ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الثلاثاء 26/06/2012


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

عندما تضيق سوريا بشخص واحد

فايز سارة

25-6-2012

الحياة

ضاقت سورية بمساحتها التي تزيد عن مساحة عشرات من دول العالم، وبعدد سكانها الذين يقلون عن عدد عشرات دول العالم برجل واحد، وطلبت السلطات السورية من الرجل أن يرحل، حيث رفضت تجديد إقامته، هذا هو القرار الذي تبلغته مصادر كنسية سورية، والرجل هو الأب اليسوعي باولو دالوليو رئيس رهبنة دير مار موسى الحبشي الواقع في جبال القلمون بجوار النبك شمال دمشق على مسافة نصف ساعة بالسيارة.

الضيق السوري برجل واحد حدث غريب جداً، وقد يكون سابقة لم تتكرر في التاريخ. فهذا البلد وفر إقامات آمنة ومديدة لكل من رغب بها، إذ هو على طريق القوافل والجيوش، وقد عبرته أو استقرت فيه كثير من هجرات بشرية، وكان مركز ولادة وتفاعل أكبر الجماعات والطوائف الدينية والفكرية، سجل في تاريخه احتواء شعوب وجماعات وقبائل لا حصر لها، وحافظ عليها بصورة تكاد تكون فريدة في التاريخ البشري لدرجة يمكن القول معها، إن إثباتات ذلك تبدو حاضرة على الأقل في نسيج دمشق السكاني بتلونه الفسيفسائي الذي يعكس روح السوريين وحضورهم.

وبخلاف السيرة العامة لسورية في احتواء البشر وإدماجهم في نسيجها مع احتفاظهم بالحق في التعبير عن أنفسهم وتقديمها بصورة ما، فقد جرى إبعاد الأب باولو عن سورية، وهي خطوة كانت سبقتها محاولة في الاتجاه ذاته في أواخر العام الماضي، والسبب في الحالتين كان واحداً، خلاصته محاولة الأب باولو التعبير عن نفسه وتقديمها لمحيطه الذي يجتاز فترة استثنائية عصيبة، منذ انطلقت ثورة السوريين في آذار (مارس) 2011، والتي وجد فيها الأب باولو مرحلة تفتح «براعم الربيع السوري»، معلناً انحيازه لها، والوقوف إلى جانبها، والخوف عليها في الوقت ذاته، وجميعها سببت ضيقاً وغضباً رسمياً وكنسياً عليه بمقدار ما تركت ارتياحاً في أوساط سوريين كثيرين، عرفوا الأب باولو ومواقفه وممارساته وروابطه، وقد خاطبهم مودعاً بالقول: أقربائي، المسلمين منهم والمسيحيين، إنكم في قلبي أمة واحدة، أنتمي إليها وحدها! إلى اللقاء، فاللقاء، إن شاء الله، قريب! نعم، إنني ذاهب. وبمقدار ما أبتعدُ في المدى، أتعمّق بالمقدار ذاته في انتمائي العربي والسوري والقلموني، فلا تتحقق الإنسانيةُ إلا في الخصوصية.

من هذا العمق في علاقة الرجل مع السوريين، يمكن فهم السبب الذي أدى إلى إبعاده. كانت أول معرفته بسورية عندما مر بها سائحاً إيطالياً في التاسعة عشرة من عمره عام 1973، ثم عاد لدراسة اللغة العربية والدين الإسلامي والمسيحية المشرقية في دمشق عام 1980، قبل أن يتعرف إلى دير مار موسى الحبشي شرق النبك صيف 1982، وقد رأى فيه كما يقول «الجسد المناسب لتحقيق مشروع التصوّف المشترك المسيحي - الإسلامي ولتنفيذ رؤية الضيافة الإبراهيمية، وللاهتمام البيئي في مكافحة التصحّر والتنمية المستدامة، وللعمل الصبور لبناء المجتمع المدني الناضج ضماناً لديموقراطية غير شكلية»، ذلك أنه لا يتصور «أبداً الراهب أو الراهبة كشخص معزول عن مسؤوليات جيله وطموحاته. إنه الخادم والمُفعّل للجانب الروحي في حياتنا جميعاً. إنما هي حياةٌ فارغة وقاتلة لو فَقدتْ هذا الجانب الروحي والجمالي».

لقد رسمـــت تلك الفكرة أفق الحياة التي عاشها باولو دالوليو، أو «الراهب بولص» في دير مار موسى ومحيطه الإنساني، وأدت الفكرة إلى تغييرات ملموسة في مستويات متعـــددة، الأهم فيها ما حصل من تعزيز لأوجه العلاقة بين سكان المنطقة من مسيحيين ومسلمين، ليس فقط من خلال ما جسده الدير من تجديد وجوده ومحيطه فحسب، بل لجهة تحولـــه نتيجة جهود الأب باولو إلى مكان لقاء باحثين ودارسين ومهتمين، عقدت فيه ندوات، وتمت نقاشات تجاوزت موضوعاتها الشأن الديني والعلاقات بين الأديان، وأضافت إليها موضوعات معرفية وثقافية هي في صلب الاهتمامات الإنسانية المعاصرة، وكثير منها في صلب اهتمام السوريين وحاجاتهم.

وبدا من الطبيعي، أن يترك اندلاع ثورة السوريين أثره على الرجل ومواقفه، حيث «إن قسماً كبيراً من الشعب السوري، لم يعد يريد العيش تحت وطأة ديكتاتورية استبدادية»، مقابل تمسك مطلق بالسلطة وإصرار إلى أقصى الحدود باستخدام القوة، ما جعله يطرح رؤية للمصالحة، وتحقيق وفاق يأخذ في الاعتبار جديًّاً مطالب كلّ الأطراف بطريقة، تترافق مع تحقيق شروط أساسية أهمّها الاعتراف بالتعددية وبحريّة الرأي، وحريّة التعبير عنه، وحريّة النشر مع احترام الآراء الأخرى وتقديرها والحفاظ على سلامة كلّ المواطنين وكرامتهم.

وقريباً من مساعيه التنويرية وأفكاره العلاجية، اهتم باولو بما خلفته الأزمة من آلام إنسانية، أدت في بعض جوانبها إلى قتل واختطاف، تفتح أبواب حرب أهلية، صار مطلوباً من عقلاء ومبادرين محاولة حصارها والحد من تداعياتها، وفي هذا السياق سعى الرجل لإثبات حضوره ودوره الإنساني على نحو ما فعل في مدينة القصير القريبة من حمص أخيراً، وربما كان ذلك العمل الذي أوغر عليه صدور خصومه في السلطتين السياسية والكنسية، فاجتمعتا على فكرة نفيه من سورية، التي قال عنها: ويشهدُ الله عليّ أنني كنت أفضل لو رقدتُ مع شهداء الحرية في تراب هذه الأرض المحبوبة، أو نزلتُ إلى جحيم المعتقل!

 

=================

الحرب الاهلية في سوريا

سيريل تاونسند

25-6-2012

الحياة

شهد لبنان حرباً أهلية بدأت عام 1975 ودامت 16 سنة دامية، تواجه خلالها المسيحيون مع الدروز والميليشيات الإسلامية. وأبدى بعض الأشخاص حذراً طبيعياً من اعتبار النزاع في سورية حرباً أهلية. لكن، بعد أن ندّد مجلس الأمن في الأمم المتحدة «بأقوى العبارات الممكنة» في 27 أيار (مايو) بحكومة الأسد في دمشق بسبب الهجمات التي شنّتها باستخدام الأسلحة الثقيلة على قرية الحولة حيث تمّ قتل 108 اشخاص بمن فيهم 39 طفلاً، يمكن تبرير عدم التعبير عن الحقيقة بالكامل لا سيّما أنّ القتال في سورية يمكن أن يؤدي إلى اندلاع حرب أهلية أخرى على الحدود في لبنان.

لا شك أنّ الحياة لا تزال تسير بصورة طبيعية في بعض أنحاء سورية إلا أنّ التقديرات تشير إلى مقتل 14 ألف شخص في هذا البلد المنكوب خلال الأشهر الخمسة عشر الأخيرة. كما فرّ 400 ألف سوري من منازلهم لا سيّما من حمص ولجأوا إلى دمشق. كذلك فرّ آلاف السوريين إلى تركيا ولبنان والأردن.

وقارن بعض السياسيين والصحافيين الوضع الراهن بما حصل في ليبيا قبل الإطاحة بنظام القذافي. وأظنّ أنها مقارنة سيئة. كما قارن وليم هيغ، وزير الخارجية البريطاني الذي يحظى باحترام كبير، أفعال الرئيس الأسد الوحشية من خلال الاستعانة بالجيش السوري والشبيحة الموالين للنظام بحرب البوسنة من عام 1992 إلى عام 1995.

أنا أذكر جيداً هذه الحقبة. اعترضتُ حينها على مشاركة المملكة المتحدّة في المراحل الأولى من الحرب لا سيّما أنّ قوات الدفاع البريطانية كانت حينها منهمكة بنشاطات عدّة وتعرّضت لتقليص في موازنتها عقب انتهاء الحرب الباردة. وفيما أراد الرأي العام البريطاني أن يتمّ «فعل شيء» في البوسنة، غيّر مقتل أوّل جندي بريطاني في البوسنة الرأي العام وولّد شعوراً لدى البعض بأنّ البوسنة بعيدة جداً وليست مرتبطة تاريخياً بالمملكة المتحدّة. فهذا يشبه ما يحصل في سورية عام 2012 على رغم أنّ سورية تشكّل استراتيجياً جزءاً حيوياً من العالم.

وبما أنني كنتُ ضابطاً في الجيش، أفكّر دوماً في مدى سهولة وشعبية إرسال القوات البريطانية إلى نقطة ساخنة. فبعد سنوات تواجه مشكلة كبيرة في العودة إلى الديار بعد أن يتمّ إنكار عملها أو نسيانه.

كما أذكر أنّ الأميركيين قاموا قبل سنوات من اندلاع حرب البوسنة بإرسال مستشارين إلى فيتنام لأسباب وجيهة ومن ثمّ اكتشفوا أنّ هؤلاء المستشارين بحاجة إلى حماية عسكرية. ففكروا في قصف خطوط إمدادات المعتدين. ولا يسعنا أن ننسى الأحداث التي تتالت والفوضى الكبيرة التي انتشرت هناك.

يواجه المجتمع الدولي مشكلة صعبة جداً حيال الرئيس الأسد وسورية. وتبدو مختلف الخيارات المتاحة بمثابة كابوس. وفي حال تقرّر أن التدخّل غير وارد أبداً، ما الذي سيحلّ بحمص وقرى القصير وتلبيسة والرستن ومناطق الثوّار في العاصمة خلال الأشهر أو ربما السنوات القليلة المقبلة؟

طرح أشخاص كبار ومميزون أفكاراً للتوسط بين الرئيس الأسد ومجموعات المعارضة التي يواجهها. وحاولت المملكة المتحدة أن تعمل بشكل وثيق مع الرئيس الأسد الذي تدرّب في لندن إلا أنّ ذلك لم يحرز أي تقدّم. لم يكن مستعداً لوقف العنف وإطلاق برنامج إصلاح يطبّق على مراحل. فغضّ الطرف عن حقوق الإنسان الأسياسية والعالمية مثل حرية التعبير والتجمّع.

وقدم كوفي أنان، أمين عام الأمم المتحدّة السابق ورجل الدولة الذي التقيته في لندن وأعجبت به، خطة مؤلفة من ست نقاط في شهر شباط (فبراير). وكان من المفترض أن تشرف الأمم المتحدة على انتهاء القتال. وزعم الرئيس الأسد أنه سيلتزم بها. لكن في الواقع، وفيما أدرك مستوى المعارضة الدولية العالي الذي يواجهه، أعدّ هجمات إضافية ضد المدنيين في القرى والمدن وأمر بشنّها. فانتهت الخطة وتمّ صرف النظر عنها.

سيحصل الرئيس الأسد على دعم من قوتين شيعيتين هما إيران والعراق ناهيك عن حقّ النقض (الفيتو) الذي تستخدمه روسيا والصين في مجلس الأمن ضد أي قرار يصدر ضده. وتبدو المملكة العربية السعودية وقطر عازمتين على استمرار دعم المعارضين للنظام السوري.

لا يحظى التدخّل العسكري بدعم حلف شمال الأطلسي أو الاتحاد الأوروبي. ويبدو حلف شمال الأطلسي منهكاً ومتضرّراً جراء التقليص الذي طبقه أحد البلدان العضو فيها على موازنة الدفاع كما أنه غارق منذ سنة أو أكثر على ما أظن في جبال أفغانستان وسهولها. أما الولايات المتحدّة فمنهمكة بالتحضير للانتخابات الرئاسية التي ستجرى هذا العام.

تملك تركيا حدوداً على طول 750 كيلو متراً مع سورية وتعدّ ملاذاً مهمّاً للاجئين السوريين والمنشقين عن الجيش. فقد قام الجيش السوري بطرد هؤلاء اللاجئين إلى تركيا. وتحرّك رجب طيب اردوغان بحذر ومسؤولية، ويقال إنّ رئيس الوزراء التركي ينظر في إمكان إنشاء منطقة عازلة داخل سورية عن طريق الاستعانة بالجيش التركي. فمن شأن أي تحرّك عسكري وحازم من جانب تركيا تغيير المشهد برمته بسرعة.

=================

الثورة السورية واستعصاء من امر لاخر

محمد برهان

 -2012-24-6

القدس العربي

وَسَمَ التوجس تعامل العالم مع الثورة السورية من أول يوم لها، ففي الشهرين الأولين بقي هذا العالم يتساءل في سره: هل حقا ثار السوريون أما انها مجرد انفعالات شعبية وتقليد غير متقن لموجة الثورات العربية لن يلبث ان يزول كما أكد الأسد في خطابه الاول حول الأزمة؟ .. حتى أن وسائل الإعلام العربية والعالمية نقلت ما يجري في المحافظات السورية في الأسابيع الاولى بكثير من التحفظ والريبة..

عندما اتضحت معالم الثورة أكثر وفرضت نفسها في الشارع بقوة عبر خروج مئات الألاف في حمص وحماه ودرعا انقلب السؤال من (هل هناك حقا ثورة في سوريا؟) إلى (ما هي هوية هذه الثورة ؟) ومرة أخرى استطاع النظام أن يلعب لعبته التي دأب عليها منذ اكثر من أربعين عاما فعمل ما في وسعه لصبغ الثورة بلبوس طائفي مستفيدا من حقيقة لا يمكن تجنبها وهي أن غالبية من خرج للشارع هم من طائفة معينة. الأمر الذي لم يكن يرتبط على الإطلاق بهوية الثورة بحد ذاتها ولكن بتركيبة الشعب السوري الديمغرافية والتي تشكل الطائفة السنية الاغلبية فيها.

ورغم أن بحث العالم عن أجوبته كان يكلف السوريين كل يوم مزيدا من القتل والمأساة إلا ان المجتمع الدولي كان يتحرك ببطء شديد نحو بناء قناعاته متعللا بسببين أساسيين باتا كالشماعة التي يعلق عليهما -لا أقول عجزه ولكن - عدم رغبته في حسم المشكلة السورية..

اولهما الموقف الروسي الذي لم يكن يوما مشكلة في طريق اتخاذ خطوات فعالة في مواجهة أزمات العالم وثانيهما ما اصطلح على تسميته 'بتوحيد المعارضة السورية'.. وهو مصطلح بحد ذاته بعيد عن أدبيات السياسية لأنه يناقض مبادئ الديمقراطية التي تنشدها كل أطياف المعارضة السورية والتي لا نجد في أي من أجنحتها من يشير إلى نقاط خلاف جوهرية حول ضرورة إسقاط النظام وبناء مجتمع سوري ديمقراطي منفتح.

إنّ تمهّلَ المجتمع الدولي وفتوره المبطن تجاه الثورة السورية في مقابل إصرار واندفاع الشعب السوري لاكمال ثورته جعل النظام يرمي بورقته الثقيلة التالية وهي المذابح الهادفة إلى إيقاد الحريق الطائفي.الأمر الذي أيقظ العالم أخيرا على حقيقة تباطؤه وعلى النتائج الوخيمة لتردده في مساعدة الشعب السوري وذلك عندما صدمته صور الأطفال والنساء المذبوحين في الحولة فهرع يحث الخطى أكثر نحو بلورة موقف أكثر وضوحا حول ما يجري.

البعض يتساءل هنا ولكن ما مصلحة النظام السوري إذاً في ارتكاب كل هذه المذابح الجماعية .. أليست تساهم في تأليب الرأي العام العالمي ضده وتزيد قناعة العالم بضرورة رحيله؟..

هذا صحيح، لكن النظام لم يعد ينظر اليوم إلى تأييد العالم كحاجة حقيقية لبقائه فهو يدرك انه خسر هذه الورقة تماما..إنه يتطلع اليوم إلى استجلاب الخوف مما قد يحدث بعد رحيله ليؤخر قدر الإمكان أية خطوة دولية ناجعة في هذا الإتجاه.

هذه المذابح إنما تكرس اليوم خوف العالم على أكثر من مليوني علوي يعيشون في سوريا أخذهم النظام كرهينة في معركته مع الثورة السورية وبات يهدد المجتمع الدولي بهم وبمصيرهم .. إن ما يؤخر العالم عن اتخاذ خطوات حقيقية وفعالة لإسقاط الأسد ونظامه ليست فقط روسيا او الصين ولكن إدارك المجتمع الدولي وعلى رأسه الولايات المتحدة أن الطائفة العلوية في سوريا والتي تصل إلى 15' من تعداد سكان البلاد باتت في خطر..وان هذا الخطر الذي يهدد الطائفة سيتحول بالضرورة إلى نزاع أقليمي عنيف سيغرق المنطقة من لبنان إلى العراق بالدماء وستطال شرارته المحيطين التركي والإيراني.. نعم لقد تأخر العالم كثيرا حتى وصل نصل السكين إلى الرقبة.

ولكن هل من سبيل للخروج من هذا الاستعصاء دون الدخول في استعصاء آخر كما تعود العالم أن يفعل في تعامله مع الثورة السورية وهل خطة عنان هي حقا كما يروج الآن الحل الأمثل لتجاوز هذا الاستعصاء؟.

ما من شك في المجتمع الدولي لا يخاتل ولا يناور عندما يقول ان خطة عنان هي الحل الوحيد الموجود على الطاولة حتى اللحظة. وأنها المبادرة الدولية الوحيدة التي لم تختلف الرؤى بشأنها حتى الساعة..

ولكن ما الذي يعيق هذه الخطة ويجعل العالم غير قادر على فرضها بحزم على النظام السوري؟

إن أكبر مشكلة تعانيها الخطة هي في بنيتها وأولوية نقاطها؟ إذ كيف لمباردة هدفها النهائي وقف العنف وتحقيق المطالب المشروعة للشعب السوري أن تبدأ بطلب وقف العنف والعمل على تحقيق المطالب الشعبية غاضة الطرف عن مبدأ أساسي في علم المنطق والسياسة وحتى المجتمع يؤكد ان حل المشكل يبدأ من معالجة أسبابها فلو كان وقف العنف وتحقيق المطالب منوط بطلبٍ وبطالب لكان النظام استجاب لذلك من النداءات والإشارات المتكررة التي تلقاها من المجتمع الدولي على مدار شهور.. إن الحل الجاد هو في معالجة الاسباب والبدء من أصل المشكلة فالعنف لن يتوقف قبل تحقيق المقاربة السياسية لأسبابه والعمل على إلغاء هذه الأسباب بصورة ناجزة..

إذاً وبدل البدء من النتائج ومحاولة التغلب عليها كان على عنان توفير الجهد في تلافي الأسباب والتركيز على عملية سياسية شاملة وصادقة تحظى بدعم دولي معلن وتقود إلى إحداث التحول السلمي المطلوب .. الامر الذي كان سيقود بالضرورة إلى الحد من العنف واستثمار الوقت بما هو مفيد.

لقد وافق النظام السوري على المبادرة منذ البداية لإدراكه ان هذا الخطأ البنيوي سيقتلها وسيمنحه مزيدا من الوقت على الأرض لتنفيذ مخططاته الطائفية اللازمة للانتقال إلى مرحلة أخذ الرهينة..

لكن ما فاجأه حقا هو أن ورقته الأخيرة جوبهت بوعي عالِ من مختلف أطياف الشعب السوري وبالرغم من أن مشهد المذابح رفع مستوى النقمة والحقد في قلوب السوريين الثائرين إلا أنه لم يَقُد بعد إلى الطامة الكبرى ..غير أن التأخر في إيجاد المخرج سيقود إليها دون شك.

=================

'الربيع' ممنوعا من الحكم في دمشق والقاهرة

مطاع الصفدي

24-6-2012

القدس العربي

في اللغة السياسية اليومية المتفاعلة مع أزمة الحلول الدولية الفاشلة إزاء تطورات مذابح النظام السوري، يلعب التوقيت الأمريكي الدور الحاسم في مصير هذه الأزمة. وقد ارتكزت مواقف الدبلوماسية الأمريكية الى التشبث بمنطق ردّ الفعل على الدبلوماسية الروسية، بحيث صار واضحاً أن كليهما رغم تناقضهما العلني، لكنهما اتفقا على تعطيل كل حل. إدامةُ التقاتل وصولاً إلى المذابح المتبادلة، صار واقُعها هو المحرك الفعلي لهذه النشاطات المتسارعة في التصريحات واللقاءات وتعدد التشكيلات والجبهات وسواها، سواء منها بين قادة الدول الكبرى، أو على صعيد جماعات المعارضة ومعها بعض الأطراف الإقليمية الحاكمة. ما يجري في البلد الجريح سورية، لا أحد من هذه القوى في الخارج مستعد لتفهمه، لمعرفة وقائعه وتعقيداتها، رغم أن الجميع متفق على أن البلد سائر نحو الحرب الأهلية، أو أنه أمسى متخطياً لحدودها الأولية، وأن هذا المصير لن تقف أضراره ضمن حدوده الجغرافية؛ ثمة من هو راغب حقاً ليس بإنجاز المذبحة الشاملة وحدها، بل بجعلها قاطرةً رهيبة لقافلة الفوضى العامة في أقاليم المشرق كله. هنالك من يعترف أنه لا بديل عن الربيع العربي الشعبي إلا فوضى المقتلات الأهلوية، المتناسلة من بعضها، في الاتجاهين العمقي داخل كل قطر، والأفقي مخترقاً الخارطة القطرية، وتشكيلاتها المصطنعة.

عملياً وخلال الشهور المظلمة المتتابعة لعب التعطيل الروسي للقرار الدولي (الحاسم) دور الذريعة المستديمة للتردد الأمريكي، أو على الأقل هذا ما حقق لأمريكا سياسة التنصل من دعاوى قيادتها لحركات الديمقراطية العالمية، في حين أنها تنفذ مخططاً آخر هو من صميم استراتيجيتها المختصّة بتطورات المنطقة العربية، وأول مبدأ لها لم يتقدم خطوةً واحدة عن مفهوم الاستعمار التقليدي، القائل بحرمان شعوب الأمة العربية من مقومات الاستقلال الحقيقي، وأهمها هو التقدم النهضوي الضامن لنشأة المجتمع المدنيّ، حيثما يمكن للاستقلال السياسي أن يرتكز إلى قاعدة إنسانية وقانونية راسخة وموضوعية، مميزة تحت مصطلح المجتمع المدني، فالجهد المعادي دولياً للربيع العربي إنما ينصبّ على تخريب مرحلة الانتقال من لحظة الثورة في القاعدة إلى لحظة الحكم المدني في القمة.

يتحقق هذا الهدف بقدر ما يتم تعجيزُ الثورة عن إسقاط رأس النظام، أو النظام نفسه بعده، والتجربتان المصرية والسورية شاهدتان على الحالتين هاتين معاً. كلاهما مهددتان يومياً باستنقاع أحوالهما ريثما تتآكل الإمكانيات الشعبية بالقمع من قبل أعدائها، أو بالتبعثر والتخالف بين أقطابها وشراذمها. لكن تباعد الزمن بين الثورة وأهدافها المباشرة، بفواصل متنوعة من الإحباطات والتدخلات وأثمانها البشرية الرهيبة، هذا التباعد مثلما يهدد باستنفاد القوى أو باستنقاع ما تبقّى منها، فإنه قد ينتج العكس من كل هذه الانحرافات؛ إذ تكتسب الثورة إلى صفوفها جماهير وكتلاً وفئات كثيرة لم تكن معها منذ البداية لأسباب متنوعة، لكن بالمقابل فقد يتحول النظام القائم، كله أو بعضه، إلى نوع من الثورة المضادة الفوقية. ذلك هو الرهان الأخير للسلطة الحاكمة في دمشق. كما أن المجلس العسكري في القاهرة دأب منذ البداية على ممارسة سياسة الثورة المضادة بأساليب سلطة الأمر الواقع الذي لا تزال الدولة تتمتع بكل أسبابه الفعلية، جاعلاً من نفسه ممثلاً لشرعيتها، والسلطة الحامية لكيانها ومجتمعها معاً، بينما تشعر الجماهير الثائرة أنها ستظل محرومة من سلطتها الحقوقية مادامت غير قادرة على إيصال ممثليها من طلائعها الشابة الصاعدة، إلى مصاف الحاكمين باسم الشرعية الثورية أولاً، وحدها.

المجلس الفرعوني الحاكم الذي ادعى تحالفاً عرَضياً مع الثورة المتفجرة، خوَّل نفسه قيادة العملية السياسية المفترضة أنها نتاج الثورة الحركات الشبابية الحاملة لمبادئها، فعل ذلك بحكم سلطته الدولتية المنتمية أصلاً للنظام القديم، ما يعني أن الثورة منحت نوعاً من سلطة مستحدثة لعدوها القديم ذاك؛ فقد اعطته ترخيصاً باستئناف الديكتاتورية السابقة مع إضافة تبعيتها الجديدة لها، حكماً وواقعاً، الأمرُ الذي يجعل مصر كأنها واقعة تحت سلطة انقلاب عسكري جديد، منشغل بترتيب وتدبير واجهته السياسية، وذلك من خلال افتعال كل هذا الصخب الهائل للنظام القديم وهوامشه ضداً على مظاهر الحراك السياسي المدني، من دون مضمونه الفعلي.

هكذا تعيش ثورة مصر ملء شبكية من التناقضات تحيط بها من كل جانب، تتجاذبها كأفكار واتجاهات متعددة ومتعارضة، تكاد تُـفقدها بوصلتَها الخاصة. فحدودها متداخلة مع تشكيلات وتيارات وشراذم وقوى يطفح بها مجتمع كبير كان هامداً خامداً، ثم انطلقت جحافله المجهولة باحثة عن أدوارها السياسية في ظل عملية ديمقراطية، كان يمكن لها أن تفرز رجالها وترسم نظامها أقربَ ما يمكن من تحقيق مطامح الحرية الوليدة، لولا وقوع هذه المرحلة كلها تحت وصاية نقيضها الأكبر أو ما تبقّى منه كشبح للعسكرتاريا الفرعونية الجانحة نحو الزوال.. لكن متى وكيف؟

نجحت هذه الوصاية في اختزال الديمقراطية الوليدة، وجعلها تفرض على الشعب الثائر أضيقَ حرية بين خيارين، من أجل أن تأتي بالرئيس الموعود لدولة التغيير الشمولي المنتظر، فالاستبداد هابط من أعلى مجدداً مع المرشح العسكري، أو أن الاستبداد صاعد من قواعده الشعبوية مع مرشح العامية الإخوانية السائدة. بمعنى أن الدولة المصرية القادمة هي عينها باقية بجسدها البيروقراطي المعهود منذ فرعون الأول، وإن كان رأسها ستغطيه قبعة عسكرية أو عمامة مشيخية. وفي هذه الحالة سوف تخترع الثورة لذاتها خطابات تحت عنوان المعارضة المدنية. ستكون لها مهمة الحفاظ على الاختلاف الوحيد المتبقي من عصر 'ميدان التحرير'، وهو قدرته على استقطاب الغاضبين إزاء كل معصية يرتكبها أي حكم قادم في حق الحريات العامة، بعد أن تقلّدت الجماهيرُ مفاتيحَ هذه الحريات منذ فجر الثورة، وإن لم تفتح كل الأبواب الصدئة الموصودة في وجهها، فالصراع لا يزال في عتباته الأولى يحبو ضعيفاً أو يشتد عنفياً غاضباً، والمهم أن كل سدّ سيقيمه أي استبداد مهما تنوعت جاهزياته وخطاباته، فإنه لن ينجو من مناجل الجماهير بعد اليوم.. كان ذلك حلماً، لم يعد مستحيلاً.

الديمقراطية الزائفة التي ترعى فصولَها أشباحُ النظام الفرعوني ليست نهاية الدرب الثوري، بل هي من بداياته الملتبسة، فالاقطاع الدهري لن تتهاوى قلاعه بين معركة وأخرى، كذلك لن تفرغ جعبة النكسات من 'مؤامراتها' ما بين هزيمة وأخرى؛ لذلك فالثورة محتاجة إلى مؤسساتها الموضوعية، عليها أن تستنفد مرحلة الهيجانات الانفعالية، أن تتغلّب على بداوتها الفكرية بين شتى الاتجاهات، وعلى التسبّب التنظيمي بين صفوفها، لعلّ الثورة قد تتعلم من أخطائها أكثر كلما انخرطت أعمق في خضم التجارب العامة التي أمسى المجتمع يمور في بُحْرانها وسط ذلك الحراك الجماهيري غير المسبوق مصرياً وعربياً؛ إذ ليس لأية نزعة تنظيمية سابقة أو لاحقة عليه يمكنها ادعاء احتكار السيطرة على توجهاته أو نوازعه السياسية والثقافية المتنوعة والمتغيرة من مناسبة صراع إلى أخرى. هذه الظاهرة هي من أخصّ ما يتميز به الربيع العربي كونه جمهورياً حقيقياً في طبيعته؛ فلا يمكن فهمه أو التعامل معه إلا بأساليب جماعية من جنس حراكه الذاتي. لهذا السبب تعاني التنظيمات الحزبية وأشباهها السابقة عليه من صعوبات التلاؤم مع وقائعه العفوية والفجائية، وقد يفشل معظمها في محاولة استيعابه. فإن لم يتح لهذا الربيع فرصة أن ينشئ تشكيلاته التنظيمية من قواه الذاتية وحدها، سوف تتبدد أمواجه الهادرة عبثاً، مخلّفةً وراءها ركامَ الأحلام الكبيرة ممتزجةً بفوضى دمار شامل بائس.

هذا التحول المرضي السلبي لربيع يجتاحه خريفٌ باكر صاعق هو رهان كل القوى المعادية الأخرى لانطلاقته وجموحه العظيم، ضد كل السدود المظلمة القائمة في دروبه، ساحاته المفتوحة في الأقطار الثائرة، هي كذلك ساحاتُ مآزقه الخطيرة؛ فهو في كل قطر مثلما يفجر الظاهرة الشبابية فإنه يفتح ضدها الجبهات الهرمة داخلياً وخارجياً. ذلك هو المشهد النموذجي الذي تفترضه الصراعات البنيوية الجذرية. فالمجتمعات العربية مقبلة على هذا النوع من التحدي المطلق من التغيير إما نحو الحقيقة المشرقة وحدها أخيراً، أو لن يكون بعد الموج الهادر سوى الزبد المتطاير.

لكن التجربة الراهنة لا تزال نائية كثيراً أو قليلاً عن هذه المعاناة الحدية الذروية، وإن كانت معاركها تلامس ضفاف هذه الفواصل القاطعة عبر مواقف ودرجات متفاوتة، هنا أو هناك.. في مصر وسورية، حيثما تتنامى ساحتان لنموذجيْ هذا الصراع شبه الميتافيزيقي الذي لا يكاد يبين عن خير معين حتى يقابله شر أعظم. لكن النتائج التي لا يضمنها أحد، لا تزال بعيدة عن الحسم النهائي، وإن كانت تثبت هذه الحقيقة الأولية وهي أنه قبل الربيع لم يكن سوى الشتاء سَيِّدَ المواسم كلها. بعد الربيع أمسى الشتاء مطروداً مطارداً من الحقول والبيوت، وإن كانت أشباحه لا تزال جوالةً في الخرائب والمقابر.

الاستبداد الفرعوني يحاول تسويغ سيطرته باصطناع التوافق الشكلي مع ديمقراطية الربيع، مرشحاً للرئاسة أحد أقطاب نظامه البائد. وفي الآن عينه تحاول إخوائية تيولوجيا القرون الوسطى أن تحكم مستقبل مصر للقرن الواحد والعشرين، مشرّعة بديمقراطية هذا الربيع عينه، كأنما حصاد هذا الربيع بات لغير أبنائه. أما الاستبداد الأسروي الأسدي في سورية فإنه يقطع الطريق على كل حل، قد يَنتقص شعرةً من سلطانه المظلم. لم يعد لديه وسيلة لمنع نهايته، إلا بافتعال أية نهاية لشعبه، حتى لو راح يشنّ عليه حرب المجازر الجماعية. يكافح الثورة بالمقتلات الأهلية، يرتكب أبشع الفظائع بأجساد الأطفال والنساء، يرسم بذلك صفحة أخيرة من أمجاده الدموية فريدةَ عصرها.

في النهاية، هؤلاء المجرمون السفاحون لن يتوقفوا عند حد، ضاربين عرض الحائط بكل مسؤولية يتصورون أنها ستكون مجلبةً لمعاقبةٍ لن يجرؤ أحد على إيقاعها بهم. لكن بالمقابل ما الذي يجعل 'المجتمع الدولي' عاطلاً عن العمل، عن رد الفعل، إلى هذا المستوى من لامبالاة النفاق، الذي سوف يُشرك أصحابه في تحمل التبعات، كأنهم اعطوا القاتل ترخيص القتل المجاني، فصاروا هم أكثر من شركاء لفعلاء الجريمة الكلية عينها، يرتكبون تلك المعصية الكبرى التي يظنون أنه بقدر ما تُرخِّص للقتل، فإنها تعفيهم من كل سؤال أو عقاب، ولكنه قادم مهما تباطأ الزمن في تأجيل وعوده.. العادلة (؟) حقاً..

=================

الأزمة السورية تشكل نظاماً دولياً جديداً!

عبد الحميد المجالي

25-6-2012

الراي الاردنية

لم يخف المتحدث باسم وزارة الخارجية الروسية ، الاهداف الاستراتيجية التي تسعى بلاده لتحقيقها من وراء المواقف التي تمسكت بها حتى الان ،ازاء الازمة السورية منذ بداياتها في العام الماضي . ويقول انه بتطورات الازمة السورية ، فان نظاما دوليا جديدا يتشكل على نقيض النظام الدولي السائد الان . وهذه هي المرة الاولى التي يتحدث فيها المسؤولون الروس ، عن اهداف بلادهم بعيدة المدى من وراء مواقفهم في الازمة السورية ، والتي اثارت تساؤلات محيرة عن اسباب التشبث غير المسبوق بهذه المواقف ، رغم الضغوط الدولية والاقليمية التي تعرضت لها موسكو ، وتأثر مصالحها سلبيا ، وخاصة في الشرق الاوسط .

الظروف التي سبقت نشوء الازمة السورية ، وما يتعلق منها بممارسات ومواقف الدول الغربية في العالم ومنطقة الشرق الاوسط ، والتي بدت واضحة في الازمة الليبية ، اثارت حفيظة القيادة الروسية التي كانت تستند في مواقفها الى مبدأ المشاركة في النظام العالمي، وهو المبدا الذي اعلنته ادارة الرئيس الامريكي باراك اوباما منذ توليها السلطة . الا ان المواقف الغربية تخلت عمليا عن مبدا المشاركة وجنحت نحو الاحتكار والانفراد في القرار الدولي ، وتقسيم النفوذ والهيمنة على الموارد العالمية ، دون الاخذ بعين الاعتبار مصالح الدول الاخرى كالصين وروسيا ، اللتين اضطرتا الى التضامن فيما بينها ، لمواجهة الهيمنة الغربية على العالم .

و شكلت الازمة السورية فرصة للبلدين وخاصة روسيا ، لاعادة صياغة المعادلة الدولية القائمة . وقد بدت هذه الازمة مناسبة في ظروفها وابعادها اكثر من اي ازمة اخرى لانجاز هذه المهمة . فسوريا تعتبر تاريخيا أحد مكونات المخزون السياسي الروسي في الشرق الاوسط ، الذي تشكل في ثنايا الحرب البادردة بمنتصف الخمسينيات من القرن الماضي، وبقيت كذلك حصة روسية معترفا بها حتى بعد انهيار الاتحاد السوفياتي في بداية التسعينيات ، رغم محاولات دمشق التحرك نحو نقطة توازن في علاقاتها مع القوى الكبرى . كما ان الموقع الحيوي لسوريا وعلاقاتها الاقليمية المتشابكة مع خطوط الوضع الهش في لبنان ، والعلاقة مع ايران وجوارها لاسرائيل ، جعل من مسألة التدخل المباشر في تطورات ازمتها الداخلية من قبل الدول الغربية امرا يثير الكثير من المخاوف والمخاطر على مصالح هذه الدول ، وعلى امن واستقرار الاقليم .

وقد استغلت روسيا هذا الوضع الاستثنائي لسوريا في قلب الشرق الاوسط ، كما استغلت تراجع الغرب عموما والولايات المتحدة خصوصا ، عن رغبتها في التدخل العسكري والسياسي المباشرين في الازمات الدولية، بعد النكسات التي اصابتها في عدة ازمات دولية اخرى ، وخاصة في العراق وافغانستان وجورجيا .

وترى روسيا بعد اكثر من خمسة عشر شهرا من الازمة في سوريا ، انها استطاعت ان توجه تطورات هذه الازمة وفقا لارادتها ، وهو امر لم يحدث من قبل في اي ازمة دولية منذ انهيار الاتحاد السوفياتي . وقد يكون هذا التشكيل الجديد في العلاقة بين القوى الكبرى ، نموذجا لروسيا لمطابقته على ازمات دولية اخرى في المستقبل ، وربما تكون تطورات ازمة الملف النووي الايراني مرشحة لهذه المطابقة ، وهو ما يتضح من المواقف الروسية ازاء هذه الازمة .

تسعى روسيا لاستعادة موقعها المؤثر في العالم كقوة عظمى منافسة للولايات المتحدة خصوصا ، وان كانت تستبعد عودة الحرب الباردة بتفاصيلها المرعبة وكلفتها العالية . الا انها في كل الاحوال تعتزم وفقا لتصريحات مسؤوليها انجاز نظام دولي او على الاقل صيغة جديدة في علاقاتها مع الغرب ، تستند الى ما تعتبره حقها في المساواة مع الاخرين كقوة عظمى ، وهو ما يفسر اصرارها على ان تبقى المرجع الرئيسي في تحولات الازمة السورية، ووفق قواعد لعبة مختلفة في علاقاتها مع الدول الغربية .

=================

الحرب السرية في سوريا

اسامة شريف

25-6-2012

الدستور

هناك تغير نوعي في طبيعة الاشتباك الاميركي بالأزمة السورية؛ فقد كشفت صحيفة «نيويورك تايمز» اواخر الاسبوع الماضي ان عناصر من وكالة الاستخبارات الاميركية «سي. آي. ايه» تعمل داخل تركيا بالقرب من الحدود مع سوريا لتحديد مَنْ مِن الثوار يستحق الحصول على اسلحة ومعدات لوجيستية في الحرب الدائرة بين النظام ومن ينضوون تحت مظلة الجيش السوري الحر. رسميا تنفي ادارة الرئيس اوباما وجود عملاء من وكالة الاستخبارات الاميركية على طول الحدود التركية السورية. لكنَّ صحفا ومجلات اميركية اكدت ذلك، بينما تظهر مؤشرات على حصول الثوار مؤخرا على اسلحة مضادة للدروع ساعدتها في التصدي لقوات الجيش النظامي التي تحاصر عدة مدن وبلدات سورية.

ويوضح خبير امني اميركي في مقالة له في مجلة «تايم» الاميركية ان اسلحة متقدمة قد هربت من داخل تركيا لتسليح الجيش السوري الحر وان انقرة وعددا من دول الخليج من بينها قطر تمول شحنات الاسلحة هذه. ويضيف الخبير ان لجوء الادارة الاميركية الى الـ»سي. آي. ايه» يدل على عمق المأزق الاميركي تجاه الأزمة السورية خاصة بعد وصول الجهود الدبلوماسية الى طريق مسدود. ويقول الخبير ان الوكالة لا تملك خبرة في التعامل مع سوريا ولا تعرف كثيرا عن طبيعة تكوين المعارضة التي تشمل حركة الإخوان المسلمين وجهات يسارية وقومية اخرى. كما ان المعارضة ليست منظمة وهي مخترقة من دول خليجية تمول نشاطها.

دخول عملاء وكالة الاستخبارات المركزية على خط المعارضة يعني ان الأزمة السورية قد تم تدويلها رسميا وان حربا سرية تجري على هامش الحرب العلنية التي تشهدها سوريا منذ ان بدأت الاحتجاجات الشعبية المطالبة باسقاط النظام. وبينما يستمر الحوار الدبلوماسي بين اميركا وروسيا بحثا عن مخرج، ينشغل الطرفان في عملية تسليح الثوار والنظام. ويبدو ان تركيا تلعب دورا رئيسا في مخطط تسليح الجيش السوري الحر وجاء اسقاط دمشق لطائرة تركية مطلع الاسبوع ليزيد من حجم التوتر بين البلدين.

ولا يمكن قراءة المشهد الحالي للازمة دون العروج على دور بعض دول الخليج والخلاف بين عواصم خليجية وطهران وتداعيات الملف النووي الايراني على الأمن الاقليمي. كما ان فشل مبادرة كوفي عنان وتعليق دور المراقبين الدوليين يلقيان عبئا اضافيا على واشنطن التي تقود الحملة الدولية ضد نظام بشار الأسد، لكنها تبدو عاجزة عن تغيير النهج الروسي تجاه دمشق.

اذن، فالحرب السرية هي الخيار في ظل غياب حل دبلوماسي او تغيير في اسلوب النظام الذي ينشغل في قصف مدنه برا وجوا في محاولة لقمع التمرد في مناطق خرجت عن سيطرته. لعبت وكالة الاستخبارات الاميركية دورا رئيسا في تسليح مجاهدي افغانستان ابان الاحتلال السوفياتي كما تورطت في فضيحة الكونترا- ايران في الثمانينات من القرن الماضي. كيف سينتهي الأمر في سوريا؟ انه السؤال الذي تعجز ادارة اوباما عن اجابته حتى الآن.

=================

روسيا وأميركا وسوريا بوابات العالم

السفير

نصري الصايغ

25-6-2012

أعراض «الرجل المريض» لم تعد خافية. أوروبا دخلت باكراً إلى نادي المقعدين. أوروبا الموحدة تعاني من كثرة «الحكماء» وندرة العلاج. الضعف في الأطراف، اليونان، اسبانيا، البرتغال، قبرص... ايطاليا، سبّب لها دوراناً ودواراً. آخر الدواء الكيّ، وهي لن تلجأ له. الكيُّ، إعلان إفلاس الاتحاد، قبل وقته بقليل.

عندما يجتمع القادة الكبار في العالم، في المكسيك مثلاً، نفتقد حضور قادة أوروبا، يظهرون في الصورة فقط. على مائدة التفاوض وفي أروقة النقاش، وبين الأوراق والاقتراحات المتبادلة، تتردد أسماء أوباما، بوتين وهوجينتاو. وقادة أوروبا، قادة في بلدانهم. خارجها، هم إما ملحقون، أو باحثون عن دور، أخذه منهم الآخرون. لقد باتت أوروبا أوروبية فقط. مساحة اهتماماتها ليست بقياس طموحاتها، بل بقياس أزماتها. بعضهم، من قادة متسرعين، يتقدمون المسرح الدولي، يقدمون على مغامرات، ذات طابع إنساني خبيث، ثم، لضيق ذات اليد وقص ذراع النفوذ، يتراجعون، ليتقدم الأميركي ويتمدد كأخطبوط، أو ليستعيد الروسي دوره السوفياتي، بلا ماركسية، أو ليتسلل الصيني المبتسم، بدهاء السلعة والمحفظة الدولية الأعظم.

أوروبا المريضة، انسحبت من الشرق الأوسط. ما تقدر عليه، استضافة مؤتمرات، تبقى أصواتاً بلا صدى، وحبراً على ورق. الأزمة السورية، لها في أوروبا أصدقاء حميمون. فرنسا في الطليعة، لكن الذي يحاول رسم خريطة طريق لحل الأزمة، لا يرسمها إلا بالحبر الصيني، والقلم الأميركي، والخط الروسي...

كان متوقعاً في قمة المكسيك، أن يحارب فرنسوا هولاند من أجل البيئة، وحلفاؤه الخضر بانتظاره. كان منتظراً أن يدافع عن مشروعه الداعي إلى فرض ضرائب على حركة التحويلات المصرفية. وهي جزء من مشروعه السياسي، ويعتبره حيوياً لمعافاة بعض جوانب الأزمة الاقتصادية... قال هولاند كلامه، ولم يسمعه أحد... لقد اكتفى بأن أعلمه الأميركيون رفضهم وموافقة الصينيين على ذلك، كي يلتزم الصمت.

القمم العالمية، فقدت فعاليتها. تحوَّلت إلى مناسبات لا يتوقع منها أحد مصيراً آخر غير المصائر اليومية، بإتقان آليات السوق، وسقوف الديون، وتلوث البيئة، وزيادة الفقر، وخط المجاعات، وتسلسل الحروب... قمم مرتبة مسبقاً، بلا قدرة على إقناع أحد...

وليس بوسع أوروبا أن تلعب دوراً، حتى بقيادة ميركل، التي أصبحت وحيدة  سياسياً، بعد سقوط لاعب السيرك الفرنسي نيكولا ساركوزي... كل هم أوروبا اليوم، بقيادة محركها المركزي الألماني، أن تقنع اليونان، بالبقاء في سفينة «اليورو» المثقوبة. أن تساعد اسبانيا، في سد ثقوبها المصرفية التي تغرق البلاد في بطالة غير مسبوقة. كل هم أوروبا اليوم، الحفاظ على السفينة المثقوبة، فلا تسقط منه اليونان، ولا تغرق وحدها قبرص، ولا تقع منها اسبانيا، ولا تزحط عنها البرتغال، ناهيك عن دول لم تفارقها كوابيس الأزمة.

أسباب كثيرة أدخلت أوروبا في الشيخوخة. أبرزها، أن شريكاً دولياً كان غائباً، فحضر، بإرثه وتاريخه وجغرافيته وثرواته واقتصاداته، واستعاد مقعده بعدما خسره في زمن غورباتشوف. الملاءة المالية الروسية، باتت محط أنظار أوروبيين، يرون في روسيا معيناً مالياً لإخراجهم من الأزمة. قبرص فعلتها. تستدين من روسيا، التي كانت عرضة لنهب الدائنين وسماسرة المال، في زمن بوريس يلتسين. مع بوتين، عرفت أوروبا حجمها... العالم اليوم، لم يعد بقطبية واحدة: أميركا تتقدم وأوروبا تتبعها. باستثناء العدوان على العراق، ولفترة قصيرة... روسيا أعادت التوازن إلى العالم. الثقل الروسي لم يملأ أوروبا الملحقة بأميركا، ولا رغبت به الصين، التي تلعب لعبة الامتلاء الاقتصادي والمالي، وفرض وقائع سياسية من خلال الحضور، وليس من خلال الانشغال أو الاشتغال.

عالم بثلاثة أقطاب هو اليوم. أميركا روسيا والصين، مكانة أوروبا محفوظة، في الملحق الأميركي. كذلك تركيا، التي كانت لاعباً إقليمياً، كسفته روسيا، وأقصته إيران.

داخل هذا العالم الثلاثي الأقطاب، قطبان من خارجهما، الأول: إيران. وهي قطب من جنس آخر. من خارج حيوية النظام الدولي وتفاهماته ومسالكه... انها وحيدة ولكن عنيدة. قالت وأملت ونفذت وما تراجعت. كانت معزولة، فباتت منتشرة. كانت متخلفة فباتت ثورية بلا سلاح، وكانت جنرالاً في الخليج بإمرة أميركية، فباتت جنرالا والإمرة لها. أما الأزمة السورية، فباتت مفتاح خريطة النظام العالمي الجديد... قالها الروس صراحة: النظام الدولي الجديد رهن بكيفية حل الأزمة السورية. ولا حل من دون إيران. هي ليست ملحقاً، بل هي المصدر. انها النص وليست الهامش.

أما بعد... فليس أمام اللاعبين المحليين والإقليميين، إلا قراءة المتغيرات الدولية، للخروج من الثوابت القديمة، التي أوصلت الشرق الأوسط إلى نقطة الانفجار... ما قبل الثورات العربية، إلى نظام القطب الواحد... هذا انتهى. فليستعجل اللاعبون، قبل انطلاق إشارة البدء بتسديد الأهداف.

=================

حتى اخر سوري

مصطفى اللباد

السفير

25-6-2012

تتوالى الأنباء والصور المفزعة للمجازر المستمرة ضد المواطنين السوريين، الذين يدفعون ثمناً باهظاً لقاء حريتهم وكرامتهم ضد نظام دموي باطش، وبما يتجاوز ما تكبده أي شعب عربي آخر في إطار «الربيع العربي». وفيما يتسمر المشاهدون أمام الشاشات لمتابعة الأخبار المؤسفة القادمة من سوريا، تهتم العواصم الإقليمية والعالمية بتحقيق مصالحها الضيقة وتصفية حساباتها مع التركيبة الإقليمية الراهنة. ولتحقيق ذلك الغرض تستمر آلة القتل النظامية في حصد أرواح المواطنين السوريين العزل، وبالمقابل تقدم قوى إقليمية السلاح والمقاتلين ذوي العقيدة السلفية والجهادية لا لتحقيق الديموقراطية والحرية للمواطنين السوريين، بل لتصفية الحساب الطائفي والإقليمي مع النظام السوري. ولما كانت سوريا قد تحولت ـ حتى قبل اندلاع الحراك الشعبي فيها - بفعل غياب الخيال السياسي عن نظامها إلى ملعب للقوى الإقليمية والدولية، ولم تعد لاعباً إقليمياً مؤثراً في جوارها الجغرافي، يقرقع السلاح على الأرض السورية وتعربد قوات الشبيحة والنظام، ومعها المقاتلون المتسللون بغطاء وتمويل إقليمي، لتصفية الحساب الطائفي والإقليمي مع بشار الأسد ونظامه. يدفع السوريون لقاء كل ذلك من دمهم وأرواحهم ومستقبلهم، في معركة شريرة تستهدف تحقيق مصالح الخارج على الأرض السورية. وإذ يتأثر التوازن الإقليمي العام في الشرق الأوسط بشدة بالوضع في سوريا بسبب موقعها الجغرافي العبقري، تحاول هذه الأطراف الإقليمية تكبيد إيران المتحالفة مع النظام السوري أثمان ميل ميزان القوى الإقليمي لمصلحتها. ما ذنب الشعب السوري المسالم في هذه المعادلة الإقليمية الدموية؟ ولماذا يجب على المواطن السوري أن يريق المزيد والمزيد من دمه على مذبح توازنات إقليمية تكرست على امتداد عقود بسبب غياب الإرادة السياسية المستقلة لهذه الأطراف؟ كيف يمكن القبول أخلاقياً بأن يصبح المواطن السوري قرباناً لتصفية الحساب الإقليمي مع نظامه القمعي؟ تخوض الأطراف الإقليمية المتصارعة حربها الضروس ضد بعضها بعضاً على الأرض السورية وعلى حساب مستقبل سوريا والسوريين، فتصبح خيارات كل منا ـ كاتباً وقارئاً ـ شاهداً عليه وعلى مواقفه أمام ضميره قبل العالم. هل نرى فقط بطش النظام السوري ودمويته ـ وهي حاضرة وتحصد أرواح المواطنين السوريين يومياً ـ أم نرى فقط الجانب الآخر من الصورة/المقتلة التي تخوضها أطراف إقليمية لتحقيق مصالحها حتى آخر مواطن سوري، أم نتوخى شهادة الحق فنرى الجانبين معاً؟

بينما تمتلك الأقطاب الدولية أميركا وروسيا والصين، وكذلك القوى الإقليمية تركيا وإيران والسعودية، رؤاها الخاصة بالصراع وطرق تسويته بما يضمن مصالحها، يحاول الاتحاد الأوروبي بلورة رؤاه للحل في سوريا، واستعراض أفضل السبل للخروج من الأزمة. في هذا الإطار، دعا البرلمان الأوروبي مجموعة ضيقة من الخبراء للإدلاء بشهادتهم وتقييمهم للوضع في سوريا ـ كنت من بينهم ـ في جلسة علنية عقدت بمقر البرلمان الأوروبي، وبحضور سفراء الدول الأوروبية في الاتحاد الأوروبي، يوم الثلاثاء الموافق 19 حزيران العام 2012، بمقر البرلمان في بروكسل. يمكنك أن تبقى أسيراً للآلة الإعلامية لهذا الطرف أو ذاك، ولكن يمكنك أيضاً أن تشهد شهادة حق خالية من الغرض أمام ضميرك والعالم.

لا تهتم هذه الشهادة بتلميع صورة النظام السوري لأن هذا غير ممكن نظرياً وعملياً، بل غير محتمل إنسانياً وأخلاقياً، وإنما بتسليط الضوء أيضاً على الجانب الآخر من الصورة، وهو جانب دموي ومظلم كذلك. من المعلوم أن البناء الصراعي في سوريا له ثلاث طبقات: الأولى المحلية والثانية الإقليمية والثالثة الدولية، وبالتالي فهناك علاقات جدل بين الطبقات الثلاث لا تقنع بالتفسيرات الأحادية للأزمة ولا تكتفي بتعيين مواضع الاستقطاب على مستوى واحد لها. يبدو واضحاً أن الأطراف المنخرطة في الأزمة تلعب أوراقها برهانات عالية Higher Stakes، وبما يتجاوز كثيراً ما يتردد في شعاراتها المرفوعة بضرورة حصول الشعب السوري على حقوقه في الديموقراطية والحرية. تبدو خريطة الموزاييك الطائفي الهش والمتفجر في المشرق العربي، والتي تقف توازناتها على غير هوى هذه الأطراف الإقليمية، مرشحة للانفجار عند اندلاع حرب أهلية تكون عناوينها المرفوعة قلب سلم التوازن الطائفي الراهن في سوريا والمشرق انتقاماً من طائفة على يد طائفة أخرى، فيفقد المواطنين السوريين مواطنيتهم ويربحون هويات مذهبية متناحرة مع بعضها البعض. ومن شأن حدوث هذا الانفجار في سوريا أن يفيض على حدودها السياسية، بما يجعل المشرق العربي كله وقوداً لحرب أهلية طائفية لا تبقي ولا تذر. ولذلك الغرض وتحت ستار «التضامن مع الشعب السوري»، يتم تهريب الأموال والأسلحة والمقاتلين ذوي الميول السلفية والجهادية إلى الداخل السوري، لتتحول الانتفاضة الشعبية السورية السلمية الباسلة، التي قابلها النظام بوحشية مفرطة، إلى انتفاضة مسلحة تساهم الأطراف الإقليمية الخليجية في دعمها وإدامتها لاستمرار نزيف القتل واستدعاء التدخل العسكري الدولي بالنهاية. ونشهد استغلالاً واضحاً لمأساة الشعب السوري في تحقيق أهداف إقليمية تتجاوز الخريطة السياسية لسوريا، فهناك من يريد الاستمرار في القتل حتى تكسير سوريا الدولة ومقوماتها الأساسية، وليس مجرد إزاحة النظام الذي تحالفوا معه لسنوات طويلة، بغرض توجيه ضربة قاصمة إلى إيران ونفوذها في المشرق، عبر إسقاط النظام المتحالف معها؛ وبالتالي منعها من الإطلال على البحر الأبيض المتوسط. هنا تصبح سوريا مجرد منصة الإطلاق لأهداف تتجاوز رقعتها الجغرافية، ويصبح الدم السوري وقوداً لحرب مستترة. ومن المفارقات أن النظام السوري يتعرض لحملات إعلامية منسقة تتهمه بالديكتاتورية ـ وهو اتهام صحيح ـ ولكن من قوى إقليمية تفتقر إلى الحد الأدنى من مقومات التمثيل الشعبي ولو حتى على مستوى المجالس البلدية. من يتهم من هنا بالدكتاتورية وبالافتقار إلى الديموقراطية؟

*

تعرف المنطقة في السنوات الأخيرة صراعاً ملتهباً على النفوذ بين إيران وتركيا، وتبدو سوريا الآن هي مسرح هذا الصراع. طبيعي أن لتركيا مصالح في جوارها الجغرافي في سوريا، ولكن تحالف تركيا الواضح مع «الإخوان المسلمين» في المنطقة، الذين يفتقرون إلى الحضور الميداني في سوريا، يفقدها يوماً بعد يوم وهج نموذجها الذي تقدمه للمنطقة، وحيادها تجاه أطراف الأزمة، وهو ما يجعلها جزءاً من المشكلة وليس الحل. ولإخراج إيران من سوريا وتثبيت نفوذ تركي جديد في الفراغ الذي ستتركه، وبما يجعل سوريا «حديقة خلفية» لها، تم تشكيل واحتضان هيئات تمثيلية للسوريين في المهجر يهيمن عليها «الإخوان المسلمون» من وراء الستار، برعاية تركية وتمويل خليجي، بعد تهميش الرموز الوطنية السورية المناضلة في الداخل والخارج. وفق هذا المقتضى، يجري عبر عملية إعلامية - سياسية منسقة فرض تمثيل غير حقيقي للمواطنين السوريين، تمثيل لا يعكس موازين القوى السياسية على الأرض، وبالتالي يدفع المواطنون السوريون بأرواحهم ثمن استمرار آلة القتل وصولاً إلى تثبيت هذا التمثيل غير الحقيقي، وبتزييف إرادتهم يتكبدون ثمن مستقبل سياسي مظلم لم يختاروه. ولأن الصراع الكوني بين الولايات المتحدة الأميركية وروسيا، يستمر قائماً، يصبح الساحل السوري ملعباً لإخراج روسيا الساعية إلى استعادة مكانتها الدولية، من موقعها الأخير على البحر المتوسط، والثمن مرة إضافية هو دماء المواطنين السوريين ومستقبلهم.

سيقسم التدخل الدولي العسكري سوريا لا محالة ويدمر موزاييك طوائفها الهش، ولن يدع مجالاً للمنظمات الإقليمية والدولية للعب دور في الحل، وإنما لدفع الأثمان في «تحالف الراغبين» بقيادة الناتو. ومن شأن رفع سقف الأهداف المتوخاة من العملية العسكرية: ضرب مصالح إيران، تثبيت تركيا في سوريا وطرد روسيا من المنطقة، أن تجرى عمليات يراق فيها الدم وتتحطم الدولة السورية لأغراض غير مناصرة الشعب السوري وحقه غير القابل للنقاش في الحرية والكرامة. أرفض فكرة «الممر الإنساني» لأنها أفضل وصفة للحرب الأهلية كما تقول التجارب التاريخية السابقة، والحرب الأهلية ستشرعن التدخل الدولي أيضاً. الحل الأفضل الآن هو أن تتداعى الأطراف الدولية صاحبة المصلحة إلى مؤتمر دولي يبحث في مرحلة انتقالية تضمن مشاركة كل الأطراف السورية ولا تستأصل منهم أحداً، وبما يضمن سوريا موحدة لكل مواطنيها. كما يجب على المؤتمر أن يضم كل الأطراف الإقليمية ولا يستبعد أياً منها: الجامعة العربية والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وأميركا وروسيا والصين وإيران وتركيا والسعودية، فضلاً عن دول جوار سوريا. فليرحل بشار الأسد بمبادرة على غرار «الحل اليمني»، ولتصفِّ الأطراف الإقليمية حساباتها مع بعضها البعض على غير الأرض السورية وبغير الدم السوري. على القتل أن يتوقف الآن وفوراً، أم سننتظر أن تستمر المذبحة حتى آخر مواطن سوري؟

 

=================

الطائرة التركية: دمشق تخفّف وأنقرة تهدد!

ليز سلاي

الاتحاد

25-6-2012

تعهدت تركيا باتخاذ "الخطوات اللازمة" بعد التأكد من أن سوريا أسقطت مقاتلة تركية بالقرب من الحدود السورية يوم الجمعة الماضي، مما يزيد من حدة التوتر في المنطقة المشحونة أصلاً. ففي بيان وجيز صدر بعد اجتماع أمني عاجل دعا إليه رئيس الوزراء أردوجان، أعلنت الحكومة التركية أن مقاتلة مفقودة من طراز إف 4 قد أُسقطت من قبل سوريا. وقال البيان إن تركيا "ستعلن موقفها النهائي عندما يتم الكشف عن الأدلة بشكل كامل وستتخذ الخطوات اللازمة".

الرئيس التركي عبدالله جول ومسؤولون آخرون قالوا يوم السبت إن حكومتهم تحاول تقييم الظروف الدقيقة للحادث وستتخذ خطوات لم يحددها للرد وفقاً لذلك. وقد اعترف جول بأن الطائرة التركية قد تكون انتهكت، عن غير قصد، المجال الجوي السوري. غير أنه من غير الواضح ما إن كانت تركيا تفكر في رد عسكري، أو زيادة العقوبات، أو خطوات أخرى ممكنة، مثل المطالبة بتعويض أو اعتذار. لكن فاروق تشيليك، وزير العمل والضمان الاجتماعي التركي، قال إن بلاده سترد "إما في المجال الدبلوماسي أو من خلال أنواع أخرى من الردود". وقال تشيليك للصحفيين: "حتى إذا افترضنا أن انتهاكاً للمجال الجوي السوري قد حدث -رغم أن الوضع مازال غير واضح- فإن الرد السوري لا يمكن أن يكون هو إسقاط الطائرة"، مضيفاً أن الحادث غير مقبول. وتركيا لا يمكنها أن تتحمله في صمت".

وكان الرئيس التركي قد قال يوم السبت الماضي إن التحقيق يبحث ما إن كانت الطائرة قد أُسقطت في المجال الجوي التركي، مثلما أفادت وكالة "رويترز" للأنباء نقلاً عن وسائل إعلام تركية. ومن جهتها، نقلت وكالة الأناضول للأنباء الرسمية عن جول قوله: "من غير الممكن التستر على شيء مثل هذا، وكل الخطوات اللازمة سيتم اتخاذها".

 

والجدير بالذكر هنا أن التوتر كان حاداً أصلاً بين سوريا وتركيا. فالجاران كانا حليفين قبل بدء الانتفاضة في مارس 2011، لكن تركيا أصبحت واحدة من أشد المنتقدين للطريقة القمعية التي يرد بها النظام السوري على انتفاضة شعبه، وتستضيف مجموعات سورية معارضة، مدنية وعسكرية. وعلى هذه الخلفية، دعت كل من ألمانيا والعراق، تركيا وسوريا إلى التزام الهدوء وعدم السماح للاضطرابات في سوريا بأن تتحول إلى نزاع واسع في المنطقة.

 

مصير الطيارين اللذين كانا على متن الطائرة غير معروف، وقد أعلنت تركيا أن سفناً سورية انضمت إلى عملية بحث واسعة في شرق المتوسط حيث يُعتقد أن الطائرة أُسقطت. وكان الجيش التركي قد أوضح في وقت سابق أنه فقد الاتصال مع الطائرة قبل منتصف النهار بوقت قصير أثناء تحليقها فوق إقليم هاتاي التركي الواقع جنوب البلاد.

 

وبعد أن أكدت تركيا، وهي عضو في حلف "الناتو"، نبأ إسقاط الطائرة، أصدر ناطق عسكري سوري بياناً يعترف بإسقاط الطائرة في الساعة الحادية عشرة وأربعين دقيقة صباحاً، بعد أن اقتربت من الأراضي السورية على علو منخفض من جهة البحر. وقال البيان: "إن هدفاً جوياً مجهول الهوية اخترق المجال الجوي السوري فوق المياه الإقليمية من اتجاه الغرب، على ارتفاع منخفض جداً وبسرعة عالية، فتصدت له وسائل الدفاع الجوي السوري بالمدفعية المضادة للطائرات"، مثلما ذكرت وكالة الأنباء السورية الرسمية "سانا". وقد كانت الطائرة تبعد بنحو كيلومتر واحد عن الساحل السوري عندما ضُربت، وقد سقطت في المياه الإقليمية السورية، على بعد نحو 10 كيلومترات عن الساحل، يقول البيان.

 

الحادث يسلط الضوء على الجو المشحون الذي يسود المنطقة في وقت أخذت تتحول فيه الانتفاضة في سوريا إلى نزاع مسلح يخشى الكثيرون أن يمتد إلى خارج حدودها، ويجر إليه جيرانها، ويؤدي ربما إلى تدخل عسكري دولي واسع. ومما يزيد من حدة التوتر بروز تركيا كقناة رئيسية للإمدادات الجديدة للأسلحة التي تتدفق على المتمردين السوريين بفضل أموال عربية وتسهيلات جزئية من الولايات المتحدة. ويذكر هنا أن أكثر من 30 ألف لاجئ سوري تدفقوا على جنوب تركيا خلال العام الماضي، كما أن قيادة الجيش السوري الحر تتخذ من مخيمات اللاجئين هناك مقراً لها.

وهذه ليست المرة الأولى التي تهدد فيها تركيا منذ اندلاع الانتفاضة ضد بشار الأسد قبل 15 شهراً، مما يسمم العلاقة التي كانت ممتازة في الماضي بين دمشق وأنقرة. ففي أبريل الماضي وبعد أن أطلقت القوات السورية طلقات عبر الحدود على مخيم للاجئين السوريين، هددت تركيا باللجوء إلى بند الدفاع المشترك في ميثاق "الناتو".

غير أن سوريا بدت حريصة على التخفيف من شأن حادث الطائرة. وفي هذا السياق، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية السورية جهاد المقدسي على حسابه في تويتر: "لم يكن ثمة اعتداء... بل الأمر يتعلق بهدف مجهول الهوية كان يحلق على ارتفاع منخفض جداً عندما انتهك المجال الجوي السوري"، مؤكداً على الدور الذي تلعبه السفن السورية في المساعدة في عملية البحث عن الطيارين المفقودين.

غير أن إسقاط الطائرة يأتي في وقت يتميز بازدياد القلق بشأن دوامة العنف في سوريا عقب انهيار خطة سلام أممية يرعاها المبعوث الخاص كوفي عنان. فالمراقبون الأمميون الذي أُرسلوا إلى سوريا من أجل مراقبة وقف لإطلاق النار لم يعد اليوم موجوداً، لا يغادرون فنادقهم لأنه بات من الخطير جداً أن يخرجوا، ومجلس الأمن الدولي مازال منقسماً بشأن أي البدائل التي ينبغي اتباعها.

وفي مؤتمر صحفي بجنيف، حذّر عنان من أنه إذا لم يتفق المجتمع الدولي على طريقة للتقدم إلى الأمام، فإنه "سيكون قد فات الأوان لمنع الأزمة من الخروج عن السيطرة".

=================

سوريا وفرصة التدخل الإنساني

عائشة البري

الاتحاد

25-6-2012

أعلنت بعثة مراقبي الأمم المتحدة إيقاف عملها في سوريا بسبب تصاعد العنف، فهل هذا يعني فشل خطة كوفي عنان المبعوث الخاص للأمم المتحدة وجامعة الدول العربية؟ وهل أزمة سوريا أصبحت حرباً أهلية؟ وما هي الخيارات المتاحة أمام المجتمع الدولي للتعامل مع تصاعد العنف في سوريا؟ حتى اليوم باءت جميع محاولات الضغط السياسي والدبلوماسي والاقتصادي الرامية إلى وقف العنف الدامي في سوريا، ومسؤولية حماية المواطنين السوريين بالفشل، وشهدت مؤخراً تصعيداً متزايداً في أعمال العنف والعنف المضاد من قوات الأسد ومقاتلي المعارضة. وبدا يلوح في سوريا خطر اندلاع حرب أهلية طويلة الأمد ستمتد إلى جميع أنحاء البلاد، وستنعكس أصداؤها على الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط برمته. ومع تصاعد العنف طرح من جديد خيار "التدخل الإنساني" باستخدام الوسائل العسكرية وتحت مظلة مجلس الأمن، أي قرار يستند إلى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة بموافقة جميع الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن.

 

ويدور جدل واسع بين خبراء القانون الدولي ما بين مؤيدين للتدخل الإنساني في سوريا ومعارضين له. فالمؤيدون يركزون عموماً على الالتزامات الأخلاقية للمجتمع الدولي، خصوصاً الولايات المتحدة والدول الأوروبية، تجاه حماية حقوق الإنسان، أي الحق في الحماية. ويجادل معارضوه بأن للتدخل أخطاراً وتكاليف تصاحبه، مؤكدين على تعارضه مع مبادئ القانون الدولي، مثل مبدأ السيادة، ومبادئ عدم التدخل الواردة في ميثاق الأمم المتحدة. فالنزاعات الأهلية من أصعب النزاعات في التفاوض والتسوية وديناميكيات الصراع الداخلي هي -في حقيقة الأمر- التي تحدد اتجاهات التسوية. ويقول نعوم تشومسكي إن "حق التدخل الإنساني إن وجد، مشروط بـ«النية الحسنة» لدى المتدخلين، ولا يقوم هذا الافتراض على الادعاءات الجوفاء التي يصدرونها، وإنما على سجلهم، ولاسيما سجلهم في الالتزام بمبادئ القانون الدولي وقرارات المحكمة الدولية".

والحق في التدخل الإنساني هو ما استندت إليه الولايات المتحدة وحلف "الناتو" في مسألة التدخل بإقليم كوسوفو عام 1999 بعد أن فشلت في الحصول على قرار من مجلس الأمن، بحجة التدخل الإنساني لحماية ألبان كوسوفو نتيجة لتصاعد العنف في الإقليم من قبل القوات الصربية ضد السكان الألبان، وتصاعد العنف المضاد من قبل جيش تحرير كوسوفو، ما شكل انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان صنف بعضها كجرائم ضد الإنسانية.

ويرى خبراء القانون الدولي، بعد تدقيقهم المعايير السياسية والقانونية الدولية الخاصة بمثل هذا "التدخل الإنساني" في الحالة السورية، أن قرار التدخل يجب أن يتم اتخاذه تحت مظلة مجلس الأمن وأن يتم تطبيقه تحت مظلة الأمم المتحدة بدءاً بنشر قوات لحفظ السلام أممية مهمتها تأمين ممرات برية آمنة بغية توفير الحماية والمواد الأساسية الغذائية والدوائية للمواطنين السوريين.

إن الأولوية يجب أن تكون الآن، وقبل كل شيء، للوقف الفوري لسفك الدماء في سوريا، بغض النظر عن ترتيبات بقاء أو رحيل نظام الأسد. ويجب أن تعطى كل من روسيا والصين تطمينات كافية بأن التدخل الإنساني سيكون تحت مظلة الأمم المتحدة، وأن يفصّل قرار مجلس الأمن "المأمول" شكل وآليات التدخل الإنساني، ويتخلى على الإدانات وفرض العقوبات أو الدعوة لاستقالة الأسد. والمطلوب اليوم إجماع دولي على التدخل الإنساني.

لا أحد يتمنى حرباً أهلية في سوريا، وقوات حفظ السلام من شأنها تجميد الأوضاع لا تصعيدها، أما نظام الأسد فقد خسر أسس بقائه وبقي رحيله أو انهياره مسألة وقت لا تعنينا هنا بالدرجة الأولى بقدر ما تعنينا الأوضاع الإنسانية المتردية وشلالات الدماء، وحقيقة أن تحقيق السلام الدائم والاستقرار الداخلي في سوريا بعد الخمسة عشر شهراً على الاحتجاجات المستمرة يصعب تصوره مع بقاء نظام الأسد. ولكن سيبقى خيار التنحي أو السفر إلى الخارج مع إعطاء الأسد وأركان نظامه الحصانة خياراً واقعياً في مقاربة للنموذج اليمني.

=================

الحل السوري بيد روسيا

منصور مكين

عكاظ

25-6-2012

عنيت القضية السورية بالكثير من المواقف إلا أن الموقف الروسي بعد أن وصل إلى هذا الحد جعلني أذهب بعيدا باحثا عن الدافع الخفي الذي جعل روسيا تواجه المجتمع الدولي بكامله.

وتعلن صراحة للعالم أجمع رفضها لأي قرار ضد النظام السوري تحت البند السابع.. وخلال تحليلي للموقف الروسي وما تصرح به طيلة هذه الفترة جعلني أؤكد أن سوريا وما يدور في داخلها لا يمكن أن يأخذ هذه الدرجة من الأهمية، كما لا يمكن أن يكون من أجل مصالح ذاتية داخل سوريا حتى وإن كان ذلك واردا، إلا أنني أؤكد من خلال وجهة نظري أن الهدف أبعد من ذلك بكثير.. قبل واحد وعشرين عاما تفككت روسيا وفقدت مكانتها كقطب ثان مع أمريكا.

إلا أن روسيا تجاوزت كثيرا من مشكلاتها. ومع بداية الثورات العربية كانت روسيا تتحين الفرصة لاتخاذ موقف، وكنت أعتقد أنها ستتخذ موقفا عندما بدأ حلف شمال الأطلسي وأمريكا التعامل مع النظام الليبي إلا أنها تركت الموضوع ولم تتخذ أي موقف. ومع بداية الثورة السورية حشدت كل طاقاتها وضمت إليها الصين، وأول مواقفها ومعها الصين اتخاذ الفيتو في مجلس الأمن وبعد ذلك تطورت مواقفها وأخذت تعلن مواقفها علنا. ونتيجة للموقف الروسي المتشدد لم يعد باستطاعة المجتمع الدولي اتخاذ أي خطوة لإنقاذ شعب يذبح صبح مساء أمام نظر العالم.

والأكثر من ذلك اقتنع المجتمع الدولي أن الحل السوري بيد روسيا، هكذا يظهر. وللتأكيد فالملف السوري بكامله في يد روسيا..

وأخيرا.. أكدت روسيا عبر مواقفها أنها دولة فاعلة لها دور أساسي في إدارة المشكلات العالمية. كما أنها بصدد طرح مبادرة. وتقترح عقد مؤتمر دولي وتشترط حضور إيران في أي مؤتمر يعقد خاص بالصراع السوري.

المهم.. يجب ألا يترك الوضع برمته لروسيا التي أقحمت الطائفية في الصراع الدائر في سوريا، والأكثر أهمية ألا تأتي بإيران في أي مؤتمر فهي طرف أساسي في قتل الشعب السوري، ودولة جبلت على خلق المشكلات في محيطها.

=================

إيـران والنظام السوري: أساس العلاقة

عبدالله سلطان

عكاظ

25-6-2012

ليس مستغربا تمسك إيران بعلاقتها مع الرئيس بشار ونظامه. فلذلك أسباب أدت لامتدادها منذ أسسها الخميني مع الرئيس حافظ الأسد. عندئذ كان لكلا الطرفين مصلحة في إقامة أقوى العلاقات بين بلديهما، مما جعل الخميني يعترف بالنصيريين، بعد أن كان يكفرهم. ومن وراء هذا الاعتراف الرغبة في استخدام سوريا كقاعدة لتصدير «الثورة الإسلامية» ونشر التشيع الفارسي. وحافظ الأسد تحالف مع إيران ضد العراق التي كانت في حرب معها، لأن إيران اعترفت بطائفته. وكونه يدعي تقية أنه بعثي، وهو ليس كذلك، إنما استعمل البعث مطية لتحقيق مصالحه، فلذلك كان في اختلاف مع الرئيس صدام حسين.

أيضا كان يشعر حافظ الأسد والإيرانيون الفرس أن بينهم ما يوحدهم ويجعلهم حليفين، غير عدائهم لصدام حسين، وغير اشتراك الطرفين بالخلفية الشيعية.

فمؤسس الطائفة النصيرية: محمد بن نصير البصري النميري، فارسي الأصل، وكان محمد بن نصير من أصحاب الحسن العسكري ( الإمام الحادي عشر)، وادعى ابن نصير النبوة ثم الألوهية (الربوبية)، وقام بدعوته في بلاد فارس، موطنه الأصل، في القرن الثالث الهجري، وأطلق عليها بعده «النصيرية» نسبة لاسمه، وهي حركة باطنية ومن غلاة فرق الشيعة.

يعتقد معتنقوها أن الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ورضي عنه، إله...، وخلفه في رئاسة الطائفة: محمد بن الجنان الجنبلاني ثم حسن بن حمدان الحضيبي، وهما من أصل فارسي، ومعروفان بتمجيد الشخصيات الفارسية والتفاخر بها.

وقد هاجرت قبائل نصيرية فارسية من خراسان إلى جبال سوريا الشمالية الغربية في القرن العشرين، خلال فترة الاستعمار الفرنسي لسوريا. وللمرء أن يتأمل العاملين، الطائفي والأصل الفارسي، على علاقة بشار مع فرس إيران، وتأثير ذلك اليوم. والاستعمار الفرنسي هو الذي أطلق اسم العلويين على النصيريين وذلك رفعا لمعنوياتهم نظير مناصرتهم وخدمتهم له ضد السوريين. فطلب النصيريون من المستعمر الفرنسي عدم الخروج من سوريا بحجة خوفهم من أهل السنة، وتعاونوا طيلة تاريخهم مع الغزاة الذين دخلوا بلاد الشام وهم: الصليبيون والمغول التتار والصفويون والفرنسيون...، وقدموا لهم المساعدات المادية والاستخباراتية ضد أبناء بلاد الشام.. وقد سبق لابن تيمية أن حذر قبل خمسمائة عام من خطر النصيريين، وها نحن اليوم نرى ما يعملونه في السوريين من ذبح وقتل وإحراق لدرجة التفحم، ونحر الأطفال الصغار، واعتقال الآلاف منهم، وهتك أعراض نسائهم.. وأخيرا استعمل بشار الغاز ضدهم.

ولأن الحركات الباطنية نشأت في بلاد فارس، بسبب حقد وكره الفرس للعرب وللدين الإسلامي، الذي به فتح العرب بلادهم وكسروا شوكتهم في معركة القادسية، فإن القاسم المشترك بينها هو حب قتل أهل السنة (والمقصود بذلك العرب)، والخروج عن الإسلام الصحيح. وليس غريبا ما يقوم به النصيريون ومعهم الفرس المجوس ضد العرب والمسلمين في سوريا.

وقبل ذلك قام حافظ الأسد بقتل الفلسطينيين وغيرهم في لبنان، وقتل حوالى (40) ألفا في حماة .. إيران حاضرة في المشهد السوري بكل ثقلها.

وقد صرح وزير خارجية إيران الأسبق، أكبر علي ولايتي، بقوله : «إن نظام الأسد لن يسقط، وإن إيران وحزب الله والعراق يدعمون سوريا بحزم، وإيران ستستمر بدعم الحكومة السورية وستعارض الذين يتحركون ضدها» (الشرق الأوسط، الجمعة 24/2/2012م).

والجنرال قاسم سليماني، القائد العام لفيلق القدس (الذراع الخارجية للحرس الثوري الإيراني)، هو الذي يقود (قوة النخبة في الحرس الثوري) لدعم بشار الأسد، وقد أكد نائبه، اللواء إسماعيل قاءاني، وجود قوة النخبة في سوريا (الشرق الأوسط 29/5/2012م).

وغير خافٍ تقديم إيران الدعم التقني والعسكري المستمر لبشار بقصد قمع الاحتجاجات السلمية المستمرة في سوريا.. والله أعلم ( يتبع).

=================

المؤتمر القومي العربي... والثورة السورية؟!

عبدالله القفاري

الرياض

25-6-2012

 مالم يخرج القوميون العرب من عباءة الوصاية التي شكلت منظومة فكرية احتبست على ملامح تعاود استهلاكها، ومالم يخضع هذا الفكر لمراجعات عميقة تعترف بالأخطاء والممارسات السلبية ونتائجها الكارثية على الأمة، وتعيد صياغة فكر عروبي إنساني يبحث عن حق الانسان العربي بوصفه إنسانا وليس مشروع مقاومة وممانعة تحت عباءة النظام القومي الفاشي والدموي، ومالم يحدث انفصال جاد وحقيقي عن نظم الطغاة الذين ركبوا المشروع القومي فكانوا أكثر وطأة عليه من سواهم.. فسيظل يطل من أبراج متهاوية على مشهد لم يعد يتسع له.

هذا الكلام الإنشائي البارد الذي يساوي بين الضحية والجلاد مخجل ومحبط وقاتل للمعنى الانساني الذي غادر كثيرا من الوجوه.. ليس هناك حولة ولا قبير ولا مقابر جماعية ولا مدن مدمرة ولا اطفال يذبحون بالسكاكين كالخراف الصغيرة ولا مشردين ولا مهجرين.. إنها مجرد تطورات وعلى الأطراف المعنية ايقاف العنف والانخراط في حوار شامل!!

اطلعت على بيان الدورة الثالثة والعشرين للمؤتمر القومي العربي الذي انعقد في تونس خلال الفترة من 4-6 يونية 2012. كان المؤشر الكبير لتحول يمكن التعويل عليه قراءة الموقف من الثورة السورية. كيف يتعاطى المؤتمرون في قضية تمثل التحدي الأكبر لهم.. بل تمثل الفصل الحاسم بين الانحياز للإنسان العربي المقموع والمنتهك أو لنظام القمع المعتم!!.

في تأكيدات البيان حيا الثورات العربية وحذر من التدخل الخارجي الامريكي تحديدا وتجاهل الأدوار الدولية الأخرى وخاصة الايراني والروسي.. وهذه تحمل دلالة ضمنية على أن من صاغ البيان لم يكن يرى في الدور الايراني أو الروسي تدخلا... انتقائية تنم عن توجهات المؤتمر، وتجاهل تركبه الأهواء وطبيعة التحالفات التي يفضحها البيان.. مهما حاول أن يوزع الدم المسفوح على القبائل المجهولة.

لقد حيا البيان كل الثورات العربية.. عدا الثورة السورية التي لم يتكرم عليها بهذا الوصف لأنه يراها مجرد تطورات.. بل إنه حيا حتى بعض الشخصيات السياسية باعتبارها حالة تستهوي أو يلذ للمؤتمر استعادتها لأن ثمة انتماء ناصريا يدغدغ مشاعر المتوقفين عند مرحلة أنتجت فيما بعد النظام الذي ثار عليه الشعب المصري.

الذي يدركه أدنى متابع للحالة المصرية أن التيار الناصري الذي حظي بتلك التحية باعتباره حالة ثورية لا أحد يجرؤ في مصر أن يقدمه باعتباره تيارا مؤثرا أو يمكن أن يعتد به في معادلة الثورة المصرية. وكيف يمكن اختصار كل هذا الحراك في بلد كمصر بشخصية سياسية وكأنها رهان القوميين الحالمين باستعادة عبدالناصر .. وكأن الثورة المصرية لم تكن ثورة على أعباء ستين عاما منذ استيلاء العسكر على السلطة في مصر عام 1952. ولماذا تجاهل البيان حراك وتأثير وفاعلية التيارات الأخرى في صناعة المشهد الثوري؟

لقد اتسعت تحية وتزكية المؤتمر لكل الحراك الشعبي العربي.. إلا الثورة السورية التي أفرد لها البيان فقرة خاصة في نهايته باعتبارها تطورات وليست حالة ثورية:

( يعتبر المؤتمر ان التطورات في سورية تتجه إلى منزلقات خطيرة تهدد الدولة السورية والكيان السوري والمنطقة، حيث إن تصاعد عمليات العنف وتعميم المجازر الجماعية وتصميم أطراف متعددة على الحل الأمني والعنفي على حساب كل المبادرات القائمة حالياً لتغيير ديمقراطي يحقق التداول السلمي للسلطة، يدفع البلاد إلى أتون حرب أهلية..)

يتحاشى المؤتمر أن يشير الى أن ثمة ثورة شعبية في سورية. أو ممانعة شعبية حقيقية ومقاومة لنظام الطغيان والظلم والجور والقتل والاستباحة.. وكأنها لم تكن هناك ثورة شعبية حافظت على سلميتها طيلة ستة أشهر حتى اضطر الثوار ان يدافعوا عن انفسهم بعد استفحال عملية القتل والتعذيب والاعتقال والبشاعة اليومية.. انها في البيان مجرد تطورات تتجه لمنزلقات خطيرة لا نعرف من المسؤول عنها. انها منزلقات خطيرة تهدد الدولة السورية والكيان السوري!!.. كيف وصلت الحالة السورية لما وصلت إليه؟ من الذي حوّلها إلى هذه الحالة ومن قتل أكثر من خمسة آلاف قبل أن تطلق الرصاصة الأولى للمقاومة الشعبية في مواجهة جلاوزة النظام وشبيحته وقواته التي فتكت بالمتظاهرين!!

لم تبرد بعد دماء مجزرة الحولة البشعة ولا مذبحة القبير..ولازالت رائحة الحرائق والدماء تنتشر كالموت الزاحف في كل بقعة سورية ثائرة... والمؤتمرون الكرام يعقدون مؤتمرهم في تونس الثورة.. ولم تظفر منهم كل تلك البشاعات بسطر يدين النظام الذي أدانه العالم أجمع، وكشفت المنظمات الحقوقية الدولية عن تورطه في تلك المجازر وفي عمليات التهجير والاقتلاع والقتل والتمثيل بالجثث ناهيك على الاعتقال والتعذيب الذي حول سورية إلى معتقل كبير..

كل تلك المشاهد والحقائق لم تؤثر في اولئك المؤتمرين حتى ليقف احدهم ويرفض تلك الصيغة في بيان يتهرب من استحقاقات اخلاقية وانسانية في ممالأة مكشوفة لطرف النظام وشبيحته الذين تتعدد مهامهم وأدوارهم..

ويعود البيان ليغطي كل هذا بتوجيهاته السديدة في محاولة لتخفيف وطأة الانحياز المكشوف وأحيانا الامعان في فضحه:

 (إن المؤتمر، انطلاقا من ثوابت المؤتمر في رفض الاستبداد والفساد والتبعية. فإنه يؤكد على: حقوق الشعب السوري الكاملة في الحرية والكرامة والديمقراطية والعدالة الاجتماعية.. وضرورة إيقاف العنف أياً كان مصدره.. والانخراط في حوار وطني شامل من خلال مناخات حقيقية بهدف تحقيق تطلعات الشعب السوري، وحماية المدنيين والحفاظ على دور سورية الوطني والقومي.. ورفضه المطلق لأي شكل من أشكال التدخل الأجنبي، أياً كانت أطرافه وطبيعته ومبرراته، ورفضه عسكرة الانتفاضة.. ورفضه الكامل لكل انواع الحصار المفروض على سورية وشعبها. كما يطالب بإلغاء إقصاء سورية عن الجامعة العربية وقطع بعض العلاقات العربية معها، ويطالب بإعادة النظر في هذه القرارات والغائها.. وهو يدين أيضا كل الأطراف التي تعمل على عرقلة أي حل سياسي وتساهم في إذكاء الفتنة بإغراق سورية بمختلف أنواع الأسلحة وبعرقلة الحوار الوطني... كما ينوه المؤتمر بالمعارضة الوطنية التي ترفض التدخل الأجنبي وعسكرة الانتفاضة والاحتراب الداخلي، ويدعو كافة قوى المعارضة إلى توحيد موقفها حول هذه الثوابت..).

وكأن مسارا عاما وقرابة النصف عام لم تقدم لهذا المؤتمر واعضائه ما يكفي من دلالات على استحالة تنفيذ توجيهاته السديدة.. وكأن هناك نظاما يريد فعلا أن ينقذ سورية من مصير معتم لا أن يدفعها إليه بكل قسوة وجبروت وبشاعة.. وكأن هناك طرفين متكافئين أمامهما ذات الفرص لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.. إنه قَلقٌ على دور سورية القومي ويؤذيه حصار النظام ويدين جامعة الدول العربية ويرفض التدخل الاجنبي.. وكأن التدخل الاجنبي لا ينتظر سوى دعوات المعارضة.. وكأن الممانعة الدولية من التدخل لم تصم أذنيه بعد..!!

إن أي قارى في المشهد السوري عدا أعضاء المؤتمر القومي، ليدرك أن النظام السوري لايمكن أن يسلم بحقوق هذا الشعب الذي لم يتطلع لأكثر من حقه في تقرير مصيره.. وأن النظام لم يقدم في أي يوم طيلة هذه التطورات - كما يراها المؤتمر - شاهدا واحدا على مؤشر حقيقي للتسليم بحق هذا الشعب في أن يقرر النظام الذي يحكمه ويرتضيه.. وأن النظام اختار منذ اليوم الأول لتفجر الثورة السورية أن يواجهها بالقتل والترهيب وبدعم غير مسبوق من تحالف لم يعد يخفى على أحد..

هذا الكلام الانشائي البارد الذي يساوي بين الضحية والجلاد مخجل ومحبط وقاتل للمعنى الانساني الذي غادر كثيرا من الوجوه.. ليس هناك حولة ولا قبير ولا مقابر جماعية ولا مدن مدمرة ولا اطفال يذبحون بالسكاكين كالخراف الصغيرة ولا مشردين ولا مهجرين.. إنها مجرد تطورات وعلى الأطراف المعنية ايقاف العنف والانخراط في حوار شامل!!

=================

من يملك سوريا؟

جهاد فاضل

الراية

25-6-2012

قبل أن يصل الفريق حافظ أسد إلى السلطة في سوريا، كانت سوريا في غالبيتها على المذهب السني، كان السنة هم الذين يحكمون، إذ لم يكن هناك من ينافسهم. فالأقليات الدينية الأخرى كانت تمثل في السلطة بوزير أو اثنين أو ثلاثة، ولم يكن أحد يحتج على هذا الوضع لأنه تحصيل حاصل كما يقولون. فعندما يكون ثمانون بالمئة من الشعب مسلمين، هل يجوز لطوائف صغيرة لا يتجاوز عدد أفرادها العشرين بالمائة من الشعب أن تعترض على ما تقرره طبيعة الأشياء؟.

 

ولكن كل ذلك تغير، في ظرف تاريخي شديد التعقيد، بوصول ضابط من الأقلية العلوية إلى السلطة قبل 43 عاماً من اليوم. في ظاهر الأمر، كان هذا الضابط على المذهب البعثي، أي عروبياً علمانياً، ولكنه في أعماقه، وفي حقيقة ذاته كان علوياً محضاً، دخل الجيش، ثم السلطة، وهو علوي شديد الشعور بعلويته، وعندما قبض على زمام الأمور، وأمكنه ترويض الحصان الجامح على الدوام، وهو سوريا وشعبها، استمر على هذه العلوية ثم بدأ بعملية لم يشهد لها بلد آخر مثيلاً من قبل: لم تنتقل السلطة وحدها إلى هذا الحاكم، بل انتقلت معها ملكية الأرض أيضاً. لم تعد سوريا ملكاً لشعبها الذي هو في أكثريته الساحقة على المذهب السني، بل أمست ملكاً عقارياً لهذا الحاكم وكذلك لطائفة هذا الحاكم، السنة تحولوا إلى أهل ذمة، فهم منبوذون، مبعدون، مهملون، مناطقهم لا يلتفت إليها أحد، أهلها غرقوا في الفقر وفي الإهمال والضياع.

وإذا استعان الحاكم بأحد منهم، ولابد أن يستعين فببعض المدجنين من أهل الطاعة من نوع خدام وطلاس وفاروق الشرع، وعلى سبيل الديكور لا أكثر ولا أقل، أما القرار فبيد رأس الهرم في السلطة، أي رئيس البلاد القادم إلى حكم الشام من قرية فقيرة منسية في الجبل العلوي تدعى القرداحة، لم ترد يوما في معجم البلدان.

على أن الحقيقة الموضوعية الباردة تقضي بالقول أن العقار السوري، لم يتحول إلى ملك خالص لآل الأسد، ومعهم آل مخلوف، والطائفة العلوية بوجه عام، وإنما شارك هؤلاء فيه آخرين أو شاركهم فيه آخرون.

من هؤلاء الآخرين الاتحاد السوفياتي، كما كان يطلق على روسيا حين وصول الأسد إلى السلطة، أو روسيا كما تُدعى الآن، كان الحاكم السوري الجديد بحاجة إلى واجهة تقدمية، وإلى سند خارجي قوي يدعمه، فوجده في القيصر الروسي الحاكم في موسكو، وكان هذا القيصر بحاجة إلى الوصول إلى المياه الدافئة في البحر الأبيض المتوسط، فوجدها في مرفأ اللاذقية ومرفأ طرطوس، لم يكن ثمة مشاعر حقيقية دافئة بين الفريقين، بل كانت هناك مصالح وانتهازية قبل كل شيء، وعلى الدوام عمل كل فريق على السهر على مصالح الآخر، وبمرور الوقت وبسبب كثرة المصالح وتعقد العلاقات، أمست علاقة الروس بسوريا شبيهة بعلاقتهم بالشيشان وبقية دول القوقاز الأخرى، أي علاقة يصعب فكها بسهولة أو التفريط فيها وهذا ما يظهر بجلاء الآن.

ومن هؤلاء الآخرين الذين نالوا حصة وافرة في العقار السوري الإسرائيليون، أخذوا الجولان ومساحته تقرب من مساحة لبنان وهو في جباله وهضابه ومنحدراته وسهوله جنات تجري من تحتها الأنهار، وهو قول لا مبالغة فيه نظراً لما تحتويه أرضه من الينابيع، قيل إن هذا الحاكم السوري ساعد أصلاً في تمكين اليهود من احتلال الجولان، وقيل أيضاً إنه حرس حدوده مع إسرائيل فلم تتمكن أي جهة سورية أخرى من تنظيم مقاومة أو ما شاكل، لاسترداد الأرض المغتصبة، ولكن وعلى التأكيد كانت إسرائيل سعيدة إلى جوار هذا الحاكم الذي يصفوها الود في السر، والعداء في الظاهر في حين يصفو شعبه السوري المسلم الود في الظاهر، وقلبه يغلي حقدا عليه في السر، وكل هذا لا يؤلف مجرد زعم أو وهم، فهو حقيقة لا يمكن أن تخفى على من يراقب أو يحلل أو يقارن أو يستنتج.

لم تكن سوريا يوما عزيزة على قلب حاكمها الجديد، فقلب هذا الحاكم عامر بحب القرداحة والقرى التي حولها، لقد كان يدرك أن وصوله إلى حكم الشام كان بقرار خارجي لا غير، وقد أحسن هذا الحاكم التصرف فعمل على تغيير قرار سوريا من بلد عروبي، مسلم، إلى بلد آخر تماماً، بلد شائه الملامح، ملتبس، معطل الدور، أو لنقل إن دوره هو أن يعطل أي توجه عروبي، وبخاصة أن يكيد أعظم الكيد للعمل الفلسطيني بوجه إسرائيل، كان أبوعمار هو عدوه الأول، وفي لبنان خاض هذا الحاكم السوري أعنف وأشرس المعارك بوجهه.

هذه الصفحة السوداء في تاريخ هذا الحاكم لم تكتب بعد.

على أنه كان لآخرين أيضا حصة في هذا العقار السوري الذي انتزع غصبا من مالكيه الأصليين، حتى الأتراك أخذوا حصتهم أو لنقل أنهم حصلوا من هذا الحاكم السوري على توقيع صريح منه بأنه تخلى لهم نهائيا عن لواء الاسكندرون، طبعا لواء الاسكندرون وهو أيضاً بحدود مساحة لبنان، كان الانتداب الفرنسي قد أعطاه للأتراك في نهاية الثلاثينيات من القرن الماضي ولكن السوريين ظلوا على الدوام يطالبون به إلى أن نشأ شهر عسل قصير بين أردوغان والبشار، خلاله حصل الأول من الثاني على توقيع ببيع اللواء نهائيا إلى الأتراك.

على أن أكبر الأسهم في هذا العقار هي الأسهم التي آلت إلى الإيراني مبكراً غلبت العاطفة قلب حافظ أسد فتوجه نحو بلاد فارس، وهي شيعية مثله، لم يتمكن من السيطرة على مشاعره فنشأ بينه وبين نظام الخميني تعاون وثيق أفضى إلى علاقة استراتيجية كان جوهرها الوقوف معا ضد العراق البعثي، وضد المسلم الآخر بوجه عام، أخذ الإيراني لا مزار السيدة زينب قرب الشام ولا بقية المزارات والحسينيات الأخرى، بل القرار السوري نفسه.

الخامنئي المنطلق من سلطان وقوة، يقول بصراحة: لن نسمح بسقوط الأسد، تماماً كما يقول: لن نسمح بسقوط المالكي، وهذا يعني أن لإيران حصة كبيرة في القرار السوري وفي العقار السوري على السواء.

هل هناك آخرون غير الذين ذكرنا، لهم حصة في العقار السوري؟ في ظاهر الأمر، أمريكا لا حصة لها ولكن كيف لا يكون (أو لم يكن) لها مثل هذه الحصة، وحافظ الأسد لم يكن ليصل إلى السلطة، ولم يعمر في هذه السلطة لولاها، كان لأمريكا حصة، ولا يزال، كما لإسرائيل ولإيران، مثل هذه الحصة، ولكن ذلك لا يظهر بالعين المجردة، بل بالوثائق التي ستظهر بعد حين قصير أو غير قصير.

ولكن فجأة وعلى حين غرة ومن غير توقع يعود الحصان الجامح أي الشعب السوري إلى الظهور، ليعلن للعالم أنه لا يزال حيا، وأنه لم يمت، وأنه خضع لعملية اغتصاب تاريخي، ويريد أن يسترد أرضه وملكه وملك آبائه وأجداده، الحاكم يفاجأ ويسأل كما سأل القذافي من قبل: من أنتم؟ ويجيب الثائرون بوجهه: نحن الشعب السوري أحفاد الرسول صلى الله عليه وسلم وأحفاد الأمويين وأبناء دمشق وحلب وحماة وحمص ودرعا وبقية المدن والقرى المغتصبة، والمحتلة، في الوقت نفسه. ثلث قرن من الاغتصاب والنهب والرعب والخوف والفقر وسلب سوريا لدورها ووجهها العربي والإسلامي تكفي، وسوريا الأرض والوطن ينبغي أن تعود لأهلها وهي ليست لأحد سواهم!.

=================

لا للمقاتلين العرب في سوريا

حمد الماجد

الشرق الاوسط

25-6-2012

يكفي في إقناع الذين يؤيدون مشاركة المجاهدين العرب في القتال في سوريا للإطاحة بنظام بشار الأسد، أنهم يبتهجون بتناقل ما يثبت وجود إيرانيين ولبنانيين تابعين لحزب الله في القتال ضد الجيش السوري الحر. المعادلة واحدة، فالضرر الذي سيلحق الجيش الحر والمعارضة السورية بمشاركة مجاهدين عرب ومسلمين في القتال الدائر هناك ضرره أكبر من نفعه، ولهذا يبتهج إعلام النظام السوري، ومعه نظام إيران، بالحصول على أي دليل يثبت مشاركة المجاهدين العرب في القتال ضد نظام بشار.

الحديث عن مشاركة المتطوعين العرب في سوريا وقبله في العراق يستدعي تلقائيا المشهد الأفغاني الذي كانت له أضرار على الجهاد الأفغاني، بل كانت أوضاع القتال هناك البيئة الخصبة التي نمت فيها بكتيريا التطرف والتكفير، ورجع بعض المقاتلين العرب إلى بلدانهم حاملين هذه البكتيريا، فانتشر الفكر المتشدد وتضرر عدد من البلدان الإسلامية، وما زالت تئن بسببهم من حمى التاءات الثلاث: تكفير.. تفسيق.. تفجير، وتسبب «القاعدة» التي ترعرعت ونمت في أفغانستان في الحدث الكوني الكبير، أقصد هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول)، والتي تسببت في أضرار بالغة كان أبرزها احتلال العراق والصومال، واختلال الأمن في عدد من الدول العربية، من أبرزها السعودية، وزج بالألوف من الشباب الصغار في السجون لسنوات طويلة بسبب حملهم البكتيريا التي نقلها إليهم بعض العائدين من أفغانستان، ناهيك بالأضرار الكبيرة التي أصابت الدعوة الإسلامية والعمل الخيري، وتشرد ألوف اليتامى والدعاة سببه القلق الكبير من تسرب هذه الأموال والتبرعات إلى حاملي التاءات الثلاث، ولا أنسى مشاركة بعض المجاهدين العرب في القتال الدائر بين الحركات الجهادية الأفغانية الذي أهلك حرث ونسل أفغانستان.

ولهذا كان أول الذين قابلوا مشاركة المقاتلين العرب في العراق أثناء الاحتلال الأميركي للعراق بالفتور والبرود بل بالنهي والتحذير منه، بعض الدعاة الذين كانوا يعتبرون الاحتلال الأميركي واجبا على العراقيين التخلص منه، وقد وقع المحظور في العراق، فساهم بعض المقاتلين العرب في تأجيج الطائفية هناك بتفجير عدد من المزارات الشيعية ردا على متطرفي الشيعة الذين فجروا عددا من المساجد السنية، بل وصل التطرف ببعض مقاتلي العرب في العراق حد تلقيهم توبيخا من أيمن الظواهري، رجل «القاعدة» الأول في العالم.

ولهذا لم يكن غريبا ولا مفاجئا أن البرود ذاته يقع هذه الأيام تجاه مشاركة المقاتلين من الدول العربية في القتال من أجل الإطاحة بنظام الأسد، وتناقلت بعض المصادر أنباء عن تسلل أحد المقاتلين العرب إلى البلدات التي تسكنها الطائفة العلوية لتفجير إحدى أسواقها انتقاما من بشار الأسد، مثل هذه الحادثة لو ثبتت فإنها ضرب للجيش السوري الحر في ظهره وهو الذي يعتمد وسائل نبيلة في قتاله ضد نظام بشار، فأي ارتكاب خطأ لهؤلاء المقاتلين العرب هو نوع من المشاغلة له في معركة التحرير الكبرى، فلم الإصرار على تكرار السيناريو الأفغاني؟

والمشكل هنا أن هؤلاء المقاتلين العرب مع التقدير لحماستهم للتخلص من هذا النظام الفاشي الدموي، إلا أنهم لا يكترثون لنداءات الجيش السوري الحر المتكررة ومعه المعارضة السورية بأن النقص ليس في الرجال وإنما في الأموال والتسليح، تماما كما كانت تقوله فصائل المجاهدين الأفغان، فيذهبون ويشارك بعضهم غير مدرك للحرج والإشكالات التي تتسبب فيها مشاركتهم داخل التراب السوري.

=================

سيكرر الروس هزيمتهم في افغانستان في سورية

وفيق سامرائي

الشرق الاوسط

25-6-2012

الفرق ليس كبيرا بين دور الاتحاد السوفياتي العدواني في غزو أفغانستان ودور الحكومة الروسية الإجرامي في سوريا. وها هم الستالينيون الجدد يفقدون الحياء تماما بمساعدتهم نظاما اختار البلطجة في شن حرب مدمرة على شعب لم يطلب أكثر من حقه في الحياة. وآخر دليل على عدوانيتهم السافرة هو إصرارهم على إيصال طائرات هليكوبتر قتالية إلى نظام الإبادة. ولا فرق بين أن تكون بموجب صفقة جديدة أو أعيدت صيانتها. ففي الحالتين ستزيد القوة النارية للطائرات من شدة القمع الدموي. ولم يترك هؤلاء البغاة من سبيل أمام المحتجين السلميين غير السعي للحصول على مستلزمات الدفاع المشروع عن النفس، وهو ما دفع عشرات آلاف الجنود والضباط إلى ترك جيش السلطة والالتحاق بالجيش الحر.

ولم يعد مناسبا وضع تسمية الجيش السوري الحر بين قوسين، فرغم انتشار عشرات آلاف المسلحين من قوات النظام العسكرية وتشكيلات الأمن والمخابرات، وآلاف من عصابات الشبيحة قتلة الأطفال، «لفرض» وجود نظام الحكم في العاصمة، وكلها أصبحت قوات قمع واحتلال. فرضت كتائب الجيش الحر وجودا غير عادي في قلب دمشق وريفها. ومعظم ما يطلق عليه ريف دمشق هو في الواقع جزء أساسي من قلب العاصمة من الناحيتين السكانية والعمرانية.

ومهما تكن الاشتباكات في دمشق، فإن حملات النظام الدموية تثبت أنه يفقد أعصابه بقرارات كارثية. يقابله نجاح الشعب في تشكيل الكتائب الثورية بموارد ذاتية بسيطة، وتأمين طرق إمداد لتأمين عناصر الكفاح المطلوبة للتحرك في أكثر من مكان. ولم يعد ضروريا الخوض في شرح علامات تراجع قدرات النظام، فقتل الأطفال، واتخاذهم دروعا في عمليات المجابهة مع الجيش الحر، واستهداف النظام للمراكز الدينية والمدنية في قلب دمشق، واستخدامه القنابل المسمارية والفسفورية، وما يقال عن أكثر من ألف عملية اغتصاب لنساء، وزج النظام بكل قواته وأجهزته، وتمكن مسلحي الثورة من اقتحام مواقع عسكرية محاطة بترتيبات أمن قوية، وتطور تسليح الجيش الحر، وإغلاق أكشاك عملاء الأجهزة المنتشرين في قلب دمشق بسبب الرفض الشعبي لها. كلها عوامل من مئات المؤشرات، التي تؤكد حدوث تطورات حاسمة في سير الصراع.

الأمين العام للأمم المتحدة تحدث أكثر من مرة بجرأة عما ينبغي القيام به لوقف عنف النظام، كما أعرب هو والأميركيون وكوفي أنان.. عن تخوفهم من انزلاق الوضع إلى حرب أهلية، يمكن أن تمتد إلى مناطق خارج سوريا، قبل أن توصف كذلك لاحقا. والسؤال الذي يطرح الآن هو: أليست هذه حربا تشنها سلطة الدولة على مناطق انتشار الغالبية الساحقة من الشعب السوري؟ والجواب المنصف الوحيد هو: نعم إنها حرب تحد من طرف واحد. ويلاحظ مما يدور إعلاميا أن الثوار تحديدا والمعارضين عموما منتبهون إلى حصر دائرة الخصومة بحفنة أشخاص، وليس بالطائفة العلوية وعموم البعثيين، لأن تعميم الاستهداف خطأ كارثي، ليس لأنه يطيل ما بقى من عمر النظام فحسب، بل لأنه غير منصف، ويقود إلى مشكلات يحتاج التخلص منها إلى عقود من المرارة.

إصرار الأغلبية الاجتماعية على ممارسة حقها في الحكم على أسس سياسية ديمقراطية، لا يعطي مسوغا لأي طرف لفهم الصراع من زاوية طائفية. فمقاومة الديكتاتورية لا تتحدد بهوية دينية أو عرقية، وإلا، لما انتفض الشعب الليبي على القذافي، ولما انحازت القوات المسلحة المصرية إلى جانب الشعب، وكلهم من حملة هوية واحدة.

ومع أن النظام يفقد السيطرة، والثوار ينتشرون بنجاح، ينبغي توقع استخدام أوسع للقوة من قبل النظام، مما يشكل خطرا جديا على المستقبل، يتطلب تعزيز خطوط الاتصال والتفاهم والتنسيق بين المعارضة والمجموعة الدولية ودول غربية وعربية، لإعطاء صورة واضحة ودقيقة عما يجري على الأرض. ففي ميادين الصراع تنقلب المعادلات أحيانا نتيجة ظروف معقدة، ومن الضروري تجنب المبالغة في الوصف، ولا بد من قياس المعنويات على أساس المعدل العام، وتقويتها وتعزيزها بهمم ومعنويات الأقوياء. والأهم من هذا كله هو أن تبقى التصرفات موافقة للمعايير الأخلاقية والدولية، مهما تمادى الطرف الآخر في ظلمه.

وأمام التضحيات الضخمة، والاستخدام المفرط للقوة من قبل النظام، أصبحت مسؤولية المجتمع الدولي كبيرة في نصرة الشعب السوري. فيما يتحمل العرب مسؤولية تاريخية تجاه الأجيال والتاريخ وأمام الله.

=================

متى نعذر اسطنبول

ميشيل كيلو

الشرق الاوسط

25-6-2012

لا أعتقد أن وقتا طويلا سيمر قبل أن تعتذر حكومة إسطنبول من النظام السوري، بسبب إسقاط الطائرة التركية في المياه الإقليمية السورية. هناك إشارات تدل على أن تركيا لن تتخذ أي موقف من الحدث، منها تصريح الرئيس التركي السيد غل الذي يقر بأن الطائرة قد تكون قد اخترقت السيادة السورية. كما أن عنتريات رجب طيب أردوغان لا تعني إطلاقا أنه جاد فيما يقول، ولو كان ما يصدر عنه جديا كله، لكان الجيش التركي قد احتل سوريا منذ أكثر من عام، ووصل ربما إلى الخرطوم قرب أعالي النيل. أما ما يقوله وزير خارجيته فهو ينتمي غالبا إلى صنف المزاح السياسي، ومن تابع ما قاله الوزير لحار في سياسة تركيا ونهجها، ولداخ دوخة لا دواء لها؛ أليس هو من قال في أيام الثورة السورية الأولى إن الوضع الداخلي السوري هو جزء من الوضع الداخلي التركي، ثم صرح بعد أقل من شهر، وفي دمشق بالذات، بأن تركيا لن تتدخل في الشؤون الداخلية السورية، ولا تريد أن يكون لها علاقة بها! يبدو أن سياسة «صفر مشاكل» تعني الهرب من المشكلات وإدارة الظهر لها وتجاهلها. في لغة الصراحة يسمون هذا سياسة النعامة التي تدفن رأسها في الرمال، وتعتقد أنها صارت غير مرئية، لمجرد أنها لا ترى هي نفسها أي شيء!

يبدو أن النظام السوري درس تركيا وسياساتها وقدراتها الفعلية وخياراتها التطبيقية أكثر بكثير مما درس النظام التركي نظام سوريا وسياساته وخياراته وقدراته. والدليل أن تركيا لم تعد نفسها إطلاقا وعلى أي مستوى لحالة ثورة قد تنشب في سوريا، بينما أبقى النظام الأسدي علاقاته مع حزب العمال الكردستاني، وعزز روابطه مع قطاعات معينة من أقليات تركيا العرقية والطائفية، وخاصة في منطقة لواء الإسكندرون السوري، ومع بعض جيش أتاتورك وأجهزة الأمن التركية، وهو يعلم أنهما على غير اتفاق مع حكومة أردوغان، وأن هذه لا تثق بهما كما لا يثقان هما بها، وأن العلاقة بينهما يمكن أن تتحول إلى عنصر ضغط بيد نظام البعث على الحليف التركي، الذي تركبه عنجهية فارغة تتمثل في أحاديثه المبالغ فيها عن العثمانية كنزعة إمبراطورية متحققة يمكن أن تمتد إلى بقية بلدان المنطقة التي خضعت ذات يوم للسلطنة العثمانية، لتستعيد ماضيا لا يقبل الاستعادة، انتهى بكارثة على آل عثمان وعدنان وغسان، مثلما انتهى بكارثة في البلقان، لكن أردوغان لم يجد ما يدغدغ به مشاعر الترك القومجية غيره، حتى توهم (وهنا المأساة) أنه صار حقيقة، وأن علاقاته الشخصية مع الأسد تعني قبول الأخير بالانضواء تحت النزعة العثمانية الإمبراطورية، بل وصار تابعا له إن نصحه بالإصلاح أصلح، وأمره بالانفتاح انفتح.. إلى آخر هذه الترهات التي تدل على قصور في الوعي وقلة في العقل والإدراك.

فهم البعث مفاصل الضعف التركية ولم يرمِ من يده أي ورقة من أوراقها أيام الحب الأهوج مع تركيا، بينما كان يبيع أردوغان كلاما معسولا عن الانفتاح والأخوة التاريخية والشراكة الحضارية.. إلخ، ويقبض مقابل كلامه الذي لا يعني شيئا في الواقع، لأنه كان يفتقر تماما إلى ركائز حقيقية داخل النظام السوري تلزمه بفعل أي شيء قد يقيد حريته نحو جميع الاتجاهات؛ انفتاح اقتصادي وتوازن سياسي إقليمي وأبواب مفتوحة نحو الغرب وشفاعات تركية لدى قادته. وحين انفجر الوضع السوري كان الترك - الاستراتيجيون العظام، الذين كتبوا كتابا من عدة مئات من الصفحات يرتكز على رؤية ساذجة سموها «صفر مشاكل»، لهم وللمنطقة طبعا، بوغت الترك بالحدث وارتبكوا أول الأمر، ثم تذكروا غلطتهم في ليبيا فألقوا بنفسهم في لجة الحدث، وكأنهم يريدون أن يكونوا طرفا داخليا فيه، وحين أدركوا (في علامة إضافية على جهلهم بالواقع السوري) أن القصة طويلة، وأن سوريا لن تشهد شيئا قريبا مما حدث في تونس ومصر، وحتى في ليبيا، تراجعوا وبدأوا يلعبون اللعبة الأميركية، التي تبيعك كلاما جميلا هدفه التغطية على حقيقة أهداف واشنطن، أي التغطية على حقيقة أنها ليست ضد تدمير سوريا الدولة والمجتمع، ولن تفعل أي شيء يحول بين النظام واستكمال هذه المهمة، التي تولى تنفيذها وسيسير فيها إلى نهاية الشوط، لأنه كأميركا ضد قيام نظام ديمقراطي في سوريا سيكون شديدة الخطورة على إسرائيل بالدرجة الأولى، وعلى مصالح واشنطن في عموم المنطقة العربية، وضد أن تصل سوريا في أي مدى منظور إلى حالة تصير معها قابلة للحكم، أو دولة فاعلة وذات حضور متوازن ومتقدم في عالم عربي ينتفض رافضا أوضاعه ونظمه.

واليوم، وتركيا تتعرض لضربة معنوية وعسكرية حقيقية، تتمثل في إسقاط طائرتها في المياه الإقليمية السورية، تنخرط السياسة التركية من جديد في تخبطها المألوف، المعبر عن واقعها الانتقالي الذي تتفاوت درجات تطوره الاقتصادية والسياسية والعسكرية، فارضة منطقها وإلزاماتها على ساسة يحظون بدعم نحو نصف شعبهم، ومع ذلك فإنهم يتصرفون كمن يمشي على صفحة ماء متجمد يخاف أن تنهار في أي لحظة فيغرق، ويعبرون عن مواقفهم من خلال خطوات ناقصة هي في أحسن حالاتها أنصاف، إن لم تكن أرباع خطوات، مثلما نلاحظ من تصريحات ومواقف القادة الترك المتضاربة في قضية الطائرة، التي أحالوها إلى تحقيقات يعلم الله وحده متى تنتهي، مع أن العسكر السوري أعلن بكل فخر واعتزاز أنه هو الذي قام بإسقاطها. على كل حال، يعرف كل متابع للشأن التركي أن إسطنبول لا تعتزم فعل أي شيء جدي اليوم، وإلا لكان النظام السوري آثر عدم التعرض للطائرة، ولو وصلت إلى دمشق. لكنه يعلم أن تركيا لن تفعل شيئا، قبل انتخابات واشنطن، وتنقية أجوائها الداخلية، وبالتالي قبل انقضاء وقت طويل، فلا يستبعد أن تغطي هذه المرحلة باكتشاف أنها هي التي اعتدت على سوريا، وأن عليها الاعتذار منها. في هذه الحال، سنكرر ما سبق أن قلناه مرات كثيرة إلى الآن: لا حول ولا قوة إلا بالله.. أسمع كلامك يعجبني أشوف عمايلك أتعجب!

=================

جبهات القتال السورية

عبد الرحمن الراشد

الشرق الاوسط

25-6-2012

لم تعد الثورة مظاهرات في أزقة حمص وشوارع حماه، ولا الثورة أهازيج ويافطات الشباب الساخرة، ولم تعد أقصى البطولة رفع أعلام الثورة على البيوت و«بخ» عبارات التنديد والتهكم على الجدران والجسور، وبالتأكيد ليست المطالب اليوم هي الدعوات الأولى القديمة أن يمنحهم النظام احتراما وحرية.

ولا أدري إن كان هناك شيء من النظام اليوم يمكن أن يبقى ويساوم عليه. حتى ما يقال ويطرح قد لا يصبح ممكنا، حيث يقال إن هناك حلا سياسيا تتحاور حوله الأطراف الدولية، تلك التي مع نظام الأسد، وتلك التي تناصر الثوار. الحل البالون، تشكيل نظام سوري جديد مختلط يخرج منه الوحش وعائلته، ويسمح لمن هم دون ذلك بالمشاركة. اجتماع جنيف المقبل اجتماع حاسم قد يقود إلى نهاية كاملة للنظام إذا رفض الإيرانيون والروس تنحي الأسد.

 

سوريا في قتال حقيقي على جبهات كثيرة في الداخل والخارج، شباب في الداخل يحارب، وعسكر منشقون، منهم من يلتحق بالثوار، ومنهم من يعاقب بالإعدام. وأجهزة مخابرات إقليمية ودولية، تجمع معلومات عن نشاطات قوات الأسد ومواقعهم. من جانب تدل الثوار على فرائسهم من قوات النظام وشبيحته، وتسهل إيصال عتاد ومعلومات من الدول الأخرى عبر ممرات تركية وأخرى سرية، ومن جانب آخر تقوم بفرز المقاتلين والأسلحة المشتراة والأموال حتى تمنع تحول فكرة إسقاط النظام إلى مشروع جهادي دائم، وحتى لا تصبح سوريا أفغانستان ممزقة بعشرين سنة حروبا باسم الجهاد والعشائر والطوائف. وللنظام الشرير أصدقاؤه يبعثون له بكرم المدد والعسكر والأسلحة من إيران وحزب الله وروسيا عبر البر والبحر.

ربما يبدو الوضع على الأرض مثل العام الماضي؛ الغلبة لا تزال للنظام الذي ينشر أكثر من نصف مليون مسلح يقاتلون الميليشيات عن بعد، بالقصف الصاروخي ودك مدفعي، وحرق البيوت والقرى، استراتيجيتهم إيقاع العقاب الجماعي، في وقت يكمن فيه الثوار للقوات لقطع الطريق عليهم، ونهب أسلحتهم، وتحرير بضعة كيلومترات حتى يأتي الصباح ويستنجد العسكر المهزومون بالمزيد من القوات لاسترداد ما خسروه. الفارق كبير بين مقاتلين يدافعون عن أهلهم وبيوتهم وأحيائهم وجيش أصبح في نظر مواطنيه قوات احتلال، كما وصفه الأمير سعود الفيصل، وزير الخارجية السعودي.

النظام يقاتل بشراسة، ويقتل بلا تمييز وبوحشية، ومع هذا يخسر كل يوم، ولم يعد هناك شك في أن النظام جريح، جرحه أكبر من أن يندمل. النظام انتهى بيد الذين كانوا مواطنيه في يوم من الأيام، انتهى لأن العلاقة انتهت مع نظام يرسل شبيحته ليقتل أطفالهم ونساءهم، وانتهى لأن الجيش يخسر كل يوم. وهذا نموذج لآخر نشرات المعارك على الأرض، يقول الثوار: يمكن اعتبار المنطقة الشرقية لسوريا من البوكمال امتدادا إلى دير الزور وكامل ريفها، وصولا إلى أطراف مدينة الرقة منطقة محررة بنسبة تزيد على 95 في المائة. قد تكون شريطا صغيرا لكن كل يوم تخرج مناطق عن سلطة النظام المنهك جدا.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ