قامت
بشن هجوم جوي في وقت مازالت فيه عملية
سوريا متواصلة؟ الجواب البديهي هو أن النتيجة
يمكن أن تكون فوضى عارمة لا يمكن
السيطرة عليها. ولهذا السبب، فعندما
سألتُ مسؤولاً إسرائيلياً رفيعاً حول
تدخل غربي في سوريا، حصلت على هذا
الجواب: "إننا نركز على إيران. وأي
شيء يمكن أن يصرف التركيز عن إيران ليس
جيداً". أوباما، بالطبع، يتوق إلى تفادي
عمل عسكري في إيران على أي حال، غير أن
استراتيجيته – عقد صفقة دبلوماسية
لوقف البرنامج النووي – تضيق خياراته
أيضاً في سوريا. ذلك أن صفقة مع طهران
تحتاج إلى دعم روسيا، التي تشاء الصدف
أنها هي التي ستستضيف الجولة المقبلة
من المفاوضات. وبدورها، فإن روسيا
تعارض إرغام الأسد(الزبون القديم) على
التنحي عن السلطة بأي وسيلة. وإذا أراد أوباما دعم بوتين حول
موضوع إيران، فربما سيضطر إلى التقيد
بتدابير تحظى بموافقة بوتين حول سوريا.
وهو ما يترك الإدارة الأميركية تحت
رحمة موسكو: وضع يرجو فيه أوباما من
بوتين دعم ديمقراطية سورية، أو يحذره
بغضب من أن موسكو إنما تعبد بذلك
الطريق لحرب طائفية مدمرة لا تبقي ولا
تذر. أصل المشكلة هو أهداف أميركية
مرتبكة ومتعارضة في الشرق الأوسط. فهل
ترغب واشنطن في إسقاط النظامين
الدكتاتوريين والمعاديين والمتحالفين
تحالفاً وثيقاً – أم في عقد صفقات تعمل
على احتواء التهديدات التي يطرحانها؟
الجواب هو لا هذا ولا ذاك، وكلاهما:
فإدارة أوباما تقول إنها تسعى وراء
تغيير النظام في سوريا، ولكنها في
إيران حددت هدف التقارب مع الملالي
مقابل السيطرة على الأسلحة النووية. أوباما يحاول حل المشكلة عبر تبني
مقاربة دبلوماسية متعددة الأطراف لكلا
البلدين. غير أنه إذا كان تغيير النظام
في سوريا هو الهدف، فإن قرارات مجلس
الأمن الدولي ومخططات بست نقاط من
أمثال خطة كوفي عنان مصيرها الفشل، لأن
تضافر عدد من الضغوط الاقتصادية
والعسكرية فقط، من قبل المعارضة أو
جهات خارجية، سيؤدي إلى انهيار النظام. والانهيار، بدوره، يستطيع إضعاف
النظام الإيراني نفسه الذي يسعى
أوباما إلى عقد صفقة معه. ولذلك، فلا
غرو أن طهران سعت إلى إضافة سوريا إلى
مواضيع النقاش في الجولة الأخيرة من
المفاوضات - أو أن عنان يرغب في أن
تُشمل إيران ضمن "مجموعة اتصال"
جديدة من أجل رعاية تسوية في سوريا. إدارة أوباما رفضت كلا المقترحين
– لأنهما يتعارضان مع تغيير النظام
السوري. وقد تُسعد هذه الفوضى بوتين،
لكن من غير المرجح أن تحقق أكثر من ذلك. ------- ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن
بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس ================= تاريخ النشر: الثلاثاء 12 يونيو 2012 ويليام رو الاتحاد في كل يوم تقريباً تخرج من سوريا
أنباء جديدة عن أحداث عنف وعن المزيد
من الناس الذين يقتلون هناك أو يجرحون...
كما تظهر على شاشات التلفاز وصفحات
الصحف في مختلف أنحاء العالم صوراً
تظهر المعاناة المستمرة التي يتعرض
لها الشعب السوري. وكل هذه الأمور تحدث
منذ ما يزيد على عام مما يعني أن معاناة
الكثير من السوريين قد وصلت لدرجة
رهيبة دفعت الكثيرين منهم للفرار
لتركيا والأردن وغيرهما من الدول حيث
يعيشون في معسكرات للاجئين دون أن
يدروا متى ستنتهي هذه المحنة ويعودون
من جديد لديارهم. بشار الأسد يدعي أن"إرهابيين"
يحصلون على مساعدات خارجية هم
المسؤولون عن المعاناة. وفي نفس الوقت
يدحض زعماء المعارضة وغيرهم إدعاءات
الأسد، ويصرون على أنه المسؤول هو
وحكومته. من الصعوبة بمكان، وللعديد من
الأسباب، أن يتوصل المرء ليقين مطلق
بشأن أين تكمن الحقيقة على وجه التحديد.
من ضمن هذه الأسباب أن السلطات السورية
قد حالت بين جميع الصحفيين الأجانب
المستقلين تقريباً- باستثناء عدد
محدود وافقت عليه لأسبابها الخاصة-
وبين الدخول للبلد، مما يعني انعدام
التغطية الخبرية المستقلة تقريباً. أما وسائل الإعلام السورية
الخاضعة بشكل كامل للرقابة الحكومية،
فلا تنقل سوى الرواية الرسمية للأحداث.
وما نشاهده من أحداث ووقائع ومذابح
الثورة السورية مستمد في غالبيته
العظمى للشرائط والأفلام والصور التي
يتم تهريبها من سوريا بوسائل عديدة وهو
ما يجعل وسائل الإعلام الخارجية التي
تعرض تلك الأفلام والشرائط حريصة على
تأكيد أنها غير قادرة على التيقن من
دقتها. ومما يزيد من صعوبة معرفة
الحقيقة على وجه الدقة أن معظم عمليات
القتل تتم بواسطة أفراد لا يرتدون الزي
العسكري الرسمي ولايقومون بتعريف
أنفسهم. وقيام الأمم المتحدة بإرسال 300
مراقب غير مسلح لسوريا للحصول على
معلومات مستقلة عما يدور هناك لم يحل
هذه المشكلة نظراً لعدم قدرتهم على
الوصول لمناطق الصراع أو الدخول إليها. على الرغم من التقارير الخبرية
المتعارضة، تشير معظم الدلائل على أن
الحكومة السورية، هي التي تتحمل
المسؤولية الرئيسية عن استمرار معاناة
الشعب السوري، لأن معظم عمليات تدمير
المدن والبلدات والقرى قد تمت بواسطة
أسلحة ثقيلة مثل مدافع الدبابات
والمدافع الثقيلة التي لا تمتلك
المعارضة مثلها. علاوة على أن المذابح
التي وقعت قد تمت كلها تقريباً بأسلوب
واحد، حيث كان هناك رجال يرتدون ملابس
عادية يدخلون إلى تلك الأماكن تحت
حماية القصف لذبح المدنيين الأبرياء.
وهؤلاء الرجال الأشرار يطلق عليهم في
سوريا"الشبيحة" لأنهم مثل
الأشباح يصعب التعرف عليهم والاحتمال
الأرجح للغاية هو أن هؤلاء الرجال كان
يتم تجنيدهم من قبل النظام لتنفيذ
الهجمات البشعة ضد المدنيين، بحيث
تستطيع الحكومة أن تنفض يدها منها
وتدعي عدم مسؤوليتها عن ارتكابها وفي
نفس الوقت تعزز مزاعم الحكومة أن هناك
"إرهابيين" مدعومين من جانب قوى
خارجية إقليمية يرتكبون هذه الفظائع.
لذلك قامت الولايات المتحدة وغيرها من
الدول بتوجيه اللوم عن تلك الأعمال
لبشار الأسد وطبقت عقوبات اقتصادية
وضغطاً سياسياً على سوريا من أجل وضع
حد لتلك الأعمال. حتى الآن فشلت جميع
تلك الجهود في تحقيق الهدف المتوخى
منها مما دفع بعض السياسيين
الأميركيين البارزين مثل السيناتور
"جون ماكين" والحاكم السابق"ميت
رومني" للمطالبة بالتدخل عسكرياً في
سوريا مثلما كان الحال في ليبيا وهو ما
رفضته الولايات المتحدة وغيرها من
الدول حتى الآن. وفي الحقيقة أن التدخل العسكري في
سوريا ليس خياراً معقولاً لعديد
الأسباب. من بينها أن الوضع في سوريا
يختلف عن مثيله في ليبيا عندما كان ذلك
البلد في حالة ثورة على نظام القذافي.
ففي ليبيا كانت القوات الغربية
والعربية قادرة على السيطرة على
المجال الجوي الليبي وحماية قوات
المتمردين الزاحفة من الشرق في بنغازي
على طول الطريق للعاصمة بنغازي وسط
صحراء شاسعة. هذا الوضع يختلف عن الوضع
في سوريا حيث تتناثر المعارضة على هيئة
مجموعات صغيرة موزعة على مختلف مناطق
البلاد بشكل يجعل من حمايتها بواسطة أي
قوة أجنبية أمراً صعباً.علاوة على ذلك
نجد أن المعارضة السورية منقسمة على
نفسها ولا يوجد لها قيادة واضحة تتحكم
في كافة مكوناتها. بعض الداعين للتدخل العسكري
يقولون إن الأسلحة يجب أن ترسل
للمعارضة السورية في الداخل بحيث
تستطيع الدفاع عن نفسها في مواجهة قوات
النظام. ولكن من يدعون إلى ذلك لا
ينتبهون ربما إلى أن معظم تلك الأسلحة
التي يمكن إرسالها بهذه الطريقة سوف
تكون أسلحة خفيفة وأن من يستعملون تلك
الأسلحة في مواجهة أسلحة النظام
الثقيلة ودباباته وطائراته
الهليكوبتر وقواته الضخمة الأفضل
تدريباً وانتظاماً سوف يخسرون
المواجهة حتماً. الموقف الدبلوماسي مختلف أيضاً
عن مثيله في ليبيا. ففي الحالة السورية
تدعم روسيا والصين حكومة بشار وترفضان
أي تدخل عسكري قد يصب في مصلحة
المعارضة. من ضمن جوانب الاختلاف بين
الحالتين أن الجامعة العربية قد سمحت
بالتدخل عسكرياً علاوة على أن أكثر من
دولة عربية قد أرسلت قواتها للمشاركة
في القتال بشكل مباشر. وهذه الحقائق
كلها ساعدت أوباما على اتخاذ قراره
بدعم المساعدات العسكرية للثوار
الليبيين. هناك سبب آخر وأساسي في الحقيقة
يجعل أوباما متردداً في الاندفاع
لاستخدم القوة العسكرية ضد سوريا هو أن
الشعب الأميركي قد تعب من الحلول
العسكرية للمشكلات في الدول الأجنبية
مثلما حدث على سبيل المثال لا الحصر في
العراق وأفغانستان. لهذا السبب يرى
الرئيس أنه من الأصلح عدم التفكير في
خيار القوة إلا كحل أخير وإن كان قد حرص
في نفس الوقت على التأكيد بأنه يقوم
بدراسة الموقف في سوريا من جميع
الجوانب ويأخذ كافة العوامل
والاعتبارات في الحسبان قبل أن يقدم
على قرار من أي نوع. وعلى الرغم من الانتقادات التي
يوجهها له السيناتور جون ماكين وعدد من
النقاد ويصفونه فيها بأنه"رئيس ضعيف"
فإنه يفضل أن يكون حريصاً ويظهر ضبطاً
للنفس. لما تقدم نرى أن الموقف في سوريا
يمثل مأزقاً كلاسيكياً يرغب في سياقه
الأميركيون وغيرهم على رفع المعاناة
عن الشعب السوري ولكنهم لا يجدون طريقة
للقيام بذلك. الأمل الوحيد المتبقي
الآن هو أن يتآكل الدعم لبشار في الجيش
السوري وقوات الأمن تدريجياً إلى أن
يجبره ذلك على الخروج من الحكم. ولكن
تبلور مثل هذا الأمل قد يستغرق وقتاً
تتعاظم خلاله المعاناة بكافة أشكالها
وهو أمر يدعو في الحقيقة للإحباط
الشديد. ================= راجح الخوري 2012-06-12 النهار فشلت محادثات فريديرك هوف مع
المسؤولين الروس ولن يكون في وسع
الديبلوماسية السرية التي نشطت اخيراً
بين واشنطن وموسكو، ان توفر تصوراً
يمكن ان يشكل أساساً لبدء تفاهم حول
الازمة السورية بين باراك أوباما
وفلاديمير بوتين اللذين سيلتقيان
الاسبوع المقبل في "لوس كامبوس"
بالمكسيك على هامش قمة العشرين. في انتظار توافر نقاط مشتركة بين
الجانبين حول هذه المأساة الدموية،
يبقى الواقع كما وصفه مسؤول روسي كبير
عندما قال لموقع "بلومبرغ": "ما
دامت اميركا وروسيا لا تستطيعان
الاتفاق على معالجة مشتركة للوضع فان
الطريق سيبقى مسدوداً". هذا الكلام
لا ينطوي على اي مبالغة! اذاً ليس امام السوريين، نظاماً
وشعباً، إلا المراوحة في الدم
والمجازر المتنقلة، التي ترسم الآن
افقاً تصاعدياً بعد مرور 15 شهراً على
الأزمة تستنسخ فصول المأساة البوسنية
وقد تستمر اكثر مما يتصور الكثيرون،
وخصوصاً بعدما احكمت موسكو اقفال مجلس
الأمن ليس بـ"الفيتو" وحده بل
بدعوتها أخيراً الى مؤتمر دولي حول
سوريا يعقد في موسكو او جنيف وتحضره كل
الدول المحيطة بما في ذلك إيران، رغم
معرفتها المسبقة ان الحضور الايراني
سيكون مرفوضاً، فهي ليست من الدول
المحيطة، ثم انها تقاتل الى جانب
النظام كما تقول المعارضة. تتألف الخطة الروسية للمؤتمر
الدولي من ست نقاط تماماً مثل خطة كوفي
أنان السداسية، لكن المضحك المبكي
فيها انها تشكل ضمناً وصفة لشراء وقت
مفتوح على مداه للنظام، كي يمضي في
الحل العسكري الذي ثبت فشله منذ ما
يزيد عن عام. ومن خلال قراءة لما نشر عن
مضمون الخطة وخصوصاً البند الخامس
منها، يمكن القول ان موسكو تناقض نفسها
في شكل فاضح عندما تقول حرفياً: "ينبغي
ان يقوي المؤتمر المقترح قدرات
اللاعبين الخارجيين من أجل تسوية
الازمة السورية، وفي حال النجاح تعقد
اجتماعات المؤتمر من أجل التفاوض حول
الأوجه المختلفة للتسوية بسبل ملموسة
أكثر، ومن الممكن ان تنضم الى المؤتمر
الاطراف السورية..."! هذه الوصفة متاهة حقيقية تأتي في
وقت تتزايد المذابح والاخطار التي قد
تطوف الى خارج سوريا. والمثير فيها
انها تنسف كل ما سبق ان كررته موسكو
التي دعت دائماً الى ترك السوريين
يقررون ما يريدون. واذا تذكرنا مدى الخلافات في
وجهات النظر ومواقف الدول التي تقترح
روسيا مشاركتها في المؤتمر، يمكن
القول ان في وسع السوريين ان يتفاهموا
على الحل في سوريا قبل ان يتفاهم
الآخرون على سوريا، والدليل ان لافروف
نفسه وصل الى حد الحديث عن "حرب
عالمية ثالثة" قد يسببها التدخل
الخارجي في هذا البلد. ================= لعبة الكبار في سوريا *
اسامة الشريف الدستور 12-6-2012 يحلو لوزير الخارجية الروسي
سيرجي لافروف، أن يعقد مؤتمراتٍ
صحفيةٍ مطولةٍ؛ ليشرح موقف بلاده من
الأزمة السورية وكأن موسكو هي الوحيدة
التي تفهم الوضع السوري على حقيقته
بينما يتواطأ العالم برمته لتزييف
الحقائق وتشويه صورة النظام الحاكم في
دمشق. يشعر المتابع بأن روسيا جعلت من
سوريا قضيتها المركزية في مواجهة
إرادات وعض أصابع مع الغرب وبخاصة
الولايات المتحدة. وبالإضافة الى الصين؛ التي تعارض
هي الأخرى تدخلا عسكريا في سوريا، فإن
موسكو أخذت على عاتقها ترويج المواقف
السورية الرسمية حول ما يجري في الداخل
من حيث تحميل مسؤولية الصدام الدموي
الذي يجري لجماعات إرهابية مسلحة
بينما تتجاهل كليا حقيقة الانتفاضة
الشعبية السلمية ضد نظام الرئيس بشار
الأسد. موقف روسيا مخجل لكنه جزءٌ من
لعبة سياسية كبرى. وبينما تقترب سوريا
من حافة حرب أهلية طائفية مدمرة، يقدم
الروس اقتراحا بتشكيل مجموعة اتصال
دولية، تشمل ايران والسعودية، في
الوقت الذي يزيد فيه النظام من وتيرة
القصف الوحشي للمدن والقرى وتتكشف
ملابسات مجازر مروعة يرتكبها الجيش و
شبيحة النظام. لم يعد السكوت ممكنا بعد
مجزرتي الحولة ومزرعة القبير بينما
تحاصر مدن كبرى كحمص وحماة ويكثف الجيش
من قصفه العشوائي لدرعا وادلب وغيرهما.
ومع ذلك فان هدوء الدب الروسي إزاء ما
يجري يثير حفيظة الكثيرين. لم يبذل الروس جهدًا لإقناع نظام
دمشق بإنهاء حملته العسكرية المسعورة
وتنفيذ بنود خطة المبعوث الأممي كوفي
عنان، التي يدعمونها ويقولون انها
السبيل الوحيد لانهاء الأزمة. يقول
لافروف ان روسيا لن تدعم تدخلا اجنبيا
في سوريا على غرار السيناريو الليبي،
لكنه يشدد على حل تفاوضي بين كل
الأطراف وظهر مؤخرا، ان هناك توجهًا
لمناقشة الخيار اليمني؛ الذي يُبقى
على النظام لكنه يستبعد الرئيس. روسيا لا تريد تكرار السيناريو
الليبي بينما تخوض حروبا لاتحظى
بتغطية اعلامية في الشيشان وداغستان
وغيرهما من جمهوريات القفقاس التي
يدين معظم سكانها بالاسلام. اضافة الى
ذلك فانها تريد ان يكون لها دور في
تأمين «استقرار» المنطقة وفي الملفات
الحساسة كملف ايران النووي. هي لعبة الكبار حيث المصالح
المتشابكة والملفات المعقدة. واشنطن
والاوروبيون يعرفون ذلك وقد تتوصل
الاطراف الى تفاهمات استراتيجية تغير
من الصورة الحالية، وقد تتطور الأمور
على عكس ما تريد موسكو ايضا كما حدث في
قضية البوسنة في تسعينيات القرن
الماضي. لافروف اثار موضوع اللاجئين
وذكّر بمصير لاجئي الصرب الذين لا
يتكلم عنهم احدٌ اليوم. هي تصفية
حسابات بين الكبار ولذلك فان النظام
السوري يرتكب خطأ جسيما؛ اذا ما ظن ان
الموقف الدولي سيظل على حاله الى الأبد. من المفارقات ان نائب رئيس
الوزراء الاسرائيلي شاؤول موفاز،
انتقد الموقف الروسي مؤخرا واتهم نظام
الأسد بارتكاب مجازر وجرائم ضد
الانسانية وطالب بتدخل دولي. ويبدو ان
اسرائيل تريد ان يكون لها دور في لعبة
الكبار، ولعلها ترى ان هناك فرصة لتغير
جوهري في الموقف الدولي تجاه الأزمة
السورية التي باتت تحرج الولايات
المتحدة وحلفاءها. لا يمكن ان يترك الكبار القضية
السورية معلقة لفترة طويلة بينما يمعن
النظام تقتيلا بشعبه باعتبار ان هذا هو
الطريق الوحيد. في لحظة ما سيتحقق
التوافق بين روسيا والغرب وستظهر حلول
جديدة وستتغير المواقف. السيد لافروف
يعرف اصول اللعبة وقد نشهد بداية تغير
في اللهجة الروسية قريبا. التاريخ : 12-06-2012 ================= التراجيديا السورية * فخري
صالح الدستور 12-6-2012 لا يمكن وصف ما يحدث في سوريا منذ
أشهر الإ بالقول إنه مجزرة يومية تقشعر
لها الأبدان، وحمام دم مرعب، ومأساة
إنسانية تضع العرب والعالم في قفص
الاتهام. ما يحدث هو عملية إبادة
جماعية، وولوغ في الدم بصورة مروعة حيث
يتلذذ القتلة بالتمثيل بالجثث، وتقطيع
الأوصال، وحرق الأطفال والنساء
والشيوخ، وبقر البطون، واغتصاب النساء
ثم قتلهن. لقد أوصل نظام آل الأسد
المافياوي سوريا إلى نقطة اللاعودة،
إلى حافة الحرب الأهلية التي سيكون ما
يجري في سوريا الآن أشبه بالنزهة إذا
ما قيس بما ستجره ويلات الحرب الأهلية
على سوريا والدول المجاورة لها. نحن نشهد الآن مقدمات تشبه مقدمات
حرب البوسنة التي راح ضحيتها عشرات
الآلاف من الأبرياء على خلفية الصراع
العرقي الديني، حيث مارست الدولة
الصربية المسلحة حتى الأسنان سياسة
الإبادة الجماعية على أراضي البوسنة.
وما يفعله النظام السوري الآن يكاد
يشبه ما فعله القوميون الصرب، على
اختلاف في الشروط التاريخية،
والاصطفافات السياسية الدولية،
والظروف المحلية. لقد ادعى نظام آل
الأسد، على مدار السنوات الأربعين
الماضية، أنه قومي اشتراكي تقدمي،
لكنه كان في الحقيقة نظاما فئويا،
طائفيا، ريعيا، ركز الثروة في أيدي
العائلة ومحازبيها، وأفقر الشعب
وجوعه، ودمر خدمات الصحة والتعليم،
ومسخ الحياة الثقافية السورية، وأقام
دولة للخوف يعجز عن وصفها روائيون
واسعو الخيال مثل البريطاني جورج
أورويل في روايته الشهيرة «مزرعة
الحيوان». لم تنتج دولة الخوف السورية سوى
الخراب، فكان لا بد أن يثور السوريون
وهم يعرفون حق المعرفة ضريبة الدم التي
سيدفعونها. فالتسلط والاستبداد،
والفساد ونهب المال العام، والدوس على
كرامة الناس، وإفقارهم وتجويعهم، لا
يقود سوى إلى الثورة في النهاية. لكن حظ
السوريين السيئ هو أنهم وقعوا ضحايا
لعبة أمم وحسابات إقليمية ودولية لم
تكترث لدمهم الذي سال في الطرقات
وتعربش على الحيطان، ولم تلق بالا
لأوصالهم المقطعة وأجسادهم المحروقة.
لقد ثاروا على نظامهم الذي فقد شرعيته
منذ زمان طويل، منذ هدم الأسد الأب
مدينة حماة على رؤوس أهلها، وقتل حوالي
أربعين ألفا من سكانها، مراهنا أن
انتقامه المروع من تلك المدينة
السورية العريقة سوف يحفظ أركان سلطته
ويوطدها، حتى يكون في إمكانه توريثها
لأبنائه. وها هو الابن يفعل الشيء
نفسه، مغامرا بلعبة الدم إلى
نهاياتها، ظانا أن ذلك سيوطد أركان
سلطته وسلطة نظامه العائلي المافياوي.
لكن الشعب السوري الذي صمت منذ أوائل
ثمانينيات القرن الماضي، وعاش مهانا
مروعا جائعا في جمهورية الخوف التي
حكمها الأسد الأب، لم يعد قادرا على
مواصلة العيش في زمن حكم الابن. فقد
توحش النظام، ولم تعد القلة المستفيدة
تشبع أو يردعها رادع. هكذا استحال
العيش في ظل هذه السلطة التي فقدت
عقلها، ولذلك يخطئ بشار الأسد ومن يحيط
به إذا اعتقد أن الشعب السوري سيهزم
ويعود إلى قفص النظام. لقد ثار
السوريون، ولن يخيفهم القتل مهما
دفعوا من أثمان باهظة في هذا الزمن
الوغد. المؤلم أننا ما زلنا نسمع
الأسطوانة المشروخة نفسها التي تتحدث
عن مؤامرة دولية لإسقاط النظام القومي
المقاوم المعادي للإمبريالية (!).
مثقفون تجاوزهم وتجاوز تحليلاتهم قطار
التاريخ ما زالوا يعيشون وهم الدولة
القومية الاشتراكية القائمة على القهر
والقمع والاستبداد وتجويع شعبها، وهم
يرفعون عقيرتهم بالصراخ منددين
بالتدخل الأجنبي! فهل فكروا بهذه
المجازر التي تقشعر لها الأبدان، هل
قدروا على النظر إلى الأوصال المقطعة،
والجثث المحروقة، والدماء التي تسيل
في الشوارع، وتتعربش على الجدران؟ ================= د. فهد الفانك الرأي الاردنية 12-6-2012 تحت تأثير العنف والأحداث
الداخلية من جهة والحصار والعقوبات
الخارجية من جهة أخرى، يتعرض الاقتصاد
السوري لأزمة غير مسبوقة بعد 15 شهراً
من العنف والأحداث الأمنية التي هزت
البلاد من أقصاها إلى أقصاها. في العام الماضي حقق الاقتصاد
السوري نموأً سالباً، فتراجع بمعدل 4ر3%،
ومن المتوقع أن يخسر في 2012 حوالي 9ر5% من
حجمه. كما توقف تصدير البترول السوري
الذي كان يرفد الخزينة السورية بحوالي
ثلاثة مليارات من الدولارات سنوياً. في الوقت ذاته انخفضت قيمة الليرة
السورية في السوق السوداء بنسبة الربع
تجاه الدولار، فأصبح الدولار الأميركي
يعادل 62 ليرة بدلاً من 47، وقد نشط
الصرافون العراقيون واللبنانيون في
عمليات تحويل الليرات إلى دولارات. تقول مجلة نيوزويك أن ودائع
البنوك السورية الرئيسية انخفضت بنسبة
35%، وأن التسهيلات المصرفية انخفضت
بنسبة 22%، وأن هناك حركة هروب غير
مسبوقة لرأس المال. كذلك اختفت من الأسواق السورية
معظم السلع المستوردة من الخارج،
وارتفعت أسعار السلع المنتجة محلياً
في السوق السوداء، واستمرت الحكومة في
دعم المحروقات والسكر وعدد من المواد
الأساسية، ولكن القدرة على الاستمرار
في هذه السياسة محدودة. الوضع السوري في غاية التعقيد،
ومن الصعوبة بمكان معرفة الاتجاه الذي
ستأخذه الأحداث، فالمعارضة قوية
ومصممة على تغيير النظام، ولكن النظام
متماسك وعنيد ويحظى بتأييد قوي من عدة
جهات اجتماعية، كما أن مؤسسات وأجهزة
الدولة لم تتعرض للانهيار. فيما عدا تدفق اللاجئين السوريين
الى شمال الأردن، وانخفاض حجم التبادل
التجاري بين الأردن وسوريا، فليس هناك
مؤشرات ملموسة لقياس مدى تأثر الأردن
سلباً وإيجاباً نتيجة ما يحدث في
سوريا، فهل هناك نزوح للودائع إلى
البنوك الأردنية، وهل استفادت أم
تضررت السياحة في الأردن، وماذا عن
تجارة التزانزيت، وهل هناك مخاطر غير
محسوبة. الرأي العام الأردني منقسم حول
الموضوع السوري، فالنظام السوري
إشكالي ولا يتمتع بالشعبية ويصعب
الدفاع عنه، ولكن البديل المطروح قد
يكون أسوأ. وقد تعايش الأردن مع النظام
السوري طويلاً، فهل يستطيع أن يتعايش
مع النظام الإخواني المرشح كبديل؟. ================= بلال داود 2012-06-11 القدس العربي مخرجان للنظام السوري من أزمة
السقوط أولهما القضاء على هذه الثورة
العظيمة، أما الثاني فهو تصدير الأزمة
إلى الخارج. المخرجان يمران من طريق واحدة وهي
القتل والاعتقال والتعذيب والاغتصاب
والتهجير وزيادة القتل ووالاعتقال
والتعذيب والاغتصاب والتهجيرفإما أن
تخمد الثورة تحت مطرقته وإما أن تنفجر
الحرب الأهلية بحسب قانون الفعل ورد
الفعل. المخرج الأول أقرب إلى حلم ابليس
في الجنة، فالشعب السوري وصل إلى
القناعة المطلقة أنه يفضل الموت على
المذلة على نحو ماقال الشاعر يوما :
فإما حياة تسر الصديق وإما ممات يغيظ
العدا، وردد الشعب السوري من الشمال
إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب قانونا
جديدا للحياة من كلمتين اثنتين : الموت
ولا المذلة، ولا تتوقف عبقرية شعبنا
البطل عند هذا الحد، بل تستمر في
الابداع بالمقولة :إذا كان السير إلى
الأمام شهادة فإن التراجع إلى الوراء
انتحار. المخرج الثاني، مجهول مكانه بعد
ولكنه في الطريق إذا لم تظهر بوادر خطة
دولية لإسقاط النظام بسرعة كبيرة، وقد
يكون اليوم مناسبا لهذا التصرف وغدا
سيكون قد فات الأوان، لأن النظام
بزيادة إجرامه، إن لم يقتل الثورة
ويخمدها، فإنه سيولد من جرائمه رد فعل
قد يكون مساويا أو أكبر في الحجم،
فتندلع حرب أهلية محلية في مناطق العنف
الشديد، ولن تستمر طويلا قبل أن تتحول
إلى حرب طائفية مقيتة، ثم تنتقل بدورها
إلى دول الجوار الجاهزة. المجازر التي تتكرر يوميا وخصوصا
في الآونة الأخيرة هي لتحقيق نفس
الهدف، فقبل اسبوعين تقريبا كانت
مجزرة الحولة، التي راح ضحيتها أكثر من
مائة شهيد نصفهم من الأطفال، كانت بقصد
دفع المتبقي من أهل الحولة إلى رد فعل
أكبر وأشد، غير أن أهل المنطقة فوتوا
عليه الفرصة، فعاد لتكرار هذه المجزرة
في ريف حماة قبل ايام، بنفس الصيغة
ونفس البشاعة، على أمل ان يحرك أهل
حماة للأخذ بالثأر بطريقة طائفية
مقيتة، ولكن فأله خاب أيضا هذه المرة،
واليوم يعيد انتاج المجزرة في درعا
ويحشد شياطينه حول الحفة لنفس
الأغراض، وحتى الآن يصر هذا الشعب
العظيم على تفويت الفرصة التي يحلم بها
النظام، فشعبنا الذي احتوى الأقليات
المنوعة حوالي ألف واربعمائة عام، لن
يتحول إلى غول على طريقة الأسد يلتهم
من حماهم كل تلك المدة ،بسبب طغيان قسم
منهم. دول العالم تماطل في اتخاذ خطوة
جادة لإيقاف نزيف الشعب السوري بحجج
أوهى من خيوط العنكبوت، مع أنها تصرخ
ليلا نهارا أن المنطقة على شفير حرب
أهلية طائفية لا تبقي ولا تذر. إذا استمر إصرار النظام على الدفع
باتجاه التأجيــــج الطائــفي وتنفيذ
المجازر بالصورة الطائفية البغيضة،
فإن حلم النظام الثاني سيتحقق بكل
تأكيد، وتنفلت الأمور من عقالها
وتنتقل خطوة باتجاه الحرب الأهلية،
التي لن تستمر إلا أياما أو ساعات قبل
أن تتحول إلى حرب طائفية. انتقال الحرب الطائفية من الحدود
الداخلية إلى دول الجوار الجاهزة
لذلك، يعني الانتقال إلى حرب اقليمية
ولأنها ليست متعلقة بنزاع حدودي على
مساحة من الأرض وليست خصومة اقتصادية
على آبار نفط، بل هي ذات لون طائفي، فإن
الاشتعال قابل للاستمرار في التهام ما
أمامه إلى أقصى مدى تصل إليه البشرية
في تنوعها الطائفي، وخصوصا بين السنة
والشيعة. ولا أستغرب إن وصفت الحرب القادمة
بالعالمية، فمن المتوقع وبمجرد أن
تنتقل إلى لبنان والعراق الجاهزتين
للاشتعال من غير صاعق، فإنها ستمتد إلى
تركيا بشكل أبطأ ولكنها ستصل
بالتأكيد، لأننا لو طوينا الخارطة
الجغرافية لسوريا وتركيا على طول
الحدود السورية التركية الممتدة حوالي
800 كم، لوجدنا تطابقا شبه كامل
للمكونات البشرية شمال خط الحدود
وجنوبه، ففي الشرق والوسط أكراد في
الجهتين بشكل متداخل مع العرب السنة،
وفي الغرب وحدود لواء اسكندرون أيضا
تداخل بشري بين السنة والعلويين على
جانبي الحدود وكذلك العرب والأتراك
والتركمان مما يعني في المحصلة أن
تركيا مهيئة للدخول في المعمعة وإن كان
ذلك بشكل أبطأ من غيرها، بسبب قوة
الدولة وجيشها وسيطرتها على المنطقة
الحدودية. هذا الانفلات من داخل الحدود إلى
خارجها سينتقل إلى كامل دول المنطقة
لأنها طائفية كما ذكرت ذلك آنفا،
وبالتالي ليست متعلقة بالدول وإنما
تتعلق بالشعوب التي ستشارك سواء رضيت
حكوماتهم أم لم ترض، فالمبرر الديني
موجود وقوي لدى كل الأطراف، ومن ناحية
ثانية فالدول المعنية وهي هنا على سبيل
التوضيح، دول الخليج العربي من جهة
وإيران من الجهة الثانية لا تحـــتاج
إلى شحن أكثر مما هو حاصل، والعداء
سافر بين الشاطئين على كل حال، ولا
ننسى المشروع الايراني القائم على
تصدير الثورة ،و رأس الحربة بالنسبة له
هي سوريا، لذلك لم تنتظر إيران وصول
الشرر إليها لتشارك والحقيقة المعروفة
اليوم أنها تساند النظام السوري وترسل
إليه الأسلحة والأموال والدعم الفني
وكذلك خبراء القمع وتكنولوجيا التلصص
على أجهزة الهاتف والكومبيوترات. عود على بدء ففي الحديث عن المخرج
الأول قلنا أنه أقرب إلى المستحيل أما
الثاني فهو قاب قوسين أو أدنى، مالم
تتخذ دول العالم اليوم وهذه الساعة
قرارا حكيما سريعا قويا لإسقاط النظام
واستبداله بآخر مدني ديمقراطي تعددي
يرضي الشعب السوري ويحافظ على مكوناته
المتعددة، فإن دول العالم قاطبة ستكون
مسؤولة عن حرب أطول عمرا من داحس
والغبراء ولا أحد غير الله يعلم مداها
الجغرافي. ولكني في النهاية أتساءل ألا يعرف
العالم هذا ؟ أجزم أنه يعرف وهو يكرر كل
يوم هذه المقولة على لسان إحدى شخصياته
الكبيرة.. ولكن لماذا؟! ================= الحرب الباردة على الارض
السورية صحف عبرية 2012-06-11 القدس العربي خرجت حتى استراليا البعيدة عن عدم
اكتراثها، فقد بدأوا في القارة التي
أتت العالم بمصطلح 'لا قلق'، يقلقون بل
ينفد صبرهم. ويسأل الرأي العام
الاسترالي الذي يبدو مفصولا كثيرا ما
الذي يجب ان يحدث بعد كي ينصرف الاسد. دُعيت هذا الاسبوع الى ملبورن من
قبل 'كيرن هييسود' لسلسلة محاضرات.
وكانت في البرنامج عدة مواضيع منها:
ربيع الشعوب العربي، وصورة اسرائيل في
العالم، بل كان هناك موضوع الشبكة
الاجتماعية والسياسة الاسرائيلية، ثم
وُجد وقت للاسئلة. ودارت كلها حول
موضوع واحد هو الى متى سيبقى الاسد؟
ولم ينجح الجمهور المناصر لاسرائيل
جدا هنا في فهم كيف ودع مبارك وابن علي
والقذافي وصالح السلطة سريعا جدا، أما
جزار دمشق فما يزال يرسل قتلته في مهام
تصفية بلا عائق مع تجاهل لوجود
المراقبين الدوليين. وهذا شيء سريالي
في العالم الذي يريد ان يكون عولميا،
لكن ما أشد واقعيته في حارتنا الصعبة. لا توجد خطة للمستقبل غيّر المجلس الوطني السوري رئيسه
واختار ناشطا كرديا هو عبد الباسط سيدة
ليرأسه للاستمرار في محاربة النظام.
ويعلم سيدة باعتباره كرديا ما هو عدم
الاكتراث العالمي. فالاكراد على عكس
الفلسطينيين لم يحظوا مرة واحدة بنفس
الانتباه. أهذا أمر مصالح؟ أفهو أمر
نفاق؟ أفهو أمر علاقات عامة صحيحة؟ كل
هذه الاجوبة صحيحة. يجب على المعارضة السورية
المنقسمة اليوم قبل كل شيء ان تتوحد
اذا أرادت النجاح، فلها هدف لكن ما
زالت تعوزها الوسائل وبخاصة خطة
مشتركة للمستقبل. فالمستقبل في سوريا
في اليوم الذي يلي سقوط الاسد بعيد من
ان يكون واضحا. الغرب مشغول باقتصاد اوروبا العالم في تلعثم. فانهيار
اقتصادات في اوروبا يقلق العالم اليوم
أكثر من الفظائع في منطقتنا. وتستطيع
ايران الاستمرار في مشروعها الذري بلا
عائق تقريبا، والاسد يذبح مواطنيه
وحزب الله ما يزال يهدد ويتسلح، ويصعب
على العالم في مواجهة محور الشر هذا ان
يجد لغة مشتركة. واسوأ من ذلك ان ادارة
اوباما تُمكّن اللغة الروسية فجأة من
ان تعود لتصبح لغة مهيمنة. تتابع روسيا تأدية دور رئيس في
الازمة السورية. وقد تقدمت موسكو في
الحقيقة خطوة الى الأمام وأصبحت
مستعدة لأن ترى انصراف الاسد بشرط ان
يكون الحديث عن رغبة الشعب السوري. وهم
يلعبون بالوقت مرة اخرى. ويريد الروس
اجراء تباحث آخر في القضية السورية،
وليست عندهم مشكلة تنظيم. وفي هذا
الشهر ستُجرى في موسكو جولة اخرى من
المحادثات في الشأن الذري الايراني،
ويمكن اعداد القاعة نفسها. ويبدو ان
نتائج هذه المباحثات يتوقع ان تكون
متشابهة بحيث يمكن حفظ الديكور نفسه.
ونُذكركم بأن موسكو قد استغلت من قبل
حق نقضها مرتين لصد قرارات مجلس الامن
والجامعة العربية التي أرادت التنديد
بنظام الاسد القمعي. ان المذبحتين الفظيعتين في خلال
اسبوعين أفضتا بواشنطن وشريكاتها في
الغرب الى محاولة جلب عقوبات جديدة أشد
على دمشق، بل الى تدخل عسكري. ويكاد
يكون ذلك غير ممكن بغير موافقة روسيا.
وموسكو من جانبها يصعب عليها ان تتخلى
عن آخر حليف لها في الشرق الاوسط حتى لو
كان ذلك على حساب حياة الاولاد في
الحولة والقبير، ومن يعلم أين ايضا. بقينا اذا مع لغزين يبدو أنه لا حل
لهما الى الآن، وهما: كيف ينبغي معاملة
نظام القتلة في سوريا، وكيف يؤثرون في
بوتين ليغير توجهه. لنبدأ بالاول. ما
يزال العالم يخشى انحلال سوريا على
اختلاف عناصرها السكانية، وقد يكون
هذا الانحلال أعنف كثيرا مما حدث في
ليبيا، وقد تكون الآثار الاقليمية أشد
ايضا. ويعلم الاسد أننا نعلم هذا
فيتابع اللعب بهذه الورقة. وتوجب هذه
المذابح الاخيرة على المجتمع الدولي
ان يخاطر المخاطرة نفسها. عادت موسكو الى 1991 لم يعد من الممكن في العالم
الحديث بفضل الشبكات الاجتماعية التي
تُمكّن الفظائع من الوصول الى كل بيت،
ان تكون غير مكترث وان تقول 'لم نعلم'،
ولهذا لا يجب ان يكون السؤال هل ينبغي
اسقاط الاسد بل أما يزال لكلمة 'اخلاق'
معنى في العلاقات الدولية اذا بقي
الاسد في الحكم في دمشق. وليس السؤال الروسي سهلا ألبتة
ايضا، فقد صارت موسكو بفضل الاسد تشعر
فجأة بأنها سوفييتية مرة اخرى، لاول
مرة منذ انهار الاتحاد السوفييتي في
1991. ولبوتين بطبيعة الحال مصالحه
الخاصة، فهو يرى ان الاستمرار في تأييد
الاسد الواضح بل تأييد راعيه في طهران
جزء فقط من الحرب الباردة التي رجعت
الينا من غير ان نشعر. فاللاعبون هم
اللاعبون أنفسهم وإن كانت الاسماء فقط
قد تبدلت. لم يغب محور الشر قط. والاسد جزء
لا ينفصل منه. وهذا سبب آخر كاف يُبين
لماذا يجب علينا ان نأمل ان يحزم
أمتعته الى موسكو أو الى طهران. ولو كان
العالم طبيعيا لنصحناه بغاية واحدة
فقط لأن طهران قد تكون اليوم مكانا
خطيرا ايضا. لكن هذا في عالم طبيعي فقط. اسرائيل اليوم 11/6/2012 ================= رئيس بعض السوريين...
والمجزرة تتواصل بكر صدقي * الثلاثاء ١٢ يونيو
٢٠١٢ الحياة بالمقارنة مع خطابه الأول في
المكان ذاته، بدا بشار الأسد في خطابه
الأخير أمام مجلس شعبه الجديد،
مكتئباً متشائماً حزيناً، فلم يبتسم،
ناهيكم عن الضحك مقهقهاً كما فعل في
خطابه الأول، في آذار (مارس) 2011، تسعاً
وعشرين مرة، بعدما كانت قواته قتلت في
درعا عدداً من المتظاهرين، واقتلعت
أجهزته القمعية أظافر أطفال قُصَّر
هناك. وبما أن المؤامرة الكونية التي
طالما تحدث عنها والضاربة في أعماق
التاريخ البشري، باتت مكشوفة ولا حاجة
به لإثباتها، فقد فضّل الرجل تخصيص
كلمته التاريخية للعدو الذي انتقل من
الحدود الجنوبية للبلاد إلى داخلها من
طريق إرهاب أعمى، أعلن الرئيس الجزئي
أنه سيستمر في ارتكاب مجازر إضافية بعد
الحولة وما سبقها، لأنه غير معني
بالإصلاح أو العملية السياسية التي
بلغت الكمال بعد تغيير الدستور
وانتخاب مجلس للشعب... غير أنه لم يتوان عن إعلان تشاؤمه
في شأن المستقبل. فالجيل الجديد من
الفتية السوريين أُفسد تماماً وأصبح
يبيع كرامته الوطنية مقابل ألفين من
الليرات، أي ما بات لا يتجاوز الـ 28
دولاراً للتظاهرة الواحدة. ربما نجد
هنا أحد مفاتيح الشيفرة المطلوبة لفهم
لغة الأسد ونظامه. فالمشكلة كما أعلن في خطابه هي في
المفاهيم لا في الوقائع. وهذا صحيح إلى
حد كبير وهو مبرر الثورة وقمعها الوحشي
معاً. لنضع أنفسنا مكان الطغمة
العائلية الحاكمة وننظر إلى ما يحدث
بعيونها: إذا كانت سورية الجمهورية
تورَّث من الأب القائد إلى ابنه
الكاريزمي الملهم، فأي شيء أكثر
طبيعية من أن أي اعتراض على هذا الشاب
وعائلته ومافياته وعصاباته المسلحة من
أجهزة أمن وشبيحة، هو الخيانة الوطنية
التي تستوجب الذبح الحلال في الآن
والمكان؟ نريد القول: إذا كان الوطن هو
الحاكم الفرد العبقري الملهم الذي
أوحى إليه أن كن فكان، فالبداهة
البشرية تقول إنه هو من يحدد المواصفات
المعيارية للمواطن الحق. هذا ما كانت
عليه الحال طوال نيف وأربعين عاماً.
كان بضعة آلاف من «المرضى» ممن حجب
الله بين أبصارهم وبصيرتهم وبين
الواقع الحقيقي، يوضعون في مصحات
وطنية لإعادة التأهيل، لعل أشهرها سجن
تدمر الصحراوي وأقبية فروع الأمن في
مختلف المدن السورية. غير أن الثورة إنما قامت لقلب هذا
المفهوم والمفاهيم المترابطة. أراد
الشعب أن يعيد الى الوطن دلالته
المعروفة في كل مكان خارج سورية، وأن
يستعيد نظامه الجمهوري الذي حوَّله
حافظ الأسد إلى نظام سلالي. فالرئيس في
النظام الجمهوري يستمد شرعيته من
الشعب، في حين أن الشعب هو من يستمد
شرعيته، في النظام السلالي المترنح،
من الحاكم الفرد. وها هو يعلن في ظهوره
الخامس في زمن الثورة أن قسماً فقط من
الشعب يتمتع باعترافه، مقابل قسم آخر
فقد هذه الحظوة بعدما تمرد على مصدر كل
شرعية وارتبط بما يحاك من مؤامرات
خارجية على الحاكم الفرد، أي الوطن. يعني امتناع السياسة في زمن
الثورة السورية فقدان أي لغة مشتركة
بين الحاكم والشعب. كيف له أن يفهم
عبارة «سورية لكل السوريين» وهو الذي
نشأ على مفهوم «سورية الأسد»؟ الشعار
الأول يعبِّر عن فساد الرعية التي
تطاولت في لحظة طيش على ملكية الغير،
في حين يعني المفهوم الثاني في نظر
الشعب سطواً مسلحاً على ما يعود اليه.
وعند الحاكم كل معارضة لحكمه هي خيانة
تستوجب الطرد من جنة الوطن، أما الشعب
الذي ثار عليه فقد هتف منذ اليوم الأول:
«خاين اللي بيضرب شعبو» معبراً عن
طلاقه النهائي مع الحاكم. بعد خمسة عشر شهراً من الثورة
والدماء، لم يعترف بشار بعد بأنه مجرد
رئيس في نظام جمهوري يستمد شرعيته من
الشعب، وأن بقاءه في وظيفته يتوقف على
إرادة الشعب. وقد فضَّلَ أن يبقى
حاكماً على قسم من السوريين بالإرغام
على أن يدين بحكمه لسورية كاملة لرضى
الشعب. هذا موقف منسجم مع نظام
المفاهيم الذي لطالما ساد في مملكة
الأسد: سيبقى الحاكم هو الوطن الذي
تتطابق خريطته مع جغرافيا الموالاة
غير المشروطة، وليذهب أهل الخيانة إلى
الجحيم. وهكذا نرى كم تقلصت سورية الأسد
على مراحل ثلاث: في حزيران (يونيو) 1967
تخلى وزير الدفاع حافظ الأسد عن
مرتفعات الجولان لمصلحة إسرائيل مقابل
أن يبني مملكته العائلية على ما تبقى.
وفي 2005 تخلى ابنه عن لواء الاسكندرون
لمصلحة تركيا مقابل استمرار العرش
السلالي الذي اهتز بعد اغتيال رفيق
الحريري. وفي الخطاب الأخير تخلى الأسد
عن معظم الجغرافيا السورية المتمردة
ضده لمصلحة وُطَيْن الموالاة الصغير. في غضون تاريخ المملكة الأسدية
هذا، كان الأب المؤسس قد حوَّلَ مملكته
المنقوصة الجولان إلى امبريالية
استولت بالقوة المسلحة وبتفويض دولي
على لبنان، فحكمه ثلاثين عاماً بإدارة
حروبه الأهلية. وجاء زمن آخر حين سحب
الأوصياء الدوليون تفويضهم من الوريث،
فتقلصت الامبراطورية الأسدية إلى
حالتها الأولى وانكفأ الحاكم إلى داخل
حدود مملكته. هنا حدث الخلل الجسيم الذي سيؤدي
بالمملكة إلى مصيرها المحتوم: كان
لبنان طوال العقود الثلاثة من
الاحتلال الأسدي هو مصدر تمويل الولاء
المطلق لبنية النظام الأمنية. فشكَّلَ
طرده من هناك خطراً على تماسك هذه
البنية. ولم يبق أمام النظام إلا تعويض
موارده الاستعمارية باستعمار الداخل
نفسه من خلال الانتقال من الاقتصاد
الاشتراكي إلى ليبرالية جشعة نواتها
عائلات ثلاث: الأسد ومخلوف وشاليش،
إضافة إلى آخرين من «صغار الكسبة»
وشبكة واسعة من الموالين المتفاوتي
الامتيازات. انتهى العقد الاجتماعي الذي قام
على معادلة فاسدة: الحرية مقابل الخبز.
وإذ بالرعايا الخانعين يتحولون إلى
شعب هادر يطالب بالاثنين معاً. كيف لا
يفكر الحاكم - الوطن أمام هذا المشهد
الغريب بأن ما يحدث إنما هو مؤامرة
خارجية؟ لو كنتُ مكانه لأصبتُ بانهيار
عصبي ينتهي إلى الذهان. * كاتب سوري ================= جاكسون ديل الشرق الاوسط 12-6-2012 هناك وجهة نظر تقول إن الارتباط
بين مشاكلنا مع سوريا ومشاكلنا مع
إيران هو ارتباط واضح ومباشر إلى حد
ما، فنظام بشار الأسد في سوريا هو أقرب
حليف لإيران، وهو همزة الوصل بينها
وبين الدول العربية في منطقة الشرق
الأوسط، كما شكلت سوريا جسرا بريا لنقل
الأسلحة والمقاتلين من إيران إلى
لبنان وقطاع غزة. ومن دون سوريا، كانت
ادعاءات إيران بالهيمنة على المنطقة،
وقدرتها على تحدي إسرائيل، ستذهب
أدراج الرياح. وبالتالي، كما صرح قائد القيادة
المركزية الأميركية الجنرال جيمس
ماتيس، أمام الكونغرس في شهر مارس (آذار)
الماضي، فإن سقوط الأسد سوف يكون «أكبر
نكسة استراتيجية لإيران خلال 25 عاما».
ولا يعد تحقيق ذلك مجرد حتمية إنسانية
عقب قتل ما يربو على 10 آلاف مدني، بل
يعد أيضا مصلحة استراتيجية كبرى
لإسرائيل والولايات المتحدة. لماذا إذن تبدي إدارة الرئيس
أوباما وكذلك حكومة بنيامين نتنياهو
فتورا، على أقل تقدير، تجاه أي تدخل
عسكري حتى لو كان غير مباشر من أجل
إسقاط الأسد؟ أحد أسباب هذا الفتور هو
القلق مما سيأتي بعد ذلك الديكتاتور.
وبالنسبة لأوباما، يعد أحد العوامل
الكبرى في موقفه هذا هو حملته
الرئاسية، وما زعمه من أن «مد الحرب
يتراجع» في الشرق الأوسط. غير أن
الحسابات المتعلقة بسوريا وإيران تعد
كذلك أكثر تعقيدا مما يبدو في البداية،
ذلك أن ما يربط بين الاثنتين ليس
التحالف القائم بينهما فحسب، ولكن
أيضا أن الولايات المتحدة وحلفاءها
وضعوا هدفا مستقلا وعاجلا لكل منهما
على حدة. فالهدف بالنسبة لسوريا هو
إقصاء الأسد وإحلال نظام ديمقراطي
محله، أما الهدف بالنسبة لإيران فهو
منعها من امتلاك سلاح نووي. وقد اتضح أن
الخطوات التي يمكن أن تحقق النجاح على
إحدى الجبهتين لن تؤدي إلا إلى تعقيد
الاستراتيجية الغربية على الجبهة
الأخرى. ويعد الشغل الشاغل لإسرائيل هو
القيام بعمل عسكري، حيث يرى أنصار
التدخل العسكري في سوريا (وأنا منهم)
ضرورة أن تشارك الولايات المتحدة
وحلفاؤها مثل تركيا في إيجاد مناطق
آمنة للمدنيين والقوات المناوئة للأسد
على طول الحدود السورية، وهو ما يتطلب
غطاء جويا وربما بعض القوات «التركية».
ولكن إذا تورطت الولايات المتحدة في
عملية عسكرية في سوريا، فهل سيظل من
الممكن تنفيذ هجوم جوي على مواقع إيران
النووية؟ وماذا لو أقدمت إسرائيل على
شن ذلك الهجوم بينما لا تزال العملية
الموجهة إلى سوريا مستمرة؟ الإجابة الواضحة هي أن النتيجة قد
تكون فوضى لا يمكن التحكم فيها، ولهذا
فحينما سألت مؤخرا مسؤولا إسرائيليا
كبيرا عن احتمال حدوث تدخل غربي في
سوريا، كانت الإجابة: «نحن نركز على
إيران. أي شيء قد يسبب تشتيتا عن إيران
لن يكون مفيدا كما قد يبدو». وبالطبع، فإن أوباما حريص على
تحاشي القيام بعمل عسكري في إيران بأي
حال من الأحوال، غير أن الاستراتيجية
التي يتبعها هناك - والتي تتلخص في عقد
صفقة دبلوماسية تقضي بإيقاف البرنامج
النووي - تضيق أيضا من الخيارات
المطروحة أمامه في سوريا. وأي صفقة مع
إيران سوف تتطلب دعما من روسيا، التي
يتصادف أن تستضيف الجولة التالية من
المفاوضات. وروسيا، بدورها، تعارض
إزاحة الأسد، الذي ظل لوقت طويل صديقا
لها، من السلطة بأي شكل من الأشكال. وإذا كان أوباما يرغب في الحصول
على دعم فلاديمير بوتين في ما يتعلق
بإيران، فربما يتعين عليه التقيد
بالإجراءات التي قبل بها بوتين بشأن
سوريا، مما يضع الإدارة الأميركية تحت
رحمة موسكو. فأوباما ليس أمامه سوى أن
يتضرع إلى بوتين، الذي يرمقه بنظرات
جامدة، كي يدعم إقامة نظام ديمقراطي في
سوريا، أو أن يوجه تحذيرا غاضبا إلى
بوتين، بينما ترتسم على شفتي الأخير
ابتسامة مليئة بالشك، بأن موسكو بذلك
تمهد الطريق لنشوب حرب طائفية مأساوية. والسبب الرئيسي في هذه المشكلة هو
اختلاط وتضارب الأهداف الأميركية في
الشرق الأوسط. فهل تريد واشنطن إسقاط
نظامي الأسد وخامنئي الديكتاتوريين
اللذين يتسمان بالوحشية والعداء ويوجد
بينهما تحالف وثيق، أم أنها تريد أن
تتوصل معهما إلى صفقات تحتوي ما
يمثلانه من تهديد؟ الإجابة هي أنها
تريد الاثنين معا ولا تريد أيا منهما
في الوقت ذاته، إذ تقول إدارة الرئيس
أوباما إنها تسعى إلى تغيير النظام في
سوريا، في حين أنها حددت الهدف في حالة
إيران بإقامة علاقات ودية مع
المرجعيات الدينية هناك في مقابل منع
انتشار الأسلحة النووية. ويحاول أوباما «تربيع هذه
الدائرة» عن طريق السعي إلى إيجاد منهج
دبلوماسي متعدد الأطراف تجاه كلا
البلدين، ولكن إذا كان الهدف هو تغيير
النظام في سوريا، فإن قرارات مجلس
الأمن والخطط المكونة من ست نقاط على
غرار تلك التي تقدم بها كوفي أنان
سيكون مصيرها الفشل، وأي شيء آخر غير
ممارسة مزيج من الضغوط الاقتصادية
والعسكرية، عن طريق معارضي الأسد أو
أطراف خارجية، لن يستطيع أن يضع نهاية
لهذا النظام. وهذا الانهيار، بدوره، قد يضعف
النظام الإيراني نفسه الذي يسعى
أوباما إلى عقد صفقة معه، لذا فليس من
المستغرب أن تحاول طهران إضافة سوريا
إلى المواضيع المطروحة للمناقشة في
الجلسة الأخيرة من المفاوضات، أو أن
يرغب أنان في إدراج إيران ضمن «مجموعة
اتصال» جديدة تم تكوينها كي تلعب دور
الوساطة من أجل التوصل إلى تسوية في
سوريا. وقد رفضت إدارة الرئيس أوباما كلا
المقترحين، لأنهما يتعارضان مع تغيير
النظام السوري. وهذه البلبلة قد تسعد
فلاديمير بوتين، ولكن من المستبعد أن
تحقق الكثير بخلاف ذلك. * خدمة «واشنطن بوست» ================= مشاري الزيدي الشرق الاوسط 12-6-2012 كان وزير الخارجية البريطاني
مقاربا للصواب حينما شبه الوضع في
سوريا الآن بالوضع في البوسنة
والهرسك، حيث امتدت حرب مفجعة من 1992
إلى 1995. هو شبه بين الوضعين بعامل
الاحتراب الأهلي الطائفي، ورسم حدود
جديدة بين الطوائف معمدة بالدم، حتى
بين القرية والقرية. أزمة بلاد البلقان تلك ما زالت
قابلة للقراءة والتأمل، كيف انقض
الجيران الصرب على جيرانهم البوشناق
المسلمين، وهم جيرة منذ مئات السنين.
فجأة استيقظت النزعات الطائفية
العميقة. وحينها كانت البوسنة - وهي
البعيدة كثيرا عن بلاد الشام - مسرحا
مغريا لجميع الجهاديين في العالم
الإسلامي. ما جرى في البوسنة يحاكي ما يجري
الآن في سوريا، وقد قرأت تقريرا نقل عن
جريدة «نيويورك تايمز»، يتحدث عن
هواجس الطائفة العلوية الآن، بعد
انفجار الحرب فعلا بين السنة
والعلويين، وهي حرب يبدو أن نظام الأسد
يعتمدها كحل أخير أو خيار شمشوني، لجر
الطائفة العلوية رغم أنفها معه في
الصراع الوجودي. حتى لو كنت معتدلا من أبناء
العلويين، أو حتى مناهضا أو منتقدا
للنظام، فقد لا تكون الأمور مضمونة لدى
الأكثرية المناصرة للثورة، خصوصا
السنية، بعد طوفان الدم والمجازر التي
اقترفها الشبيحة من العلويين، وهم
يصرخون: شبيحة للأبد. نعم، السلاح لم يدخل إلى الثورة
السورية إلا متأخرا، والثورة ظلت نحو
نصف سنة سلمية، رغم بطش أجهزة الأسد،
ورغم تخاذل المجتمع الدولي، ومعه
الجامعة العربية، وكان حمل السلاح من
باب الاضطرار والدفاع عن النفس، وهو
حتى الآن سلاح خفيف وشبه خفيف، في
مقابل الصاروخ والدبابة والطيارة، لدى
جيش الأسد وأجهزته الأمنية، وقطعان
الشبيحة الهمجية. لكن ما كان العقلاء يحذرون منه
منذ أكثر من سنة إن لم يحتضن المجتمع
الدولي والإقليمي المعارضة السورية،
ويتعامل معها بنفس الميزان الترحيبي
الذي تعامل به مع ثورة ليبيا ومصر،
واليمن، أن النهاية ستكون سوق هذه
الثورة والمعارضة سوقا إلى السلاح
وحرب العصابات، قيل هذا الكلام بهذا
الوضوح، أكثر من مرة، ولكن القوم في
غيهم يعمهون. المضحك المبكي الآن، أن الجميع
يبدي دهشة زائفة حيال إمكانية وقوع حرب
أهلية في سوريا، وتحولها إلى نزاع محلي
معقد، يفيض إلى كامل منطقة الشرق
الأوسط، حسبما تشي به تصريحات المبعوث
الدولي والعربي كوفي أنان، وغيره من
ساسة الغرب والشرق. جيش الأسد وأجهزته الأمنية
وشبيحته، بدعم علني من الحليف الروسي
والإيراني، وذيل إيران في لبنان حسن
نصر الله، يفترس لحوم السكان المدنيين
في الشمال والجنوب، وما من رادع له،
فقط مبادرات وبعثات مراقبين تزيد
الطين بلة، من بعثة الجنرال السوداني «الكارثة»
مصطفى الدابي، إلى بعثة الكارثة
الأخرى النرويجي روبرت مود. هل كان ينتظر من السكان السوريين،
أن يتقبلوا القتل والسحل والاغتصاب
والقصف، لحين اقتناع أوباما وبوتين
بحل ما؟! هذا، فوق كونه عارا إنسانيا، غباء
سياسي أيضا. لو أن المجتمع الدولي نزع الغشاء
عن عينيه، وشاهد الأمور كما هي، لبادر
بقيادة المعارضة وتوحيد صفوفها
وحمايتها من تسلل المتطرفين الدينيين
إليها، من خلال قطع الطريق على أي
تفسير طائفي للأزمة السورية، لكنه لم
يفعل، وفوق أنه لم يفعل، يستغرب من
حماية الضحية لنفسها وحملها السلاح! آخر فصول هذا الفجور الأخلاقي
السياسي هو كلام وزير الخارجية الروسي
سيرغي لافروف حول أنه يريد منع الحرب
الأهلية والطائفية في سوريا، ونقده
الواضح للسعودية بأنها تدعم المعارضة
السورية لأسباب طائفية، بينما «حضرته»
ورئيسه بوتين لا يفعلان ذلك من خلال
إمداد الأسد بكل أنواع السلاح والدعم
المخابراتي والسياسي، ومعهما إيران! أي وقاحة هذه.. أما نهاية هذه الإدارة الدولية
السيئة للملف السوري، فهو أنهم، من
واشنطن مرورا بلندن إلى موسكو، يقولون
إنهم يريدون منع الانزلاق نحو الفوضى
والحرب الأهلية، أي بين السنة والشيعة.
ولكن مؤدى ما يفعلونه فعلا هو فتح
الأبواب كلها نحو هذه الحرب. ربما الكلام الذي سأقوله الآن
يغضب الجيش السوري الحر والمعارضة
السورية ومن يناصرهم بشكل عاطفي مطلق..
ولكن لا بأس. قبل أيام نفى قائد «الجيش السوري
الحر» رياض الأسعد ما توارد من أنباء
حول مشاركة كويتيين في القتال مع «الجيش
الحر» على الأراضي السورية. وكانت
صحيفة «القبس» الكويتية أوردت أنباء،
في عدد الأحد الماضي، عن دخول مواطنين
كويتيين إلى الأراضي السورية للمشاركة
في القتال بجانب «الجيش الحر» ضد قوات
الحكومة. وأكد الأسعد حسب صحيفة «الوطن»
الكويتية أن ما يثار عن وجود مقاتلين
من جنسيات عربية غير صحيح جملة
وتفصيلا، وقال إن «النظام السوري يسعى
لبث مثل هذه الأخبار لإيهام العالم». شخصيا، أتفهم كلام العقيد
الأسعد، وأنه يأتي في سياق الرد على
دعايات إعلام الأسد، وأبواقه، وحقا أن
نظام الأسد محترف للكذب والتمويه. هذا
معلوم. لكن هذا شيء، وما يراد قوله هنا
شيء آخر. أعتقد أن الساحة السورية الآن،
بعد استفحال المجازر التي يرتكبها
نظام الأسد ضد السكان المدنيين «السنة»،
وحتى غير السنة من أنصار الثورة، كما
جرى في مدينة «سلمية» الإسماعيلية،
أصبحت ساحة مغرية لكل من يريد «الجهاد»
ضد «الطاغوت» السوري الحاكم في دمشق. لقد حول بشار الأسد نفسه إلى هدف
مثالي للجهاديين، فهو مستكمل لشروط
الشر المستطير والصافي، هو دموي إلى حد
التوحش، وكاره لأهل السنة، وعميل
لإيران. كلها مواصفات مثالية لجعل من
لا يفكر في الجهاد من الشبان أو الناس
الذين يرون العالم فقط على هيئة حرب
بين أهل الإسلام وغيرهم، يلتهبون شوقا
للقتال. الكل يعلم أن بشار الأسد وأجهزته
جربوا الاستفادة من هذه الطاقة
الجهادية الجامحة، في العراق ولبنان،
وليس يغيب عن البال استخدامه لجماعة
فتح الإسلام في لبنان، ثم استخدامه
لبعض الشيوخ الجهاديين في تجنيد
الشبان العرب للذهاب إلى العراق
ومشاغلة أميركا هناك، وقد تحولت حدود
سوريا نحو 5 سنوات بعد سقوط صدام حسين
في أبريل (نيسان) 2003، إلى محطات شحن
وإسناد للزرقاوي وغيره في العراق. الآن، ربما يتذوق الأسد من الكأس
نفسه! وفي فبراير (شباط) الماضي «نسب»
إلى أيمن الظواهري، قائد «القاعدة»
الحالي، دعوته الثانية للجهاد في
سوريا ضد نظام الأسد، والحض على القتال
في «شام الرباط والجهاد بإذن الله
وقوته دولة تحمي حمى الإسلام». حسب
مفرداته. وشجع على الثبات والصمود «ضد
النظام العلماني الطائفي». زبدة القول هنا، كما سبقت الإشارة
في مناسبات أخرى، أن الثورة في سوريا
بدأت حرة وطنية متعالية على كل النزعات
الطائفية، وكان الشعار الجامع للثورة:
«واحد واحد واحد.. الشعب السوري واحد»
وكان يتم تسمية كتائب الجيش الحر
بأسماء رموز وطنية مناضلة مثل سلطان
باشا الأطرش وصالح العلي، الأول درزي
والثاني علوي. لكن مع استمرار التخاذل -
إن لم يكن التآمر الدولي - والفجور في
القتل من قبل الأسد، حشر الأهالي في
الزاوية، ولم يبق إلا الدفاع عن النفس
بكل ما هو متاح، ومن ضمن ما هو متاح:
الحرب باسم الدين. هذا هو نتاج الإدارة الكارثية
للمجتمع الدولي والعربي أيضا لثورة
كانت من أرقى وأنبل الثورات العربية،
شجاعة، وخطابا مدنيا. ما زلنا نأمل أن الوقت لم يفت بعد. ==================== حسين شبكشي الشرق الاوسط 12-6-2012 المتمعن في المشهد العالمي
ومواقف الدول الكبرى المؤثرة بخصوص
الثورة السورية الكبرى ضد نظام بشار
الأسد، لا بد أن يقف مطولا لمحاولة فهم
وبالتالي تبرير الموقف الروسي تحديدا
ودعمه المطلق لبشار الأسد بالسلاح
السياسي والدبلوماسي والاستخباراتي
والعسكري أيضا، وذلك على الرغم من
تزايد نقمة الرأي العام العالمي بسبب
وتيرة جرائم نظام دمشق الطاغية بحق
شعبه واتساع دائرة القناعة بأهمية
وضرورة زواله. روسيا تبحث عن الثمن المقابل
لتغيير موقفها من الثورة السورية.
تقليديا كانت روسيا إبان حقبة الاتحاد
السوفياتي الدولة الأكثر استخداما لحق
النقض (الفيتو) في مجلس الأمن بالأمم
المتحدة، وهي الأكثر تخليا عن
حلفائها؛ فعلتها من قبل مع معمر
القذافي وصدام حسين وميلوسيفيتش،
وبالتالي إمكانية «الاستغناء» عن بشار
الأسد ونظامه من جهة روسيا واردة جدا
إذا كان بمقدورنا الحكم بما تم في
السابق من قبلها بحق غيره. روسيا تبحث
عن صفقة تؤمن لها مدخلا وممرا صريحا
وآمنا لغازها يمر بالأراضي السورية
إلى البحر المتوسط، وكذلك تبحث عن موقع
قدم طويل الأمد كقاعدة عسكرية على ضفاف
المتوسط أيضا ليكون عينا لها على
القارة الأوروبية لتستعيد به وجودا
رمزيا حرمت منه نتاج التوسع الكبير
وازدياد نفوذ الحلف الأطلسي. وروسيا
ترى ضرورة دعم «القوى الأخرى» الخارجة
عن النفوذ الغربي التقليدي، فعلى
الصعيد الاقتصادي، هي تدعم وبقوة
شديدة دول «البريكس»، وهي مجموعة
البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب
أفريقيا كتكتل اقتصادي «بديل» عن
المعسكر الغربي، له توجهات وتطلعات
مختلفة، وهي ستواصل دعمه حتى يتحقق
ذلك، وفي الوقت نفسه تدعم روسيا وبقوة
شديدة جدا مجموعة «شنغهاي» التي تضم
دولا مثل الصين وروسيا وكازاخستان
وغيرها من الدول، واليوم يدعو هذا
التكتل أفغانستان للدخول فيه، وهذا
سيكون بالطبع مفاجئا وحتى مذهلا
للكثيرين، وترغب روسيا في أن يتنامى
دور هذا التكتل ليكون بديلا عصريا
وحديثا وعمليا لحلف وارسو الذي طواه
الزمن مع سقوط الاتحاد السوفياتي. روسيا لديها قناعة قوية اليوم،
وخصوصا في حقبة فلاديمير بوتين رئيسها
الحالي القادم من ظل رئاسة الوزراء
الشرفية، أنها لا بد أن تترجم تقدمها
الاقتصادي المتنامي بتوسع في نفوذها
السياسي عالميا، ولكنها إلى الآن لم
تتمكن من ذلك وتعتقد أنه لم يحالفها
الحظ لتحقيق نجاحات اقتصادية مهمة مثل
الصين والهند، حيث مكنتهما أن يكون
لديهما نفوذ عالمي متنام. روسيا اقتصاديا لا تزال تعتمد
بشكل رئيسي على عوائد النفط والغاز
والذهب والماس، وهي جميعا مصادر
طبيعية، ولكن لا يوجد لروسيا نفس الحظ
من عوائد الصناعات المختلفة في قطاع
الدفاع والطيران والفضاء والسيارات
والقطارات والمعدات الثقيلة، وهي
مسألة مقلقة جدا للروس وحكومتهم لأن
هذه القطاعات تحديدا هي صاحبة النصيب
الأكبر في أرقام التوظيف، وهذه مسألة
مهمة للغاية في مجتمع تتنامى فيه نسبة
البطالة بدرجة مقلقة قد تكون أحد مصادر
التهديد الأمني مستقبلا، خصوصا في وسط
جاليات الأقليات الإثنية المنتشرة وسط
روسيا الاتحادية. هذه الأسباب ستجعل من إصرار وعناد
الروس كبيرا في الحفاظ على جيوب من
التأثير في مناطق «تصريف» لمنتجاتها
لدى دول مثل فنزويلا وإيران وسوريا على
سبيل المثال، وتتناسى كل التحفظات
والمعارضة الدولية بحق أنظمة الحكم في
هذه الدول. أما الملف السوري، وتحديدا
نظام الأسد، لديها فيجري الإعداد «الأخير»
لسداد ثمن فاتورة صفقة روسيا
للاستغناء عن بشار الأسد، لأن معالم
التفاصيل بدأت تتضح مع وجود هيكل جديد
للمجلس الوطني السوري وقبول عام عالمي
للاستغناء عن بشار الأسد وعدم التمسك
به وازدياد واضح في دعم الجيش الحر
وازدياد قوته وتأثيره. روسيا ترغب في
الفاتورة والثمن، ومتى ما تحقق ذلك
الأمر تكون «خلصت القصة»، والثمن أولا
وأخيرا بالنسبة لروسيا هو اقتصادي،
بعيدا عن كل الشعارات والمبادئ
والأهداف. ============================= طيب تيزيني الاتحاد
الإماراتية تاريخ النشر:
الثلاثاء 05 يونيو 2012 حين تحدث
مجزرة كالتي وقعت في "الحولة" منذ
أيام، يستعيد المرء ما واجهه في إحدى
قصص مكسيم غوركي البديعة، نعني
الطُّرفة المثيرة التي تجيء على لسان
أحد شخوصها، وهي التالية: كان سكان
مناطق موجودة في إحدى الغابات، ذوي
أصول ذئبية تبرز فيها النبّالة
والكرامة والشعور بالحرية. وفي لحظة
تاريخية معينة، ينحطّ جنس الإنسان،
ليصبح متحدراً من الكلاب! أما أن يحدث
ذلك فالحكمة منه الإشارة إلى أن علامة
الوجود الإنساني تلتقي مع علامة
الوجود الذئبي، نظراً إلى أن الذئب
يتحدر -هكذا يقال حسب غوركي- من جنس راق
وذي ذكاء خاص، إضافة إلى أنه يترفع على
الجِيف وعنها، ويسعى إلى أن تكون
منازلاته مع خصومه، كالكلاب، "نظيفة"
حتى لو كان هؤلاء ذوي وفاء. إن مجزرة
الحولة تقدم معياراً لكلبية القتلة،
يقتلون الصغار والكبار ويستبيحون
النساء ثم يقتلوهن، والمأساوي المدوّي
هنا يظهر في التعامل مع أطفال في عمر
الربيع يواجهون الذبح بالسكاكين
والكبار العاجزين عن الدفاع عن أنفسهم.
وهذا الفعل الشائن المُجسَّد بالعار،
تلعنه مختلف المرجعيات البشرية، وتلعن
فاعليه الذين يوضعون موضع من يجب أن
تقتصّ منهم العدالة بصيغها الثلاث
المحلية الوطنية والإقليمية والدولية.
إن ذلك يجسّد عودة ملعونة إلى عصر
الغابات المسكونة من شتى أنواع "الحيوانات"
غير المأهولة، ويذكّر بكل أشكال القتل
والذبح في تاريخ البشرية الطويل. وبهذه
المناسبة، كنت أتمنى أن تُعلن قيادات
العالم كله إدانتها الحقيقية والفاعلة
لتلك الفعلة الشريرة بحق أطفال
سوريين، لا أن يتضامن بعضهم مع القتلة
بصمتهم عليهم، خصوصاً أن التحذير من
مثل ما جاء على لسان أديب شجاع هو
غوركي، يمثل مطلباً وهدفاً لكل من يحمل
ضميراً وعقلاً في كل أنماط المجتمعات
التي أنتجها البشر. ما حدث في
الحولة الجريحة وفي غيرها هو، بحق،
جريمة تلتئم فيها كل عناصر الفظاعة
والهول، بحيث إنها تقل الآن أمام
العالم كله بصيغة التحدّي. وقد نستطيع
القول إن كل من علم من البشر بها ولم
يُدنها أو لا يسعى إلى إدانتها، حتى
وإن كان في قلبه فهد وحش يمكن أن يكون
مشروع قاتل، إذا توافرت له ظروف القتل.
وفي هذه المناسبة الهائلة في
مأساويتها، يحق علينا أن نذكّر بآية
قرآنية رهيفة وبمن علّق عليها وعلى
حاضنها القرآني الكبير. لقد جاء في تلك
الآية: إن "من قتل نفْساً بغير نفس،
فكأنما قتل الناس جميعاً". أما من
رأى في تلك الأخيرة وفي حاضنها المعْنى
نزوعاً إنسانياً تنويرياً شفيفاً، فهو
الشاعر والمفكر الألماني Goethe
- غوتة. بل إننا إذا حاولنا النظر إلى
اللوحة في شمولها، فسوف يكون مهماً أن
نخاطب المؤسسة الدولية (الأمم المتحدة)،
معلنين أمامها أن تناول موضوع الحولة
يمثل واحداً من أكبر المهمات التي على
هذه المؤسسة أن تجعل منه "موضوع
مراجعة" لتاريخها منذ 1948 ولِما
ينبغي أن تفعله راهناً في سبيل إعادة
بنائها قانونياً ودولياً وأخلاقياً
وإنسانياً. إن تباطؤ
المؤسسة المذكورة باسم المصالح هنا
وهناك من دول العالم، وباسم تحالفات
وتواطؤات بين فريق وآخر من الدول
المعنية، يؤدي في الحالة التي نحن فيها
الآن إلى الإطاحة بحقوق النساء
والأطفال والرجال، الذين سقطوا في
الحولة وغيرها. وإن هذا كله -مجتمعاً
ومؤتلفاً مع حالات أخرى مماثلة في
سوريا وبلدان عربية وأجنبية أخرى-
يجعلنا نطالب بإعادة تأسيس الأمم
المتحدة، وإعادة بيان حقوق الإنسان
الصادر عام 1948 إلى قوته وألقه، ونكاد
نقول في ضوء ذلك، إن "الربيع العربي"
يجب يكون معه عصراً عالمياً جديداً
باستحقاقاته ومهماته، مما يسوٌغ
الدعوة إلى إعادة بناء المؤسسة
الدولية فعلاً، على أساس التوافق مع
ذلك. ------------------------ المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |