ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأربعاء 27/06/2012


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

رهان أنان على بوتين مقامرة بمستقبل سوريا

جيم هوغلاند

الشرق الاوسط

26-6-2012

لم يعد أمام كوفي أنان سوى أن يعقد صفقة مع الشيطان من أجل وضع حد لتلك الفظائع البشعة التي يرتكبها الجيش السوري، إلا أن هذا الشيطان في نظر أنان هو فلاديمير بوتين، وليس بشار الأسد. وهذا هو ما يسعى أنان، الذي التقيت به لأول مرة في أفريقيا قبل 4 عقود، إلى تحقيقه من خلال انتهاج استراتيجية مستميتة تتركز حول الرئيس الروسي المستدام.

والأمين العام السابق للأمم المتحدة ليس غرا ساذجا حتى يصدق تلك الوعود الفارغة، التي يقدمها الأسد، بل هو يحاول إطالة أمد بعثة إرساء السلام الفاشلة التي كلفته بها الأمم المتحدة من أجل منح الأسد الحبل الذي يشنق به نفسه، بمعنى أن أنان ينتظر اللحظة التي لا يكون فيها بمقدور أحد، حتى بوتين نفسه، أن يطيق عار تقديم العون والمشاركة في تلك الجرائم ضد الإنسانية التي ترتكب بأوامر من ربيبهم في دمشق (ذلك أن المذابح السورية هي ما جعل من الأسد رجل بوتين في دمشق، وما تعرضه شاشات التلفزيون من مشاهد تصور سفير روسيا لدى الأمم المتحدة وهو يصوت أكثر من مرة لإعاقة فرض ضغوط على الأسد تشكل رابطا في التاريخ ما كان سيوجد في أي ظرف آخر).

وهناك مرات تضطر فيها إلى التعامل مع الشياطين، على الرغم مما في ذلك من تنازل ومذلة، ولكن لا بد أن تكون واثقا من أن شيطانك سوف يلتزم بكلمته، وهذا في رأيي ما سيقود الرهان الذي قام به صديقي أنان إلى الفشل، فحتى إذا التزم بوتين بكلمته (وهو أمر مستبعد إلى حد كبير)، فأنا أشك في أن يجبر الأسد على التخلي عن السلطة إنقاذا للنظام الذي تسيطر عليه طائفته العلوية.

وهذا هو «البديل اليمني»، وهو المصطلح الذي سمي على غرار الاستراتيجية التي استعملتها الولايات المتحدة للمساعدة في خلع علي عبد الله صالح من السلطة في شهر فبراير (شباط) الماضي. وقد كان أعقد الحلول التي سمعتها هو أن تتفق الولايات المتحدة وروسيا على قائمة من الجنرالات السوريين المقبولين كي يتولوا السلطة، وأن يتعهد هؤلاء الجنرالات بوضع دستور جديد وإجراء انتخابات من أجل التوصل إلى سلام مع خصومهم الذين دأبوا على قتلهم بطريقة ممنهجة طيلة 18 شهرا.

إلا أن قبضة بوتين الممسكة بالسلطة داخل روسيا بدأت تضعف، في ظل تعرض بلاده لهزة اقتصادية، وعدم وجود أي بوادر توحي بأنه يعرف ما ينبغي فعله حيال ذلك. وعلى الرغم من كل النتائج المخيبة للأمل ونقاط الضعف التي يمتلئ بها سجل السياسة الخارجية للرئيس أوباما، فهو يبدو قويا ومسيطرا في ظل غياب أي مبادرات روسية جادة على الساحة السياسية العالمية منذ 10 سنوات، ولم يعد هناك من ينصت جديا إلى بوتين فيما يتعلق بالشؤون الدولية، حتى الطغاة الذين تلطخت أيديهم بالدماء، والذين يستعينون بالأسلحة التي تزودهم بها بلاده من أجل البقاء في السلطة، أو آيات الله الإيرانيين الذين يسيرون وراء طموحاتهم النووية.

إن شعور أنان باليأس، أو بالمفارقة التاريخية، هو الذي قاده إلى بديل بوتين. وقد يكون مبعث هذا الشعور باليأس حقيقتين قاسيتين أصبحتا واضحتين الآن، وهما:

- يتحمل الأسد شخصيا المسؤولية عن حملة الأعمال الوحشية الدموية. يبدو موقفه الداخلي في غاية الوهن على نحو لا يسمح لأي شخص آخر بتولي المسؤولية. يعتبر رحيله إلى موسكو مهما لإنهاء القتال.

- لن تتدخل الولايات المتحدة وأوروبا وتركيا وجامعة الدول العربية عسكريا لردع وحشية الأسد بتفعيل مبدأ مسؤولية الحماية من جانب المجتمع الدولي، الذي طبق بفاعلية كبيرة في ليبيا (تعتبر ليبيا هي العامل الرئيسي في تحديد ما إذا كان التدخل الإنساني يمكن أن ينجح في دولة سوريا المجاورة أم لا. غير أن الحكومة المدنية في أنقرة لا تثق في ولاء جيشها بالدرجة الكافية لتفويض مسؤوليات جديدة إليه).

إن طمر مبدأ مسؤولية الحماية في حطام حمص وإدلب سيكون بمثابة ضربة موجعة لسمعة أنان. لقد قام أنان بدور فاعل لدفع الأمم المتحدة لتبني المبدأ في عام 2007 إلى حد أنه لا يمكن للدول إساءة معاملة مواطنيها مع التمتع بالحصانة.

خاطبني دبلوماسي أوروبي هنا قائلا: «لن يستمر كوفي للأبد في منح الحماية للآخرين». وأضاف: «قد تسمح استقالته للعالم بأن يدرك جليا ما تفعله روسيا (وما لا تفعله الولايات المتحدة) وهذا يجعلهما شريكين في إبادة أمة. لكنه يعي أيضا أن الاستقالة هي بندقية بها رصاصة واحدة فقط».

أما عن المفارقة التي ربما تشكل أساسا لبديل بوتين، فهي أن بوتين يعتبر خبيرا في الثورة المضادة، التي يشنها الأسد بوحشية. كان بوتين هو من قضى على الثورة الروسية في عام 1990، التي بدت وكأنها تفتح صفحة حقبة جديدة من الحريات واسعة النطاق للمضطهدين في العالم.

لكن أصبحت الثورة المضادة هي القوة السياسية المهيمنة في عصرنا، مثلما أظهرت الأحداث في أوكرانيا وبيلاروسيا واليمن ومصر وسوريا. بينما يبقى التحول السياسي غير مكتمل في تونس وليبيا، فقد ظهرت مجددا أنظمة استبدادية في مناطق أخرى لقمع الحريات التي قد وعدت بها الثورات.

لكل فعل رد فعل، في السياسة أيضا كما في الفيزياء. تشير المعارضة الشجاعة في سوريا إلى أن القانون العام يعد جزءا أساسيا من تكوين كل من لهم أعين يبصرون بها. ربما يتحدد أهم إنجاز لمهمة أنان بالوقت والكيفية التي يقرر إنهاءها بها.

* خدمة «واشنطن بوست»

================

كيف سيرد الأتراك على الأسد؟

طارق الحميد

الشرق الاوسط

26-6-2012

هناك حيرة من إحجام أنقرة عن أي ردود فعل عملية تجاه إسقاط النظام الأسدي للطائرة العسكرية التركية بالمياه الإقليمية، فالتحليلات بهذا الشأن كثيرة، فهناك من يتهم تركيا بالعجز، وهناك من يقول إن نقرة تتحدث أكثر مما تفعل، خصوصا أن كثيرا ما قال أردوغان إن للصبر حدودا.

فاليوم وبعد أن كشف الأتراك، وبحسب ما نقلته وسائل الإعلام هناك، أن الأوامر بإسقاط الطائرة التركية قد صدرت من النظام الأسدي نفسه، وذلك استنادا للتسجيلات المتوفرة للسلطات التركية، فإن السؤال القديم الجديد هو: لماذا لا يوجد هناك رد تركي عملي؟ فالقوة العسكرية التركية تفوق حجم قوات طاغية دمشق، وبمراحل، بل لا مجال للمقارنة، كما أن أوراق الرد الملجم لدى أنقرة كثيرة، ومتعددة، ومنها إمكانية إنهاك نظام الأسد عبر حدود يبلغ طولها 822 كيلومترا بين البلدين، وهناك خيار إدخال سوريا كلها في عتمة من خلال قطع الكهرباء، أو السعي لعدم انتظامها، ومن شأن ذلك إرباك النظام الأسدي، وهناك خيار منع القوات الأسدية من التحرك على الحدود بحسب الاتفاقيات المبرمة، هذا عدا عن إمكانية مساعدة الثوار السوريين بشكل أكبر، وتزويدهم بأسلحة نوعية بمقدورها إحراق مائة دبابة أسدية مقابل إسقاط الطائرة التركية. كل تلك الخيارات متاحة لأنقرة، بل وأكثر، ولذا فإن الحيرة من عدم التحرك التركي للآن للرد على طاغية دمشق تعتبر مبررة.

ونقول مبررة خصوصا إذا تذكرنا التهديد التركي للأسد الأب عام 1998 بأنه في حال لم يسلم عبد الله أوجلان فإن الجيش التركي سيقوم باجتياح سوريا، وأذعن الأسد الأب وقتها لذلك، وها هو أوجلان في السجون التركية. فكيف تسكت تركيا اليوم على اعتداءات الأسد، ومنها إسقاط طائرة تركية، وحتى لو أنها انتهكت الأجواء السورية؟! فبحسب ما أعلن الأتراك، مثلا، فإن قرابة 114 حالة انتهاك جوي قد تمت لأجوائهم هذا العام سواء من قبل اليونان، أو إسرائيل، أو غيرهما، ولم يتم إسقاط أي من تلك الطائرات، ولم تكن هناك قضية من أساسه، خصوصا أن هناك قوانين دولية، وأنظمة، تحكم عملية انتهاك المجالات الجوية بين الدول، فلماذا لم ترد تركيا للآن؟

بالطبع قد يكون الرد التركي قد بدأ فعليا، ودون إعلان رسمي، خصوصا مع الإعلان عن استقبال تركيا لعدد من الضباط المنشقين، والجنود، وعائلاتهم، حيث بلغ العدد، بحسب «سي إن إن» التركية، قرابة 222، وتم الإعلان عن وصولهم إلى تركيا بشكل سريع وفوري، مما يوحي بأن بمقدور أنقرة فعل الكثير ودون أن تعلن عن ذلك، أو أن تشن حربا شاملة على الأسد.

ومن دون شك، فإن حماقة النظام الأسدي من شأنها أن تساعد أردوغان على التحرك، وبكل سهولة، تجاه الطاغية، فالحكومة التركية مثلا باشرت بإطلاع المعارضة التركية بفحوى التسجيلات المتوفرة لديها حول تورط النظام الأسدي في إسقاط المقاتلة، كما أن حكومة أنقرة باتت تقول علنا للأسد: «لا تستفز الجيش التركي»! فهل تحرك الأتراك فعليا، أم سيتحركون، حتى دون إعلان حرب لتسريع الانهيار المتوقع لطاغية دمشق؟ دعونا نرى.

=================

سورية الجديدة وحكاية مدينتين

غالية قباني *

الثلاثاء ٢٦ يونيو ٢٠١٢

الحياة

جاءت الانتفاضة لتذكرنا ببعض الحقائق التي كانت خافية على الشعب السوري لأنه غيّب عنها لمصلحة واقع وحيد يقول إن النظام هو الموجود والمعبود، وإن وجوده يجبُّ كل المكونات الأخرى في بلد اسمه سورية، حتى ما عاد أي طرف يرى الآخر إلا من خلال النظر إلى الأعلى، حيث السلطة هي المركز التي تنظم حركة مرور الأفراد والمجموعات بين بعضها بعضاً. لا عجب إذاً، أن نرى السوريين يعلنون كل يوم عن تجمع جديد، فقد بدأوا يعيدون اكتشاف مكوناتهم على اختلافها بعد أن خبا تحكم المركز.

ستة عشر شهراً منذ بدأت انتفاضة الشعب السوري ولم يتبق مكون من مكوناتها تقريباً لم يتشكل ويعلن عن نفسه في الإعلام أو في الملتقيات. هذه المكونات المتعددة تنتمي أساساً إلى بلاد كانت وسيط مرور لقوافل التجارة والحج واللجوء، وللعابرين بحثاً عن الكلأ والأمان وهرباً من القحط والجوع والإبادة، عشائر بدوية وتركمانية وغجر، شيشان وشركس وأرمن وأرناؤوط وبوشناق، كلها أضافت لسكان البلاد الأصليين كرداً وسرياناً وعرباً وانعكس تنوعها على سحنة السوريين ومطبخهم ومجمل ثقافتهم. تعايشت هذه المكونات وأغنت حضارة شرق المتوسط، بل وجعلت اثنتين من كبرى مدنها أقدم مدينتين مأهولتين في العالم، وهذا دليل التسامح والتعايش بين مكونات شعوب المنطقة.

إلا أن وبدءاً من حقبة الاستبداد المحلي المقيم في الستينات ومع مجيء البعث الذي توّج بالحركة التصحيحية، لم يعد الحوار ممكناً بين تلك المكونات إلا عبر النظام نفسه الذي دفع إلى خفوت تدريجي للمجتمع المدني والدولة الوطنية الحديثة، من أجل تأسيس دولته مستبدة. من هنا، نتفهم محاولة إعلان الفئات السورية عن نفسها عالياً في هذه المرحلة، فالسوريون في حاجة إلى «الفضفضة» للكشف عما كان يعسّ تحت الرماد، الذي شارك النظام في إسكاته بعض المعارضين والمثقفين بحجة أن الظرف غير مناسب لفتح جدل حول قضايا مثل التمييز القومي والطائفي، واعتبروها «تابوهات» يؤدي الحديث فيها إلى انفراط المجتمع وخدمة الصهيونية والإمبريالية العالمية!

عندما أخبرت ناشطاً دمشقياً عن تجمع دمشقي سيلتقي في اسطنبول لمناقشة شؤون مدينته ومستقبلها، لم يندهش، بل بدأ يحكي عن دمشق التي خربت ملامحها القديمة منذ تسلم حزب البعث السلطة، وبدءاً من فتح أتوستراد شارع الثورة أواخر ستينات القرن الماضي الذي تمّ على حساب أحياء عريقة حضنت عائلات دمشقية عريقة وحملت ذاكرة دمشق المعمارية والثقافية. واستمر الهدم لحساب مشاريع استثمارية شتتت أهالي الأحياء نحو الريف المجاور أو نحو المهاجر، بعيداً أيضاً من هجمة نزوح مكثف من خارج دمشق لملء وظائف الحكم الجديد بأمنه وعسكره، وما تبعه من نزوح أقاربهم ومعارفهم آخرين بحثاً عن فرص عمل خارج قراهم المهملة غير المطورة أو المخدومة بالمرافق الأساسية. ويرى أهالي دمشق الشوام (كما يسميهم السوريون)، أن مدينتهم اغتصبت وتغيرت جغرافيتها وتركيبتها السكانية بصورة مقصودة، حتى إنه لم ينتج عن نشاط جمعية «أصدقاء دمشق القديمة» ولا عن مواقف المثقفين بمقالاتهم وأشرطتهم التسجيلية، أي تأثير يذكر، وهي تتصدى لتغيير معالم المدينة بالنداءات والاحتجاجات على منع هدم أحياء تشكل ذاكرة أقدم عاصمة في العالم. في الحقيقة لقد تمّ التعامل مع دمشق كمدينة محتلة حوّلها الغزاة إلى مدينة تشبههم، فأنجزوا قطيعة مع تاريخها الذي يذكرهم بحقيقة أنها ليست لهم ولم يساهموا في تشكيلها والأفضل أن يتم استبعاد سكانها الأصليين لكي يضعوا أيديهم على دمشق أخرى تشبههم، وهو أمر يماثل ما يفعله الإسرائيليون في فلسطين ومدنها العريقة وهم يعيدون بناء ذاكرة جديدة ترتبط بالمستوطنين الغزاة لا بتركيبة سكانية حضارية متنوعة دينياً واجتماعياً على مرّ التاريخ. وللتنويه فقط، فإن الحالة هنا تختلف عن النزوح التقليدي الذي كان يتم بصورة طبيعية من الريف والبادية إلى المدن. إن استيطان المدن تاريخياً تمّ باندماج الآتين في نسيجها السكاني والثقافي فلم تطغ ثقافة الهوامش على الثقافة المدينية الحضارية التي تراكمت عبر القرون. لكن العكس حصل مع غزوة العسكر في سورية، وهو أمر له شبيهه في ليبيا، وفي العراق أيضاً حيث يتحدث العراقيون عن تأثير سلبي مشابه في مدينة بغداد وثقافتها.

أما مثالي الآخر للتجمعات التي تتأسس من بعد اندلاع الانتفاضة السورية، فهو مؤتمر لمدينة الحسكة بريفها ومدينتها، أراد أطرافها المشاركون لفت الانتباه إلى محافظتهم التي يقولون إنها كانت الأكثر ظلماً بين المحافظات السورية على رغم أنها كانت الأكثر غنى بسبب غلتها الزراعية (قبل القحط وسوء السياسات المطبقة)، وبسبب حضور كل المكونات السورية فيها: أشوريون، أكراد، أرمن، عرب، مسيحيون، مسلمون، عشائر، إلخ. من هنا، يرى أهل الحسكة أن محافظتهم يمكن أن تشكل نموذجاً مثالياً لسورية الحديثة المتعايشة.

يتحرك السوريون اليوم في مكونات مختلفة خارج مصطلح المعارضة المباشرة، ويلتقون في مؤتمرات واجتماعات يتناقشون فيها حول المسكوت عنه بعد أن اضطروا إلى الانكفاء بعيداً من السياسة التي كانت حكراً على قائد أوحد، ويريدون اليوم أن يساهموا في صنع مستقبل جديد للبلاد. وإن كنت قد أشرت إلى مثلين فقط من حراك المشهد السوري، إلا أن لكل مدينة وبلدة وقرية سورية قصتها، وربما أنه من الأفضل أن تتم لملمة هذه القصص على مستوى كل محافظة بمكوناتها العرقية والدينية، واقتراح رؤيا سياسية اقتصادية اجتماعية لمستقبلها القريب تصبّ كلها بالطبع في الدولة السورية المقبلة، المبنية بالضرورة على أساس ديموقراطي مدني وتعددي، وهو ما خرج الناس من أجل المطالبة به ودفعوا دماءهم ثمناً له بصورة لم يعرفها العالم منذ زمن بعيد.

 

* كاتبة وناشطة سورية

=================

تطور الموقف الأردني من الثورة السورية

محمد برهومة *

الثلاثاء ٢٦ يونيو ٢٠١٢

الحياة

بين كلمة العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني الشهيرة قبل نحو عام «لو كنتُ مكان الأسد لتنحيتُ» وكلمة الناطق باسم الحكومة الأردنية السابقة راكان المجالي قبل أشهر أن الأردن ليس من اهتماماته «إحداث أيّ تأثير في المعادلة السورية» استدارة شبه كاملة في الموقف الأردني الرسمي إزاء الأزمة السورية. هذه الاستدارة دفعت مراقبين للكلام عن «رمادية» في الموقف الأردني الرسمي من الحدث السوري، ودفعت آخرين للحديث عن موقف أردني ممتنع عن الانخراط المتوقع والمطلوب في ما يجري على حدوده الشمالية، بما يتجاوز مسألة ملف اللاجئين السوريين. في هذا السياق تأتي أهمية حدث طائرة الـ «ميغ 21» السورية التي هبطت قبل أيام في الأراضي الأردنية. فلا شك في أن استجابة عمّان لطلب الطيار السوري بمنحه اللجوء السياسي قد أصاب من لاموا الأردن على موقفه المتحفظ من الأزمة السورية بالذهول، ودفعهم مجدداً لطرح أسئلة جديدة ومقاربات مختلفة لفهم حقيقة هذا الموقف. الاستجابة الأردنية السريعة لطلب العقيد حسن مرعي الذي هبط بطائرته الـ «ميغ 21» في قاعدة الملك حسين الجوية في مدينة المفرق تحمل إضافة نوعية على تفاصيل الموقف الأردني من الثورة السورية. هذا الموقف لم يكن ثابتاً بل مر بتحولات وارتباكات وتردد وجدل لم ينقطع حتى اللحظة. فالموقف الشعبي الأردني المساند بقوة للثورة السورية اقترب منه في البداية موقف رسمي أردني عبّرت عنه كلمات الملك عبد الله الثاني الآنفة الذكر، لكن إلى جانب هذا الرأي كانت ثمة مقاربة أخرى في أروقة صناعة القرار في الأردن تميل إلى عدم اتخاذ مواقف واضحة وحاسمة إزاء الحراك السوري، بل بدا في لحظة ما أن هذا الفريق المحافظ يميل إلى تبني فكرة أنّ النظام السوري قد يصمد ويبقى، وأن العلاقة معه قد تعود إلى طبيعتها السابقة. وعزز هذا الفريق موقفه بالتركيز على تأثير وصول الإسلاميين إلى السلطة في سورية في المعادلة الداخلية الأردنية وتعزيز الموقف المتشدد لجماعة «الإخوان المسلمين» في الأردن من الحكومة الأردنية في ما يتعلق بملفات الإصلاح السياسي والاقتصادي. وكان الرد المستمر من قبل سياسيين وإعلاميين أردنيين على هذا الفريق المحافظ بإثارة الخشية في أن يكون قطع التواصل مع المعارضة السورية والثوار لا يخدم المصالح الأردنية على المدى البعيد، ناهيك عن أن الموقفين السعودي والقطري الداعمين بقوة للثورة السورية كان لهما تأثير في تغليب الرأي الذي يميل إلى أن الأردن لا مفر له من الانخراط في الأزمة القريبة من حدوده وأنه لا يملك ترف التفرج عليها أو الاكتفاء باختزالها بمسألة اللاجئين الإنسانية، لا سيما أن الاقتتال الأهلي في سورية يشهد ضراوة تؤشر إلى احتمالات قوية وراجحة لانهيار النظام وتفككه، بخاصة أن توفير الأرضية الدولية لمثل هذا التطور تبدو واردة، ناهيك عن المعاني المهمة التي تنطوي عليها الأنباء الواردة عن إشراف الـ «سي آي إي» على تسليح المعارضة السوريةـ تحقيقاً لمصلحة أميركية تتمثل في ألا تكون عملية التسليح هذه خارج السيطرة والشروط الأميركية.

لقد كان من أهم رسائل «مناورات الأسد المتأهب» التي جرت قبل أسابيع في الأردن أنه على الرغم من الأهمية الكبيرة لما يقوله البعض بشأن عدم تحميل الأردن بسبب موقفه من سورية ما تعجز تركيا عن فعله، فإن حصر التفكير الأردني في ما يخص تفاعلات المسألة السورية بأبعاد وصول الإسلاميين إلى السلطة في سورية، أو مسألة اللاجئين السوريين، ليس كافياً. فالحكمة السياسية تستوجب من دول الجوار السوري، ومنها الأردن، التفكير في احتمالات انهيار النظام السوري، وقد جاءت حادثة الـ «ميغ 21» لتؤكد مجدداً أن الأردن ليس بمقدوره أن لا يكون طرفاً إيجابياً مع الثورة السورية.

 

=================

سورية تعيد الحرب الباردة

2012-06-25

القدس العربي 

'المعضلة السورية باتت'كرة تتقاذفها'الدول الكبرى'في ما بينها.'أصبحت سورية عنوانا'للحرب الباردة'بين الدول الغربية'من جهة'وبين'إيران والصين وبوتين العائد'إلى'الكرملين'من جهة أخرى'وهو يملك الان'ما يستطيع من خلاله قلب المعادلة ولكن في مقابل غالي الثمن. الملف السوري اذا ورقة بورصة غالية الثمن لم يستطع الغرب دفع ثمنها حتى الان.

هل'وصل'التخبط الدولي حيال سورية ذروته'عن سابق تصور وتصميم؟'عجز المراقبون والمحللون'خلال الأشهر الماضية عن فهم'ماهية الحل في سورية'وكيف ستنتهي الأمور في هذا البلد.'أهو حلٌ'يمني، ليبي أم تونسي ألخ؟'وصلتنا إجابة'من وزير خارجية بريطانيا وليم هيغ،'اعتبر'فيها أنه لا مجال للتدخل العسكري في سورية'على غرار ما حدث في ليبيا 'حيث قمنا بتدخل ناجح لإنقاذ الناس من القتل'،'لكن وليم'هيغ'أضاف'أن'التدخل'الغربي'وارد كالذي'حصل في البوسنة.'ويعزو الوزير هذا الامر لان'الوضع في سورية يشبه'كثيراً'ما حصل'البوسنة في التسعينات، فالبلد على شفير الحرب'أهلية طائفية'حيث''تتبادل قرى مجاورة الهجوم وتتقاتل في ما بينها'.'في'قراءة'هيغ للاحداث'تناقض'فاضح. لا نرى فرقا بين هذا التدخل او ذاك حتى ولو كانت أهدافه نبيلة ومبررة.

'تصريحات هيغ'وغيره من المسؤولين الدوليين تفتقد للمصداقية'لأنها تصب في خانة تأجيج الصراع'الداخلي الدولي حول سورية.'الحل'ربما يكون كما'حصل في'البوسنة.'ولكن'هل الحل'على الطريقة'البوسنية'في سورية'هو'حل'مناسب؟'هل هو بالحل الناجع والسريع لبناء وطن على أسس جديدة وصلبة؟ وما هي'عواقبه على سورية وبلاد الجوار؟'نذكر'بان'هذا المنطق يعني'أن'التدخل العسكري'قد'يتم بعد'سنتين او ثلاث سنوات'من تاريخ'إعلان دخول البلاد في'آتون الحرب'الاهلية'أي بعد سقوط حوالي مئة ألف قتيل.

المقارنة مع البوسنة قد تكون زلة لسان، هل سورية تسير في اتجاه التقسيم الى دويلات قائمة على'عنصر العرق والطائفة.؟'هل هذا ما يقصده الوزير البريطاني'؟ في هذا السياق، كرر الامين العام لحلف شمال الاطلسي (الناتو) عدم نية الحلف التدخل عسكريا في سورية.'ولا ننسى الجار التركي،'فهناك تريث'مفاجئ'وغامض ظهر في الموقف التركي.'هناك صمت'وهدوء على مستوى'ديبلوماسيتها.'لم نعد نسمع رجب طيب أردوغان يطالب الأسد بالتنحي'لأنه'يخاف من اندلاع حرب أهلية'في سورية'وبالتالي من'حراك'كردي'على أراضيها.'على الرغم مما'يواجهه'النظام السوري'من'انزلاق'وفقدان'السيطرة على بعض'الأحياء'والمناطق.'ما زال لدى الأسد'العديد'من الاوراق.

الرئيس السوري'بشار'الأسد أيضاً'يسير'في تناقض صارخ'يطول شرحه'عندما يتحدث عنالإصلاح'والسياسة'فيما'الأوضاع'الميدانية تناقض'أقواله'وخطاباته،'لأنه'ببساطة يريد العودة'إلى'ما قبل آذار 2011 حفاظا على النظام القائم منذ عقود على ذات العقيدة في سورية'لكنه'بات'أيضاً أسيرا للمِزاج الروسي.'روسيا شريك ايضا في ما يحصل ميدانيا.'حصيلة'ضحايا'السلطات السورية لن تشفع لها المواقف الداعمة من إيران'وكذلك الدعم'للامتناهي من روسيا.' لقد'أسدت'الأزمة'السورية'لروسيا ورقة للتفاوض على'المسائل'الحساسة بين الولايات المتحدة وروسيا'عاجلا'أم'آجلا'لن تتردد في استخدامها. '

أما'في العودة إلى'إصدار'عدة دول، منها فرنسا والولايات المتحدة،'بيانات تحذر فيها من وقوع مجازر محتملة في مناطق حمص والحفة'وغيرها، فما الغاية من ذلك ؟'لو كان لدى هذه الدول'معلومات مؤكدة وموثقة، هل كانت ستحمي'بياناتها'الشعب السوري؟ إذا'لما لا تتدخل هذه الدول عسكريا وقواعدها العسكرية'مرابطة على بعد بضعة كيلومترات'؟'من هنا الشك في نية الدول الغربية لحسم الامور في سورية التي تتلطى وراء'الفيتو'الروسي'والصيني'الذي'يمنع'التدخل العسكري.'أو لما لا تدفع بالأمور نحو الحل السلمي؟'إنه'تناقض'دولي'على أنقاض سورية،'الغرب يحارب القاعدة في افغانستان ويؤمن البيئة الخصبة لها في سورية (الغارديان'11 حزيران 2012).

هذا التذبذب الغربي'في'عدم حسم'الأمور أوصل سورية الى'مراحل الحرب'الاهلية'قد تستمر لسنوات.'سورية في خطر، الخطر يأتيها من الداخل ومن الخارج. في الداخل،'نظام مصرٌ على التشبث بالسلطة'حتى الرمق'الاخير'وبالمقابل تجاذب دولي وإصرار'على ترك الأمور تسير في اتجاه الحرب الأهلية من خلال التهديد والوعيد بإسقاط النظام عبر تسليح المعارضة'أو التدخل العسكري عبر'الضربات'الجوية'وأن النظام'فقد شرعيته'وعليه'أن يرحل وكل هذه التصريحات تبقى في اطار الفرقعات الاعلامية.'والمستغرب انه'منذ بداية الأزمة في سورية، لم يتطرق'أحدٌ'إلى إمكانية الحل السلمي، أُنشأ المجلس الوطني السوري كإطار معارض'من خارج سورية من دون أن يتطور'إلى ممثل شرعي وحيد'للشعب السوري'رغم الدعم الدولي!

خطوة'تعيين رئيس جديد للمجلس السوري المعارض'الديموقراطية تستحق الثناء من حيث الشكل أما في الجوهر فبيت القصيد هو الخطر المحدق بسورية والحرب الاهلية التي'دخلت فيها رسميا بحسب'مسؤول عمليات حفظ السلام في الامم المتحدة هيرفيه لاسو.'الرئيس الجديد للمجلس'الوطني السوري'تحدث عن 'سورية المستقبل التي ستكون مدنية ديموقراطية تعددية...' خطاب رنان سمعناه في ليبيا والعراق من قبل'وفي حال'سقط'الاسد مستقبلا'سيكون هناك'أحاديث عن حصة لهذه الطائفة'أو تلك، لهذه الفئة'أو'هذه'المنطقة. عبد الباسط سَيْدا دعا الامم المتحدة للتدخل في سورية تحت الفصل السابع وطمأن الأقليات العلوية والمسيحية.'وهل'هو مخول بالحديث باسم الشعب السوري للطلب صراحة بالتدخل العسكري؟

تحاول'المعارضة السورية استثمار الاعمال'الإجرامية الاخيرة التي'راح'ضحيتها المئات من المدنيين'لفتح أعين الرأي العام العالمي على مجازر النظام السوري.'تصعيدٌ'مشروع'في سبيل تأمين الحماية للشعب السوري'لو بقي في إطار السياسة ولكن'يبقى من الخطأ'الدعوة الصريحة للتدخل العسكري الأجنبي'في سورية'لأنه على ما يبدو'لم يستفد القياديون'في المعارضة'من قراءة تاريخ التدخلات'الغربية في دول عربية وغيرعربية.'

يبقى الشعب السوري الضحية للعبة الامم.'أما الضمير العالمي'التي تحدثت عنه هيلاري'كلينتون'فهو غير صادق.'الدول الكبرى المعادية للنظام السوري تدرك بان النظام السوري يملك الكثير من الاوراق وأن سقوطه سيأتي بنتائج كارثية على سورية وكافة الدول المحيطة ولهذا السبب لقد أوصلوا الشعب السوري الى''نصف البير''وقطعوا به 'الحبل' والسُبل.'لابد من الاستفادة من عبر التاريخ بعضها ليس ببعيد وطرح حل سلمي للازمة السورية'عبر مؤتمر دولي.'عدد الضحايا يزداد يوميا،'قتلى وجرحى من العسكريين والمنشقين والمدنيين أطفالا ونساءً، هذا الامر الوحيد لا تناقض فيه'إنها الحقيقة المرة الآتية من سورية.''

د. جاد عويدات - فرنسا

=================

تسخين الجبهة السورية التركية

رأي القدس

2012-06-25

القدس العربي 

يعقد وزراء خارجية الدول الاعضاء في حلف الناتو اجتماعا في لوكسمبورغ اليوم لبحث اسقاط الدفاعات الارضية السورية طائرة استطلاع تركية اخترقت الاجواء السورية. لكن دول الحلف تتبنى منهج التهدئة في العلن على الاقل وتتجنب التصعيد.

وزراء خارجية دول الاتحاد الاوروبي عقدوا اجتماعا خاصا بهم مساء امس، واكتفوا بوصف هذا العمل السوري بانه 'غير مقبول'، وفرض عقوبات اقتصادية اضافية على سورية.

اعتراف القيادة التركية بان الطائرة المستهدفة اخترقت الاجواء السورية، وسقطت في المياه الاقليمية السورية ايضا يعتبر مؤشرا على جنوحها للتهدئة، ولوحظ ان السيد رجب طيب اردوغان رئيس الوزراء التركي التزم الصمت طوال اليومين الماضيين، ولم يطلق اي تصريحات نارية يتوعد فيها بالانتقام مثلما جرت العادة.

سورية تخشى من ان يتمخض اجتماع وزراء خارجية دول الناتو عن قرار بهجوم عسكري عليها لان البند الخامس من ميثاق الحلف ينص على الرد الفوري على اي اعتداء تتعرض له اي دولة من الدول الاعضاء، وقد حذر الدكتور جهاد مقدسي الناطق الرسمي باسم الخارجية السورية من ان اي عدوان على بلاده سيتم التصدي له بحزم.

هذه اللهجة السورية التهديدية تنفي ما تردد سابقا على لسان مسؤولين اتراك من ان السلطات السورية قدمت اعتذارا لنظيرتها التركية عن اسقاط الطائرة في الاجواء الدولية.

الدكتور مقدسي هدد 'بان الاجواء السورية والاراضي السورية والمياه السورية مقدسة بالنسبة الى الجيش السوري، مثلما ان الاراضي والمياه والاجواء التركية مقدسة بالنسبة الى تركيا'.

لا نعرف ما اذا كانت سياسة ضبط النفس التركية هذه محسوبة بعناية، من حيث عدم الانجرار الى مصيدة التصعيد العسكري السورية والتورط في حرب لا ترى ان هذا هو الوقت المناسب لخوضها، ام انها تخفي خيارا عسكريا بات وشيكا قد يحدد وزراء خارجية حلف الناتو مكانه وزمانه في اجتماع اليوم.

حلف الناتو، مثلما يقول خبراء قانونيون دوليون، يستطيع استخدام حادث اسقاط الطائرة الحربية هذه كذريعة للهجوم على سورية ودون الرجوع الى مجلس الامن الدولي، لان ميثاقه يعطيه مثل هذا الحق ويلزم الدول الاعضاء في الحلف بالمشاركة في هذا الهجوم في حال اقراره.

من المؤكد ان الخبراء القانونيين السوريين يعلمون هذه الحقيقة، ولا بد انهم شرحوها لاصحاب القرار بشكل مفصل، ولذلك فان السؤال الذي يطرح نفسه بقوة هو عن الاسباب التي دفعت القيادة السورية الى اسقاط الطائرة التركية وهي التي لم تقدم على هذه الخطوة عندما اخترقت طائرات اسرائيلية الاجواء السورية اكثر من مرة في الماضي، ونفذت هجمات ضد اهداف سورية، من بينها تدمير المفاعل النووي الوليد في منطقة دير الزور شمال شرق البلاد؟

الاجابة على هذا السؤال صعبة لندرة المعلومات والتزام القيادة السورية الصمت، لكن من غير المستبعد ان تكون هذه القيادة باتت منزعجة جدا من الدعم التركي المتزايد للجيش السوري الحر وتحويل الاراضي التركية الى قاعدة امداد للاسلحة والمعدات العسكرية للوحدات العسكرية التابعة له التي تعمل على الاراضي السورية، ولهذا قررت استدراج تركيا لمواجهة عسكرية، ولو محدودة، تخفف الضغط الداخلي على النظام السوري، وتعطي اشارة للداخل المنقسم بان البلاد تتعرض لعدوان خارجي على امل تحويل الانظار عن الازمة الداخلية.

من الصعب تأكيد او نفي مثل هذه التحليلات، لكن ما هو منطقي وشبه مؤكد ان الحدود والاجواء والمياه الاقليمية للبلدين مرشحة للتسخين في الاسابيع والاشهر المقبلة.

=================

الراهب السوري النبيل

الياس خوري

2012-06-25

القدس العربي 

التقيته في بيروت، جاء مع الصديقة جيزيل خوري الى مقهى 'تشايس' في الأشرفية، او الجبل الصغير. ومنذ اللحظة الأولى احسست انني امام تجربة لاهوت التحرير وهي تتجسد في سورية والعالم العربي. ذكّرني الأب باولو بوجوه كهنة عرفت فيهم ان يسوع الناصري هو الغريب مع الغرباء والفقير مع الفقراء والسائح في الأرض بحثا عن العدالة والحرية. رأيت فيه وجوه اصدقائي الكهنة العمال الذين عملوا في برج حمود والنبعة في اواخر الستينيات وحملوا مشعل العدالة والثورة، وكانوا نموذجا في الفقر والتفاني. كما رأيت فيه وجه مطران لبنان جورج خضر وهو يستعيد فلسطين بالكلمة والحب، وتجلي الراهب الياس مرقص في ديره محولا الجسد وعاء للروح.

الأب باولو دالوليو راهب يسوعي ايطالي، رئيس رهبنة دير مار موسى الحبشي في النبك، رمم الدير العتيق وحوّله الى خلية حوار، جاعلا منه جزءا من نسيج سوري جديد صنعه الشباب وهم يبنون بالكلمة والجرأة والعقل الحلم الديموقراطي والانساني الذي مهّد للثورة. طُرد من سورية، لأنه قال الحقيقة عن العسف والظلم، وساهم في ترميم القلوب التي كسرها القمع.

يتكلم العربية كالعرب، ويتحدث عن سورية كمن يتحدث عن موطنه، ويحكي عن جذوره الجديدة التي نبتت في ارض الشام. قال انه سوري فسمعت في قلبي اصوات الشبان والشابات الذي اتوا الى دير مار موسى حيث اقاموا الصلاة عن روح الشهيد السينمائي باسل شحادة، (الذي سقط في حمص، ولم يُسمح لأهله باقامة جناز له 'في كنيسة القديس كيرللس في القصّاع في دمشق)، سمعت اصوات الشباب وهي تقول للراهب الايطالي المولد ان سورية وكل ارض العرب تتشرف بك ايها السوري النبيل.

التقيت الأب باولو لأكتشف صداقة بدأت من زمان، ورأيتها مرتسمة على وجه راهب سوري آخر هو نبراس شحيّد، الذي يعمل في بيروت استاذا معيدا' في الجامعة اليسوعية، وهو الذي روى لي عن صديقه الراهب الأب باولو.

بهذين الراهبين وامثالهما يرتفع صوت الوطن فوق اصوات العصبيات الطائفية التي يصنعها قطعان الشبيحة والمرتزقة، الذين لم يكتفوا بالقتل والنهب، بل اقاموا سوقا علنية لمنهوبات حمص، اطلقوا عليه اسم سوق السنّة، بحسب وكالة رويترز، والهدف من وراء ذلك هو جرّ سورية الى اقتتال طائفي يعتقد النظام الاستبدادي الذاهب الى افوله انه يسمح له بتوريط الأقليات في مشروعه الاجرامي.

جريمة الأب باولو التي قادت الى طرده من سورية انه ضد الجريمة. رجل خمسيني طويل القامة، مهيب في تواضعه، ومدهش في تماهيه مع ضحايا القمع من مسلمين ومسيحيين وعلويين. رجل يدعو الى العدالة والحرية والسلام، يحذّر من ان آثار العنف الوحشي الذي يمارسه النظام بجيشه وشبيحته وزعرانه، تقوم بتدمير النسيج الاجتماعي والسياسي السوري، تمهيدا للخراب الذي وعد به الأسد الأب من ابده، والذي يمارسه الابن من اجل ان يستحق ابد والده الموعود!

قال الأب باولو ان هناك جريمة كبرى ترتكب في سورية، فطرد من بلاده، لأن صوته جاء نقيضا لصوت المؤسسة الدينية الرسمية التي انحنت للقمع وتواطأت معه. وانا هنا لا اتكلم عن شخصية مريبة كالمطران لوقا الخوري او الراهبة ماري انييس اللذين يعملان كبوقين امنيين، ولا افهم حتى الآن كيف تصمت الكنيسة الارثوذكسية ويصمت البطريرك اغناطيوس هزيم عن وكيل بطريركي في دمشق لا هم له سوى الدفاع عن الشبيحة، او كيف ترضى المؤسسة الكاثوليكية بأن تستمر راهبة في عملها كوسيط بين شبيحة الأمن السوري والكنيسة؟

العار الذي يعلنه الموقف الرسمي للكنائس السورية لا يمكن تبريره بالخوف فقط، بل يجب اجتثاث اسبابه العميقة الآتية من شعور بالدونية ومن ذمّية جديدة صنعها الاستبداد، وهي اكثر وحشية من الذمية القديمة، لأنها تفرض الصمت ليس على الاقليات وحدها، بل وعلى الأكثرية ايضا!

انه عار يمهد للكارثة، ولا يقلل من شناعته التحجج بالموقف الرسمي لجميع القادة الروحيين في سورية من الشيخين حسون والبوطي الى البطريرك لحّام، معيدين ذلك الى استتباع السلطة لجميع مؤسسات المجتمع بما فيها المؤسسة الدينية. عار يتحمل مسؤوليته افراد وضعوا انفسهم في خدمة الشيطان.

لا شيء يبرر الصمت، فالسكوت عن الجريمة صار مشاركة فيها، والتحجج بالخوف صار مضحكا في زمن تعميم الخوف بالقصف والقتل والذبح.

سألت الأب باولو عن حمص ومآسيها، فرأيت كيف ارتسم وطنه السوري كعنقود من الدمع على عينيّ هذا الراهب الذي صار 'ابا لكل السوريين'، كما كتب محمد علي الأتاسي.

النموذج الذي صنعه هذا الراهب السوري كسر العار الذي الحقته المؤسسة الكنسية الرسمية بالمسيحية السورية، مستعيدا اللحظات المشرقة في التاريخ السوري الحديث حين توحد السوريون بمختلف مللهم في المعركة الوطنية ضد الاستعمار الفرنسي.

يأخذنا الأب باولو الى الروحانية الشرقــية في انغراسها العميق الجذور في مجتمعها العربي والاسلامي، جاعلا من حياته شهادة ومن شهادته حياة. معه نكتشف كيف تصــــير الكلمة جسدا والجسد كلمة، وعبر تجربته التي تجمع التواضع الى البطولة نتعرف الى سورية جديدة تولد من مخاض الألم والدم والشهادة.

=================

هواجس في المأزق السوري

يسار أيوب

2012-06-25

القدس العربي

تصاعد العنف على امتداد الأراضي السورية يعيد إلى الواجهة المأزق السوري الذي يعيشه النظام والمعارضة على حد سواء، هذا المأزق يحشر البلد في زاوية العنف ويحرمها من إمكانية إيجاد مخرج سلمي يبعد عنها مخاوف الانحدار نحو الفوضى والحرب الأهلية والتقسيم المبني على مصالح فئوية وطائفية.

يبدو الدخول في تحليل العنف المتصاعد للتثبت من هوية المستفيد منه ضرباً من العبث التحليلي، حيث أن النظام وبكل المقاييس هو المستفيد 'السياسي والأمني' الوحيد من نتائجه، وهو لا يتوانى عن توظيف أي حدث لمصلحته في المعركة الدائرة على الأرض والتي يعتبرها معركته الوجودية وتجد أبرز تجلياتها في بعض الشعارات التي يرفعها أنصاره المعروفون ب'المنحبكجية والشبيحة' من قبيل 'الأسد أو لا أحد' و'الأسد أو نحرق البلد' وهي عبارات متكررة تضع المواطن والوطن أمام خيارين إما النظام وإما الهواجس التي يخشاها المواطن السوري على كافة المستويات.

لا تبدو هذه الهواجس بعيدة خصوصاً بعد أكثر من سنة وثلاثة أشهر على اندلاع الثورة في وجه النظام، فالعنف الخطير الذي قابلت به القوى الأمنية المتظاهرين العزل في بداية الثورة السلمية كان السبب وراء محاولة هؤلاء البحث عن فتح ثغرة في الجدار الأمني العازل وفرها المنشقون عن جيش النظام والذين شكلوا ما عرف بـ 'الجيش السوري الحر'. ولكن الوضعية التي يتواجد فيها الجيش الحر تجعل من المستحيل عليه الامساك بكامل مفاصل هذه الثغرة الأمر الذي وفر إمكانية لتسرب بعض المجموعات الجهادية من لبنان والعراق للعمل في الساحة السورية وكذلك انتقال مجموعات أخرى من حالة الكمون إلى حالة الفعل. وتنظيم القاعدة قد يستفيد أيضاً مباشرة من هذه الثغرة الأمنية للتسلل إلى سوريا والعمل وفق مستوى طائفي، خاصة أن تركيبة النظام تجعل من أي عمل يقوم به يحمل الصبغة الطائفية حتى ولو كان مجرداً من أي دافع طائفي.

الطائفية إذن موجودة، وهي نتاج دولة أمنية قمعية عالم ثالثية، تأخذ بالشكل العام للدولة دون الجوهر وتفرز مؤسسات تنتمي لمستوى الدولة في حين أن الفكر الذي يسيرها ينتمي إلى مستويات ما قبل الدولة، ويبدو النظام السوري راضٍٍ عن هذه التركيبة العجيبة التي تسمح له بتزوير الوعي العام لدى السوريين بل وأكثر من ذلك هو النظام ذاته الذي غذى هذه النزعة عند كل مفترق محوري في الحياة السياسية. ومن أمثلة هذا التزوير المثال الأخير عن انتخابات مجلس الشعب السوري الذي شهد تزاحم مرشحين يتوزعون على فئتين الأولى فئة الاحزاب التقليدية والحديثة والتي ترى في استمرار النظام، وليس رموزه بالضرورة، شرطاً أساسياً لاستمرارها، والفئة الثانية هم المستقلون الذين انخرطوا في لعبة التزوير هذه وفقاً لمصالح وأجندات خاصة بهم ولا ترقى لتكون مصالح وأجندات وطنية. وإسهام الفئتين نابع من صورة 'ديمقراطية الدولة' المزيفة والتي تخفي في الحقيقة كل انتماءات ما قبل الدولة كالفئوية والطائفية والإثنية وغيرها.

إذاً تتوزع هواجس المأزق السوري بانكشاف مشهده السياسي وانفتاحه على خيارات مُرّة، تبدأ بالفوضى المسلحة التي يحاول النظام تعزيزها وتركها تنمو إلى حد معين بغية ارهاب الشارع السوري ذاته وإقناعه بالعودة الى حظيرة النظام الأمني وخصوصاً أن للفوضى 'المدروسة' ثمن كبير يدفعه المواطن المنتفض وغير المنتفض لا النظام.

إن إصرار الشارع السوري المنتفض على المضي في مسيرة ثورته على النظام قد يدفع بهذا الأخير إلى خيارات أكثر تطرفاً من الفوضى التي يتواجه فيها نظام مع 'مجموعات مسلحة' ويدفع ثمنها المواطن. من هذه الخيارات تأتي الحرب الأهلية التي تجد مسوغاتها على الأرض من خلال العنف المفرط الذي يستخدمه النظام، ومن خلال حاجة الثورة السورية إلى الدفاع عن سلميتها بوسائل عسكرية يوفر حدها الأدنى الجيش السوري الحر. إن انعدام التوازن هذا، مصحوباً بعمليات قمع دموي واسعة، قد يدفع بالثورة الى التسلح بشكل اوسع فتختفي المظاهر السلمية كلياً وتحل محلها المظاهر العسكرية الواسعة ويدخل الشعب المنتفض صراعاً مسلحاً مع النظام الذي ولا شك سيلجأ إلى مريديه وإلى عمقه الطائفي وبالتالي تتحول المعركة من 'شعب ضد نظام' إلى 'جزء من شعب ضد جزئه الآخر'. وهذه الحالة هي أسرع وسيلة لتفجر الوطن وليس فقط زوال النظام.

إن تفجر الوطن بهذه الطريقة سيقود إلى هاجس آخر هو محاولة قوننة التفجير هذا من خلال امتلاك مناطق نفوذ خاصة، تتحول إلى دويلات على الشكل اللبناني في فترة الحرب الأهلية، وهذه القوننة قد تؤدي بالدويلات هذه الى محاولة ترسيخ أمرها الواقع من خلال استقلالات بالجملة تحول سوريا إلى أربع دول مستقلة على الأقل بالفرز الإثني ـ الطائفي.

الخروج من المأزق يبدو مأزقاً هو الآخر والطرق تبدو مسدودة في وجه حل الأزمة السورية فلا الطريق التونسي متوافر من حيث وقوف الجيش على الحياد وتدخله في النهاية لإجبار رأس النظام بحمل نظامه معه والرحيل، ولا الطريق المصري متوافر بتدخل الجيش لإزاحة رأس النظام والمحافظة على العسكرة التي يتميز بها منذ نصف قرن، ولا الطريق اليمني الذي مهد له تدخل دول الجوار بشكل مبادرة وتآلف القبائل وفقدان الرئيس لموقعه التوازني بينها، ولا حتى الطريق الليبي عن طريق التدخل العسكري المباشر تحت غطاء مجلس الأمن.

المأزق السوري آخذ في التعقد لا الحل، والنظام ما يزال ماسكاً بمفاتيح القوة على الأرض من خلال أجهزته الأمنية الكثيرة والمتنوعة، بينما حراك الشارع يبدو محافظاً على زخمه رغم عشرات الضحايا الذين يسقطون يومياً، والصراع المفتوح بينهما ما يزال على حاله. الحل يبدو بعيداً ولكن يمكن التكهن على الأقل بمفتاحه الأولي وهو وحدة المعارضة السياسية السورية حول برنامج سياسي مرحلي لإطاحة النظام وبناء سوريا المستقبل. توحد رؤية المعارضة قد يمكنها من الخروج من حالتها المزرية والدخول في منطق الاستثمار السياسي الضروري للثورة السورية ويمكنها أيضاً من صياغة البدائل المعقولة والممكنة وفقاً للظرف السوري الخاص. حتى الآن تبدو مهمات المعارضة السورية شبه مستحيلة ولكنها بالتأكيد أسهل بكثير من مهمة ثورة لا تزال منذ أكثر من سنة وثلاثة أشهر تقارع المستحيل.

=================

إيران تقترح الإجتماع بـ"معارضة الخارج "السورية!

سركيس نعوم

2012-06-26

النهار

يتحدث بعض وسائل الإعلام المحلية والاجنبية عن تاريخ 30 حزيران باعتباره موعداً نهائياً لانعقاد اجتماع دولي حول سوريا في موسكو وبدعوة منها تحضره اثنتا عشرة دولة تقريباً منها الجمهورية الاسلامية الإيرانية. ويتحدث بعض آخر من وسائل الإعلام نفسها عن مشاورات تجرى لعقد الاجتماع المذكور في موعد قد يكون30 الجاري، اقترحته موسكو ولا تزال تنتظر أجوبة نهائية عنه من الجهات والدول التي يفترض ان تشترك فيه. ورغم ان لدى مصادر "البعضين" من وسائل الإعلام المشار اليهما باعا طويلاً في عملية الحصول على معلومات دقيقة عن قضايا مهمة وأحياناً شائكة ومعقدة، فإن تناقضهما حيال الاجتماع الدولي المذكور اعلاه يعكس حقيقة واضحة هي استمرار غياب التوافق بين الجهة الداعية والجهات المدعوة على امور عدة، قد يكون من بينها جدول اعمال المباحثات في الاجتماع الدولي. إلا ان أهمها هو، لا شك، الاختلاف حول اشتراك ايران فيه. فروسيا الداعية تصر على مشاركتها انطلاقاً من قدرتها على القيام بدور فاعل في إقناع النظام السوري بالتساهل وتالياً بالتجاوب، بغية التوصل الى تسوية توقف شلال الدم وتضع سوريا على طريق جديدة تريدها غالبية شعبها هي طريق الإصلاحات والحرية والديموقراطية وحقوق الإنسان. أما اميركا وفرنسا ودول اخرى مدعوة فإنها ترفض اشتراك ايران في المؤتمر لأنها في رأيها جزء من المشكلة الصعبة في سوريا، ولذلك فإنها لا تستطيع ان تكون جزءاً من الحل كما تعتقد موسكو. فهي التي توفر له الدعم السياسي والمالي والسلاحي والتدريبي الذي يحتاج اليه، وربما انواع دعم اخرى. ولذلك فان اشتراكها في الاجتماع الدولي المخصص لسوريا سيكون هدفه التعاون مع روسيا لإبقاء نظام بشار الاسد، ولكن مع اصلاحات جزئية لا تفي بالمطلوب وتجاوزها، ومن زمان، الدم المراق في كل انحاء سوريا. طبعاً لم يعد الموعد المقترح للاجتماع الدولي حول سوريا في موسكو بعيداً. وخلال الايام القليلة المقبلة يمكن معرفة ما إذا اصبح موعداً ثابتاً او نهائياً أو إذا ارجىء. لكن ما تعرفه مصادر واسعة الاطلاع لبنانياً وخارجياً يشير الى امرين. الأول، ان قبول اشتراك ايران في المؤتمر من الجهات الرافضة لا يزال احتمالاً ضعيفاً حتى الآن لأسباب متنوعة، اهمها استمرارها في عدم التجاوب مع المساعي الدولية شبه الشاملة لايجاد حل لملفها النووي يبعدها عن الحصول على اسلحة نووية. وطبيعي في سنة انتخابات رئاسية اميركية ان يرفض الرئيس اوباما وإدارته الاعتراف لها بأي دور "ايجابي" في اي مشكلة اقليمية او دولية. أما الثاني، فهو ان روسيا وربما جهات اخرى تحاول ان تحقق، وقبل انعقاد المؤتمر، تسوية للأزمة السورية يسمح تطبيقها باطلاق عملية سورية داخلية للإصلاح برعاية اقليمية ودولية جدية. وتقوم هذه التسوية على تأليف حكومة انتقالية في سوريا يترأسها نائب رئيس الجمهورية فاروق الشرع، ويمثّل أول ثلث من اعضائها النظام، وثاني ثلث معارضة الخارج بما في ذلك "الاخوان المسلمون"، وثالث ثلث معارضة الداخل. علماً ان نظام الأسد سيرفض ذلك استناداً الى قريبين منه.

لماذا تريد ايران الاسلامية دوراً في حل الأزمة الراهنة في سوريا؟

تقول مصادر اسلامية عليمة إن ايران دولة جدية وتعرف تماماً ماذا يجري في سوريا، ومصيرها كما مصير النظام الذي تدعمه اذا استمرت "الحرب". وتعرف تماماً ان "المذهبية" التي عُمِّم في العالم انها جامعٌ بين نظام الاسد و"شعبه" وايران الشيعية ليست جامعاً. فأيام المؤسس حافظ الاسد أُرسل 50 تلميذاً علوياً الى قم للدراسة. عادت غالبيتهم وبقي عشرة منهم فقط. ايران تريد التعامل مع سوريا كلها وليس مع سوريا العلوية (إذا حصل تقسيم) لأنها لا تريد ان تعاديها غالبية المسلمين في العالم. وتقول المصادر نفسها ايضاً إن سفيراً لايران في عاصمة عربية اقترح رسمياً على شخصية اسلامية قريبة من "الإخوان" عقد اجتماع بين ايران والمعارضة السورية في الخارج ومعهم ("الاخوان"). وتقول ثالثاً إن موسى ابو مرزوق، مدير مكتب "حماس" في القاهرة، تلقى من جهات ايرانية طرحاً مماثلاً. وتقول رابعاً إن "حزب الله" اللبناني طرح الاقتراح نفسه وأكثر من مرة.

طبعاً لم تثمر كل الطروحات الايرانية المذكورة اعلاه حتى الآن. لكن لا يمكن القول انها رُفِضَت. ربما الظروف الراهنة في سوريا وفي غيرها من دول العرب تدفع الى التريث قليلاً، علماً ان بعض "الأجواء الإخوانية" يشجع على التجاوب.

=================

روسيا تُربِك أميركا في سوريا... وليس العكس

جهاد الزين

2012-06-26

النهار

يميل المراقب الى الاستنتاج بأن عملية اسقاط الطائرة التركية كانت مدروسة مسبقا من حيث "اصطياد" الخطأ التركي الذي كان يحصل مثله سابقا بسبب طبيعة "إصبع" لواء اسكندرون داخل الخارطة السورية جغرافيا و لكن التوقيت جاء بعد "فرار" الميغ السورية.

أظهرت عملية إسقاط الطائرة التركية يوم الجمعة المنصرم فوق او على مقربة من المياه الاقليمية السورية عددا من المعطيات التي لا زال العديد من المعلقين العرب والغربيين يجدون صعوبة في "قبولها" كـ "وقائع استراتيجية".

الاول بين هذه المعطيات أن الروس يتعاملون مع "المساحة السورية" كمساحة سياسية استراتيجية بالنسبة لكل اطلالتهم في السياسة الخارجية ولاسيما في البحر الأبيض المتوسط. ومع ان أحد وزراء الثلاثي الاوروبي الذي زار بيروت اواخر الاسبوع المنصرم، وهم السويدي والبلغاري والبولوني، قد "امتعض" او اعتبر ذلك مبالغة كما ظهر من تعابير وجهه وحركة شفتيه  حين كنتُ أقول له في لقاء مغلق نظمته مؤسسة كارنيغي ضم عددا من الباحثين والمعلقين السياسيين  ان متحدثا باسم وزارة الخارجية الروسية قد صرّح يومها ان مصير الوضع في سوريا سيرسم طبيعة النظام العالمي الجديد...مع ذلك جاء خبر اسقاط الطائرة التركية ليُظهر ان تدويل الصراع على سوريا عالي المستوى والخطورة. فالأتراك أنفسهم بطلبهم عقدَ اجتماع للحلف الأطلسي لبحث الموضوع يؤكدون بذلك البعد الاميركي الروسي العسكري المباشر للعملية.

لقد حصلت الحادثة في منطقة الساحل وليس في الداخل السوري. هذا يعني أن الروس يقولون أنه حيث توجد محطة لسفننا الحربية لا يمكن ان نقبل بأي تلاعب او استخفاف ويجب التعامل معها كمنطقة عسكرية فائقة الاهمية بالنسبة لحضورنا على شواطئ البحر الابيض المتوسط. لذلك يميل المراقب الى الاستنتاج بأن هذه العملية كانت مدروسة مسبقا من حيث "اصطياد" الخطأ التركي الذي كان يحصل مثله سابقا بسبب طبيعة "إصبع" لواء اسكندرون داخل الخارطة السورية جغرافيا ولكون شاطئه خطَ طيرانٍ حربيٍ يومي للقوات التركية مع فرقها الموجودة في قبرص منذ العام 1974. والظن المحتمل بالتالي هو أن الروس والسوريين كانوا "ينامون" على هذا النوع من "الاختراقات التركية" المحدودة وربما التقنية للمياه الاقليمية السورية حتى جاء الرد في التوقيت "المناسب" بعد عملية "فرار" طائرة الميغ السورية الى الاردن. ولا نعرف هل كانت "الميغ" مزودة بأجهزة تحديث قتالية قد تنكشف للأميركيين في حين نعرف أن الجيش التركي منذ تسعينات القرن الماضي قد أبرم اتفاقاتٍ مع اسرائيل على تحديث طائرات الـ"إف 4" و "الإف 5" (وغيرهما في سلسلة "الإف") ببرامج جديدة اشتهرت الصناعة العسكرية الإسرائيلية بإنجازها. ومن بين الدول المهمة التي تولّت اسرائيلُ تحديثَ برامج اسطولها العسكري دولةٌ بحجم البرازيل وأظن لا يزال التعاون قائما.

ومع اني مع الرأي القائل بأن الخيارات التركية محدودة في هذه المسألة بالذات إلا ان هذا الملف على الأرجح سيؤدي الى فتح ملفات أخرى بحجج مناسبة علينا من اليوم فصاعداً ان نتوقعها … فالصراع "المباشر" الآن هو بين دول عظمى لن يعوزها أن تستخدم أفكاراً بارعة في اللحظة المناسبة وبالامكانات العالية التي تملكها. وفي ما يتعلّق بتركيا يجب لفت النظر الى أن الجيش التركي حتى في الايام التي كان يحكم الحياة السياسية المدنية التركية كان يتميّز بدقة خياراته العسكرية في الازمات المتعلقة بالدول: مع اليونان قديما ومع بلغاريا وايران وسوريا في مرحلة الثمانينات والتسعينات. والاتراك الحاليون يعرفون أن احد اسباب ولادة "البوتينية" (فلاديمير بوتين) كمدرسة مواجهة سياسية مع الاميركيين هو العامل التركي حتى في الشأن الداخلي الروسي ولا سيما خلال أزمة الشيشان التي شهدت صعود الظاهرة البوتينية في السياسة الروسية في آخر أيام الرئيس بوريس يلتسين. فالاسلام الروسي تاريخيا هو الاسلام "التركي" أو من أصول تركية سواء في معظم آسيا الوسطى السوفياتية السابقة او الاقاليم المسلمة  داخل "الروسيا" التي هي الاتحاد الروسي الحالي.

الدم السوري يسيل منذ اكثر من عام بعد قمع النظام العنيف في أشهُر البدايات للتظاهرات السلمية ولكن لاحقا بعد القرار الغربي التركي الخليجي بعسكرة المعارضة. كانت تلك العسكرة، أياً تكن مبرراتها الاخلاقية كما الديماغوجية، انعطافة "لعبة أمم" لثورة كانت تملك كل القوة المشروعة لتكون ثورة، واذا بالعسكرة تحوّلها الى مبرر ودينامية يوميّتين لتدمير سوريا بين عنف النظام وعنف فلتان الجماعات الإتنية والمذهبية. لكن ليس الروس وحدهم مرتبكين في حمام – الدم هذا. بالعكس يبدو أن الارتباك أيضا في جبهة أخصامهم ولا سيما الاتراك الذين لا يليق بحجمهم ان يكونوا مجرد وكلاء في حروب بين كبار يقفون  وراءهم. فتركيا ايضا دولة اقليمية كبيرة بكل المعاني التحديثية والسياسية والعسكرية بدأت تصغِّرها "التحولات"... وآمل لا.

=================

رأي الراية .. المسكنات لا تجدي

الراية

26-5-2012

سياسة العقوبات التي فرضها المجتمع الدولي على النظام السوري سعيا للضغط عليه لوقف العنف ضد حركة الاحتجاجات الشعبية المطالبة بالحرية والتغيير لم تجد نفعا حتى الآن فشلال الدم السوري متواصل و لم يتوقف منذ أكثر من عام ونصف وأعداد الضحايا واللاجئين تزداد يوما بعد يوم ووتيرة العنف والقتل وتهجير المواطنين تشهد ارتفاعا غير مسبوق سعيا من النظام لإخماد الاحتجاجات الشعبية.

وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي الذين اجتمعوا في لوكسمبورغ فرضوا مجموعة عقوبات جديدة ضد سوريا هي السادسة عشرة وتستهدف هذه العقوبات شركات ووزارات جديدة كما وسعت العقوبات نطاق الحظر على شراء الأسلحة إلا انه من المشكوك فيه أن تساهم العقوبات الجديدة في إقناع النظام بوقف القتل والالتزام بتطبيق مبادرة المبعوث الدولي والعربي كوفي عنان.

العقوبات التي فرضتها دول الاتحاد الأوروبي على النظام السوري تسببت ولا شك في زيادة الضغوط على النظام الذي بات يواجه وضعا اقتصاديا صعبا وكارثيا لكن ذلك لم يمنعه من مواصلة حصاره وقصفه للمدن السورية مستندا في ذلك على انقسام المجتمع الدولي الذي فشل في أن يتحدث بصوت واحد بسبب صراع المصالح والنفوذ في المنطقة.

فشل المجتمع الدولي وتحديدا مجلس الأمن الذي تقع عليه مسؤولية حماية الأمن والسلم الدوليين في إجبار النظام السوري على وقف العنف والقتل والبدء فورا في تطبيق مبادرة كوفي عنان والتي تنص على وقف إطلاق النار و انسحاب قواته من المدن والبلدات المحاصرة يدفع بسوريا إلى وضع كارثي قد تمتد آثاره بفعل الواقع المعقد فيها إلى جميع دول المنطقة .

إن التصعيد الأخير الذي شهدته الحدود السورية -التركية والمتمثل بقيام دمشق بإسقاط طائرة تركية والتهديد التركي بالرد يؤشر إلى المدى الذي يمكن أن تذهب إليه الأزمة السورية في حال استمر المجتمع الدولي في التعامل معها بالمسكنات وغض النظر عن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ترتكبها قوات النظام السوري ضد المدنيين بشهادة المنظمات الدولية لحقوق الإنسان.

الفشل الواضح في إجبار النظام على تطبيق مبادرة المبعوث الدولي والعربي وقرار بعثة المراقبة الدولية تعليق أعمالها في المدن والبلدات السورية نتيجة زيادة حدة العنف والقتل يستدعي من المجتمع الدولي اتخاذ قرارات أكثر عملية تحت طائلة البند السابع في ميثاق الأمم المتحدة تضمن توفير الحماية للشعب السوري من القتل.

=============================

إذا خذَلَنا الحكامُ فأين الشعوب؟

2012-06-26

د. محمد عياش الكبيسي

العرب القطرية

في ملحمته التاريخية التي يسطرها على أرضه وترابه، خرج الشعب السوري هذه الجمعة ليصارح أمته العربية والإسلامية من محيطها إلى محيطها: «إذا خذلنا الحكام فأين الشعوب؟». هذا الشعار لم يكن صرخة غاضبة من أم مفجوعة، ولا لافتة صغيرة من الورق يحملها طفل في حمص أو إدلب، إنها «جمعة» اتفق عليها الشعب السوري في كل مدينة وقرية وشارع وزقاق، فهي إذاً موقف عام ونقطة هامة في خط الثورة السورية المتصاعدة.

وإننا كشعوب مقصودة بهذا الخطاب أو العتاب حرام علينا ألا نرتقي إلى مستوى الوجع السوري بل ومستوى الجدية في هذا الخطاب أو العتاب.

إن الشعب السوري الذي قرر اليوم أن يخاطبنا بهذه اللغة الفصيحة البليغة يدرك أننا قادرون على أن نفعل، وأننا لسنا عاجزين إلى هذا الحد، هكذا يظن السوريون بنا فهل نحن كذلك؟

يذكر السوريون كيف خرجت الأمة في الكثير من العواصم لتحاصر السفارات الدنماركية احتجاجا على الرسوم الكاريكاتورية المسيئة للنبي الكريم صلى الله عليه وسلم، وكيف تشكلت لجان المقاطعة الفاعلة لكل ما هو دنماركي، ويذكر السوريون أيضا وقفة الأمة الرائعة إبان العدوان الصهيوني على غزة، وليس بعيدا أيضا أحداث مدينة بنغازي الليبية والتي دعا فيها الشيخ القرضاوي صراحة إلى قتل القذافي.

السوريون يتذكرون هذا وغيره وهم يتساءلون: لماذا نحن فقط؟ لماذا نحن فقط لا نحظى بمثل هذا التأييد والتعاطف؟ هل دماؤنا أرخص من دماء إخواننا؟ هل مساجدنا أقل شأنا من مساجد غزة أو مسجد البابري في الهند؟ هل التعذيب في سجون الأسد أقل وحشية من سجن أبي غريب وسجون الاحتلال الصهيوني؟

وللأمانة فالسوريون وهم يتساءلون كل هذه الأسئلة ينطلقون من تاريخ مشرّف يعطي للوم والعتب لونا آخر، فالسوريون لم يقصّروا في كل قضايا الأمة، فالنخوة العربية والإسلامية تجري في دمائهم، وإذا نسيت فلن أنسى معركة المطار التي أبلى فيها الشباب السوري بلاء لا تحتمله الجبال وهم يواجهون مع إخوانهم قوة المارينز المندفعة باتجاه بغداد، أما موقفهم من القضية الفلسطينية فهذا سجل لا ينتهي، وتحت هذا العنوان أيضا كانت صور حسن نصر الله تنتشر في الشارع السوري أكثر من أي شيء آخر! قبل أن يصطدموا بحقيقة نصر الله ومشروعه المشبوه.

وللإجابة عن كل تلك الأسئلة لا بد من توصيف الحالة السورية وبيان خصوصيتها في خارطة الجغرافيا السياسية «الجيوبوليتيك». فسوريا على خلاف كل محطات الربيع العربي تقع في صلب المنجل أو «الهلال الشيعي»، حيث تمثل «قم» المقبض القوي لهذا المنجل، بينما تمثل «البحرين» و «لبنان» طرفيه الواسعين، أما بغداد ودمشق فهما الأسنان الحادة في هذا المنجل، بينما لا تمثل «مكة والمدينة» إلا الحصاد المنتظر.

لم تكن صورة هذا المنجل واضحة لدى الكثير من المثقفين والسياسيين، لكن انحياز إيران وحكومة المالكي وحزب الله بهذا الشكل الفج للنظام السوري أسهم بإحداث حالة جديدة من الوعي لكنها ما زالت دون الفعل المؤثر.

هذا المنجل الذي مضى عليه حين من الدهر وهو يعمل دون أن يثير شيئا في هذا الجسد الكبير والمتمدد من «جاكرتا» إلى «نواكشوط». لقد كنا نصم آذاننا عن صرخات إخواننا من أهل السنة في إيران والمحرومين من أبسط حقوقهم، والذين لا يسمح لهم ببناء مسجد واحد لهم في طهران، وصور الشباب السنّي المعلّقين على أعواد المشانق تتناقلها مواقعهم دون اكتراث من أحد.

نعم، لقد كنا نصم آذاننا ونغمض عيوننا أيضا عن هذه «الفتنة الطائفية» التي تحاول أن تشغلنا عن العدو «الصهيوصليبي» حتى حط الأميركان رحالهم في بغداد الرشيد وبمساعدة «الولي الفقيه» وأصابعه وأدواته التي أعدها بعناية فائقة لهذا اليوم. وبينما كانت الأمة تبكي دما على سقوط بغداد، كانت العمائم السوداء تتبادل التهاني والقبلات الحارة مع بريمر وجنوده «الصليبيين»، وبينما كانت القاذفات الأميركية تدك مساجد الفلوجة، كانت الميليشيات الطائفية تحرق المساجد في بغداد، حيث تم حرق مائة وثمانين مسجدا في غضون ثلاثة أيام فقط.

إلى هذه اللحظة يصر سليم العوا المرشح «الإسلامي» لرئاسة مصر ومعه عدد غير قليل من الكتّاب «الإسلاميين» على أن الفرق بيننا وبين هؤلاء كالفرق بين الشافعية والحنفية، وأنه لا ينبغي صرف أذهان الأمة بهذه الإشكالات «الصغيرة» عن همومها و «قضاياها الكبيرة».

وقد وصل الأمر إلى حد التبرير لزيارة أحمدي نجاد والذي وصل إلى مطار بغداد بحماية المارينز ودباباته «الديمقراطية»، بينما لم يجرؤ زعيم عربي واحد أن يزور بغداد في ظل الاحتلال مهما كانت علاقته مع الطرف الأميركي.

والمسلسل ما زال مستمرا، فكوفي عنان أيضا يصرح قبل يومين أن المشكلة السورية لا يمكن حلها دون مشاركة فاعلة من الطرف الإيراني! فإيران ليست جزءا من المشكلة السورية بقدر ما هي جزء من الحل! هكذا بالضبط تعامل «المجتمع الدولي» مع المشكلة العراقية.

وبعد أن قدّم الأميركان كل خسائرهم المادية والمعنوية والبشرية، هاهم يخرجون بعد أن اطمأنوا تماما على أن العراق أصبح خاضعا بشكل كامل لعباءة الولي الفقيه، وبعض فقهائنا ما زالوا يأملون في إيران أن تقف معهم بوجه المشروع الأميركي!

أذكر في مقابلة لي مع «حسن نصر الله» وبحضور عدد من علماء السنّة في لبنان الذين توسطوا من أجل تخفيف الاحتقان الطائفي في بغداد، حينها سألته عن موقفه الداعم للحكومة العراقية المتحالفة مع الاحتلال الأميركي فقال: أنا أكلمك كلاما فقهيا وليس سياسيا. نحن مرتبطون بعهد ديني مع الولي الفقيه، وهو الذي يقول لنا: قاوموا في فلسطين ولبنان، ولا تقاوموا في العراق ولا في أفغانستان! قلت: هل يمكن أن نفهم الوجه الفقهي لهذه التوجيهات، قال: نعم، هناك «إيران الدولة» والتي ترى من مصلحتها أن تستثمر كل التغيرات القريبة منها، وهناك «إيران الثورة» والتي ترى من مصلحتها دعم المقاومة في فلسطين ولبنان.

وهذا يعني أن المنجل الإيراني بحاجة إلى غطاء من الشرعية الدينية والأخلاقية ليمارس عمله مع شيء من الحقن المخدرة والمهدئة، فالمساعدات الإيرانية لحركات المقاومة الفلسطينية ليست لعيون الفلسطينيين، وإنما لو لم تكسب إيران إلا تحييد الفلسطينيين في هذه المعركة لكفى، فكيف إذا حظي هذا المنجل بمباركة المجاهدين والمقاومين الكبار! نعم إن إيران الثورة بحاجة إلى هذه الأصوات أكثر بكثير من حاجة هذه الأصوات لها.

ومن ثم فإن الخاصرة الإيرانية الرقيقة والتي تمثل الثغرة المناسبة للضغط الشعبي إنما هي في نزع هذه الشرعية، والمطلوب هنا بشكل واضح وصريح أن تقول الشعوب العربية والإسلامية لإيران ولحكومتها في بغداد: إن دعمكم للنظام السوري سيكلفكم الكثير. إن هذه الشعوب سترفضكم بل وتحاصركم، وإن تصدير الثورة سيتوقف لأن هذه الثورة هي التي طعنتنا في عقيدتنا وتاريخنا وهويتنا ثم طعنتنا في نسائنا وأطفالنا.

إن الواجب الديني والأخلاقي على المقاومة الفلسطينية والمقاومة العراقية أن يكونوا أكثر صراحة في التعبير عن حقيقة الموقف الإيراني ومنجله المسنون في المنطقة، وفضح الملفات العلائقية المشبوهة والتي من شأنها أن تنزع ثوب الشرعية عن هذا المشروع الأثيم.

إن غزة والفلوجة برقبتيهما دين ثقيل للشعب السوري، وهما الأقدر اليوم على قيادة الشارع العربي والإسلامي وإبطال كل الشعارات التي يرفعها النظام السوري وحلفاؤه في الصمود والممانعة، وأن المساعدات والتسهيلات التي كان النظام يقدمها لهذه المقاومة أو تلك ستكون عبئا أخلاقيا ثقيلا، خاصة بعد ما انكشفت الدوافع الحقيقة لتلك المساعدات والتسهيلات، مع أن التغيير القادم -بإذن الله- في سوريا الحبيبة سيصب في خدمة العراق وفلسطين وتعزيز الهوية العربية والإسلامية في الأمة كلها.

إن وقفة شعبية على طول العالم العربي والإسلامي وعرضه تقودها المقاومة نفسها كفيلة بأن تجعل الولي الفقيه يراجع سياساته، وربما تكون هذه المراجعة هي البداية لإحداث نوع من التوازن أو التفاهم المطلوب لاستقرار المنطقة، خاصة بعد صعود التيار الإسلامي في أكثر من بلد عربي، فليكن هذا التيار الأداة الأقوى للوصول إلى حالة التوازن والتفاهم هذه، لا أن يكون أداة من أدوات التخدير أو فاتحا للشهية الإيرانية في التمدد والاستحواذ على أرضنا وسمائنا وتاريخنا ومستقبلنا.

ويكفي هنا أن نتذكر أن جنود الولي الفقيه في العراق قد دعوا صراحة إلى تشكيل الجيش المليوني تحسبا لانتصار الثورة السورية، وفي هذا من الدلالات والإشارات ما لا يمكن تجاوزه. إنهم يعرفون بالضبط من يقاتلون ولماذا.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ