ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الخميس 12/07/2012


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

سوريا.. هل أعلنت فشل عنان؟!

يوسف الكويليت

الرياض

11-7-2012

    كوفي عنان لم تُسجل له قدرات كبيرة في حل قضايا دولية ساخنة أثناء وصوله ومغادرته كأمين عام للأمم المتحدة، ودفعه في قضية سوريا، ربما كان توافقياً بين الفرقاء، والذين رأوا أنه وسيط سيطيل زمن المشكلة إن لم يعقدها، وليس لديه القدرة على المناورة السياسية، أو طرق الضغط الناعم، أي إعطاء الأسد فهماً واضحاً بأن الذين يساندونه تربطهم علاقات ومصالح عليا تفوق مفهوم الدولة الصغيرة أمام الطواحين الكبيرة التي تتحرك بالأفق الأوسع..

في كل زيارات عنان، سمع ما يفوق طروحاته أي أن المفاوض السوري كان الأجدر بعدم إعطاء أي وعود تمنح المبعوث الدولي، صفة الشخصية الماهرة والمقنعة، ولعل زيارته الأخيرة التي جاء مبشراً معها بانفراج الموقف، والاتفاق مع الأسد على نقاط جوهرية، لا تعدو خدعة النظام للمندوب الأممي، لأن الحكم المسبق على المباحثات، أن الأسد لا يمكن بأي حال أن يتنازل عن الحكم، بينما الشرط الأول للمعارضة، مغادرته، وهذا البند بذاته يعطل أي مشروع للحل..

أما الذهاب إلى إيران، بمفهوم أنها أحد مفاتيح الحل، فالموضوع مختلف، فهي تقف مع النظام وتدعمه، وترفض الإخلال به لأنه أحد أهم استراتيجاتها بخلق ما سمي بالهلال الشيعي، وهذا يتقاطع تماماً مع الرغبة الشعبية لقطاع كبير من السوريين، وحتى لو قبلنا أن إيران في قلب الحدث السوري أو مندمجة معه، فهي لا تستطيع هزيمة إرادة شعبية كان أحد شعاراتها المطالبة بقطع حبل السرة مع حكومة طهران!!

تبقى في الواجهة، روسيا، وهي تتحرك من أفق مصالح متشابكة مع سوريا، وقد تضحي بالأسد لو وجدت من يساندها ويعطيها دوراً أساسياً ما بعد إزالة النظام، وهو أمر محتمل ضمانته من الطرف الآخر الأوروبي، والأمريكي، غير أن الجميع لا يملكون صلاحية فرض إرادتهم على أي نظام قادم، لكن بالنهاية، فإن دول حلف الأطلسي، هم من سيفوز بالتقارب مع الحكم القادم، لأنهم، وإن بقيت معارضتهم للنظام تدور في الحلقة السياسية، إلا أنهم لم يكونوا طرفاً بدعم الأسد عسكرياً ومادياً، والذي قامت به روسيا علناً متخذة مواقف المعارض في مجلس الأمن، واستعمال حق الفيتو، وبالتالي، فإن رهان الغرب على خروج الروس من المعركة بالهزيمة، تقرره الوقائع على الأرض، عندما تزداد حالات الهروب من الجيش النظامي إلى الحر، والأعباء الكبيرة التي بدأ يواجهها النظام، والذي طالما راهن على قهر الثورة بالقوة، وسجل فشله..

عنان في هذه الحلبة من الصراعات الظاهرة والخفية، مجرد حامل بريد لا يصلح خطابه للقراءة، أو الالتفات له، وبالتالي، فمساعيه، وإن بدت تتخذ شكل الاعتراف بالفشل، إلا أن عودته لدمشق، ولنعتبرها دعوة من حكومة النظام التي بدأت تشعر بالتضييق عليها، داخلياً، والاستنجاد بعنان، فإن كل ما سيذهب إليه، وعود لهدنة سيفكر الأسد بأنها قيمة مضافة لاعطائه الفرص للاستمرار بقتل شعبه..

من يقرر المسار السوري، الشعب هناك لأنه هو من سيفصل الحلول على مقاس التطورات على الأرض، وعنان لن يكون المؤثر طالما أقر بفشله، وحاول الأسد انتشاله من ورطة ألقت بظلالها على الشخصين، وعموماً، الأيام القادمة هي من ستعطي الأحكام، سواء جاءت من الداخل السوري أو غيره..

=================

بين جماهيرية العقيد وجمهورية الأسد

محمد حسن مفتي

عكاظ

11-7-2012

الطغاة والطغيان أوصاف ترددت على مدار السنين، فهي ليست حديث عهد بالإنسانية، والطغيان معناه لغويا الجور والاضطهاد، وقد ذكر الطغاة والطغيان كثيرا في القرآن الكريم وحذرنا المولى عز وجل منهم، وهي ظاهرة موغلة في القِدم ظهرت جلية في بابل وأشور وفارس والصين، كما عانت منها الحضارات القديمة كالفرعونية واليونانية القديمة، وهى ظاهرة تلازمت مع الحكم الفردي المستبد الذي لا يوجد عليه رقيب أو حسيب.

قد يتلازم الطغيان مع الفساد المالي وقد يبقي غريزة منفصلة يعززها حب التفوق على الآخرين والرغبة الجامحة في التحكم فيهم وفي مصائرهم، هناك الكثير من الطغاة يفضلون زوال أموالهم على زوال سلطانهم، ولعل نشوة المال وحدها لا ترضي غرورهم، وامتلاكه دون سلطة لا تشبع نرجسيتهم المتضخمة. ومن المؤكد أن الطغيان يولد في النفس كبذرة، قد تقويها الظروف وقد تقتلعها بعيدا، غير أن الحكام المستبدين تتضخم بذرة الطغيان داخلهم حتى يضحوا كيانا طاغيا، ذراعه البطش وعقله الإرهاب والتخويف وأدواته الإعلام المضلل وشعاره الكلام المعسول الأجوف وصمام أمانه استباحة نفوس المواطنين وقمع حرياتهم.

ويصعد الطغاة لسدة الحكم بطرق متنوعة، غير أن أسوأ أنواع الطغاة هم من تكون نشأتهم متواضعة وظروفهم قاسية، ممن عايشوا التغييب والتهميش والنبذ والإقصاء من المجتمع، فبمجرد وصولهم لدوائر صنع القرار يبدؤون في إرضاء نفوسهم المريضة وإشباع نزواتهم المتعطشة للانتقام والبطش والترويع. لا أريد التوسع الآن في تحليل نفوس الطغاة ولا تتبع فصول تاريخهم الأسود، فلطالما دخل الطغاة التاريخ، ولكن عبر أبوابه الملطخة بدماء الأبرياء.

ولعل القارئ المتابع جيدا للتاريخ يعي تماما أن الطغاة يصلون عادة لسدة الحكم من خلال شعارات جوفاء ووعود زائفة، ولو عدنا قليلا للوراء لأواخر القرن المنصرم، فسنجد أن القذافي بعد استيلائه على الحكم مباشرة بدأ بالتنديد بالحكم السابق، ممنيا الشعب الليبي بمستقبل أفضل وبحكم ديمقراطي ودولة قانون من الشعب وإلى الشعب، وأوهمه بتدشينه نظاما ديمقراطيا جديدا في الحكم أطلق عليه (الجماهيرية) مدعيا أن الشعب هو مصدر السلطات، وتمضي العقود الواحدة تلو الأخرى والشعب الليبي ينتظر ثمار الوعود الزائفة، حتى انهار نظام العقيد في ليبيا مخلفا دولة قبلية ممزقة، لا تزال تعاني حتى الآن من بقايا نظامها الفاسد الأرعن المتهور، حيث أصبحت دولة بلا دستور وبلا مرجعيات قانونية ينخر الفساد والطغيان في كافة جوانبها. فلم تكن جماهيرية العقيد أكثر من ضيعة خاصة للقذافي وأبنائه من بعده، حيث سخروا كافة مواردها الاقتصادية وأجهزتها الحكومية لخدمة أغراضهم الشخصية وأخضعوها لتنفيذ أجنداتهم الخاصة والمريبة في آن واحد، والتي طالما بذرت بذور الشقاق بين الدول بعضها البعض بل وبين أبناء الوطن الواحد.

ولو تركنا الجماهيرية المنكوبة لنظام آخر ورث فيه الابن الشاب ضيعة أبيه! كما ورث معه أيضا طغيانه وبطشه وقمعه لأبناء وطنه، فسنجد نظام الأسد الابن الذي حذا حذو الأسد الأب، فقد ادعى كل منهما تمسكه بالديمقراطية والدولة المدنية، وسيادة دولة القانون واتباع نظام المساءلة وتطبيق الشفافية، حتى فوجئ العالم بأكمله به وهو يحيك القوانين على مقاسه الخاص ليصنع من سوريا نموذجا يتندر به العالم بأكمله، وسابقة تحلم كافة الأنظمة المستبدة في تكرارها، ولو على مصلحة الشعوب وكرامة الأوطان.

لقد أذاقت جماهيرية القذافي وجمهورية الأسد شعوبهما صنوفا من العذاب وأنواعا شتى من الويلات، لم يشفع لتلك البلدان البائسة أن حكامها بدأوا حكمها شبابا واعدين بديمقراطية لم تطبق يوما، بل على العكس فقد عانى الكثير من مواطنيها من الاستبداد والقمع ورضخوا لأشكال شتى من التعذيب وإرهاب الدولة. لعل قراءة مثل هذا التاريخ والتروي فيه جيدا هو من الأهمية بمكان لأن يعي أجيال الشباب العربي الغض خطورة الاندفاع بتهور خلف تلك الألفاظ البراقة والشعارات الجوفاء عن الحرية والديمقراطية، فقد يكون العسل مسموما، وليس كل ما يلوح في ظهيرة الصحراء ماء.. ومن المؤكد أيضا أن ليس كل ما يلمع ذهبا.

** أكاديمي وكاتب صحفي

www.a-e-house.org

=================

هل يحقق بوتين نهوض روسيا الجديد؟!

د. عصام حداد ()

المستقبل

11-7-2012

 

رافقت عودة بوتين لرئاسة الاتحاد الروسي حملة تشهير وترهيب من الأخطار التي تتهدد مستقبل تطور الديموقراطية وحقوق الإنسان في روسيا ما بعد انهيار الاتحاد السوفياتي. وأتت موافقة "الدوما" على الصيغة الجديدة لقانون "حق التجمع" وبالتالي "حرية التظاهر والتعبير عن الرأي لتلهب المزيد من النقد وتوجيه الإتهامات باتجاه "احتمال قيام دولة بوليسية" تسلطية في ظل رئاسة فلاديمير بوتين الجديدة.

وتأتي هذه الاتهامات في الوقت الذي تشير الأنباء إلى تقدم المعارضة الروسية بشكوى مشتركة مع الحزب الشيوعي الروسي إلى المحكمة الدستورية ضد هذه الصيغة الجديدة للقانون، كما تشير إلى احتمال نجاح هذه الشكوى. وهنا لا بد من التنويه بالقيمة المعنوية الكبيرة لموقف "مجلس حقوق الإنسان" التابع للكرملين والذي ينتقد فيه المغالاة في مستويات الأحكام والغرامات الملحوظة في القانون واعتبرها متناقضة مع دستور البلاد.

وفي 12 حزيران (2012) نظمت مسيرة ضد هذا القانون أيضاً "مسيرة الملايين" شارك فيها عشرات الألوف من المحتجين، ومن المعلوم أن العمل بهذا القانون في حلته الجديدة قد بدأ في السابع من حزيران (2012) أي يوم تم إعلانه في الجريدة الرسمية الروسية "راسيسكايا غازيتا" وفي الجوهر يتمحور الجديد في هذا القانون حول:

ـ ضرورة تقديم طلب الإذن والسماح "بالتجمع" والحصول على هذا الإذن من الهيئات المعنية المختصة.

ـ ارتفاع سقف الغرامات في حال حصول خرق للقانون ويصل إلى 7500 يورو للفرد الواحد، والـ27 ألف يورو للجمعيات أو التنظيمات.

ـ المنع الكامل للتجمع أمام "الدوما"، وضع الأقنعة أثناء التظاهر.

وأشارت أوساط الرئيس بوتين بأن هذا النص الجديد يهدف للتماثل مع ما هو معمول به في الغرب الأوروبي، مع العلم أن القانون الألماني مثلاً يشترط التقدم بطلب الإذن للتجمع والتظاهر ولكنه لا يشترط انتظار الحصول على الموافقة!! ولذلك تنشأ الصعوبات في محاولات منع تظاهرات اليمين المتطرّف على الرغم من رغبة الأحزاب الليبرالية في ذلك، ولا تمنع تظاهرة إلاّ في حال تعارضها مع وجود تجمعات أو احتفالات في التاريخ نفسه والمكان نفسه مما قد يهدد "السلم الاهلي".

وفي هذا المضمار تنقل الأوساط الصحافية عن الرئيس بوتين قوله: "على المجتمعات التي تجيز حق التجمع أن تعرف كيف تحمي نفسها من مظاهر واحتمالات التطرّف!!!" كما أفصح رئيس هيئة رئاسة الدوما السيد "سرغي ناريشكين" عما يُهدف إلى منع حصوله من خلال هذا القانون الجديد محط الانتقادات في الغرب الأوروبي: "الحؤول دون تطوّر الاحتجاج إلى تطرّف وراديكالية مفرطة...".

بالتأكيد لا يعني هذا التحديد جموع الليبراليين التقليديين الذين ينظمون احتجاجاتهم في العاصمة موسكو (غالباً)، بل يعبّر عن الخوف من أولئك الذين لا يزالون في انتظار إنصافهم اجتماعياً والموعودين به منذ 12 عاماً على بداية أول ولاية لفريق الرئيس بوتين، أي بدء عهد الاستقرار والاستمرارية بعد الدمار والفوضى التي خلّفها عهد بوريس يلتسين ومما لا شك فيه: ان السياسة الاجتماعية للحكومة الجديدة برئاسة ديمتري ميدفيديف ستكون محط الأنظار وعنوان المواجهة الاجتماعية في بداية الولاية الجديدة للرئيس بوتين من مشكلة السكن والعناية الصحية إلى التعليم والمسألة الزراعية وليس أخيراً مشكلة تناقص عدد السكان بسبب سوء الأحوال الاجتماعية، وما يترتب على ذلك من ضرورة فتح باب الهجرة لكل من يريد العمل في الأسواق الروسية وخاصة لأبناء الجمهوريات السوفياتية الجنوبية السابقة.

إن التقدم الموعود على طريق حل هذه المعضلات الاجتماعية الخطرة هو الكفيل بضمان السلم الأهلي الذي تحتاج اليه روسيا في تطوّرها السياسي ـ الاجتماعي الديموقراطي المنشود وذلك تحت أنظار المراقبين في الغرب أو في الشرق.

 

=================

أنان لا يُلام

امين قمورية

2012-07-11

النهار

لا تلوموا كوفي انان على مواقفه الاخيرة، فالعقد التي يواجهها لا يعجز عن حلها مبعوث فحسب، بل الجمعية العمومية ومجلس الامن مجتمعين. هو تطوع لحل مشكلة داخلية بين نظام ومعارضة، فاذا به عندما وطئ الارض السورية وجد نفسه ضائعا في متاهات معمعة اقليمية دولية يعجز السحرة والعرافون عن فك أحاجيها. 

ما يحدث في سوريا حرب اقليمية عالمية باردة جديدة بامتياز. سقوط حزب البعث ليس مجرد سقوط لنظام مستبد أذاق شعبه مر العذاب، بل سقوط لمنظومة اقليمية من شأنه ان يغير وجه المنطقة والعالم. وانتصار المعارضة ليس تغييراً في رأس السلطة بل قلب للمعادلات والتوازنات الاستراتيجية التي كانت تحكم الشرق الاوسط.

مجموع العوامل الخارجية التي دخلت على خط الازمة وتناقضاتها يظهر حجم اللعبة الجيوسياسية المرتبطة بسوريا اليوم، وهي لعبة يصعب النظر اليها من منطلق أخلاقي سواء لمن يقف مع الثورة السورية "حباً"  بتعميم الديموقراطية ونشرها، أم لتلك القوى التي تقف مع النظام انطلاقا من اعتبارات رفض التدخل الخارجي.

فكرة الحل السياسي على  النموذج اليمني أو العراقي ضرب من التمويه السياسي على حقيقة ما يقتضيه الشأن السوري من حساب واضح للمكاسب او الخسائر بين الاطراف الاقليميين او الدوليين الذين باتوا شركاء أو اطرافا في ما يحدث على الارض.

والحديث عن إنهاء العنف هو حديث عن محاولة إنهاء وضع بات لا يقبل سوى الربح أو الخسارة، وتاليا هل التدخل الخارجي على المدى الطويل يزيد العنف أم يهدئه؟ وقف دعم الثوار يعني خسارتهم ورفع الدعم عن النظام يعني ايضا خسارته، مع ما يترتب على كلتا الخسارتين من تداعيات. سوريا أشبه بمن يقف على الأعراف، لا هي دخلت جنة الحل السياسي ولا نار الحرب التي تنتهي بوضوح في حساب المكسب والخسارة. كل ما يقدم لسوريا اليوم ليس سوى إدارة للصراع وليس حلاً له.

لا يمكن اخراج المحاولات السياسية التي تجري في سوريا ومن أجلها من سياقاتها الممتدة، الولايات المتحدة ودول الخليج وتركيا تفاوض إيران على أرض سورية، وروسيا والصين تفاوضان الولايات المتحدة على أرض سورية. وهكذا دواليك في لعبة جيوسياسية ممتدة أبعد نقطة فيها هي مصلحة سوريا نفسها والشعب السوري. لا موسكو ولا بيجينغ ترفضان التدخل من أجل مصلحة سوريا الذاتية، ولا واشنطن او أنقرة ستتدخلان في سبيل مصلحة سوريا الذاتية، وهذا ما يجعل الأسئلة التي تطرحها سوريا صعبة، والاجوبة عنها أصعب. وهذا ما يجعل أيضا مهمة أنان ضرباً من ضروب المستحيلات.

=================

سوريا: إيران جزء من المشكلة وليس من الحل

طاهر العدوان

الرأي الاردنية

11-7-2012

بعد غيابه عن مؤتمر أصدقاء سوريا في باريس ظهر المبعوث الدولي والعربي كوفي عنان في دمشق فجأة وذلك قبل ان ينتقل الى طهران لبحث القضية السورية مع الإيرانيين . ولا اريد ان أتوقف عند اتفاقاته الجديدة مع جزار سوريا ووصفه لها بانها بناءة ، فالتجربة خير برهان ، لان الاسد منذ ان ارسل دباباته لدك المدن السورية لم يرفض ولا مبادرة عربية او دولية لحل الازمة ، مستخدما هذه المبادرات لكسب الوقت من اجل مواصلة الحل الأمني الذي تبناه بمواجهة مطالب شعبه العادلة بالحرية والكرامة .

 ما اريد ان أتوقف عنده من تصريحات عنان التي أدلى بها في دمشق قوله ( بان ايران جزء من الحل في سوريا ) وهذا يكشف الاستراتيجية التي رسمها المبعوث الدولي لنفسه من اجل الوصول الى السلام . فهو يعتقد ان التفاهم مع روسيا وإيران هو المفتاح للوصول الى اجراء دولي في مجلس الأمن للضغط بقوة على الاسد وإجباره على القبول بالمرحلة الانتقالية لتغيير النظام ، ونتائج مؤتمر جنيف التي شاركت فيه روسيا تشجعه على الاستمرار بهذه الاستراتيجية بعد ان خرج المؤتمر باتفاق جماعي شاركت فيه روسيا والصين يتركز على المرحلة الانتقالية . ومعروف ان عنان طالب بمشاركة ايران في اجتماع جنيف لكن الولايات المتحدة عارضت بشدة .

 أفعال النظام السوري وجرائمه اليومية تجعل من تحركات عنان بدون جدوى ، لكن ماذا عليه ان يفعل بمواجهة مواقف دولية لم تقم الا بمنح الفرصة والوقت لكي يواصل النظام عملياته الوحشية ، ومنذ ما يسمى بالاتفاق على وقف العنف وسحب الجيش من المدن سقط ٤ آلاف سوري واضعافهم من الجرحى واضعاف أضعافهم من اللاجئين ، فالمجتمع الدولي وفي مقدمته امريكا وأوربا والعرب لم يقدم للشعب السوري غير بيانات التعاطف والتأييد بينما يقدم حلفاء الاسد ، الروس والإيرانيون ، ينابيع القوة له التي تمكن ماكنته التدميرية من مواصلة العمل بحصد أرواح السوريين وتدمير مدنهم .

 احتمالات حدوث تطور إيجابي في الموقف الروسي في المستقبل امر وارد وذلك يعتمد على التطورات على الارض السورية مثل تصاعد الثورة في دمشق وحلب او توسع الانشقاقات في الجيش اضافة الى ما قد يحدث من تفاهمات بين موسكو وواشنطن ، لكن الدور الإيراني في سوريا هو جزء من المشكلة وليس من الحل ، من مصلحة طهران ان يبقى الاسد وان تعمر الازمة السورية سنوات وسنوات على شكل حرب أهلية او حتى إقليمية ، وهو دور جربته طهران في العراق وحصدت منه فوائد واستثمارات سياسية واستراتيجية كبيرة على المستوى الإقليمي والدولي ، ومنحها الوقت لبناء مشروعها النووي ، ان خمود الدور الإيراني وتراجعه في العراق أعطى الغرب الفرصة لإعادة تشديد الحصار والضغط على طهران ، وهاهي المشكلة السورية تمنحها فرصة جديدة لاحتلال موقع اللاعب الإقليمي الذي يملك أوراق المساومة في سوريا .

 و حكام طهران لا يلعبون بكل أوراقهم دفعة واحدة ، ان إطالة أمد الازمة الملتهبة في سوريا يمنحهم مزيدا من الاوراق ،و الحل السريع او القريب يناقض مصالحهم ، بالتأكيد هم اليوم سعداء بزيارة عنان لانها تمكنهم من الإمساك بهذه الفرصة لاستثمار دورهم الجديد في سوريا الذي يعتمد على تمديد عمر الازمة وليس إنهائها ، ونأمل ان يستخلص عنان وبسرعة بان طهران جزء من المشكلة وليس من الحل .

=================

الديمقراطية والليبرالية في سوريا

عدي الزعبي

2012-07-10

القدس العربي

إذا كان كل البشر باستثناء فرد، على رأي واحد، وكان لهذا الفرد رأي مخالف، فلن يكون قمع هذا الشخص من قبل كل البشر أكثر عدلاً، مما لو كان هو، إذا امتلك القدرة، عادلاً في قمع كل البشر.

جون ستيوارت مِل

أشار حازم صاغية في مقالة له عنوانها 'الانتقال إلى الديمقراطية'، إلى إشكالية 'الديمقراطية الأكثرية'. السؤال مطروح هنا هو حول الديمقراطية المنشودة في سوريا المستقبل. الديمقراطية هي حكم الأكثرية. إسقاط الديكتاتور هو هدف الثورة السورية الأساسي، وبناء نظام ديمقراطي هو البديل. ولكن يتخوّف البعض من الديمقراطية، لكونها قد تأتي بالإسلاميين إلى الحكم. هكذا تصبح الديمقراطية، بما هي حكم الأكثرية، منبع لتخوّف الأقليات الدينية، والعلمانيين السوريين. هذا المقال محاولة في صياغة بعض الأفكار حول هذا الإشكالية، التي دعاها الفيلسوف البريطاني جون ستيوارت مِل بطغيان الأكثرية.

أولاً، التخوّف من 'طغيان الأكثرية'، لا يعني أبداً دعم الديكتاتورية كبديل. على سبيل المثال،كان أفلاطون يفضّل حكم النخبة على الديمقراطية. معظم أنصار النظام السوري يفضّلون الديكتاتور على الديمقراطية. أما نحن فنفضّل، وبدون تردد، الديمقراطية على الديكتاتور وحكم النخبة. ما نحتاجه هو فتح باب النقاش حول مفهوم الديمقراطية، والعمل على تجاوز الصعوبات المرتبطة بالانتقال إلى الديمقراطية وفهم أسباب هذا التخوّف وسبل معالجته.

ثانياً، يجب أن نميّز بوضوح بين 'طغيان الأكثرية' كإشكالية تتعلّق بمفهوم الديمقراطية، ومحاولة بناء حكم سنّي متشدّد. الخلط بين الاثنين يدفع بالطبع إلى مساواة الديكتاتور بالثورة. لم يكن هدف الثورة قلب نظام الحكم وإقامة حكم سني متشدّد. هذا جزء من بروباغندا النظام السوري. هدف الثورة هو إقامة نظام ديمقراطي. الفارق الذي يجب أن نشدّد عليه هو التالي : محاولة بناء حكم سنّي متشدّد لا يعترف بالديمقراطية وبالانتخابات من جهة، وإشكالية وصول الإسلاميين إلى الحكم عن طريق الانتخابات من جهة أخرى. هذا التمييز يجب أن يكون محوريّاً. خلافنا مع من يرفض الانتخابات هو خلاف مبدأي، وهو الخلاف ذاته مع الديكتاتور. أما خلافنا مع الإسلاميين اللذين يقبلون بالانتخابات فهو خلاف سياسي. غياب هذا التمييز والخلط بين الاثنين يعني أن نقع في المأزق التالي: تخيير الشعب بين الديكتاتور، وبين نظام سني متشدد، يعيد إنتاج الديكتاتورية. الثورة السورية هي الدرب للخروج من هذا المأزق. الخيار هو بين الديكتاتور والديمقراطية.

ثالثاً، ما نودّ الإضاءة عليه هو إشكالية 'طغيان الأكثرية'، والتي تتعلّق بمفهوم الديمقراطية بوصفها حكم الأغلبية. ليست إشكالية 'طغيان الأكثرية' محصورة بالإسلاميين. بل هي إشكالية تأتي من مفهوم الديمقراطية نفسه. 'طغيان الأكثرية' يعني أن تقوم الأكثرية بفرض آرائها على الآخرين. ما نود التأكيد عليه هو أن المشكلة ليست فقط مشكلة الإسلاميين. مثلاً، نستطيع النظر إلى الإشكالية من وجهة نظر التعدد القومي في سوريا. الأغلبية العربية قد تفرض آرائها على الأقليات القومية الأخرى. من جهة أخرى، تاريخياً، طغيان الأكثرية المرتبط بالديمقراطية، كان حاضراً في أعمال الفلاسفة الليبراليين، كجون ستوارت مِل، وبرتراند راسل وكارل بوبر. هذا الطرح يساعدنا، كما يساعد الإسلاميين، في فهم الإشكالية ونقاشها من زوايا مختلفة.

رابعاً. الليبرالية والديمقراطية. 'طغيان الأكثرية' هو الموضوع الأساسي في كتاب مِل 'في الحرية'. يرى راسل وبوبر أنّ هذا الكتاب يشكّل مرجعية أساسية لمن يريد مناقشة 'طغيان الأكثرية'. الفكرة في الكتاب بسيطة، يلخّصها فكرة أن الديمقراطية لا تعني أن تتحكّم الأكثرية بحياة الأفراد. طالما أن الفرد لم يشكّل خطراً على الآخرين، فلا يجوز للأكثرية أن تتدخّل في حياته الشخصية. في الحالة السورية، هذا يعني أن لا تتدخّل الأكثرية في شؤون الأفراد والجماعات الدينية والقومية. بالطبع، هذا الحل لا يقدّم إجابة شافية للمشاكل التي تواجهنا. تبقى حدود التدخّل وأهدافه خاضعة لحسابات مجتمعية واقتصادية وتاريخية مختلفة. لكن المبدأ يصلح كنقطة انطلاق للحوار حول هذه المسائل. بهذا المعنى، تكون الحرية الدينية مكفولة، وهي كذلك كما يراها الإسلاميون، ولكن تغيير الدين والزواج المدني يخضع للنقاش. الاعتراف بالحقوق السياسية والثقافية للأكراد مكفولة، لكن فكرة الفيدرالية تخضع للنقاش. ما هي بالضبط الحدود التي لا يحق للأكثرية المنتخبة ديمقراطياً أن تتجاوزها غير واضح. ولكن الأكيد أن ربط الديمقراطية بالمبدأ الليبرالي يشكّل ضمانة أن لا يتحوّل 'طغيان الأكثرية'إلى عبء على مفهوم الديمقراطية. هذا المبدأ الليبرالي يتيح لنا أن نضمن للأقليات المتنوعة، وللأفراد، حقوقهم. يجب أن نشير أن المقصود هنا الليبرالية بالمعنى الفلسفي والسياسي، وليس الاقتصادي. لا يتّسع المجال هنا لتوضيح هذا الفارق. ربما سيكون لدراسة مل وراسل، وتحديداً الأخير، ومحاولتهما فصل الجانب الاقتصادي عن السياسي لليبرالية نتائج ملموسة في تخفيف حدة النقد الموجّه لليبرالية من اليساريين.

مع اقتراب سقوط النظام السوري، يجب علينا أن نطرح الأسئلة المتعلّقة ببناء سوريا المستقبل. تقديم رؤية بديلة للديكتاتورية يساعد في تسريع عملية السقوط. إشكالية 'طغيان الأكثرية' مطروحة الآن ومرتبطة بتصاعد التوتر الطائفي. محاولة فهم هذه الإشكالية وطرح تصّورات مختلفة لمعالجتها يشكّل خطوة إلى الأمام. الفكرة في هذا المقال هي تعريف المشكلة وتمييزها عما يعلق بها من بروباغندا الإعلام السوري، ثم مقاربتها من زاوية الفلسفة الليبرالية. هذا يساعد بالطبع في كسر الجمود الغريب الذي يربط بين هذه الإشكالية والإسلاميين. هذه ليست مشكلة الإسلاميين فقط، بل مشكلة الديمقراطية. بالمقابل، يوجد إشكالية خاصة في التيارات الإسلامية والقومية مرتبطة بإشكالية طغيان الأكثرية. لم نتطرق هنا لأي منها. هذه محاولة أولى لمقاربة الموضوع.

التخلّص من الديكتاتور هدفنا الأساسي. مع الاقتراب من لحظات النصر، تصبح المسؤولية كاملة بين أيدينا. سنتخلّص من الطاغية، ونبني وطناً لكل السوريين.

 

' كاتب من سوريا

=================

عن المعارضة السورية والثورة والسياسة

عبد الناصر العايد *

الأربعاء ١١ يوليو ٢٠١٢

الحياة

أحدث اتفاق جنيف بين القوى العظمى، إرباكاً في صفوف المعارضة السورية، وبدا أن كل فصيل وشخصية فيها، صارت مطالبة بالاصطفاف وراء واحد من خيارين: إما قبول مسار سياسي ترعاه الدول العظمى وتضمن أن ينتهي بتحقيق انتقال سلمي للسلطة، أو مواصلة السعي لإسقاط النظام بالقوى الذاتية للثورة، الذي لم يعد ممكناً وفق غالبية الآراء إلا بالسلاح.

لقد تكون الطبقة السياسية السورية فعلياً، وشرعت باكتساب المهارات والخبرات مع انطلاق الثورة، ويفترض أنها بلغت بعد ما يزيد على سنة من الاشتباك المكثف مع مختلف الأطراف والقضايا، مرحلة جيدة من النضج في الذهنية والأدوات، فلا تتطلب حلولاً من فصل واحد للمسائل الكبرى، وتتعامل مع السياسة باعتبارها فن التسويات، واجتياز الممكن، والاستقواء به على المحتمل، وإن كان في اتفاق جنيف مثلاً، عناصر إيجابية يمكن أخذها كمكسب معترف به، فإن واجب السياسيين، هو التمسك به، وعدم إهداره، وعلى الأقل عدم رفضه رفضاً قاطعاً، لكي لا يفقد السياسيين القدرة على التواصل والاشتباك الإيجابي مع القوى الكبرى، الذي يوفر فرصة طال انتظارها للحضور على المنصات والمنابر الكبرى، التي حرم منها النظام، وعرض قضية الشعب السوري على الرأي العام العالمي، وحلحلة ما أمكن من خيوط شبكة العلاقات والمصالح الدولية التي علقت فيها الثورة السورية، ووضعها في نصابها الصحيح كقضية حقوق إنسان، يتحتم على المجتمع الدولي أن يدعمها بكافة السبل الإنسانية والقانونية، وبخاصة وفق مبدأ التدخل الدولي الإنساني.

لكن كثرة المشاكل التي تعاني منها المعارضة السورية، تجمعات وأفراداً، وعجز الكثير منها عن تطوير نفسه، يجعل الخشية من أن ترتكب أخطاء قاتلة، في هذه المرحلة الحساسة، مبررة وواقعية، فهي قد تقع في غمرة لعبة البدائل في فخ الانفصال عن الجمهور الذي صنع الثورة، أو حبائل الدوائر السياسية العظمى، أو مستنقع الصراع في ما بينها على النفوذ، فتفقد شرعيتها، وتضع المرحلة الانتقالية برمتها في مهب الريح، لعدم وجود قيادة سياسية متوافق عليها.

تدفع هذه الشكوك والمخاوف غالبية السوريين اليوم للالتصاق بالحل الثوري وممـثليه، فهم أكثر تـشـدداً أخلاقياً، وموقفهم أوضح وأميل إلى استــنساخ الموقف الشعبي، الذي لا يحتاج إلى تأويل وتحليل. ويكتسب هذا الخيار مزيداً من الزخم المتصاعد حالياً لكون أعداد المنخرطين في الثورة أكبر بكثير ممن يعملون في السياسة، لكن مكمن قوة هذا الخيار قد يكون موضع خطورة أيضاً، فثمة احتمال كبير لتحول الثورة ذاتها إلى تيار شعبوي عنيف، يعيد إنتاج الشموليات الديماغوجية، التي تحتكر السلطة، وتقصي الكثير من القوى والفئات الهشة، التي لا تشكل ثقلاً سياسياً وازناً، لكن وجودها النوعي لا غنى عنه لتأسيس مجتمع مدني متكامل الأركان.

لكننا نعتقد أن التفريق بين الموقفين، اللذين سلف توصيف بعض جوانبهما، لا يعبر عن تناقض جوهري، بل يعود ببساطة إلى الموقع الجغرافي الذي يصدر منه كل واحد منهما، فمن هو في المنفى لا يستطيع إلا أن يفكر في شكل عقلاني في كيفية إسقاط النظام، بينما لا تستطيع الأغلبية التي تعيش في الداخل إلا أن تريد ذلك بكل طاقتها النفسية والعاطفية، والـتفـريق بين مـن يـفـكر ومـن يـريد ليـس حكم قيـمة، بل أمر واقع تفرضه المواجهة، فـمن يخـاطـب العالم يحتاج إلى الإقناع العقلي، ومن يواجه الخطر بحاجة إلى ما يبعث فيه العزيمة والثبات.

قد يكون القول إن الحرب هي السياسة بوسائل أخرى، أفضل توصيف للتكامل بين المنهجين السياسي والثوري في سورية الآن، حيث تشتد الحاجة إلى الحرب، لكن مع التأكيد الصارم على كونها امتداداً للسياسة. فالنظام السوري الذي يفتقد لأي قيم أو مبادئ تحكم سلوكه ووجوده، هو نظام سلطة فقط، حصل عليها لذاتها، وبالعنف، ودافع عنها بالعنف، ولن يغادرها إلا بالعنف أو التهديد الجديّ باستخدامه. والمعارضتان السياسية والمسلحة على يقين من ذلك، لكنهما أيضاً تدركان أن المقاومة المسلحة وإن استطاعت أن تحول بين النظام وبين القضاء الثورة بالقمع، الذي أصبح مستحيلاً في هذه المرحلة، إلاَّ أنها غير قادرة على حسم المعركة في ظل إحجام العالم عن تسليحها في الوقت الذي يتمتع فيه النظام بفائض من الأسلحة المدمرة، وإذ تواصل المقاومة كفاحها للحفاظ على جذوة الثورة متقدة، تحاول المعارضة السياسية كسر معادلة السلاح من طريق جلب قوى عسكرية أقوى لدحر النظام، أو الحصول على اعتراف بحق الشعب السوري في الدفاع عن نفسه، يخوله الحصول على السلاح في شكل شرعي، وهو أمر سيؤدي مجرد حصوله إلى خضوع النظام وقبوله التفاوض السياسي كمقدمة لرحيله.

بحكم الضرورة، لن يحدث شقاق بين المعارضة الثورية في الداخل والسياسية في الخارج، فكلا الطرفين يدرك أن ما من سند حقيقي له سوى الآخر، لكن هذا لا يعني أنه لن يكون بين السياسيين انتهازيون سيحاولون تصنيع مخارج للأزمة تـقصى مـن خـلالها بعض القوى الثوريـة عن المشهد المستقبلي بذريعة التشـدد أو انتهاج العنف، ولن نعدم بين ثوريـي الـداخـل من سـيزايـد على السياسيين بدعوى تضـحيات الداخل لاحتكار الشرعية والسلطة، ونشاهد اليوم مقدمات ذلك عبر بعض المناورات المكشوفة والخفيَّة، لكن هذه الظواهر ستكون هامشية، وسرعان ما ستـتجاوزها عجلة السياسية عندما تدور بانتظام واستمرارية، في أجواء طبيعية، وفي إطار قوانين اللعبة السياسية الديموقراطية.

=================

أنان في إيران وراء السراب

الأربعاء ١١ يوليو ٢٠١٢

الحياة

رندة تقي الدين

مهمة كوفي أنان في إيران ذهاب وراء السراب. فالمهمة في إيران مستحيلة. سيعود مع وعود كاذبة ولكنه يكون قد حاول. فأنان يعتقد ان لإيران ورقة ضغط على سورية. ولكن حتى لو كان مثل هذا الاحتمال صحيحاً فإيران لن تعطي كوفي انان هذه الورقة مجاناً. لماذا تعطيها لأنان؟ فالنظام الايراني يريد ثمناً لذلك وهو ليس في يد كوفي انان. فالثمن الايراني هو رفع الحصار النفطي والمالي والاقتصادي وهذا ليس من صلاحيات كوفي انان. فإيران حاولت باستمرار مع الدول الست التي تفاوضها حول ضرورة وقف التسلح النووي ان تقول لهذه الدول انها تريد التحدث معها عن حل في سورية. والدول رفضت هذه المناورة الايرانية. كما كانت تعرض دائماً على فرنسا ان تشارك معها في حل الوضع المعطل في لبنان عندما تعطل الوضع السياسي فيه ورفضت فرنسا ذلك باستمرار لأن ايران تساهم في زعزعة استقرار المنطقة وتعرض اوراقها للمقايضة. فإيران ما زالت تملك ورقة مهمة في لبنان مع حليفها «حزب الله». وهي مثل روسيا تساعد النظام السوري بالسلاح والمعدات للقمع والقتل. فكيف يتصور كوفي انان ان النظام الايراني سيوافق على اقناع النظام السوري بالقبول بانتقال السلطة الى جهاز حكومي يضم المعارضة واعضاء في الحكومة يكون للمعارضة الحق في اختيارهم مع تجريد بشار الاسد من سلطاته؟ ان الوضع اليمني غير الوضع السوري. فقبيلة الرئيس علي عبدالله الصالح تخلت عنه. اما بشار الاسد فهو يستقبل انان وتستمر قواته بكل معداتها بالقتل والقمع والتعذيب. وروسيا متمسكة به ولو ان مصالحها ينبغي ان تكون الى جانب الشعب السوري وليس مع نظام محكوم بالرحيل. فلا يمكن ان يبقى رئيس يصفي نصف شعبه واولاده وكلما اشتد الضغط عليه كلما استخدم المزيد من القوة والقتل.

ان بقاء الاسد مستحيل مع حوالى ١٥ الف قتيل يزداد عددهم يوماً بعد يوم مع وحشية القمع والتعذيب. المتشائمون من امكانية رحيله يقولون ان الحرب الاهلية في لبنان بقيت اكثر من عقد. الا ان الاوضاع الدولية لم تكن مثل الآن. فكان المخطط الاسرائيلي السوري بالتخلص من ياسر عرفات وتسليم لبنان الى سورية مع موافقة الاطراف الدولية. والآن روسيا ليست كما في الماضي قوة عظمى، فهي ضعيفة ولكنها قوية بالفيتو المعطل. وهي تريد اظهار هذه القوة للدول الناشئة، الصين والهند وجنوب افريقيا وغيرها. ولكن الاوضاع في سورية والمزيد من القتل سيقلب المعادلة الداخلية خصوصاً عندما يفتقد النظام الى المال الذي يدفعه للقوات للقتل. فأوضاع ايران المالية لا تسمح لها بمد النظام السوري بأموال طائلة خصوصاً مع الحظر النفطي وصعوبة الاجراءات المالية لشراء نفطها تقلص من عائداتها بشكل كبير. اما روسيا اذا بقيت على موقفها فكيف يمكن ان يكون لها كلمة في سورية المستقبل؟ عدد كبير من المسؤولين الغربيين بدأ يقرأ بعض التغيير في الموقف الروسي وقد يكون ذلك في اطار التمني المتفائل. فالآن تتم مناقشة مشروع قرار في مجلس الامن بدأ التشاور حوله بين الدول الثلاث فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة وقد تناوله امس الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند ورئيس الحكومة البريطاني ديفيد كامرون لوضع النقاط الست لخطة انان تحت الفصل السابع الذي يفرض اذا لم ينفذ القرار اما فرض المزيد من العقوبات او استخدام القوة. باريس وواشنطن ولندن لا تريد استخدام القوة بل العقوبات. فضغط العقوبات سيكون بالطبع اطول واصعب للحصول على وقف القتال ورحيل الاسد. فالتكهن حول متى يرحل الاسد صعب. ولكن من الصعب ايضاً التصور ان بعد كل ما حصل من قتل وقمع وتعذيب بإمكانه ان يبقى وأن يعود الى اسرة دولية اكثر من نصفها نبذه وطالب برحيله.

=================

أميركا والمأزق السوري: سياسة ضبط الحلفاء

غازي دحمان *

الأربعاء ١١ يوليو ٢٠١٢

الحياة

ليس في الموقف الأميركي من الأزمة السورية ما هو مفهوم وقابل للقراءة المنطقية سوى ما يمكن رده للمواقف الكلاسيكية للحزب الديموقراطي والمعروفة بالتردد وعدم الحسم تجاه القضايا والأزمات الكبرى، لدرجة يمكن القول معها ان الديبلوماسية الناعمة والذكية لم تكن اختراعاً «أوبامياً» صرفاً بقدر ما هو تطوير لسياسة تقليدية اختطها الديموقراطيون ونسجوا على منوالها مواقفهم وإستجاباتهم طيلة عقود من الزمن.

باستثناء ذلك، ثمة تناقض لا تخطئه العين بين الخطاب السياسي الأميركي والسلوك المتبع تجاه الأحداث التي تشهدها سورية، وهو تناقض لا يشبه الفارق بين التصورات النظرية والأفعال العملانية، نظراً الى حاجة الأخيرة إلى تعديلات ميدانية دائمة تفرضها طبيعة خطط الطرف المقابل وتكتيكاته المخفية، ذلك أن ما يصدر عن واشنطن هذه الأيام أربك حتى العاملين في الإدارة ذاتها وأظهر تناقضاتهم مع مرؤوسيهم في البيت الأبيض ووزارة الخارجية، وهنا لا نتحدث عن السيناتور جون ماكين مثلاً وتصريحاته النارية، بل عن أشخاص من صلب إدارة أوباما والملزمين بتطبيق سياسة إدارته كالسفير روبرت فورد الذي انخرط في الحدث السوري من دون ان يتبين خريطة طريق إدارته تجاهها.

ولعل ما بات يثير الاستغراب، وحتى التندر، في السلوك الأميركي، ليس سقف التصريحات السياسية المرتفع لوزيرة الخارجية هيلاري كلينتون عن ضرورة رحيل الأسد وأيامه المعدودة وضرورة تجنيب سورية هجوماً كارثياً، بل مستوى الإنخراط الأميركي في مختلف الفعاليات والمؤتمرات السياسية التي باتت معروفة النتائج سلفاً، وكذلك المشاركة في إصدار لوائح العقوبات التي وصل بعضها إلى منع تصدير الكافيار إلى سورية، حتى بدا الأمر وكأنه نوع من الترف السياسي الذي لا تحتمله الأزمة السورية المتفجرة دماً وخراباً وتجزؤاً، وتنذر بخراب يفيض على الإقليم ويزيد.

في مقابل ذلك، لم يعد خافياً أن واشنطن تقف بقوة ضد أي محاولة لإحداث تغيرات ميدانية واستراتيجية من خلال ضبط سلوك وتوجهات حلفائها في المنطقة، ومنعهم من التصرف بطريقة من شأنها أخذ الأمور بإتجاهات غير محسوبة بالنسبة الى ادارة اوباما، وقد بدا ذلك واضحاً بشكل جلي عقب حادثة الطائرة التركية، ومحاولة واشنطن لجم الإندفاع التركي وعدم تأمين الغطاء الذي تريده أنقرة من حلف الناتو، وكذا قيامها بتبريد الرؤوس الحامية في الحلف، ولجم الثلاثي البريطاني – الفرنسي – التركي وضبط سلوكه عبر سياسة الحلف واستراتجيته الأشمل في المنطقة والعالم. ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل تعداه إلى تدخل واشنطن في تحديد نوعية الأسلحة وكميتها المسموح تسليمها للمعارضة السورية، وتؤكد تقارير بهذا الخصوص إرسال الإدارة الأميركية مراقبين عسكريين إلى تركيا لمتابعة عملية تسليح المعارضة والوقوف على حيثياتها ومعرفة أدق تفاصيلها.

وقد بات واضحاً للعيان أن موسكو قد التقطت حالة الحذر الأميركي منذ مدة وراحت تضبط سياستها تجاه الأزمة السورية على أساسه صعوداً ونزولاً، وتكشف حادثة تعامل الوزير لافروف مع نظيريه القطري والتركي المسربة من أروقة اجتماعات جنيف جزءاً من هذه الحقيقة، حيث رفض إصرارهما على تبني سياسات جذرية تجاه الأزمة السورية، وتذكيرهما بأن هذا الشأن يخص القوى الكبرى، وبديهي أن الجانب الروسي ما كان يجرؤ على المجاهرة بذلك لولا تأكده من حقيقة الموقف الأميركي ومعرفة مداه بهذا الخصوص، ولا يمكن أن نفصل زيارة بوتين لكل من فرنسا وألمانيا وإسرائيل عن هذا السياق، إذ من الطبيعي انه لو كانت هناك إستراتيجية صلبة ورؤية واضحة بين واشنطن وحلفائها لما طمح بوتين إلى محاولة اختراقها، ولو حتى على سبيل التجريب.

هل يعني ذلك أن ثمة تماهياً بين الرؤيتين الأميركية والروسية تجاه الأزمة في سورية وطرق معالجتها؟ وبالإستتباع هل ثمة خلاف بين واشنطن وحلفائها في هذا الأمر؟ ثم هل صحيح ان إدارة اوباما تخوض المعترك السوري من دون رؤية واضحة؟ لا شك أن القراءة المتسرعة والإنفعالية من شأنها تبسيط الأمور، فالإجابة بنعم على السؤالين السابقين تعني عدم القدرة على رؤية المشهد بتعقيداته الإستراتيجية والإكتفاء بالنظر إليه من زاوية محددة، وهو ما لا يتناسب مع حسابات القوى العظمى وطبيعة قراءتها الشمولية للحدث وحساب استحقاقاته وإرتداداته والأثمان المترتبة عليه.

واستتباعاً لذلك تدرك واشنطن أنها في الحدث السوري تواجه مجموعة من القوى المتربصة بها والتي تنتظر تورطها بفارغ الصبر على أمل أن يفتح ذلك نوافذ حقيقية للتفاوض معها وتحقيق تقدم في الملفات العالقة معها، فإيران المخنوقة إقتصادياً وروسيا المأزومة إستراتيجياً والصين المهددة بفعل إستراتيجية واشنطن الآسيوية، كل اولئك يحلمون بحل أزماتهم في إطار الأزمة السورية التي توفر لهم، من وجهة نظرهم، فرصاً معتبرة عزّ توفيرها في أمكنة وملفات أخرى، في حين أن واشنطن تعتبر أن ما حققته مع هذه الدول أو ضدها مكاسب إستراتيجية بعيدة المدى لا يمكن التضحية بسهولة بها. وبخصوص الأزمة السورية فإن إدارة اوباما ترى أن ثمة مخارج غير مكلفة يمكن الركون إليها من شأنها تدعيم أوراقها في مواجهة خصومها الإستراتيجيين، تبدأ من الضغط الديبلوماسي عبر استثمار البعد الأخلاقي للأزمة، ولا تنتهي عند حد الدعم الخفي والمحسوب وحتى المعلن عنه للمعارضة السورية، وفي هذا الصدد تمارس واشنطن سياسة الصبر والبناء الحثيث للتعقيدات الإستراتيجية والميدانية للأزمة في مواجهة خصومها، وبخاصة في ظل التأكيدات على أن النظام فقد سيطرته على أجزاء واسعة من البلاد وأن دينامية الأزمة من شأنها أن تغير المعطيات وتقلب الحقائق لغير صالح خصوم واشنطن في سورية.

بناءً على هذا التحليل فإن واشنطن ليست بصدد تغيير قواعد الاشتباك في منطقة الشرق الأوسط، وهي تتصدى تالياً لخصومها الاستراتجيين وترفض إعطاءهم أدواراً يطمحون اليها، كما أنها تضبط سلوك حلفائها في هذا السياق، كيلا يؤدي إندفاعهم إلى التورط في نزاعات إقليمية قد تحرجها.

 

=================

محظوظ لو انتهى نهاية مبارك!

طارق الحميد

الشرق الاوسط

11-7-2012

سبق أن قلنا إن حديث طاغية دمشق مع التلفزيون الإيراني الرسمي يعني أن الأسد بات يعي أن ليس له إلا إيران، لكن الأسد لم يتوقف من يومها عن الأحاديث الإعلامية، فمن حواره ذي الثلاث حلقات مع صحيفة «جمهوريت» التركية، إلى حواره الأخير مع إحدى المحطات الألمانية التلفزيونية!

وحديث الأسد الأخير للمحطة الألمانية يدل على أن طاغية دمشق بات يشعر بأنه في ورطة حقيقية، وإلا كيف يقدم على إجراء ثلاث مقابلات إعلامية في أسبوع واحد؟! والطريف في حوار الأسد الأخير مع المحطة الألمانية أنه لم يتعلم أبدا من حواره الشهير مع صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية في أوائل عام 2011 حين تشفى بذلك الحوار في الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك، وقال الأسد وقتها إن مبارك يواجه نهاية حتمية لسياساته الخارجية، وكانت المفارقة أن الثورة السورية اندلعت بعد حواره الشهير ذلك، الذي تشفى به في مبارك، واليوم، وبعد مرور أكثر من عام على ذلك الحوار الشهير، يعود الأسد للتشفي مرة أخرى في الرئيس المصري السابق مبارك، ويقول إن محاكمته تثير الأسف، وإنه، أي الأسد، ليس مثل مبارك، حيث يقول: «لكي يخاف المرء فإنه يجب أن يقارن ويسأل: هل هناك شيء مشترك؟»، مضيفا أن «الوضع مختلف تماما، ولا يمكن مقارنته، ولا يمكن أن يشعر المرء بالخوف، لكنه قد يشعر بالأسف، أو الشفقة»!

وهذا تذاك مفضوح من قبل الأسد، وشماتة أخرى في الرئيس المصري السابق، فما يريده الأسد حين قال: «لكي يخاف المرء فإنه يجب أن يقارن ويسأل: هل هناك شيء مشترك؟»، هو القول بأن موقفه من «الممانعة» يختلف عن موقف مبارك، وإن من شأن ذلك أن يحميه، لكن هذا حديث لن يروق اليوم إلا لـ«الشبيح» حسن نصر الله، لا للشعب السوري الذي قتل منه إلى اليوم قرابة 17 ألف قتيل، بين رجال ونساء وأطفال، علما بأن طاغية دمشق محق حين قال إنه ليس مثل مبارك، فالرئيس المصري السابق لم يقتل شعبه كما فعل الأسد، ولم يستقو بإيران، أو حزب الله، ليبقى بالحكم، ولم يواصل العناد، أو الانفصام، عن الواقع من أجل أن يبقى في الحكم، بل إنه استجاب وتنحى دون إحراق المدن المصرية، ودون افتعال حرب طائفية، أو خلافه، ليبقى في سدة الحكم، ورغما عن رغبة الشعب المصري!

ولذا؛ فإن الأسد سيكون محظوظا لو انتهى نهاية محمد حسني مبارك، بل هي أقرب إلى المعجزة، وحتى لو انتهى الأسد بالخروج إلى موسكو، التي اعتبرت فكرة منحه اللجوء السياسي مجرد دعابة، بل إن روسيا أعلنت وقف تزويده بالأسلحة، أو حتى لو انتهى الأسد إلى مكانه الطبيعي؛ وهو إيران، فإن أبلغ عقاب للأسد هو أن يعيش ليرى، ويسمع، كيف، وكم، يكرهه السوريون، ناهيك بباقي العرب، وكيف ستكون سوريا أفضل بكثير من حالها اليوم تحت حكمه، وبالطبع فالمرء لا يعلم الغيب، لكن بكل تأكيد إن طاغية دمشق سيكون محظوظا لو انتهى نهاية مبارك!

=================

هزيمة استراتيجية ومأزق تكتيكي!

مشيل كيلو

الشرق الاوسط

11-7-2012

من غرائب السياسة السورية أن النظام أقنع نفسه أكثر من مرة بأن الأزمة انتهت، وعبر عن قناعته على لسان أكثر من مسؤول رفيع، بمن في ذلك رئيس الجمهورية نفسه، الذي أخبر كثيرين من زواره، كان أبرزهم رئيس وزراء لبنان الأسبق الدكتور سليم الحص، بأن سوريا اجتازت أزمتها والحراك الشعبي صار وراءنا.

لا أعرف طبيعة الاستشارات والتقارير التي يتلقاها في العادة رئيس دولة، خاصة عندما تكون في حالة حرب مع شعبها، لكن الوقائع تعلمنا أن ما تلقاه الرئيس بشار الأسد من تقارير وحصل عليه من استشارات كان خاطئا ومضللا، وأن الوضع السوري لم ولن يهدأ، لسبب رئيس هو أن العنف اعتمد علاجا لأزمة يستحيل أن ينجح في التصدي لما كان المرحوم صلاح البيطار، أحد مؤسسي البعث ورئيس وزراء ووزير خارجية سابق، قد سماه ذات يوم من عام 1980: «المرض السوري المزمن»، وجوهره افتقار السوريين إلى الحرية وخضوعهم لنظام مغلق وضيق الصدر وعنيف وفاسد، لا يناقش أحدا ولا يسمح لأحد بمناقشته، دأب على إلغاء السياسة وحل مشكلاته بالعنف العاري والقمع المكثف، منذ استلم السلطة عام 1970 وحتى اليوم.

هذا الخيار الاستراتيجي السيئ، حكم على النظام بخسارة معركته ضد شعبه: فهو إن نجح في قمعه واستعاد ما يسميه الهدوء، ضيّع نجاحه شرعيته دون أن يترك له أي فرصة لاستعادتها، وصل إلى حال تجبره ملابساتها الكثيرة على تقديم شيء للشعب خاض معركته كلها من أجل الحيلولة دون حصوله عليه، مع ما يمكن أن يقود إليه ذلك من اندلاع ثورة جديدة بعد فترة، ولكن على نطاق أوسع وأكثر مجتمعية وجذرية من الثورة التي سيكون قد تمكن من احتوائها، بينما يرجح أن يحدث انتصاره مراجعات داخلية لسياساته وخياراته، ستجبره بدورها على تغيير آليات عمله وستضعه في مواجهة شعب راغب في الانتقام منه، هذا بافتراض مستبعد جدا، هو نجاحه ذات يوم لا يبدو قريبا في القضاء على آلاف المجموعات المسلحة والشديدة التطرف، التي ستنشر القتل والرعب في كل مكان وستصفي الموالين له، وستحول المعركة ضده إلى فعل انتحاري لا ضير إن هو أدى إلى قتل الذات ما دام يقتل الآخر: صديق النظام وتابعه. هذا ما عنيته بالحديث عن الفشل الاستراتيجي: إنه ذلك النوع من الفشل الذي لا يمكنك من حل أزمتك، فإن أنت أحرزت أي تقدم فيها، حال بينك وبين الخروج منها، ونقلها إلى طور جديد يعمقها ويعقدها ويضيف مكونات وعناصر جديدة ومتنوعة إليها، تبقيك أسيرا لها وفي دائرة الخطر.

والمشكلة أن هذا الفشل الاستراتيجي يترجم نفسه على الأرض من خلال مآزق تكتيكية، أو بالأحرى مأزق تكتيكي مديد ومتشعب لا مخرج منه، يجسده في الصراع السوري الراهن فشل النظام في استعادة أي بلدة أو قرية عرفت مظاهرات ضده، رغم أنه قد يكون أعاد احتلالها عشرات المرات، كما حدث في القصير وتلبيسة والرستن وحمص، وإدلب وريفها، ودير الزور وريفها، ودرعا وحوران بأسرها، وضواحي دمشق الداخلية وريفها، وقسم كبير من حلب ومجمل ريفها.. الخ. في الترجمة التكتيكية للفشل الاستراتجي تتحول السياسة الرسمية إلى أعمال عنف منظم وواسع ضد الآمنين من السكان، تمليها على النظام فرضية «المجموعات المسلحة»، المعادية للسلطة والناشطة وسط المواطنين، وهي فرضية تضع هؤلاء وراء هذه المجموعات وتوهم النظام بأن القضاء عليها رهن بالقضاء عليهم أو على قسم كبير منهم، وبأن ترويعهم وتهجيرهم واعتقالهم وتعذيبهم وتدمير مقومات وجودهم المعنوية والمادية هي الحل. أما أهم الأدلة على استعصاء هذا المأزق فهو قدرة النظام على العودة إلى أي مكان يريده من سوريا، وإن بصعوبات تتعاظم من يوم لآخر، واستحالة بقائه فيه بسبب عمق واتساع حركة التمرد عليه، وحجم المقاومة التي تواجهه في كل مكان، واضطراره إلى نقل قواته من مكان إلى آخر، مع ما أخذت تتكبده من خسائر على الطريق، وعندما تصل إلى المكان الذي ستهدئه، ثم وهي في طريق الانسحاب منه. ولعل خير مثال على هذا المأزق التكتيكي القصف اليومي المتجدد لحي الإنشاءات في حمص، الذي كان النظام قد أعلن تحريره وتطهيره من «العصابات المسلحة» ونظم احتفالات شعبية بذلك؟. لم يتمكن النظام من البقاء في الحي، لحاجته إلى قواته في مكان آخر، علما بأن النقطة التي ينسحب جيشه وأمنه منها لا تبقى تحت سيطرته بل تنتفض وتثور عليه، فيقصفها ويعيد احتلالها وهكذا دواليك!. كيف يواجه النظام هذه المعضلة؟. بتصعيد العنف، مع ما يؤدي إليه من نشر نيران التمرد التي يحملها جيشه وأمنه معهما من موقع لآخر، وتعميق طاب الحراك العدائي وتسليحه، وبالتالي زيادة قدرته على المقاومة وإنزال الخسائر بهما.

أمام هذه الحلقة الجهنمية المغلقة، وأمام الفشل الاستراتيجي والمأزق التكتيكي تبرز ظاهرة سياسية قاتلة، هي أن القيادة السياسية تزداد تمسكا بالحل الأمني، وتركز جهودها على توسيعه وزيادة حجم العنف فيه، رغم علمها بنتائجه على علاقاتها مع الشعب، بينما يحار عسكرها في فهم أسباب فشلهم في السيطرة على وضع يملكون فيه تفوقا عسكريا ساحقا على شعب شبه أعزل، يرفض بإصرار العودة إلى بيت الطاعة الرسمي. إنهم لا يفهمون أن الشعب انتقل إلى ما بعد نظامهم، إلى موقع لم يعد موقعهم وموقع قيادتهم السياسية، ودخل في حقبة ما بعد الأمر الرسمي القائم، الذي يدافعون عنه بفشل متعاظم!. والغريب، أن هؤلاء العسكر، الذين يقال إنهم ينتمون إلى جيش عقائدي، لا يستخلصون العبر السياسية من فشلهم، بل يميلون غالبا إلى الرد على الإخفاق بتدابير عسكرية محض تقنية لا تسمن ولا تغني، مع أن مصير الصراع ومصيرهم يتوقف على خروجهم من الإطار السياسي القائم، الذي يفرض عليهم الفشل الاستراتيجي والمأزق التكتيكي!.

يصعد النظام هجماته ويحولها إلى حرب على الشعب. ويقال: إن الرئيس أمر الجيش والأمن بحسم المعركة خلال عشرة أيام. قبل ذلك، في أغسطس (آب) من عام 2011 المنصرم، أعلن النظام أن المعركة صارت في «أسبوع الحسم الأخير». واليوم، وبعد قرابة عام على انقضاء هذا الأسبوع يكرر النظام أخطاءه ويرفض رؤية الواقع على حقيقته، والإقرار بأن الشعب صار في الحقبة التالية له، وأن إعادته إلى بيت الطاعة صارت ضربا من المحال، وأن الحل الأمني يزيده تصميما على استكمال خروجه منه، بدل أن يجبره على قبول المحال: الرضوخ من جديد له!

=========================

اليوم يُكتب في سورية الفصل الأخير

جهاد الخازن

الحياة اللندنية 7/7/2012

`ماذا يبقى للنظام السوري إذا انشق العميد مناف طلاس قائد اللواء 105 في الحرس الجمهوري؟

مضى وقت كان مناف يؤهل فيه ليصبح وزيراً للدفاع كما كان أبوه العماد مصطفى طلاس قبله. وهو أصبح مؤهلاً بموقعه في الحرس الجمهوري والحزب الحاكم، وأعتقد أن التأخير كان سببه صغر سنّه.

مصطفى طلاس كان من أعمدة النظام، وربما عموده الفقري، وهو منذ بدء الثورة السورية «حردان» ويجلس وحيداً في بيته أو يزور ابنته ناهد في باريس للعلاج والفرار من بؤس الأوضاع. هو الوحيد في سورية الذي عرفته (وسمعته) يحدّث حافظ الأسد على الهاتف ويقول له حافظ من دون أن يقول له سيادة الرئيس أو أي لقب آخر.

فراس مصطفى طلاس، الابن الأكبر، أفضل صديق لي في سورية. هو رجل أعمال ليست له أي علاقة بالنظام عكس أخيه مناف الذي كان ملتزماً يحدثني أحياناً بلغة الستينات ويحلم بدور في تحرير فلسطين وتحقيق الوحدة العربية.

منذ نيسان (ابريل) 2011 لم أجرِ أي اتصال على الإطلاق بأي مسؤول في النظام السوري، وكنت أنتقد المعارضة، وأدين انقسامها وثقل دم بعض رموزها. وترد عليّ بأنني أؤيد النظام، فلا أقول إنني قطعت العلاقة معه قبل الجميع.

اعترضت منذ اليوم الأول وحتى اليوم على قتل الناس، وكان رأيي ولا يزال أن النظام كان قادراً على الخروج من أزمة درعا بسلام لولا أنه اختار العنف وصعّده شهراً بعد شهر حتى دخلنا نقطة اللاعودة بعد مجزرتَي الحولة والقبير قبل شهرين، كما كتبت في حينه. واليوم أصبح واضحاً أن الثورة السورية ستنتهي بغالب ومغلوب، وأن الخاسر سيدفع الثمن من دمه.

لا أكاد أصدق أن النظام خسر أسرة مصطفى طلاس وبقيت له إيران. هو لا يدرك أن روسيا والصين ليستا حليفتين وإنما لهما مصالح استراتيجية، وروسيا تحديداً ستبيع الدكتور بشار الأسد ونظامه غداً إذا قدمت إدارة باراك أوباما سعراً مناسباً، مثل وقف شبكة الصواريخ في شمال أوروبا التي يزعم أنها للحماية من صواريخ إيران، وهي في الحقيقة لتدمير روسيا.

إيران «حاجه تانية»، فهي في وضع سورية أو أسوأ حتى من دون ثورة، وهي مقاطعة عبر قرارات دولية، وعبر قرارات إضافية للإدارة الأميركية والاتحاد الأوروبي. وكل من يتعامل معها يتعرض لعقوبات، وهو ما تواجهه سورية الآن. سورية وإيران كان وصفي لحلفهما يوماً «المتعوس وخايب الرجا» ولا أجد أفضل من هذا المثل المصري اليوم لشرح العلاقة بينهما.

كيف وصل النظام إلى نقطة قطع العلاقة مع شعبه وغالبية العالم؟

ربما كانت قصة من عمل مناف طلاس تشرح الوضع. فبعد أحداث درعا تلقت السلطات السورية معلومات عن حراك شعبي في دوما والبلدات المجاورة، وكلف الرئيس الأسد مناف طلاس أن يذهب إلى دوما ويحل المشكلة مع أهل البلدة. هو ذهب واتفق معهم على حل يلبي طلباتهم، وأكثرها حياتية يومية، وبعضها يتعلق برئاسة البلدية وإدارة شؤون السكان. وعاد مناف إلى الرئيس وعرض عليه ما فعل ووافق الرئيس على اقتراحاته وشكره.

في اليوم التالي قامت معارضة في الحلقة الضيقة حول الرئيس لاقتراحات مناف، وسمعت أن المعارضة جاءت من رجال من نوع الأخ والخال وابن الخال وزوج الأخت، إلا أنني لا أجزم بذلك. والمهم أن زعماء البلدة جاؤوا إلى دمشق للاتفاق وقيل لهم «يفتح الله» وعادوا خائبين.

سمعت أن المعارضين قالوا إن مناف أعطى أهل دوما الكثير بسرعة، وأن الناس سيطمعون بالنظام، لذلك حضوا الرئيس على رفض ما وافق عليه قبل يوم.

مناف طلاس اعتكف في بيته بعد فشل مهمته، وبقي فيه أسابيع أعتقد أنها طالت شهرين. ثم سأله الرئيس كم سيبقى وهو «حردان» وأمره بالعودة إلى مكتبه وعمله، فعاد من دون أن يمارس مهماته.

اليوم أسمع أن مناف طلاس تخلى عن النظام وانتقل إلى تركيا. وبما أن علاقتي مقطوعة مع النظام منذ 16 شهراً فإنني لا أجزم بشيء حتى أكلّمه أو أجد أحداً من أفراد الأسرة.

اليوم يُكتب في سورية الفصل الأخير من ثورة شعبية أصرّّ على أن النظام كان قادراً على تجنبها لولا اختياره الحل الأمني وإصراره عليه، وهو يفشل شهراً بعد شهر ويزيد المشكلة.

والحل لن يأتي من اجتماع في القاهرة أو جنيف أو باريس، وإنما من قلب سورية. قلب العروبة النابض بحاجة الى عملية جراحية لقلب مفتوح، إلا أن العملية لا تنجح إلا بأيدي أبنائه. وأرفض مسبقاً أي حل غير سوري أو عربي تحاول أميركا أو أوروبا أو أي طرف خارجي فرضه.

ألوف الضحايا راحوا ضحية الحلول الخاطئة في ثورة تجاوزت كل مراحل الاتفاق إلى مواجهة نهائية.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ