ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الثلاثاء 03/07/2012


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

سورية الضائعة بين محاصصات الدول

الوطن اون لاين

2012-07-02

اجتماع جنيف الذي دعا له كوفي عنان المبعوث المشترك لجامعة الدول العربية والأمم المتحدة لم يثمر عن شيء سوى عن إعادة تقديم ورقة مقترحاته بصورة مختلفة وبإخراج مسرحي جديد، ورغم بعض التقدم الظاهر في هذا الاجتماع وما صرح به وزراء خارجية دول مثل الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا إلا أن حقيقة الأمر هي أن سورية باتت ورقة تفاوض وتنازل من هذه الأطراف لبعضها بدلا من كونها قضية حقيقية بحاجة إلى حل.

البيان الصادر عن الاجتماع لم يلمح صراحة لرحيل الأسد، وهو الأمر الذي قيل إنه مفهوم ضمناً، كون خطة عنان تعتمد على فكرة إنشاء حكومة وحدة وطنية تدير مرحلة انتقالية، ولكن كل التجارب السابقة مع نظام الأسد تظهر بجلاء أن نظامه يناور ويتلاعب ويحاول شراء الوقت باستمرار دون الالتزام بأي من القرارات المتعددة التي صدرت والتي أقرها وألزم النظام السوري نفسه بها.

ميدانيا لا يزال العنف على أشده ولا يزال النظام السوري يستخدم كل الوسائل العنيفة لقمع انتفاضة السوريين، وأعداد القتلى اليومية لم يكن لها على طاولة الاجتماع أي وزن. فاجتماع مجموعة الاتصال في جنيف بدا اجتماع محاصصة بين الدول الغربية وروسيا، والتي يتحجج كل منهما بالآخر من أجل رسم خريطة لمرحلة انتقالية قد تبدو ممكنة على الورق في قاعات الاجتماع ولكنها بعيدة كل البعد عن الواقع اليومي للسوريين الذين يعانون من القتل والتشريد، وهو ما يجعل التساؤل حقيقة حول إمكانية صمود مثل هذه الخطة على الأرض في ظل رفض المعارضة لأي فكرة تتضمن بقاء النظام، وفي ذات الوقت رفض الأسد التام لأي حل يأتي من الخارج وإعلانه رسميا إصراره على "تدمير الإرهابيين" كما وصفهم.

انتهاء اجتماع جنيف بدون نص واضح وصريح على خروج الأسد من السلطة كخطوة أولى لحل الأزمة هو فشل واضح، فأي حل لا يمكن مناقشته أو التفكير فيه مع استمرار بشار ودائرته المقربة في السلطة، وهذا لا يعني سوى إعادة تدوير للأزمة بصورة مختلفة. ولذلك فإن كل مقررات اجتماع مجموعة الاتصال بجنيف ليست سوى محاولات لتحريك الأمر دبلوماسيا وفتح مجالات للتحرك الإعلامي والسياسي التي ستنتهي كما انتهت المبادرات التي سبقتها.

خطة عنان بحاجة لأنياب، وهو ما لن يحدث دون إعطاء الخطة قوة الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، وطالما ظلت روسيا والصين داعمتين للأسد فإن الأزمة ستستمر، ومن المرجح أن يزداد معها العنف نتيجة سعي الأطراف المختلفة لحسمها على الأرض وليس بين جنبات قاعات الاجتماعات.

=================

قادسية الثأر في سوريا

عكاظ

عبدالله السلطان

2-7-2012

تشكل احتمالية سقوط النظام السوري هزيمة كبرى لإيران التي بذلت مجهودات ضخمة لحمايته والمحافظة عليه كشريك استراتيجي، ودفعت ثمنا باهظا لذلك. فهي غير مستعدة للتخلي عنه، لكنها مستعدة للمواجهة ضد من يسعى لإسقاطه، وفي الحقيقة إن إيران داخلة في وحل مستنقع الصراع السوري بكل ما تملك من قوة، وأثرت في نطاقه وحدته. قد لا تريد أن تتذكر أن بشار ونظامه معرضان للخطر القادم من الثورة الشعبية. ولا يمكنه أن يصد تيار الأحداث. هكذا هي التجارب من التاريخ، فهي التي تعلمنا أن الأفراد يذهبون لكن الشعوب تبقى. وفي أسوأ الأحوال، إن لم تتبلور الأمور لما تأمله إيران في سوريا، فأقل ما تقبله، هي وبشار، إيجاد دويلة ذات لون طائفي معين على البحر الأبيض. وكلاهما، إيران وبشار، يعملان على تأجيج حرب أهلية / طائفية كوسيلة لتحقيق مبتغاهما، واعتبار الصراع في سوريا حربا أهلية أفضل عند بشار ونظامه من تسميته ثورة.

لقد صبت قوات النظام السوري بدعم إيراني جام غضبها بداية بضرب مدينة حمص، «عاصمة الثورة»، بالقذائف المدفعية والصواريخ، فهدمت البيوت والمباني على ساكنيها الأبرياء، ولازالت المعارك والهجمات تشن عليها. ولماذا حمص؟ في حمص مقبرة (الكتيب)، وفي حمص قبور (400) من أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام.

وقد تركزت ضرباتها على حي «بابا عمرو» وحي الخالدية في حمص. لماذا ؟، بعد أن توفي الصحابي الجليل (عمرو بن معد يكرب) في حمص تم دفنه في المنطقة التي فيها مسجده، وبابان من أبواب هذا المسجد يطلان على المنطقة التي سميت باسمه: حي بابا عمرو ( بابا = 2 من أبواب المسجد ).. وحي الخالدية سمي نسبة للصحابي الجليل، سيف الله المسلول، خالد بن الوليد، وفيه قبره ومسجده وكثير من أولاده وأحفاده.

بالنسبة لعمرو بن معد يكرب، ومعه طليحة بن خويلد، فقد أرسلهم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه للعراق استجابة لطلب قائد جيش المسلمين، سعد بن أبي وقاص، الذي طلب منه المدد قبل بدء معركة القادسية الفاصلة. فكتب عمر في رسالته لسعد: إنني أمددتك بألفي رجل ( عمرو بن معد يكرب عن ألف مقاتل، وطليحة بن خويلد عن ألف مقاتل ). وقد أبلى عمرو بن معد يكرب بلاء حسنا في معركة القادسية وشجع المسلمين على القتال وهو في وسط المعركة يقاتل، مما رفع حماستهم للقتال حتى انهار جيش الفرس وانهزم شر هزيمة. ومجرد ذكر معركة القادسية للفارسي تعتبر شتيمة وتحديا.

بالنسبة لخالد بن الوليد فقد طرد بجيشه الفرس من جنوب العراق في خلافة أبي بكر رضي الله عنه، وانتصاراته الإسلامية على جيوش الأعداء قد خلدها التاريخ.. ويروى أن (تيمورلنك)، عندما وقف على قبر خالد بن الوليد، قال : «إنني سأترك حمص كرامة لك ولن أستبيحها» ..

هذه أسباب هجمة النظامين السوري والإيراني الشرسة على مدينة حمص وعلى الحيين فيها: بابا عمرو والخالدية. لديهم كره لحمص لأن فيها قبور الصحابة بما فيهم خالد بن الوليد وعمرو بن معد يكرب، وسكانها اليوم هم الأبطال أحفاد أولئك الصحابة الأجلاء العظام، رضي الله عنهم .. فهل من عبرة وعظة من هذا الحقد، المبني على أحداث تاريخية عفى عليها الزمن ؟ .. جيل اليوم ليس مسؤولا عما حدث قبل 1400 سنة، وفي القرآن الكريم «ألا تزر وازرة وزر أخرى» ( النجم 38، الأنعام 164، الإسراء 15، فاطر 18، الزمر 7 )، لكن المؤكد أن كرههم للعرب جعلهم لا ينسون، بدليل أنهم قاموا بتنفيذ ما يمكن تسميته قادسية مضادة في سوريا، قادسية الثأر.. والله أعلم.

=================

الأردن في الإعلام السوري

ماهر ابو طير

الدستور

2-7-2012

شهدت العلاقة بين عمان ودمشق تراشقاً اعلامياً خلال عام ونصف،وكثيراً ما حملت وسائل الاعلام في البلدين اشارات مبطنة وواضحة تحمل نقداً متبادلا.

في الاعلام السوري،يرتفع التصعيد الاعلامي ضد الاردن. الذي يحلل الاعلام الاردني،يجد ان الاعلام الخاص يحوي نقداً لنظام الاسد،فيما الاعلام الرسمي حذر جداً من هكذا ممارسة،حتى لايتم اتهامه بأنه يتلقى تعليمات بالاساءة الى دمشق.

النظام السوري محشور في الزاوية،وقد بدأ يميل الى اسلوب اتهام كل دول الجوار بالتآمر عليه،وفي الاعلام السوري الرسمي تبن ٍ لروايات غير دقيقة عن حشود سعودية عبر الاردن،وعن استعداد تركي ودولي لضرب نظام الاسد.

قناة «دنيا»السورية اوردت رواية لايمكن تصديقها،اذ قالت ان الاردن يماطل في تسليم طائرة «الميغ 21»الى دمشق،لانه يريد منح الخبراء الاسرائيليين الوقت الكافي للاطلاع على تكنولوجيا الطائرة المُطورة والتي تم تحديثها على يد الروس والكوريين. في اتهام القناة تجاوزعلى العقل اساساً،لان الطائرة مهما تم تطويرها فهي تبقى قديمة جداً،وُتعد من الطائرات التي خرجت من الخدمة في دول كثيرة،وقصة تطويرها تحوي مبالغة،لانها مهما حظيت بتطوير فلن تتحول الى طائرة شبح او مركبة فضائية.

تكتيك الاعلام السوري يقوم على اساس استثارة العواطف لدى السوريين،من حيث افهامهم ان هناك مؤامرة تشارك بها كل الدول،فالسعودية تحشد،والاردن يختطف الطائرة والاسرائيليون ينسخون برمجياتها،وتركيا تدرب الجيش الحر،والحريري يمول،الى آخر هذه القصص.

كل ذلك لا يلغي بشاعة المشهد الاساسية،اي ان الشعب السوري يتعرض الى مذبحة كبرى،والذي عليه مؤامرة حقاً،ويراد اسقاطه كان عليه واجب التصالح مع شعبه،لا فتح البلد لحرب اهلية،ولقتل الاطفال والنساء،وانتهاك الحرمات،وتحطيم حاضنة عربية كبرى. عمليا فأن دمشق تتهم الاردن باختطاف الطائرة المعجزة،وتقديمها كصيد تكنولوجي الى اسرائيل،وغيرها من الدول،والمؤسف ان من يختطف وطناً وشعباً ويذبحهما من الوريد الى الوريد،لايحق له الحديث عن اختطاف طائرة،واخراجها من خدمة ذبح السوريين.

لعب الاعلام السوري كثيراعلى قصة الاسرائيليين،وقد سربوا قبل فترة ان ضباط موساد يأتون الى اللاجئين السوريين في الاردن بأعتبارهم يعملون في مؤسسات خيرية،ويحاولون الاتصال باللاجئين وجمع المعلومات.

كل هذا الكلام غير دقيق،لان النظام السوري يريد اثارة مخاوف السوريين من «لعب اليهود»على اوجاعهم، فلا يجد الا الاردن ليزج به باعتباره ُمسّهلا للخدمات، وُمقدّماً لها،وهكذا نكتشف ان دفاع النظام السوري عن نفسه،يصل حد اهانة الجيران وتخوينهم.

توظيف عقدة اسرائيل،وعلى حساب الاردن لعبة سياسية لايصدقها احد،خصوصا،ان لااحد خدم اسرائيل مثل نظام الاسد،وآخر خدماته تحطيم الشعب السوري وتدميره،بحرب داخلية،اختصر فيها على اسرائيل شر القتال.

معظم الانظمة العربية استباحت شعوبها ستين عاما تحت عنوان محاربة اسرائيل،لكننا اكتشفنا بوعي متأخر ان اغلبها لم يكن الا خادماً لاسرائيل،بأشكال مختلفة،تبدأ من افقار الشعوب وقهرها،وتصل حد التجهيل والتنكيل والقمع والذبح.

كذبة قناة «دنيا»تريد ان تقول لبقية الطيارين السوريين،انكم اذاهربتم فأنتم ستعملون عند اسرائيل في نهاية المطاف!.

=================

فعلاً..مهلة لمواصلة القتل

الرأي الاردنية

2-7-2012

صالح القلاب

غير متوقع أن يُنفذ من الإتفاق الذي تم التوصل إليه في جنيف يوم السبت الماضي ولا بند واحد فأطراف مجموعة العمل الدولية المتعلقة بالأزمة السورية التي تضم الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، الولايات المتحدة وروسيا والصين وفرنسا وبريطانيا، بالإضافة الى تركيا وثلاث دول عربية هي قطر والكويت والعراق لم تستطع التوصل الى قرار حاسم لوضع خطة كوفي أنان ذات البنود الستة المعروفة موضع التنفيذ فانتهت الأمور الى صيغة عامة غير قابلة للتطبيق تعطي فرصة جديدة للرئيس السوري بشار الأسد لمواصلة هذه الحرب المدمرة القذرة التي يشنها على شعبه.

لا ضرورة لتناول ما تم الإتفاق عليه بنداً..بنداً فالمحصلة تُظهر أن كل هذا الحراك الدولي، والعياذ بالله من كلمة «حراك» التي أصبحت ممجوجة وتبعث على الغثيان، يجسد ذلك المثل العربي القائل :»تمخض الجبل فولد فأراً» بل وإن ما تمخض عنه اجتماع جنيف يدل على كمْ أن الوضع الدولي قد غدا بدوره «مهركلاً» وأن آلية عمل مجلس الأمن باتت بحاجة الى إصلاح سريع وإلاّ فإن الفوضى العارمة ستعم الكرة الأرضية وإن الحروب الأهلية ستشمل العالم كله.

حتى لا يقال أن هناك استهدافاً لروسيا، التي وياللعجب أصبحت محط أنظار «فلول» الشيوعية العالمية مع انها جاءت على أنقاض الحزب الشيوعي الذي بقي حاكماً لأكثر من سبعين عاماً وفشل فشلاً ذريعاً وعلى أنقاض الإتحاد السوفياتي «العظيم»!!، فإنه يجب وبالضرورة تحميل الولايات المتحدة مسؤولية شلل مجلس الأمن الدولي وتحطيم سمعته وتشويه صورته لأنها بقيت من خلال استخدامها لحق «الفيتو» تحمي الإحتلال الإسرائيلي وتحمي العربدة الإسرائيلية ليس ضد الشعب الفلسطيني فقط بل وفي الشرق الاوسط كله.

ولذلك وبسبب آلية حق النقض «الفيتو» التي «بهدلتها» الولايات المتحدة فإن مجلس الأمن الدولي بقي يتخذ موقفاً عاجزاً إزاء ما بقي يجري في سوريا من مذابح ودمار وخراب بسبب «فيتو» الرفيق سيرغي لافروف وبسبب النزعة الستالينية للرفيق فلاديمير بوتين ولكن بنسخة رأسمالية استبدادية قذرة لا تكترث بدماء الشعوب وكل ما يهمها هو التزاحم على مكانة تتساوى مع مكانة أميركا في المعادلة الدولية.

لقد كان على الذين يهمهم انتشال سوريا مما هي فيه من الذين حضروا اجتماع جنيف، الذي خرج بصيغة مهما حاول كوفي أنان تجميلها والدفاع عنها إلا أنها لا يمكن إلاّ أن تكون إعطاء بشار الأسد مهلة جديدة لمواصلة ذبح شعبه، لقد كان على هؤلاء ألاّ يقبلوا بأن يكونوا شهود زورٍ على جريمة ترتكب في وضح النهار وكان عليهم أن ينسحبوا من هذه المهزلة.. ولتذهب «خطة» المبعوث العربي الدولي الى الجحيم.. وليحصل ما سيحصل ما دام أن الذبح في هذا البلد الذي ابتلي بنظام لم يبقَ له أي شبيه في الكرة الأرضية كلها استمرَّ يتخذ مساراً تصعيدياً بعد كل جولة من جولات المبادرات العربية والدولية سيئة الصيت والسمعة.

=================

بقاء الأسد يصعّب ال حل الانتقالي

روزانا بومنصف

2012-07-02!

النهار

أسقطت الدول الكبرى التي شاركت في اجتماع جنيف مواقفها المستمرة من الوضع السوري على نتائج الاجتماع. فوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف اعلن على الاثر أنَّ وثائق الاجتماع لا تتضمن اقصاء الرئيس السوري بشار الاسد وشنّ حملة متكررة على المعارضة السورية منتقداً داعميها، في حين اعلنت وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون ان لا مكان للاسد في العملية الانتقالية وكذلك الامر بالنسبة الى وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس. هل نجح اجتماع جنيف ام فشل؟

ساد الترقب الاوساط السياسية والديبلوماسية المعنية في الساعات التي تلت الاجتماع في انتظار معرفة تفاصيل الاتفاق ودقته وجديته، لكن المواقف الديبلوماسية الغربية العلنية بدا انها تعكس وفق مصادر متابعة استمرار الخلاف على تفسير ما اتفق عليه في موضوع بقاء الاسد او عدم بقائه، وسارع كل منها الى الايحاء ان تقدماً حصل انما وفق وجهة نظره ومع بقاء كل طرف على موقفه وتحقيقه ما يريده منه. فالأميركيّون اوحوا انهم حققوا تقدما على خط عدم احتمال بقاء الاسد، بينما عكس الروس وجهة نظر مناقضة. علما ان ما ورد في بيان جنيف ان الحكومة الانتقالية تتشابك بتوافق الاطراف الداخليين يترك مجالا كبيراً لدور للاسد ترفضه المعارضة ومعها الغرب، لأن الاسد بات مسؤولاً عن قتل أكثر من 15 ألف سوري خلال ما يزيد على سنة من الثورة.

وتخشى المصادر المعنية ان تنسحب عملية اسقاط الدول مواقفها على اجتماع جنيف على التفسيرات اللاحقة له تماما على ما كان سائداً ابان خطة المبعوث المشترك للامم المتحدة وجامعة الدول العربية كوفي انان حول موقع الاسد في معادلة الحل. وفي حين كان يفترض باعلان جنيف ان يعبر عن موقف دولي واحد وصوت دولي ضاغط وموحد من الوضع السوري وفق ما اراد انان، فان ما اعلن في المؤتمرات الصحافية لوزراء خارجية الدول الكبرى التي عقدت بعد الاجتماع اظهرت استمرار تعدد الاصوات وعدم وجود رؤية موحدة حتى للقرارات الجديدة التي اتخذت، الامر الذي يدعو الى التساؤل عن سبل ترجمة التفسيرات على خطة انان وتأليف حكومة انتقالية تضم السلطة والمعارضة والقدرة على ذلك في ظل استمرار وجود الاسد في السلطة. فمن المحبط ان تدور الحلول في الاطار نفسه الذي انطلقت منه مع الدول العربية من دون قدرة على الاختراق على نحو يعطي رسالة قوية حول وجود اتفاق دولي. وتخشى هذه المصادر ان يكون اجتماع جنيف تجنب الايحاء بانفجار ازمة دولية كان نبّه اليها انان في حال عدم التوافق في حين ان خطة الحل قد لا تكون هي الجواب لحل الازمة فعلا في الظروف الحالية.

=================

مهلة جنيف الدموية

السفير

2-7-2012

ساطع نور الدين

أي نص سياسي هو نتاج تسوية بين طرفين مختلفين، وظيفته ان يعبر عن موازين قوى جديدة على الارض، وان يعكس رغبة مشتركة في انهاء الصراع والجلوس الى طاولة مفاوضات. وثيقة مؤتمر جنيف ليست استثناء لهذه القاعدة، لكن غموض فقراتها والتباس مفرداتها يزيدان من صعوبة إدراجها في اي سياق سياسي محدد، يقود الى هدف سياسي معين.

الوثيقة لا تأتي نتيجة ضغوط سورية، مصدرها تعب النظام او ضجر المعارضة. فكلاهما ما زال يؤمن بانه قادر على الانتصار في معركته وفرض شروطه، وان اختلفت درجات الحماسة والثقة بذلك النصر بينهما. وهما لذلك يعتبران الان على الاقل ان التسوية مستحيلة، او غير واردة في المرحلة الراهنة. هذا هو القاسم المشترك الوحيد بينهما، الذي لا يمكن ترجمته الى اي نص سياسي وبأي لغة كانت.

لعل المشاركين في مؤتمر جنيف تعمدوا ذكر مهلة عام لتنفيذ وثيقتهم، وكأنهم بذلك يمارسون الضغط غير المباشر على النظام والمعارضة في آن معا، من خلال إبلاغهما ان المجتمع الدولي بلغ اقصى ما يمكنه من اجل العثور على حل يوقف المذابح وينهي الأزمة.. التي لم تعد تحتمل التسويات والحلول الوسط، ولن تشهد بالتأكيد التزاما بمهلة الأشهر الـ١٢ المقبلة من اجل حسم الصراع، لا من قبل النظام ولا طبعا من قبل معارضيه.

وعلى هامش تلك الفرصة الزمنية الجديدة التي حددها مؤتمر جنيف لاستمرار الصراع، ستستمر عملية القياس الدقيقة للتحولات التدريجية البطيئة في المواقف الاميركية والأوروبية والروسية والتركية، التي لم تنطلق في الاصل من تجربة الحرب الباردة حسبما رأى بعض الحالمين، ولم تعكس حتى الان تناقضات جذرية بين واشنطن وموسكو وحلفائهما، لا حول التدخل العسكري الدولي غير المطروح، ولا حول الحل السياسي الذي بات الجميع يدرك أفقه النهائي.

ولعل ابرز واهم تحول سياسي يمكن تسجيله في مؤتمر جنيف ووثيقته، ان الروس قطعوا مسافة جديدة نحو الانضمام الى التشكيك الغربي بشرعية النظام السوري وصفته التمثيلية وبمصداقية الانتخابات التي أجراها والحكومات والمجالس المحلية التي شكلها في خلال الأشهر الـ١٦ الماضية. وهذا هو جوهر الوثيقة التي تدعو، بالإجماع الدولي الاول من نوعه، الى اعادة تشكيل هيكلية الدولة السورية ومؤسساتها.. وهو أقوى من كل ما قيل عن ان موسكو وافقت على ذلك النص بعد ان حصلت على تنازل غربي يقضي بشطب فكرة تنحي الرئيس بشار الاسد، التي لم تكن واردة في الصياغة اصلا.

باختصار، الوثيقة هي إشارة الانطلاق لطور جديد من الأزمة السورية اكثر دموية من اي وقت مضى، وأخطر من ان يحتمل الانتظار عاما اضافيا.

=================

أكبر تجمع للمعارضين السوريين اليوم في القاهرة: الخروج من الحلقة المفرغة.. بعهد وطني دستوري

السفير

2-7-2012

محمد بلوط

المعارضة السورية أمام يومين حاسمين. اليوم وغدا في القاهرة للخروج من حلقة مفرغة، تدور فيها منذ عام، بحثا عن إطار جامع للعمل المشترك، وتصور لمرحلة ما بعد الرئيس السوري بشار الأسد، وعهد وطني دستوري.

الاجتماع يضع حدا لوحدانية تمثيل المعارضة السورية في الخارج بالمجلس الوطني السوري، ويفتح الباب أمام إنشاء هيكل متقدم على المجلس، يضعه على قدم المساواة مع الأحزاب والتشكيلات السياسية والعسكرية الأخرى، ومساواته بها في حق التقرير والتمثيل، إذا ما قدم المجلس الوطني التنازلات المطلوبة، لكن معارضين في القاهرة وصفوا لـ«السفير»، «اجتماع المجلس الوطني بالهمروجة التي دعت إليها الجامعة العربية، وان الاجتماع قد يفشل».

200 من معارضي الداخل والخارج، ينزلون العاصمة المصرية، تلبية لدعوة الجامعة العربية. مبعوث الامم المتحدة والجامعة العربية الى سوريا كوفي أنان ووزراء خارجية الدول الأعضاء الدائمون في مجلس الأمن يحضرون إذا شاؤوا الافتتاح والاختتام من اللقاء فحسب، فضلا عن وزراء خارجية العراق، رئيس القمة العربية، والكويت رئيسة الدورة الحالية للجامعة العربية، وقطر رئيسة اللجنة العربية الخاصة بسوريا، ووزراء خارجية فرنسا وتونس وتركيا، وهي الدول التي استضافت مؤتمرات «أصدقاء سوريا».

يناقش سوريو القاهرة، وثيقة عهد وطني، وأخرى تقدم تصورا للمرحلة الانتقالية. 200 وربما أكثر بقليل يمثلون 35 حزبا وتجمعا أو حراكا أو مجلسا مدنيا وعسكريا، وهو اكبر تجمع تشهده المعارضة السورية على الإطلاق. وتضم الهيئات المدعوة المنبر الديموقراطي، والمجلس الوطني السوري، وهيئة التنسيق، والهيئة العامة للثورة السورية، والمجلس الوطني الكردي، ومجالس العشائر والقبائل السورية، وعشرات الأسماء من الشخصيات المستقلة ورجال الأعمال والاقتصاديين والمثقفين والفنانين والإعلاميين، والرموز الثورية والحراك الشعبي، والمجالس العسكرية، وممثلين عن «الجيش السوري الحر». كما يشارك في المؤتمر مقربون من نائب الرئيس السوري الأسبق رفعت الأسد.

ومن المفترض أن تؤسس «وثيقة العهد الوطني» المطروحة للنقاش لإعلان دستوري، يعتمد مقدمة لدستور سوريا الثورية، يجنب المعارضين الخلافات حول الطبيعة «العلمانية» للدولة السورية المقبلة. ويراهن معارضون، عملوا على تحرير «العهد الوطني»، أن يكفي العهد كي تخرج سوريا ما بعد الأسد من عباءة جماعة الإخوان المسلمين والتيارات الإسلامية، عندما يقر المجتمعون مقدمته التي «تنص على الدين لله والوطن للجميع» أو مساواة المرأة بالرجل وتمكينها، وترئيس أي سوري للجمهورية المقبلة بغض النظر عن دينه أو جنسه.

ويشكك معارض سوري أن تكفي إشارة النص إلى أن سوريا جزء من الوطن العربي لإزالة الخلاف مع المكون الكردي، الذي انسحب من مؤتمر اسطنبول، احتجاجا على تعريب الجمهورية في مقدمة إعلانه. واعتبر قطب ديموقراطي سوري أن مجرد توقيع ممثلي «الأخوان» على الوثيقة، في اللجنة التحضيرية عند نقاشها، يعد إنجازا، كما يعد رضوخا مهما قرار هيئة التنسيق عدم محاورة النظام قبل تنحي الأسد.

أما المرحلة الانتقالية التي ستناقشها القاهرة فتبدأ على الأرض فور تنحي الأسد من منصبه، بقيادة حكومة تسيير أعمال، تخلفها بعد المشاورات في مؤتمر وطني عام هيئة تشريعية مؤقتة وحكومة انتقالية. وبخلاف التصور الذي وضعه المجلس الوطني وأشرك في الحكم العسكريين في قيادة المرحلة، يضع التصور المطروح للنقاش العسكر في مجلس أمني مشترك مع «الجيش الحر» تحت سلطة رئيس الحكومة الانتقالية المؤقتة. ويشرف المجلس الأمني على إعادة هيكلة الجيش والأجهزة الأمنية وسحب الجيش من المدن إلى ثكناته وحل الميليشيات المسلحة، وللحكومة الانتقالية أن تحل حزب البعث وتعيد ممتلكاته إلى الدولة، على أن يحق للتشكيلات والأحزاب الملحقة به أن تعود بصورة أخرى إلى العمل السياسي، وللحكومة الانتقالية أن تقود سوريا، تعيد فيه تأسيس هيئات الدولة وتقودها مدة عام كحد أقصى، نحو برلمان تأسيسي، ودستور يطرح على الاستفتاء.

ويغيب عن اجتماع القاهرة جانب جوهري مهم تجاهلته المعارضة السورية، في توحيد الرؤى البرنامجية ما قبل سقوط الأسد. وبدا التركيز على مرحلة ما بعد الرئيس أسهل من مواجهة مشكلة تحديد رؤية عامة ومشتركة بين أطرافها على طريقة ترحيله من السلطة. ورغم كثرة الجمع إلا أن الذاهبين إلى القاهرة ذهبوا بدوافع متباعدة أحيانا، فالمجلس الوطني السوري، تراجع في طريقه إلى القاهرة عن ادعائه حصرية تمثيل المعارضة بل والشعب السوري، وسهل الحوار مع مكونات المعارضة الأخرى على مكانتها في الساحة ومكاشفته بفشله في قيادة العمل السوري المعارض في الخارج، ولا سيما توحيد رؤى المعارضة السورية. وأدى البحث تحضيرا للقاهرة إلى اتفاق يساوي في الحضور والتمثيل ما بين معارضة الداخل والخارج للمرة الأولى، وهو تقدم واضح لمعارضة الداخل.

واسهم الخلاف بين «إعلان دمشق» و«الإخوان المسلمين» في الذهاب إلى القاهرة، بعد صد «الإخوان» لمرشحي «إعلان دمشق» عن قيادة المجلس الوطني. ويقول معارض سوري إن «إعلان دمشق» سيجد في القاهرة مناسبة للتخلص من هيمنة «الإخوان» على المجلس الوطني، وهو عبر عن استيائه من ادائه بتجميد عضوية لجان التنسيق المحلية. ويتنافس «الإخوان» و«إعلان دمشق» على رفع مشاركتهم في القاهرة عبر مضاعفة حضورهم كمستقلين من خارجه أو تمثيلهم بالأطر الأخرى التي يسيطرون عليها، أو تحت مسمى شخصيات وطنية.

في الذهاب إلى القاهرة تجاوزت المعارضة السورية خلافاتها التي لا تنتهي، وبعضها شخصي، حول إستراتيجية إسقاط الأسد. الإنجاز لم يفرض نفسه بحسم النقاش في صفوفها حول أفضل السبل الآيلة إلى ذلك، ولكن الخط الخلافي الفاصل بين القائلين بالعسكرة والتسلح أو التظاهر السلمي أصبح من الماضي.

وتلاشى الرهان على تقدم احدهما على الآخر في كانون الثاني الماضي عندما أسقط «الإخوان» و«إعلان دمشق» في المجلس الوطني السوري محاولة هيثم مناع وبرهان غليون اتفاقهم على تأطير التسلح والتدخل العسكري بتشريطه بعروبة الجامعة وشرعية الأمم المتحدة، وتأخيره على العمل السلمي. الهدف كان منح السلاح فرصته في إسقاط الأسد. دبابات الخيار الأمني للنظام لم تترك هامشا واقعيا يمكن البناء عليه لإستراتيجية التظاهر السلمي التي أغرقت بالدماء. وصادفت إستراتيجية السعودية وقطر وتركيا بالتسليح لإسقاط النظام بأي ثمن، تربة خصبة، خصوصا لدى القوى الإسلامية لتعويضها عن قاعدة شعبية لا تملك منها الكثير في الداخل السوري، كما يقول معارضون، أو لدى اليائسين من أي حل سلمي، بعد اللائحة الطويلة من القتلى.

لم تعد المفاضلة بين أي من الطريقين اسلم وأسرع في الوصول إلى إسقاط النظام السوري لتجدي إلا في تعميق الخلافات بين جناحي المعارضة السورية، خصوصا أن القرار لم يعد ملك من يدعي امتلاكه في المعارضة السورية، في مواجهة رعاته الخارجيين من قطر والسعودية وتركيا. والحال إن القول بإمكانية نقد السلاح ستتضاءل، كلما طالت مقاومة النظام للثورة وأوغل المقاتلون السوريون من كل جانب، في توسيع عرى حربهم الأهلية، وتفكيك ما بين الاجتماع السوري وطوائفه وأعراقه من روابط وطنية جامعة.

ويقول معارضون سوريون إن الاجتماع يسبقه تهافت المزيد من الأقباط نحو تأسيس أذرع مسلحة في الداخل، لزيادة تأثيرهم على الأرض. وتتبنى السعودية وقطر، المصدر الرئيس لتسليح المعارضة السورية، انفتاحا على كل الراغبين بالحصول على السلاح، بعيدا عن أي حصرية تجعل من أحد الأطراف يهيمن وحده على القرار السياسي في مواجهة النظام.

وقال معارض سوري عائد من السعودية إن السعوديين فتحوا مخازنهم أكثر من أي وقت مضى للمعارضين السوريين، وأنه قام في الأسابيع الماضية بتسليم أكثر من 40 هيئة عسكرية مقاتلة في الداخل أسلحة سعودية نوعية، بعد استدعائها إلى الأراضي التركية.

=================

تركيا والنظام السوري.. و"الحرب الحقيقية"

خيرالله خيرالله

المستقبل -

الاثنين 2 تموز 2012

للمرّة الأولى، منذ خلف والده رئيساً للجمهورية العربية السورية، يصف الرئيس بشّار الأسد الوضع في بلده على حقيقته. قال الرئيس السوري أخيراً إن سوريا في حال "حرب حقيقية". نعم إن سوريا في حال حرب حقيقية. إنها حرب بين الشعب السوري الذي يرفض الذل والاستعباد من جهة ونظام عمره اثنين وأربعين عاماً من جهة أخرى. هذا كلّ ما في الأمر. هناك حرب بين نظام يرفض الاعتراف باأّه انتهى بعدما أدى الغرض المطلوب منه وشعب يعتبر أن من حقه استعادة حرّيته وكرامته ليس إلاّ.

يسعى النظام منذ بدأت الثورة الشعبية في سوريا، وهي أمّ الثورات العربية وذروة الربيع العربي وجوهرته، الى تصوير الأمر بأنّه مؤامرة على سوريا. هناك بالفعل مؤامرة على سوريا. يقف خلف هذه المؤامرة النظام القائم الذي حرم السوريين من حق العيش بكرامة وأخذهم من عملية هروب الى أمام الى أخرى تفادياً للتعاطي مع الواقع المتمثل في حقوق المواطن السوري. إنها الحقوق الطبيعية التي يفترض بأيّ مواطن في أي بلد كان التمتع بها أو بالحد الأدنى منها.

يعطي تطور العلاقات السورية- التركية في السنوات الأربعين الماضية فكرة عن عجز النظام السوري عن التعاطي مع الواقع، إضافة بالطبع عن العالم الخاص الذي يعيش فيه هذا النظام والذي يجعل منه حالة فريدة من نوعها على الكرة الأرضية. لا يزال الدخل الفردي في سوريا يتراجع باستمرار منذ تولي حافظ الأسد السلطة في العام 1970 من القرن الماضي، في حين أن تركيا قصة نجاح اقتصادي جعلها بين الدول العشرين الأولى في العالم. في المقابل إن دخل الفرد السوري دون دخل الفرد اللبناني أو الأردني. يحصل ذلك فيما لبنان بلد فقير بكلّ المقاييس بينما الأردن من بين أفقر دول العالم نظراً الى افتقاره لأي ثروات طبيعية باستثناء ثروة اسمها الإنسان...

بدل استفادة النظام السوري، الذي يتحكم بثروات كثيرة، من حال الجوار مع تركيا إذا به يسعى في كلّ وقت الى ابتزاز هذا الجار بكلّ الوسائل المتاحة وكأن الدور الإقليمي لسوريا يمكن أن يتحقق على حساب تركيا ومن القدرة على الإساءة اليها. ولذلك، كان رئيس الوزراء التركي رجب طيّب اردوغان في غاية الصراحة والوضوح في خطابه الأخير الذي تطرّق فيه الى حادث إسقاط الجهات السورية للطائرة التركية. لم يخف اردوغان خيبته من عدم حصول تغيير في السياسة السورية تجاه تركيا في عهد الأسد الابن. بدا كأنّ التاريخ يعيد نفسه وأن النظام السوري لم يتعلّم شيئاً من تجاربه السابقة مع تركيا التي تعرف جيّداً طبيعة هذا النظام وكيفية التعاطي معه واللغة الوحيدة الصالحة لذلك.

الأكيد أن اردوغان أعاد فتح ملفّ الدعم السوري لما يسمّى "الجيش الأرمني السري" الذي كان يعمل ضد تركيا انطلاقاً من الأراضي السورية واللبنانية وبلدان أخرى. الأكيد أيضاً أن رئيس الوزراء التركي استعاد سجلّ العلاقات السورية- التركية ابان الحرب الباردة. على سبيل المثال وليس الحصر، وقعّت سوريا معاهدة صداقة وتعاون مع بلغاريا في نيسان من العام 1985 بعدما توترت العلاقات التركية- البلغارية لأسباب مرتبطة بإجبار النظام الشمولي في بلغاريا أبناء الأقلية التركية في بلغاريا على تغيير أسمائهم. بدا وكأنّ لا هدف للسياسة السورية في تلك المرحلة سوى تطويق تركيا وإنهاكها بكلّ الوسائل الممكنة.

لنفترض أنّ الحملة السورية على تركيا كانت مرتبطة بالحرب الباردة، لماذا استمرّت هذه الحملة بعد انتهاء تلك الحرب وانهيار الاتحاد السوفياتي؟ الثابت أنه لم تكن لدى النظام السوري في أيّ يوم من الأيام سياسة أخرى يمارسها مع جيرانه من عرب وغير عرب سوى الابتزاز وتصدير الإرهاب الذي يسميه "الأمن".

لم يتغيّر شيء في طريقة التعاطي مع تركيا أو العراق أو لبنان أو الأردن... أو البحرين. تركيا أدركت ذلك أواخر التسعينات من القرن الماضي. ما أدركته خصوصاً أنه كان عليها توجيه تهديد مباشر الى دمشق في حال كان مطلوباً الانتهاء من عمليات "حزب العمال الكردي" الذي كان يتزعمّه عبدالله اوجلان المقيم بين سهل البقاع اللبناني والعاصمة السورية.

كان التهديد المباشر كافياً كي ينتهي أوجلان في سجن تركي. أكثر من ذلك، تخلت سوريا نهائياً عن "اللواء السليب"، أي لواء الاسكندرون. اعتقدت تركيا أن النظام السوري تغيّر وأنّه على استعداد لسلوك نهج مختلف يقوم على الانفتاح والتعاون والحوار والمصالح الاقتصادية المشتركة وليس على استخدام العلاقة مع تركيا للتفرّغ للبنان في مرحلة معيّنة ثمّ لقمع الشعب السوري، خصوصاً منذ اندلاع الثورة الشعبية قبل ستة عشر شهراً.

ما اكتشفه المسؤولون الأتراك أخيراً يتمثّل في أن النظام السوري غير قابل للإصلاح بأيّ شكل. تلك خلاصة خطاب اردوغان. لو كان ذلك ممكناً، لكان الرئيس السوري اعترف بأنّ الحرب الدائرة في سوريا لا علاقة لها بالخارج وأنّ كلّ ما عليه عمله هو الرحيل اليوم قبل غد، لا لشيء سوى لأنّ ليس في استطاعة نظام، أيّ نظام، الانتصار على شعبه.

لو كان في استطاعة أيّ نظام الانتصار في حرب على شعبه، لكان النظام البلغاري، بزعامة تيودور جيفكوف، الذي وقّع معه الرئيس الراحل حافظ الأسد معاهدة الصداقة والتعاون منتصف الثمانينات من القرن الماضي حيّاً يرزق. ربّما كان الأمر الوحيد الذي تختلف فيه سوريا عن غيرها أنّ تأخّر النظام في إعلان نهايته ستكون له انعكاسات على الكيان السوري بشكله الحالي... وهذا ما تدركه تركيا قبل غيرها!

=================

نعم ستدخل تركيا الحرب

جهاد العقبي

2012-07-01

القدس العربي

من خلال متابعتي لكثير من التحليلات العسكرية والإستراتيجية لمست أن غالبية الآراء ترجح استبعاد شن تركيا الحرب على سورية بسبب ما يعرف بـ 'حادثة الطائرة'.

ولكن مع هذا أرى أن الأتراك أتيحت لهم فرصة ذهبية لن يضيعوها بهذه السهولة كما يتوقع البعض.. فدخول الجيش التركي حتى مسافة خمسين كيلو مترا داخل الحدود السورية وتأمين هذه المناطق لكي تكون آمنة للنازحين والمنشقين العسكريين، هو الخيار الأقرب للواقع حيث أن الأتراك طالما طالبوا بمثل هذه المنطقة لتأمين النازحين وكل من يريد الفرار من قبضة النظام السوري الحديدية.

يدرك الأتراك جيداً أن تحقيق هذا الأمر اليوم وفي الظروف الحالية ممكن أكثر من أي وقت مضى، ويكاد أن يكون غير مكلف، فالجيش النظامي السوري لا يسيطر فعلياً على غالبية المناطق المحاذية للحدود مع تركيا، وهو يعتمد في الأصل على قصفها بالراجمات والمدفعية الثقيلة والمروحيات، لأنه يعجز عن إدخال قوات برية للسيطرة عليها بسبب شدة مقاومة الجيش الحر المدعوم من تركيا وبعض الدول العربية والأجنبية، والذي بسط سيطرته هناك بشكل شبه كلي.

يعلم الأتراك أن دخول الجيش التركي حتى مسافة خمسين كيلو مترا تحت أي ذريعة داخل الحدود السورية وتأمينها من الطائرات والدبابات من خلال نصب صواريخ مضادة للطائرات، وبعض وحدات المشاة التي ستحد من تحرك الدبابات السورية، لن يلقى مقاومة حقيقية من القوات السورية المنهكة أصلاً، وسيكون بمثابة أمر واقع بعد أيام قليلة.

وجود مثل هذه المنطقة سيعجل في سقوط النظام السوري بشكل سريع جداً، حيث أن الانشقاقات في الجيش السوري ستكون بأعداد كبيرة لن يتحملها النظام الذي بدأ يظهر ضعفه يوما بعد يوم أمام الضربات التكتيكية الموجعة للجيش الحر.

وجود مثل هذه المنطقة لن يستدعي من تركيا أن تعلن حرباً شاملة على سورية لأن ذلك من شأنه أن يجلب ردود فعل قد لا تتحملها أنقرة وخاصة من روسيا والصين وإيران، وهذا ما لا تريده أنقرة على الإطلاق، فهذا قد يأتي بنتائج عكسية ووخيمة على الثورة السورية وعلى مكانة تركيا في المنطقة والعالم.

فلو أجبرت القوات التركية على الخروج من الأراضي السورية تحت التهديد والوعيد، فسوف يعزز هذا من معنويات النظام السوري، وسيمنع كثير من الوحدات العسكرية من الانشقاق عنه في حال خططت لذلك. وسيهز من مكانة تركيا وحكومة أردوغان داخليا وخارجياً.

السيناريو الأفضل لتركيا هو خلق الحجج والتبريرات لدخول هذه المنطقة وتأمينها من أية وجود للقوات النظامية السورية والمجموعات المحسوبة عليها.

فمطاردة هذه المجموعات التابعة للنظام والغير منضبطة والتي تقوم بمجازر داخل بعض القرى القريبة من الحدود السورية التركية، والتي كثيراً ما تقوم باختراق الحدود التركية وإطلاق النار على مخيمات النازحين داخل الأراضي التركية، سيعطيها نوعاً من الشرعية على المستوى الدولي وسيحد من الضغط الروسي والصيني والإيراني في آن واحد.

سيما وأنها لن تعلن حربا على سورية، بل ستدعي أن النظام السوري فقط سيطرته على بعض المجموعات التابعة له والتي تقوم باختراق السيادة التركية من خلال إطلاقها النار على أهداف داخل الأراضي التركية.

التصريحات التي تصدر عن أنقرة ضبابية وغير واضحة المعالم، فمن جهة تتوعد بالرد على حادثة إسقاط طائرتها في المياه الإقليمية على يد القوات السورية، ومن جهة أخرى تقول أنها غير معنية بدخول حرب مع النظام السوري.

وهو رد جاء ليخفف من الضغط عليها من قبل الدول التي تدعم النظام السوري. ولكنها في الوقت نفسه تعلم أن مساهمتها في تعجيل إسقاط النظام السوري من شانه أن يعود عليها بالفوائد الكبيرة، ليس أقلها من التأثير المباشر على المشهد السوري ما بعد الأسد والذي ترى أنقرة اليوم أنه بات قريب جداً.

=================

مهمة أنان حيّة ما بقي في سورية... أحياء!

الإثنين ٢ يوليو ٢٠١٢

الحياة

جورج سمعان

لعل أهم ما انتهى إليه لقاء «مجموعة العمل حول سورية» في جنيف هو الإبقاء على مهمة المبعوث الدولي – العربي كوفي أنان حية ما بقي في سورية أحياء! ولأن المطلوب تحاشي إعلان فشل هذه المهمة كان لا بد من الهرب إلى أمام مرة ثُانية وثالثة... كان لا بد من التفاهم على صيغة اتفاق فضفاضة، غامضة نصاً وواضحة روحاً. وتتيح لجميع المشاركين - باستثناء السوريين طبعاً - أن يفسروا ويضعوا النقاط فوق الحروف بما يناسب هواهم ومواقفهم المعلنة وعلاقة كل منهم بأطراف الصراع.

لم تعد مهمة كوفي أنان مرتبطة بجدول زمني. لن ينتهي انتدابه منتصف هذا الشهر. بل منحته الخطة الجديدة سنة كاملة وربما أكثر لاجتياز خريطة الطريق والمرحلة الانتقالية. اما وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون فقرأت الصيغة كما يقرأها نظيراها البريطاني والفرنسي. بشرت بأن أيام الرئيس بشار الأسد باتت معدودة. لكنها لم تشرح سبب تراجعها بعدما اشترطت النص على استبعاد الأسد عن هذه المرحلة والحكومة الموعودة. في حين نجح نظيرها الروسي سيرغي لافروف في جرّ الجميع إلى موقف بلاده التي يمكنها ادعاء الحصول على حصة الأسد من اتفاق جنيف الذي تحاشى الإشارة إلى إبعاد الرئيس السوري، وساوى بين المتصارعين بدعوة الجميع إلى وقف العنف والكف عن عسكرة الحراك، ولم يشر من قريب أو بعيد إلى احتمال لجوء مجلس الأمن إلى الفصل السابع لفرض التنفيذ.

هذا الغموض المتعمد في صيغة الاتفاق شكل مخرجاً لجميع الأطراف. سيمنح روسيا والولايات المتحدة خصوصاً مزيداً من الوقت. فالمهم أن يبقى الخيار السياسي هو الخيار الوحيد في هذه المرحلة. هذا هو التفاهم الحقيقي بين واشنطن وموسكو. فإدارة الرئيس باراك أوباما لا تريد ما يعكر عليها صفو الانتخابات الرئاسية بعد أشهر. ولا تريد مزيداً من التعقيدات في أفغانستان، بعد توتر العلاقات مع باكستان فيما يقترب موعد الانسحاب من كابول. ناهيك عن المتاعب الاقتصادية التي تعانيها هي وشركاؤها الأوروبيون والتي لا تسمح بمغامرات عسكرية. أما الكرملين فيراهن، في غياب أي بدائل، على امكان حل يسمح لروسيا بالحفاظ على مصالحها العسكرية والاقتصادية في سورية، وبالتقدم خطوة على طريق استعادة دورها المفقود في إدارة الشؤون الدولية. لذلك لم تبالغ موسكو عندما اعتبرت أن النظام الدولي يتشكل من سورية. أو أقله النظام الإقليمي وارتباطه الحيوي بصراع الكبار في «الشرق الأوسط الكبير».

ويدرك الرئيس فلاديمير بوتين أن انتهاء مهمة أنان في سورية يعني سقوط ورقة كبيرة من قواعد اللعبة الروسية في هذا البلد. من دون أن يعني ذلك أن خصومه في واشنطن جاهزون للإمساك بكل الأوراق والتحكم بقواعد الاشتباك. أحرقت موسكو حتى الآن المبادرة العربية الأولى ثم الثانية. وأحبطت تحرك مجلس الأمن. ولم يبق أمامها سوى التمسك بمهمة المبعوث الدولي - العربي غطاء لسياستها في الأزمة السورية. خصوصاً ان شركاءها وخصومها في مجلس الأمن وخارجه سلموا لها بالبحث عن تسوية. سلموا لها أمر ابتداع صفقة تراعي لها مصالحها التاريخية ولكن في الوقت نفسه تلبي طموحات المعارضة السورية.

ولا شك في أن كوفي أنان برع في أداء دوره. كان عليه أن يجمع ما لا يجتمع من أضداد. فالمنطقة ليست جاهزة لوضع لبنات النظام الإقليمي الجديد. فلا تداعيات «الربيع العربي» هدأت وتوقفت مفاعيلها، ولا الصراع على الملف النووي الإيراني رست تشعباته على سكة تفاهم أو بداية حل. فاللقاءات الثلاثة التي عقدت بين طهران والدول الخمس الكبرى والمانيا في اسطنبول وبغداد وموسكو لم تنجح في فتح كوة في جدار الأزمة. نجح الأمين العام السابق للأمم المتحدة في جر موسكو إلى خطته نحو إطلاق مرحلة انتقالية تنتهي في نظر الغرب بإخراج الرئيس الأسد وحلقات إدارته من الحكم. عرف كيف يتماهى مع الموقف الروسي إلى حد الخناق! عرف كيف يقدم مهمته على أنها آخر المحاولات. فالمراقبون توقفوا عن أداء دورهم. ولوح هو بتنحيه إن لم تلق خطته التجاوب المطلوب. بات الورقة الأخيرة التي تغطي دور موسكو في الأزمة.

في المقابل تواجه موسكو معضلات في سعيها إلى استعادة دور مفقود على الساحة الدولية لا يقل عن المعوقات التي تعترض إنفلاش الدور الأميركي وتحدياته وكلفته. ويدرك بوتين أن إمساكه الكامل بالورقة السورية دونه عقبة كبرى هي إيران. من هنا ربما تشديده الدائم على وجوب إشراكها في الحل، ورفض الإشارة إلى وجوب تنحية الرئيس الأسد لئلا يستفزها... وربما لعدم ضمانه القدرة على اقناع الأخير والدوائر المحيطة به بالتنحي. وهذا ما أعاق انخراطه الكامل مع الغرب وراء خطة كوفي أنان.

لقد استحوذت روسيا على الورقة السورية وباتت العنوان الأول للتفاوض في شأنها. لكنها تعرف أن للجمهورية الإسلامية حسابات مختلفة في دمشق لا تقل عن الحسابات المتعارضة بين البلدين في الملف النووي. فعلى رغم ما بين موسكو وطهران من تفاهم على طريقة معالجة هذا الملف، إلا أن هذا التفاهم يبقى مرحلياً، ولا يرقى إلى حد التماهي والتطابق. المسؤولون الإيرانيون وجهوا أقذع التصريحات إلى القيادة الروسية في السنوات الأخيرة في ضوء مواقفها من العقوبات الدولية التي أقرها مجلس الأمن والمماطلة في تنفيذها عقود تسلح ومنشآت تتعلق بالبرنامج النووي. وثمة من يعزو الموقف المهادن لواشنطن إلى رغبتها في إبقاء الورقة السورية في يد روسيا.

لكن مجرد قبول موسكو الجلوس مع خصومها للبحث في مرحلة انتقالية في سورية يعني أنها تقدمت خطوة على الطريق الطويل الذي رسمه كوفي أنان. ومهما تشددت في الإيحاء بتمسكها بحكم الرئيس الأسد فإنها تدرك في النهاية أن الوضع لن يستقر ما لم يخرج من سدة الحكم. لكنها قبل التقدم خطوة في هذا المجال تريد أولاً ضمان موافقة ضمنية من إيران المتمسكة بالأسد والتي ترى إلى ضمانتها في حكومة بغداد بدأت تهتز، وإلى «ضمانتها الصاروخية» في لبنان تعود إلى أكثر من طاولة بحث وضغوط. هذا من دون الحديث عن متاعبها الاقتصادية التي ستتافقم في ضوء بدء تطبيق العقوبات الجديدة وعلى رأسها حظر استيراد النفط الإيراني. ومن دون الحديث عن بدء ابتعاد أنابيب النفط الخليجي عن مضيق هرمز إلى بحر العرب جنوباً والبحر الأحمر غرباً. أي ابتعادها عن مجال قبضة التهديدات اليومية.

وتريد موسكو ثانية قبل الموافقة على بدء العمل على ترحيل حكم الأسد أن تضمن بقاء هيكل النظام وإن بوجوه مختلفة. لا يروقها أن تنتهي سورية إلى ما انتهت إليه مصر. فهي لم تنظر مرة إلى «الربيع العربي» حركة شعوب تثور على حكامها وإداراتهم. كانت تشير بأصابع الاتهام إلى الغرب، والولايات المتحدة خصوصاً، في تحريك الشارع العربي. وترى إلى تقدم الحركات الإسلامية إلى سدة الحكم، من شمال أفريقيا إلى الشرق الأوسط خطوة في مشروع سينتهي بقيام «بساط إسلامي سني» يكون عنصراً فاعلاً في تحديد وجه النظام الإقليمي الجديد. مع ما سيتركه ذلك من تداعيات تحرك أحلاماً وطموحات في أوساط مسلمي روسيا ودول آسيا الوسطى المحيطة.

لذلك لم تعدم موسكو الحجة لدعم تشددها في الملف السوري. كانت ولا تزال تشير بإصبع الريبة إلى «أخوان» سورية الذين بدورهم لم يخفوا رفضهم القاطع أي صيغة حل أو تفاهم على صفقة يتقاسمون هم وباقي أطياف المعارضة الحكم فيها مع رموز من نظام الأسد بعد كل الدماء التي أريقت والدمار والتهجير و»التطهير». وربما ارتأت روسيا، عشية لقاء جنيف، ألا تتنازل عن موقفها المتمسك بالرئيس السوري قبل أن تتفحص جيداً ما سيخرج به لقاء أطراف المعارضة في اجتماعهم اليوم وغداً في القاهرة. إذ يفترض أن يخرج هؤلاء بورقيتن واضحتين: الأولى تتناول رؤيتهم لمستقبل سورية، والثانية عناصر الحل الذي يتوافقون عليها. فضلاً عن تشكيل هيئة تمثلهم في اي حوار تفرضه التطورات. وأبعد من هذا يدرك بوتين أن إدارة الأزمة في سورية ليست في يده ولا في يد خصومه. تبقى في أيدي المتصارعين في الداخل. وهؤلاء وحدهم سيقررون في النهاية مآل الأحداث ومستقبل البلاد والمنطقة.

سياسة كسب الوقت و»الغموض البناء» حتمت على اللاعبين الكبار التفاهم في جنيف. لكن مواقف الأطراف السوريين لا تحتمل مزيداً من «الوضوح المدمر». فلا «تغييب» الأسد سهل المنال، ولا خصومه يمكنهم الجلوس مع رموز حكمه. كانت الثورة لترحيله فكيف يغامرون في إعادة تعويمه وانتاج نظامه؟ ربما فات أوان الحل على طريقة مصر أو اليمن. فالصراع في هذين البلدين لم يأخذ منحى الإلغاء ولم يصطبغ «ربيعهما» بما يصطبغ به «الربيع» السوري. والسؤال هل تستهلك سورية هذا الكم من الاتفاقات والتفاهمات التي استهلكها لبنان في حروبه، أم يراهن الروس وخصومهم على تعب الأطراف واللاعبين الإقليميين ليسهل جرهم إلى تسوية موقتة إلى أن يحين زمن التفاهمات الكبرى في الإقليم وخارجه؟

=================

عن مؤتمر المعارضة السورية في القاهرة

فايز سارة *

الإثنين ٢ يوليو ٢٠١٢

الحياة

عقدت المعارضة السورية على مدار نحو عام ونصف عشرات المؤتمرات والاجتماعات داخل سورية وخارجها، وكان الهدف الرئيس لهذه المؤتمرات والاجتماعات البحث في واقع الأزمة السورية وآفاق حلها. وبمقدار ما تعددت المؤتمرات والاجتماعات، تعددت التحليلات التي تناولت الأزمة من حيث أسبابها وتجلياتها، وتعددت السبل والطرق المطروحة للخروج من الأزمة، كما تنوعت الصيغ التنظيمية والإجرائية، التي رأى المؤتمرون والمجتمعون أنها كفيلة بإخراج سوريا والسوريين من الأزمة، وتجاوز ما يمثله نظام الاستبداد والدكتاتورية وممارساته الدموية، والذهاب إلى فضاء الحرية والكرامة وإقامة الدولة الديموقراطية التعددية، التي تضمن الحق والعدالة والمساواة لمواطنيها جميعاً.

ولأسباب متعددة ومعقدة، يتعلق أهمها بتنوع وتعدد خلفيات قوى المعارضة واتجاهاتها، وبالظروف والشروط التي تحيط بها سواء في داخل البلاد أو خارجها وفي العلاقة معهما، فإن مؤتمرات واجتماعات المعارضة، ما استطاعت الوصول إلى صيغ سياسية ولا تنظيمية، تساعدها في وصول صائب إلى تحليل طبيعة الأزمة وتجلياتها وسبل حلها والأدوات والآليات، التي سيكون لها دور فاعل ومؤثر في ذلك، ولا استطاعت رسم الطريق الذي ستمضي إليه سورية في ظل واقع معقد، ويزداد تعقيداً.

لقد انتجت المعارضة السورية في حراكها العام هيئات ومؤسسات، قاربت بدرجة أو بأخرى احتياجات السوريين، لكنها لم تستوفها لا سيما لجهة وحدة الأفق والأداة السياسية، وهو أمر ترتب عليه تواصل ضغوطات داخلية وإقليمية ودولية على المعارضة للذهاب نحو وحدة توفر لها أفقاً وأداة سياسية، تساعد في معالجة الأزمة السورية وولادة بديل للنظام الحاكم في سورية.

وسط هذه الروح من الحاجة ينعقد مؤتمر المعارضة السورية بالقاهرة، لكن ثمة عوامل أخرى تدعم انعقاد المؤتمر، أولها أن اغلب كتل وجماعات المعارضة السورية ستحضر أو تكون ممثلة فيه، وسيحضر ممثلون عن الحراك الشعبي ومنظمات المجتمع المدني والشخصيات المستقلة، وهذا تطور جديد يعني تجاوز ادعاءات التمثيل التي ظهرت في الفترة السابقة والسعي لإقامة تمثيل له قاعدة أوسع. والأمر الثاني في عوامل دعم المؤتمر، أن اجتماعات تمهيدية قد سبقته، كان أبرزها اجتماع عقد في إسطنبول، وآخر في بروكسل، وتمت في الاجتماعات مناقشة أوضاع المعارضة وضرورة الوصول إلى توافقات بين أطرافها، تستجيب للاحتياجات التي تفرضها الأزمة القائمة وتداعياتها على المستويات المختلفة، مما يعكس الاهتمام الجدي بإنجاح المؤتمر. والأمر الثالث من عوامل دعم المؤتمر يمثله تحضير جدي ومنهجي لأعمال المؤتمر، تقوم به لجنة من المعارضة، أعطيت الوقت الكافي لإنجاز عملها، لضمان نجاح ووصوله إلى نتائج افضل. وقد عكست النقاشات التي تمت داخل اجتماعات اللجنة حرص أعضائها على إنجاز مهمتهم بأعلى قدر من المسؤولية لجهة أمرين اثنين، أولهما اختيار المشاركين بالمؤتمر وفق قواعد رصينة تراعي الواقع السياسي، و

لثاني مناقشة كل الآراء والمواقف المطروحة بصورة موضوعية، والعمل على إجمالها بحيث تكون الأوراق الأساسية للمؤتمر معبرة عن الطيف الأوسع للمعارضة من جهة، والأقرب إلى احتياجات الواقع السوري، وقد أضافت اللجنة إلى جهدها، تعميمها أوراقاً من مختلف الكتل والجماعات والشخصيات، تتناول موضوعات هي في صميم الاهتمامات والاحتياجات السورية الراهنة والمستقبلية، وكلها ستكون في متناول أعضاء المؤتمر ليطلعوا عليها، وقد يتم تبني بعضها في إطار ما يطرح في المؤتمر من أوراق.

وسط تلك الظروف يفتح مؤتمر المعارضة السورية أبوابه، ليواجه ثلاثة أمور أساسية، الأول فيها إثبات أن المعارضة السورية على قدر من المسؤولية يتناسب مع زخم وتضحيات الحراك الشعبي السوري المستمر والثابت على قوته وزخمه طوال ستة عشر شهراً، والواضح في أهدافه وإصراره على تحقيقها، والأمر الثاني تأكيد أن المعارضة السورية ذات أهلية، تجعلها قادرة على تجاوز عوامل فرقتها الذاتية والموضوعية، والمضي في طريق صياغة روح سياسية وتنظيمية تفرضها المرحلة التي تعيشها سوريا، والأمر الثالث، أن المعارضة السورية قادرة على الوفاء بالتزاماتها إزاء الأطراف المختلفة، وبخاصة لجهة تحمل مسؤولياتها في التعاطي مع الشأن السوري من حيث إخراجه من الأزمة الراهنة، ثم الانتقال إلى التصدي لمهمات مرحلة مابعد نظام الاستبداد والدكتاتورية ومعالجة ما تركه من جروح عميقه في الجسد السوري، وقد بات يحتاج بالفعل إلى غرفة عناية مشددة تديرها معارضة توازي في قدرتها وقوتها قدرة وقوة الشعب السوري المصر على الحياة والحرية وتجاوز ما أصابه من أضرار وكوارث. انه مؤتمر تحدي الحقيقة، فهل تثبت المعارضة السورية أنها على هذا المستوى من التحدي؟

=================

روسيا ماذا تريد.. أم الولايات المتحدة؟

الشرق الاوسط

منذر الزملكاني

2-7-2012

السياسة الخارجية لبلد ما كانت وما زالت تبعا للمصالح القومية لذلك البلد سواء أكانت مصالح قريبة أم بعيدة الأجل، فالعمل الخيري مفقود والأخلاق والتضحية في سبيل الآخرين قيم غائبة تماما في عالم السياسة الخارجية.

هناك خمسة عوامل رئيسية تؤثر في قرارات القادة في ما يتعلق بالسياسة الخارجية في كل بلد، حسب ما بينه البروفسور البريطاني الراحل والخبير في شؤون الشرق الأوسط فرد هاليدي.

أولها: الأمن القومي للدولة وما ينضوي تحته من أمن غذائي ومائي واقتصادي، فالمتطلبات الاقتصادية للدولة تحدد بشكل كبير طبيعة سياستها الخارجية، وهذا ما يفسر السياسة الخارجية الأميركية تجاه المناطق الغنية بالنفط. فالسيطرة على النفط ومنابعه يعزز الأمن القومي الأميركي ويكرس الهيمنة الأميركية على العالم.

ثانيا: المصالح البيروقراطية لمكونات الدولة، فالدولة تحتوي على مؤسسات مدنية وعسكرية، عامة وخاصة، ولكل منها مصالحه الخاصة والمتعارضة أحيانا تدفع باتجاه تحقيقها من خلال عوامل ضغط تمارسها على الحاكم.

ثالثا: الرأي العام في البلد، وأهمية الرأي العام في السياسة الخارجية تتمدد وتنحسر تبعا لبنية النظام الحاكم وطبيعته وشرعيته الشعبية. وإذا كان الحاكم لا يعبأ ولا يهتم كثيرا برأي الشعب إلا أنه في النهاية لا يستطيع أن يتجاوز حدودا يرسمها الرأي العام. وهذا هو السبب الرئيسي للتدليس على الشعوب وإخفاء الحقائق والتظاهر بما هو غير الواقع بل عكس الواقع تماما في بعض الأحيان. لذلك، كان لا بد من السيطرة على الإعلام وتجييشه حسب المصالح لا حسب الحقائق. وهنا، يخطر على البال مباشرة كيف عملت الإدارة الأميركية في عهد جورج بوش الابن بجهد منقطع النظير على تسويق رواية أسلحة الدمار الشامل من أجل تبرير احتلال العراق، أمام الرأي العام.

رابعا: قدرة الدولة وقوتها. كل الدول تسبح في فلك العلاقات الدولية، وسلوك كل منها مع هذا الفلك ومع بعضها البعض مرتبط بقوة وقدرة كل منها، سواء أكانت قوة عسكرية أم اقتصادية أم طبيعية مثل الثروات والقوة البشرية والموقع الجغرافي. وبالتالي، فمقومات السياسة الخارجية لفرنسا مثلا تختلف عما هي عليه بالنسبة لبلجيكا، وكذلك الفرق بين كندا وروسيا، وأيضا بين أستراليا والولايات المتحدة، وأخيرا بين تونس ومصر.

خامسا: المبادئ والقيم والأعراف التي تتبناها الدولة أو كلاهما الدولة والشعب، فالآيديولوجيا قسمت العالم إلى قسمين خلال الحرب الباردة وتركزت التفاعلات الدولية في جلها حول الآيديوليوجيا، حتى استطاع الحلف الغربي هزيمة الحلف الشرقي وتفكيكه وغزوه آيديولوجياً، وهذا يمثل أكبر أنواع الهزيمة.

ويبقى عامل آخر يتعلق بالدول النامية والعربية خصوصا وهو التأثيرات الخارجية على هذه الدول من قبل الدول الكبرى التي تمتلك مفاتيح المنظمات الدولية الحكومية منها وغير الحكومية. فالولايات المتحدة الأميركية مثلا تمسك بناصية السياسة الخارجية لكافة الدول العربية، وهذا ما يفسر عجز هذه الدول فرادى أو مجتمعة تحت مظلة الجامعة العربية عن إيجاد حل لأي أزمة عربية، ابتداء من احتلال القدس، مرورا باحتلال بيروت ثم غزو الكويت، وانتهاء بالأزمة الإنسانية الكبرى للشعب السوري.

كان لا بد من هذا التقديم النظري من أجل الوصول إلى تحليل علمي وموضوعي للسياسة الخارجية الروسية الحالية تجاه الثورة السورية ومعرفة ماذا تريد روسيا.

ولنبدأ بالأمن القومي الروسي، فسوريا لا تمثل بنظامها الحالي أي عامل تعزيز أو تكريس للأمن القومي الروسي، خصوصا إذا ما علمنا أن القاعدة الروسية في طرطوس لا تعدو كونها ورشة لإصلاح السفن، ولا تشبه بأي حال من الأحوال أي قاعدة أميركية موجودة حول العالم. وبالتأكيد، فإن زوال نظام بشار الأسد في سوريا لا يهدد الأمن الروسي في شيء، خصوصا أن المعارضة السورية لا تتبنى موقفا عدائيا مسبقا ضد روسيا، بل على العكس هناك قسم كبير من المعارضة السورية كان يعتد بروسيا وبصداقتها للدول العربية.

وسوريا في نفس الوقت لا تمثل أي احتياجات اقتصادية مهمة لروسيا، فحجم التبادل التجاري بين البلدين ليس ذا أهمية كبيرة. صحيح أن روسيا تمثل المصدر الأساسي للأسلحة السورية، إلا أن حجم هذه الصفقات لا يعتد به كعامل يمكن أن يفسر الموقف الروسي الحالي.

أما في ما يتعلق بالآيديولوجيا، فسوريا لا تشكل أي امتداد آيديولوجي لروسيا، خصوصا أن كلا البلدين اعتمد النهج الرأسمالي في الاقتصاد والسياسة بعد انهيار المنظومة الاشتراكية. ثم إن روسيا كثيرا ما يعتقد أنها تغلب مبدأ السيادة على الشرعية، بمعنى أنها لا تجيز التدخل الخارجي في الدول تحت أي ظرف كان. لكن، ما تفسير موافقة روسيا على التدخل الدولي بقيادة الولايات المتحدة في الصومال تحت القرار الدولي 794 لعام 1992؟ إذن، فالمبدأ مخدوش وغير ثابت ويستخدم عند المصلحة فقط.

أما في ما يتعلق بقوة روسيا وقدرتها، فإن انهيار الاتحاد السوفياتي قد سلب كثيرا من قدرة روسيا عالميا، وتحول العالم من ثنائي القطبية إلى عالم أحادي القطبية غير متوازن، إن كان في حالة توازن أصلا. وتشكل الولايات المتحدة الأميركية مركز هذه القطبية وإليها يعود الأمر كله في الشؤون الدولية. لكن تبقى روسيا دولة قوية وعظمى، إلا أنها لا تستطيع أن تفرض إرادتها على العالم كما تفعل الولايات المتحدة، وخير مثال على ذلك هو أن الغزو الروسي لجورجيا (الدولة الصديقة للولايات المتحدة) عام 2008 لم تستطع روسيا أن تمده أكثر من شهرين وانسحبت بسبب الضغط الدولي، في حين أن الولايات المتحدة الأميركية غزت العراق (الدولة الصديقة لروسيا) واستمرت لسنوات ولم تعبأ بأي ضغط دولي، بل كان الضغط الشعبي هو مصدر القلق. والحديث عن يوغوسلافيا وضربها وتقسيمها والقبض على ميلوسفيتش لهو أعظم وأدهش. ثم إن شبكة العلاقات الدولية للولايات المتحدة أعقد بكثير وأشد وطأة على العالم بأسره مما هو عليه الحال بالنسبة لروسيا، وخصوصا في منطقة الشرق الأوسط - تلك الساحة الأميركية بلا منازع. والذين يقولون بأن روسيا تدافع عن سوريا باعتبارها آخر معقل لها في منطقة الشرق الأوسط أعتقد أنهم تناسوا أن الأميركيين وليس الروس هم الموجودون دائما في الملفات السورية المهمة، فمثلا الولايات المتحدة هي من رعت مباحثات السلام بين سوريا وإسرائيل، وأن الأميركيين هم من بارك وأشرف على الانتقال السلمي للسلطة في سوريا من حافظ الأسد إلى ابنه بشار الأسد، وأن الخدمات الأمنية السرية كانت سوريا تقدمها مجانا للولايات المتحدة وليس لروسيا.

علاوة على ما سبق، فإن الموقف الروسي تجاه ليبيا أفقدها الكثير من المصالح والنفوذ في ذلك البلد، وسيكون الأمر نفسه في ما يتعلق بسوريا مستقبلا. وبما أن روسيا ما زالت تمثل الأب الروحي للمذهب الاشتراكي، فإن موقفها من الوضع في سوريا سوف يؤثر بشكل كبير على مستقبل الأحزاب الشيوعية والاشتراكية في المنطقة العربية. ولو أن روسيا فعلا خُدعت في الملف الليبي كما يتم الإيهام بذلك، لكان حريا بها أن تكون أول من يساعد الشعب السوري في إسقاط نظام بشار الأسد واستحواذها على أعظم المنافع وأكبر قدر من النفوذ في سوريا مستقبلا.

وبالتالي، فإن عجز أي عامل مؤثر في السياسة الخارجية عن تفسير الموقف الروسي تجاه الثورة السورية يجعلنا نظن أولا أن روسيا تريد في هذه المرحلة الاستفادة القصوى من النظام السوري المتهالك سواء من خلال ثمن المواقف السياسية أو من صفقات السلاح الباهظة، مثلها في ذلك مثل تلك المخلوقات التي تقتات على هياكل الكائنات الميتة. ويجعلنا نعتقد ثانيا أن هناك موقفا دوليا وأميركيا بالتحديد متخفيا وراء الموقف الروسي، خصوصا عندما نرى أن الولايات المتحدة لم تلقِ بثقلها الدولي لصالح مسألة أخلاقية تتعلق برفع المعاناة عن الشعب السوري كما فعلت وألقت بكامل ثقلها في قضية غير شرعية وهي احتلال العراق. وهذا في النهاية يقودنا إلى السؤال الأهم، وهو: الولايات المتحدة ماذا تريد؟

=================

«جنيف» اعتراف بنهاية الأسد

الشرق الاوسط

عبد الرحمن الراشد

2-7-2012

ظاهريا، الروس لم يتراجعوا عن تأييدهم للنظام في سوريا، ونظام الأسد نفسه لم يتراجع عن الحل العسكري. السبب خوفهم من أن الإعلان بقبول أي حل سياسي فيه تصريح بإقصاء بشار الأسد سيسبب انهيارا سريعا للنظام. سيسقط في نهار واحد. فجاء مؤتمر جنيف حول سوريا اعترافا بنهاية الأسد دون الإعلان عن ذلك، بعد.

أفكار مؤتمر جنيف، ومحاولة إحياء خطة المندوب الأممي، كوفي أنان، بنقاطها الست، لم يعد لها قيمة اليوم، لأن الثوار لن يوقفوا تقدمهم، ولا يملك النظام غير الحل العسكري. في جنيف اعتراف بنهاية النظام السوري حيث اضطر الروس إلى القبول بفكرة البحث عن حل بديل. سيكون حلا مؤقتا، مثل حكومة مشتركة، حتى يستطيع الأسد إخراج أثاثه من قصره إلى مكان آخر. والفكرة في أصلها قديمة طرحتها في نهاية العام الماضي إيران وروسيا من أجل تقسيم المعارضة، بالدعوة لإشراك المعارضة في الحكم مع الأسد، ويبقى هو عليهم رئيسا. الآن يريدون حكومة مشتركة فيها شيء من قيادة الأسد أو رجاله، وكل هذا فقط لشراء الوقت حتى يتدبر أمره.

ويجب أن نتذكر منذ ذلك الحين وحتى هذه اللحظة أن الوضع على الأرض يتغير ضدهم، قوات النظام تفقد بشكل مستمر قبضتها على معظم أنحاء البلاد. كانت تحاصر الثوار في حمص في يناير (كانون الثاني)، واليوم الثوار يهاجمونها في العاصمة دمشق، وينتقل من صفوف الجيش النظامي آلاف من المجندين والمختصين ويلتحقون بجيش الثوار.

أما لماذا يرفض حلفاء الأسد، تحديدا إيران وروسيا، القبول علانية بحل من دون بشار الأسد؟ السبب أن أي إعلان من جانبهم بالموافقة على مشروع يقول صراحة بإخراجه، سيتسبب فورا في سقوط النظام. الإعلان عن إقصاء الأسد، بأي صيغة تقال، سيخلق ذعرا في صفوف دولته. لهذا سيقبلون بحل يقصي الأسد دون الإعلان عن تنحيته إلا بعد ترتيبات مع الثوار والدول المتحالفة معهم؛ أمر ربما بات متأخرا.

من جانب حلفاء الثورة أيضا، لا بد أن نقول إن عندهم رغبة بعدم الاندفاع نحو المجهول إذا وُجد حل من دون الأسد، يحافظ على وحدة سوريا وسلامة أراضيها ومنع أي حرب أهلية. وهذا يعني أنهم مستعدون لمساندة حل حقيقي، والأهم أن يكون حلا عمليا، لا يتضمن فقط إخراج بشار الأسد، بل كل رجاله وقياداته من النظام، وتسليم السلطة للمعارضة بشروط تحافظ على كيان الدولة، مع خطة حكم مرحلي بإشراف دولي تمنع الانتقام وإشاعة الفوضى.

المشكلة كانت موسكو، الآن المشكلة الأسد نفسه الذي سيفشل هذا الحل. أعتقد أنه يعرف، منذ مطلع العام الحالي، أنه خسر المعركة، لهذا يريد خلق حالة حرب أهلية لأنها تحقق له شيئا من السلطة في مكان ما من سوريا. هو يظن أن الحرب الأهلية ستفقده حكم سوريا، الذي فقده أصلا، لكنها ستمنحه الحكم في المناطق العلوية والمتحالفة معها، عندما يهرب من دمشق، وقد ينتهي بتأسيس دويلة هناك بحماية دولية. يراهن على أن الحرب الأهلية ستضطر العلويين لدعمه، أما الحل على الطريقة اليمنية، أي أن يسلم السلطة سلميا، كما يريد الروس الآن، فسينتهي به منفيا في كوخ ما على البحر الأسود تحت حراسة روسية.

=================

فشل اجتماع جنيف .. الآن ماذا؟

الشرق الاوسط

طارق الحميد

2-7-2012

لا يمكن تخطئة من يقول إن اجتماع جنيف الخاص بسوريا قد فشل، ورغم كل ما صدر عنه، خصوصا أن صياغة البيان كانت فضفاضة لحد أن كل طرف قام بتفسيره حسب رؤيته، سواء الأميركيون، أو الروس، أو السيد كوفي أنان، ولذا فإن السؤال الآن هو: وماذا بعد جنيف؟

الإجابة البسيطة هي أن لا حل سياسيا بالأفق، فأي حلول خارج مظلة مجلس الأمن لن تكون لها قيمة إلا إذا كانت تحالفا دوليا خارجيا يفرض وقائع على الأرض، مثل التدخل العسكري، أو فرض مناطق حظر جوي، ومناطق عازلة، أما عدا عن ذلك فمن الصعب تخيل أي حلول سياسية الآن، لكن هذا لا يعني أنه نهاية المطاف، بل إنه يؤكد أن الحل في سوريا كان ولا يزال بيد السوريين الثوار أنفسهم، ومن خلال ما يقع على الأرض. فلولا صمود الثوار السوريين لما كان هناك اجتماع جنيف، ولما تم التوافق على ما تم التوافق عليه في جنيف، وبموافقة جميع الأطراف ومنهم روسيا، وهو اتفاق الحكومة الانتقالية الذي قلنا إنه غير قابل للتنفيذ، لكنه يظهر أن مساحة المناورة بالنسبة لموسكو باتت ضيقة.

ومن هنا فإن المهم والأهم هو ما يحدث على الأرض بسوريا، فذلك الذي يحدث التغيير داخل دمشق، وبالمجتمع الدولي، فالنظام الأسدي اليوم أقرب للانهيار من أي وقت مضى، والثورة بأقوى مراحلها. وعليه؛ فإن جنيف ليست نهاية المطاف بل هي بداية نهاية الأسد إذا ما استمر السوريون بالصمود، واستمر تسليح «الجيش الحر»، وتزويده بكل المعدات التي تضمن له التحرك، والتصدي لقوات الطاغية، وهذا ما يجب التركيز عليه اليوم، وأكثر من التركيز على الحل السياسي الذي لن يأتي من دون وقائع تفرضه على الأرض، وهذا ما يدركه المجتمع الدولي، وهذا ما حرك القوى الدولية مؤخرا، حتى وإن كان حراكها غير مقنع، أو كاف.

ما يحدث على الأرض بسوريا هو ما سيلجم روسيا وإيران، وليس المواقف الدولية، وذلك لسبب بسيط وهو أن موسكو وطهران تقومان اليوم بمهمة شبه انتحارية وهي مهمة إطالة عمر طاغية دمشق؛ فإيران تعتبر مؤتمر جنيف فاشلا لأنه أبعد الدول «ذات النفوذ» في سوريا بحسب تعبير المسؤول الإيراني، مما يعني أن إيران تريد الإبقاء على الأسد، أو فرض أتباع لها بعد سقوط الأسد في سوريا على غرار حزب الله في لبنان، أو المالكي وغيره بالعراق، وهذا أمر لا يجب السماح به إطلاقا، فمن شأن ذلك إبقاء سوريا ضعيفة ومقسمة إلى أمد طويل.

وعليه؛ فإن مؤتمر جنيف ليس بنهاية المطاف، ولا هو بالخسارة بالنسبة للثورة والثوار السوريين، بل هو دليل على أن ما يفعلونه على الأرض هو ما يصنع الفارق، ولذا فلا بد من الاستمرار بدعم الثوار السوريين بالسلاح، واعتبار أن مؤتمر جنيف لم يكن، وذلك ليس لتأجيج الصراع في سوريا، وإنما لكي لا يفلت مجرم دمشق الملطخة يداه بالدماء السورية، ولكي لا تجد إيران موطئ قدم في سوريا

==========================

هل يؤدي الصراع المسلح في سوريا إلى تقسيمها؟

فابرش بالانش- منذر خدام-بدرخان علي- فريد الخازن- حازم صاغية

جريدة النهار اللبنانية

رندة حيدر

1-7-2012

دخل الصراع الدائر في سوريا مرحلة جديدة وصفها غير مصدر بأنها بداية لحرب أهلية. جاء ذلك إثر عجز النظام السوري عن قمع الثورة، التي تحولت حركة مسلحة، وبعد المجازر التي ارتكبت ضد المدنيين الأبرياء، مثل مجزرتي الحولة والقصير، ومع استمرار الجيش السوري النظامي في قصفه العنيف للأحياء السكنية في عدد من المدن، في طليعتها مدينة حمص التي تحولت معقلاً للمعارضة المسلحة، مما أدى الى حركة نزوح عن هذه الأحياء وخلف دماراً كبيراً فيها.

 

مع مرور الوقت، بدأت تتضح خريطة المواجهات العنيفة الدائرة ما بين قوات النظام السوري من جهة، والقوى المسلحة للمعارضة وعلى رأسها الجيش السوري الحر من جهة أخرى، مما رسم صورة جديدة لصراع على السيطرة على الأرض، وبدأ تظهر أكثر فأكثر محاولة القوات السورية النظامية تشديد قبضتها على عدد من النقاط الاستراتيجية الأساسية لحماية النظام والدفاع عنه، مما دفع بعض المراقبين الى الحديث عن سعي النظام السوري الى انشاء منطقة خاضعة للسيطرة العلوية. ففي مقال نشرته صحيفة "الموند" في 21 /6 /2012 بعنوان: "le regime syrien prepare une zone de repli dans la montagne alaouite" تحدثت عن مخطط يسعى بعض الأطراف في النظام السوري الى تحقيقه، ويرمي الى انشاء منطقة علوية يمكن أن ينسحب اليها أركان النظام وكبار المسؤولين وأبناء الطائفة العلوية في حال خرج الوضع عن السيطرة، أو في حال اتخذ منعطفاً مذهبياً خطراً. وبالاستناد الى ما جاء في هذا المقال فإن هذه المنطقة ستمتد مئات الكيلومترات على طول المنطقة الساحلية، ما بين طرطوس جنوباً واللاذقية شمالاً مع عمق يبلغ خمسين كيلومتراً، حيث يشكل العلويون غالبية السكان، وحيث من المفترض أن يكون الدفاع عن هذه المنطقة سهلاً.

ويشير المقال الى أنه ضمن هذا المنظور يمكن فهم الرد العنيف لأجهزة الاستخبارات السورية خلال الأيام الأولى على حركة الاحتجاج التي انطلقت في اللاذقية وبانياس وجبلة في "جمعة الكرامة" (25 آذار 2011) والتي لم تكن معادية للعلويين، لكنها على ما يبدو شكلت خطراً على هيمنة النظام على هذه المنطقة. كما يدخل في هذا السياق القصف المدفعي لحي الرمل الفلسطيني المخصص للاجئين الفلسطينيين في اللاذقية، والذي تحول مع مرور السنوات مركز تجمع سكنياً للسنة الذين هم في الأصل من مدينة إدلب. وكذلك القمع العنيف لانتفاضة بلدة الحفة، التي تشكل أهم مركز سكني سني يقع شمال جبل النصيريين على الطريق بين اللاذقية والصلنفة، والتي يمكن من خلالها الوصول الى وادي الغاب، وهي تشكل بديلاً من الأتوستراد الذي يربط اللاذقية بحلب عبر جسر الشغور. كما يدخل في هذا السياق سعي النظام لافراغ مدينة تلكلخ، التجمع السني الوحيد الذي يفصل الحدود بين سوريا ولبنان، والتي تصل حمص بشمال لبنان، والتي يمكن بواسطتها التحكم بحركة التنقل في اتجاه طرطوس واللاذقية. أما السيطرة على حمص فأساسية، لأن الذي يسيطر عليها يستطيع ان يملك المفتاح الذي يصل الى وسط سوريا ويمكنه أن يعزل دمشق عن حلب. وقد أثارت التحذيرات من الانزلاق الى حرب طائفية، والحديث عن اقامة منطقة خاضعة تماماً للسيطرة العلوية  المخاوف من تحول الثورة نزاعاً طائفياً بغيضاً قد يؤدي في وقت ما الى مشاريع تقسيمية. فما مدى صحة  هذه الادعاءت؟ وما احتمال أن تتحول هذه السيناريوهات حقيقة سياسية جديدة؟

للوقوف على صورة واضحة عن هذه المسألة، قمنا بالاتصال بعدد من الخبراء الأجانب المختصين بسوريا، وببعض أطراف المعارضة في الداخل، الى عدد من الكتاب اللبنانيين لمناقشة هذه الفكرة.

  خطة النظام استئصال المعارضة المسلحة وحماية المناطق العلوية

 يرى فابريس بالانش، الأستاذ في جامعة ليون الثانية ومؤلف كتاب بعنوان "la region alaouite et le pouvoir syrien"  والذي يعرف مدينة حمص عن كثب، لا سيما أنه أمضى عدداً من السنوات في سوريا، أن الصراع الدائر اليوم في مدينة حمص له أهمية مزدوجة سواء على الصعيد الوطني أو على الصعيد المحلي، نظراً للأهمية الاستراتيجية للمدينة كنقطة وصل بين الساحل السوري وبين مدن الداخل، وقال: "في الماضي كانت حمص مدينة سنية تسكنها أقلية مسيحية، ولم يبدأ العلويون في النزول الى المدينة إلا في العام 1930 في اطار حركة النزوح من الريف. وقد ازدادت موجة النزوح هذه في الستينات مع وصول حزب البعث الى السلطة، وبعدما نجح العلويون عبر علاقاتهم بالجيش وبأجهزة الاستخبارات في الوصول الى مناصب مهمة في الادارة المحلية للمدينة، حيث بات وجودهم طاغياً". ويشير بالانش إلى أن الانتفاضة في حمص تركزت بصورة خاصة في الأحياء السنية الفقيرة، المهملة من جانب الدولة التي تقع في ضواحي المدينة، حيث يبرز بصورة خاصة نفوذ الحركات الإسلامية التي استغلت تخلي الدولة عن هذه الأحياء كي تنشط فيها من خلال تقديم المساعدات الطبية والغذائية، وهذا ما قد يفسر طغيان الخطاب الطائفي والمذهبي.

وتابع "يبلغ عدد سكان مدينة حمص اليوم 800,000 نسمة، نحو 500 ألف منهم من السنة، و200 ألف من العلويين، و100 ألف من المسيحيين. ويبذل النظام السوري جهده للسيطرة على الأحياء السنية في المدينة وذلك عبر استخدام أسلوب القصف العنيف الذي يؤدي الى افراغ هذه الأحياء من سكانها، قبل أن يقوم الجيش باقتحامها كما جرى مع حي بابا عمرو". ولا يعتقد بالانش أن النظام السوري يسعى من خلال قصفه الأحياء السنية في حمص الى احداث تطهيرعرقي، أو انشاء منطقة خاضعة للنفوذ العلوي، بقدر ما هو أسلوب يهدف الى حماية المناطق ذات الغالبية العلوية من تسلل الجيش السوري الحر عبر حمص الى مناطق قريبة من البلدات العلوية وتعريضها للخطر. هذا  في رأيه ما حصل، على سبيل المثال، في مدينة الحفة التي سعى الجيش السوري النظامي الى إحكام سيطرته عليها بعدما أصبح خطر المجموعات المسلحة المعارضة يتهدد مدينة القرداحة، التي شعر أهلها بالخطر وطلبوا حماية الدولة لهم. ويبدو أكثر فأكثر أن الجيش السوري النظامي يركز جهوده على المحافظة على السيطرة على وسط المدن الكبرى وعلى المحاور الاستراتيجية، تاركاً الريف في قبضة الثوار. وما يهم النظام احكام القبضة على الساحل السوري ومنع الثوار من اقامة تواصل بين الداخل السني وبين المدن الساحلية".

وأشار بالانش الى أنه منذ بدء الانتفاضة في سوريا بدأ العديد من العلويين بالتسلح، وأن عدداً ممن يسكنون مدناً سورية كبرى، مثل دمشق وحمص وحلب، بدأ بمغادرة هذه المدن نحو مناطق أكثر أمناً بالنسبة لهم. فالعائلات الغنية على سبيل المثال انتقلت الى طرطوس حيث استأجرت الشاليهات المعدة لقضاء العطلة الصيفية، أما العائلات المتوسطة فانتقلت الى قراها، ويشهد عدد من القرى العلوية حركة بناء ناشطة لشقق معدة لأبناء الطبقة المتوسطة بأسعار معتدلة.

في رأي بالانش إن خطة النظام السوري هي الاجهاز الكامل على الانتفاضة المسلحة خلال الأشهر الخمسة الباقية قبل موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية، واثبات أنه ما يزال الأقوى. وأضاف: "كلما طال أمد الثورة ضعف النظام، والتخوف الأكبر هو من أن تتحول سوريا أفغانستان جديدة".

وأشار بالانش الى أنه في هذه الأثناء فإن أبناء الأقليات من المسيحيين والدروز لا يزالون مع النظام. فالمسيحيون يتخوفون من تحول سوريا الى عراق آخر، ويخافون من حكم إسلامي سني راديكالي. أما البرجوازية السنية في المدن الكبرى فهي ما زالت مع النظام لأنها لم تنسَ ما حدث لها أيام حافظ الأسد حين تعرضت لعقاب شديد لوقوفها مع تمرد "الإخوان" في الثمانينات، وهي لا تريد خسارة امتيازاتها. بعض هذه العائلات انتقل الى الخارج والى الخليج وليس الى صفوف المعارضة. أما المعارضون من أبناء البرجوازية السنية فهم الذين يعيشون في الأساس في الخارج، أو الذين كانوا على خلاف مع حاشية عائلة الأسد التي تقبض على الحياة الاقتصادية في سوريا. ورأى بالانش أن أبناء الطبقة الوسطى من سكان المدن الكبرى أو ما يسمى "بالغالبية الصامتة"  ضد عسكرة الانتفاضة، ويرغبون  في الاستقرار، وهم ليسوا مع النظام لكنهم يخشون الفوضى، وعندما يرون ما يحدث في مصر يزداد خوفهم على مصيرهم.

 الصورة: خريطة سوريا

 

تقسيم سوريا الى دويلات لن يحصل

ماذا تقول المعارضة السورية في الداخل في هذا الشأن؟ في رأي الأستاذ منذر خدام رئيس المكتب الاعلامي في هيئة التنسيق لقوى التغير الوطني أن الصرع رغم كل شيء ليس طائفياً، وكتب: "رغم كل الأعراض الطائفية التي برزت في سياق انتفاضة الشعب السوري في سبيل حريته وكرامته وبناء نظام ديموقراطي بديل لنظام الاستبداد القائم، فإن الصراع الطائفي ليس خياراً واقعياً، وبالتالي فإن تقسيم سورية إلى دويلات طائفية لن يحصل. بل أستطيع التأكيد، استنادا إلى ما حصل في مدينة الحفة والقرى المجاورة لها، أن الصراع الطائفي لم يخرج عن نطاق الخطاب الإعلامي والسياسي النخبوي إلا بحدود ضيقة جداً، أما على الأرض فالمسألة مختلفة كثيراً، لقد استغل النظام واقعة كون أغلب المشاركين بالثورة هم من السنّة لكي يؤسس لخطاب طائفي تجاه الأقليات يخوفها من البديل القادم، من أجل أن يكسبها إلى صفه وقد حقق بعض النجاح في البداية، لكن مع استمرار النظام بخياره العسكري الأمني وعدم القبول الجدي بفتح أي خيار سياسي تفاوضي لإنهاء الأزمة، وخصوصا بعدما تسببت حربه المجنونة على شعبه بسقوط آلاف الشهداء من العسكريين وعناصر الأمن، وغالبيتهم من الطائفة العلوية، بدأ مزاج الطائفة العلوية يتغير بعض الشيء تجاه دعم النظام.

لقد برز تغير مزاج العلويين بصورة واضحة من خلال الأحداث التي جرت في الحفة. فمن المعلوم أن هذه المدينة تمثل جيباً تحوطه قرى علوية من جميع الجهات تقريبا، وقد خشي كثيرون من حدوث صراع طائفي فيها، غير أن الوقائع على الأرض كذبت مقولة الصراع الطائفي في سورية. لقد ساهم كثير من العلويين في تأمين خروج المدنيين من المدينة، واحتضنت أسر علوية عديدة في مدينة اللاذقية مئات الأسر التي فرت من منطقة الاشتباكات، واقتسموا معهم كل شيء، من لقمة الأكل إلى السكن.

 وفي الجهة المقابلة لم يعرف عن المسلحين الذين سيطروا على المدينة، وهم في غالبيتهم العظمى من سكانها، أن اعتدوا على أحد من العلويين، حتى أنصار النظام والبعثيون المسلحون الذين كانوا في مقر الحزب أو في المؤسسات الحكومية سمحوا للجميع بالخروج، وكان خطابهم لهم أننا لسنا في صراع معكم بل مع النظام الذي يستعبدنا نحن وإياكم.

ومن اللافت أن بعض مشايخ العلويين الذين كانوا يتخوفون من حصول اقتتال طائفي بين العلويين والسنة في المنطقة بتشجيع من بعض أتباع النظام، ساهموا بمنع ذلك من خلال جولات قاموا بها على القرى المجاورة لمدينة الحفة، واجتمعاعهم مع أهلها ودعوتهم إياهم لعدم الانجرار إلى أي صراع طائفي مع جيرانهم. لقد شكل التضامن بين العلويين والسنة في منطقة الحفة درساً في الوطنية السورية سوف تذكره وتتعلم منه الأجيال المقبلة. ولا بد من التنويه أيضاً بما قام به بعض ضباط الجيش وعناصره، الذين دخلوا مدينة الحفة بعدما انسحب منها المسلحون، إذ منعوا في كثير من الحالات نهب المحال التجارية وبيوت المواطنين من بعض الأفراد المحسوبين على أشخاص نافذين في المحافظة، وتم اعتقال بعضهم وقدموا للقضاء.

باختصار الصراع في سورية ليس صراعاً ما بين طوائف أو مذاهب أو مكونات عرقية وإنما صراع سياسي ساخن ما بين النظام وأجهزته العسكرية والأمنية وهي مكونة من جميع طوائف سورية، وبين المسلحين الذين انشقوا عن قوات النظام، والمسلحين المحليين الذين أرغموا على حمل السلاح دفاعا عن أنفسهم وأهلهم، إلى جانب مجموعات مسلحة مختلفة لا تعرف لها هوية محددة بدأت بالظهور والانتشار اخيراً في كل مناطق سورية".

 

 التقسيم الطائفي غير وارد

أما في رأي الكاتب في الشؤون السورية والكردية بدرخان علي فإن فكرة تقسيم سوريا الى دويلات طائفية هي فكرة خيالية، وكتب لنا: "هذه المقولة-الفرضيّة، التي تبدو لي ذهنيّة وخياليّة، هي إحدى إفرازات "القراءة الطائفيّة" لطبيعة الصراع السياسي والاجتماعي في سورية، بين سلطة ديكتاتوريّة مغلقة، وانتفاضة وطنيّة شعبيّة. كذلك توجد صورة مقلوبة لهذه الفرضيّة عند داعمي النظام الطائفييّن، أن ليس هناك انتفاضة شعبية بل انتقام طائفي، بدفع من قوى خارجيّة، ضد "الطائفة العلويّة".

الحقيقة أن سورية تشهد أياماً عصيبة جداً، وستشهدها في الفترة المقبلة أيضاً. كل الاحتمالات السيئة واردة، من اقتتال وفوضى وتخريب واسع النطاق في البنية المجتمعيّة وانهيار مؤسسات الدولة، وهي احتمالات على درجة عالية الخطورة. لكن تقسيم البلاد على أساس طائفيّ-مذهبيّ غير وارد، في رأيي، رغم إمكان حدوث اقتتال أهلي على أسس طائفيّة-مذهبيّة وانتقامات هنا وهناك.

الحقيقة أن ليس هناك مناطق سورية معزولة عن بعضها بالصورة التي يتم الكلام عنها. هناك تداخل سكانيّ وجغرافي بين كل مكوّنات المجتمع السوريّ كافة من جهة، المجتمع السوري ليس كانتونات طائفيّة. علماً أنني لا أفسّر سياسة السلطة الاسئتصاليّة بناء على دوافع مذهبيّة. ليس هناك ما يثبت أو يدل الى سياسة في هذا الصدد ، أي "إنشاء مناطق خاضعة للسيطرة العلويّة" كما جاء في السؤال. هذه سياسة سلطة تحارب من أجل البقاء وتستخدم كل الأداوت المتوافرة، من عنف وإكراه وتخويف المكونات المجتمعيّة بعضها من بعض.  أنا أميل إلى رأي يقول أن النظام الحاكم بسياسته الوحشيّة هذه ورهنه لغالبية من الطائفة العلويّة، يعبث بحياة أبناء الطائفة العلوية ومستقبلها، لا إلى حمايتها".

 

الخوف من عرقنة سوريا

ثمة صعوبة  في الوقوف على رأي الخبراء اللبنانيين من النزاع الدائر في سوريا والمخاوف من تحوله حرباً طائفية، نظراً لخصوصية الوضع السوري وتشابكه. وقد رأى النائب فريد الخازن مؤلف كتاب "تفكيك أوصال الدولة في لبنان: 1967- 1976" (صادر عن دار النهار للنشر العام 2002) أن الحوادث في سوريا تتجه نحو المزيد من العنف، وقد تجاوزت الوضع السوري الداخلي وبات لها بعد مذهبي وإقليمي ودولي، وليس في استطاعة أحد الجزم بوجود خطة تقسيمية رغم أن مثل هذه الأفكار قد تراود البعض. وهو لايعتقد أن الوضع في سوريا على الأرض يسير وفق خطة تقسيمية، وهناك شيء من المبالغات في تصوير الأمور.

يعتقد د. الخازن أنه ليس في استطاعة أحد معرفة متى تنتهي الأزمة، التي يبدو أنها تخطت الحلول السياسية. وفي رأيه ان الوضع في سوريا تحول الى ما يشبه عليه الوضع في العراق، وتحولت سوريا الى أرض "للجهاد" ضد نظام الأسد، ومثلما جذبت الحال العراقية الجهاديين والمقاتلين في العراق تجذب اليوم هؤلاء الى القتال في سوريا. ويميز الخازن ما بين حالات النزوح التي تشهدها سوريا بسبب الصراع الدائر، وبين نشوء كانتونات، الذي يستبعده. كما أعرب عن تخوفه من تدهور الوضع وانزلاقه الى المزيد من الفوضى، نظراً لعدم قدرة أي فريق على التحكم  في مسار الأزمة.

 

إما  النظام التعددي وإلا فالخريطة السورية ستصبح موضع شك!

يرى الكاتب حازم صاغية مؤلف كتاب "البعث السوري: تاريخ موجز" (الصادر العام 2011 عن دار الساقي) أنه "ليس من الصعب أن نلاحظ أنّ الثورة السوريّة وقعت على أرض بالغة التفتّت طائفيّاً وإثنيّاً ومناطقيّاً. وهذا ما دأب النظام البعثيّ، منذ 1963، ولكنْ خصوصاً منذ 1970، على إحداثه على نحو موسّع. لكنْ قبل النظام البعثيّ، وككيان ما بعد عثمانيّ حديث النشأة، مثله مثل لبنان والعراق وسواهما، تضجّ سوريّا بتناقضات موروثة (سنّة-علويّين، أكثريّة-أقليّات، ريف-مدن، دمشق-حلب، عرب-كرد) لم تعمل أنظمة ما بعد الاستقلال على رأب صدوعها، بل فاقمت تلك الصدوع ووسّعتها.

وهذا ما يجعل طلب الحريّة كما نراه اليوم محكوماً بالاختلاف عن طلبها في مجتمعات متجانسة، حيث يدور الانقسام بين شعب/مجتمع وبين سلطة. هنا نحن أمام أبعاد عدّة متداخلة ومتقاطعة، بحيث تستطيع السلطة أن تماهي نفسها مع شطر صلب من شطور المجتمع. وهذا، فضلاً عن المداخلات الإقليميّة والدوليّة، هو السرّ الأبعد وراء إطالة النزاع وتعقّده، تلك الإطالة التي يستثمر النظام فيها، جاعلاً من سقوطه مساوياً لسقوط المجتمع السوريّ. وبدوره فكلّما طال النزاع أكثر، زادت الأحقاد والدماء وتعاظمت صعوبات رأب المجتمع، خصوصاً أنّ تمادي الأزمة سوف يأتي مصحوباً بتعوّد المناطق والجماعات على العيش وحدها بعيداً عن الاشتراك في دورة حياة وطنيّة مع الآخرين. وعلى مدى أبعد، يصعب جدّاً تخيّل سلطة مركزيّة بالمعنى الذي عرفه السوريّون في ظلّ حافظ وبشّار الأسد. فإمّا أن يرسو الوضع على نظام يقرّ بتعدّديّة المجتمع السوريّ ويعكسه، أو أن تغدو الخريطة السوريّة عينها موضع شكّ. وهذا ما أظنّه مكسباً كبيراً للسوريّين بعد طول معاناتهم مع عسف تلك السلطة المركزيّة، كما أنّه مكسب للبلدان الصغرى في جوار سوريّا التي عانت الأمرّين من الدور الإمبراطوريّ الذي مارسته السلطة الدمشقيّة".

 

 عمل جنوني

يعتقد روائي وكاتب لبناني أن كل حديث عن منطقة علوية هو بمثابة اعلان هزيمة للنظام السوري، وتعريض الطائفة العلوية كلها لخطر الابادة لا سيما سكان المدن الكبرى. وهو يتوقع ألا تسمح تركيا بنشوء مثل هذه المنطقة العلوية على حدودها لا سيما مع وجود طائفة علوية واسعة في تركيا. ويختم قائلاً: "تقسيم سوريا عمل جنوني وهو غير وارد".

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ