ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت 16/06/2012


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

هل بقي الحل السياسي في سورية ممكنا؟

2012-06-16 12:00 AM

الوطن السعودية

مضى أكثر من 15 شهرا على بداية الأزمة السورية، ولا يزال الوضع يزداد دموية وتعقيدا، برغم كل الجهود الدولية والعربية لاحتواء الأزمة ووضع حد لإراقة الدماء. ورغم أن مشاهد المجازر الوحشية لمدنيين أبرياء، بما في ذلك أطفال ونساء، أثارت الرأي العام العالمي بسبب بشاعتها ووحشية مرتكبيها، إلا أن تعقيد الوضع في سورية وموقعها الجيوسياسي منع الولايات المتحدة والغرب بشكل عام من القيام بأي خطوة عملية على الأرض، خاصة أن روسيا والصين استخدمتا الفيتو لإجهاض أي قرار دولي يسمح باستخدام القوة على غرار ما حدث في ليبيا.

لكن المبادرة الروسية الأخيرة لإيجاد حل للوضع في سورية أعادت بعض الأمل، ولو كان بعيدا، بإمكانية الوصول إلى حل سلمي. التحدي الأهم في هذه المرحلة أن تتمكن موسكو من استضافة جميع الدول المؤثرة على الأرض، فغياب أي دولة من الدول يترك فراغا لا يملؤه الآخرون، ويشكل نقطة ضعف وخلل قد تهدد بهدم أي بناء تتوصل إليه الأطراف الأخرى. وبغض النظر عن الخطوات العملية التي يمكن أن يعتمدها أي منتدى للوصول إلى السلام في الداخل السوري، فإن الغاية الأهم التي يجب أن تتحقق في النهاية هو نقل سورية من مجرد تجمع جغرافي يحوي عددا من الأقليات القبلية والدينية والعرقية والإثنية، إلى دولة عصرية تكون فيها المواطنة هي الأساس، بعيدا عن كل أشكال الطائفية والعنصرية.

إن ما يحدث في سورية يتحول كل يوم باتجاه حرب أهلية طائفية بشعة، وربما تكون تلك المرحلة قد بدأت فعلا ووصلت الأمور إلى نقطة تصعب العودة منها، لذلك ربما يكون من الحكمة إعادة النظر في المسار السلمي السياسي الذي وضع أطره العامة كوفي عنان لحل الأزمة في سورية قبل فوات الأوان.

إن المنطق يدعو إلى إيجاد حل عملي لمسألة المشاركين في المؤتمر بغية الإسراع في إيجاد حل مقبول، شرط ألا يكون على حسب العدالة وإهدار حقوق وتضحيات الشعب السوري. إن على روسيا، إذا كانت جادة في طرحها لمؤتمر السلام، أن تعلن صراحة عن تأييدها لقرار دولي ملزم يجبر النظام السوري على الالتزام بمقررات مثل هذا المؤتمر الدولي.

لقد تعبت حناجر السوريين من الصراخ وآن للمجتمع الدولي أن يسمعها ويساعد على وقف معاناتهم.

=================

أين أوراق الضغط على روسيا؟

د. عبدالله بن عبدالمحسن الفرج

الرياض

15-6-2012

    حدث ما كان متوقعا وأكثر. فأصحاب الأعمال الروس الذين قدموا إلينا، بعد أن تأجلت زيارتهم 3 مرات سابقة، لم يتمكنوا في العاصمة من مقابلة نظرائهم بعد أن اعتذرت الغرفة التجارية الصناعية بالرياض عن تنظيم الاجتماع بمقرها. فتعالوا معاً بدم بارد نحلل دلالات ما حصل؟

ولكن حتى نستوضح الصورة أكثر لا بد، أولاً وقبل كل شيء، من فهم آلية عمل الغرف التجارية والأسباب التي دفعت غرفة الرياض إلى الاعتذار عن تنظيم الاجتماع المشار إليه. فمثلما نعرف فإن غرفنا التجارية هي مؤسسات مدنية غير ربحية تهدف إلى خدمة قطاع الأعمال والمجتمع. وعلى هذا الأساس فإن هذه الغرف لا يمكنها أن تسير في اتجاه معاكس لمصلحة أو رغبة الفئتين المشار إليهما. ولذا فإن اعتذار غرفة الرياض أو رفضها تنظيم الاجتماع يعبر بالدرجة الأولى عن موقف منتسبيها الذين راعهم ما يحدث للشعب السوري الشقيق. وهذا على ما يبدو لي أمر مهم لروسيا أن تعرفه.

الشيء الآخر هو أن وفد أصحاب الأعمال الروس الزائر وفد غير عادي فهو يمثل الجانب الروسي من مجلس الأعمال السعودي الروسي المشترك. مما يعني أن الاجتماع هو جزء من الاجتماعات الدورية التي تعقد مرة في المملكة وأخرى في روسيا. وقد كان هذا الاجتماع مقررا في بداية السنة ولكنه تأجل عدة مرات حتى جاء يونيو/ حزيران. وفي ظل هذا الجو الملتهب ليس فقط من ناحية الطقس ما كان على أصحاب الأعمال الروس أن يصروا على القدوم إلينا وبلدهم لا يزال غائصا في أوحال الأحداث السورية- خصوصاً وأن الخارجية الروسية قد نصحتهم بأن الوقت غير مناسب للزيارة. والقول ان السياسة والاقتصاد موضوعان منفصلان وهم لا يشترى. فأصحاب الأعمال الروس الذين جاءوا إلى المملكة هم مجموعة متنفذة وكانوا يستطيعون بالتأكيد ممارسة الضغط على بلدهم بخصوص ما يجري في سوريا.

ولكن من ناحية أخرى عن أي ضغط من قبل أصحاب الأعمال الروس على حكومتهم نتوقعه إذا كان حجم التبادل التجاري بيننا وبينهم يراوح عند مليار دولار. فهذا مبلغ تافه لروسيا التي تملك ثروات الدنيا كلها ابتداء من النفط والغاز وانتهاء بالياقوت والزمرد. وفي هذا المجال يحضرني عتب الملحق التجاري لإحدى جمهوريات الفضاء السوفيتي السابق. فهو كان يتحدث معي ويشكو من كثرة الانتقادات والنصائح التي يسمعها منا في حين أن حجم التبادل التجاري بين بلده المسلم وإسرائيل يعادل مجموع التبادل التجاري مع كافة البلدان العربية مجتمعة. فعن أي أوراق ضغط يا جماعة نتحدث. فإلغاء الاجتماع الذي نحن بصدده، في ظل وهن العلاقات الاقتصادية بين المملكة وروسيا، لن تترتب عليه خسائر أكثر من تذاكر الطيران التي اشتراها أعضاء الوفد للمجيء إلى جدة والرياض وتكاليف الإقامة في الفنادق التي سكنوها. فأين هي أوراق الضغط إذاً؟!

ليس هناك أوراق ضغط قوية للأسف. بل مجموعة من الانتقادات والنصائح على غرار ما تحدث عنه صديقنا الملحق التجاري لأحد البلدان الإسلامية.

=================

هل بات التدخل العسكري في سوريا وشيكاً؟

د. محمد عاكف جمال

التاريخ: 15 يونيو 2012

البيان

حين غادر الربيع العربي تونس لم يترك في ساحاتها سوى القليل من بقع الدماء، إلا أن الحال مختلف تماماً في بلاد الشام، فساحاتها قد أغرقت بالدماء وهذا الربيع لمّا يغادرها بعد. خمسة عشر شهراً مضت والوضع في سوريا في تفاقم مستمر، عجز النظام الحاكم خلالها عن حسم الموقف لمصلحته، وعجز المعارضون له كذلك عن إرغامه على الرحيل.

مقابل ذلك فشلت الجهود التي بذلتها الجامعة العربية في وقف نزيف الدم ونزع فتيل الأزمة، ولا يبدو أن هناك فرصة حقيقية أمام كوفي أنان المفوض من قبل الجامعة العربية والأمم المتحدة، للنجاح في مهمته بعد أن تعذر تنفيذ خطته على أرض الواقع. فقد أصبحت هذه المهمة بحكم الميتة، بعد أن رفض النظام القائم عملياً الالتزام بها من جهة، وبعد أن أعلن الطرف المعارض مؤخراً تخليه عنها من جهة أخرى. فما الذي سيجري بعد ذلك؟

النظام السوري في عزلة خانقة عربياً ودولياً، محاصر سياسياً ودبلوماسياً واقتصادياً، وتشير مسارات الأحداث إلى أن ساعة الحسم قد لا تكون بعيدة، خاصة بعد أن وفرت الجامعة العربية غطاء شرعياً لذلك، حين طالب المجلس الوزاري لها في اجتماعه الذي عقد في الدوحة في الثاني من يونيو الجاري، مجلس الأمن الدولي بتطبيق خطة كوفي أنان عبر اعتماد الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، وهو ما تحفظت عليه كل من العراق والجزائر ولبنان.

وهذه دعوة صريحة لنزع الشرعية عن النظام القائم في سوريا ووضعه، كما وضع العراق عام 1991، تحت تصرف الأمم المتحدة. صحيح أن طلب المجلس هذا يخلو من الإشارة الصريحة لوجوب اللجوء لخيار القوة للتعامل معه، إلا أن هذا الخيار منصوص عليه ضمنياً في الفصل السابع نفسه. فالمادة 42 الواردة ضمن هذا الفصل، تنص صراحة على جواز استخدام "القوات الجوية والبحرية والبرية وما يلزم من الأعمال لحفظ السلم والأمن الدولي أو لإعادته إلى نصابه".

فهل سنشهد تدخلاً عسكرياً قريباً لإرغام نظام الرئيس الأسد على الرحيل؟ أم سيُترك الشعب السوري لمصير يقرره التناحر القائم الذي بدأ يتخذ منحى خطيراً غير مسبوق في مستوى التوحش، ينذر بانهيار شامل كما ورد في التحذير الذي أطلقه المندوب الأممي كوفي عنان؟

فخطورة الصراع القائم واحتمال تحوله إلى حرب أهلية شاملة، قد لا تتمكن الحدود الجغرافية لسوريا من منع تسللها وانتقالها إلى بقية أرجاء منطقة الشرق الأوسط الحبلى بالتشنجات، يضع القوى العظمى أمام اختبار حقيقي للمبادئ التي تنادي بها. ففي الوقت الذي تصر فيه موسكو على موقفها الرافض لأي تدخل عسكري وتؤكد رغبتها القيام بكل ما بوسعها لتجنب نشوب حرب أهلية شاملة في سوريا، ترى واشنطن أن فرص نشوب هذه الحرب ستكون أكبر إذا لم يتحرك العالم ويحسم الصراع.

لقد اعتدنا سماع تصريحات مسؤولين غربيين كبار، عسكريين ومدنيين، بأن الناتو ليست لديه خطط للتدخل العسكري في سوريا، بل سمعنا أن مبدأ التدخل العسكري في سوريا مرفوض أصلاً. ولكن عالم السياسة يخلو من الثوابت، ويبقى الغرب، وعلى رأسه الولايات المتحدة، القوة الفاعلة التي ستقرر مسار الصراع في سوريا ومصيره وفق موازنات الربح والخسارة، وليس غير، على الأمدين القريب والبعيد. فهناك تصاعد في حدة الموقف الغربي تجاه النظام الحاكم في سوريا، وتغير في لهجة التصريحات التي تصدر عن المسؤولين الغربيين مع استمرار تدهور الأوضاع في سوريا.

المؤشرات عن قرب التدخل العسكري الخارجي لحسم الموقف ضد النظام، يمكن قراءتها من خلال الأحداث التي سبقت توصية المجلس الوزاري هذه، فقد طرد معظم الدول الغربية السفراء السوريين من عواصمها، دافعة بالعلاقات مع دمشق ونظامها القائم إلى نقطة اللاعودة، أعقبتها تصريحات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الأخيرة بأن بقاء الرئيس الأسد ليس من الثوابت في موقف روسيا من الأزمة، في مؤشر هام عن بداية تغير في موقف روسيا، التي دعمت النظام السوري وحمته بالتنسيق مع الصين منذ بدء الأزمة.

أما على مستوى تصريحات المسؤولين الأميركيين، فيستوقفنا ما صرحت به سوزان رايس سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، في الحادي والثلاثين من مايو المنصرم: "إن القيام بعمل عسكري دون تفويض من الأمم المتحدة، قد يكون ضرورياً إذا لم يتفق مجلس الأمن الدولي على إجراءات سريعة لحمل سوريا على إنهاء حملتها على المعارضة". ثم تصريح ليون بانيتا وزير الدفاع الأميركي بعد يوم واحد من تصريح رايس بأن بلاده "مستعدة لأي عمل عسكري في سوريا قد يكون ضرورياً، لكنها لا تزال تركز على مزيد من الضغوط على نظام الرئيس بشار الأسد".

وأضاف بانيتا أن "العمل العسكري يجب أن يحظى بموافقة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة"، مما ترك المتابعين للشأن السوري في حيرة أمام هذه الإشارات غير المتناغمة، التي تصدر عن مسؤولين كبار في الإدارة الأميركية.

ومما يعزز الرأي بأن الغرب، وخاصة الولايات المتحدة، يقف في صالح خيار إقصاء النظام السوري، أن هذا النظام يعتبر من العوائق أمام عملية التغيير التي تبشر بها الولايات المتحدة في المنطقة، إلا أن مما يثبط من عزيمتها في هذا الصدد ويسم مواقفها بالتردد، هو ما تمخضت عنه الثورات في كل من تونس وليبيا ومصر، ومجيء حكومات لا تتفق في أيديولوجياتها .

وفي أساليب عملها مع النهج الليبرالي الذي تسوقه الولايات المتحدة. ومراعاة لهذه الناحية شديدة الحساسية حرصت المعارضة السورية، رغم ما تؤاخذ عليه من تشرذم يعتبره البعض أحد أسباب غياب الجهد الدولي المؤثر لمؤازرتها، على تقديم أحد الوجوه الليبرالية المقيمة في أوروبا رئيساً لأول مجلس وطني سوري، والتمسك بهذا الحرص في انتخاب وجه ليبرالي آخر من المقيمين في أوروبا مؤخراً خلفا للأول.

ويبقى قرار التدخل العسكري في سوريا خاضعاً، في المرحلة الحالية، لحسابات سياسية أميركية داخلية، تتعلق بمدى تأثيره على فرص الرئيس أوباما للفوز بفترة رئاسية ثانية.

 

=================

مرحلة المجازر المتنقلة في سوريا

غازي دحمان ـ دمشق

المستقبل

15-6-2012

معرة النعمان، درعا البلد، تلبيسه، الرستن، القبير، الحفة، الحولة، وقبلها، اللطامنة وكرم الزيتون وجورة الشياح وبابا عمرو، أسماء لمناطق سورية دفعت ثمن التحرر من استعمار "دولة" ما بعد الإستعمار، وثمة أسماء جديدة مرشحة إلى دخول قائمة المجازر الطويلة، فقط، العملية تنتظر تطور الحدث السوري ومعرفة توجهاته وطبيعة المواقف الإقليمية والدولية، ومن ثم يصار إلى اختيار عنوان المجزرة القادمة وتحضير مسرح الحدث وإنجاز المهمة .

إنه الخيار الوحيد، والممر الإجباري، الذي يتيحه النظام "الوطني" السوري لجماعاته الوطنية، سواء تلك الباحثة عن سبل الخلاص من استعمار محلي أغلق في وجهها كل طرق التغيير، وبالتالي أبواب المستقبل، أو تلك التي ربطها بوجوده ربطاً عضوياً لا انفكاك منه، وبالتالي لا مستقبل من دونه. هي إذاً معركة حياة أو موت، وفي هذا الفضاء الدامي يرتسم مستقبل السوريين الذي يحدده بدرجة كبيرة سياق دفاعهم عن وجودهم، كل حسب رؤيته للمخاطر والفرص التي تتيحها هذه اللحظة القاسية والمفصلية من تاريخ الصراع، حيث لا هوامش للحوار او لأي شكل تعبيري آخر سوى القوة النابعة من الإحساس الغريزي للجماعة "للجماعات"، باستثناء ذلك، كل الأمور، بما فيها المبادرات والافكار والأطروحات، هي مجرد أشياء ذات حواف حادة، لا داعي لتجريبها، إما لخطورة ملامستها، بما تتضمنه من إمكانية المساس بمصالح ومزايا "الجماعة"، أو بما تحمله من إهانة لعزيمة "الجماعة" في حربها المقدسة .

ماذا يعني ذلك؟ هل يعني ان الجماعات السورية ما زالت تشعر بأنه ما زال لديها الفائض من عدة الحرب وأدواتها، ولديها القدرة على الحسم وإخضاع الطرف الاخر، وأن رصيدها من الإمكانات لم ينفد بعد، وأن ما اختزنته، لهذا اليوم المجيد، ما زال مترعاً ويعد بمزيد من عروض القوة والتحدي؟ إذا كان الأمر كذلك، وهو بالفعل كذلك، فما عسى هذا المشرق المنكوب بمكوناته سوى الأسف على تاريخ مضيَّع بشعارات التكاذب، في حين ظهر أن الشيء الواقعي الوحيد هو تربص هذه المكونات بعضها ببعض .

ما يحدث يبدو خارجاً عن المنطق السياسي الطبيعي، حيث النظام يزيد غرقه في مستنقع الدم السوري ولا يترك منفذاً ولو صغيراً للخروج من هذا الجحيم الذي صنعه وينفخ في أواره، بل ويصدر امر عمليات لتسعير هذا الجحيم، الأمر الذي لا يجد تفسيره سوى بخضوع رأس النظام للقوى المحركة على الأرض وأنه لم يعد لديه القدرة على السيطرة التامة على تصرفاتها، وأنه يخضع لتقديراتها ورؤاها للصراع والحسم، ما يعني أن سورية ستكون في المرحلة القادمة أمام مشهد المجازر المتنقلة، خصوصاً في مناطق التماس الطائفي، حيث تأخذ تفاعلات الأزمة بعداً طائفياً بامتياز يبحث له عن إطار جغرافي ومجالات حيوية وحدود واضحة.

=================

العالم يتصدع بين «غطرسة أوروبا» و«اضمحلال العرب»

توماس فريدمان

السفير

15-6-2012

لسنوات عدة، ناقش خبراء الإستراتيجيات الدولية حقيقة ما إذا كانت تركيا تشكل «جسراً» أم «وادياً» بين أوروبا، ذات الغالبية المسيحية، وبين الشرق الأوسط العربي/ المسلم. وإذا تمّ قبول عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي فستكون جسراً يصل بين هذين العالمين. أما إذا بقيت خارج الفضاء الأوروبي، فستتحول إلى وادٍ يفصل بين العالمين. ولكن في هذه الأيام، يظهر أن تركيا لا هي جسر ولا هي واد. إنها كجزيرة. جزيرة تؤمن نوعاً من الاستقرار النسبي بين نظامين جيو - سياسيين كبيرين: منطقة اليورو التي خرجت إلى الوجود بعد الحرب الباردة، والعالم العربي الذي تشكل بعد الحرب العالمية الأولى.

لقد أصبحت «الجزيرة» التركية واحدة من أفضل الأماكن لمراقبة ما يجري في هذين العالمين. إلى الشرق، هناك الاتحاد النقدي الأوروبي يرزح تحت وطأة الغطرسة غطرسة القادة الذين ذهبوا بعيداً في «تزوير» عملة موحدة من دون تأمين الحكم المشترك لضمان استمراريتها. أما إلى الجنوب، فهناك الجامعة العربية التي تتداعى تحت وطأة الاضمحلال اضمحلال القادة الذين لم يصلوا البتة إلى مستوى الكفاءة في الإدارة والتعليم المعاصر المطلوبيْن للولوج إلى عصر العولمة.

الأوروبيون فشلوا في بناء أوروبا. السوريون فشلوا في بناء سوريا، والمصريون في بناء مصر، والليبيون في بناء ليبيا، واليمنيون في بناء اليمن. وتصبح هذه المشاكل أكبر، لأن لا احد يعرف كيف ستعود إلى الطريق الصحيح مجدداً.

بأسلوب آخر، ومع فشل المشروع الجماعي انزلقت أوروبا في دائرة الفردية، في المقابل، مع فشل المشروع الوطني في العالم العربي انزلق الأخير نحو الطائفية والقبلية والمناطقية والعشائرية. وهكذا، بات لدى الاتحاد الأوروبي اليوم عدد من المواطنين من دون وجود لدولة جامعة، حيث الكل فيها مستعد للتنازل عن المصلحة الاقتصادية من أجل الصالح العام، في وقت يضم العالم العربي مجموعة من البلدان مقابل وجود قلة من المواطنين. ومع القليل من الأمانة، لا بدّ من القول إن هناك الكثير من الثوار الشباب، ممن يطمحون ليصبحوا في خانة المواطنين، بما يؤمنه ذلك لهم من حقوق وواجبات، ولكن ليس واضحاً ما إذا كان لديهم القيادات المتعلمة اللازمة لصياغة الهويات السياسية الحديثة.

سؤال واحد سيحتار حوله علماء التاريخ وهو: لماذا يتصدع أعظم نظامين جيو سياسيين في الآن ذاته؟ الجواب، كما أعتقد، هو ثورة تكنولوجيا المعلومات التي جعلت العالم ينتقل من حالة «التواصل» إلى حالة «الإفراط في التواصل». ففي العالم العربي، تمكن الشباب، عبر وسائل الاتصال، من التعاون والتنسيق لتكسير دعامات دولهم المتحجرة.

أما في أوروبا، فلم تسمح وسائل الاتصال في كشف حجم التباين بين دول الاتحاد فحسب، بل جعلتها مترابطة بطريقة مميتة، فعندما تصبح دول لديها هذا الحجم من الاختلافات مترابطة إلى هذا الحدّ، وعندما تكون الفروقات الأخلاقية شاسعة بين هذه الدول، فيما تتشارك في العملة فقط، ينتهي الأمر بأن يتحكم مثلا المدّخرون الألمان بالعمال اليونانيين بهذه الطريقة البشعة.

ونحن؟ في الواقع، يساعد النظام الفيدرالي الأميركي المرن على التعامل مع هذه الحالة من الإفراط في التواصل، ولكننا قد لا نكون»سوى أنظف قميص بين القمصان المتسخة».

توماس فريدمان

ترجمة: هيفاء زعيتر

=================

المؤتمر الروسي لماذا؟!

راجح الخوري

2012-06-15

النهار

لنقرأ جيداً كلام سيرغي لافروف وهو يشرح الغاية من الدعوة الى عقد مؤتمر دولي لتسوية الازمة السورية: "فكرتنا هي دعوة جميع اللاعبين الرئيسيين الى عقد مؤتمر دولي. في حال انعقاده يلتحق الجانب السوري في ما بعد. ومن المتوقع مشاركة 15 دولة، عليها جميعها تأكيد تأييدها لخطة انان وتنفيذها عن طريق استخدام كل لاعب دولي نفوذه مع الجهة السورية التي يمكن ان يؤثر عليها وإجبار جميع السوريين على ايقاف العنف كما هو منصوص عليه في بنود خطة انان السلمية وقرار مجلس الامن".

مثير جداً ان تدعو موسكو الى مؤتمر دولي للضغط على اطراف المعارضة السورية في حين لم يعد الضغط ينفع اولاً بسبب طوفان الدم المتصاعد بوتيرة مرعبة، وثانياً بعدما اتسعت رقعة الدمار والتهجير وغطت حرائق المواجهات المسلحة معظم الاراضي السورية، بينما كان في وسعها ان تختصر طريق الجلجلة والمآسي قبل اشهر بالضغط على النظام السوري كي يستجيب البند الاول في خطة كوفي انان.

وقد يكون من الضروي التذكير بأن مبادرة انان كانت نتيجة اجماع عربي ودولي في مجلس الامن، قد لا يتوافر في الظروف الحالية للمؤتمر المقترح، وخصوصاً عندما تصر موسكو على دعوة ايران، التي تعلن نفسها فريقاً الى جانب النظام يقف في "اعلى درجات الجاهزية للرد على أي ضربة خاطفة قد تستهدف النظام" وهو ما سمعه لافروف في طهران!

واذا كان الاجماع الدولي على تأييد مبادرة انان، لم يقنع الاسد بوقف النار قبل القضاء على ما يسميه "العصابات الارهابية"، فهل تظن موسكو ان المؤتمر الذي تدعو اليه يمكنه ان يعيد الامور الى المربع الاول، بعدما تحولت سوريا مسرحاً لصراع بين الحسابات والمصالح الاقليمية والدولية؟

لا تغالي المعارضة السورية عندما تعتبر ان الغاية الروسية من الدعوة الى المؤتمر هي شراء المزيد من الوقت للنظام لكي يحاول استعادة سيطرته على بعض المناطق التي فقد السيطرة عليها وفقاً لكلام ايرفيه لادسوس. وما يدعو الى الاستغراب ان لافروف يريد اقفال الابواب على كل المؤتمرات الاخرى، في حين انه كان في وسع موسكو ان تختصر الطريق منذ اشهر بممارسة ما يكفي من الضغط على النظام كي ينفذ التزامه المعلن لخطة انان بما يؤدي فعلاً الى فتح الطريق امام حل سياسي يحفظ مصالح موسكو الحيوية في سوريا، وهي المصالح التي قد تتعرض للأذى في العالمين العربي والاسلامي نتيجة الانحياز السافر الى جانب الاسد وقد وصل الى درجة تزويده طائرات هليكوبتر هجومية وقت يرى العالم صور هذه الطائرات تدك بيوت السوريين!

المسخرة ان موسكو تريد ان تتفق دول الاقليم والعالم على سوريا قبل ان يتفق السوريون على سوريا في وقت تتأجج الحرب الاهلية على انغام السياسة الروسية!

=================

مصلحة إسرائيل استنزاف سوريا

رندى حيدر

2012-06-15

النهار

مهما بالغت إسرائيل في وصف قلقها من انعكاسات تدهور الأوضاع في سوريا عليها، وفي الحديث عن خوفها من انتقال الأسلحة السورية المتطورة ولا سيما منها الكيميائية إلى أيدي التنظيمات الإسلامية الراديكالية أو الى "حزب الله"، فإن هذا لا يقلل أهمية الفائدة التي تجنيها من استمرار الوضع المأزوم في سوريا طويلا.

إن الصراع الدموي الدائر اليوم في سوريا يصب في أكثر من مصلحة إسرائيلية. فالحرب الأهلية الدائرة هناك، ما لم تنتقل الى المناطق المتاخمة لحدودها وتزعزع الهدوء، تستنزف الجيش السوري النظامي وأجهزته الأمنية وتكشف نقاط ضعف هذا الجيش في المواجهات الدائرة، ولا يخفى ما في ذلك من خدمة لإسرائيل. كما أن الاهتمام العربي والدولي بما يجري في سوريا انعكس سلباً على الموضوع الفلسطيني، وحرّر إسرائيل من أي ضغوط سياسية دولية لمعاودة المفاوضات السياسية مع الفلسطينيين، وأطلق يد الائتلاف الحكومي لتطبيق سياسته الاستيطانية دونما حسيب أو رقيب.

وأيا تكن المخاوف الإسرائيلية من سقوط نظام الأسد وحلول حكم إسلامي سني متشدد محله قد يطالب باسترجاع الجولان المحتل، فإن إسرائيل تدرك جيداً أن سوريا ما بعد الأسد في حاجة الى وقت كي تعيد بناء الحكم والمؤسسات والمجتمع السوري، وكي تتخطى النتائج المدمرة للحرب الأهلية، وكل ذلك سيمنحها الوقت الكافي لاعداد نفسها للمرحلة الجديدة.

وعلى نقيض ما صرح ويصرح به المسؤولون، فإن إسرائيل غير مستعجلة لسقوط بشار الأسد، على رغم اقتناعها بأن أي تسوية سياسية ستؤدي حتماً الى تنحيته عن الحكم، لكنها في هذه الأثناء لا تمانع في أن يستمر الوضع على ما هو طويلا، لأن ذلك سيضعف الأسد مع ابقائه عنواناً سياسياً للتعامل معه. بعض المعلقين الإسرائيليين من أمثال إسحق ليؤر في صحيفة "هآرتس" رأى أن التلكؤ الأميركي في التدخل لحسم الأمور في سوريا هو من أجل إسرائيل لأن تفكك سوريا سينعكس سلباً عليها.

لقد أدركت إسرائيل جيداً أن لا تأثير لها في "الربيع العربي" الذي فاجأها مثلما فاجأ كثيرين، لكنها تتعامل مع الأمور وفقا لما يخدم مصالحها. فإذا كانت الحرب الأهلية في سوريا تخدم مصلحة إسرائيل، فإن تحول الأزمة السورية صراعا بين روسيا والغرب ولا سيما منه الولايات المتحدة يمكن أن توظفه إسرائيل في خدمة مصالحها الاستراتيجية في المنطقة، خصوصا أنها على علاقة جيدة مع الأميركيين ومع الروس معاً.

الأكيد أن إسرائيل لا ترغب في تحول سوريا دولة فاشلة أخرى على حدودها مثل العراق ولبنان.

=================

سيناريوهات لرحيل الرئيس السوري

2012-06-14

القدس العربي 

لم تكن خطة المبعوث الأممي والعربي كوفي عنان منذ نشأتها تقدم للشعب السوري أو تجعل له فسحة أمل في الحرية والانعتاق من ربقة الطاغية بشار، رغم أنها وجدت لها تأييدا أمميا وعربيا وأوروبيا بالإضافة للموافقة السورية والروسية والصينية، ذلك أن هذه الخطة القائمة على نقاط ستة، إنما كان يروم من خلالها النظام البعثي الأسدي ربح حيز من الوقت للمناورة والالتفاف على المطالب الشعبية عبر إجراءات شكلية، وكان هذا الأمر واضحا وجليا من خلال المبادرة العربية السابقة المكونة من خمس نقط وأسلوب النظام السوري في التعامل معها، ذلك أن النظام البعثي اختزل هذه الاتفاقية والخطة العربية لجامعة الدول العربية في قضية المراقبين. وفي خطة كوفي عنان استطاع النظام كذلك أن يحول الأنظار كلها صوب نقطة وحيدة وهي المراقبين الدوليين وعددهم وتحركاتهم وعملهم وبقيت النقاط الأخرى حبرا على ورق.

زد على ذلك أن الإسراف الذي حصل من شبيحة الأسد وأجهزته الأمنية والعسكرية في التقتيل والتنكيل دفع إلى تكوين مجموعات مسلحة ثورية إلى جانب الجيش السوري الحر، والتي تعمل بشكل مستقل الواحدة عن الأخرى دون أن يكون لها مركز قيادة موحدة، مما يجعل الالتزام باتفاقية التهدئة من الطرفين غير قابل للتطبيق.

الجيش السوري الحر من جانبه، بالإضافة إلى الوحدات العسكرية المستقلة والثوار، وبعد حصولهم على الدعم اللوجستيكي، لن يرغب في تفويت الفرصة للتخلص من نظام متجبر وحشي خصوصا وأن سمعة النظام السوري ونكاياته السابقة وعدم التزامه ومراوغاته ومماطلاته، دوافعٌ تجعل من المخاطرة السياسية بالدخول في مفاوضات رميا بالأنفس إلى التهلكة.

الربيع العربي وسقوط أنظمة عاتية كنظام القذافي وبنعلي ومبارك وعزل علي عبدالله صالح، تبقى الدافع النفسي والواقعي الكبير الذي يحرك الثوار بمختلف توجهاتهم إلى ضرورة مواصلة الثورة حتى إسقاط النظام البعثي وتحرير بلاد الشام من نظام حكم لأزيد من 42 سنة بقبضة من حديد أهلك فيها البلاد والعباد حتى وإن كان الثمن باهظا.

النظام السوري ورئيسه الأسد أضحى يدرك بجلاء أن قضية عزله باتت وشيكة، وأن مصيره إما الهرب كما فعل صالح أو المحاكمة كما فُعل بمبارك أو القتل كمصير القذافي، وهو في إدراكه هذا يستند إلى مجموعة من المعطيات أولها فشل أسلوب المناورة لديه، والتي لم تستطع خلال هذه المدة الكبيرة أن تدفع بالثوار أو المجلس الوطني إلى فتح قناة للتحاور والتواصل رغم الضربات القوية التي وجهها النظام الأمني والعسكري للمدنيين في المجازر الرهيبة والتي كان آخرها مجزرتي بلدة الحولة وقرية القبير، فرغم محاولاته عبر الاستفتاء والانتخابات الشكلية التي روج لها وأعطى نسبا عالية في نجاحها، لم يستطع أن يهدئ الشارع السوري ولا أن يحد من تفاقم الاحتجاجات والإضرابات والمسيرات، والتي تزداد مع كل شهيد يسقط أو بلدة تحرق.

ثم ثانيها تفاقم التحالف الدولي المتجه نحو عزل النظام الأسدي عبر تكثيف الاتصال الأممي والأوروبي والأمريكي والتركي لإيجاد حل سريع للأزمة السورية وعلى رأسها عزل بشار وهو الموقف الذي تبناه الأمين العام للأمم المتحدة مؤخرا عبر تأكيده بأن نظام الأسد لم يعد شرعيا، وكذا الموقف الأمريكي الذي أكدته وزيرة الخارجية كلينتون خلال لقائها مع وزير الخارجية التركي.

ثالثها الرفض الكبير الذي صار يعانيه من دول الخليج والتي لوح بعضها بضرورة سقوط نظام الأسد، ولوح آخرون بالمساندة المسلحة العلنية للثوار، وكذا عدم الثقة بين الجامعة العربية والنظام السوري خصوصا عندما رفض نظام بشار تواجد أعضاء وممثلين للجامعة العربية في لجنة كوفي عنان الشيء الذي سيزيد من حدة الاحتقان مع الدول العربية والتي نددت في مجملها بالمجازر الأخيرة.

الحرج الكبير الذي أضحت تجده القوة الداعمة الروسية، فرغم حرصها على حليفها الاستراتيجي الذي يعتبر أكبر مستورد للأسلحة الروسية، والذي يملك أكبر قاعدة عسكرية روسية، لن تستطيع الاستمرار في التغطية على نظام الأسد خصوصا مع ارتفاع وتيرة المجازر والتي خلفت مجموعة من الشهداء في الأطفال والنساء والمسنين، حيث ستعمد هذه الأخيرة إلى قبول الحل بالانتقال السلمي للسلطة ودعوة بشار الأسد إلى مغادرة البلاد صوب روسيا خصوصا مع ما رجح من أنباء في الصحف الدولية على أن الأسد قد قام بتهريب مليارات إلى دولة روسيا الحليفة، وإن كان الخبر صحيحا فهذا يعني أن الأسد صار يبحث عن ملجأ للهروب، ومما يزيد الأمر بيانا وإيضاحا هو تزايد عمليات القتل، حيث يريد دفع الثوار بقبول مغادرته البلاد دون محاكمة أو محاسبة، كما يظهر من خلال الموقف الروسي الذي 'بدأ يتغير بشكل تدريجي ، وسمعنا ميخائيل بوجدانوف نائب لافروف يؤكد أن موسكو ستقبل انتقال السلطة في سورية على غرار ما حدث في اليمن، إذا قرر الشعب السوري ذلك، وهو تصريح فسره مراقبون على أن الكرملين ينأى بنفسه عن الرئيس الأسد' وهو التوجه الذي ينحو نحوه الموقف الأممي والأوروبي والأمريكي الذي يسعى إلى دفع روسيا للضغط على بشار بقبول حلحلة سياسية تتوج بمغادرة بشار .

الوجهة الأخرى المحتملة هي الحليف الإيراني الذي سبق ودعا الرئيس السوري للمغادرة صوب طهران والتي تمثل دعما سياسيا وعسكريا وبشريا من خلال أدرع بشرية لها في الساحة والميدان السوري.

ويبقى السيناريو الأكثر ترجيحا هو أن يفر الأسد من مسرح الثورة السورية إلى مسرح البؤرة الروسية في انتظار متابعات قضائية تكشفها الأيام القابلة لتتوج ثورة الربيع العربي بسقوط طاغية من طغاة العرب.

عبدالهادي عطراوي - المغرب

=================

العلمانية والليبرالية في سوريا

عدي الزعبي

2012-06-14

القدس العربي

الاعتراف بالمشكلة يشكّل الخطوة الأولى لمحاولة حلّها. يرى الكاتب السوري ياسين الحاج صالح أن المثقفين السوريين يتوزعون بين أهل العفة وأهل الإباحة. يتناول أهل الإباحة الطوائف كمعطى سياسي ثابت، في حين ينفر أهل العفة من التكلم عن الطائفية. يعتقد ياسين أن معالجة مشكلة الطائفية يجب أن تتجاوز الاثنين. هنا محاولة أولى لمعالجة هذه المشكلة.

أولاً، في كون الطائفية مشكلة. حين نقول أن الطائفية مشكلة، نعني أمرين. أولاً، مشكلة سياسية، بمعنى أن يقوم النظام السياسي باستغلال الطوائف لأغراض سياسية. رأينا هذا الاستغلال في سوريا، حيث يقوم النظام بتخويف الأقليات الدينية من الأكثرية. أو أن يتم بناء النظام السياسي بأكمله على أسس طائفية، كما هو الحال في العراق ولبنان. بهذا المعنى، يقوم النظام السياسي بنزع صفة المواطنة عن المواطنين وتحويلهم إلى أبناء طوائف، إلى طائفيين. الحل يكون بتأكيد المواطنة. النظام السياسي غير معني بالطائفة التي يتنمي إليها المواطن. لا يجب أن تتحول الطوائف إلى كيانات سياسية، كما هو الحال في لبنان والعراق، أو أن تستخدم في السياسة، كما هو حاصل في سوريا.

هذا الحل يختلف عن استخدام أهل الإباحة للطائفية، بمعنى أنه لا ينظر للطوائف ككيانات سياسية. البعض يعتقد أن الطوائف معطى ثابت، وأنها سياسية في الجوهر. أي أننا حين نعترف بالمشكلة الطائفية، فيجب أن نقبل بوجود الطوائف ككيانات سياسية. هذه مقولة أهل الإباحة. أما نحن، فحين نقول أن الطائفية مشكلة سياسية، فنحن ندعو إلى تجاوزها عن طريق المواطنة، وليس إلى القبول بها.

في المقابل، يرى أهل العفة أن مجرّد الاعتراف بالمشكلة الطائفية هو الوقوع في فخّها. هذه هي مقولة معظم العلمانيين السوريين. يتبع ذلك القول بالمواطنة مع الترفّع عن الخوض بالمشكلة الطائفية. أكثر من ذلك، يتم النظر إلى الطوائف بحد ذاتها كمشكلة، وليس إلى الاستخدام السياسي للطوائف. يرى أهل العفة أن مشكلة الأصولية السنية تنبع من جوهر ثابت. هكذا يشترك أصحاب هذا الموقف مع أهل الإباحة في النظر إلى الطوائف ككيانات سياسية. في حين يرى أهل الإباحة القبول بها، يعتقد أهل العفة أن العمل على علمنة السنة هو الحل. وهم يتماهون مع دعاية النظام السوري في التخويف من الأصولية السنية. هنا يكمن الوجه الآخر للمشكلة. معالجة المشكلة الطائفية يجب أن تنطلق من النظر إليها كمشكلة سياسية، وليس كمشكلة إيمان ديني. لا يوجد معطى ثابت في المشكلة الطائفية يؤكد أن الطوائف هي كيانات سياسية. من هنا، نختلف مع أهل العفة في النظر إلى المواطنة. ليس المطلوب علمنة السنة، أو الطوائف ككل، للوصول إلى المواطنة. المطلوب الاعتراف بالمشكلة الطائفية، ومعالجتها كمشكلة سياسية.

الاختلاف مع العلمانيين السوريين ينطلق من اختلاف أساسي في فهم الطائفية والعلمانية. الإيمان الديني يجب أن يكون خارج نطاق السياسة. وهذا التخارج يكون على مستويين. أولاً، أن لا تعامل الدولة الأفراد أو الجماعات الدينية ككيانات سياسية تعكس إيمانهم الديني. ثانياً، ليست مهمة الدولة أن تفرض على المواطنين أي قيود فيما يتعلّق بإيمانهم الديني. المستوى الثاني هو المستوى الذي نختلف فيه مع العلمانيين السوريين. المقصود أننا حين نقول بالمواطنة، نريد أن نكفل للمواطنين حقهم الكامل في ممارسة شعائرهم الدينية. لا يوجد أي تبرير للتخوّف من الطوائف، طالما لم تتحوّل إلى كيانات سياسية. سوريا، من الناحية الدينية، تتكوّن من طوائف وأديان ومختلفة. الاعتراف بالطوائف والأديان المختلفة، لا يعني القبول بالطوائف ككيانات سياسية. العلمانية بهذا المعنى الذي ندعو إليه هنا تتخذ شكلاً ليبرالياً. الشكل الآخر من العلمانية هو الذي يضعها في مواجهة مع الدين. علمانية الاتحاد السوفييتي نموذجاً. في حين أن العلمانية بشكلها الليبرالي حيادية فيما يتعلق بالدين.

الليبرالية المُشار إليها ليست اقتصادية، بل سياسية وفلسفية. بالمعنى السياسي، تكفل الليبرالية للمواطنين حرية الاعتقاد الديني، بمعزل عن السياسة. لا يوجد أكثريات وأقليات دينية في الليبرالية. ممارسة الشعائر الدينية، أو كون المرء لا-أدرياً أو لا دينياً أو ملحداً، هو شأن شخصي بالكامل. بالمعنى الفلسفي، السؤال حول الدين الذي يتبعه الفرد سؤال مفتوح للجميع، والإجابة التي يختارها الفرد ليست نهائية أو مُلزمة لبقية الأفراد. كان لبعض الفلاسفة رأي تاريخاني في الظاهرة الدينية. هيغل وماركس واوغست كومت رأوا بأن الظاهرة الدينية تنتمي إلى عصر تاريخي محدد، وان التقدم العلمي والفكري سيحل بشكل ما محل الظاهرة الدينية. في المقابل، رأى إمانويل كنط أنّ الظاهرة الدينية لا تحتمل إجابة نهائية، بل إيمان فردي لا مكان لنقضه أو لإثباته. ليس المطلوب من الليبراليين الوقوف مع أحد هذين الطرفين. بل المطلوب هو إبقاء السؤال مفتوحاً. ليست مهمة الدولة أن تتبنّى موقف فلسفي. مهمة الدولة أن تكفل للأطراف المختلفة حق النقاش والاختلاف والبحث. استلهم العلمانيون العرب هيغل وماركس في مقارباتهم. في حين كان لليبرالية موقف مختلف. حتى لو كانت تحليلات هيغل وماركس صحيحة وهو ما أراه - لا يجوز أن تتبنّى الدولة رؤية دينية أو لا- دينية. الحياد، بمعنى تشجيع الأطراف المختلفة على التفكير والنقاش هو الموقف الليبرالي الفلسفي من الدين. أما ما نراه كليبراليين، سواء كنا مؤمنين أم لم نكن، فهذا جزء من عملية الحوار ذاتها.

كليبراليين، ننظر للمشكلة الطائفية من زاوية سياسية، ونعالجها من زاوية سياسية. المشكلة تكمن في تحويل الطوائف إلى كيانات سياسية. الحل هو بالاعتراف بالطوائف وبحرية العبادة، مع التأكيد على حيادية الدولة فيما يتعلّق بالإيمان الديني. بالطبع، للمشكلة الطائفية في سوريا جذور متنوّعة، تاريخية واقتصادية واجتماعية. لم نتطرّق في هذا المقال لأي منها. هذه محاولة أولى لطرح مشكلة الطائفية كمشكلة سياسية، لا كمشكلة دينية. ليس للطوائف مُعطى سياسي جوهري، كما يرى أهل العــــفة واهل الإباحة. نزع الصفة الســــياسية عن الطوائف يكون بتعميم مفهـــوم المواطنة والحرية الدينية.

المعركة مع النظام الاستبدادي في سوريا تنطلق من محاولة بناء سوريا جديدة خالية من الاستبداد. الحرية الدينية يجب أن تكون حجر أساس، ومعالجة المشكلة الطائفية هي إحدى الأولويات في مواجهة نظام يستخدم الطائفية كدعامة رئيسية في تثبيت حكمه.

' كاتب من سورية يقيم في بريطانيا

=================

السوريون يذبحون بدعم روسي وايراني

صحف عبرية

2012-06-14

القدس العربي

في منتصف الثمانينيات، في ذروة معركة اليسار الاوروبي ضد نصب الصواريخ الامريكية في اوروبا الصراع الذي مولته المخابرات الروسية بدأت منظمات ذات أجندة نسوية تعارض حلاقة المواضع الحميمة لاسباب ايديولوجية بالادعاء بان الصواريخ الامريكية منصوبة على شكل العضو الذكري. وباعتقادهن، هذا تعبير عن العدوان الرجولي وقمع النساء، مؤشر واضح على الامبريالية الرأسمالية. ماذا يجاب على مثل هذا الادعاء الغبي؟ الصواريخ منصوبة بشكل يتبع دينامية الهواء لانه مشكلة تصميم صاروخ في شكل سطحي.

لقد كان اليسار العالمي دوما مصابا بالغباء، بالمزايدة والازدواجية الاخلاقية، وبادعاء الحق. ولهذا فليس مفاجئا الامر أن في سوريا يذبحون الاطفال ولكن في الخارج، وقد فحصت، لا توجد مظاهرات احتجاج. طالما لا يدور الحديث عن اسرائيل أو عن أمريكا، بمعنى الشيطان الصغير والشيطان الكبير، فان اليسار الانساني الكبير يملأ فمه ماء. مركز المشكلة هو في حقيقة أنه سيطر على التفكير الغربي خطاب ما بعد الحداثة أشوه. نهج مزايد ديماغوجي يدعي الحق يسيطر عمليا على البحث التاريخي، علم الاجتماع وعلم الانسان.

الفكرة الشوهاء، التي بموجبها كل مشاكل العالم الثالث وكل اخفاقاته هي ثمرة الامبريالية والاستعمار الغربي، تعود الى البروفيسور ادوارد سعيد. مذهبه الفكري، او من الاصح القول الدعائي يقدم شرعية اكاديمية بحثية لمرض البكائية العضال الذي يدعي الضحية. اما عمليا، فمنذ سعيد لم يعد ممكنا التصدير للمسائل بشكل موضوعي او حتى محاولة التصدي لها، الا انطلاقا من زاوية نظر تفترض مسبقا ذنب الغرب.

كل نقاش لا يلعب بالكليشيهات يحصل على لقب العنصري، الفاشي والمتخلف. في دوائر المجتمع والادب في الاكاديميا تغتصب الحقيقة التاريخية بشكل وحشي. ولكن الاخطر من ذلك، في المجتمعات موضع البحث، تلك التي تحتاج الى التغيير الحقيقي والحل العام، لا يوجد فحص عميق للمشاكل البنيوية، لا يوجد انتقاد ذاتي بل فقط استخدام للذرائع الديماغوجية لتفسير ضعفها. وهكذا تتعزز أنظمة فظيعة وتشويهات اجتماعية، ولكن الاساس أن الجميع يعرفون من هو الشيطان الكبير ومن هو الشيطان الصغير. من الصعب التوقع من خطاب اليسار في الغرب لاي قدر مهما كان متواضعا من الاستقامة والصدق.

وعليه، مع كل الاسف العميق على المصيبة الانسانية في سوريا والتي تتضمن ضمن امور اخرى ذبح اطفال صغار واغتصاب طفلات على ايدي جنود، يوجد أيضا جانب منير فيها. ليس لاسرائيل دور في المعادلة. ولا لامريكا. العرب يذبحون العرب باسناد ايراني وروسي. وعليه فان هذه لحظة اختبار لليسار ولليبرالية الغربية. لحظة الحقيقة بالنسبة للانسانية غير الملتزمة بالوطنية الفلسطينية ومناهضة اسرائيل الشريرة. حتى هنا، متنورو الغرب لا ينجحون في الاختبار نجاحا زائدا.

 

معاريف 14/6/2012

================

لن تستطيع موسكو الاستمرار في المكابرة أو التحايل

الجمعة ١٥ يونيو ٢٠١٢

راغدة درغان

الحياة

الأرجح أن يستمر التصعيد التفاوضي العلني بين روسيا والولايات المتحدة حتى انعقاد قمة العشرين مطلع الأسبوع المقبل في المكسيك، حيث سيجتمع الرئيس الأميركي باراك أوباما لأول مرة بالرئيس السوري مجدداً فلاديمير بوتين ليبحثا في مجمل العلاقة الثنائية وأبعادها الإقليمية وعلى رأسها سورية وإيران. عندئذ سيتوضح ان كانت واشنطن وموسكو متفاهمتين على عناصر «الصفقة الكبرى» Grand Bargain ومعالم النظام الإقليمي الجديد، أو ان كانت الخلافات جذرية لدرجة المواجهة. فإذا كانت النتيجة دفن الأمل بحلول سلمية في سورية وبتعاون إيراني في الملف النووي – وكلاهما برعاية روسية – عندئذ الأرجح أن تسير مجموعة من الدول العربية والغربية نحو «البوسَنة» في سورية وليس نحو تطبيق النموذج الليبي. ذلك ان حلف شمال الأطلسي (الناتو) لن يتدخل عسكرياً في سورية على نسق قصفه ليبيا لإسقاط حكم معمر القذافي هناك، كما ان مجلس الأمن لن يصدر قراراً يعطي صلاحية مماثلة نظراً للفيتو الروسية والصينية التي تتربص بمثل هذا القرار. فلا «ليبلة» في سورية على الإطلاق. «الأفغنة» تبدو اليوم واردة أكثر فأكثر بكل ما يحمله ذلك من حروب استنزاف وصراع قوى إقليمية ودولية في الساحة السورية. أما «البَوْسَنة» فإنه الخيار الأقل إطالة للمأساة الإنسانية من «الأََفْغَنَة» لأن ذلك النموذج ينطوي على تعاضد مجموعة دول في شراكة لا تنتظر مباركة مجلس الأمن كي لا تقع رهينة الفيتو الروسي – الصيني لتقوم بفرض مناطق وممرات آمنة لمد المعونة العسكرية الى المعارضة السورية بما في ذلك عمليات جوية. كل هذا وارد إذا ما فشلت محادثات أوباما – بوتين في تكريس التفاهمات باتفاق شامل بينهما. هذا الاحتمال ما زال قائماً وليس مستبعداً بالرغم من التصعيد في التصريحات العلنية.

وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، يبدو ناطقاً عنيفاً باسم السياسة الخارجية الروسية إلا أنه أيضاً ديبلوماسي محترف يفهم معنى التوقيت في عقد الصفقات الكبرى بين الدول. زيارته هذا الأسبوع الى طهران ليست بالضرورة زيارة تنسيق للتصعيد والمواجهة مع الولايات المتحدة، بل لربما العكس. الأرجح انها زيارة تمهيد للاختراق إذا ما تشبثت القيادة الإيرانية ورفضت قطعاً التنازل عن أمرين رئيسيين هما: التمسك القاطع باستمرار النظام الحاكم في دمشق ورفض مغادرته السلطة بنموذج «الحل اليمني» القائم على موافقة الرئيس السوري بشار الأسد تسليم زمام السلطة، والتمسك القاطع برفض تجميد أو إيقاف تخصيب اليورانيوم بنسبة تمكن طهران من امتلاك قدرات تصنيع القنبلة النووية متى تشاء.

تكرار سيرغي لافروف ان روسيا ليست متمسكة باستمرارية النظام في دمشق حتى في خضم سجاله مع نظيرته الأميركية هيلاري كلينتون له دلالات مهمة. فروسيا أوضحت لأكثر من معني بالملف السوري انها راغبة في صيغة «الحل اليمني» في سورية وهي عازمة في الوقت ذاته على أن تكون عرّاب البديل كي لا يخطر على بال أحد انها مستعدة للتخلي عن موقع قدم رئيس لها في منطقة الشرق الأوسط. وفلاديمير بوتين أرسل مبعوثين لإبلاغ هذا الأمر الى أكثر من عاصمة كما انه فاوض على مواعيد للعملية الانتقالية السياسية في دمشق وعلى كيفية مغادرة بشار الأسد للسلطة بحماية وبصيغ إنقاذ ماء الوجه.

وعليه، ان الخلاف بين موسكو وطهران خلاف جذري في مسألة ديمومة النظام في دمشق: موسكو تود إيجاد صيغة فيما طهران تعارض قطعاً سيناريو تغيير النظام بأي صيغة إخراج.

ثانياً، موسكو تتفق مع مجموعة «5+1» على رفض امتلاك الجمهورية الإسلامية الإيرانية القنبلة النووية. قد تعارض موسكو وسائل منع طهران من اجتياز القدرات النووية، سيما العسكرية منها، لكنها لا تبارك ما تريد طهران. وبالتالي، ان الخلاف قائم في هذا الصدد إذا ما عاندت طهران وأصرت على المواجهة.

وكما موسكو ليست بصدد تدمير علاقاتها الثنائية مع واشنطن كذلك ان طهران راغبة في إصلاح علاقاتها مع واشنطن. كلاهما يريد علاقات ثنائية مميزة. طهران راغبة بعلاقات ثنائية مباشرة مع واشنطن وهذا من أولويات قائمة ماذا تريد الجمهورية الإسلامية الإيرانية. أما موسكو فإنها مهما ضعفت ثقتها بواشنطن، ومهما احتجت على سياساتها، ومهما اعترى العلاقة من تصعيد، فإن العلاقات الأميركية – الروسية تبقى في طليعة أولويات فلاديمير بوتين سيما وان ما يريده بوتين أو ان تأخذه الإدارة الأميركية على محمل الجد بصفته دولة كبرى مجدداً وليس مجرد هامش في العلاقات الدولية في عهد القطب الواحد. انها مسألة عنفوان لبوتين ولافروف يحسن التعبير عن ذلك بتقاسيم وجهه ولهجته الفوقية.

بوتين ولافروف محترفَان فن السياسة وفن التفاوض وهما يفهمان تماماً قيمة التوقيت. والتوقيت لمصلحة المفاوض الروسي قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية في 4 تشرين الثاني (نوفمبر) لأن باراك أوباما في حاجة أيضاً الى «صفقة كبرى» تعفيه من التورط العسكري – أكان في سورية أو في إيران.

كذلك، ان بوتين ولافروف يفهمان معنى التوقيت من ناحية ارتباط اسم روسيا بالمجازر، حتى ولو كان ذلك انطباعاً غير عادل. فلا يمكن لدولة كبرى ان تستمر في سياسة تربط سمعتها بارتكاب المجازر مهما كانت مصالحها كبرى مع حكومة الدولة المتهمة بارتكاب مجازر يذهب ضحيتها أطفال أبرياء.

ثم ان الدول الغربية والعربية جاهزة لإعطاء روسيا موقع قيادة الحل ومنصب عرّاب العملية السياسية الانتقالية في سورية. وعليه، لن تتمكن موسكو من الاستمرار في المكابرة أو في أي انطباع بأنها تتحايل على العملية السياسية الانتقالية من أجل شراء الوقت، فيما صور الأطفال تدق في عصب الرأي العام العالمي. فالمجازر باتت عنصراً مباشراً في صنع المستقبل في سورية. ولن ينفع أو يقنع أحداً ان تلك مجازر لا علاقة بالحكومة السورية بها إذ ان مجرد حدوثها يعني ان الحكومة قد انهارت. وبالتالي، ان موسكو راغبة في عملية ما تقبع عنها سمعة تزداد سوءاً بسبب المجازر. هذا الى جانب إدراكها ان إطالة الوضع الراهن ستؤدي الى تفاقم التطرف والى «أفغنة» سورية بما يؤدي الى خسارة موسكو موقع قدمها هناك كما حصل لها في أفغانستان.

زيارة لافروف الى طهران أتت قبل انعقاد قمة العشرين في المكسيك ادراكاً منه ان هناك ما قد يصنع الصفقة وهناك قد تنهار التفاهمات ويطغى خيار «بَوْسَنَة» سورية.

الطوق الأهم في الحلقة هو الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن – الولايات المتحدة وروسيا والصين وبريطانيا وفرنسا – التي قد تعقد قمة خماسية في المكسيك الأسبوع المقبل أثناء انعقاد قمة العشرين. فإذا اتفقت هذه الدول على العملية السياسية الانتقالية، من المتوقع ان يُتتوّج الاتفاق بإقرار انعقاد المؤتمر الدولي الذي تدعو اليه موسكو في شأن سورية.

حضور إيران ذلك الاجتماع – كما تريد موسكو – عقدة يمكن التغلب عليها إذا تمت التفاهمات على عناصر «الصفقة الكبرى»، لكنه يبقى عقدة الآن. فطهران طرف مباشر في الحرب الدائرة في سورية، بحسب أكثرية الدول الخمس، وطهران تعلن علناً انها تقف مع بقاء النظام وضد العملية السياسية الانتقالية. كما ان هناك تقارير عن معونات عسكرية لعناصر غير انضباطية تسند النظام بعمليات تدخل في خانة الجرائم ضد الإنسانية. وطهران أيضاً مُتهمة بانتهاك قرار مجلس الأمن الذي يُلزِمها عدم إمداد أية دولة بالعتاد والأسلحة.

كل هذه العناصر تجعل من الصعب ان تشارك الجمهورية الإسلامية في المؤتمر المعني بسورية في موسكو – أقله في المرحلة الأولى. هذا لا يعني استبعاد طهران كاملاً عن حلٍ في سورية، إذا قررت إيران ان تكون طرفاً في الحل المطروح على أساس عملية سياسية انتقالية من النظام الحالي الى نظام بديل – الأمر الذي لا يبدو وانها موافقة عليه. ما يعنيه ذلك ان الدول الخمس الكبرى – ومن ضمنها روسيا والصين – لن ترهن «الصفقة الكبرى» وفق ما ترتئيه طهران سورياً سيما وان إيران بدورها تقف على حافة الهشاشة في علاقاتها مع هذه الدول في الملف النووي.

موسكو ستستضيف الاجتماع الثالث المعني بالمسألة النووية الإيرانية بعدما تم استئناف المفاوضات بين دول 5+1 وايران في اسطنبول ثم في بغداد. هذه المباحثات ما زالت في مرحلة شراء الوقت والبحث عن صيغة خطوة خطوة لبناء الثقة، وحتى الآن، لم يحدث أي اختراق. انما الجميع يعرف ان بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية ستختلف الأمور ولن يتمكن باراك أوباما أو رئيس الجمهورية من السكون فيما تمضي ايران بامتلاك الأسلحة النووية. فلقد وَعَدَ باراك أوباما رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو بالكف عن الاكتفاء بسياسة «الاحتواء» القائمة على تطويق إيران بالعزل والعقوبات فقط – اذا استمرت في رفض تجميد تخصيب اليورانيوم بنسبة 20 في المئة.

كما ان نتانياهو نجح في توريط أوباما بقيام الولايات المتحدة نفسها بإجراءات لمنع الجمهورية الإسلامية الإيرانية من التحول الى دولة نووية. وبالتالي، ان طهران في موقف صعب ومعقد مهما كابرت وتظاهرت بأنها في خير. ثم ان ما تريده طهران في هذه المفاوضات لجهة دورها الإقليمية وضمان نفوذها الإقليمي خارج حدودها ليس أمراً مقبولاً سيما وان النفوذ المنشود ينطلق ليس فقط من امتلاك مصير العراق وانما أيضاً من تصميم مصير سورية – وهذا مرفوض عربياً وغربياً الآن.

اللاعبون الإقليميون قد ينضمون لاحقاً الى التفاهمات بين الدول الخمس الكبرى والمبنية على رزمة منها شكل المرحلة الانتقالية في سورية ومواعيد تسليم السلطة وعقد انتخابات. إلا ان الدول الإقليمية – إيران من جهة والدول الخليجية وعلى رأسها المملكة العربية السعودية وقطر – لا تقبع في انتظار تلك التفاهمات. فدول الخليج دخلت مرحلة إعداد البديل عن التفاهمات – إذا فشلت – وهذا البديل هو «البَوْسَنَة» في شكل إجراءات بالشراكة مع دول غربية ومع تركيا ودول عربية أخرى – إجراءات لا تخضع لموافقة روسيا على قرار لمجلس الأمن يعطي صلاحية التدخل العسكري.

انما الآن، ما يلازم السير في السكتين المتوازيتين – إحداهما القائمة على ايلاء دور عرّاب الحل السياسي لسورية الى روسيا والأخرى القائمة على التحضير لإجراءات ميدانية لا تنتظر قراراً لمجلس الأمن الدولي – هو أيضاً تحرك في الأمم المتحدة على سكتين متوازيتين إحداهما دعماً للدور الروسي في قيادة العلمية السياسية الانتقالية والأخرى احراجاً لروسيا عبر استخدامها مجدداً الفيتو لمنع التحرك الدولي فيما تقارير الأمم المتحدة تفيد بعمليات قتل ممنهج لأطفال سورية.

السجال الروسي – الغربي الدائر حول التسليح في سورية يفيد بأن الاتفاق ما زال بعيداً حالياً – أقله في مرحلة العد العكسي الى قمة العشرين بعد بضعة أيام. فالشيطان في التفاصيل، والثقة ما زالت مفقودة بين اللاعبين الدوليين والإقليميين. انما التطورات الميدانية بدأت تفرض الواقعية وتملي البرامج الزمنية على الجميع.

=================

سوريا.. وحديث الصفقة الروسية الأميركية!

أكرم البني

الشرق الاوسط

15-6-2012

مع تنامي مخاطر الانزلاق إلى صراع أهلي، واستمرار التردد الأممي في لعب دور حاسم، تلوح في الأفق أخبار صفقة روسية - أميركية لإخراج الوضع السوري مما هو فيه ووضعه على سكة الحل السياسي.. فما هي دوافع الطرفين لعقد الصفقة، وما فرص نجاحها، خاصة أن ما رشح منها يدعو لوقف العنف وتحقيق انتقال سلمي للسلطة عبر حكومة مؤقتة تضع البلاد على مشارف التغيير الديمقراطي، وهي مهام محتواة من حيث الجوهر في المبادرتين العربية والأممية على حد سواء؟

من حسابات الربح والخسارة يمكن النظر إلى تلون موقف روسيا وانتقاله من التفرد في تقرير المصير السوري إلى البحث عن مخرج يضمن لها حصة ترضيها في التحولات القادمة. فموسكو، التي عقدت العزم على دعم النظام السوري بكل الوسائل ومهما تكن النتائج، وراهنت على قدرة الآلة القمعية على الحسم ومنحتها المهل والفرص، هي مع كل يوم يمر تشعر بالمأزق، ويحاصرها فشل الخيار الأمني والعسكري في قهر الحراك الشعبي أو تخفيف حرارته، والأهم أنها لم تنجح عبر ادعاءاتها الإعلامية وما تثيره من مخاوف، وتهجماتها على المعارضة السورية وعلى الدول الغربية، في الالتفاف على الحرج الأخلاقي الذي يسببه هذا التوغل السلطوي في العنف الأعمى وما يخلفه من مجازر بشعة.

وإذا أضفنا خشية قيادة الكرملين من تصاعد الموقف العربي الرافض لسياستها، والذي بات قاب قوسين أو أدنى من احتمال قطع العلاقات، وأيضا تفضيل موسكو لمشاركة أميركية في ترتيب البيت السوري، بدل أن يفضي موقفها إلى خسارة كل شيء والخروج من المنطقة وهي تجر أذيال الخيبة وازدراء شعبي واسع، مما يفتح الباب أمام تعزيز النفوذ التركي في المشرق العربي، وأمام احتمال توظيف رياح الثورات العربية التي يحتل الإسلام السياسي فيها وزنا مؤثرا، لإثارة شعوب الجمهوريات الإسلامية المجاورة لها، وهي لم تنس مرارة هزيمتها في أفغانستان نتيجة التحالف بين الأميركيين والإسلاميين!.. وإذا أضفنا سياسة إسرائيل، المؤثرة على الكرملين عبر لوبي لا يقل أهمية عن اللوبي الأميركي، والتي لا ترغب في حصول تغيير جذري في سوريا ينعكس سلبا على مصالحها وأمنها الاستراتيجي.. إذا أضفنا كل ذلك يمكن أن نقف عند أهم الأسباب التي تكره موسكو اليوم على البحث عن صفقة حول سوريا، والدليل إظهار مرونة لافتة في موقفها الجديد الذي لا يتمسك ببقاء الرئيس السوري في أي تسوية يوافق عليها السوريون، ثم دعوتها لعقد مؤتمر دولي حول سوريا، والإشارة إلى تفهم طهران لذلك وجدوى إشراكها في المؤتمر.

وطبعا ما كان لحديث الصفقة أن يأخذ هذه الأهمية لولا التأييد الغربي الضمني لما يذهب إليه قادة الكرملين، ولعل تحذير واشنطن وباريس ولندن بعد موسكو من أن تسليح المعارضة من شأنه أن يؤدي إلى حرب أهلية في سوريا هو دليل واضح على وجود رغبة مشتركة في المعالجة السياسية، تعززها تصريحاتهم المتكررة بعدم وجود نوايا للتدخل العسكري في هذا البلد، من دون أن تغير من هذه الحقيقة المواقف الأميركية التي تدين شحنات الأسلحة الروسية المرسلة إلى دمشق.

فالسياسة الغربية، خاصة الأميركية، لا تزال تحجم عن الدخول بقوة على الخط السوري لانتزاع دور أكثر فاعلية كما حصل في ليبيا واليمن، وتكتفي بالنوسان بين تشديد العقوبات الاقتصادية وعزل النظام سياسيا، وترك الحبل بيد موسكو كي تقود الركب في معالجة الوضع، ربما بسبب رؤية أميركية تجد أن التشارك مع روسيا هو الأسلم في تفكيك الحالة السورية التي تحتل موقعا سياسيا استراتيجيا وتتشابك مع عدد من الملفات الحساسة في المنطقة، وربما بسبب الإصرار على أولوية الإجماع الدولي في أي تدخل عسكري حاسم، ربطا بحسابات التكلفة في بلد لا يمتلك موارد للتعويض، وباحتمال حصول ردود فعل متنوعة من أطراف المحور الإيراني الداعمة للنظام السوري، وربما تفهما، كحال موسكو، للهموم الأمنية الإسرائيلية التي لا تحبذ وصول سلطة جديدة إلى الحكم في سوريا عوضا عن سلطة خبرتها جيدا وأظهرت وفاء بعهودها منذ توقيع اتفاقية فصل القوات، وربما أخيرا بسبب قرب موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية وضرورة تمرير الوقت من دون أي مغامرة قد تقلب المزاج الأميركي رأسا على عقب. وما يعزز التوجه الأميركي وجود مصلحة عربية واسعة تحبذ التغيير السياسي والتوافقي، رفضا لاستمرار المشهد الدموي السوري لى هذه الشاكلة، وتفاديا لآثاره التي بدأت تنتشر في مختلف الأوساط السياسية والشعبية، وتحسبا لأن تفضي تداعياته الإقليمية إلى خطر على الأمن العربي.

«مكره أخاك لا بطل»، هو حال النظام السوري في التعاطي مع الصفقة، فهو غير قادر على رفض مبادرة لحلفائه، وفي الوقت ذاته يدرك أن السير على طريق الحل السياسي سوف يضعه في موقع لا يحسد عليه، ويقدر جيدا كيف ستكون أموره عندما يبدأ بتقديم التنازلات، وهو ما انفك يتحدث عن معادلة ترعبه بأن التنازلات سلسلة مترابطة ما إن يبدأ بتقديم أولها حتى تكر السبحة، مما يعني أننا سنشهد مناورة ومماطلة في حال صحت أخبار الصفقة، ومحاولات النظام اللعب على التفاصيل وتمييع ما يعرض عليه، والغرض كسب الوقت والرهان دائما على مزيد من التوغل في العنف لتغيير المشهد وتحسين موقعه التفاوضي.

والحال، حتى وإن كان حديث الصفقة الروسية - الأميركية خلبيا، وليس لدى الطرفين تصور مشترك لمعالجة الحالة السورية، يجمع السوريون على أن العقدة الرئيسية أمام أي مبادرة أو صفقة هي النظام السوري برفضه المزمن للحلول والمبادرات السياسية وإصراره على العنف المفرط طلبا للحسم، ويجمعون أيضا على أن استمرار ثورتهم هو الأساس. وإن إصرار الشعب على حقوقه واستبساله في الدفاع عنها وما يقدمه من تضحيات، هو المعلم والمحرك الأساسي للمتغيرات السياسية التي تحصل بما في ذلك الترويج لفكرة الصفقة، ولنقل هو الكفيل عبر صموده وعزيمته بتفكيك ما يعترض ثورته من تعقيدات وجعل استمرار النظام عبئا ثقيلا على الجميع، يكرههم على إعادة النظر في سياساتهم ومواقفهم، والبحث عن مخارج من هذا الوضع المأساوي.

=================

الثورة السورية ومفترق الطرق

رضوان السيد

الشرق الاوسط

15-6-2012

كثرت التقولات والتخمينات بشأن اتجاهات الأحداث في سوريا، بين قائل باستمرار وقائع الكر والفر بين النظام والمعارضة، وقائل بالحرب الأهلية، وقائل بالانقسام والتشرذم وقيام الدويلات.. إلخ. أما الواقع فهو أن الأحداث في سوريا بلغت مفترق طرق صعبا ولعدة جهات:

- أحداث القتل والاعتقال والتهجير التي زادت بشكل غير معقول.

- ثبات القدرات العسكرية للنظام وزيادة فعالية المعارضة المسلحة.

- وجود مساحات واسعة في قبضة المعارضة، ومحاولات عسكر النظام في الأسبوعين الأخيرين استعادة بعضها في مناطق حمص واللاذقية. وهكذا فمن الناحيتين الأمنية والعسكرية ما كانت هناك متغيرات بارزة باستثناء ارتفاع حدة المذابح للتهجير من جهة، وازدياد قدرات جماعات المعارضة المسلحة على الاشتباك من جهة ثانية

- ارتفاع النشاط المسلح من جانب قوات النظام لمواجهة زيادة عمليات المعارضة، واستعادة بعض المناطق الحساسة.

وإذا شئنا الاستمرار في تتبع الحراك الداخلي فهناك عدة ملاحظات أيضا:

- الاستنفار الكامل للطائفة العلوية، وربط مصير سوادها الأعظم بمصائر النظام أيا تكن. والاتجاه لإنشاء مناطق صفاء طائفي لنفسها عن طريق المذابح والتهجير بدعم من بعض الجهات في النظام.

- ثبات التحالف بين النظام والطائفة الأرثوذكسية الكبيرة كما مع الطائفة المدينية الكاثوليكية الصغيرة، ومع معظم الطائفة الدرزية. وقد اقتنع النظام منهم بالثبات والسكون.

- انقطاع العلائق بين النظام والسنة ثائرهم وساكنهم. لكن المدينيين السنة من الطبقة الوسطى يؤثرون المغادرة على المشاركة، بينما يؤثر شبانهم المشاركة في التظاهر، واللجوء إلى السلاح مؤخرا أيضا.

وهكذا مرة ثانية فإن الاستنفار لدى الجميع بلغ حدوده القصوى، وعلى المستويين العسكري والشعبي. وما عدنا نسمع كثيرا عن تظاهرات حاشدة لأنها لم تعد ممكنة، وصار المجال المفتوح أو الرئيسي هو العمل العسكري الذي يشبه الحرب الأهلية من سائر الجهات خاصة السنة والعلويين. وبذلك فقد دخلت سوريا بالفعل ظروفا تشبه ظروف الحرب الأهلية في لبنان في السبعينات من القرن الماضي. فظهر النظام على طبيعته الأصلية باعتباره نظاما للطائفة العلوية ومن التحق بها من الأقليات. وفي ظروف السكينة فقد كانت البرجوازية المدينية تتعاون مع النظام، وهي اليوم ما عادت تتعاون معه، من دون أن يعني ذلك أنها ثارت أو تثور. وصار الريف السني الفلاحي والعشائري ثائرا كله، وصارت في قلب الثورة مدن وبلدات هي بيئات ذاك الريف في الأساس مثل درعا وحمص وحماة وإدلب.

لماذا حصل هذا الأمر في سوريا وليبيا ولم يحصل مثله في تونس ومصر وحتى في اليمن؟ لأن تونس ومصر واليمن فيها جيش وطني يملك قراره وهويته واستقلاليته عن السلطة المأزومة عند الضرورة. ولذا فإن سائر الأطراف - باستثناء «القاعدة» باليمن - تتعامل معه من مواقع المهابة، وحتى إمكان الاستغاثة به إذا أحست بضيق شديد يتهدد وجودها. وفي مصر وتونس - إضافة للجيش - هناك سلطة قضائية مستقرة الأسس، وتملك شبه إجماع على مرجعيتها من جانب النخب ومعظم الجمهور. وقد كان الجيش السوري كذلك حتى أواسط الستينات، والجيش الليبي حتى عام 1973. فبعد عام 1964 - 1965 مر الجيش السوري بمرحلتين، إحداهما عقائدية، والأخرى طائفية. فتحت ستار العَقَدية البعثية جرى «تنظيف» الجيش من التقليديين والناصريين.

وتحت أضواء الطائفية بعد تمرد «الإخوان» أواخر السبعينات جرى القضاء على الضباط السنة الكبار، واختراع فرق عسكرية خاصة وطليعية ذات صبغة طائفية خالصة. ثم جرى بالتساوق إنشاء الأجهزة الأمنية والاستخباراتية الضخمة التي لا مدخل للأكثرية الشعبية فيها. وقد قامت سائر الأنظمة الجمهورية ذات الصبغة الأمنية بإنشاء أجهزة أمنية ضخمة لمراقبة كل شيء وضبطه، لكن لسبب ما - ربما اقتناع رؤوس النظام باليمن ومصر وتونس بشرعيتهم - جرى إفساد تركيبة الجيش؛ في حين حصل ذلك كله في سوريا وليبيا. بل إن الجيش (التقليدي) جرى إلغاؤه في ليبيا عمليا، لصالح الكتائب العسكرية المستقلة والموزعة على أولاد القذافي وأعوانه المخلصين، وما أمكن إلغاء الجيش السوري، ربما بسبب التجنيد الإجباري، والحاجة إلى أعداد كبيرة من العسكريين تتوزع على لبنان وحدود العراق وفلسطين المحتلة والأردن.

وقد كان هناك اقتناع بعد خروج مصر من المواجهة مع إسرائيل بأنه لم تعد هناك حاجة للجيوش الكبيرة والقوية التي تستطيع الانقلاب على النظام. وبذلك تطورت فكرة أمن النظام واستقراره وخلوده (= القائد الخالد)، إلى أن يصبح الجيش الحقيقي هو ذلك المختص بحماية النظام وأمنه، وبالطبع ليس من العدو الإسرائيلي، بل من «أعداء الداخل». ولذا فحتى الألوية التي كانت تأتي إلى لبنان كانت من عسكريي النظام المحظوظين، الذين كانوا يأتون للغنى والغنائم! أما المؤسسة القضائية فقد ظلت هامشية جدا في سوريا وليبيا، وضعيفة في اليمن؛ بينما حرص النظامان التونسي والمصري على ترك المؤسسة القضائية وشأنها حرصا على الدولة من جهة، ولتبييض الوجه أمام الغرب من جهة ثانية. وهذا هو معنى قول بشار الأسد بأنه لا دولة في سوريا ولا نظام من دونه هو (!) ليس لأن القوة العسكرية والأمنية بيده وحده؛ بل ولأن كل السلطات والمؤسسات الأخرى ألغيت. بل إن التخصيص المصطنع الذي جرى في عهد بشار الأسد، اقتصر على توزيع المغانم على الأقارب والمحاسيب، أما الآخرون فعليهم أن يحصلوا على ما يستطيعون دفع تكلفته من خلالهم!

إن حل الانقسام الحاصل صعب إذن: فالنظام صامد لدعم فئات قوية بالداخل له إلى جانب قواته الخاصة، ولأن إيران والعراق لا يزالان يصران على دعمه بشتى الوسائل حفظا للمحور الذي أقامته إيران بالمنطقة. والمعارضة صامدة ومتقدمة لحصولها على الدعم من الأكثرية السنية، ولأنها صارت تتلقى الدعم اللوجيستي مؤخرا من الخارج. بيد أن قوى النظام ما عادت تستطيع الحسم، كما أن توازن القوى الذي حققته المعارضة لا يتيح لها في المدى المنظور قلب الطاولة على النظام، وإنما قصارى ما تستطيع تحقيقه مناطق آمنة أو عازلة. فكيف إذن يمكن الخروج من المأزق وتحقيق التغيير؟ لا يبدو ذلك متاحا حتى الآن إلا من خلال توافق روسي - أميركي على المرحلة الانتقالية. ويبدو أن موسكو عرضت معالم خطة على الولايات المتحدة، فطلبت أميركا التشاور بشأنها مع إيران.. والنظام السوري. وهي خطة أو معالم خطة تعني شيئا شبيها بالحل اليمني: تشكيل حكومة انتقالية توافقية تتولى السلطة عمليا لحين انتهاء مدة بشار الأسد عام 2014. وخلال ذلك تُوضع القوات العسكرية والأمنية تحت قيادة مجلس عسكري يعيد توحيدها بعد خروجها من الشارع؛ ثم تجرى انتخابات، ويتشكل مجلس تأسيسي يكتب الدستور، وينتهي الأمر بانتخاب رئيس جديد للجمهورية. وبذلك يصبح المعارضون مشاركين في السلطة. ويتوقف عنف النظام ضد الناس، ويعود المهجّرون، وتبدأ إجراءات العدالة الانتقالية، وتبدأ إعادة الإعمار. ولا تعاد هيكلة الجيش وقوات الأمن إلا بعد عام 2014!

إن هذا الحل إن جرت الموافقة عليه من سائر الأطراف العربية والإقليمية والدولية، يظل صعب التنفيذ، لأن المشروع – إن صحت تفاصيله - يتطلب انضباطا عاليا وصبرا من سائر الجهات الداخلية، وهو أمر غير متوافر الآن لدى الطرفين. بيد أن الصعوبة الرئيسية تبقى لدى إيران التي يعني التغيير في سوريا انهيارا لمحورها المتمدد بين طهران وبغداد ودمشق ولبنان. فهي كما تريد ضمانات في النووي، تريد ضمانات في مناطق نفوذها، وهي ضمانات لا يبدو أحد مستعدا الآن لإعطائها إياها حتى أنقرة.

لقد اتضحت الجبهات، واتضحت القدرات والإمكانيات. وما بقي غير مسارين أو خيارين: التوافق بمظلة روسية - أميركية على الحل السالف الذكر.. أو تهدئة الأزمة من دون إخمادها إذا تعذر التوافق، من خلال المناطق الآمنة، وخطوط التماس. أما الإمكانية الثالثة، أي استمرار الوضع الحالي، فلا أحد يقدر على الصبر عليها لا النظام ولا المعارضة، ولا المجتمع العربي والدولي، وهذا هو معنى بلوغ مفترق الطرق!

=======================

.. وكيف يكون تسليح النظام الوحشي قانونيا؟

2012-06-15 12:00 AM

الوطن السعودية

بات من الواضح أن روسيا ماضية إلى الحد الأبعد في تأييدها للنظام السوري، وأن تأييدها له أصبح تأييدا مطلقاً، يقترب في لغة خطابه من لغة التأييد الإيرانية، وهي في ذلك لا تعبأ بالإنسان، ولا تنظر إلا إلى مصالح اقتصادية وسياسية غير مضمونة، والدليل على التأييد المندفع هو إقرار وزير خارجيتها سيرجي لافروف في إيران أمس، ببيع الأسلحة إلى سورية، مبررا ذلك بأن هذه المبيعات "لا تنتهك أي قانون دولي، وتشمل تجهيزات دفاعية"، فيما اتهم الولايات المتحدة بتسليم المعارضين السوريين أسلحة.

هذه الاتهامات متطابقة تماما مع تصريحات نظيره الإيراني علي أكبر صالحي، الذي اتهم خلال المؤتمر الصحفي نفسه، الغربيين وبعض الدول العربية "بإرسال أسلحة وقوات إلى سورية، ثم تبرع بشرح السبب في ذلك، وهو ـ على حد قوله ـ "الحيلولة دون تطبيق الإصلاحات التي وعد بها الرئيس السوري"، متجاهلا كون هذه الإصلاحات لا يمكن أن تكون في ظل تزويد النظام بالأسلحة، واستخدامه كل وسائل الفتك دون تمييز بين مسلح وأعزل.

السؤال المنطقي الذي يتبدى أمام هذه التصريحات هو: أيكون بيع الأسحلة للنظام قانونيا وأخلاقياً، على الرغم من العلم بأن هذه الأسلحة ستوجه إلى صدور شعب؟ فيما يكون دعم العزل للدفاع عن أنفسهم وأعراضهم تهمة؟ على الرغم من أنه لا توجد أدلة على ذلك سوى تخرصات المسؤولين السوريين والإيرانيين والروس، أما تسليح النظام فهو ثابت بلسان وزير الخارجية الروسي، وهو ثابت باستخدام النظام السوري أسلحة جديدة في قمع المتظاهرين، منها مروحيات هجومية استخدمت في التمهيد لاجتياح أكثر بلدة الحفة بمحافظة اللاذقية.

ألم يكن حريا بوزيري خارجيتي روسيا وإيران الدعوة إلى فرض حظر دولي شامل على بيع الأسلحة لسورية؟ عوضا عن صناعة غطاء إعلامي لما تفعله بلداهما من تزويد النظام بالأسلحة، وهو المتمثل في توزيع الاتهامات المجانية بتسليح المعارضة.

=================

ما الذي يسعى إليه الأسد عبر مجازره؟

طارق محمد الناصر

الرياض

14-6-2012

    عندما تقرأ في إحدى الصحف عن" المجزرة الجديدة" للنظام السوري، لا ينبغي عليك أن تركن إلى أن ما تقرأه دقيق. عدم الدقة ليس لان الصحيفة تضللك بل لان المجازر تتلاحق لدرجة أن كلمة "الجديدة" أصبحت لا تعبر عن وصف حال المجزرة.

اللافت هو عدم حياء النظام السوري في التنصل من هذه المجازر. فمثلا، أثبت تقرير المراقبين الدوليين أن حوالي نصف ضحايا مجزرة الحولة قضوا نتيجة قصف مدفعي ما يعني حتمية ضلوع قوات الأسد فيها. أما في القبير فقد ذكرت الناطقة باسم بعثة المراقبين"إن المراقبين شاهدوا أبنية مصابة برصاص من العيار الثقيل الذي يستخدم من أسلحة ثقيلة أو من حاملات الجنود"، وهذه، أيضا، أسلحة لا تتوفر إلا لقوات النظام.

ليس ذلك فحسب، بل إن ضحايا المجازر يكونون، حصرا، من السنة ما يرجح بقوة، حتى دون إجراء تحقيق دقيق في ملابساتها، أن يكون الوالغون في الدماء هم من قوات النظام او شبيحته. ورغم انه من المؤسف أن يتحدث المرء عن طائفة الضحايا كدليل على المجرمين إلا ان سلوك النظام السوري لا يدع مجالا لتجنب الحديث عن الطوائف.

فالنظام وصف الثوار، منذ البداية، بأنهم جماعات إرهابية سلفية واتهمهم بحمل السلاح. فعلها بغباء ولم يفطن إلى المأزق الذي أوقع نفسه فيه. نسي بأن طلائع الثائرين لم يكونوا ينادون، أصلا، بسقوطه. كانت هتافاتهم تنادي بالحرية والكرامة وتطالب بإطلاق سراح أبنائهم. قمعهم بوحشية، فكانت النتيجة أن أصبحت شرائح عريضة ومتزايدة من السوريين تتبنى، صراحة، مطلب إسقاطه.

وعندما أصبحت المظاهرات طبقا يوميا على المائدة السورية فعل كل ما بوسعه كي يعسكر المظاهرات سعيا منه في الحصول على مبرر لإطلاق يده لاستخدام الحديد والنار ضدهم. ولما تمكن من دفع الثورة للعسكرة وجد بان الخصم يتفوق عليه بميزة لا يقدر على منافسته عليها. فأفراد الجيش الحر خرجوا من نسيج الشعب ولحمايته، لذا فقد أصبحوا يتمتعون بدعم وحماية الشعب.

سورية، الآن، على مشارف حرب أهلية بتدبير من النظام. وهو يحاول، جاهدا، بمجازره المتتالية العزف على الوتر الطائفي كي يقع الجميع في أتون حرب طائفية كي يضمن، وفق تخطيطه، توحيد الطائفة حوله وربط مصيره بمصيرهم.

من المحتم، إن لم يبادر المجتمع الدولي بالتدخل، أن تتسبب هذه المجازر بانزلاق سورية إلى حرب أهلية شاملة ومفتوحة. وفي الحرب الشاملة يصبح قتل الأبرياء وغير المحاربين وارتكاب المجازر المروعة عملا روتينيا ويغدو المتطرفون، من كلا الجانبين، سادة المشهد.

ويبقى السؤال هو هل ينظر النظام للمجازر كإستراتيجية أم كتكتيك؟ وهل يسعى للحرب الأهلية أم انه يهدد بها؟

=================

التلكؤ الدولي حيال سورية

فهيم الحامد

عكاظ

14-6-2012

لم نفاجأ باعتراف مسؤول عمليات حفظ السلام في الأمم المتحدة هيرفيه لادسو أن سورية باتت في حرب أهلية، وفقدان النظام السيطرة على أجزاء واسعة من البلاد، خاصة مع استمرار النظام الأسدي القمعي في ارتكاب المجزرة تلو الأخرى ضد الشعب السوري الذي قدم صورة رائعة من النضال والتضحية ضد نظام (فاشي) لايعرف إلا لغة الدم والبطش والقتل.

والتخوف الآن هو أن يحول النظام الأسدي هذه الحرب إلى حرب طائفية بلا هوادة مفتوحة وتطهيرية ضد الشعب السوري.

كل المؤشرات على الأرض السورية تكشف بجلاء أن الشعب السوري أمام حرب دموية سيستخدم فيها بل سيتفنن النظام في استعمال كافة أنواع أسلحة البطش والدمار والعالم يتفرج أمام شاشات التليفزيون على مختلف أنواع المجازر ضد الأطفال والنساء والشيوخ.

إن النظام القمعي اقتنع تماما أنه لن يستطيع سحق ثورة الكرامة والقضاء تماما عليها إلا عبر استمرار ارتكاب المجازر تلو الأخرى خصوصا أنه لم يواجه أي عملية ردع حقيقية من المجتمع الدولي، واستبعاد احتمالات تدخل عسكرى دولي خاصة مع استمرار الدعم الروسي والصينى للنظام، الذي بات شريكا استراتيجيا في سفك الدم السوري بعد قناعة شبه تامة أن موسكو ماضية في دعم الأسد إلى النهاية.

إن تصريح الأمم المتحدة عن أن النظام السوري لا يسيطر على الأرض، وأن البلاد دخلت في حرب أهلية، يعكس خطورة ما يجري على الأرض السورية، فالمعروف عن الأمم المتحدة التأني في التصريحات والروتين الممل، فإذا كانت الامم المتحدة ترى أن الأمور تتدهور في البلاد شيئا فشيئا، فهذا مؤشر كارثي على الشعب السوري.

التلكؤ الدولي، بات واضحا على القوى العظمى، وكذلك قلة الحيلة والتدابير من العالم أخذت تحصد أرواح السوريين المتطلعين إلى الحرية، إلا أنه لا يمكن السماح لمثل هذا التلكؤ بالاستمرار لما له من انعكاسات خطيرة على المنطقة. لاسيما أن النظام السوري هدد في أكثر من مرة بإشعال الحرائق في المنطقة. فهل نسمح لهذه القيادة السفاحة أن تثير الفوضى.

=================

سورية .. بين أسدين

عبدالله الغضوي

عكاظ

14-6-2012

قبل وصول حزب البعث العربي الاشتراكي إلى السلطة في العام 1963 كانت سورية تضج بالحركة السياسية والثقافية وحتى الاقتصادية، وبحكم طبيعة موقعها الجغرافي والصراع على الحكم، بقيت لفترة ساحة صراع إقليمي ودولي.

بل إنها كانت مشروع نموذج ديمقراطي في المنطقة، لدرجة أن البعض كان يطلق عليها «يابان الشرق الأوسط»، لكن سرعان ما تحولت البلاد إلى قفص كبير بعد وصول البعثيين إلى الحكم، وانتقل العسكر عبر الأحزاب إلى قمة الحكم، وكانت الضربة القاضية للحركة السياسية في العام 16 أكتوبر من العام 1970، حين تسلم شخص عسكري يدعى حافظ الأسد الحكم بانقلاب قضى على كل خصومه السياسيين والعسكريين على حد سواء، وفي العام 2000 تلقت سورية ضربة مميتة ثانية لتاريخها وانتمائها العربي، حين ورث الابن بشار الحكم عن أبيه.

وبين حقبتي الأسدين الأب والابن، انفصلت دمشق عن ذاتها العربية والإسلامية وعن تاريخها، بفعل سياسة الأب والابن.

بين الأسدين سالت دماء أكثر من مائة ألف سوري في حماة عام 1982 وفي كل سورية من انطلاق ثورة الكرامة، بين أسدين؛ استغرقت الجولان المحتلة في نومها في حضن الاحتلال الإسرائيلي، وحمل السوريون هموم اقتصادهم المتهالك بسبب فلسفة النظام الاقتصادية، بين أسدين صودرت المصانع والأراضي، ليس لمصلحة الدولة كما يعتقد البعض، وإنما لمصلحة النظام الحاكم. أما النخب السياسية التي كانت عقولا نخبوية فذة قضى عليها الأسد الأب في الداخل عبر التصفيات والاغتيالات في الخارج.. بين أسدين تعزز مفهوم الطائفية والحكم بالنار، هذه هي حقبة الأسدين اللذين كرسا البلاد لمصلحة الأسرة، ولم يدركا أهمية عاصمة الأمويين، وماالثورة اليوم إلا معركة بين الشعب وزمرة الحكم لاستعادة سورية، وأخيرا لم يسجل التاريخ قط هزيمة للشعب.. فهو من يصنع التاريخ.

=================

لافروف "المعاصر" يتحوّل "قومياً متطرفاً"

روسيا في تشدّد طويل حول سوريا

روزانا بومنصف

2012-06-14

النهار

ينقل ديبلوماسيون عن متصلين دوليين بالمسؤولين الروس ولا سيما منهم وزير الخارجية سيرغي لافروف قبيل زيارته لايران لبحث الملف النووي الايراني والازمة السورية ان الرجل الذي كان شيوعيا سابقا جهد في الاعوام القليلة الماضية الى أن يتحول في اتجاه ان يكون "ديبلوماسيا معاصرا" مواكبا للانتقال السياسي الذي عرفته روسيا. الا انه في الاشهر الاخيرة وفي ضوء المواقف التي اعتمدتها بلاده في موضوع الازمة السورية رأى هؤلاء المتصلون انفسهم بلافروف وعلى نحو مفاجىء ما بدا لهم انهم امام "قومي يميني متطرف"، الامر الذي ادى الى تراجع التوقعات لدى هؤلاء عن تشدد موقت في الموقف الروسي من سوريا ومرهون بصفقة او صفقات محددة وزاد اعتقادهم بان هناك تشددا قد يكون طويل الامد. اذ فيما بدا بين وقت واخر بالنسبة الى وزراء دول خارجية بعض الدول الاوروبية ان ثمة مرونة ما تبرز في الموقف الروسي يشاع على اثرها انطباعات بامكان التوافق الدولي على المساهمة في انهاء الازمة السورية، يصدر موقف او تصريح عن القيادة الروسية يعيد الانطباعات السابقة الى ارض الواقع بعيدا عن الآمال التي تعلقها الدول الغربية على روسيا. ولذلك لا يبدي هؤلاء الديبلوماسيون اطمئنانا الى المواقف الاخيرة التي بدت ايجابية بالنسبة الى البعض في ضوء السعي الروسي الى مجموعة اتصال حول سوريا تضم الى الدول الخمس الكبرى الجامعة العربية ودول الجوار السوري وصولا الى ايران. فهناك من جهة تشدد روسي في دعم النظام وتوفير الاسلحة له كما في توفير الاموال التي تم طبعها اخيرا من اجل تزخيم قدرته على مواصلة دفع الرواتب للقوى الامنية وموظفي المؤسسات الحكومية بعدما تضاءلت وارداته الى حد كبير نتيجة العقوبات الغربية على النظام وثمة من جهة اخرى تصعيد على وقع استمرار اتهام روسيا الغرب بدعم المعارضة السورية وتوفير الاسلحة لها اضافة الى الاصرار على ان تكون ايران شريكا في الحوار اوفي الاتفاق على مستقبل سوريا على رغم رفض الغرب والدول العربية ذلك كون ايران في مركب واحد مع النظام السوري وداعما اساسيا له. وليس اكيدا بالنسبة الى هؤلاء الديبلوماسيين في ضوء هذه المعطيات والاتهامات المتبادلة بين الولايات المتحدة وروسيا ان هناك تفاهما بالحد الادنى على الازمة السورية كما سرى اخيرا او اذا كانت مجموعة الاتصال التي ترغب روسيا في اقامتها هي لانقاذ الوضع السوري ام هي من اجل الالتفاف على مؤتمر اصدقاء سوريا المزمع عقده في فرنسا مطلع الشهر المقبل او هي ايضا تصعيد للشروط والموقع قبل اللقاء المرتقب بين الرئيسين الروسي والاميركي قريبا او من اجل كسب الوقت لمصلحة النظام السوري. الا ان هذا التشدد بدا وكأن روسيا ذهبت أبعد من تصعيد الشروط للتفاوض حول مصير الازمة السورية على رغم تصريحات لافروف اخيرا حول عدم ممانعة روسيا تنحي الرئيس السوري بشار الاسد وفق هؤلاء الديبلوماسيين. اذ ان روسيا وفق ما يقول هؤلاء تعتبر ان الضغوط الغربية مستمرة عليها ان في المواقف المعلنة للدول الكبرى التي تحملها المسؤولية كما تفعل الولايات المتحدة او عبر المواقف الدولية التي تتحدث عن مشارفة سوريا حربا اهلية او فقدان النظام سيطرته على معظم الاراضي السورية. فهذه المواقف الدولية يفترض ان تستنفر الجميع للعمل بسرعة على محاولة تجنب السيناريو الاسوأ في حين تظهر الامور وكأن روسيا تواجه الضغوط لحشرها دوليا في خانة من يتحمل مسؤولية الدفاع عن النظام السوري واستمراره في العنف ضد شعبه وذلك عبر محاولة لي ذراع الغرب المحتاج الى تعاونها لوقف النزف في سوريا.

وثمة جانب آخر يتوقف عنده هؤلاء الديبلوماسيون يتصل بالجانب المتعاظم للموقف الروسي الرسمي على وقع الصدى والدعم الذي يلقاه في الداخل لا سيما من جانب الكنسية الروسية على قاعدة ان الموقف الروسي الذي يواجه العالم يصب في خانة الدفاع عن المسيحية في الشرق خصوصا ان بيانات كتلك التي صدرت عن مجمع المطارنة الروس مؤيدة موقف فلاديمير بوتين وحرصه على حماية الاقليات التي يتم الاعتداء عليها تظهر للمراقبين المعنيين كما لو ان روسيا تحاول ان تستعيد مجدها السابق كدولة عظمى وتساور مسؤوليها مشاعر قوية في هذا الاتجاه.

وبناء عليه فان ثمة شكوكا قوية في ظل هذا المعطى في انعقاد مجموعة الاتصال التي ترغب فيها روسيا بشروطها المعلنة باعتبار ان الهدف الذي حددته وهو دعم خطة المبعوث المشترك للامم المتحدة والجامعة العربية كوفي انان هو امر متخذ على طاولة مجلس الامن ومشاركة ايران هي موضوع اشكالي لاعتبارات متعددة لا تتوقف على التجاوب مع رغبة ايران في الموازنة بين ملفها النووي ونفوذها في دول المنطقة فحسب. تبعا لذلك لن يسهل على الدول العربية او الغربية التساهل ازاءه، في ما يبدو وفق الديبلوماسيين انفسهم سقفا عاليا للتفاوض وشروطه قد لا يساعدان في الوصول الى توافق الحد الادنى في الازمة السورية على رغم الاستنفار الدولي الذي فرضته المجازر الاخيرة التي حصلت في بلدات وقرى سورية.

=================

سورية والحرب الأهلية * رضوان السيد

الدستور

14-6-2012

قال رئيس المراقبين الدوليين في سورية: لماذا الحديث الكثير عن احتمال وقوع الحرب الأهلية في سورية؟ الحرب الأهلية وقعت بالفعل! والذي يقصده رئيس المراقبين أمران: وجود “جيشين” في البلاد تجري بينهما عشرات المعارك الصغيرة والكبيرة كلَّ يوم، وقيام أهل القرى المتجاورة والمختلفة طائفياً بذبح أطفال ونساء الطرف الآخَر، مع ملاحظة أنّ أحد الطرفين جرى تسليحُهُ من النظام!

لماذا تطور النزاع الداخليُّ إلى هذه الحدود القاتلة؟ بالنسبة للجيش فإنه انقسم لإصرار القيادة على التصدي للتظاهرات السلمية بالقتل والاعتقال والتهجير. فقد رفض عشراتُ الأُلوف من شباب الجيش وكهوله الانهماك في قتل العُزَّل. وبالنسبة للذبح على الهوية؛ فلأنّ النظام إياه أراد أن يُعلم السوريين (سنة وعلويين ومسيحيين ودورزاً وأكراداً) أنهم إمّا أن يخضعوا لإرادة الأسد، أو يُبادوا ويُهجَّروا وتنقسم البلاد!

أمّا الإبادةُ والتهجير فهما مستحيلان رغم شراسة القتل والإرعاب. فالسوريون عددهم 24 مليوناً، وقد انتشرت الثورة بعد عامٍ وثلاثة أشهُرٍ على وقعة درعا في ثلاثة أرباع سورية، وفي أَوساط حوالي الـ 15 مليوناً، وهؤلاء يستحيل تهجيرهم أو قتلهم جميعاً. وقد عرفنا الشهور الماضية أنّ أعمال السفك والعسف زادت النار اشتعالاً أو لم تخفِّفها! وقد ظننا أنّ النظام عنده عقدة من حمص، ولذلك فهو يريد اختصاصها بالإبادة والتهجير، لكنه وخلال عشرة أسابيع، ما ترك منطقةً إلاّ وأجرى فيها مذبحةً أو أكثر. فهل يعني ذلك أنه يسعى للتقسيم من خلال الحرب الأهلية؟ هذا محتملٌ، إنما المحتمل أيضاً أنه يريد تدخُّلاً روسياً لصالحه، يحقق نصف حلٍّ، باعتبار أنه لاأحد يريد التدخل العسكري أو يتحمله الآن. وبذلك يبقى النظام في مرحلةٍ انتقاليةٍ بالأسد أو بدونه. ويبدو أنّ الأميركيين في مفاوضاتهم مع الروس ما رأوا ذلك واقعياً بعد كلّ ما حدث، لكنهم تركوا للروس استمزاج إيران بالأمرين: إدخال إيران في اللجنة التي يقترحها الروس، والتفاوُض على حلٍّ سياسيٍّ يُبقي على شيئٍ من النظام الذي ذبح وهجَّر واعتقل خُمس شعبه حتى الآن! إنّ إيران لن تقبل بذهاب الأسد أو ذهاب النظام ولو بالتدريج، لأنها تخشى أن يكون عليها التنازل في العراق وفي لبنان؛ بينما تأمل هي أن تظلَّ أوراقُها قويةً في مفاوضات النووي في موسكو بعد أيام، وأن تبقى لها مناطق نفوذ في المشرق العربي في السنوات القادمة!

ولا يعني هذا الاستبعاد، أنّ الروس والأميركيين لا يمكن أن يتلاقوا على حلٍّ في سورية، إنما ذلك إنْ كان فلن يحدُثَ قريباً. ولذا فالذي يسير إليه الوضع الآن هو التقسيم العملي وليس النظري، وهو ما يسعى إليه الثائرون تحت اسم المناطق العازلة أو الآمنة، بحيث ينكفئُ النظام لتعب قواته وانهيار معنوياتها إلى مدن الساحل، وإلى دمشق وريفها، والحدود مع الأردن، وتتحرر من المذابح والتهجير مناطق شاسعة، دون أن يتوقف القصف المدفعي، وقصف الطيران!

لقد أثبت النظام أنه يملك القدرة على الصمود لتماسُك قواته الخاصة، ولدعم إيران والعراق وموسكو له. لكنه ما عاد يمتلك القدرة على الحسم. وقد أثبت الثوار أنهم يستطيعون الامتداد والتقدم لوقف الجمهور معهم، وللدعم الذي بدأوا يتلقَّونه من الخارج. وهذا يعني تشكُّل وارتسام خطوط تماسّ قد يطول أمدُها إن أصرَّ الإيرانيون. وسيخسر النظام أخيراً كلّ شيئ، إنما على أيّ حالٍ تكون سورية عندها؟ إنّ هذا كلَّه يتوقف على مدى وعي الجمهور السوري بعد سقوط الأسد!

=================

شقوق في جدار النظام ! * عريب الرنتاوي

الدستور

14-6-2012

تكاثرت في الأيام الأخيرة الأخبار والتقارير التي تتحدث عن تشققات في جدار النظام السوري، طاول حلقات الحكم الداخلية...بعضها تحدث عن “تسميم” صهر الرئيس وأحد أركان النظام آصف شوكت...بعضها الثاني تحدث عن تمرد شقيق الرئيس وإصراره على المضي في مساره الأمني /العسكري بمعزل عن حسابات السياسة ومتطلبات الحراك الدبلوماسي...وبعضها الثالث، توقف أمام ما أسماه ظاهرة “إنفلات” المليشيات الموالية أو من يعرفون في سوريا بـ”الشبيحة” وقيامهم بمقارفة مجازر “من وراء ظهر النظام”.

لا تتحدث الأنباء والتقارير عن انشقاقات على “يسار” النظام إن جاز التعبير، سوى تلك الأخبار المتكررة عن انشقاق مجموعة جنود هنا وضابط متواضع هناك والتحاقهم بـ”الجيش السوري الحر”...جميع الإنشقاقات التي تشير إليها المصادر، تتحدث عن “تمرد التيارات الأكثر تشدداً وغلواً وإيغالاً في الدم السوري” على القيادة السياسية، وميلها لعدم الالتزام بالأوامر، وتذمرها مما تعتقد أنه “ضعف إرادة الحسم” لدى الرئيس السوري، وتفضيلها خيار المعركة الشاملة الناجزة مع المعارضين، مهما بلغت الكلفة والثمن.

في التفاصيل هناك من يميز بين الأسدين، الأب والابن، كيف تعامل الأسد / الأب مع أحداث حماة مطلع ثمانييات القرن الفائت وكيف يتعامل الأسد/الابن مع الأزمة السورية...هناك أصوات تزداد علواً تقول بإعادة إنتاج تجربة الأسد / الأب في الحسم السريع، معبرة عن القناعة بأن الأزمة ما كانت لتستغرق كل هذا الوقت، لو أن حافظ الأسد ما زال حياً، ولكان ملفها قد طويّ في الشهر الثالث أو الرابع على أبعد تقدير.

حتى أن هذه الأصوات لم تعد تبالي بـ”تقدير كلفة” الحسم السريع، طالما أن “الخلاص” سيكون بالضربة القاضية، غير الفنيّة، مرة واحدة وإلى الأبد (أو لثلاثين سنة أخرى قادمة)، ويبرر بعض هذه الأصوات مقاربته “الجنونية” هذه بالقول، أن ما دفعته سوريا بالمفرق على مدى 15 شهراً، كان يمكن أن تدفعه بالجملة، مرة واحدة وتستريح ؟!.

ماذا تعني مثل هذه الآراء التي نقرأها ونستجمعها مبثوثة في تقارير وتغطيات بعض الصحف والمراكز الدولية؟...إنها تعني أن أصحابها ما زالوا يعيشون “خارج التاريخ”، وأن نبأ انتهاء الحرب الباردة لم يبلغهم بعد، ولم يبلغهم أيضاً أن عالم اليوم غير عالم الثمانينات، وأن حافظ الأسد لو بقي حيّاً لما كان بمقدوره أن يفعل شيئاً مغايراً، ففي الأزمنة الراهنة لم يعد هناك شيء اسمه “سياسة داخلية” معزولة عن العالم من حولها، وأن مبدأ “السيادة الوطنية” قد أعيد تعريفه مراراً وتكراراً، وأن ما يجري من تباعد بين روسيا (وريثة الاتحاد السوفيتي السابق” والولايات المتحدة، ما زال حتى إشعار آخر، أبعد من أن يكون إعادة إنتاج للحرب الباردة.

تعني مثل هذه المواقف، أن الصراع بلغ مستوى من الاستقطاب الطائفي، حداً تسهل معه فكرة مقارفة المجازر بالجملة والمفرق، طالما أن الهدف هو البقاء في السلطة وحفظ أمن الطائفة ومصالحها وتفوقها “السيادي”...وأن هذه الحقوق والمصالح، سيجري الدفاع عنها ذاتياً، بقوة المليشيا والعناصر المنشقة، على ضفتي الانقسام الأهلي، مهما كلف الثمن، حتى وإن أفضى ذلك إلى تدمير الدولة أو التمرد عليها.

تعني مثل هذه “الخواطر السوداء” أن القوم على ضفتي الصراع، دخلوا في “لعبة الحياة والموت”، أو “اللعبة الصفرية”، فكل تقدم يحقق الآخر، هو خسارة صافية للفريق المقابل، والعكس بالعكس...لكأن حكماً بالإعدام على الحوار والوحدة الوطنية والعيش المشترك والسيادة الوطنية والدولة، قد صدر بصورة قطعية، وربما يكون حكماً كهذا هو القاسم المشترك الوحيد بين المتقاتلين في حرب سوريا الأهلية.

سياسياً، تعني هذه “الانشقاقات” و”التمردات” أن المراهنين على تغيير النظام من داخله، قد يفاجأون إن وقع أمر كهذا، ببدائل أكثر تشدداً من الأسد نفسه، بل وقد يترحمون على “أيام الأسد”...ما يعني أن شعار “إرحل” قد يأتي إن تجسّد، بنتائج مغايرة تماماً للمقصود به، وأن النموذج اليمني في حال إعادة إنتاجه سوريّاً، قد يقتلع الجزء الأكثر اعتدالاً من النظام، ويبقي أجزاءه الأكثر تطرفاً وتشدداً ودموية.

سياسياً أيضاً، تعني هذه المواقف، أن دورة التطرف والغلو التي أطلقها النظام وانتقلت بعد ذلك الشارع والمعارضة، تعود فترتد عليه الآن بأوخم العواقب والنتائج...فالخيار الأمني/العسكري لم يحم النظام ولن يحميه، بل يعرضه للتفيت والتآكل والتشقق، ومن داخله هذه المرة.

 

=================

الإعلام السوري.. وقلب الحقائق

بسام الكساسبة

الرأي الاردنية

14-6-2012

وحده الإعلام السوري الرسمي، الذي ينشر فبركات إعلامية عما يقترفه النظام السوري من فظائع ضد شعبه، فلدى الإعلام الرسمي السوري القدرة العجيبة على الإستخفاف بعقول البشر، وقلب الحقائق رأساً على عقب، وإظهار المذابح الفظيعة التي اقترفها الجيش السوري ومعه الشبيحة بحق الشعب السوري وكأن من إقترفها هو الشعب السوري نفسه، وكذلك الحال مع النظام السوري نفسه الذي بمقدوره تحويل الجلاد الى ضحية والضحية الى جلاد، فينزع صفات الإرهاب والإذلال وإقتراف المذابح عن الجيش السوري والشبيحة ويلصقها بالمعارضة السورية، وهو من يمكنه تقمص شخصية الممانع والمقاوم لسياسات الكيان الصهيوني، وهو من هادن الكيان الصهيوني أربعة عقود ونصف، فكان له الصديق الصدوق والخل الودود، بينما لم يهادن هذا النظام الإرهابي شعبه يوماً واحداً، وهو من باستطاعته التظاهر بالوطنية وهو من فرض على شعبه البطش والاستبداد والإذلال والتفقير طيلة تلك الفترة، مع أنه شن على شعبه حربين إرهابيتين مدمرتين، الأولى على حماة في عام 1983، والثانية المستمرة منذ ستة عشر شهراً حتى يومنا هذا.

تذكرنا مشاهدتنا للمدن السورية على شاشات الفضائيات وهي تدك دكاً عنيفا بأعتى القذائف والمتفجرات ومن العيارات الثقيلة ومن مختلف أنواع الأسلحة البرية والجوية من قبل تحالف الجيش السوري والأجهزة الأمنية والمليشيات المسلحة (الشبيحة)، بالعدوان الوحشي لجيش الكيان الصهيوني على قطاع غزة 2008/2009، مع فوارق جوهرية بينهما منها: أن جيش الكيان الصهيوني لم يخف في أية لحظة من اللحظات عدائيته للشعب الفلسطيني، ولم ينكر قيامه بشن تلك الحرب ضد سكان غزة، وقد إستغرق عدوانه ثلاثة أسابيع، في حين أن النظام السوري ومعه جيشه وشبيحته يخفون عدائيتهم للشعب السوري، وينكرون مسؤوليتهم عن جرائم تدمير المدن والقرى والأرياف السورية، وذبح شعبهم وزجه في السجون وتشريده، وفارق آخر هو إستمرار عدوان الجيش السوري والأجهزة الأمنية والشبيحة على الشعب السوري منذ 16 شهراً حتى وقتنا الراهن بلا إنقطاع، ولا يُعلم متى سيتوقف هذا العدوان.

إثناء عدوان الجيش الصهيوني على غزة اتحدت دول وشعوب العالم ومنظماته وأحزابه وقواه السياسية في إدانتها للعدوان الصهيوني وطالبت بوقفه، أما عدوان النظام السوري على شعبه وعلى أيدي جيشه (الصنديد!) المستمر منذ ستة عشر شهراً فليس هناك مواقف عالمية حازمة للجم هذا العدوان والقائمين عليه، فدول آزرت هذا العدوان سياسياً ومدته بالأسلحة كروسيا وإيران وأتباعها من طوائف وأحزاب ومليشيات كمليشيا حسن نصر الله وميليشيا مقتدي الصدر، وكل ما هناك أن مراقبين عرباً وأممين يحضرون لسوريا لمشاهدة تلك المجازر دونما تحريك لساكن بإتجاه وقفها، وكأن هناك توجهاً عالمياً لتأييد النظام السوري في حربه الإجرامية التي يشنها على شعبه، لأن مسار الثورات الشعبية العربية على ما يبدو يسير بغير هوى معسكر الدول المعادية لأمتنا.

=================

لماذا دعوة إيران لمؤتمر يخص سورية؟

جهاد المومني

الرأي الاردنية

14-6-2012

لماذا تصر موسكو على دعوة ايران الى المؤتمر الدولي الخاص بسوريا, هل تنطوي دعوة الروس للإيرانيين على رغبة بتشكيل معسكر جديد رافض لاسقاط النظام السوري وتجميع أكبر عدد ممكن من الاصوات المعارضة للمواقف العربية والغربية من الازمة السورية، ام أن بقاء نظام عائلة الاسد من عدمه لا يعني لروسيا الكثير بالفعل كما تعلن الخارجية الروسية، على عكس الموقف الايراني المتشدد لجهة بقاء الاسد في السلطة؟

الموقفان الروسي والايراني من مستقبل سوريا ينسجمان من حيث الشكل،ولكن لكل من موسكو وطهران مآرب مختلفة وإن تطابقت تكتيكيا حول بقاء نظام الاسد،فروسيا معنية ببقاء الحال السوري على ما هو عليه من حرب دموية لتحقيق هدفين،الاول استمرار رهن الارادة السورية وضمان تبعية النظام في دمشق لموسكو وهذا يعني بقاء سوريا المشتري الأول والرئيسي للسلاح الروسي،والثاني فان سوريا تعتبر ميدانا سياسيا تحتكره روسيا في هذه المرحلة لمناكفة الغرب وتحصيل تنازلات استراتيجية على صعيد دولي اوسع، في المقابل او الى جانب ذلك فإن ايران معنية ايضا ببقاء الحال السوري ما بين حياة النظام وموته مع الحرص على اسناده اذا آل للسقوط ولاسباب استراتيجية بالنسبة لايران، فالعالم الآن خفّض من مستوى اهتمامه-اعلاميا على الاقل-بالملف النووي الإيراني من جهة،ومن جهة أخرى فان ايران وجدت في سوريا ساحة تستنزف فيها دول الخليج العربي, ومنطقة استفزاز سياسي كما هي حال الجزر الاماراتية الثلاث المحتلة من قبل ايران،كما ان سوريا الضعيفة بالنسبة لايران فرصة لتفعيل الممر الجغرافي ما بين ايران وحزب الله اللبناني خاصة مع استعداد اسرائيل لتوجيه ضربة قاصمة للمشروع النووي الايراني،ولا تطلب دمشق مقابل ذلك أكثر من مساندتها ماديا في تحمل العقوبات الدولية،وتقديم خدمات استخبارية وعسكرية يحتاجها نظام الاسد بشدة.

من السذاجة تجاهل حقيقة ان روسيا وايران معنيتان باستمرار الوضع في سوريا على ما هو عليه لاعتبار سياسي آخر مهم وهو أن السنوات الثلاث الماضية شهدت تقاربا سوريا غربيا على حساب تحالفات ايران وروسيا التقليدية معها،وليس سرا ان الغرب وخاصة فرنسا والولايات المتحدة نجحتا في التأثير على المواقف السورية وحققتا الكثير من التغيرات على صعيد ابعاد دمشق عن الالتزام بتحالف اعمى مع ايران لمجرد شعور نظام الاسد بعزلة سياسية سببها دور سوريا السلبي في الازمة اللبنانية ودعمها لحزب الله وحلفائه على حساب الاستقرار اللبناني.

وكل من ايران وسوريا تستغلان حزب الله لنفس الغاية وهي التحرش باسرائيل واحيانا محاربتها بدماء اللبنانيين والجنوبيين منهم بالذات, ثم عندما فتح الغرب ابوابه للقيادة السورية كي تخرج من ثوبها الايراني قبل خمس سنوات وجدت دمشق فرصة سانحة للتقرب من (معسكر الاعتدال) والتوجه غربا مما انذر بخسارة كل من ايران وروسيا لحليف مهم وها هو الآن يعود مجبرا تحت وطأة الثورة السورية كي يقبل بما لم يقبل به من قبل فيفتح موانئه للبوارج الروسية،ومدنه وقراه للجواسيس الايرانيين, بل أن سوريا في هذه اللحظة من تاريخها مستعدة لمعاداة العرب أجمعين من اجل إيران.

=================

سوريا.. الحل الوحيد!

صالح القلاب

الرأي الاردنية

14-6-2012

من الضروري العودة الى البدايات بعدما وصف مسؤول حفظ السلام في الامم المتحدة الصراع المحتدم في سوريا بأنه «أصبح حرباً أهلية» وهو قال :»نعم.. أعتقد أننا يمكن أن نقول ذلك.. من الواضح أن ما يحدث هو أن الحكومة السورية خسرت بعض المساحات الواسعة من الاراضي في العديد من المدن لصالح المعارضة وهي تريد استعادة السيطرة على تلك المناطق».

فقبل خمسة عشر شهراً كان الوضع قابلاً للمعالجة وكانت قد وصلت نصيحة من عمّان نقلها رئيس الديوان الملكي السابق الدكتور خالد الكركي الى الرئيس السوري بشار الاسد بأن عليه كي يتجنب تصاعد ما جرى في درعا على خلفية حادثة الاطفال التي غدت معروفة: أولاً ،ألاّ يلجأ الى العنف والحلول الامنية إطلاقاً وثانياً ،ألاّ يعزل نفسه عن أبناء شعبه وأن يتواصل مع هؤلاء بطريقة مباشرة ليسمع منهم ويسمعون منه.

في ذلك الحين كانت هناك إمكانية لتضميد الجُرح الذي فتحته حادثة أطفال درعا وكان بالإمكان احتواء كل ردود الافعال عليها لو أن بشار الاسد لم تأخذه العزة بالإثم ورفض الاستماع الى هذه النصيحة آنفة الذكر ولو أنه لم يستمع الى من قال له ان عليه ان يكرر ما فعله أبوه في حماة عام 1982 فضمن الاستقرار لنظامه نحو ثلاثين عاماً وأكثر وإن عليه استخدام القبضة الحديدية ويفعل ما فعله الحجاج بن يوسف الثقفي عندما خاطب أهل الكوفة بقول :»إني أرى رؤوساً قد أينعت وحان قطافها»!!.

لم يدرك الرئيس بشار الاسد أن العنف يؤدي الى العنف وأن شعباً صبر لأربعين عاماً على الظلم في عهده وعهد والده بحاجة الى مجرد شرارة كشرارة حادثة أطفال درعا كي ينتفض في ثورة شاملة هي هذه الثورة المتصاعدة التي بدأت سلمية ثم حولها القمع الوحشي الى هذه المواجهات المسلحة التي حولت البلاد كلها بما في ذلك دمشق العاصمة الى جبهات قتال تُستخدم فيها مختلف الاسلحة.

الآن وقد وصلت الأمور الى ما وصلت اليه فإن عقدةً كان بالإمكان حلها بالأصابع أصبح من غير الممكن حلها حتى بالأسنان ولعل ما جعل الأمور تصل الى هذا المستوى من التعقيد أن السياسات البائسة التي اتبعها هذا النظام قد حولت سوريا الى ساحة صراع إقليمي ودولي سيدفع ثمنه وقريباً الرئيس بشار الأسد نفسه الذي من الواضح أن القوى الدولية المتصارعة أصبحت متفقة على رحيله لكنها لا تزال مختلفة على كيفية هذا الرحيل وعلى من الذي سيخلفهُ في المرحلة الإنتقالية المفترضة.

لم تعد هناك إمكانية لبقاء بشار الاسد في الحكم ولم تعد هناك إمكانية لبقاء هذا الحكم حتى وإن تم التوصل الى تسوية دولية وإقليمية لتنحي أو تنحية رئيسه فالأمور تجاوزت كثيراً مثل هذه المعالجات ولم يعد هناك إلاّ حل واحد أولاً لحقن دماء الشعب السوري الزكية وثانياً للحفاظ على وحدة سوريا وهو الإسراع في التوصل الى اتفاق بضمانة دولية على مرحلة انتقالية تُدار البلاد خلالها من قبل رموز وطنية لا هي محسوبة على المعارضة ولا على الموالاة تُعِد خلال عامٍ أو عامين لانتخابات بإشراف دولي يقرر من خلالها السوريون مصيرهم بأنفسهم ويتخلصون والى الأبد من شبح الاستبداد الذي بقي يطارهم منذ أول انقلاب عسكري في عام1948 .

=================

المعضلة السورية

محمد بزيان

2012-06-13

القدس العربي

الثورة السورية أكثر ثورات الربيع العربي دواما ومأساوية. وقد أظهرت هذه الثورة أن هنـاك أنظمة سياسية يمكنها أن ترتكب جرائم أكثر فظاعة من تلك التي ارتكبتها النازية ، كما كشفت هذه الثورة عن أن النظام الدولي عاجز عن ردع المجرمين الذين يرتكبون جرائم في حـق الإنسانية. وأن حق الاعتراض في مجلس الأمن يمكن أن يكون أداة لحماية المجرمين. هذه أمور نعتقد أنها أمست معروفة لدى عامة الناس وخاصتهم. ومع ذلك قد يكون من المفــــيد التنبيه إلى ما يمكن أن نسميه بالعقــد التي حالت حتى الآن دون إيجاد حل لما يجري في سورية من مآس على مرأى ومسمع من العالم كله ، وكأن البشرية رجعت إلى أزمنة الهمجية.

العقدة الأولى وجود نظام في دمشق قائم أساسا على هياكل أمنية وظيفتها خدمة هذا النظام وليس خدمة المجتمع والمحافظة على استمراره. ولعل وصفه بالعصابة هو التعبير الأكثر دقة. هذا النظام يستمد معتقده السياسي ـ كما هو معروف ـ من حزب البعث الذي لا يختلف كثيرا عن الستالينية تصورا وممارسة. وإذا كان ستالين قضى على نحو ثلاثة ملايين شخص في منتصف الثلاثينيات من القرن الماضي فإن بشار الأسد مستعد لأن يزهق أرواح مئات الآلاف من النساء والاطفال وبالتالي فعقد الأمل على إمكانية قبوله بالتنحي عن السلطة لا يعدو إلا أن يكون سرابا. إن معتقــد التمسك الجنوني بالسلطة متأصل في النظام منذ عهد الأب حافظ الأسد.

العقدة الثانية وجود تناقض بين ما تريده الثورة وهو إسقاط النظام وبين ما تريده الطغمة الحاكمة وهو بقاء النظام واستمراره والقضاء على الثورة. وفي هذا السياق ، وكما سبق لنا أن أشرنا ، فإن الإصرار على بقاء النظام يتجاوز بشار الأسد نفسه. ولعل ما صرح به وزير خارجية روسيا أخيرا بأن بلاده قد تقبــل برحيل بشار إن رغب في ذلك الشعب السوري دليل على أن النظام في هذا البلد لا يستند إلى وجود الرئيس بالذات. وبالتالي فليس هناك حل وسط بين ما تريده المعارضة وبين ما يريده النظام. وما زاد هذا التناقض رسوخا أن كل طرف قد وصل إلى نقطة صار معها من الصعب جدا عليه أن يتنازل عن تحقيق هدفه كاملا. وبالمناسبة نعتقـد أن فكرة اللجوء إلى الحل على الطريقة اليمنية هي فكرة غير مجدية وفاشلة مسبقا باعتبار أن أركان النظام يرفضون مطلب المعارضة جملة وتفصيلا. وتنحي الأسـد لن يقدم أو يؤخر في الأمر شيئا. ودوره لا يتعدى تبعة ما يقترف من مجازر.

العقدة الثالثة موقف إيران وحزب الله الداعم للنظام ليس منتظرا تغييره لسبب جد بسيط وهــو أن كلا منهما يعتبر الوقوف إلى جانب النظام السوري هو دفاع عن وجوده. إلا إذا أعطيت إيران ضمانات بعدم الهجوم عليها، وهذا أمر غير وارد حتى في حالة الامتناع عن مهاجمتها..

العقدة الرابعة تمسك روسيا الاتحادية بالدفاع عن نظام دمشق في الأمم المتحدة وفي ما تقوم بـــه من نشاط دبلوماسي لصالحه. على الرغم من الأضرار الأدبية الهائلة التي لحقت بها جراء موقفهـا المدافع عن نظام يرتكب المجازر. مما يجعل كل شعوب الأرض التي تؤمن بالقيم الإنسانية السامية تشعر بالاشمئزاز من هذا الموقف الروسي الذي سوف يلحق بدون شك أضرارا بليغة بمصالح روسيا المادية أيضا.

العقدة الرابعة الخوف من تحول الصراع المسلح إلى حرب أهلية قد تمتد تداعياتها لتشمل المنطقة كلها. لكن الذي ربما لم يؤخذ في الحسبان بما فيه الكفاية هو أن استمرار هذا النظام الذي يشبه إلى حد كبير مسمار ملوث انغرز في الجسد. والإبقاء عليه قد تكون آثاره أسوأ من مضاعفات انتزاعه.

إن هذا النظام أثبت بما لا يدعو مجالا للشك في أنه لا ينتمي إلى هذا الزمان الذي أمسى فيه احترام حقوق الإنسان يحظى بالأولوية..

مبادرات هزيلـــة

بالإضافة إلى العقد المشار إليها والتي صعبت إلى حد كبير من إيجاد مخرج مما يحدث من مجازر سوف تبقى وصمة عار في جبين الإنسانية. هو فقدان إرادة دولية جادة في البحث عن حل يضع حدا لشلال الدم المتدفق في سوريا. ومما شك فيه أن شعوب المعمورة اليوم لا تلقي باللائمة على روسيا والصين فقط وإنما تلقي باللائمة على المجموعة الدولية كلها، ولاسيما القوى الكبرى التي لم تتحرك جديا وبما فيه الكفاية لوضع حد لوجود نظام ليس قابلا أن يوقف قتل الأطفال والنساء وذبحهم وحتى حرقهم أحياء. والغريب في الأمر أن المبادرات التي قدمت حتى الآن خاوية ولا تحتوي على أي عنصر فعال. ويمكن القول إن النظام السوري استطاع أن يستفيد من هذه المبادرات العرجاء التي أهم ما تأتي به إعطاؤها مهلا للنظام ليصعد أكثر فأكثر من وتيرة القتـل.

ومن الخواء وفقدان الجدية اللتين تطبعان تلك المبادرات أو المخططات ما تضمنته على سبيل المثال خطة المبعوث الاممي كوفي عنان التي ظهر فيها المراقبون الامميـون كالكرة تتقاذفهم قوات نظام الأسد وشبيحته من مكان إلى مكان وهم لا يدرون ما يفعلون بالضبط وهم في حالة مثيرة للشفقة. فهل ذهب هؤلاء المراقبون ليمنعوا مدفعية الجيش السوري ودباباته من قصف المدن وتهديم البيوت على رؤوس ساكنيها؟ أم لمشاهدة ذلك القصف والقول إنه وقع فعلا؟ ومن الجهة التي تطلق النار؟ مع العلم أن قوات امن النظام لا يهمها أن يقال عنها إنها تدك الأحياء السكنية. الإجابة عن هذه الأسئلة غير ذات أهمية معتبرة. لآن المهم مضمون الجواب عن السؤال الجوهري وهو ماذا بعد؟

وعلى هذا الأساس فليس هناك فرق بين عدد المراقبين الحالي وبين زيادته إلى عشرة أضعاف إلا من حيث كون رفع عددهم ربما يمكنهم من أن ينقسموا إلى أفواج يستطيعون من خلالها اعتماد نظام العمل بالتناوب حتى يتمكنوا من أخذ قسط من الراحة.. أما الطريق الذي يقود إلى نجاح الثورة في سوريا فبدون شك هو الطريق الذي سلكه أولئك الذين رفضوا أن يوجهوا فوهات بنادقهم وحرابهم إلى صدور إخوانهم المتظاهريـن وأجساد الأطفال. ونعتقد أن أهم عمل يمكن للجيش الحر القيام به هو ضرورة خضوعه لتنظيم محكم حتى يتمكن من فرض الانضباط والسيطرة على السلاح وفي هذا وقاية للثورة من الوقوع في التناحر أو ما يسمى بالحرب الأهلية التي تحولت إلى أكبر هاجس يقف في وجه التقدم بسرعة نحو النصر.

' كاتب مغربي

 

=================

سورية.. اخطر من حرب اهلية!

عبد الباري عطوان

2012-06-13

القدس العربي 

الجميع يفتي ويدلي بدلوه في سورية، وكل طرف يفسر الصراع وفقا لمنظوره الخاص، ويصدر تنبؤاته وفـــتاواه حسب تمنــياته، ولا نقول مصالحه فقط، والشعب السوري هو الخاسر الاكبر وسط هذه المعمعة، حيث تتواصل اعمال القتل والخطف في معظم انحاء البلاد ويسقط القتلى بالعشرات.

ايرفيه لادسو رئيس عمليات حفظ السلام في الامم المتحدة افتى بأن ما يجري حاليا في سورية من صدامات بين القوات الحكومية والجيش السوري الحر هو حرب اهلية، وقال ان الحكومة السورية فقدت مساحات واسعة من اراضيها لصالح المعارضة وتحاول استعادتها.

ومن المفارقة، وما اكثر المفارقات على الساحة السورية هذه الايام، التقاء الحكومة والمعارضة على رفض هذه الفتوى حيث رفضها الطرفان، واكدا ان ما يجري في البلاد ليس حربا اهلية، فإذا كانت الامم المتحدة على خطأ فما هو الصحيح اذن؟

وزارة الخارجية السورية على لسان متحدث باسمها قالت ان وصف المسؤول الأممي 'لا ينسجم مع الواقع ويتناقض مع توجهات الشعب السوري، لان ما يجري هو حرب ضد مجموعات مسلحة اختارت الارهاب طريقا للوصول الى اهدافها، وان من واجب السلطات التصدي لها وبسط سلطة الدولة على كامل اراضيها'.

الهيئة العامة للثورة السورية رفضت بدورها فتوى الامم المتحدة، وقالت في بيان اصدرته امس 'إن ما قاله مسؤول عمليات حفظ السلام في الامم المتحدة لا يعبر عن صورة الاحداث الجارية، ولا يعبر عن الشعب السوري وثورته السلمية'. وانتقدت الهيئة التصريح الاممي، معتبرة انه 'مساواة بين الضحية والجلاد، وتجاهل لمجازر النظام الاسدي وطمس لمطالب الشعب السوري المشروعة بالحرية والكرامة'.

' ' '

انا شخصيا اختلف مع الحكومة والمعارضة والامم المتحدة معا، وارى ان وصف الصراع بأنه حرب اهلية هو وصف قديم انتهى عمره الافتراضي منذ اشهر، وان ما يجري في سورية ليس تطهيرا طائفيا فقط، وانما حرب اقليمية بالوكالة بين معسكرين:

الاول: المعسكر الروسي ويضم ايران وسورية وحزب الله وبعض الميليشيات الشيعية العراقية، ويحظى بدعم مباشر من الصين، وغير مباشر من الهند والبرازيل.

الثاني: المعسكر الامريكي ويضم دول اوروبا الغربية وتركيا، الى جانب المملكة العربية السعودية ودول الخليج، الى جانب دعم غير مباشر من الاردن.

جامعة الدول العربية وبدعم من دول عربية خليجية، وبعض اطراف المعارضة السورية كانت تضغط دائما باتجاه تدويل الأزمة السورية، وتدخل عسكري مباشر لإنهائها، على غرار ما حدث في ليبيا، ويبدو ان هذه الضغوط بدأت تعطي ثمارها هذه الايام، فقد باتت سورية محور صراع حقيقي للدول الكبرى، وخرجت الامور من دائرة سيطرة كلٍ من المعارضة والحكومة، بل والجامعة العربية ايضا.

بالأمس اتهمت السيدة هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الامريكية روسيا بتزويد النظام السوري بطائرات عمودية هجومية، ستستخدم في قمع الشعب السوري، فردّ عليها نظيرها الروسي سيرجي لافروف من طهران قائلا ان صفقات الاسلحة هذه تتم في اطار القوانين الدولية، وردّ الصاع صاعين باتهام الولايات المتحدة بتسليح دول في المنطقة.

صحيفة 'الاندبندنت' البريطانية المستقلة نشرت امس تقريرا مطولا اكدت فيه قيام المملكة العربية السعودية ودولة قطر بارسال شحنات اسلحة ثقيلة للجيش السوري الحر، تتضمن صواريخ مضادة للدروع ومدافع رشاشة وذخائر، عبر الاراضي والمنافذ الحدودية التركية، وعلى ظهر شاحنات عسكرية رسمية وبتنسيق مع حكومة السيد رجب طيب اردوغان.

في ظل هذه الحرب الباردة التي بدأت تدخل مرحلة السخونة تدريجيا، بات في حكم المؤكد 'نفوق' مبادرة كوفي عنان المبعوث الدولي، التي تتحدث نقاطها الست عن وقف فوري لإطلاق النار وسحب الآليات من المدن، والانخراط في حوار بين النظام والمعارضة، للتوصل الى مخرج سلمي للأزمة. فالمبادرة لم توقف اعمال القتل التي يرتكبها النظام، بل أدت الى حدوث مجزرتين هزتا ضمير العالم، الاولى في الحولة، والثانية في القبير، وكان معظم ضحاياهما من الاطفال، ذبحوا بطريقة وحشية همجية على ايدي ميليشيات تابعة للنظام.

ويمكن القول ايضا ان الحل اليمــــني لم يعد ممــــكنا في سورية، لأن النظام فيما يبدو بات مصـــمما، وبعد التصــعيد الاخير للهجـــمات من جــــانبه، على المضي في حلوله الأمنية الدموية حتى آخر الشوط، وايا كانت النتائج.

' ' '

الحوار بين المعارضة والنظام تجاوزته الأحداث، ولم يعد مفيدا بعد ان فلتت الأمور من الجانبين تقريبا. الحوار المثمر والفاعل بات عمليا بين القوى العظمى والاقليمية المتورطة في الحرب الحالية، وبالأحرى بين الولايات المتحدة زعيمة تكتل اصدقاء سورية من ناحية، والاتحاد الروسي الداعم الاساسي للنظام السوري من ناحية اخرى.

الجامعة العربية باتت خارج المعادلة كليا، ولم يعد في مقدرتها تنفيذ اي قرار يتخذه وزراء خارجيتها، بما في ذلك منع الفضائيات السورية من البثّ عبر اقمارها الصناعية. اما المعارضة السورية الخارجية التي اعتقدت انها باتت على بُعد بضعة امتار من كرسي الحكم قبل بضعة اشهر فإنها فقدت الكثير من وهجها لمصلحة المقاتلين على الارض، في صمود نادر ومثير للإعجاب.

وليم هيغ وزير الخارجية البريطاني كان مصيبا مرتين، الاولى عندما قال بالأمس ان سورية باتت على شفا الانهيار، والثانية عندما طار فجر اليوم الى موسكو لاجراء محادثات مع نظيره الروسي لافروف، صاحب الكلمة الأقوى في الملف السوري.

اسرائيل تراقب الصراع في سورية عن قرب وباتت قيادتها تشعر بالقلق، ليس فقط من مخزون الاسلحة الكيماوية السوري الاضخم في المنطقة، الذي من المحتمل ان يقع في يد جماعات اسلامية متشددة، وانما ايضا من وصول هذه الجماعات الى عمقها عبر الحدود السورية اذا ما تحولت سورية الى دولة فاشلة، على غرار العراق وليبيا وقبلهما افغانستان.

ايا كانت النتيجة التي ستنتهي اليها الاوضاع في سورية، فإن اسرائيل ستكون الخاسر الأكبر، وكذلك الدول التي لم يصل اليــها الربيع العربي بعد.

=================

الصراع على سورية يفكّك الدولة والجيش

الخميس ١٤ يونيو ٢٠١٢

عبدالوهاب بدرخان

الحياة

بين الولايات المتحدة وانحيازها التاريخي الثابت لسلطة الاحتلال الإسرائيلي للأرض الفلسطينية، وروسيا العائدة إلى أبشع ما في سوفياتيّتها بدعم ستالينية النظام السوري في عدوانه اليومي على شعبه، لا عزاء للعرب وقد غدوا ثانيةً وقود الحرب الباردة المتجددة بكامل سخونتها. فعلت أميركا كل ما يلزم، قبل ستة عقود، لضمان خسارة العرب فلسطين، وتفعل روسيا حالياً أمام أنظارهم كل ما تستطيع لاستدراج سورية إلى جحيم الحرب الأهلية وسيناريوات التقسيم والتفتيت.

بدل أن يرصد النظام السوري أي فرصة تُتاح لإنقاذ البلد من «المؤامرة» التي لا ينفك يحكي عنها، إذا كان حريصاً فعلاً على سورية وشعبها وجيشها ودولتها، تراه يراهن على «لعبة الأمم» وعلى «بازار» واسع تفتحه روسيا آملاً بالاستمرار، وكأن سورية تقزّمت لتُختزَل بهذا النظام ولا تستحق الوجود من دونه. والواقع أن شيئاً لا يضمن لهذا النظام أن تدور اللعبة على النحو الذي يرومه. فالروس صاروا مثله يعتمدون على حصيلة الضحايا وهول المجازر لاستثارة المزايدة، وكلما واجههم تحدٍ يعرضون جثته لإشعال المزاد والأسعار.

رغم أن المحنة هزّت النظام في صميمه، وأظهرت له أن «إنجازات» خمسة عقود من المناورات والصفقات والمغامرات في الإقليم كانت سلسلة من خداع الذات والأخطاء والأوهام، إلا أنه لم يفهم ولم يحاول أن يفهم أن الحلقة المفقودة في كل هذه «الأمجاد» هي شعب سورية. وإذ بذل كل جهد وابتلع كل الإهانات في مهادنة العدو الإسرائيلي، وبالغ في التجبّر على اللبنانيين والفلسطينيين والعراقيين وتخييرهم بين أن يكونوا أعداء أو عملاء أو أتباعاً، فإنه انتهى إلى إخراج كل ترسانته لمواجهة مَن اعتبرهم دائماً «العدو الأول»، «الحقيقي»: الشعب. وفوق ذلك يطمح، بل يحلم، بأن يهزمه ليواصل حكمه، أو يترك له سورية مجرد أرض محروقة.

كان المؤتمر الأخير لـ «منظمة شنغهاي للتعاون» في بكين فرصة لتعميق محور السلبية التي باتت تربط بين روسيا والصين، برصيد «فيتو» مزدوج استخدم مرتين في مجلس الأمن، ويظنّه أصحابه صدّاً للنفوذ الأميركي - الغربي فيما تجده أمم العالم كافة حضّاً وتشجيعاً على قتل المدنيين في سورية. وإذ اقترب هذا الثنائي الدولي إلى مواقف إيران ضد «الشيطان الأكبر» الأميركي وضد «الاستكبار الغربي» فإنه يطلب ضمّها إلى مؤتمر دولي بشأن سورية. لكن ما الذي يبرر وجود إيران إلى الطاولة على افتراض قبول الجميع بها وانتظام المؤتمر فعلاً، أهي حدودها المشتركة مع سورية، أم عضويتها الافتراضية في الجامعة العربية، أم عضويتها في مجلس الأمن، أم تحالفها مع نظام دمشق، أم «شبّيحتها» المشاركون في قتل السوريين، أم لأن الروس والصينيين صاروا يعتبرونها «دولة عظمى» ذات نفوذ في الإقليم بحكم سيطرتها على العراق وسطوتها في لبنان وإدارتها للانقسام الفلسطيني من خلال غزة؟ معظم هذه المبررات غير صحيح أو وهمي أو آني، وقد اختلس في ظروف غير منطقية وسيزول بزوالها.

كان يمكن اقتراح هذا المؤتمر الدولي أن يكون خبراً جيداً لو أنه «من أجل سورية»، لكنه عملياً لتدبير شؤون الأطراف المتحفزة لاقتسام سورية. فهو يرمي، إذا قدّر له أن ينعقد، إلى أحد خيارين: إما تعجيز التوصل إلى أي حل آخر غير إبقاء النظام السوري أو في أفضل الأحوال فرض نظام يكون نسخة معدّلة منه. وإما دفع الابتزاز إلى حدوده القصوى بوضع مطالب روسيا والصين وإيران ومتعلّقاتها بدول أخرى في سلّة واحدة بحثاً عن صفقة كبرى متكاملة يصبح الشأن السوري فيها ثانوياً وموضع مساومة. قد يبدو الخيار الآخر خيالياً أو مغرياً لكنه ينطوي بدوره على تعجيز، لأنه يوسّع الإطار ليطرح تسوية مركّبة ومترامية الأطراف بين حلف الأطلسي و»منظمة شنغهاي» وريثة حلف وارسو. وعلى ذلك يجب ألا تُعلّق آمال كبيرة على أي لقاء قريب بين الرئيسين الأميركي والروسي، ولا على المفاوضات النووية بين مجموعة الدول الـ 5+1. فالروس رفعوا السقف عالياً وأصبحت تنازلات إيران النووية في عهدتهم مقابل العقوبات المفروضة عليها، كما أنهم والصينيين يحتاجون إلى إيران إذ يستعدّون لإعادة ترتيب الأوضاع في آسيا الوسطى بعد الانسحاب الأميركي - الغربي من أفغانستان.

كيف يمكن والحال هذه التوصل إلى تسوية قريبة تحقن الدماء وتؤمن الاستقرار في سورية. الواقع أن الدول الغربية تعاملت مع الأزمة حتى الآن بإظهار الاهتمام الأخلاقي والإنساني بأوضاع الشعب السوري، لكنها استهلكته وتوشك على استنفاده، ولا تستطيع المضي قدماً من دون استراتيجية واضحة تتعلق بسورية وكذلك بمجمل الشرق الأوسط. مرةً أخرى يظهر الخلل الذي خلّفه الغرب بانقياده وراء إسرائيل في الإحجام عن توقيع اتفاق سلام مع سورية والتلكؤ المتعنت في حل القضية الفلسطينية. ولعل مردّ صمت إسرائيل طوال الأزمة إلى إدراكها هذا الخلل وعدم لفت النظر إليه، فلو اندلعت الانتفاضة الشعبية السورية في ظل سلام مع إسرائيل لكان موقف النظام مختلفاً إقليمياً وحتى دولياً. فجأةً، يوم الأحد الماضي، خرج بنيامين نتانياهو وشاؤول موفاز عن صمتهما ليدينا المجازر في سورية، وشيمون بيريز ليتمنى انتصار الشعب السوري، وفجأةً بدأت إسرائيل تطالب بـ «تدخل عسكري خارجي» وكأنها استشعرت وجوب التدخل في «بازار» المعالجة الدولية الجارية للأزمة لعل هناك ما يمكن أن تكسبه أكثر من كونها ضمنت هدوء الجبهات مع «دول الطوق» العربية لفترة طويلة آتية.

تؤكد الدول الغربية يومياً «عدم التدخل» في سورية رغم اقتناعها بضرورته لكن حماية المدنيين ووقف اراقة الدماء لا يمكن أن يشكلا أهدافاً حقيقية وموجبة للتدخل، خصوصاً أن هذه الدول لم يكن لها وجود على الساحة السورية. ففي مقابل عجزها الواضح تشهد أن روسيا وإيران تتدخلان وتجاريان النظام السوري في استهزائه بالاعتبارات الأخلاقية. أكثر من ذلك، انهما تتوقعان من الغرب وحلفائه العرب أن يدفعوا ثمن تسهيلهما «حلاً» تشترطان أن يكون لمصلحتهما ويضمن مصالحهما إما بالإبقاء على النظام أو بأي صيغة تناسبهما لـ «ما بعده». لكن ما الذي يدفع الدول الغربية، في هذه الحال، إلى شراء تسوية أو إلى تقديم تنازلات للحصول عليها، بل مقابل ماذا؟ لا شيء، هذا يعني فقط أن شروط «الصفقة» غير متكافئة، بل غير متوافرة. فلو تعلق الأمر بـ «أمن إسرائيل» لكانت الدول الغربية بذلت كل المستطاع لضمانه، لكن روسيا والصين لم تقتربا من هذا الخط الأحمر. ولا تجد الدول الغربية وإسرائيل موجباً للتدخل طالما أن الحاصل في سورية - بما فيه التدخل الروسي والإيراني - يصب في مصلحتها، وكل ما عليها أن تفعله هو الضغط لعدم تمكين النظام من سحق الانتفاضة. أما الخيار الأفضل الذي ارتسم لديها، ولم تسعَ إليه تجديداً، فهو ترك سورية تحترب وتحترق وتتفكك بأيدي النظام وبمساهمة غبية من الروس والإيرانيين.

 

=================

النظام السوري دخل مرحلة النهايات

بول سالم *

الخميس ١٤ يونيو ٢٠١٢

الحياة

ثمة مؤشرات عدة على أن نظام الأسد بدأ مسيرة انحدارية سحيقة نحو التدهور وربما السقوط. يخرج المزيد من البلدات والمناطق عن سيطرة النظام، وتظهر القوات الحكومية دلائل الارتباك من خلال ارتكاب مجازر متكررة، فيما المعارضة تتسلّح وتنسّق قواها في شكل مطرد. وعلى الصعيد الدولي، تقترب خطة أنان، التي منحت النظام السوري فرصاً عدة، من نهايتها، وسط دعوات متزايدة في الغرب إلى رفع مستوى التدخل في سورية. وفي هذه الأثناء، تتدفق الأموال والأسلحة والمعلومات الاستخبارية على الثوار السوريين. وهكذا، يبدو النظام السوري الذي رفض الحلول السياسية وفشل في فرض حلوله الأمنية - العسكرية، على شفير الانهيار تحت وطأة عنفه العاري وتناقضاته الحادة.

يمكن ملاحظة ارتباك النظام من خلال معاينة تطورات عدة. فتشير مجزرتا الحولة ومزرعة القبير وإطلاق العنان لإرهاب الشبيحة إلى أن النظام لم يعد قادراً على فرض سيطرته وهيمنته كما في السابق، ولذا يلجأ إلى أعمال وحشية لإرهاب المواطنين ومحاولة ردع الثوار. وكذلك الأمر بالنسبة إلى تفسير التقارير الدولية عن استخدام الأطفال كدروع بشرية خلال المجابهات بين قوات النظام وقوى المعارضة المسلحة.

ثم أن النظام بدأ يستخدم الحوامات العسكرية، وهو أمر تجنّبه في الماضي لأنه يعزز وجهة نظر الداعين إلى فرض مناطق حظر جوي. وهذا، مرة أخرى، يعكس فقدان النظام القدرة على السيطرة على الأرض في مناطق عدة من سورية، ووصول أسلحة مضادة للدبابات والمدرعات، علاوة على أسلحة وأجهزة اتصال أخرى إلى أيدي قوات المعارضة.

لكن، ثمة ما هو أخطر: إذ أن الهجمات على بلدة الحفة وبلدات أخرى، فضلاً عن المعارك حول مدينة حماة الاستراتيجية، ربما تدل على أن النظام بدأ يستعد لمرحلة ما بعد السقوط من خلال القيام بعمليات «تنظيف» مذهبية في المناطق الشمالية الغربية من سورية، تمهيداً لإقامة «كانتون» علوي هناك.

لقد أشعلت المذابح المتكررة الرأي العام في الداخل السوري، حتى في صفوف رجال الأعمال والطبقات الوسطى التي بقيت على الحياد طيلة الفترة السابقة. وثمة أيضاً تقارير عن بروز امتعاض عميق داخل الطائفة العلوية نفسها، ذلك أنّ الرئيس الأسد وعد الطائفة بحل عسكري أمني سريع للأزمة لكنه بدلاً من ذلك يقودها إلى حرب أهلية لا تستطيع أن تربحها.

وفيما يبدو النظام في حالة تضعضع، بدأت المعارضة تُظهر المزيد من التنسيق والفعالية. إذ تشير المعلومات إلى أن هذه القوى تتلقى أموالاً وأسلحة خفيفة من السعودية وقطر، وأسلحة مضادة للدبابات من تركيا، ودعماً استخبارياً وتقنياً من الاستخبارات الأميركية (سي أي آي) والبريطانية (أم آي 6). وقد تكبّدت القوات الحكومية في المعارك التي نشبت الأسبوع الماضي مع قوات الثوار خسائر بشرية كبيرة وفقدت 20 دبابة وعربة مدرعة. كما تُظهر قوات المعارضة دلائل متزايدة على أنها باتت قادرة على التنسيق وعلى تنفيذ هجمات بشكل أكثر فعالية في مختلف أنحاء البلاد، بما في ذلك ضواحي دمشق.

وعلى الصعيد الخارجي، ثمة تحوّل ايضاً. فمبادرة كوفي انان تُعتبر الآن في عدد من عواصم المنطقة وفي الغرب أنها قد فشلت. ويتمحور النقاش حالياً حول ما إذا كان يتعيّن الانتظار حتى ينتهي تفويض مهمة المراقبين الدوليين في أواسط تموز (يوليو)، أو أن يُعلن عن وفاة هذه المبادرة قبل ذلك. وقد أعرب أنان نفسه عن إحباطه الشديد من أفعال النظام السوري، وحذّر من أن البلاد باتت على شفا «كارثة الحرب الأهلية». لكن هيرفي لادسوس، رئيس عمليات قوات حفظ السلام الدولية، ذهب أبعد من ذلك حين أعلن أن سورية دخلت بالفعل في «حرب أهلية واسعة النطاق».

والآن، وبعد أن فشل أنان في حمل نظام الأسد على الامتثال إلى مبادرته، تكمن الطلقة الأخيرة في استراتيجيته في الانخراط مع كلٍ من روسيا وإيران في سيناريو «مجموعة اتصال سورية»، بأمل إقناع حلفاء الأسد بحمله على قبول التفاوض والبحث عن حل سياسي.

لكن يبدو أن الوقت بدأ ينفد داخلياً وخارجياً. إذ لم يعد واضحاً كم من الوقت يستطيع نظام الأسد أن يصمد بعد، فيما تتعالى أصوات في الغرب تطالب بإعلان موت مبادرة أنان وتدعو إلى عدم الاعتماد على الرئيس الروسي بوتين لإنقاذ سورية من المجازر والحرب الأهلية.

في هذه الأثناء، تواصل الولايات المتحدة وروسيا التفاوض، فعُقد اجتماع الجمعة الماضي ضم المبعوث الأميركي الخاص إلى المعارضة السورية فريد هوف ونائبين لوزير الخارجية الروسي هما ميخائيل بوغدانوف وغينادي غاتيلوف. لكن بدا ان مواقف الطرفين لا تزال متباعدة. فروسيا تواصل دعم نظام الأسد عسكرياً وسياسياً، وحتى مالياً، فيما تقدّم الولايات المتحدة الدعم الاستخباري والتقني للثوار السوريين، وتوافق على تدفق الأسلحة وعمليات التدريب إليهم والتي يقوم بها حلفاؤها وأصدقاؤها في المنطقة. والواقع، وفيما تنهار مبادرة أنان ويكسب الثوار المزيد من الصدقية، يحتمل أن تزيد الولايات المتحدة بالتدريج مداخل دعمها المباشر وغير المباشر للثوار. يتطور الموقف الأميركي بسرعة، بخاصة لأن المرشح الجمهوري للرئاسة ميت رومني يدعو إلى موقف أميركي أكثر حزماً إزاء الأزمة السورية. وهذا ما قد يدفع أوباما إلى تصعيد مواقفه من الأزمة. ولا يغفل أيضاً أن القيادات الاسرائيلية، من نتانياهو إلى شاوول موفاز وشيمون بيريز، باتت تطالب اميركا والغرب بالتدخل في سورية، وسيكون للموقف الاسرائيلي صداه القوي عند اللوبي اليهودي في واشنطن.

أما على الصعيد الأوروبي، فصرّح كلٌّ من وزير الخارجية البريطاني، وليام هيغ، والأمين العام لحلف شمال الأطلسي، أندرز فوغ راسموسن، بأن الأزمة السورية بدأت تشبه الأزمة البوسنية في بداية التسعينيات. آنذاك، وقف العالم في موقف المتفرّج بينما كان جيش نظام ميلوسوفيتش يرتكب المجازر والتطهير العرقي. ولم تنتهِ الأزمة إلا بعد أن شنّ حلف شمال الأطلسي عملية قصف جوي مكثّف. إذاً، تظهر التصريحات الأوروبية أن الحكومات الغربية، وإن كانت تبدي تردّداً الآن، قد ترى أنه من الضروري التدخّل في سورية في المستقبل القريب. هذه الخطوة بدأت تُتَرجَم من خلال تقديم الدعم العسكري غير المباشر للثوّار، لكن قد يُنظَر في نهاية المطاف في إمكانية إقامة منطقة حظر جوي أو ممرّات أو مدن آمنة داخل سورية.

تشير التطورات في الأسابيع الاخيرة أن الأزمة السورية بدأت تدخل مرحلتها النهائية. وفيما من غير المؤكّد ما إذا كان نظام الأسد قادراً على الصمود لما تبقّى من العام الجاري، من الواضح أنه اختار السبيل الأكثر دموية، آخذاً سورية إلى مرحلة من الدمار والحرب الأهلية، ومعرّضاً الطائفة العلوية، التي يدعي حمايتها، إلى خطر وجودي كبير. لا يمكننا إلا أن نأمل أن تخرج سورية سريعاً من محنتها، وألا تشمل تكاليفُ سقوط النظام وإرساء نظام سياسي جديد مزيداً من عشرات آلاف الضحايا.

 * مدير مركز كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت

=================

لماذا يتزايد تمسك الروس بالأسد؟

طارق الحميد

الشرق الاوسط

14-6-2012

يبدو أن الروس يزيدون من تمسكهم ببشار الأسد اليوم أكثر من أي وقت مضى، والدليل على ذلك أن وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف يقول في مؤتمره الصحافي مع نظيره الإيراني بطهران إن موسكو مستعدة لعقد الاجتماع الخاص بسوريا ولو خارج روسيا نفسها، وبأي مكان تريده الأطراف الفاعلة!

وهذا بحد ذاته يعد مؤشرا على أن موسكو ليست حريصة على عقد الاجتماع فقط، بل هي مستميتة من أجل ذلك، والآن أكثر من أي وقت مضى، وإلا فكيف تدعو موسكو لمؤتمر خاص بسوريا ثم تقول، وبلا «ثمن»، إنها توافق على عقده بأي مكان آخر؟ أمر مثير للريبة بالطبع! خصوصا أن الاعتراض ليس على مكان المؤتمر الخاص بسوريا، بل على من سيشارك فيه، بحسب المواقف الدولية، وتحديدا إيران الشريك الفعلي مع روسيا في دعم طاغية دمشق. ولذا فإن تصريحات لافروف عن استعداد بلاده لعقد مؤتمر سوريا بأي مكان ما هي إلا مؤشر على الحرج الذي تقع فيه موسكو الآن، حيث إن الأوضاع على الأرض في سوريا تدل على أن الأسد بات يفقد السيطرة، وبات في حكم المؤكد أنه ليست لديه المقدرة على استعادة الأوضاع هناك، ناهيك عن إعادتها إلى ما كانت عليه، فجميع المؤشرات تقول إن الأسد ساقط لا محالة، وتبقى المسألة في: كيف ومتى؟ هل سيكون انقلابا أم انهيارا مفاجئا؟

كل ذلك من شأنه أن يشكل ضربة قاسية لروسيا، آنيا ومستقبلا، خصوصا أن موسكو قد شرعت باب التفاوض حول مستقبل الأسد، ومضى وقت دون أن يتقدم «مشتر» مما يعرض بضاعتها في سوريا للبوار، خصوصا، وكما أسلفنا، فإن الأوضاع على الأرض ليست في مصلحة الأسد، وبالتالي فإن سقوط الأسد بشكل مفاجئ، أو انهيار الأوضاع في سوريا، من شأنه أن يفقد موسكو ورقة مهمة هناك، فحينها لن يكون بمقدور موسكو تأمين مصالحها في سوريا، كما لن تكون لكلمتها قيمة. وربما لهذا نفهم سعي موسكو لضم إيران إلى المؤتمر الخاص بسوريا، حيث تريد روسيا المتاجرة بإيران في لعبة التفاوض حول مستقبل الأسد. فطهران هي التي يملك أوراق الضغط المباشر على الأسد، وقد يكون من مصلحة طهران الآن توفير بديل للأسد يخدم مصالحها في سوريا، أما موسكو فهي لا تملك اليوم إلا ورقة مجلس الأمن التي تلوح بها لطرفي النقيض، سواء المجتمع الدولي أو الأسد نفسه ومعه إيران أيضا، فقوة موسكو اليوم هي الفيتو بمجلس الأمن، لكن المؤشرات على الأرض تضع موسكو في حرج شديد بكل تأكيد، وقد تحرم روسيا من «ثمن» سقوط الأسد.

ومن هنا فإن أوراق موسكو اليوم باتت مهددة، وقد لا تستفيد منها، خصوصا مع مضي الوقت، وبعد فشل مهمة أنان، ولذلك يمكن فهم تصريحات لافروف حول إمكانية عقد مؤتمر سوريا خارج روسيا بأن موسكو باتت تستشعر خطورة الأوضاع على الأرض، وليس دليل مرونة سياسية روسية، أو براغماتية. ولذا فإن موسكو تحاول اليوم، وبأي شكل، عقد مؤتمر سوريا، وبالتالي ضمان تحقيق الروس لمصالحهم الآنية والمستقبلية.

=================

طرد الروس من جدة

عبد الرحمن الراشد

الشرق الاوسط

14-6-2012

من موسكو إلى جدة جاءت طائرة محملة برجال أعمال من كبرى الشركات الروسية في قطاعات حيوية، مثل النفط، والإنشاءات، وبناء المدن الصناعية والسكك الحديدية، والسياحة، بالإضافة إلى الأغذية والزراعة.

إلا أن نبأ زيارة رجال الأعمال الروس أغضب المواطن السعودي الذي يرى السفن الحربية الروسية في ميناء طرطوس تمد نظام الأسد بكل ما يحتاجه لقتل الشعب السوري، وفي الوقت نفسه تهبط طائرة ممثلي شركات روسيا في مطار جدة لحصد عقود بمليارات الدولارات.

وبسبب الغضب الشعبي العارم في السعودية لم يتجرأ تاجر واحد على الذهاب إلى مبنى الغرفة التجارية في جدة، واكتفى رجال الأعمال السعوديون بإرسال موظف استقبال تولى نقل الخبر للوفد الروسي، بأن الاجتماع ألغي حيث لا يستطيع الأعضاء ولا رجال الأعمال الجلوس معكم. وبعد عودتهم إلى الفندق هاتفتهم الغرفة التجارية في الرياض، وهي محطتهم الثانية، بنبأ إلغاء الاجتماع.

هذا رد متوقع على الموقف الروسي الذي بلغ من الوقاحة أنه لم يعد يأبه حتى للعبارات التي يستخدمها في توصيف ما يحدث في سوريا، ولا الخجل من دوره في قتل الناس. هكذا تنحدر العلاقة قصيرة الازدهار بين روسيا الجديدة والعالم العربي، بعد أن فتحت لها أبواب دول الخليج والمنطقة العربية عموما. وبعد نهاية الحرب الباردة منحت موسكو صفقات تفضيلية، هي والشركات الصينية، التي طلب منها استثناء أن تدخل في مشاريع النفط والغاز والإنشاءات الضخمة حتى صفقات السلاح، بعد أن كان يحرم عليها دخوله في زمن الخلاف مع الاتحاد السوفياتي. وعلاقة روسيا التجارية السنوية مع السعودية وحدها بلغت ثلاثة مليارات ونصف المليار دولار، وقد لا يكون الرقم ضخما لكنه يمثل تحولا مهما لصالح العلاقة مع الروس.

اليوم، صار المزاج الشعبي العام، والموقف الرسمي، في معظم الدول العربية، معاديا بشكل كبير لسياسة فلاديمير بوتين الذي اختار الوقوف إلى جانب النظام السوري في معركة طويلة ودامية وقبيحة ومليئة بالأكاذيب. ونحن لا ندري من يدير ملف سوريا في موسكو.. الرئاسة، أو الخارجية، أو المخابرات، ويصر على تأييد نظام بشار، لكنه يمثل غباء سياسيا في إدارة كل الأزمة. يبدو فيه خلط بين الصراع القديم، روسيا والغرب، وبين واقع اليوم بما يمثله النظام العربي الجديد. ونحن نفترض أن موسكو البوتينية ليست موسكو البلشفية، البراغماتية تفرض على موسكو أن تقبل وتعي استحالة نجاة الأسد أو نظامه في حرب غير متكافئة شعبيا. الغالبية الساحقة تماما الآن ضد الأسد واحتمالات بقائه خارج الحسابات.

ولأكثر من عام، ونحن نستحضر المبررات للموقف الروسي. في البداية قلنا الروس أيدوا الأسد لأنهم يراهنون على بقاء النظام وبالتالي هم مع المنتصر. وبعد ظهور جيوب واسعة متمردة عليه واستمرار المظاهرات قلنا لعل الروس يسعون لتغيير النظام من داخله سواء من حيث سلوكه أو خلع قيادته، وبالتالي يستمرون في دمشق بشكل أو آخر. وعندما كرر الروس استخدام الفيتو، واستمر القصف والقتل على نطاق واسع ضد المدنيين، قلنا ربما الروس منخرطون مع الدول الغربية في مفاوضات أشمل. وعندما بانت علامات النصر للثوار والمتظاهرين وفشل النظام في كل ركن في أنحاء سوريا نفدت كل الحجج والذرائع، ولم يعد لدينا شك في أن الروس يلعبون لعبة قديمة في عصر جديد مختلف وعاجزون عن التفكير خارج صندوقهم القديم. هم يؤيدون إيران التي تعيش غليانا داخليا منذ ثلاث سنوات، ومحاصرة دوليا، وقبلها أيدوا القذافي وخسر وخسروا معه، وكانت هزيمته فضيحة عليهم.

ما الذي يدفع روسيا لدعم نظام رديء وفي حكم المنتهي أيضا؟ هل هو صراع المعسكرات القديم وحلم عودة روسيا قطبا دوليا؟ هل هي حسابات الروس في تنازلات متبادلة مثل درع الناتو الصاروخي، أو السماح لإيران بأن تحتفظ بسلاحها النووي؟ لكن خلاف روسيا مع إيران تاريخي ومستمر، وسبق للرئيس أحمدي نجاد أن هاجم بوتين في خطاباته العلنية واتهمه برغبته في الهيمنة على حوض بحر قزوين، وهدده أيضا، وذكر بالاعتداءات الروسية على إيران منذ منتصف القرن التاسع عشر في زمن القيصر نيقولا الأول، ثم هجوم البلاشفة وحرمان إيران من حقوقها في قزوين التي حصلت ظلما على أقل نسبة بين الدول المطلة على البحر، والصراع المعقد قد ينشب من جديد على ثروات النفط والأسماك.

وهذا ما يجعلنا نعجز عن فهم السياسة الروسية التي تؤيد نظاما ضعيفا وفاشلا وهو الآن محاصر، فهل يستطيع أحد أن يدلنا على خريطة لدخول العقل الروسي؟

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ