ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
الفارس ..
ودسائس دمشق في بغداد عبدالله الغضوي عكاظ 13-7-2012 وأخيرا تحدثت
العشيرة السورية.. ذلك المكون
الاجتماعي الفاعل الممتد على أرض
الشرق السوري، في دير الزور والحسكة
والرقة، والذي ينتمي إليه أكثر من
ثلاثة ملايين. فعلها الشيخ نواف عبود
الفارس الجراح سفير النظام السوري في
العراق وابن عشيرة «الدميم» العريقة
أحد فروع قبيلة العقيدات في مدينة
البوكمال على الحدود العراقية السورية. طالما انتظرت الثورة
مواقف العشيرة، التي عول عليها
الكثير، لما لها من قوة وتأثير جماعي،
خصوصا أن ما يمس الفرد يمس المجتمع
وثورة الفرد هي ثورة المجتمع. في انشقاق الفارس
مدلولات خطيرة تنم عن ضعف وتآكل نظام
الأسد في الداخل وانهيار العقد
البعثي، خصوصا من يعرف أن السفير
المنشق بعثي حتى النخاع، تولى مناصب
حيوية في مناطق حساسة وبالغة الأهمية
للنظام، من محافظ للاذقية إلى إدلب،
ودير الزور وأخيرا سفيرا في دولة جوار
تعيش وضعا أمنيا صعبا وصراعا دوليا
لسورية نصيب كبير فيه. لم يكتف السفير
بالانشقاق فحسب، وإنما انضم إلى صفوف
الثوار لتكون هذه ضربتين، الأولى في
الخروج من النظام، والثانية في
الانضمام إلى الطرف المضاد، مايخيف
النظام أن يكون هذا الانشقاق افتتاحية
لمسلسل الانشقاق الدبلوماسي، خصوصا أن
البعض يؤكد استعداد 31 سفيرا للنظام
للانشقاق. منذ بداية الغزو
الأمريكي للعراق، وتهديد جورج بوش
الابن لسورية بضربة عسكرية، اعتمدت
المخابرات السورية على استراتيجية
مؤداها إغراق العراق والقوات
الأمريكية في فوضى العنف، وبذل كل
الجهود الاستخباراتية لتلقين
الأمريكيين درسا قاسيا في زعزعة
الاستقرار. بل طالما اتهم ساسة بغداد
دمشق أنها الداعم والمدبر لعمل
التنظيمات الإرهابية في العراق
وبالوثائق. كل ماسبق، هو اليوم
بالوثائق والدلائل في حوزة السفير
المنشق الذي يعتبر شاهدا وحيدا على «أقاويل»
تورط قيادة النظام السوري بزعزعة
استقرار العراق، ودعم الإرهاب. ستظهر دسائس نظام
الأسد في بغداد قريبا، ستظهر مكائد
البعث العتيدة في أرض العراق، كل ما
ارتكبته فروع المخابرات السورية
الخارجية في العراق ستنكشف للعالم. ================= تاريخ النشر:
الجمعة 13 يوليو 2012 محمد الباهلي 13-7-2012 في حواره مع صحيفة
"الجارديان" البريطانية، تحدث
كوفي عنان المبعوث المشترك للأمم
المتحدة وجامعة الدول العربية، عن
المدى الذي وصلته الأزمة السورية،
والمخاطر المتوقعة في سوريا، والدور
الذي تلعبه القوى الكبرى، أي روسيا
والصين من جهة، والولايات المتحدة
والدول الأوروبية من جهة أخرى، في هذه
الأزمة. واعتبر عنان أن سوريا ستكون
الخاسر الوحيد من هذه المنافسة
الهدامة، محذراً من بقاء الوضع فيها
على حاله منذ 15 شهراً، لأن استمرار
الأزمة على النحو الحالي سوف يدفع نحو
حرب أهلية قد يمتد خطرها إلى الدول
المجاورة. وهذا الرأي يتفق مع ما تحدث
به غالبية المحللين والمختصين في
الشأن السوري، والذين أكدوا أن
التضارب الخطير بين مواقف الدول
الكبرى حول الأزمة السورية، سوف يعمق
الأزمة ويوسع امتدادها إقليمياً، وأنه
لا مخرج من المأزق إلا بالتقريب بين
مواقف هذه الدول. هناك إذن أزمة خطيرة
وإشكالية سياسية معقدة يعاني منها
الشعب السوري، وكان من المفترض أن يكون
حلها في نطاق المجموعة العربية، وأن لا
تترك للقوى الخارجية فرصة التدخل وفرض
أجنداتها السياسية. إلا أن استماتة
نظام الأسد من أجل البقاء في السلطة،
وإثارته للخطاب الطائفي، وعدم إدراكه
المتغيرات السياسية الجارية في
المنطقة، وتداخل عوامل ومحركات أخرى
أسهمت في تفاقم الأزمة... كل ذلك فتح
الباب أمام هذا التدخل، والذي بدوره
فاقم الأزمة وجعل الأمور تندفع نحو
تعقيد أكبر، بعيداً عن الأمل في حدوث
انفراج سلمي للأزمة ينتقل بالوضع من
مرحلة الثورة إلى مرحلة التوافق
السياسي. إن إنقاذ سوريا من
الوقوع في أتون الحرب الأهلية لن يكون
ممكناً إلا بتوافقين؛ توافق القوى
الدولية الكبرى، وتوافق القوى
الداخلية متمثلة في المعارضة السورية.
والتوافق الداخلي يتطلب توحيد صفوف
المعارضة واتجاهها نحو هدف واحد يخدم
مصالح الشعب السوري ويزيل نظام "البعث"،
وهذا ما ينبغي الإسراع بإنجازه قبل أن
تدفع الأحداث نحو حرب أهلية معلنة، لأن
التطورات الجارية في المنطقة العربية،
قد تساعد على خلط الأوراق وإيجاد حالة
من الاضطراب العميق في منظومة الأمن
القومي العربي الإقليمي وتدهور
العلاقات بين القوى الكبرى، خاصة
روسيا والولايات المتحدة. إن الخطأ الذي وقع
فيه نظام "البعث" السوري، هو
توهمه بأن الدعم الخارجي، الروسي
والإيراني والصيني، سوف يستمر، وأنه
لا مانع من إبادة أكبر عدد من
السوريين، وهدم مقومات الدولة السورية...
على أساس أن ذلك الدعم سوف يوفر له
الحماية إلى ما لا نهاية. وهذا في تصوري
جهل خطير بمبادئ الواقع السياسي
وسياسات الدول الكبرى؛ لأن الروس
والأميركيين والأوروبيين سوف يصلون في
نهاية المطاف إلى اتفاق يحقق لكل منهم
مصالحه السياسية والمادية، وهذا ما
حدث في تجارب كثيرة سابقة، وعندها سوف
يدفع نظام "البعث" السوري الثمن
غالياً، كما حدث مع أنظمة أخرى في
تجارب عديدة مشابهة. ================= وسوريا تحترق! غازي دحمان ـ
دمشق المستقبل 13-7-2012 هل يحتاج الوضع في
سوريا إلى لغة دبلوماسية غامضة في حين
أن البلد بمجمله مقيم في غرفة العناية
المشددة، وما الداعي إلى هذا الكم من
التناقض الذي أظهرته التفسيرات
المختلفة لأطراف مجموعة العمل الدولية
لنص إتفاق جنيف، وكأن سوريا في بداية
أزمتها أو حتى لا زالت في مرحلة التهيؤ
للأزمة، أو كأن دبلوماسية حل النزاعات
لازالت بلا خبرة ولم تعبر فوق ركامات
الجثث في رواندا وسيراليون وكوسوفو
وليبيا! يبدو أن الكلام
الوحيد الصادق هو ما قاله كوفي أنان من
أن الحل يحتاج لعام آخر وهو في ذلك يكشف
عن تقدير حقيقي لهذا الدبلوماسي
العتيد لحركة واستعداد المجتمع
الدولي، حينها يكون الجرح السوري قد
نزف بما يكفي لموت سوريا أو تعطيلها
وإخراجها من دائرة الحياة . والواقع يكشف الحراك
الدولي تجاه الحدث السوري نمطاً
إستراتيجيا معيناً لمعالجة الأزمة
وذلك عبر مقاربتها وكانها حدث ساكن
وغير متحرك يمكن تزخيمه بأطروحات
دبلوماسية تعمل على إيجاد ديناميات
سياسية تشكل مسارات لحلول مرجوة، فيما
الوقائع على الأرض تشكل ديناميتها
الخاصة وتبتدع مسارات جديدة للأزمة
يصبح معها الفعل الدولي بتفاهماته
وقضاياه الخلافية وكأنه بات يخص قضايا
منتهية بفعل التقادم . نتيجة ذلك بمكن
ملاحظة أن مبادرات المجتمع الدولي
تتقدم على الورق في إطار عملية جدلية،
بمعنى أن كل مبادرة تستولد مبادرة
متقدمة بعض الشيء عن سابقتها، ولكن كل
مبادرة تموت بسبب أعطاب في داخلها
غالباً ما تنتجه الخلافات الدولية
رؤيوياً ومصلحياً. ونتيجة الإهمال
القصدي لتثبيت آليات محددة وواضحة
لإنفاذ تلك المبادرات على أرض الواقع
وتحويلها إلى فعل منتج لمسارات حلول
حقيقية . ماذا يعني ذلك؟، لم
يعد خافياً أن الأزمة السورية باتت
تشكل بيئة ومختبراً للسياسات الدولية
حيث تمارس روسيا تمرينات في السياسة
الدولية وفي إستراتيجيات التفاوض
وتستثمر في ذلك هامش الرخاوة في البيئة
الدولية، كما أن الولايات المتحدة
الأمريكية تحاول تجريب تعديل النمط
التدخلي الذي إتبعته في السنوات
الأخيرة عبر دفع شركائها الغربيين إلى
قيادة عمليات التدخل والإكتفاء بدور
المشرف والمعاين. لكن في مقابل ذلك
تشهد الأزمة السورية تطورات متسارعة
إن على مستوى زيادة عسكرة الثورة أو
على مستوى تأكل البناء الوطني السوري
وزيادة تهشيمه، وهو ما يشكل دينامية
داخلية مشتعلة تعمل على تغذية الازمة
السورية في مقابل التطور البطيء في
الحراك الدولي. وتؤكد المعلومات
الميدانية أن الحركة المناهضة لحكم
الأسد والتي تأخذ الطابع العسكري تشهد
تطورات مهمة في طريقة عملها وتنظيمها
بحيث يجري تحويلها من حركة عسكرية
طوعية إلى هيئة فعلية لها بنية عسكرية
أكثر تنظيماً. الأمر الذي إنعكس بشكل
واضح في زيادة فعاليتها الميدانية،
فضلاً عن زيادة الخبرة التي إمتلكتها
هذه المجموعات وتحسن إمدادات الأسلحة
إليها. على صعيد البناء
الوطني، لم يعد خافياً بأن طول الأزمة
وتصاعد حدة وتيرة العنف قد عملا بدرجة
كبيرة على إعادة صنع مقاربات وطنية
جديدة عن الوحدة الوطنية والموقف من
مؤسسات الدولة وحتى طبيعة الدولة
ذاتها، صحيح ان الوضع لم يصل بعد إلى حد
الإحتراب الوطني الكامل والواضح، غير
أن الانقسام بات متأسساً حول كل
القضايا التي تشكل مجالاً مشتركاً
للعيش الواحد ولإمكانية بناء دولة
عصرية واحدة تحت حكم الأسد أو من دونه. ومرة أخرى ماذا يعني
كل ذلك، يعني أن الثورة السورية لاتشبه
مثيلاتها العربيات، ليس من حيث أسباب
قيامها ولا من حيث طبيعة أدواتها، بل
من حيث إنتماؤها الجغرافي
والديمغرافي، فهي تشبه بدرجة كبيرة
مسارات الازمات اللبنانية والعراقية
والتعقيدات الفلسطينية والأردنية،
أزمات تاريخ إنفلاشها هو نفسه تاريخ
إستمرارها ودوامها، تعجز عن إنتاج حل
داخلي لها، وتعجز البيئة الدولية عن
التوافق بخصوصها، وتصبح كل المبادرات
مجرد محطات لإعادة تعريف الأزمة، من
الطائف اللبناني إلى مكة الفلسطيني
وليس أخيراً جنيف السوري . ================= خيبة إضافية حبيب فياض السفير 13-7-2012 العلاقات بين طهران
وأنقرة على ثباتها المعهود. يساهم في
ذلك حرص الجانبين على تحييد مفاعيل
الملفات الخلافية عن علاقاتهما
الثنائية. العلاقات هذه تقيم، أصلا، في
منتصف الطريق بين التقارب والتباعد.
فالتقارب بينهما لم يفض يوماً إلى
التكامل، وكذلك التباعد لم يكن مرّة
مرشحاً للصدام. «الفتور الايجابي» قدر
يحكم مسار العلاقة بين قطبي العالم
الإسلامي. لم يدفع إمساك «العدالة
والتنمية» بمقاليد السلطة إلى تقارب
تركي ملموس مع النظام الإيراني. «إسلامية»
الجانبين أوجدت عاملاً إضافياً يدفع
بهما إلى التهدئة، فيما «المذهبية»
تفتح أمامهما باباً للتصعيد. إنه
التاريخ، بارتداداته، يظل الحاضر
الأول بين أحفاد الصفويين وأحفاد
العثمانيين: خصومة لا يستطيعان
نسيانها، وحروب يتجنبان تكرارها. تلكم
هي المعادلة التي تحكم العلاقة بين
الدولتين الجارتين. وفي هذا الخضم، لكل
منهما مشروع لا يتراجع عنه. تركيا تريد
العودة إلى المنطقة عن طريق عثمانية
جديدة، من بوابة الثورات العربية. فيما
تريد إيران قيادة مشروع إسلامي في
الإقليم من دون إعادة إنتاج ما ينسب
إليها من صفوية جديدة. الأزمة السورية
باتت هي المحدد الأول لمدى تقدم كلا
المشروعين وتعثرهما. رئيس الوزراء التركي
رجب طيب اردوغان في طهران. الملف
السوري هو الحاضر الأول في زيارته. فشل
المباحثات حيال الأزمة السورية بين
الرئيس الأميركي وأردوغان على هامش
قمة سيول النووية دفع بالأخير إلى
تسريع الخطى باتجاه طهران. انسداد
الأفق أمام أنقرة في إسقاط النظام
السوري، وضعها أمام خيارات غير
عقلانية ومحكومة بالفشل. التراجع
الغربي في الموقف من هذه الأزمة، اضطر
أنقرة إلى التحول من إقناع الحليف
الأميركي إلى محاولة استمالة الخصم
الإيراني: البديل الوحيد لتعويض القوة
العسكرية المفقودة في التعامل مع
الأزمة السورية هو فصل القوة
الإيرانية عن النظام السوري.. الممرات
الآمنة المنشودة، وجهود توحيد
المعارضة، وانعقاد مؤتمر دولي آخر في
اسطنبول لأصدقاء سوريا، فضلا عن مساعي
أنان، كل هذا في حسابات تركيا لن يؤتي
أكله ولن يسمن أو يغني من جوع. انتقلت أنقرة من
مرحلة البناء على توقعات مغلوطة إلى
مرحلة الرهان على تمنيات واهية. رئيس
الوزراء التركي ما زال يصر على رحيل
الرئيس السوري «عاجلا أو آجلاً»..
ويؤكد أن «لا عودة عن ذلك». وزير
الخارجية التركي يعتبر أن الموقف
الروسي الداعم للنظام «موجة مؤقتة ولن
يستمر إلى ما لا نهاية». في السياق نفسه
يمكن وضع محاولات تركيا المتكررة
لإقناع إيران بالتخلي عن دعم دمشق..
المحاولات هذه باتت تعكس إفلاس أنقرة
في التعامل مع الأزمة السورية. لم يسمع
الضيف التركي من الإيراني سوى التأكيد
على الوقوف إلى جانب دمشق حتى النهاية.
الهوّة، على خلفية هذه الأزمة، ما زالت
كبيرة بين الجانبين. وأنقرة في ظل بقاء
النظام السوري أكبر الخاسرين. فيما
أثبتت طهران أن بقاءها الى جانب
حلفائها فوق كل اعتبار. لقد تعمدت طهران
استقبال نائب وزير الخارجية السوري
بالتزامن مع زيارة أردوغان إيغالا في
تأكيد دعمها لدمشق. الضيف السوري سمع
من الرئيس الإيراني إشادة بأداء نظام
بشار الأسد في التعامل مع المعارضة.
رهان طهران الرابح على بقاء النظام
السوري جعل المطلب التركي أقرب إلى
الاستجداء. فيما لن تستطيع أنقرة
استخدام دورها المتوقع في ملف إيران
النووي ورقة ضغط على الإيرانيين بعدما
بات هذا الملف وراء ظهورهم. أردوغان عاد خائباً
من طهران.. العرب عادوا خائبين من بغداد.
بين طهران وبغداد، النظام السوري
بمنأى عن التغيير. فيما لم يعد أمام
خصومه سوى مبادرة كوفي أنان ورقة توت
تستر عوراتهم. ================= كوفي
أنان (وقضاة مصر) بمسرح الجريمة مرة
اخرى د. عبد الوهاب
الأفندي 2012-07-12 القدس العربي
(1) إما أن السيد كوفي
أنان، المبعوث الأممي العربي إلى
سوريا، عبقري زمانه أو نبي يرى ما
لانراه، وإما أنه رجل لا يتعلم من
تجاربه، ولا يريد أن يتعلم. فبينما
العالم كله، ما عدا عمي البصيرة ممن
نعلم، يرى أن نظام الأسد لن يتورع عن
كبيرة حتى يخضع السوريين لحكمه
الاستبدادي أو يفنيهم، فإن أنان خرج
علينا هذا الأسبوع بأفكار قال إن الأسد
زوده بها لتخفيف العنف بالتدريج، وهي
في لغة الأسد يعني تنفيذ خطته في
القضاء على المعارضة لنظامه عبر
التنكيل المنهجي. فهل اختار أنان أن
يصبح شريكاً للأسد في جرائمه؟ (2)إن كان الأمر كذلك،
فلن تكون هذه المرة الأولى. كما هو
معروف، فإن أنان كان مسؤول عمليات حفظ
السلام في الأمم المتحدة عند وقوع
مجازر رواندا في عام 1994 تحت سمع وبصر
القوات الأممية تحت قيادته. وقد حمل
الجنرال الكندي روميو دالير، قائد
قوات الأمم المتحدة في رواندا وقتها
أنان المسؤولية كاملة عن تعويق عمل
القوات، ومنعها من التدخل لوقف
المجازر التي أودت بحياة قرابة مليون
شخص خلال مائة يوم. أنان كان أيضاً
مبعوث الأمين العام إلى يوغسلافيا
إبان إحدى فترات الحرب الأهلية هناك. (3)في عام 2004، قدم أنان
اعتذاراً خجولاً عن تقصيره المفجع في
تلك الواقعة، ولكن يبدو أن الدروس
والعبر من ذلك التقصير لم ترسخ في
ذاكرته، لأنه ما يزال، على ما يبدو،
يتحدث بلهجة من يرى أن ارتكاب المجازر 'وجهة
نظر'، وأن 'الحوار' بين ستالين ونزلاء
معتقلات سيبيريا، هو 'الحل' لما بين 'الطرفين'
من 'خلاف'. ولعل لديه مقترحات حول إدارة
مشتركة لمعسكرات الإبادة النازية،
وغير ذلك من الحلول العبقرية لـ 'الخلافات'. (4)لقد كوفئ أنان على
مساهمته في جرائم الإبادة الجماعية في
رواندا بتعيينه أميناً عاماً للأمم
المتحدة بدل أن يتم فصله ومحاكمته،
والسبب هو أن تلك كانت أيضاً سياسة
أمريكية غربية. ذلك أن إدارة كلينتون
كانت تدفع للتغطية على الجريمة حتى لا
تتعرض لضغوط التدخل بعد تجربتها
المريرة في الصومال في عام 1993. ولكن
التمادي في التعامل مع القتل الجماعي
والتعذيب المنهجي باعتباره مسألة
خلافية تخضع للحوار والأخذ والرد بعد
تلك التجربة، وفي وقت لم يعد فيه
الاعتذار بالجهل والمفاجأة متاحاً،
يخرج المسألة عن باب الاعتذار والأسف
إلى مجال المساءلة القانونية الواجبة. (5)بذكر القانون ودوره
فإن مسلك القضاء المصري خلال الأزمات
السياسية الأخيرة يهدد سمعته ومكانته،
رغم أن هذه السمعة كانت أقرب إلى
الأساطير منها إلى الحقيقة. فالمشكلة
لم تبدأ مع ملامح تواطؤ بعض الأجهزة
القضائية لتوجيه العملية السياسية
وجهة معينة، لأن جرائم النظام السابق
ما كانت لتمر لو كان الجهاز القضائي
يقوم بواجبه. فلا يمكن إيداع عشرات
الآلاف من المعتقلين السياسيين في
السجون أو إصدار أحكام ظالمة، وممارسة
التعذيب بصورة منهجية، بدون تواطؤ
قضاة كثيرين، وسكوت البقية. ولكن
الجديد في الأمر أن القضاة كان يمكن أن
يحتجوا في السابق بأنهم ينفذون
القانون، ولكنهم في هذه المرة يعمدون
إلى صناعته، بل إلى تحديد من يحق له أن
يصنعه. (6)هناك فاصل لا تخطئه
العين بين تعاون مؤسسات الدولة من قضاء
وجهاز تنفيذي وقوات مسلحة وبرلمان
ومؤسسات أخرى تحت سقف القانون، ووفق
قيم المجتمع، وتحت رقابة الشعب، كما هو
الحال في معظم الديمقراطيات، وبين أن
تمارس بعض هذه الأجهزة التآمر على
الشعب في الخفاء، كما كان عليه الحال
في تركيا الكمالية حتى عهد قريب. وفي
مصر لم يبلغ الأمر هذا الحد بعد، ولكن
هناك من يسعى إلى تحويل القضاء إلى حزب
سياسي في تحالف مع جهات تعمل في
الظلام، بعضها من بقايا النظام
السابق، خاصة داخل الجيش والمؤسسات
الأمنية. وإذا حدث هذا فيسقط هذا
الحزب، ومعه سمعة القضاء. (7)في مصر كما في
سوريا، تعيش البلاد فترة انتقالية بين
نظام 'قانوني' فقد مشروعيته وآخر يتشكل.
فبحسب الدستور والقوانين المصرية، لم
يكن من المتاح فرض تنحية الرئيس 'المنتخب'،
أو منح المجلس العسكري سلطة الحكم
والتشريع. بنفس القدر فإن الثورة على
الرئيس الأسد مخالفة لكل قوانين سوريا.
وفي مثل هذه الفترات الرمادية، يصبح
دور القضاء ملتبساً، لأنه لا يسعه فرض
القوانين المرفوضة شعبياً، كما أنه
ليس من صلاحيته التشريع ولا تحديد من
يشرع، لأن هذه سلطة الشعب المباشرة.
وكما هو الحال في تركيا، فإن مثل هذه
المحاولات للتلاعب بإرادة الشعب قد
تشتري بعض الوقت، ليس أكثر. (8)الوساطة تختلف عن
القضاء في أنها مفتوحة على كل
الاحتمالات، وقد تصلح لمثل هذه
الفترات الانتقالية. ولكن هذا يستلزم
أن يكون الطرف القابض على الحكم قد قرر
أن يتخلى عن السلطة، وتوقف عن العدوان.
عندها يكون التفاوض على تسليم السلطة،
والتكفير عن سالف الجرائم. أما حين
تكون الجرائم مستمرة، بل ومتزايدة،
فإن الحديث عن وساطة حول أي شيء سوى وقف
العنف لا يكون لها معنى، وتكون مشاركة
في الجريمة. وهذا هو تحديداً مقتضى خطة
أنان حالياً. ================= الفرار
من سفينة النظام الغارقة: آل طلاس
نموذجا صبحي حديدي 2012-07-12 القدس العربي
سوف تبدأ هذه السطور
من فرضية سجالية ـ قد يجدها البعض
صادمة، أو قد تخدش 'الحياء الوطني' لدى
البعض الآخر، أو قد تجدها جماعة ثالثة
أقرب إلى مسلّمة واقعية وجلية لم تعد
بحاجة إلى برهان ـ مفادها التالي: لا
يتوفر اليوم، أو لم يعد يتوفر، ضابط
واحد كبير في الجيش السوري، يمتلك
صلاحيات تنفيذية ملموسة تليق برتبته
العسكرية (بافتراض أنه لواء، أو عماد،
على سبيل المثال)؛ يمكن لانشقاقه أن
يُلحق أذى أساسياً، مباشراً وبنيوياً،
بقوّات النظام الموالية (الفرقة
الرابعة، الحرس الجمهوري، أو الأفواج
والألوية الملحقة بهاتين الوحدتين)؛
ويكون، في آن معاً، من أصول سنّية. ذلك لا يعني أنه لا
توجد رتب عالية في صفوف الضباط السنّة،
أو أنّ بعضهم لا يتولى مهامّ قيادية
مباشرة؛ ولكنه يعني أنّ أياً من هؤلاء
ليس القائد الفعلي حيث يتوجب أن يقود،
وليس الآمر المطاع حيث تُناط به صلاحية
إصدار الأوامر، إذْ ثمة على الدوام
مرجعيات (معلَنة أو خافية، تأخذ صفة 'ضابط
أمن' الوحدة العسكرية غالباً) هي التي
توْصَل، وتتصل، بالشبكة المفضية إلى
ذروة التسلسل الهرمي، حيث الحلقة
الضيّقة المقرّبة من بشار الأسد
شخصياً. الفرضية ذاتها لا تعني، في
المقابل، أنّ جميع الضباط من أبناء
الطائفة العلوية، أو النماذج القليلة
النادرة من الضباط الكبار أبناء
أقليات مذهبية ودينية أخرى، يمتلكون
صلاحيات عالية ومتقاربة ومتماثلة،
تضعهم على قدم المساواة مع النخب
المرجعية آنفة الذكر، من حيث ممارسة
السلطة العسكرية التنفيذية. في جانب ثالث، لا
تعني الفرضية أنّ إبعاد الضباط الكبار
السنّة عن حلقة القرار الأعلى المباشر
يمكن أن يفضي، تلقائياً وعلى نحو آلي،
إلى إضعاف ولائهم للنظام، أو تبلور
مشاعر سخط واحتجاج في نفوسهم، ممّا
يرشحهم لأداء دور 'إنقلابي' ضدّ
النظام، إذا توفّر احتمال كهذا. الأمر،
ببساطة، أنّ غالبية هؤلاء الضباط لا
يختلفون ـ إلا من حيث الصفة المهنية،
وحسّ الانضباط الأشدّ وضوحاً ـ عن
المسؤولين الكبار المدنيين في أجهزة
النظام الأخرى، الحزبية
والبيروقراطية والمؤسساتية: من حيث
التورّط في دوائر الفساد، والاستزلام
للحلقات الأعلى في هرم السلطة، وروحية
الخضوع والانقياد والذيلية والتبعية...
وفي جانب رابع، فإنّ
الانتماء إلى الفئة الأولى في آلة
النظام لا يمنح، وهو في ذاته ليس مصدر،
ضمانة دائمة للبقاء في كنف السلطة إذا
شاءت الظروف الطارئة، أو اقتضت
تطوّرات داخلية أو خارجية، دخول بعض
مكوّنات النظام الأساسية في صراع بقاء
مع رأس الهرم، أو بين بعضها البعض.
الإحالة القسرية إلى التقاعد، أو
الإقالة، أو الوضع على الرفّ، أو سواها
من خيارات الإزاحة بعيداً عن المشهد،
اعتُمدت على الدوام، منذ أن دشّن حافظ
الأسد هذه 'الفلسفة' في إدارة شخوص
النظام، ومراكز القوى داخل معماره
العسكري والأمني والحزبي. وتاريخ العشرات من
رفاق الأسد الأب، ثمّ رفاق وريثه، يشير
إلى أنهم سادوا ذات حقبة، وفُوّضوا،
وتمتعوا بصلاحيات بدت واسعة ومباشرة،
وقُرّبوا من الحلقة العليا على نحو
علني ومتعمّد، حتى رسخ في الأذهان أنهم
أعمدة لا غنى عنها لكي يرتكز معمار
النظام ويستقرّ. ثمّ... شاء هذا الترتيب
أو ذاك (نقل عمليات التوريث من باسل
الأسد إلى بشار الأسد، بعد مقتل الأوّل
في حادث سيارة، مثلاً)؛ وتلك الواقعة
أو تلك (اغتيال رئيس الوزراء اللبناني
الأسبق رفيق الحريري، وانسحاب قوّات
النظام من لبنان، مثلاً أيضاً)؛ تقويض
العمود ذاته، وإحالته إلى مهملات
التاريخ، أو إلى اللحد في المثال
الأقصى. تلك كانت حال أمثال حكمت
الشهابي، ناجي جميل، علي دوبا، علي
حيدر، رفعت الأسد، محمد الخولي... أيام
الأسد الأب؛ وحال عبد الحليم خدام،
غازي كنعان، بهجت سليمان، محمد منصورة...
أيام الأسد الابن. سيقت هذه الجوانب
الأربعة من فرضية غياب، وتغييب،
الضابط السنّي المكين، المتمكن
والمفوّض والآمر، لكي تساجل بأنّ
العماد الفارّ مناف طلاس لم يكن في أيّ
يوم مقرّباً من هرم السلطة الأعلى، رغم
كلّ ما قيل وتردّد عن 'صداقة' شخصية
جمعته مع بشار الأسد، وقبله باسل، ثمّ
ماهر؛ ورغم أنّ آخر وظائفه العسكرية
كانت قيادة اللواء 105 في الحرس
الجمهوري (وهنا، أيضاً، كان رئيس أركان
اللواء وضابط الأمن هما صلة الخطّ
الساخن مع ماهر الأسد، وليس العميد
طلاس نفسه). صحيح أنه تولى حفنة مهامّ
خاصة، دارت في معظمها حول 'تطبيع'
علاقات النظام مع نفر من المثقفين
السوريين، المحسوبين على اليسار
والمعارضة عموماً؛ كما انخرط في
عمليات أخرى نقيضة تماماً، أو لعلّها
مكمّلة بالمعنى الجدلي للشطر الأوّل
من المهمة، أساسها تشويه سمعة
المثقفين المعارضين والتشهير بهم،
وذلك عن طريق الإشراف على مواقع
إلكترونية تشبيحية، محلية و'ممانعة'،
تختلق كلّ وأي أكذوبة. بيد أنها كانت مهامّ
تطوّعية غالباً، من باب البرهنة على
الولاء، أو الإيحاء بالانتماء إلى جسم
السلطة، أو ممارسة التكاذب الصرف
المرتبط بسلوكيات الشخصية
الاستعراضية الفهلوية، أو هذه كلها
مجتمعة، ولكن مشروطة أيضاً بما يُسمح
له به، وما يُمنع عنه. وحتى يثبت العكس،
وليس البتة على لسان العميد طلاس أو
بألسنة الذين صاروا حملة مباخره بين
القاهرة وموسكو، ليس صحيحاً أنّ آل
الأسد غضبوا عليه لأنه قصّر في إخضاع
بلدة الرستن، مسقط رأس أبيه وأجداده؛
أو لأنّ لواءه لم يبلُ بلاء حسناً في
معارك المعضمية ودوما وداريا، وفضّل
المفاوضات (كما يتشدّق المبخّرون
اليوم) على الدبابات والمدفعية
الثقيلة وراجمات الصواريخ. أهل هذه
المناطق، وريف دمشق عموماً، عندهم
رواية أخرى مخالفة، ومختلفة تماماً،
لن يمرّ وقت طويل حتى تُروى بحذافيرها. ولأنّ العميد لم يعلن
أي 'انشقاق' حتى الساعة، وبالتالي فهو
مجرّد ضابط فارّ إلى أن يختار لنفسه
صفة أخرى، فإنّ كلّ ما نملك من 'تأويل'
لسلوكه هو هذا النصّ اليتيم الذي نسبته
إليه بعض المواقع السورية، ولم يكترث
صاحب النصّ بتأكيده أو نفيه. يقول
العميد: 'حفاظاً على مبادئي العسكرية
وعلى حبي للوطن، لقد حاولت دائما
القيام بواجبي حرصاً على الحفاظ على
وحدة الوطن والشعب طبقاً لما يمليه
ضميري علي. لم أدخل المؤسسة العسكرية
مؤمنا يوماً أنني أرى هذا الجيش يواجه
شعبه'. ثمّ يتابع: 'ويجدر بالذكر أنّ سبب
امتناعي عن تأدية مهامي ومسؤولياتي
داخل الجيش يكمن في أنني لم أوافق
إطلاقاً على سير العمليات الإجرامية
والعنف الغير مبرر الذي سار عليه نظام
الأسد منذ أشهر عديدة'. حقاً! الآن صارت 'الحركة
التصحيحية'، التي نصّبت الوالد، مصطفى
طلاس، وزير دفاع مزمناً طيلة 32 سنة؛
وحوّلت الشقيق، فراس طلاس، إلى واحد من
كبار حيتان الفساد والإفساد والأعمال
والأشغال؛ كما حوّلت العميد، نفسه،
إلى فتى مدلل ذوّاقة سيغار فاخر،
ومنتجعات فارهة، وغوايات شتى... هذه
صارت اليوم 'نظام الأسد'، الذي يرتكب 'العمليات
الإجرامية والعنف الغير مبرر'؟ كيف
يستقيم أنّ هذا الضابط 'المقرّب' سكت
طيلة 15 شهراً من 'العمليات الإجرامية'؟
وما الدليل على أنه لم يشارك في تلك
العمليات، على طريقته، بوسائله، وعبر
أزلامه؟ وأي مصداقية في أن يستفيق
اليوم، وليس ساعة مجزرة الحولة مثلاً،
أو دكّ بابا عمرو ودير الزور وحماة
وإدلب ودرعا... فيقول: 'أدعو زملائي
العسكريين مهما تكن رتبهم والذين
ينجرون في قتال ضد شعبهم ومبادئهم إلى
عدم تأييد هذا المسار المنحرف'؟ وكيف صار خيار
السلطة، العنفي والهمجي والوحشي، 'منحرفاً'،
الآن فقط؛ وصحا ضمير العميد الهمام، من
رقاد طويل مديد، فنراه يهتف اليوم: 'أقرّ
بشرعية النضال الذي تقوده المعارضة
وخاصة على الأرض'؟ من المضحك، بالطبع،
أن يطرح المرء السؤال المعتاد في
سياقات كهذه (أين كنتم، سيادة العميد،
ليس خلال 'أشهر عديدة'، بل منذ 12 سنة على
الأقل؟)؛ ولكنها خيانة لأكثر من 16 ألف
شهيد، ولمئات الآلاف من الجرحى
والمعتقلين والمشرّدين، ولصنوف من
الهمجية لم يشهدها تاريخ من قبل،
ولأنماط من التضحيات الجسام لم يسبق
لشعب أن قدّمها راضياً، صامداً
ومقاوٍماً... خيانة لهذه كلها، وضلالة
مخجلة ولا أخلاقية، فضلاً عن كونها
حماقة سياسية وانحطاطاً انتهازياً
بائساً، أن تجري عمليات تلميع العميد،
وتجميل فراره، وتنصيبه، وتوليته... حتى
قبل أن يعلن انشقاقه! أحرى بالمرء ـ خاصة
إذا أنس في نفسه حكمة المعارض المخضرم،
وعاب على شباب الانتفاضة افتقارهم إلى
التروي وعدم التبحّر في 'توسطات
السياسة' ـ أن يضع فرار العميد في
السياقات الأبسط، الأوضح والأشدّ وفاء
للحقيقة، والأعلى إبصاراً وتبصراً
بالملابسات التي اكتنفت عملية الفرار،
وتوقيتها. وأحرى بالمرء أن يفتش،
استطراداً، عن تراث العائلة، في ماضي 'الحركة
التصحيحية' وفي حاضرها، وأن يردّ الفتى
العميد إلى أبيه، العماد أوّل وزير
الدفاع المزمن؛ ثمّ إلى أخيه (رجل
الأعمال الذي يخصص جعبة لخدمة النظام،
وأخرى لتمويل منابر 'معارضة' تائهة بين
باريس والقاهرة وموسكو). آل طلاس،
إذاً، اتخذوا قرار مغادرة سفينة
النظام الآخذة في الغرق، بعد اقتناعهم
التامّ بأنّ أحداً لن يفلح في جرّ
السفينة إلى برّ الأمان، وأنّ النار
التي أشعلها النظام في سورية، قاطبة،
سوف تأكل العائلة أيضاً، ولن توفّر
أموالها وأعمالها. وعلى غرار تقاعد
الأب، صيف 2004، يبدو فرار الابن هزيل
الدلالة، وتحصيل حاصل؛ كلاهما خدم من
الموقع الأدنى، رغم صعوده أو تصعيده؛
وكلاهما لم يفلح أبداً في الارتقاء
أعلى من الموقع الذي أراده له سيّده:
حافظ الأسد، بالنسبة إلى مصطفى طلاس،
سنة 1971؛ وبشار الأسد، بالنسبة إلى مناف
طلاس، سنة 2000. وكما أنّ انتهاء خدمات
العماد أوّل طلاس لم ينطوِ على دلالة
داخلية ذات قيمة، سواء على صعيد تركيبة
الجيش، أو على صعيد توازنات مراكز
القوى؛ فإنّ فرار العميد طلاس لن تكون
له قيمة مباشرة على صعيد معمار النظام
الراهن، ولن يُلحق الأذى بالتوازنات
الراهنة بين الأطراف العسكرية
والأمنية والتجارية ـ الاستثمارية في
جسم السلطة. واللواء 105 لم يتصدّع ولم
يتشرذم ولم ينشقّ، لأنّ العميد الذي
فرّ إلى تركيا لم يكن قائد اللواء
الفعلي، بل الشكلي. ويبقى، بالطبع، أنّ
الانتفاضة تجبّ ما قبلها، كما قلنا
ونقول؛ وصحوة الضمير أمر حميد، خاصة
إذا أتت من ضابط محترف كان ربيب النظام
حتى عهد قريب. شتان، مع ذلك، بين القفز
الغريزي خارج السفينة الغارقة،
والانقضاض التكتيكي على منجزات
الانتفاضة؛ والصدق، مع الذات والوطن
هو المعيار الأوّل، شرط أن يُستكمل
سريعاً، بوضوح أقصى، دون تأتأة أو
مناورة، خارج شطارات الشخصية
الفهلوية، وبتواضع المواطن التائب إلى
الشهداء، الراضي بحكم التاريخ، ومحكمة
الشعب. ================= الجمعة ١٣
يوليو ٢٠١٢ اليأس حرفوش الحياة ليست هذه المرة
الأولى التي تقف فيها موسكو في الجانب
الخاطئ من التاريخ. في منطقتنا هناك
الذكرى المريرة للدعم السوفياتي للحكم
الشيوعي في أفغانستان، الذي كان
مرفوضاً من أكثرية الأفغان. وفي أوروبا
هناك الدور السلبي الذي لعبته موسكو في
حروب يوغوسلافيا السابقة، بوقوفها
ودعمها السياسي والعسكري للصرب،
وللقمع والقتل اللذين مارسوهما بحق
المسلمين والكروات في البوسنة وكوسوفو
وفي كرواتيا، لمنع شعوب هذه المناطق من
تحقيق حلمها بالاستقلال. ولعل من
المفيد التذكير بمصير قادة الصرب في
تلك الفترة، مثل سلوبودان ميلوسوفيتش
الذي مات في السجن، وكاراديتش
وملاديتش المعتقلين، واللذين
تحاكمهما المحكمة الجنائية الدولية في
لاهاي، على رغم فرارهما من العدالة
سنين طويلة. لهذا لا تخرج موسكو
عن تقاليدها عندما تقف إلى جانب القمع
الذي يمارسه النظام السوري بحق شعبه.
ولعل المقارنة تصح بين مقاومة الشعب
السوري وتلك التي قام بها شعب
أفغانستان و «الشعوب» اليوغوسلافية،
أكثر من تلك المقارنة التي أجراها رئيس
«المجلس الوطني» عبد الباسط سيدا بين
الثورة السورية والثورة البلشفية. ذلك
أن هذه أخذت طابعاًَ طبقياً
بروليتارياً، وانتهى الحكم الذي
انتجته إلى دكتاتورية كاملة، عانت
منها شعوب الاتحاد السوفياتي السابق
على مدى سبعين عاماً. ولا نعتقد أن هذا
هو الطموح الذي تريد الثورة السورية أن
تحققه في بلدها. خرج الاتحاد
السوفياتي من أفغانستان بهزيمة كاملة،
وُصفت في حينه بأنها أشبه بالهزيمة
الأميركية في فيتنام. غير أن ما جعل ذلك
الخروج ممكناً كان انتقال الحكم في
موسكو إلى يد ميخائيل غورباتشوف، الذي
قرر تحرير الحزب الشيوعي من إرث القمع
التاريخي، والوقوف إلى جانب شعبه،
فأخذ القرار الجريء بوضع حد لعصر
الظلام السوفياتي، وبالتالي لإنهاء
المغامرة الأفغانية التي أسهمت في
إفلاس الاتحاد السوفياتي سياسياً
وعسكرياً، وقطعت صلاته بأكثر العالم
العربي والإسلامي، حيث لم يبقَ له سوى
حلفاؤه من الأحزاب المنضوية تحت
لوائه، والتي لا تختلف أيديولوجية
القمع التي تعتنقها عن أيديولوجيته. وانتهى الدعم الروسي
للحلفاء الصرب بهزيمتهم العسكرية على
يد التحالف الغربي، بعدما فاقت
المجازر التي ارتكبوها حدود الاحتمال
الدولي، في وقت كان كوفي أنان (إياه)
ممثلاً للأمين العام للأمم المتحدة،
ومسؤولاً عن قوات حفظ السلام التي كانت
«تراقب» المجازر بحق المسلمين في
سريبرينيتسا وسواها. في المغامرتين،
الأفغانية والصربية، أخذ الروس جانب
المعتدي ضد الشعب: في الحالة الأولى
باسم العقيدة الشيوعية التي وضعها
الغزو في مواجهة مباشرة مع العقيدة
الإسلامية، ما أدى إلى نمو نزعات
الانفصال في جمهوريات الاتحاد
السوفياتي الإسلامية، وفي الحالة
الثانية باسم التعاطف مع أبناء المذهب
الواحد (الأرثوذكس)، وهو ما وضعهم
مجدداً في الصف المعادي للكاثوليك
وللمسلمين في جمهوريات يوغوسلافيا
السابقة. وفي كل الحالات كانت موسكو
أبعد ما يمكن أن تكون عن احترام رغبات
الشعوب والقيم الديموقراطية. الخوف الآن، في
المغامرة التي ترتكبها موسكو في ظل
فلاديمير بوتين، بدعمها أداة القمع في
دمشق، بالمساندة السياسية التي تسد
الطريق أمام مجلس الأمن، وبالمساندة
العسكرية التي يستقوي بها النظام ضد
شعبه، الخوف أن نكون أمام نشوء ظاهرة
مذهبية متطرفة كرد فعل على القمع،
شبيهة بظاهرة «الأفغان العرب» التي
ولدت كنتيجة للمقاومة الإسلامية للغزو
السوفياتي لأفغانستان. ذلك أن عناصر
كثيرة تسمح بالمقارنة، من الهوية
المذهبية للمقاومة إلى مصادر التمويل
والتسلح، إلى طبيعة المواجهة بين نظام
يمارس القمع وشعب يسعى إلى الحرية.
وإذا نشأت ظاهرة كهذه، فلن يكون خطرها
على مستقبل سورية وعلى وحدتها فقط بل
على استقرار المنطقة كلها والعلاقات
الداخلية بين شعوبها. ظاهرة كهذه سيكون
صداها أبعد بكثير من «الأفغان العرب». ================= الشرق
الأوسط بحاجة إلى الحوار وليس إلى
الحرب باتريك سيل * الجمعة ١٣
يوليو ٢٠١٢ الحياة «الحوار هو
إستراتيجية الشجعان». سمعتُ هذه
الجملة الملفتة على لسان وزير خارجية
النروج يوناس غاهر ستور، أحد رجال
الدولة الأوروبيين الذين يتمتعون
بحكمة كبيرة، حين كنتُ أحضر الشهرَ
الماضي منتدى أوسلو، الذي يجمع سنوياً
الوسطاء المحتملين في نزاعات العالم.
ونادراً ما كان الحوار ضرورياً مثلما
هو اليوم في الشرق الأوسط، الذي يعاني
اضطرابات عميقة. في سورية، من غير
المرجح أن يؤدي النزاع العنيف الحالي
إلى نتيجة حاسمة، فحتى لو كانت الأموال
والأسلحة لا تزال تتدفّق على الثوّار،
إلا أنهم لن يتمكنوا من هزيمة الجيش
السوري بمفردهم. وتأمل المعارضة في
حصول تدخّل عسكري خارجي، إلا أنه من
غير المرجح حدوث ذلك، فالمناخ السائد
في الولايات المتحدة وأوروبا يميل الى
الانسحاب من نزاعات الشرق الأوسط حتى
لا تنجرَّ إلى نزاعات أخرى. على أي حال،
طالما أنّ المعارضة السورية لا تزال
منقسمة في العمق، فلا أمل لديها في
تحقيق أهدافها. كيف تبدو صورة
المستقبل إذن؟ نحن أمام أزمة دموية
ستستمر وتطول، وسيموت في هذه الأثناء
عدد أكبر من الأشخاص، أو قد يتمّ
تشريدهم من منازلهم، كما سيتمّ تدمير
سورية، الأمر الذي سيفرح أعداءها،
وعلى رأسهم إسرائيل. وحتى لو تنحى الرئيس
بشار الأسد، يترتب على المعارضة
التوصل إلى اتفاق يتمّ التفاوض عليه مع
الضباط النافذين وقوات الأمن في
سورية، الذين يُعَدّون ركيزة النظام
فضلاً عن ممثلين عن الأقليات المختلفة
التي تشكّل جزءاً قديماً وأساسياً من
نسيج سورية الاجتماعي. ومن شأن الحوار، الذي
يسبقه وقفٌ لإطلاق النار بين
الجانبين، إنقاذُ سورية من كارثة
الحرب الأهلية الطائفية التي لن ينتج
عنها رابحون، بل خاسرون فحسب. وهذا ما
يحاول كوفي أنان، الوسيط المفوّض من
الأمم المتحدة بلوغه. ويجب أن يتمّ دعم
جهود أنان وليس تقويضها، ويمكن أن تكون
الصفقة التي يتمّ التفاوض عليها في مصر
اليوم بين الإخوان المسلمين والقوات
المسلحة مثالاً تحتذي به سورية. قد يتمّ احتواء
التوترات الخطيرة في الخليج بشكل مثمر
من خلال الحوار، فالرئيس المصري محمد
مرسي يقوم بزيارة رسمية للسعودية، كما
يقال إنه قَبِلَ دعوة وجّهها إليه
الرئيس الإيراني أحمدي نجاد. وقد يحقّق
مرسي نجاحاً ديبلوماسياً رائعاً
بالنسبة إلى مصر في حال تمكن من إطلاق
حوار إستراتيجي ثلاثي الأطراف بين
القاهرة والرياض وطهران، فبوسع هذه
العواصم الثلاث الأساسية، إذا عملت
بعضها مع بعض، أن تحلّ عدداً كبيراً من
النزاعات في المنطقة، وأن تضع حدّاً
لتدخلات القوى الخارجية المخلّة
بالاستقرار. وبوسع مصر والمملكة
العربية السعودية من خلال الحوار
والتعاون، أن تجُرّا إيران إلى منظومة
أمنية في المنطقة. قد تكون هذه أفضل
وصفة لإحلال الاستقرار والسلام بدلاً
من اعتماد سياسة التهديد والعقوبات
والتخويف. وعلى رغم الحملة
الدعائية التي تديرها إسرائيل
وواشنطن، لا يوجد دليل على أن إيران
ترغب في حيازة الأسلحة الذرية، فقد
أعلن المرشد الأعلى الإيراني آية الله
علي خامنئي في شهر شباط (فبراير)
الماضي، أن امتلاك أسلحة مماثلة «غير
مجد وخطير وخطيئة كبرى من وجهة نظر
فكرية ودينية». ويجب أخذ كلامه على
محمل الجد، فقد أكدت وكالات
الاستخبارات الغربية أن إيران التي
تسعى إلى إتقان دورة وقود اليورانيوم،
لم تبدأ العمل بعدُ على أي برنامج نووي
عسكري. ولا يوجد دليل قاطع
على أنّ منطقة الخليج تواجه خطراً من «طموحات
إيران للهيمنة على المنطقة». وثمة
مبالغة كبيرة برأيي حيال دور إيران
المزعوم في تحريض الشيعة في دول
الخليج، فالجمهورية الإسلامية ليست في
وارد تهديد أي بلد أو احتلاله، فهي
تسعى إلى الصمود في وجه الاعتداءات
التي تتعرّض لها على شبكة الإنترنت
والاغتيالات والإساءات من الولايات
المتحدة وإسرائيل، الأمر الذي قد يؤدي
إلى اندلاع حرب شاملة. وقلصت العقوبات
القاسية صادرات إيران النفطية بنسبة
مليون برميل في اليوم. أما عملتها
فانهارت، فيما يناضل شعبها للتغلّب
على التضخّم الذي بلغت نسبته 30 في
المئة. وفي ظلّ هذه الضغوط الكبيرة، قد
تتحرك إيران، جرّاء الإحباط الذي تشعر
به، فتشنّ حرباً إقليمية ضروساً لا تصب
أبداً في مصلحة دول الخليج العربية. وبدلاً من المساهمة
في حلّ النزاعات من خلال الترويج
للحوار بين دول المنطقة، تسعى
الولايات المتحدة إلى تعزيز قواتها
المسلحة في منطقة الخليج. وتشير
التقارير الى أنها استقدمت طائرات
حربية من طراز «أف 22» و «أف إي-18» إلى
قواعدها في المنطقة، كما ضاعفت عدد
كاسحات الألغام من أربعة إلى ثمانية.
وأعلن ضابط كبير في وزارة الدفاع
الأميركية، أن استخدام القوة
الأميركية يهدف إلى تقديم «دليل قاطع
إلى كافة حلفائنا وشركائنا وأصدقائنا،
أن الولايات المتحدة لا تزال تهتم
بالشرق الأوسط حتى لو حوّلت تركيزها
نحو آسيا». هل هذا ما تريد
المنطقة سماعه؟ بدأت عسكرة السياسة
الأميركية الخارجية خلال الحرب
الباردة للرد على ما اعتُبر خطراً من
الاتحاد السوفياتي. وتمّ توسيع هذه
العسكرة في عهد إدارة جورج بوش الابن.
نتيجة ذلك، اندلعت حربان كارثيتان في
أفغانستان والعراق تسببتا بتدمير هذين
البلدين، فيما أفلست أميركا وأضرّت
بسمعتها. ويرى المؤرخ الأميركي وليم
بولك، أن الولايات المتحدة أنفقت على
الأقل 2.59 تريليون دولار على «الدفاع»
خلال السنوات الخمس الماضية، علماً
أنّ جزءاً كبيراً منها كان مخصصاً
للأسلحة، وهي تخطط لإنفاق 5 في المئة
إضافية في السنوات الخمس المقبلة. تدفع إسرائيل
وحلفاؤها من المحافظين الجدد في
الولايات المتحدة، إدارةَ أوباما إلى
إخضاع إيران بالطريقة نفسها التي دفعت
إدارة بوش إلى تدمير العراق. يجب ألا
يقدّم العرب دعمهم لهذه الحملة، ومن
الممكن حلّ النزاعات في المنطقة، لا
سيما التوترات الخطيرة المتعلقة
بمنشآت إيران النووية من خلال الحوار
والتفاوض بدلاً من القوة العسكرية. لا شك في أن بعض دول
الخليج تخشى من أن تتعرض للتهديد من
إيران في حال تمّت إزالة الغطاء
الأميركي الذي يحميها. لكن في حال
انسحبت الولايات المتحدة من قواعدها
في المنطقة، الأمر الذي يؤيده عدد كبير
من المفكرين الإستراتيجيين
الأميركيين، فيمكنها أن تحافظ على
وجود بحري «عبر الأفق» من شأنه توفير
الحماية المناسبة. لطالما اعتبرتُ في
مقالاتي، أن تحويل إيران عدوّاً لا يصب
في مصلحة العرب، فبين دول الخليج
وإيران مصالح تجارية وإستراتيجية
مشتركة، ناهيك عن المسؤولية المشتركة
عن أمن المنطقة. أما العبرة الواضحة
التي يمكن استخلاصها من الأزمات
الحالية، فهي أن القوى المحلية يجب أن
تكون قادرة على حماية نفسها أو التوصل
إلى حلّ مرضٍ مع الدول غير العربية
المجاورة لها عن طريق الحوار والتعاون. ويجب إقناع إسرائيل
بأنّ سياستها الحالية القائمة على
الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية إلى
جانب السعي إلى إضعاف الدول المجاورة
لها والإخلال باستقرارها، ليست
الطريقة الأفضل لضمان أمنها. بل على
العكس، يمكن ضمان أمن إسرائيل على
المدى الطويل في حال تطبيع علاقاتها مع
العرب ومع إيران، وذلك عبر السماح
بقيام دولة فلسطينية. ومن شأن حوار
حقيقي ومستدام تحقيق هذا الهدف. ومن
الضروري أن يصب المجتمع الدولي تركيزه
الكامل على ذلك. ===================== بقلم سيرجي
لافروف 10/7/2012 المصدر: شبكة
فولتير ترجمة سعيد
هلال الشريفي لم تتوقف الدعاية
الغربية يوما عن تسخيف الموقف الروسي
من الأزمة السورية، واتهام موسكو
بدعمها لدمشق لدوافع تجارية، إلى حد
وصفها بالتضامن الاجرامي معها. لايتناول سيرغي
لافروف هنا الخيارات الاستراتيجية
الروسية، بقدر ما يعرض منظومة
المباديء التي تحكم الدبلوماسية
الروسية، ويرد بأناة على حماقات وسائل
إعلام الغرب، مذكرا بتمسك موسكو
بالقانون الدولي واهتمامها في دعم
الشعوب. يوازن السيد لافروف
في هذه المقالة بين الدعم الشعبي
الواسع الذي يحظى به الرئيس الأسد، من
جهة، وبين لا شرعية المعارضة الطائفية
المسلحة، المدعومة من الخارج، من
ناحية أخرى. SHABAKAT
VOLTAIRE |
موسكو | 2 تموز (يوليو) 2012 _________ لقد احتلت الأحداث
المتلاحقة خلال السنة، أو السنة
والنصف الماضية في شمال أفريقيا
والشرق الأوسط، المكانة الأولى بين
القضايا السياسية على جدول الأعمال،
على المستوى العالمي. وقد وصفت تلك
الأحداث في كثير من الأحيان، بأنها
ستبقى الحقبة الأبرز في الحياة
الدولية للقرن الحادي والعشرين الفتي. لقد نبه خبراء، ومنذ
زمن طويل، إلى هشاشة أنظمة الاستبداد
في البلدان العربية، واحتمال نشوب
مواجهات ذات طابع اجتماعي وسياسي. كان من الصعب التنبؤ
بحجم وسرعة موجة التغيير التي اجتاحت
المنطقة. وكنتيجة طبيعية للأزمة التي
أصبحت ماثلة للعيان في الاقتصاد
العالمي، فقد أوضحت الأحداث أن
العملية التي أدت إلى انبثاق معالم
نظام دولي جديد، قد دخلت في مرحلة من
الاضطراب. وبالنظر لبروز حركات
اجتماعية هامة في بلدان المنطقة، فقد
غدا أمرا ملحا بالنسبة للاعبين
الخارجيين، ولمجموع الأسرة الدولية،
معرفة السياسات التي سيتم اتباعها.
وبناء على ذلك فقد عقدت العديد من
الدول، والمنظمات الدولية، الكثير من
جلسات النقاش على مستوى الخبراء،
لدراسة هذه المسألة، واتخذت اجراءات
ملموسة، نجم عنها مقاربتين رئيستين
للمسألة: إما تقديم العون
للشعوب العربية كي تحدد مستقبلها
بنفسها، أو محاولة تشكيل واقع سياسي
جديد، يتوافق مع رغباتنا، مستفيدين من
اضعاف هياكل بنى الدولة التي أثبتت
جمودها منذ وقت طويل. غير أن الأوضاع
تتطور بسرعة، مما يفرض على من يلعبون
دورا متقدما في القضايا الاقليمية،
تعزيز جهودهم، بدل تشتيتها في اتجاهات
متباينة، كما تفعل الشخصيات في قصص
ايفان كريلوف الخرافية. اسمحوا لي أن أوجز
الأدلة التي أقدمها تباعا، بخصوص تطور
الأوضاع في الشرق الأوسط. بداية، إن روسيا،
وبالتشارك مع غالبية بلدان العالم،
تحفز تطلعات الشعوب العربية لحياة
أفضل، تسودها الديمقراطية، ويعم فيها
الرخاء. وهي على أتم استعداد لمساندة
هذه الجهود. لهذا السبب رحبنا بمبادرة
الشراكة في قمة الثماني الكبار التي
عقدت في “دوفيل” بفرنسا، وأعلنا بشكل
صارم معارضتنا اللجوء إلى العنف في
اطار الاضطرابات الجارية الآن في
البلدان العربية، وبشكل خاص ضد
المدنيين. إننا ندرك جيدا أن التحولات
الاجتماعية مسار معقد، وطويل عموما،
ونادرا ما يحصل بشكل سلس. ومن المرجح أن تعرف
روسيا أكثر من غيرها، الثمن الواجب على
الثورات دفعه. لكننا ندرك تماما أن
التغيرات الثورية، غالبا ما تأتي
متزامنة مع انتكاسات اجتماعية
واقتصادية، وخسائر في الأرواح،
والكثير من الآلام. لهذا السبب تحديدا،
دافعنا عن رؤية تطورية وسلمية، ترمي
إلى تنفيذ سلسلة تغييرات طال انتظارها
في الشرق الأوسط، وشمال أفريقيا. وكما يقال: ما هو الرد
الواجب القيام به عندما يأخذ استعراض
القوة بين السلطة والمعارضة، شكل
مواجهات مسلحة وعنيفة؟ الجواب بديهي: يجب
على اللاعبين الخارجيين أن يوظفوا كل
امكاناتهم، من أجل، وقف نزيف الدماء،
من جهة، ودعم حل توافقي، تشارك فيه كل
أطراف النزاع، من جهة ثانية. عندما دعمنا قرار
مجلس الأمن ذي الرقم 1970، ولم نبد
اعتراضا على القرار رقم 1973، حول ليبيا،
كنا نظن أن هذه القرارات سوف تؤدي إلى
تقييد الاستخدام المفرط للقوة، وترسي
دعائم تسوية سياسية للنزاع القائم. لكن للأسف، فقد أدت
الاجراءات المتبعة من قبل بعض البلدان
المنضوية في عضوية حلف شمال الأطلسي،
إلى انتهاكات فظيعة لهذه القرارات،
وإلى دعم طرف دون آخر في حرب أهلية، كان
الهدف منها الاطاحة بنظام الحكم
القائم، وبطريقهم أطاحوا أيضا بسلطة
مجلس الأمن. وفي ظل الظروف
الراهنة، التي أصبحت فيها العلاقات
الدولية في غاية التعقيد، بات واضحا أن
حل النزاعات عبر اللجوء إلى القوة، لم
يعد يحظى بأي فرصة نجاح. الأمثلة على
ذلك عديدة. يكفي أن نذكر بالوضع الشائك
في العراق، وأزمة أفغانستان، التي لم
يظهر أي حل لها حتى الآن. من ناحية أخرى، هناك
عوامل كثيرة تشير إلى أن الأمور في
ليبيا، بعد الاطاحة بمعمر القذافي،
ليست في أحسن أحوالها. بل على العكس.
فقد امتدت حالة عدم الاستقرار إلى
الصحراء الكبرى، ومنطقة الساحل، وأدت
إلى نشوء أوضاع مأساوية متدهورة في
جمهورية مالي. تشكل مصر مثالا آخر:
لم يصل هذا البلد إلى شاطيء الأمان
بعد، هذا على الرغم من أن عملية تغيير
النظام لم تصحبها موجة عنف، وأن حسني
مبارك، الذي حكم البلاد لمدة تزيد عن
ثلاثين سنة، قد غادر القصر الجمهوري
بمليء إرادته، بعد أسابيع قليلة من بدء
حركة الاحتجاج. كيف لنا أن لا نقلق مع
ذلك، هذا فضلا عن كثير من المشكلات
الأخرى، من تواتر المعلومات التي تثبت
تصاعد حدة المواجهات الطائفية،
والانتهاكات الحاصلة بحق الأقليات
المسيحية في البلاد؟ لهذا، فإن الأسباب
التي تدفعنا إلى تبني المقاربة الأكثر
توازنا فيما يخص الأزمة السورية،
والتي هي الأكثر حدة في المنطقة الآن،
أكثر من كافية. لقد اتضح لنا، تبعا
للأحداث التي جرت في ليبيا، استحالة
موافقة مجلس الأمن على اتخاذ قرارات
غامضة، تتيح للقائمين على تنفيذها
ميدانيا، التصرف تبعا لأهوائهم.
والتأكيد على أن أي تفويض يصدر، من
الآن فصاعدا باسم الأسرة الدولية، يجب
أن يكون واضحا، ومحددا قدر الامكان،
تجنبا لأي غموض ممكن. لسوء الحظ فإننا
نفتقد بشكل ذريع لتحليلات مؤهلة
وصادقة لتطورات الأوضاع، والنتائج
المحتملة في سورية. وفي غالب الأحيان
يستعاض عن هذه التحليلات بصور مبسطة،
وكليشيهات دعائية بالأسود والأبيض.
لاتزال المصادر الأساسية للمعلومات
على الساحة الدولية، تنتج مقالات
تتحدث عن نظام ديكتاتوري، فاسد، يقمع
بوحشية، طموحات شعبه المتطلع إلى
الحرية والديمقراطية.
لكن كتاب هذه
المقالات، لم يسألوا أنفسهم، على
مايبدو، كيف يمكن لحكومة أن تبقى صامدة
طيلة عام كامل، على الرغم من العقوبات
المفروضة عليها من قبل أهم شركائها
الاقتصاديين في البلد، إذا لم يكن لها
أي دعم شعبي؟ ولم يسألوا أنفسهم لماذا
أقدمت غالبية أفراد الشعب على التصويت
لصالح مشروع الدستور المقترح من قبل
السلطة؟ ولماذا، لاتزال غالبية
العسكريين، رغم كل ماحصل، أوفياء
لقادتهم؟ إذا كان الجواب على
هذا السؤال، هو الخوف، من حقنا أن
نتساءل لماذا لم يكن عامل الخوف في
صالح أنظمة أخرى؟ لقد أعلنا مرارا
وتكرارا، أن روسيا لاتدافع عن النظام
الحالي في دمشق، ولم يكن لديها أي
موجبات سياسية، أو اقتصادية، أو أي
أسباب أخرى لتفعل ذلك. وفي الواقع لم نكن
يوما شريكا تجاريا، أو اقتصاديا مهما
لهذا البلد، الذي كانت حكومته على
تواصل أقوى مع عواصم أوروبا الغربية.
وليكن واضحا سواء في نظرنا، أو في نظر
الآخرين، أن الجزء الأكبر من مسؤولية
الأزمة التي تعصف بالبلاد، تقع على
عاتق الحكومة السورية، التي فشلت في
سلوك طريق الاصلاح في الوقت المناسب،
وفي استخلاص النتائج الناجمة عن
الاضطرابات العميقة، التي حصلت في
صميم العلاقات الدولية. كل هذا حق. لكن هناك
مع ذلك وقائع أخرى. سورية بلد متعدد
الطوائف، يعيش فيه المسلمون السنة،
إلى جانب الشيعة والعلويين، إضافة إلى
المسيحيين الأرتودوكس، والمذاهب
الأخرى منهم، مع الدروز والأكراد. ظلت
حرية الاعتقاد محترمة في سورية، طيلة
العقود الأخيرة من حكم البعث
العلماني، لهذا فإن الأقليات الدينية
تخشى من الاطاحة بالنظام، كي لاينتهي
هذا التقليد المتبع. عندما نؤكد على ضرورة
الاصغاء لهذه المخاوف، وأخذها بعين
الاعتبار، نتهم أحيانا بأننا نتخذ
مواقف معادية للسنة، وبشكل أوضح،
معادية للمسلمين. ليس هناك ما هو أكثر
مجافاة للحقيقة من هذا الاعتقاد. في روسيا، ثمة أناس
من طوائف متعددة، غالبيتهم مسيحيون
أرتودوكس، يعيشون منذ قرون عدة إلى
جانب المسلمين. كما أن بلدنا لم يخض عبر
تاريخه، حروبا استعمارية في الوطن
العربي. بل على العكس تماما، فقد دأبت
روسيا على دعم استقلال الشعوب
العربية، والوقوف إلى جانب حقهم في
التنمية المستقلة. أيضا يجب التذكير بأن
روسيا لاتتحمل أي مسؤولية نجمت عن
الاضطرابات الاجتماعية والاحتقانات،
التي استمرت حتى الآن، إثر الهيمنة
الاستعمارية للمنطقة. وهنا أريد أن أتحدث
بشكل مختلف. إذا أعرب بعض الأفراد
في مجتمع عن قلقهم من احتمال تعرضهم
لتمييز على أساس ديني أو عرقي، فمن
الواجب أن تقدم لهم كل الضمانات
الضرورية، وفقا للمعايير الانسانية
الدولية المعمول بها. لقد شكلت مسألة حقوق
الانسان واحترام الحريات الأساسية
تاريخيا، ولا تزال تشكل مشكلة كبرى
لجميع الدول في الشرق الأوسط، وهي بشكل
أو بآخر، أحد أهم أسباب “الثورات
العربية”. وبناء على ذلك، لم
تكن سورية يوما، تلميذا سيئا على صعيد
الحريات المدنية في المنطقة، وهي أكثر
تقدما، وبما لايقارن مع بعض البلدان
التي تسعى إلى إعطاء دمشق دروسا
بالديمقراطية هذه الأيام. في واحد من أعدادها
الصادرة مؤخرا، نشرت صحيفة لوموند
ديبلوماتيك، لائحة تتضمن انتهاكات
حقوق الانسان في احدى الدول الكبرى
بالمنطقة العربية، تتضمن، من بين جملة
أمور، تنفيذ 76 حكم بالإعدام، فقط خلال
العام الماضي 2011، استنادا إلى اتهامات
تتعلق بممارسة الشعوذة. فإذا كنا نرغب حقا
تحفيز احترام حقوق الانسان في الشرق
الأوسط، علينا أن نؤكد على هذا الهدف
بكل صراحة. وإذا كنا نعلن صراحة بأن
مسألة وقف نزيف الدماء، هي أهم
مايشغلنا، وبتعبير آخر، يجب علينا أن
نمارس كل الضغوط الممكنة التي من شأنها
أن توقف اطلاق النار في مرحلة أولى،
تليها مرحلة تشجيع الحوار بين جميع
الأطراف في سورية، ضمن هدف يؤدي إلى
اجراء مفاوضات حول تسوية سلمية
للأزمة، من خلال السوريين أنفسهم. لقد أعربت روسيا عن
مضمون هذه الرسائل، منذ الأيام الأولى
للاضطرابات في سورية. وقد كان واضحا في
نظرنا، وفي نظر كل شخص يملك معلومات
كافية عن هذا البلد، أن ممارسة الضغط
بشكل يفضي إلى تنحي بشار الأسد فورا عن
الحكم، خلافا لرغبة شريحة كبرى من
المجتمع السوري، لاتزال تدعم النظام
القائم ضمانا لأمنها ورفاهيتها، من
شأنه أن يغرق سورية في حرب أهلية دموية
طويلة الأمد. ونرى أنه يتوجب على
اللاعبين الخارجيين أن يساعدوا
السوريين على تجنب هذا السيناريو ، وأن
يحثوهم على انتهاج اصلاحات تطورية، لا
بل ثورية، من داخل النظام السياسي
السوري نفسه، عبر حوار وطني دون اكراه
ممارس من الخارج.
إذا أخذنا الحقائق
الراهنة في سورية بعين الاعتبار، هذا
يعني أنه يتوجب علينا أن نعترف بأن
تقديم الدعم الأحادي الجانب للمعارضة،
خصوصا الطرف الأكثر عدوانية منها، لن
يؤدي إلى تحقيق السلام في هذا البلد في
المستقبل المنظور. وسيدخلنا في تناقض
مع الهدف المعلن، في تقديم الحماية
للمدنيين. مايرجح غلبة هذا الخيار، هو
أن الجهود الرامية إلى تغيير النظام في
دمشق، تأتي في اطار استراتيجية جيو
سياسية اقليمية، أوسع نطاقا. ليس هناك أي شك، بان
هذه المخططات تستهدف ايران بالدرجة
الأولى، بالنظر إلى تآلف دول كبرى تشمل
بالإضافة إلى الولايات المتحدة،
بلدانا في حلف الناتو، وإسرائيل
وتركيا، تميل جميعها إلى اضعاف تموضع
ايران الاقليمي. فاحتمال توجيه ضربة
عسكرية لإيران، يشكل مادة لأكثر
موضوعات النقاش الجارية هذه الأيام.
وهنا لابد من أن أشدد وباستمرار، على
أن اللجوء لمثل هذا الخيار، ستكون له
نتائجه الوخيمة، بل المأساوية. لقد فشلت كل محاولات
حل العقد المستعصية بأدوات المشكلات
القديمة. لنتذكر بهذا الصدد أن غزو
العراق من قبل الولايات المتحدة، تم
تصويره في الماضي على أنه ” الفرصة
الوحيدة” لتغيير الوقائع السياسية
والاقتصادية في “الشرق الأوسط الموسع”،
بشكل سريع وحاسم، وجعله منطقة مشابهة
للنموذج الأوروبي في التنمية. فلو قمنا بفصل
القضايا المتعلقة بإيران، لتبين بما
لا يرقى إليه الشك، أن تأجيج الاضطراب،
والتحريض على اقتتال السوريين فيما
بينهم، من شأنه أن يؤدي إلى نشوء
تطورات، قد يكون لها تأثيرا سلبيا،
ونتائج مدمرة على مساحات واسعة من
الأراضي المحيطة بسورية، سواء على
صعيد الأمن الاقليمي، أو الأمن الدولي. يأتي في مقدمة تلك
المخاطر، فقدان السيطرة على الحدود
الفاصلة بين اسرائيل وسورية، وتسميم
الأوضاع في لبنان، كما في كل بلدان
المنطقة، ووصول أسلحة إلى “أيد شريرة”
وخصوصا منها المنظمات الارهابية. وقد
يكون تصعيد التوتر، وتعميق التناقضات
الطائفية داخل المجتمعات الاسلامية،
أشد تلك المخاطر احتمالا. لنعد إلى تسعينيات
القرن الماضي، حين أشار صموئيل
هنتنغتون في كتابه “صدام الحضارات”
إلى نزعة مفهوم الهوية، المرتكزة إلى
الحضارة والدين، بهدف تحقيق مكاسب
مهمة في عصر العولمة، موضحا بشكل مقنع
عن تراجع الغرب نسبيا في بسط نفوذه. إذن من المبالغ فيه
محاولة تطوير منظومة علاقات دولية
حديثة، ترتكز بشكل أحادي على مثل هذه
الاستنتاجات. كما لم يعد من الممكن في
وقتنا الراهن تجاهلها، لأنها ترتبط
بمروحة من العوامل المميزة، أبرزها
الحدود الوطنية الأقل اختراقا، وثورة
المعلومات التي كشفت عن عدم تكافؤ واضح
في الواقع السوسيو اقتصادي. كما لم يعد
ممكنا تجاهل رغبات الشعوب المتعاظمة
في الحفاظ على هوياتها في الظروف
الراهنة، من جهة، وسعيها لتجنب مخاطر
وضعها في قائمة الأصناف المهددة
بالانقراض من جهة أخرى. لقد كشفت الثورات
العربية بلا منازع عن إرادة شعوبها في
العودة إلى جذور حضارتها، التي
شهدناها عبر اندماج شعبي واسع في
الحركات والأحزاب التي تتحرك تحت راية
الاسلام. هذه النزعة، لا نراها بهذا
الوضوح إلا في العالم العربي. الدليل
على ذلك تركيا التي تتموضع بفاعلية
أكبر، كلاعب مهم في الفضاء الاسلامي،
والمنطقة المحيطة بها. هناك بلدان في آسيا،
ومنها اليابان، التي تؤكد بصوت عال على
هويتها الوطنية. إن أوضاعا كهذه تبرهن
أكثر فأكثر، أن ثمة مخططا مزدوجا
بسيطا، أو مبسطا، تاريخه يعود إلى
الحرب الباردة، موصوف بالصيغ المعروفة
(شرق-غرب، رأسمالية-اشتراكية، شمال-جنوب)،
قد حل للتو كواقع جيوسياسي، متعدد
الأبعاد، لايترك مجالا للتعرف على
عامل مهيمن وحيد. لقد أظهرت الأزمة
المالية والاقتصادية العالمية
المناقشات التي دارت حول حقيقة أن أي
نظام بوسعه أن يحتل موقعا مسيطرا في أي
مجال، سواء كان اقتصاديا، سياسيا، أم
ايديوجيا.
لم يعد هناك أي مجال
للشك، أنه في الاطار الموسع الذي يحدد
التنمية لغالبية الدول، والذي يتصف
بالحكم الديمقراطي، واقتصاد السوق،
فإن كل بلد سوف يختار منفردا نموذجه
السياسي والاقتصادي، الذي تحتل فيه
التقاليد، والثقافة، والخصوصيات
التاريخية، المكانة التي تستحقها.
ينتج عن هذا أن عامل الهوية الذي يستند
إلى الحضارة، سيكون له على الأرجح،
تأثير كبير على العلاقات الدولية. لايمكن لهذه النتائج
على الصعيد السياسي العملي، سوى
الايحاء بشيء واحد: إن محاولات فرض
منظومة قيم خاصة غير مجدية، ولاتؤدي
إلا لزيادة حدة التوتر بين الحضارات.
هذا لايعني قطعا أنه يتوجب علينا أن
نتخلى بشكل نهائي عن التأثير ببعضنا
بعضا، واعطاء صورة جيدة عن بلدنا على
الساحة الدولية. مع ذلك، ينبغي أن يتم
هذا الأمر عبر وسائل نزيهة وشفافة، من
شأنها أن تحفز نشر الثقافة، والتربية،
والعلوم الوطنية، مقدمة بذلك الدليل
على احترامها لحضارات الشعوب الأخرى،
ولتأتي بمثابة اجراءات حماية للتنوع
العالمي، واحترام التعددية في القضايا
الدولية. لقد بات واضحا أن
الطموحات الرامية إلى تطبيق تكنلوجيا
متقدمة في النشر الإعلامي والاتصالات،
خاصة منها شبكات التواصل الاجتماعية،
بهدف تغيير عقليات شعوب أخرى، وخلق
وقائع جديدة، هي على المدى البعيد عرضة
للفشل. لأن العروض المطروحة في سوق
الأفكار هذه الأيام شديدة التنوع،
سيما وأن النظم الافتراضية لايمكنها
أن تنتج إلا واقعا افتراضيا، إلا إذا
كنا نتبنى بالطبع عقلية مماثلة لشخصية
الشقيق الأكبر في رواية جورج أورويل.
وفي هذه الحال، بوسعنا أن نتخلى فورا
عن مفهوم الديمقراطية في مجملها، ليس
فقط في البلدان الخاضعة لنفوذ ما، بل
أيضا في البلدان التي تمارس
الديمقراطية. لقد أصبح موضوع تطوير
مقياس عالمي للقيم والمباديء
الأخلاقية، مسألة سياسية من الدرجة
الأولى. إن وجود مقياس كهذا، من شأنه أن
يرسي دعائم حوار محترم ومثمر بين
الحضارات، يرتكز إلى المصالح المشتركة
التي تقلص عدم الاستقرار، وتقود إلى
خلق نظام دولي جديد، يفضي في نهاية
المطاف إلى تأسيس نظام عالمي متين
وفعال، ومتعدد المراكز. لا يمكننا من هذا
المنظور أن نضمن النجاح إلا إذا تجنبنا
أية مقاربات بالأسود والأبيض. الأمر
الذي يفرض علينا أن نعالج مسألة
المخاوف المغالية، المتعلقة بحقوق
الأقليات الجنسية، بنفس القدر الذي
نعالج فيه على النقيض، الجهود الرامية
إلى الرفع من شأن مباديء أخلاقية ضيقة
على المستوى السياسي، بشكل يرضي
مجموعة ما، أو ينتهك الحقوق الطبيعية
لمواطنين، خصوصا الذين ينتمون لطوائف
أخرى. لقد وصلت العلاقات
الدولية إلى حد من التأزم لايمكن
تجاوزه دون إلحاق ضرر بالغ بالاستقرار
العالمي. لهذا السبب فإن أي عمل يهدف
إلى إطفاء الحرائق الاقليمية، بما
فيها النزاعات الداخلية ضمن الدول،
يجب أن يتم بشكل مدروس قدر الامكان،
دون أن تطبق عليه أي معايير جاهزة. لقد أدى استخدام “عصا
العقوبات” دائما إلى طريق مسدودة. هنا
يجب على كل الأطراف في النزاعات
الداخلية أن يكونوا مطمئنين إلى
حقيقة، أن الأسرة الدولية لن تتوانى عن
تشكيل جبهة موحدة، من شأنها أن تتحرك
وفقا لمباديء صارمة، من أجل وضع حد
لأعمال العنف بالسرعة الممكنة،
والوصول إلى حل مقبول ومتبادل، من خلال
حوار يشمل كل الأطراف المتنازعة. تنحني روسيا أمام هذا
النمط من المباديء المتعلقة النزاعات
الداخلية، الأمر الذي يفسر مواقفها
إزاء الأوضاع في سورية. ومن هذا
المنطلق قدمنا دعمنا الكامل، والصادق،
لمهمة المبعوث الخاص للأمم المتحدة
والجامعة العربية، كوفي أنان، الهادفة
إلى ايجاد تسوية مقبولة من كلا الطرفين
المتنازعين بالسرعة الممكنة. تعكس
بيانات الرئاسة وقرارات مجلس الأمن
التابع للأمم المتحدة بهذا الخصوص،
المقاربات التي أيدناها منذ بداية
الاضطرابات في سورية. نرى انعكاس هذه
الأفكار أيضا في بياننا المشترك مع
جامعة الدول العربية الذي تم اعتماده
في العاشر من شهر آذار-مارس 2012. فلو استطعنا تطبيق
هذه المقاربات في سورية، فإنها ستغدو
بلا شك، نموذجا يحتذى للمساعدة
الدولية، في معالجة الأزمات في
المستقبل.
إن الركيزة الأساسية
لخطة كوفي أنان ” بمبادئها الستة “،
هي ضمان وقف أعمال العنف أيا كان
مصدره، والتأسيس لحوار سياسي تقوده
سورية، والاستجابة لهموم وطموحات
الشعب السوري. إن الهدف من هذا الحوار،
هو التوصل إلى بروز مكون سياسي جديد في
سورية، يأخذ بعين الاعتبار مصالح كل
المجموعات التي يتكون منها المجتمع
السوري، بطوائفه المتعددة. لقد بات ضروريا تشجيع
إعداد، وتنفيذ اتفاق من شأنه ايجاد حل
لهذا الصراع، دون التحيز لأي طرف،
ومكافأة من يحترم بنود ذلك الاتفاق،
وفضح من يعارضون مسار السلام بوضوح.
ومن أجل بلوغ هذا الهدف، كان لابد من
وضع آلية مراقبة نزيهة، هذه الآلية
التي وضعت وفقا لقراري مجلس الأمن رقم
2042 و 2043، والتي يشارك فيها مراقبون
عسكريون روس. لكن للأسف، فقد تعرضت
عملية تطبيق خطة عنان لمصاعب جمة،
وتأثر العالم بمشاهد المجازر التي
ارتكبت بحق مدنيين عزل، وكان أكثرها
مأساوية المجزرة التي وقعت في قرية
الحولة بتاريخ 25 أيار-مايو 2012، وكذلك
أعمال العنف الرهيبة، التي جرت في وقت
لاحق في أطراف مدينة حماه. من المهم هنا الكشف
عن المسؤولين عن هذه الأحداث
ومعاقبتهم. لايحق لأي فرد أن ينصب نفسه
قاضيا، ويستخدم هذه الأحداث المأساوية
ليحقق من خلالها غايات سياسية. إن مجرد
التخلي عن هذه الممارسات، من شأنه أن
يضع حدا لدوامة العنف في سورية. هؤلاء الذين يزعمون
أن روسيا تسعى لانقاذ بشار الأسد، هم
بلا شك مخطئون. أريد هنا أن أؤكد على
مسألة أن الشعب السوري هو من اختار
النظام والقيادة السياسية لبلده. نحن
لانسعى أبدا لتبييض ما ارتكبته دمشق من
أخطاء وسوء تقدير، خصوصا منها ما يتعلق
باستخدامها القوة ضد المتظاهرين
السلميين في بدايات الأزمة. أما من سيحكم سورية،
فلا يبدو هذا الأمر في نظرنا مسألة
أساسية. الأولوية في نظرنا هي لوضع حد
نهائي لقتل المدنيين، والتأسيس لحوار
سياسي في ظل ظروف تأخذ في الحسبان
مسألة السيادة، والاستقلال، ووحدة
البلاد، التي يتوجب على جميع الفاعلين
الخارجيين احترامها. نحن لانبرر أي عنف
كان. إن قصف المناطق السكنية من قبل
القوات الحكومية، أمر غير مقبول، ويجب
ألا يفهم بانه تساهل مع ما يمارس من
أفعال ارهابية، وجرائم قتل موصوفة،
يرتكبها المتمردون على النظام، بمن
فيهم تنظيم القاعدة، في مختلف المدن
السورية. لقد فرض منطق الأشياء
ضرورة كسر حلقة العنف المفرغة، فتجلى
في اجماع كافة الدول الأعضاء في مجلس
الأمن، على دعم خطة أنان. لقد صدمتنا تصريحات
وممارسات بعض الأطراف الفاعلة،
المتورطة في الأزمة السورية، لأنها
برهنت على مصلحتهم في فشل مساعي
المبعوث الأممي الخاص. يتصدر هذه
الأطراف المناشدات التي أطلقتها إدارة
“المجلس الوطني السوري” لتدخل أجنبي
في سورية. كيف يمكن لتصريحات من
هذا القبيل أن تساعد “المجلس الوطني
السوري” في جهوده الرامية إلى توحيد
صفوف المعارضة السورية تحت رايته؟
لاشيء أوضح من ذلك. نحن نكفل عملية دمج
المعارضة السورية، فقط على قاعدة حوار
سياسي مع الحكومة، بما يتوافق تماما مع
خطة كوفي أنان. لاتزال روسيا تعمل
بشكل شبه يومي مع السلطات السورية،
وتضغط عليها لكي تمتثل كليا للنقاط
الست التي اقترحها كوفي أنان، وتتخلى
نهائيا عن أوهامها التي تجعلها تعتقد
بأن الأزمة السورية، ستحل نفسها
بنفسها، بشكل أو بآخر. نحن نعمل بنفس القدر
أيضا، إلى جانب تقريبا كل ممثلي تفرعات
المعارضة السورية. ونحن على قناعة أيضا
بأنه لو تحرك كل شركائنا بنفس العقلية،
من دون نوايا مبيتة، ومعايير مزدوجة،
لكان من الممكن التوصل إلى تسوية سلمية
في الأزمة السورية. يجب علينا جميعا أن
نلقي بكل ثقلنا على النظام والمعارضة،
لدفعهم باتجاه وقف الأعمال العدائية،
والجلوس إلى طاولة المفاوضات. نحن نرى أيضا أنه من
المهم اطلاق مبادرات مشتركة في هذا
الاتجاه، وعقد مؤتمر دولي يضم جميع
البلدان المعنية مباشرة بالأزمة
السورية. بهذه العقلية الموضوعية،
نحافظ على التواصل عن قرب مع كوفي
أنان، وشركاء آخرين. فقط من خلال التحرك
على هذا النحو، يمكننا أن نجنب الشرق
الأوسط من خطر الانزلاق إلى هاوية
الحروب والفوضى، وكم سيكون من المحبب
التأكيد على أنه بوسعنا أن نبقى على
الجانب الصحيح من التاريخ. نحن واثقون من أن
الصيغ الأخرى التي تنطوي على تدخل
أجنبي في سورية، والتي تتراوح بين حجب
قنوات تلفزيونية لاتروق للبعض،
ومضاعفة حجم تدفق شحنات الأسلحة
لجماعات من المعارضة، وصولا إلى توجيه
ضربات جوية، لن تجلب السلام، لا
لسورية، ولا للمنطقة ككل. هذا يعني أنها حلول
لن يبررها التاريخ. ==================== سمير عطا الله الشرق الاوسط 13-7-2012 كوفي أنان في طهران
ومناف طلاس في باريس وميشيل كيلو في
موسكو. لا أحد في مكانه المألوف. وموسكو
تدفع بأسطولها من البحر الأسود إلى
طرطوس لكنها تعلن حجب بقية الأسلحة عن
حليفها المتبقي، النظام السوري.
وللمرة الأولى تعترف برمز أعدائه رافع
شرط ذهاب بشار الأسد كمدخل إلى الحوار،
أي المجلس الوطني، الذي يرأسه ناشط
كردي مع أن الوفد الكردي انسحب منه. الفقرة التالية: كوفي
أنان ممثل الغرب الذي لا يريد إيران
والعرب الذين تزعجهم رؤيتها حتى في
الحلم. ومناف طلاس هو أحد أعمدة النظام
التي صار انزياحها من مكانها يسهل
انهياره. وميشيل كيلو هو المفكر
الشيوعي السابق الذي لم يصل إلى بلاد
لينين إلا بعد سحب جثمانه من صالة
العرض في الساحة الحمراء. مقابل هذه اللوحة يجد
الرئيس السوري ما يكفي من الوقت لإعطاء
مسلسل من المقابلات الصحافية المطولة،
التي يكرر فيها أن لا شبه في أنظمة
السقوط. وبذلك يمكن وضع كل عناصر
المشهد الإقليمي والدولي ودمشق تحت
عنوان واحد: البقائية. كيف تبقى مهمة
أنان على قيد الحياة؟ وكيف تبقى طهران
كحبل السرة في المشرق؟ وكيف تبقى روسيا
في مياه المتوسط؟ وكيف تبدو من جديد،
ندا للدولة التي هدت نظامها
الآيديولوجي وطردتها من شرق أوروبا،
ووحدت في وجهها ألمانيا التي قتلت 12
مليون روسي قبل أن ينسحب هتلر إلى خندق
الانتحار في برلين، ومعه مجنونه غوبلز
وأطفاله؟ الشعب السوري هو
الوحيد الغائب في الصورة. ما بين
ابتسامة أنان وبلاغة صالحي الهارفردية
وإسهال لافروف الشفهي، يغيب عدد ضحايا
السوريين، إلا في الإحصاءات اليومية.
وقد تصدرت أرقام الموت مقدمات الأخبار
إلا يوم جلس الدكتور الكتاتني يشرح كم
يحرص على القضاء والقانون. وقد نسي
سعادته تفصيلا بسيطا: أنه يجلس، بكامل
تفسيراته، فوق أنفاس القانون ورئة
القضاء. يهدد وزير خارجية
إيران «أمن المنطقة وربما العالم». وقد
هدد النظام السوري، بجميع ناطقيه، أمن
العالم أيضا إذا ما تعرض لبقائه أحد.
وكلما حاول أحد أن يطرح سؤالا على
طهران النووية ردت بأن مضيق هرمز سوف
يغلق وأساطيل العالم سوف تغرق. وعلى
هذه الفصاحة ترد المسز كلينتون بقول
صار مأثورا: أيام معدودة بقيت من عمر
النظام. لا كلام ولا وعود عن
أعمار السوريين المرشوشة على جدران
الموت. اسمحوا لي أن أذكر جنابكم بأول
مقال كتبته عن سوريا في هذه الزاوية:
سوريا مفترق وليس بلدا. الجميع يعاملها
هكذا، وهذا طبيعي في توحش السياسة
والمصالح. لكن المفزع أن يعاملها
النظام أيضا كمفرق لا كوطن أو شعب
بشعبه. ================= سوريا
بين خطة الأسد وضياع أنان رضوان السيد الشرق الاوسط 13-7-2012 لا يدري أحد - حتى
الروس - سبب إصرار أنان على إدخال إيران
في حل «الأزمة» في سوريا! وقد كان هذا
الأسبوع بالنسبة لأنان أسبوعا إيرانيا
بامتياز. وقد بدأ الأمر قبل عشرة أيام
بالغضب الساطع الذي استولى على أنان
لاعتراض الولايات المتحدة والخليجيين
على إشراك إيران في لقاء مجموعة
الاتصال بجنيف. وتلا ذلك غيابه عن
مؤتمر أصدقاء سوريا بباريس. فقد فهم
معارضو الأسد من العرب والدوليين أن
لجان الاتصال، واقتراحات المؤتمر
الدولي بموسكو، ربما لاحقا بالعراق أو
طهران، إنما يراد بها خلق آليات مواجهة
لمؤتمرات أصدقاء سوريا التي توالت
إقامتها ردا على الانسداد الذي تسببت
به روسيا في مجلس الأمن. وما اكتفى أنان
بإظهار الغضب في جنيف، والغياب عن
مؤتمر باريس، بل إنه كما سبق القول «نظم
أسبوعا إيرانيا بامتياز»، فذهب أولا
للقاء الأسد بدمشق، ثم ذهب للقاء
المالكي ببغداد، ومن هناك مضى إلى
طهران حيث اجتمع بوزير الخارجية
صالحي، وبمسؤول الأمن القومي جليلي.
ولنلاحظ أنه التقى بجليلي لا للتفاوض
على الملف النووي الذي لا علاقة لأنان
به، بل على الشأن السوري، وهو المبعوث
الدولي - العربي بشأنه! في سوريا، بادر
الأسدُ أنانَ بالتخلي عن بند كان قد
صار واضحا أن أنان لا يؤمن بإمكان
تطبيقه: تنحية الأسد شرط للدخول في
مرحلة انتقالية تفاوضية! ثم أقنعه
الأسد بالتخلي عن بند آخر، بحيث روج
أنان لما صار يعرف خلال الأيام الماضية
بـ«خطة الأسد»! والبند الثاني الذي
تخلى عنه أنان من خطته ذات النقاط الست:
وقف العنف قبل بدء التفاوض السياسي!
فخطة الأسد العظيمة تقوم على «الانسحابات
المتبادلة»؛ وهو ما خالف ما اتفق عليه
مع أنان قبل ثلاثة أشهر، بل كان يحاول
طرد المسلحين والإرهابيين من القرى
والبلدات والمدن. وقد شارفت هذه المهمة
الجليلة على الإنجاز؛ إذ سبق له أن
تحدث عن «حرب» يوشك على الانتصار فيها!
وهكذا فليتفاوض أنان مع المعارضة
المسلحة على انسحاب متبادل، ومع
المعارضة السياسية على بدء الحديث عن
حل سياسي. وخرج أنان مقتنعا بـ«خطة»
الأسد.. أو هكذا قال. إنما خفف من هذا
الاقتناع الظاهر، ما تسرب عن محادثاته
ببغداد، فقد قال للمالكي ومحاوريه
الآخرين إنه لن يفيدهم في شيء دعم
العنف الجاري في سوريا من جانب النظام،
كما لم يفد في شيء دعم المسلحين
المعارضين للأسد من جانب جهات عربية
وتركية. أما في طهران، فقد
كان الأمر أصعب. فالإيرانيون كانوا
يريدون التفاوض على أمور لا يملك أنان
منها شيئا، تبدأ بمناطق نفوذهم في
العراق وسوريا ولبنان، ولا تنتهي
بالنووي، بل بمستقبل العلاقات مع
أوروبا والولايات المتحدة، بعد اشتداد
الحصار عليهم ووصوله لتصدير النفط!
وكان هم أنان إقناعهم بالضغط على الأسد
للدخول في الانتقال السياسي الذي لا
يبدأ بل ينتهي بتنحيه عند نهاية مدته
عام 2014. لا يملك أنان بالطبع أن يعطي
طهران شيئا بالمقابل، ولذا فقد اعتبر
أنه «انتصر» ما داموا قد وافقوا على
التفكير في سوريا بعد الأسد، أي بعد
عام 2014، وحتى ذلك الحين، فإنه سيستمر
في التشاور معهم، ويكون عليهم إقناع
الأسد وحزب الله بالدخول في ترتيبات
المرحلة الانتقالية بالفعل، أو يصبح
الأمر مستحيلا على الجميع، وتصبح
السلطة السورية هي الخاسر الأكبر
بمنظور ما كانت عليه الأمور قبل عام
ونصف العام! ويتوجه أنان أخيرا
وبعد الأسبوع الطويل مع المعسكر
الإيراني إلى المعسكر الآخر. والمعسكر
الآخر مكون من المعارضة السورية
المسلحة، والمعارضة السياسية بفرقها
الثلاث، واللجنة العربية برئاسة قطر،
والجامعة العربية (المتمايزة عن قطر من
خلال موقف أمينها العام)، والولايات
المتحدة وحلفائها، وتركيا. وقد شكا
أنان من قبل، وسيشكو الآن أكثر، من
تعدد الأطراف والاتجاهات داخل «جبهة»
المواجهة للنظام السوري. لكنه سيجد
موقفين أساسيين: موقف يعتبر وقف العنف
من جانب النظام شرطا لا بد منه للدخول
في التفاوض، وموقف يعتبر تنحي الأسد
شرطا لا بد منه للقبول بالدخول في
المرحلة الانتقالية. وقد قال أنان لبعض
ثقاته إن «العمل مع المعارضين أسهل
بكثير من العمل مع النظام السوري،
فخلافاتهم يمكن تجاوزها بجمعهم معا.
أما من جانب النظام، فلا مفاوض غير
الأسد نفسه، وما عادت عنده (قدرة) على
تفويض غيره. ولذا لا يمكن التفكير حقا
بتنحيته لأن الآلة العسكرية التي
تسيطر عليها طهران منذ سنة، لا تعترف
بغير الأسد، وسيكون صعبا على رئيس
حكومة التوافق - وإن كان بعثيا - أن ينفذ
شيئا من دون العودة كل ساعة للأسد الذي
ينبغي أن يظل قابعا في قصره لحين
انتهاء مدته لكي يمشي الحل». ومن جهة أخرى، يقول
بعض مستشاري أنان من العرب - وهم ليسوا
بعيدين عن خنزوانات محمد حسنين هيكل -
إن الصدع الزلزالي الذي تحدث عنه الأسد
قبل عام صحيح، بمعنى أنه إذا ذهب الأسد
ذهبت سوريا! ولكأنما بشار وأبوه هما
اللذان أقاما هذا الوطن، وهو يذهب
بذهابهما شأن كوريا الشمالية وكيم إيل
سونغ وأولاده وأحفاده مثلا. لن تنجح مفاوضات أنان
مع المعارضين ولا مع مؤيديهم. فهو يبدو
مستميتا فقط في تجديد مهمة بعثته بعد
انتهائها في العشرين من الشهر الحالي.
وقد تخلى عن أهم شروط مبادرته وهو وقف
العنف، ولذا فلماذا ستقبل المعارضة
بالتفاوض تحت وطأة السلاح؟ وهو ما لم
تفعله عندما كانت غير مسلحة بعد خمسة
أشهر على اندلاع الثورة! بيد أن الأبرز
في تراجع عمل أنان ليس التخلي عن
مبادرته عمليا؛ بل الابتعاد عن مجلس
الأمن؛ إذ الأجدى بالفعل في الضغط على
النظام - وبالاتفاق مع الروس - تهديد
الأسد بوضع المبادرة تحت الفصل السابع.
والروس إن كانوا واثقين من «التقارب»
مع واشنطن - وهم كذلك - فإنهم - وبعكس
الإيرانيين - قد يقبلون المضي في هذا
الطريق. لدى الروس عدة ملفات مهمة
يشتركون فيها مع الولايات المتحدة:
الملف النووي الإيراني، وملف أمن
إسرائيل، وملف أفغانستان الذي يهدد «الإرهاب»
فيها الطرفين. وهم مختلفون بالفعل على
الدرع الصاروخية، وعلى جورجيا؛ لكن
الحديث لم ينقطع حتى في هذه المسائل.
وهكذا، فهناك فرق كبير بين طهران
المأزومة بالنووي والحصار وبمناطق
النفوذ في العراق وسوريا وفلسطين
ولبنان، وبين روسيا الاتحادية القوية
والمستغنية، والتي تريد استعادة
الشراكة مع الولايات المتحدة على
المسرح الدولي. لماذا ابتعد أنان إذن
عن مجلس الأمن، أو لماذا لم يحاول
الوصول إلى «توافق» الحد الأدنى بين
الطرفين بالمجلس؟ أفكار أنان كانت
دائما، عندما كان أمينا عاما للأمم
المتحدة ثم عندما صار وسيطا دوليا، أنه
في أي نزاع ينبغي عدم إلغاء أي طرف أو
إضعافه حتى لا يطمع الطرف الآخر فلا
يمكن إجراء التسوية. هذا هو الاعتبار
الأول. أما الاعتبار الثاني، فهو أن
الرئيس الأسد أفضل من خصومه ومعارضيه
والتفاوض معه سهل، ويمكن التفكير
ببقائه (!). وهذه أفكار يتداولها مفكرو «الأقليات»
بالمشرق، ويحاولون ترويجها، مشيرين
إلى نموذج جنوب أفريقيا، وهو مثل حساس
بالنسبة لكوفي أنان، وإن لم يكف،
فانظروا ماذا حصل بالعراق نتيجة
التدخل الأجنبي، وماذا حصل بليبيا! تنتهي مدة بعثة أنان
العظيمة في العشرين من الشهر الحالي،
وهو سيخاطب مجلس الأمن بهذه المناسبة،
فيطلب إنهاء مهمته أو تجديدها أو
تعديلها. والراجح أنه سيصر على
التمديد، ليس لأنه نجح؛ بل لأن هذا
الخيار لا خيار غيره، والتحية لخطة
الرئيس الأسد العظيمة! =================== بقاء
الأسد.. هدف روسي لم يتغير! 2012-07-12 12:00 AM الوطن السعودية من الواضح أن الموقف
الروسي من الأزمة السورية لم يتغير،
بعد زيارة وفد من المجلس الوطني السوري
إلى روسيا غداة تقدم موسكو بمشروع قرار
إلى مجلس الأمن لتمديد تفويض بعثة
المراقبين الدوليين في سورية، وأن
المسؤولين الروس كانوا يسعون من خلال
المباحثات إلى تغيير مواقف المعارضة
التي تصر على تنحي بشار الأسد قبل
البحث في أي إجراءات تتعلق بالمرحلة
الانتقالية المحتملة، وهو ما لا تريده
روسيا، وإنما تريد نقيضه تحديدا، مهما
قيل عن وجود مباحثات سرية في هذا الشأن. تصريحات مسؤولي
المعارضة السورية، عقب المباحثات، تدل
على أنه لم يتم إحراز أي تقدم يذكر، فقد
صرح عبدالباسط سيدا رئيس المجلس
الوطني السوري قائلا: "أؤكد باسم كل
المعارضة الشعبية في سورية أن الحوار
غير ممكن ما لم يرحل الأسد، لكن روسيا
لها رأي آخر"، وهو ما أكد عليه برهان
غليون عضو المكتب التنفيذي في المجلس
الوطني، ورئيس المجلس سابقا حين قال:
"لم نلاحظ تغيرات في الموقف الروسي.
كنت هنا قبل سنة والموقف الروسي لم
يتغير". الخلاف مع روسيا،
خلاف حول ماهية ما يحدث في سورية؛
فالروس لا يريدون أن يدركوا أن الأحداث
السورية ليست خلافا مجردا بين
المعارضة والسلطة، حول آليات معينة،
وإنما هو ثورة شاملة بالمعنى الحقيقي
للثورات التي تستلزم تغيير النظام بكل
رموزه وأساليبه دون استثناءات، وهو ما
عبر عنه سيدا في بداية المباحثات مع
وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف
حين وصف الواقع السوري بأنه "ليس
مجرد خلاف بين المعارضة والحكومة، بل
ثورة"، وشتان بين الأمرين. الرد الروسي العملي
المباشر على المعارضة السورية جاء بعد
وقت قصير من انتهاء المحادثات، حيث
أعلنت موسكو أنها ستواصل تسليم
الحكومة السورية أنظمة مضادات جوية،
وبحسب وكالة أنباء انترفاكس عن مساعد
مدير الجهاز الفدرالي للتعاون العسكري
الروسي فياتشيسلاف دزيركالن قوله: "سنواصل
تطبيق عقد تسليم أنظمة مضادات جوية"،
مما يعني إعلانا واضحا عن استمرار
الموقف الروسي في طريقه الأولى، وأن
الهدف من المباحثات مع المعارضة لم يكن
يتجاوز السعي إلى كسب تغيير في موقف
المعارضة، بما يضمن بقاء الأسد بقاء
يهبه الشرعية التي يؤمن أقطاب
المعارضة بأنه فقدها منذ اندلاع
الثورة. ================= رأي
الراية ... قرار بموجب الفصل السابع الراية 12-7-2012 الموقف الذي أعلنته
المعارضة السورية بعد زيارة وفد من
المجلس الوطني السوري لموسكو من أنها
فشلت في تغيير الموقف الروسي من
الأوضاع في سوريا وتحميل روسيا والدعم
الروسي لنظام بشار الأسد مسؤولية
استمرار أعمال العنف في سوريا يُشير
بشكل لا لبس فيه أن الموقف في مجلس
الأمن الدولي سيبقى يراوح مكانه. وأنه
لن ينجح في استصدار قرار ملزم يضغط على
النظام السوري لوقف العنف والقتل
وإراقة الدماء بموجب الفصل السابع من
ميثاق الأمم المتحدة بسبب الفيتو
الروسي والفيتو الصيني اللذين سيكونان
حاضرين ضد أي مشروع قرار بهذا الشأن
يمكن أن يبحثه المجلس. كما أن الإعلان
الروسي عن مواصلة موسكو تسليم أسلحة
إلى نظام الرئيس بشار الأسد رغم وجود
حظر دولي، والادعاء أنها أسلحة دفاعية
والذي جاء عقب زيارة وفد المعارضة
السورية إلى موسكو يشير بوضوح إلى أن
موسكو اختارت الجانب الذي تقف معه
وأنها لن تسمح بالتالي بصدور أي قرار
يدين حليفها النظام السوري أو يسمح
بممارسة ضغوط حقيقية عليه لإجباره على
وقف العنف. وأنها تخلت عن مسؤوليتها
القانونية والأخلاقية كحليف للنظام
السوري في الضغط عليه لوقف قتل شعبه. إن صدور أي قرار من
مجلس الأمن الدولي الذي استمع إلى
تقرير من الموفد العربي والدولي
والمشترك كوفي عنان عن الأوضاع في
سوريا لا ينصّ صراحة على وقف العنف
والقتل والبدء الفوري في تطبيق
مبادرته ولا يستند إلى البند السابع
سيكون مضيعة للوقت ولن يكون له أي
تأثير في مجريات الأوضاع في سوريا، ولن
ينال تأييد ورضا الشارع السوري الذي
فقد الثقة أو كاد أن يفقدها في جهود
المبعوث المشترك الذي فشل في إقناع
النظام السوري بتطبيق مبادرته ذات
النقاط الست، حيث أصبح الشعب السوري
يرى في مبادرته التي لم تنفذ غطاءً
للقتل اليومي الذي يتعرّض له في معظم
المدن والبلدات السورية. الفشل المتوقع لمجلس
الأمن في إصدار قرار يدين العنف ويجبر
النظام تحت طائلة العقوبات والتهديد
بتحرّك عسكري على وقف قتل أبناء الشعب
السوري المطالبين بالحرية والتغيير
يلقي بالمسؤولية الكبرى على المجتمع
الدولي في البدء بالبحث في خيارات أخرى
من أبرزها التحرّك من خارج مجلس الأمن
الدولي لتوفير الحماية للشعب السوري
من خلال مناطق حظر طيران ومناطق آمنة
للجوء السوريين بعد أكثر من ستة عشر
شهرًا على اندلاع الثورة السورية
منعًا لمزيد من الضحايا الذين وصل
تعدادهم إلى أكثر من ثمانية عشر ألف
قتيل سقطوا برصاص قوات النظام وأجهزته
الأمنية وشبيحته معظمهم من المدنيين. ================= طارق محمد
الناصر الرياض 12-7-2012
بعد اعترافه بالفشل في مهمته في
سوريا قام المبعوث الدولي كوفي عنان
بالعودة إلى محاولة تجريب المجرب فزار
دمشق وطهران وبغداد. في كل محطة حل بها
ردد نفس الكلام بضرورة إشراك إيران في
الحل دون أن يشرح لنا كيف يمكن لإيران
أن تكون جزءاً من الحل في حين ان
المعارضة ترى بأنها منحازة بالكامل
وتمثل جزءاً من المشكلة. فهاهو وزير الخارجية
الإيراني علي أكبر صالحي يصرح الاثنين
الماضي لوكالة رويترز للأنباء بان "الشعب
السوري يجب أن تتاح له حرية اختيار
رئيسه بنفسه في الانتخابات المقررة 2014،
وان قطاعاً كبيراً من المتمردين ينتمي
لجماعات متشددة متطرفة وان أشخاصاً
كثيرين من دول مختلفة يتدفقون على
سوريا ويرفعون السلاح ضد الحكومة" الحديث عن انحياز
إيران للنظام السوري حديث لا يحتاج إلى
دليل، وما تصريح صالحي أعلاه إلا الجزء
الذي لا تنكره إيران وإلا فان المعارضة
السورية ساقت كثيرا من الاتهامات
المدعمة بالأدلة بانخراط إيران
ميدانياً بالسلاح والمال والرجال في
سحق مطالب الحرية والكرامة التي يُذبح
من أجلها السوريون كل يوم. يبدو غريباً أن يقع
عنان، مرة جديدة، في فخ الرئيس السوري
ليتبنى اقتراحه الداعي" لوضع منهج
تدريجي يبدأ من بعض المناطق التي شهدت
أسوأ أعمال عنف في محاولة لاحتوائه
فيها والبناء خطوة بخطوة على ذلك
لإنهاء العنف في مختلف أرجاء البلاد."
وتشديده على "أهمية المضي قدماً في
الحوار السياسي الذي يوافق عليه الأسد" من ينادي بالحوار بين
الحكومة والمعارضة في سوريا ويبشر
بتشكيل حكومة وحدة وطنية، بناء على ذلك
الحوار، هو شخص يعيش خارج هذا العالم.
فدماء عشرات الآلاف من القتلى والجرحى
والمختطفين تجعل أي فكرة لبقاء الأسد
على رأس السلطة مرفوضة تماماً
وتجاوزتها الأحداث بكثير. الحقيقة التي لم
يدركها عنان بعد هي انه لا يوجد إلا حل
واحد يجنب سوريا مستقبل غاية في السواد.
فسوريا الآن تعيش، فعلاً، في حرب أهلية
توشك أن تتحول إلى حرب طائفية
والاستقطاب على أشده وليس هناك، لدى
الطرفين، مكان للمحايدين. فالمواطن
السوري مطالب اليوم بأن يكون إما مع
الثورة أو مع النظام. الحل الذي يضمن بقاء
الدولة السورية ويحافظ على هياكلها
ويجنبها التقسيم والغرق، لسنوات وربما
عقود، في بحر من الدماء يكمن في تنحي
الأسد من منصبه لصالح نائبه ومن ثم
جلوس الأخير مع المعارضة للحوار حول
شكل سوريا المستقبل. هذا هو الحل المثالي
أما الحديث عن دور إيراني والوثوق
بتعهدات الأسد، التي لم يف يوماً بها،
فليس إلا مضيعة لوقت ثمين يمكن أن يشكل
الفارق بين بقاء الدولة أو اضمحلالها
لمصلحة الدويلات. ================= فهيم الحامد عكاظ 12-7-2012 فشل كوفي عنان مرة
أخرى في حلحلة موقف النظام السوري حيال
وقف نزيف الدم، ودخلت مهمته التي مضى
عليها عدة أشهر دون حدوث اختراقات
إيجابية غرفة الإنعاش، ومرحلة
الاحتضار من جديد. والسؤال الذي يطرح
نفسه أين يكمن الخلل؟ يكمن في جملة من
الأسباب. من ضمنها: عدم تحديد سقف زمني
لمهمته المطاطية، والشعور السائد في
المنطقة أن هذه المهمة أعطت فرصة
للنظام في استمرار القتل والتعذيب،
وإصرار النظام الأسدي على خياره
الأمني العسكري الذي استفاد من هذه
المهمة للأسف الشديد والتمادي في قتل
شعبه، ودعم طهران وبغداد للنظام
الدموي في دمشق لقتل الشعب السوري،
واستمرار موسكو وبكين في مؤازرة نظام
ساقط لامحالة. عنان القادم من دمشق
وطهران وبغداد وهي الثالوث المدمر
للشعب السوري المناضل والذي يدفع ثمن
الحفاظ على الأرض السورية وكرامتها
التي تحاول بغداد وطهران تلويثها
والسيطرة على مقدراتها والدفع بها في
أتون الحرب الأهلية والطائفية بدعم
رئيس النظام الأسدي وبمباركة قم
والنجف وموسكو وبكين يعود مجددا لمجلس
الأمن لطرح تقريره عن مهتمه، وكان من
الأجدى لعنان أن يعود لمجلس الأمن بطرح
فكرة استخدام حق البند السابع من ميثاق
الأمم المتحدة، وهو ما أجمع عليه مؤتمر
أصدقاء سورية في باريس وغاب عنه عنان
لأسباب غير معروفة. عنان لم يتمكن خلال
جولاته المكوكية من إقناع النظام بسحب
قواته من الشوراع، بل إن قوات النظام
باتت أكثر تواجدا وأكثر قتلا من قبل
بدء مهمة عنان، ولم ينجح في فرض
المناطق الآمنة والممرات الإنسانية.
والضحية الشعب السوري الذي اختطفته
موسكو وبكين، وأصبح رهينة في أيدي
الإيرانيين وأعوانهم في العراق.
والخاسر الوحيد هو الشعب السوري الذي
سينتصر في النهاية، وسيكسب الرهان
لأنه أثبت أنه قادر على الاستمرار في
التضحية والإقدام وصولا لضفاف الحرية
التي دفع ثمنها أرواح ثورة الكرامة. إن
رهان النظام في إدخال سورية مستنقع
الاحتراب والانقسام والتقسيم أصبح
ظاهرا للعيان لكن السوريين قادرون على
التعامل مع أخطار هذه الحرب التي فرضت
عليهم والتي تعتبر بالنسبة لهم معركة
موت وليس حياة لإيمانهم بعدالة
قضيتهم، وإصرارهم على الظفر بمعركة
الحرية والكرامة. ================= علي
حماده 2012-07-12 النهار فكرت طويلا قبل ان
اكتب هذا المقال، مع ان العنوان "كلنا
سوريون" سكنني منذ اللحظات الاولى
لاشتعال ثورة الحرية والكرامة في درعا
في الثامن عشر من آذار٢٠١١.
في ذلك اليوم ولدت سوريا مجددا فيما
كان طغاتها يقولون ان سوريا مختلفة عن
بقية البلدان العربية، وان النظام
يعكس تطلعات الشعب! في تلك اللحظة فهمت
ان بشار الاسد لم يفقه شيئا مما كان
يعتمل في سوريا، وانه ككل وارث أتاه كل
شيء على طبق من ذهب لم يفهم ناس سوريا.
في خطابه الأول امام مجلس الشعب بعد
اول مجزرة في درعا، اي في الثلاثين من
آذار ٢٠١١، اثبت بشار انه
صار جزءا من ماضي بلده وأنه خسر
المستقبل. منذ آذار
٢٠١١ والشعب السوري يقدم
لنا درسا، بل دروسا في الكرامة
والشجاعة والمروءة والإقدام والابداع
والابتكار في مواجهة مع نظام قال احد
ابرز قادته قبل اشهر انهم وفي سبيل
إنقاذ النظام لن يتأخروا عن القتل حتى
لو كلف ذلك التخلص من ثلث الشعب السوري!
كم يذكرنا هذا المنطق بالنازية
والستالينية وكل الفاشيستيات الدموية
المجرمة. كم يذكرنا بالصهيونية التي
قامت على مشروع ابادة شعب لإحلال شعب
آخر مكانه (أليس هذا ما يحصل اليوم في
حمص وريفها ومناطق اخرى محاذية
للدويلة العلوية؟). كلنا سوريون لاننا مع
كل ثائر لكرامته وحريته وللعدالة. كلنا سوريون لاننا مع
كل انسان، عربيا كان ام غير عربي يضحي
بالغالي والرخيص لاجل وطنه، يقدم
الشهيد تلو الشهيد على مذبح قضية عادلة
ومحقة. كلنا سوريون لاننا مع
كل ثائر على الظلم والاجرام والقهر
والاذلال. كلنا سوريون لاننا في
لبنان عانينا الأمرين من قتلة الاطفال
في سوريا حتى صرنا نلقبهم بـ"قتلة
الاطفال في سوريا وقتلة الاستقلاليين
في لبنان". كلنا سوريون لاننا
على يقين ان سوريا تستحق مستقبلا افضل
من الذي اعده حافظ الاسد قبل مماته،
فأورث بلدا بأسره الى اولاد حملوا في
جيناتهم الجريمة والفساد. كلنا سوريون لاننا
نحب ان نحيا حياتنا بأمل وفرح بعد ان
نتخلص من هذا السجن الكبير. لقد مر خمسة عشر شهرا
من الثورة، وقتلوا ما يقارب السبعة عشر
ألفا ودمروا نصف البلاد وأحرقوها، ومع
ذلك نلحظ ان الثوار اكثر تصميما من اي
وقت مضى وان بشائر تحرير سوريا من إرث
حافظ الاسد تقترب بسرعة، وان علامات
الولادة الجديدة لسوريا الجديدة ترتسم
بوضوح اكبر. كلنا سوريون وكلنا
لبنانيون، نضالهم هناك نضالنا ونضالنا
هنا نضالهم. يتحررون فنتحرر معهم،
ويخسرون معركة التحرير، ولن يخسروها
فندخل كلنا من بيروت الى دمشق وحلب
وحمص السجن، اذا بقي منا احد ليسجن. ================= راجح
الخوري 2012-07-12 النهار ثلاثة اشهر كارثية
بعد ثلاثة اشهر كارثية. اذاً دعوا كوفي
انان يواصل تقديم مسرحيته الفاضحة
فليس هناك الآن من يعمل او يريد وقف نهر
الدم الذي يغرق سوريا منذ 16 شهراً. ولأن اميركا غارقة في
السبات الانتخابي، واوروبا متخبطة في
وحول الازمة الاقتصادية وفي الهلع من
مجرد التفكير في خوض "التجربة
الليبية" في سوريا، ولأن الجامعة
العربية تراوح في الغياب والشلل
مكتفية بمراقبة ما يحصل من مآسٍ
وبتقديم فتات من سلاح ومساعدات مادية
الى المعارضة السورية، ولأن روسيا
تريد العودة الى المسرح الدولي من
بوابة "الاستقطاب الثنائي"، ولأن
ايران ستقاتل حتى النهاية في محاولة
للحفاظ على النظام السوري رأس الجسر
الاستراتيجي الذي اوصل نفوذها الى
شواطئ المتوسط... لأجل هذا كله سيتجاوز
مجلس الامن في 21 تموز الجاري كل رصيد
القتل في الاشهر الثلاثة الاولى التي
اعطيت لمهمة انان [اي ثلاثة آلاف قتيل
جديد] ليعطيه مهلة ثلاثة اشهر جديدة
لمزيد من القتل وحمامات الدم! هذه هي خلاصة الوضع
وحصيلة محادثات انان في سوريا وايران
والعراق، بعد خلاصة مؤتمر جنيف
المهزلة، والعراضة الاعلامية
الدعائية لـ"مؤتمر اصدقاء سوريا"
الذي عقد في باريس، وكذلك للمحادثات
التي تجريها المعارضة السورية في
موسكو. فبعد ثلاثة اشهر على خطته
السداسية التي دعت الى وقف فوري للنار
وسحب الدبابات من المدن والانتقال الى
الحل السياسي، ها هو المستر انان ينهي
محادثاته في دمشق بما يشبه الفضيحة،
عندما قال انه يحمل افكاراً جديدة ويا
لها من افكار تقوم على تقسيط الخطة: "اقترح
الاسد وضع منهج تدريجي يبدأ من بعض
المناطق التي شهدت أسوأ أعمال عنف في
محاولة لاحتوائه فيها والبناء عليه
خطوة خطوة لأنهاء العنف في البلاد"! هكذا
بالحرف وهو ما يمثل في الواقع وقياساً
بما يجري من قتل وتدمير [سقط 60 قتيلاً
اول من امس بينما كان انان يحادث الاسد]
مجرد تانغو للموت المتواصل او مجرد
فضيحة اخلاقية، وخصوصاً عندما نقرأ ان
انان وصل الى التسول عندما قال للاسد:
"نريد منكم بادرة حسن نية في اي نقطة
نتفق على الانطلاق منها". عندما قال انان: "لقد
فشلنا في المرحلة الاولى ويجب ان نكون
خلاّقين ونحاول من جديد"، تسربت
انباء تتحدث عن سعي لتحريف مهمة
المراقبين الدوليين بحيث يحاولون منع
وصول الاسلحة الى المعارضة بدلاً من
مراقبة ورشة القتل الناشطة، وذلك يكشف
حقيقة خطة انان التي اصبحت مجرد سرادق
دولي روسي وغربي يرتفع فوق سوريا لحجب
حمامات الدم التي ستستمر طويلاً
وستصيب الكثيرين بمن فيهم الايرانيون
الذين اعلنوا امس ان لا تغيير في سوريا
قبل موعد الانتخابات في سنة 2014! ================= سوريا..هل
بدأ النظام يواجه خطر تفككه؟ * عريب
الرنتاوي الدستور 12-7-2012 سجّلت الأيام
القليلة الفائتة تطوراً لافتاً في
حركة الانشقاق عن النظام السوري...ضباط
رفيعو المستوى ومعهم عشرات المنتسبين
من رتبت عسكرية أقل، عبروا الحدود إلى
تركيا...العميد مناف طلاس، بما يمثل ومن
يمثل، تخلى عن موقعه على رأس الفرقة 105
من الحرس الجمهوري ليلتحق بصفوف
المنشقين...سفير دمشق في بغداد، يدشن –
ربما – لبداية تفكك السلك الدبلوماسي
السوري المعتمد في الخارج، فهو أول
دبلوماسي على هذا المستوى يخرج على
النظام بعد ستة عشر شهراً من
الاحتجاجات الشعبية والمواجهة
الدامية، وقبله كان طيارٌ في سلاح
الجوي السوري، يحط بطائرته الميغ 23 في
مطار المفرق، كأول طيار وأول طائرة
يغردان خارج سرب النظام. من السابق لأوانه
الحديث عن تفكك النظام وانهياره من
الداخل...لكن هذه المؤشرات رفعت منسوب
التوقعات لدى كثيرٍ المراقبين للشأن
السوري، حيث بدأ هؤلاء حديثاً عن “مفاجآت”
محتملة، قد تشمل قطعات عسكرية كاملة (لواء
فما فوق) أو ربما انشقاق شخصيات من
الحلقة الضيقة المحيطة بالرئيس، ولقد
كشف خبر انشقاق فاروق الشرع الذي انتشر
قبل أيام، انتشار النار في الهشيم عن “المزاج”
الذي يعيشه المراقبون، برغم كونه مجرد
شائعة لم تؤكدها أية مصادر موثوقة. ثمة حدود، تطول أو
تقصر، لقدرة أي نظام سياسي على حفظ
وحدته وتماسكه في لحظات عصيبة كتلك
التي يمر بها النظام السوري، ولقد أظهر
النظام السوري تماسكاً استثنائياً حتى
الآن، كان سبباً في بقائه طوال هذه
المدة (هناك أسباب أخرى بالطبع)، وكان
الاعتقاد السائد في أوساط شرائح عديدة
من النظام، بأن “الخيار الأمني/العسكري”
سيعطي أكله، وأن السوريين سيطوون
أزمتهم الحالية كما طووا بالأمس،
أزمات عديدة لم تكن أقل تفاقماً. لكن دوائر النظام
وأوساطه الداخلية، بدأت تدرك (متأخرة
كعادتها) أن الخيار العسكري/الأمني،
الذي جُرّب بقسوة طوال عام ونصف العام،
لم يفض إلى إسكات صوت المعارضة،
السلمية والمسلحة، ولم يحل دون
انتشارها إلى مختلف المناطق السورية،
بل جرف إلى أتون المواجهة بأشكالها
المختلف، شرائح جديدة من المواطنين
والمناطق، وبصورة لم يعد معها أحدٌ
قادرٌ على التنبؤ بما ستأتي به الأيام
القادمة من تطورات. في مثل هذه المناخات
والآفاق المسدودة، ومع تنامي ضغوط
الداخل على أركان النظام للانشقاق
عنه، وتزايد إغراءات الخارج لهم للقفز
من على سطح السفينة الآخذة بالغرق، فإن
من المتوقع أن تتسع ظاهرة التمرد
والانشقاق كبقعة الزيت فوق رداء أبيض...يساعد
على ذلك أن النظام نفسه، لم يعد قادراً
على أن يعد بأي شيء، سوى القتال حتى آخر
سوري لمواجهة ما يسميه “العدوان
الكوني” على سوريا. نحن نعرف أن اتصالات
مباشرة وغير مباشرة، تُجريها أطراف
عربية وإقليمية ودولية مع مسؤولين
وضباط كبار وسفراء لحثهم على
الإنشقاق، وأن ثمة موازنات كبرى قد
رصدت لهذه الغاية، وأن قرارات منح
اللجوء السياسي قد اتخذت بانتظار
تعبئة النماذج الخاصة بها...لكن هذا
وحده لن يكون كافياً لتفسير الظاهرة
حين انتشارها واتساع نطاقها، وهو أمر
بات محتملاً أكثر من أي وقت مضى...التزايد
الواضح في أعداد ومستويات المنشقين،
لا يُفَسّر إلا بفشل الخيار الأمني
وارتفاع كلفته وانسداد آفاقه. ستتحدث الدعاية
الحكومية السورية عن حفنة من “الخونة”
و”العملاء” الذين باعوا ضمائرهم “من
أجل حفنة من الدولارات”...وسيجري تسفيه
دورهم ومكانتهم في مؤسساتهم، تماماً
مثل فعل طلاس الأب (طائعاً أو مكرهاً)
في وصف نجله طلاس الابن، لكن ذلك كله لن
يقلل من أثر الظاهرة، ولا يحد من
تداعيات على تماسك المؤسسة ووحدة
النظام...يبدو أن طاقة النظام على
الوحدة والتماسك، قد بلغت ذروتها...يبدو
أن قبضته المتراخية على أجزاء واسعة من
سوريا، الأرض والشعب” قد بدأت تتراخى
أيضاً في حفظ وحدة مؤسساته الأمنية
والعسكرية والدبلوماسية. وستُشجع ظواهر من هذا
النوع، المعارضة على المضي في مطالبها
الرافضة لأي حوار مع النظام والداعية
لإسقاطه أن تنحيه كشرط مسبق للحوار
والانتقال...وستُضعف فرص الوصول إلى
مخارج سياسية تحت مظلة عنان أو غيره...كما
ستُشجع ظواهر من هذا النوع، داعمي
المعارضة، خصوصاً الأكثر حماساً
للعسكرة و”الحسم” على رفع وتيرة
التسليح والتهريب والتمويل والتدريب،
وسيكون ذلك كله، بمثابة إيذان باتساع
رقعة المواجهات الدامية وإطالة أمد
الحرب الدائرة في سوريا، وربما تكون “نذيراً”
بانهيار الدولة وتفكك مؤسساتها. والخلاصة المفجعة،
أن كل يوم يمضي على الأزمة السورية
المتفجرة، ومع كل موجة تسقط من الضحايا
الأبرياء وغير الأبرياء، نكتشف أن هذه
الأزمة ما زالت في بدايتها، وأن الأسوأ
ما زال أمامنا وبانتظارنا، ولم يعد
وراءنا كما كنّا نأمل ويأمل السوريون. ================= طارق مصاروة الرأي الاردنية 12-7-2012 أن يمتنع كوفي أنان
عن حضور مؤتمر باريس «لأصدقاء سوريا»،
وأن يذهب من طهران إلى بغداد بعد رحلة
عادية غامضة إلى دمشق!!. وأن يحمل كل ثقل
هذه المعجزات الدبلوماسية إلى مجلس
الأمن مع مشروع قرار روسي يدعو لوقف
العنف في سوريا مدة ثلاثة أشهر. فذلك
كله ناتج عن معرفة السياسي الدولي
العتيق بأن القرار الأميركي والأوروبي
مشلول ومعوّق. - نعرف حجم النفوذ
الإيراني في سوريا، وربما نفهم سبب
زيارة أنان لطهران، ولكن ما علاقة
بغداد المالكي بالأوضاع في سوريا،
ومحاولة وقف التذابح فيها، إذا كانت
حكومة المالكي ذاتها غير قادرة على وقف
حمامات الدم اليومية التي تعيشها
بغداد والحلة وكركوك والرمادي وكل مدن
العراق؟!. - ثم هل رتب الأمين
العام السابق أنان قصة العميد طلاس مع
السلطات السورية، أم أن الرجل ما تزال
إقامته لغزا؟!. هل غادر عن طريق تركيا
إلى باريس، وتركيا تنكر ذلك؟ هل مرَّ
من لبنان؟!. هل مرّ من الأردن دون علم
الدولة وأجهزتها؟. أم أن الرجل ما يزال
مكانه في دمشق، وأنه يلمع شعره الأسود
الطويل لرئاسة الوزراء المقبلة أو
وزارة الدفاع.. باعتباره رجل الحل الذي
خرج من عُب النظام، ويحمل لقب المنشق،
السنيّ، الذي قدم أبوه من الرستن معقل
الثورة في شمال سوريا، ونسي مكان
ولادته في موجات عشقه للورد الشامي
وجينا لولو بريجيدا، ومؤلفاته فيها؟!. كانت دمشق دائماً
مسرح الدراما القومية العربية، وكانت
تحمل لقب قلب العروبة النابض. دمشق
الآن كل شيء غير تلك الدراما، وغير ذلك
القلب. فنحن نشهد منذ عام ونصف مسرحية
كوميدية، بدستورها الجديد غير القابل
للنشر، وبانتخاباتها النيابية التي لا
تعلم أجزاء سورية كثيرة عنها شيئا،
ونشهد مسرحية اللامعقول على مداها
الدولي.. في مجلس الأمن الذي لا يتفق
على أن في سوريا ما يستحق الاهتمام،
ومهمة كوفي أنان التائهة بين دمشق
وموسكو وطهران وبغداد.. ومحطتها
النهائية في نيويورك حيث يتقن الكبار
لعبة طبخ الحصى، وتقديمه لمليوني سوري
لاجئين في وطنهم وفي تركيا ولبنان
والأردن وشتات العالم! الذين ينتظرون شيئاً
من اجتماع مجلس الأمن اليوم سينتظرون
طويلاً.. فأميركا وأوروبا غير معنيتين،
وروسيا تتابع أوضاع سوريا من خلال
جمهورية الشاشان والمجاهدين. وتعرف أن
دول الخليج العربي غير قادرة على الضغط
عليها، والمعارضة السورية تجد نفسها
في الحل العسكري الذي لا تملك غيره! ================= حسابات
الربح والخسارة في مؤتمر المعارضة
السورية في القاهرة الطاهر إبراهيم 2012-07-11 القدس العربي كثيرون لم يكونوا
يتوقعون أن يتمخض مؤتمر المعارضة
السورية في القاهرة عن شيء ذي بال،
تماما كما كان الحال في مؤتمرات سابقة.
وبالكاد أعلن في وقت متأخر من ليل
اليوم الثاني للمؤتمر ـ يوم الثلاثاء 3
تموز- عن بيان موجز في نهاية المؤتمر.
البيان بديباجته الإنشائية، لم يخف
خروج المؤتمر خاوي الوفاض من شيء يجمع
عليه المؤتمرون. فلم يكن في الشعب
السوري، ما عدا النظام، من يقبل بأقل
من إسقاط بشار أسد ونظام حكمه ودعم
الجيش الحر، بالتالي فلم يكن السوريون
بحاجة إلى مؤتمر للوصول إلى هكذا نتيجة
على وقع اشتباكات بالأيدي جرت في اليوم
الثاني للمؤتمر. فشل المؤتمر أو عدم
خروجه بنتائج عملية مرضية لا تتحمله
جهة واحدة، بل ساهمت جهات كثيرة عربية
وأجنبية فيما تمخض عنه المؤتمر. بل إن
مراقب سياسي قال: لم يختلف حال
المعارضة السورية بعد المؤتمر عن
حالها قبله. فكما ساهمت فيه فصائل
المعارضة، فإن المجتمع الدولي والنظام
العربي لم يكونا حريصين على نجاح
المؤتمر بقدر الحرص على مجــــرد
انعقــاد المؤتمر، وكفى الله الأمانة
العامة للجامعة العربية نقد الناقدين،
ولتصاغ الأمور في الكواليس ليلقى
بتبعة فشل المؤتمر على فصائل المعارضة. فالأمين العام
للجامعة العربية 'نبيل العربي' ساهم،
بشكل أو بآخر، بخروج المؤتمرين من دون
اتفاق ناجز. فهو حاول أن يضع المؤتمر في
جيبه عندما دعا في الموعد الأول
للمؤتمر شخصيات سورية بعينها للحضور.
لكن المجلس الوطني وهيئة التنسيق رفضا
الحضور لأن دعوات الحضور أرسلت لهما
كأفراد، ما تسبب في تأجيل المؤتمر إلى
موعده الحالي. في بداية المؤتمر
أشاد الأمين العام للجامعة العربية
باللجنة التحضيرية للمؤتمر للجهد الذي
بذلته. الإشادة كانت لصياغتها مشروع
المؤتمر. فصائل المعارضة كانت ممثلة
بمندوبين لها في اللجنة التحضيرية،
وكان من المفترض أن الأمين العام يتابع
أعمال اللجنة التحضيرية من خلال مندوب
ينقل له نقاط الاتفاق والافتراق ويسعى
لتقريب وجهات النظر، ويرفع تقاريره
للأمين العام. وإشادة الأمين العام
باللجنة التحضيرية تعني أنه كان يفعل
ما أشرنا إليه. ومع ذلك نشأ داخل
المؤتمر خلافات، وفي بعض الأحيان
تشابك في الأيدي حول أكثر من فقرة كان
يراد لها أن تكون في البيان الختامي أو
لا تكون. من ناحية ثانية
استبعد معارضون حقيقيون من المؤتمر
الحالي الذي عقد يومي 2و 3 تموز الجاري،
وبدلا من ذلك استضاف المؤتمر مدعوين
ليسوا في العير ولا في النفير. ولتبرير
وجود هؤلاء قال 'بن حلي' الأمين العام
المساعد للجامعة العربية في مؤتمره
الصحفي يوم 5 تموز الجاري: إنه من بين 210
مدعوين كان هناك ما بين 30 و40 من
المستقلين. لكن 'بن حلي' لم يقل لنا:
لماذا خلا المؤتمر من الكتاب
والصحفيين السوريين المعارضين وقد
كانوا الأشد تأثيرا على نظام الحكم
السوري بمقالاتهم وتحقيقاتهم؟ عندما
اتصل بعض كتاب المقالة بمكتب المسؤول
عن متابعة المؤتمر بالجامعة العربية
اعتذر هذا عن عدم استضافة هؤلاء بأن
الأمر عرض على اللجنة التحضيرية
للمؤتمر فقيل: 'خلصت' الدعوات،
والمدعوون حزموا حقائبهم وهم في
طريقهم في المطارات إلى القاهرة.
ولتخفيف وقع الفشل الذي مني به المؤتمر
وما يتبع ذلك من سوء إدارة الجامعة
العربية، قال 'بن حلي': مؤتمر القاهرة
هو خطوة على الطريق تتبعها خطوات. على أن مساهمة
المجتمع الدولي والنظام العربي في
إفشال المؤتمر لا يعفي أهل البيت من
السوريين من مساهمتهم في إفشال
المؤتمر، بعلم منهم أومن دون علم، قبل
المؤتمر وخلاله. الأخوة الأكراد، على
سبيل المثال، في مؤتمرات سابقة، حضرت
أنا بعضها، كانوا في كل مرة يخرجون من
الاجتماع احتجاجا على عدم التنويه بحق
الشعب الكردي بقوميته الكردية في
البيان الختامي. الأمين العام
المساعد للجامعة 'بن حلي' أعلن في
مؤتمره الصحفي أن المؤتمر ضم أطياف
المعارضة كلها. فكيف ساهمت هذه الأطياف
بالفشل، وكيف كان وقــــع هذا
الفشـــل على فصائل تعتبر نفسها أعمدة
للمعارضة مثل المجلس الوطني وهيئة
التنسيق؟ مهما اختلفنا مع
فصائل المعارضة بسبب انشغالها بمكاسب
فصائلية قد تكون على حساب ما يتجرعه
الشعب السوري الذي يذبح و يقتلع من
أرضه بدون أدنى رحمة وشفقة من جيش بلده
الذي كان يفترض أن يكون حصنا للوطن،
نقول مع هذا الاختلاف فإننا نرفض
الإساءة إلى مكونات المعارضة، بل نريد
من الجميع دعم فصائل المعارضة حتى
تستطيع أن تقارع النظام. لكن الحقيقة
التي نتجت عن مؤتمر القاهرة والفشل
المحقق كان أكبر من تمنياتنا، حيث ساهم
كل فصيل بنصيب قل أو كثر من هذا الفشل. في نهاية المؤتمر ظهر
المجلس الوطني وكأنه الخاسر الأكبر في
المؤتمر. فقد حظي في مؤتمر أصدقاء
الشعب السوري في اسطنبول باسم 'الممثل
الشرعي للشعب السوري'. أما في مؤتمر
القاهرة فقد خرج ممثلوه بعد المؤتمر
وهم لا يدرون إن كان المجلس ما يزال
يحمل هذا الصفة أم نزعت منه أوأن
المؤتمر بما حوى من فصائل ومستقلين
شاركهم هذا الشرف؟ غير أننا نحمّل
المجلس الوطني التبعة أكثر من غيره،
لماذا؟ فهو حاول أن ينظر إليه خارج
سورية وداخلها على أنه هو المعارضة،
لكنه لم يقدم ما يؤكد هذا الأمر. 'برهان
غليون' في رئاسته الثانية دعا إلى 'هيكلة'
المجلس الوطني وتوسيعه. وقد شكلت لجنة
من داخل المجلس ومن خارجه وعقدت لقاءات
في جنيف، لكن جهات نافذة في المجلس
الوطني طوت قضية التوسعة، حتى ظهر
المجلس الوطني وكأنه طارد للمعارضين
أكثر منه جاذبا. إذا أردنا أن نوضح
أكثر، فقد فشلت اللجنة التحضيرية
لمؤتمر القاهرة التي التقت على مدى
عشرة أيام أن تحضر جيدا للمؤتمر من
خلال قضيتين: لم تهتم كثيرا في القضايا
التي كانت محور خلاف بين الفصائل فتجعل
الخلاف فيها في حده الأدنى داخل
المؤتمر. كما أن اللجنة التحضيرية فشلت
في دعوة ممثلين ممن هم خارج فصائل
المعارضة، ولو وضحنا أكثر فإن أعضاء في
اللجنة التحضيرية رفضوا دعوة أشخاص
بعينهم مع أن فيهم صحفيين وكتابا
معروفين. البعض يزعم أن هؤلاء الذين
أبعدوا عن المشاركة في مؤتمر القاهرة
وفي غيره من المؤتمرات إنما تم إبعادهم
من قبل جهة نافذة في المجلس الوطني. أما هيئة التنسيق
التي يرأسها حسن عبد العظيم في دمشق،
وينوب عنه هيثم مناع في أوروبا ،
فمعارضتها رمادية اللون. إذ لا تستطيع
أن ترفع راية إسقاط النظام وتأييد
الجيش الحر في مقارعته جيش بشار أسد،
كما يفعل المجلس الوطني. جل ما تستطيعه
أن تدعو إلى قيام حكم ديمقراطي يكون
حزب البعث فصيلا فيه. هذا التوجه أيده
رفض هيئة التنسيق حضور مؤتمر 'أصدقاء
الشعب السوري' الذي انعقد في باريس يوم
الجمعة 6 تموز الجاري، بحسب ما أعلن
هيثم مناع. يبقى أن نؤكد ما
قلناه في أكثر من مقال من أن تمثيل
الثوار في معارضة الخارج السورية وفي
المجلس الوطني على وجه الخصوص، هو
تمثيل هامشي لا يكاد يذكر. ففي لقاء له
مع 'القناة الفرنسية 24' (وكان قد خرج
حديثا من حمص وحضر مؤتمر المعارضة في
القاهرة في 2 و 3 تموز وحضر مؤتمر أصدقاء
الشعب السوري في باريس في 6 تموز الجاري)،
قال 'خالد أبو صلاح' وبالحرف الواحد: (المعارضة
السورية في الخارج تسجل نقطة سوداء،
لأنها لم تجتمع ولم تستطع أن ترتقي إلى
مستوى تضحيات الشعب السوري). ولعل أصدق توصيف لحال
المعارضة السورية في مؤتمر القاهرة -وقبله-
ما كتبته كاتبة لبنانية لامعة في
النهار: 'برز أداء المعارضة ـ السورية-
مترفاً ولا يرقى إلى مستوى عذابات
السوريين في خلاف على ادوار ومصالح وان
كانت الأهداف واحدة'. ================= في دمشق
كما في طرابلس: هيمنة الاسلاميين ليست
قَدَراً الخميس ١٢
يوليو ٢٠١٢ عبدالوهاب
بدرخان الحياة قد تكون «مفاجأة»
تقدّم الليبراليين في الانتخابات
الليبية مؤشراً طيباً الى أن اكتساح
الاسلاميين واجهة «الربيع العربي»
ليست قدراً محتوماً. في سورية كما في
ليبيا غرقت ثورة الشعب في الدم، لكن
النهاية ستكون مشابهة بلا أي شك. فهذا
قدر الأنظمة التي أخلّت ببناء دولة
المؤسسات واحتقرت الشعوب وظنّت أن
ترسانات السلاح يمكن أن تحميها الى
الأبد. وفي سورية يمكن أيضاً القوى غير
الدينية، مع احتساب «الفلول» التي
يعتقدها النظام نصيرة له، أن تحقق
حضوراً بارزاً في صناديق الاقتراع،
وهذا ليس مجرد احتمال بل معطى اجتماعي
بحكم التعدد الطائفي. ولعل تجربة مصر
موحية، فعلى رغم أن التركيبة أقل
تعقيداً مما هي في سورية، إلا أن واجب
احترام حقوق الأقباط وأخذ التعدد
السياسي في الاعتبار يفرضان على
الرئيس «الإخواني» عدم الاعتماد على
اللون الواحد. وحتى تجربة تونس،
بتخفّفها من العبء الطائفي، توجب على
الاسلاميين فتح المشهد السياسي لسدّ
نقص في خبرة الحكم والادارة لديهم. هذا
يعني أن تجارب شعوب «الربيع»، حيثما
اتيح لها، لم تُحسم نهائياً بل لا تزال
تتخلّق. عندما صرخ الشعب هنا
وهناك بأنه «يريد» كان صريحاً بالقول
إنه يريد «دولة مدنية»، في معزل عما
اذا كانت الحشود الثائرة تعرف أو لا
تعرف ما يعنيه ذلك، لكنه كان التعبير
الأقرب الى طموحاتها، بل حتى في معزل
عما أسفرت عنه الانتخابات، فالمصوّتون
اختاروا من توافر أمامهم بعد الخلط
الصاخب للأوراق غداة الثورات
والانتفاضات وأيّدوا من يعتقدون أنه
يقطع مع ما كان سابقاً، لكنهم لم
يتخلّوا عن مطلبهم الأساس: ألا تعود
هيمنة العائلة أو الحزب الواحد أو
العسكر. ولا تختلف آمال السوريين عما
أرادته الشعوب الأخرى، لذلك فإن
استمرار الاميركيين والاوروبيين،
والروس والصينيين، في تخويف بعضهم
بعضاً من سيطرة الأصوليين على سورية «ما
بعد الأسد» - ولا أحد يقول «ما بعد
البعث» - يعادل قبول من لا يريدونه (النظام)
تجنباً لمجيء من لا يرغبون فيهم (الاسلاميين)،
ما يعادل أيضاً ركون القوى الدولية
للأمر الواقع الحالي بترك الطرفين أو
بدفعهما الى اقتتال بلا حسم وانتهاز
هذه المبارزة لجني أكبر المكاسب
الممكنة. لكن الرهانات الدولية تتوزّع
بين نظام أصبح أقرب الى السقوط وتحاول
روسيا وايران استخلاص ضمانات
لمصالحهما عبر التحكّم بما بعده، وبين
معارضة دفعت ثمناً غالياً لزعزعة
النظام وتحتاج الى عون فاعل من «أصدقاء
الشعب» لإنهاء محنته، إلا أن «الاصدقاء»
يعانون من الغموض الاميركي والتخبّط
بين «مبادئ» باراك اوباما ومتطلبات
اعادة انتخابه واحتمالات «صفقة» مع
روسيا من دون أي كلفة اميركية قد تنعكس
سلباً على الوضعية الانتخابية للرئيس. كانت ترجمة هذا
التخبّط واقعياً أن النظام السوري
يحصل على فرصة تلو فرصة، وعلى ترخيص
تلو ترخيص، للاستمرار في القتل
والمجازر. فـ «الصفقة» موجودة ولا قدرة
اميركية على إبرامها، ولا قدرة روسية
على فرضها، ولا حتى هناك ضمان لعدم
عرقلتها ايرانياً من دون ثمن لطهران.
ثم إن العجز الدولي أفسح للنظام المضي
في «اجتهاداته» سواء بمحاولة نقل
أزمته الى لبنان أو بإقحام تركيا في
مواجهة مفتعلة. والأخطر أن اطالة الأمر
الواقع تفتح أنفاقاً تحت الأرض لطرح
مشاريع تفتيت وتقسيم، من قبيل أن «حماية
الطوائف أو القوميات» لن تكون ممكنة
بعد سقوط النظام، إلا اذا تأمنت كيانات
جغرافية خاصة، علويّة أو كردية مثلاً،
استناداً الى ما آلت اليه التجربة في
العراق. ونظراً الى عدم وجود تدخل
عسكري خارجي يعجّل بحسم هذه المشاريع،
فإن شعار «ترك السوريين يقررون مصيرهم»،
كما فعل العراقيون، بات التسمية
الديبلوماسية التي تسمي الشيء وتعني
نقيضه. فـ «المصير» الذي أراده
السوريون، ولم يتح لهم بعد، كان ولا
يزال واضحاً في كل وثائق المعارضة على
رغم اختلافاتها، أي اسقاط النظام
بالحراك السلمي وليس العسكري، لإقامة
الدولة المدنية الديموقراطية
والتعايش بين مكوّنات المجتمع كافة.
أما «المصير» الذي يلتقي عليه النظام،
موضوعياً، مع حلفائه وخصومه الخارجيين
فيترجّح بين خيارين: إما بقاء النظام «مع
اصلاحات» لإجهاض الحراك الشعبي ورفع
الضغوط الغربية وبالتالي العربية، ولا
شيء يضمن مصالح روسيا وإيران إلا ببقاء
النظام «مُستصلحاً». وإما استمرار
الحرب الأهلية حتى انتقال النظام الى
دويلته المتخيّلة، وانطلاق تغيير عميق
وجذري يقطّع خريطة سورية الى مناطق
نفوذ ومحميّات. بين المصير الذي
اختاره الشعب والمصير الذي اختاره
النظام، يبدو الاخير بشقّيه أكثر
اغراءً لمساومات القوى الدولية،
خصوصاً الغربية التي تبقى المصلحة
الاستراتيجية لاسرائيل أولويةً لديها.
فإذا رجح «بقاء النظام» مع اصلاحه (وفقاً
للتفسير الروسي للعملية السياسية التي
يقترحها كوفي انان) تحصل تلك القوى
جميعاً على حصة، فالنظام «يبقى» عندئذ
ضعيفاً ويفقد تحالفه مع ايران زخمه.
أما إذا رجحت مشاريع التفتيت
والتقسيم، فإنها ستربك الجميع، لكنهم
سينطلقون في سباق محموم على المصالح،
إلا أن هذا المسلك ينطوي على مخاطر
امتداد العدوى الى كل الجوار الجغرافي
الأقرب والأبعد. من هنا، على الروس
والايرانيين أن يحددوا بوضوح ما
يعنونه عندما يتحدثون عن ترك السوريين
يختارون «من دون تدخل»! على رغم أن
انفرادهم بالتدخل الى جانب النظام
وبالتأكيد ضد الشعب لا مستقبل له، بل
هو الذي يدفع سورية والمنطقة الى أكثر
السيناريوات سوءاً. في المقابلتين
البكائيتين مع «لوموند» الفرنسية و «الغارديان»
البريطانية لم يكن كوفي انان ينعى
مهمته وإنما كان يبحث عن تمديد لعمرها،
وتكمن المفارقة في أنه يعزو «الفشل»
الذي بلغه الى «أصدقاء الشعب السوري»
الذين لم يتعاونوا معه، اذ يعتقد أن
روسيا ساعدته، وكذلك النظام السوري،
ولم يكن ينقصه لينجح سوى المساعدة
الايرانية. لا يمكن وصف انان بأنه
ساذج، لكنه يتجاهل أنه ذهب أصلاً الى
مهمة منزوعة الفاعلية وأن الذين «ساعدوه»
تحكّموا بخطواته قبل أن يتحرك. ومجرد
أن ينبري بشار الأسد للدفاع عن انان
وعدم السماح بفشله، لا بد من أن يوضح
للمبعوث الدولي - العربي أنه يلعب لعبة
النظام مروّجاً للأوهام. فالكل بلا
استثناء استخدمه ويستخدمه في معزل عما
اذا كانت خطّته «جيدة للغاية»، كما
وصفها الاسد، أو غير قابلة للتطبيق اذا
أدارها الاسد وسيرغي لافروف وقاسم
سليماني. الأرجح أن هذا الثلاثي
سيتكفّل مصادرة «العملية السياسية»،
اذ يعتزم انان الشروع بها، معتمداً
أيضاً ومجدداً على ما فيها من أوهام
وأهمها أن الشعب قدم كل هذه التضحيات
من أجل محاورة النظام على أفضل السبل
لاستبقائه حاكماً وقاتلاً. ================= هل يمكن
تسمية النزاع في سورية بالحرب
الأهلية؟ روجر أوين * الخميس ١٢
يوليو ٢٠١٢ الحياة تعلّمنا تسمية عدد
كبير من الفترات التي شهدت صراعاً
داخلياً في تاريخ البشرية بالحروب
الأهلية. وبرزت محاولات عديدة لتحديد
طبيعتها وفق مشروع لتحديد هويات
الحروب تأسس في جامعة ميتشيغن عام 1963
والذي يشير إلى أنّ الحرب تسمى بالحرب
الأهلية عندما تكون المواجهة قائمة
بين حكومة ما وبين كيان ما ليست له صفة
حكومية بحيث تُشرك الحكومة الآلاف من
جنودها في القتال ويسقط ضحايا في
صفوفهم خلال المعارك. وفي ما يتعلق بما
يجري حالياً في سورية، يبدو أنّ النقاش
الدائر حيال تسمية ما يجري بالحرب
الأهلية أو عدمه هو مسألة سياسية، ولا
يقتصر الموضوع على مجرّد تحديد ويعتمد
بشكل كبير على تأثير مجموعة معيّنة من
الذكريات التاريخية التي تبدو ثقافية
بأغلبيتها. لننظر في السياسة
أولاً. في حال صحّ أن إدارة أوباما
وحلفاءها الأوروبيين يحاولون من خلال
تسمية ما يجري، بالحرب الأهلية كما هي
الحال أو اعتبار أنّ الوضع سيتحوّل إلى
حرب أهلية، إرسال تحذير معيّن إلى
النظام السوري، فلا يُنظر إلى هذه
المسألة بهذه الطريقة في دمشق وربما في
موسكو أيضاً. فالأكيد أن الحروب
الأهلية تفترض وجود طرفين فيها بينما
ينظر إلى الأمر من وجهة نظر نظام الأسد
على أن هناك طرفاً واحداً هو الحكومة
وحدها، بينما الطرف الآخر يتألف بشكل
واسع من «مرتزقة» أو من مقاتلين
مدفوعين من الخارج. وما يثير قلقهم
أكثر هو الإشارات التي تدل إلى وجود
غزو عسكري شبيه بالمهمة التي نفذّها
حلف شمال الأطلسي في إطار تدخّله في
ليبيا والتي أدت إلى إنشاء ملاذات آمنة
تحظى بحماية الطائرات العسكرية
البريطانية والفرنسية بدلاً من حماية
الشعب الأسير من وحشية النظام ونشر
مراقبين دوليين وإرسال الفرق التي
تقدّم مساعدات إنسانية. أما في ما يتعلّق
بالذكريات التاريخية والثقافية،
فتملك شعوب الشرق الأوسط مجموعة كبيرة
تختار بينها، بدءاً ربما من الحروب
الأهلية في اليمن ومن ثمّ لبنان التي
دامت على مدى نحو عقد واستدعت أشكالاً
مختلفة من التدخّل الخارجي إلى أن ساهم
الإرهاق الكبير في وضع حدّ للقتال.
والجدير ذكره أنّ بعض شرائح المجتمع لم
يعتبر الحرب اللبنانية حرباً أهلية بل
مجموعة من التدخلات غير المرغوب فيها
من الخارج بدءاً بالتدخلات الفلسطينية
بقيادة ياسر عرفات. وإذا سئلتُ ما إذا
كان الاسم الذي سيطلق على نضال مماثل
هو أمر مهمّ لأجبتُ بنعم لا سيّما أنّ
إجراء مقارنة مع أحداث مماثلة يقدّم
مجموعة من التفسيرات المهمة حول كيفية
بدء القتال وطبيعته الحالية ووقعه على
الدول المجاورة وكيفية إنهائه. وإذا ما نظرنا إلى
البداية، فإنني اتفق مع الرأي الذي
عبّر عنه ديفيد ليش في كتابه الجديد
بعنوان «سورية» والذي اعتبر أنه عقب
التظاهرات السلمية المرتبطة بالربيع
العربي الذي بدأ في آذار (مارس) 2011،
سجّلت نقطة تحوّل أساسية في آب (أغسطس)
من ذلك العام حين انتقل النظام مما
يسميه السياسة «المعدّلة سياسياً»
والقائمة على إطلاق النار على
المتظاهرين إلى «حرب شاملة». والتذكير
بهذا السجل الزمني يعني الإقرار بأنّه
لم يكن ممكناً تفادي هذه التطورات التي
كانت ردة فعل محتمة. وفيما ازدادت حدة
القتال، بدأت بعض الخصائص التي تميّز
ما يسمّى الحروب الأهلية بالبروز. تمّ
الفوز بأجزاء من الأرض وخسارتها وتم
تقسيم العائلات بين قوات النظام
الموالية والمعارضة فيما عرضت الحكومة
والمعارضة وقائع متعارضة عن الحدث
نفسه. ومن ثمّ بات العامل الطائفي أكثر
بروزاً بحيث راحت تبرز مجموعات صغيرة
من اللاجئين الداخليين الذين فروا من
أماكن شعروا فيها بعدم الأمان إلى
أماكن يقطنها أشخاص بوسعهم توفير
الحماية لهم. والمهم هو ما لم يحصل.
فمن جهة لم يتجه السوريون الذين اضطروا
للهرب إلى الخارج إلى مواجهة بعضهم
بعضاً بنفس الحدة التي نشهدها بين
السوريين في الداخل وباسم الغرائز
والعقائد التي نجدها في ديارهم، وهذه
هي الحال في معظم الحروب الأهلية،
فالسوريون في الخارج بقوا متحدين في
حبهم لبلدهم، وهذا عامل ستكون له أبعاد
مهمة في المستقبل. من جهة أخرى بقيت
المعارضة منقسمة ما أضر بها سياسياً
على صعيد الدعم الخارجي المحتمل لو
تمكنت من تحويل أنشطتها إلى أنشطة
عسكرية من خلال منع النظام من مهاجمة
أو إلغاء هدف واحد. وأخيراً انتهت بعض
الحروب الأهلية الحديثة سريعاً نتيجة
فوز فريق معين كما حصل في إسبانيا في
الحرب العالمية الثانية واليونان
بعدها. إلا أن الحروب الأخرى بما فيها
الحروب التي اندلعت في الشرق الأوسط في
لبنان والسودان واليمن، فقد امتدت
لسنوات فيما حظي الطرفان بالدعم
الكافي من القوى الخارجية للحيلولة
دون هزيمتهما. ويجب أن ننتظر لنرى
ما إذا كان ذلك سيحصل في سورية إلا أن
هذا احتمال قائم. كما يمكن أن يتقلّص
الدعم للنظام إلى حدّ أن يتمّ إجباره
على محاولة بلوغ اتفاق مع خصومه أو
يمكن أن نشهد على حدث خارجي مثل ما حصل
عند اندلاع حرب الشرق الأوسط عام 1967
التي أجبرت القوات المصرية على
الانسحاب من اليمن. ونحن نعلم جيداً أنّه
في ظلّ الأوضاع التي تشبه الحرب
الأهلية، نادراً ما ترسل القوى
الخارجية جنوداً باستثناء قوات حفظ
السلام. فهم يعمدون بشكل عام إلى
الانتقال من محاولة فرض حظر تام على
الأسلحة إلى تسليح جهة وتبرير هذه
الإجراءات بأنها تصب ضمن المصلحة
الوطنية. هذه هي النقطة التي بلغناها
على ما يبدو في سورية. فالسلاح يجرّ
النفوذ. والنفوذ يسمح للقوى الخارجية
القلقة من عواقب القتال المستمر بقول
الكلمة الحاسمة فيما سيحدث في
المستقبل. ================= الخميس ١٢
يوليو ٢٠١٢ حسان حيدر الحياة أياً تكن ذرائع
الموفد الدولي - العربي كوفي أنان
لتبرير زيارته الى طهران وتأكيده أن
لإيران «دوراً إيجابياً» في حل الأزمة
المستفحلة في سورية، فإنها تشكل
خروجاً عن التفويض الممنوح إليه على
أساس الخطة العربية الانتقالية
المرفوعة إلى مجلس الأمن، وتحول جهوده
مجرد تقطيع للوقت بانتظار أن تحسم
التطورات الميدانية والسياسية مسار
وساطته المترنحة ومصير بعثة المراقبين
الدوليين التي لم تعد قائمة عملياً. وقد جاءت محادثات وفد
المجلس الوطني السوري في موسكو امس
لتؤكد أن اجتهادات أنان غير مجدية،
بعدما تبين للمعارضين السوريين عدم
حصول أي تطور ولو بسيط في موقف روسيا
المتمسك ببقاء بشار الأسد، فكيف
يُنتظر من إيران الغارقة حتى أذنيها في
الدفاع عن حاكم دمشق، قولاً وعملاً، أن
تكون «إيجابية» في التعاطي مع أي
اقتراح انتقالي يؤدي إلى تغيير النظام. لقد شكلت سورية
بقيادتها الحالية المنفذ الذي دخلت
منه إيران وتدخلت في الشؤون العربية،
والغطاء السياسي لفرض إرادتها ورجالها
في لبنان والعراق، فهل يعقل أن تتخلى
عن هذه الورقة؟ أما الخطة التدريجية
لوقف إطلاق النار التي اتفق أنان عليها
مع الرئيس السوري فتشكل أيضاً خرقاً
لتفويضه ولخطة النقاط الست التي كان
وضعها بنفسه وصادق عليها مجلس الأمن
والجامعة العربية، والتي تنص على وقف
فوري وشامل لإطلاق النار وخصوصاً من
جانب القوات الحكومية، وسحب الجيش من
المدن والمناطق الآهلة وإطلاق
المعتقلين السياسيين والسماح بكل
أشكال التعبير السلمي. ويصعب التصديق أن
المبعوث المشترك لم يكتشف الخدعة في
اقتراح الأسد وقف إطلاق النار أولاً في
الجبهات الأكثر عنفاً بما يريح قواته
ويسمح لها بالقضاء على بؤر الانتفاضة
الأقل قوة، واحدة تلو الأخرى، لا سيما
انه ينص على فترة ثلاثة اشهر للوصول
إلى وقف شامل للعنف. ومن الواضح أن أنان
الذي اعلن في حديثه إلى صحيفة «لوموند»
فشل خطته يسعى إلى تمديد مهمته بأي شكل
كان ومهما كانت النتائج ضئيلة. ولعله يستغل في سبيل
ذلك العجز الدولي عن التوصل إلى تفاهم
يتيح البدء فعلاً في الحل الانتقالي.
فالخلافات التي تبدت في تفسير «الأرضية
المشتركة» التي خرج بها مؤتمر جنيف
لمجموعة العمل حول سورية أظهرت الحاجة
إلى استمرار جهوده، ولو من دون توقعات،
خلال فترة المراوحة هذه. فالروس
والإيرانيون يعرفون انه ليس ممكناً
قبول المعارضة السورية على اختلاف
توجهاتها بحل يقوم على بقاء الأسد
وحاشيته، والأميركيون والعرب يعرفون
انه ليس ممكناً أن يقبل الأسد بحل يقوم
على تنحيه طالما لا يزال يمتلك القوة
الكافية للدفاع عن نظامه. لكن هذا لا يبرر
الشطط الحاصل في جهود أنان وتوزيعه
شهادات حسن السلوك على إيران وعلى
الرئيس السوري نفسه، كما لا يمنحه الحق
في تبني وجهة نظر احد طرفي النزاع
بعدما كان حمَّله في إيجازه أمام مجلس
الأمن المسؤولية الأكبر عن فشل مساعيه. وحتى لو كان البعض
يعتقد أن فترة اللاحسم ستطول، وقد تمتد
إلى ما بعد الانتخابات الأميركية، ما
يبرر الحاجة إلى وجود وسيط ما،
فالمطلوب من الأمم المتحدة ومن
الجامعة العربية أن تضبطا موفدهما
المشترك بحيث يتوقف عن الإخلال بشروط
تفويضه. ================= الخميس ١٢
يوليو ٢٠١٢ زهير قصبياتي الحياة عند النقطة صِفر
تراوح مكانها خطة المبعوث الدولي-
العربي كوفي أنان لإخراج سورية من
النفق المظلم، بالأحرى اجتراح
المستحيل، كما ثبُت على مدى أشهر. ينتهي المستحيل الى
الصفر، باستثناء دماء 17 ألف سوري
قُتلوا في 16 شهراً، ودمار هائل ونزوح
ولجوء. ورغم كل هذا الثمن، تبدو
المواجهة على طريق ذروة أخرى، صراعاً
بين مستحيلين، تدرّجا من وهم الحسم
العسكري، إلى عبث روسي- غربي متبادل في
الرهان على ليّ الذراع. فلا واشنطن
وحلفاؤها قادرون على منح شرعية دولية
للفصل السابع في النزاع السوري، ولا
موسكو وبكين يمكنهما تمرير أي قرار
جديد في مجلس الأمن يمنح شرعية للرهان
على حوار سياسي مع النظام... تلك على
الأقل رؤية الغرب والمعارضة السورية
في الداخل والخارج. الصِفر الروسي ترجمه
وفد «المجلس الوطني السوري» المعارض
الذي التقى في موسكو وزير الخارجية
سيرغي لافروف، ليخرج بخيبة أمل، لأن لا
شيء تبدّل في نهج الكرملين منذ سنة،
سقط خلالها حوالى عشرة آلاف قتيل في
سورية من الجيش وقوى الأمن و «الجيش
الحر» والمدنيين. والخيبة ذاتها تنقلب
الى طلب المستحيل: التدخل الأجنبي
عسكرياً ليس مرغوباً فيه، ولو كان «الجيش
الحر» قادراً على إسقاط النظام لفعل،
وأما الإصلاح فقطاره فات لدى المعارضة
التي تتخيل «المبادرة» الروسية كأنها
هابطة من كوكب آخر، تتشبث بحوار مستحيل.
حوار كيف يمكن أن يقبل به الحكم مع مَن
يريد دفنه، ولماذا يكافئه الثاني فيما
يسعى الى خنقه وطي حقبته؟ أحبطت فرنسا آمال
روسيا بتمرير نص لمشروع قرار دولي،
يمدّد ظاهراً مهمة المراقبين الذين لم
يعد لهم عمل سوى جمع أرقام الضحايا
والقتلى من كل الأطراف في سورية.
والحال أن توقيت طرح مسودة المشروع
الذي ما زال يستثني خيار العقوبات
لإلزام النظام بالمبادرة إلى تطبيق
خطة «النقاط الست»، إذ يتقاطع مع مساعي
أنان الجوّالة- من دمشق الى طهران
فبغداد- إنما يرمي الى تمديد إمساك
موسكو بورقة الحوار المستحيل، في حين
يمارس المبعوث الدولي- العربي مع
الغرب، لعبة «لا أسمع، لا أرى»، لكنه
خائف دائماً. ترفض واشنطن منح طهران
ورقة دور «سوري» لتفادي مقايضتها في
البرنامج النووي الإيراني... يصمُّ
أنان أذنيه ويذهب الى طهران مستدرّاً
ذاك الدور. بهذا المعنى، يستنتج
بعض المعارضين للنظام في دمشق، أن أنان
الذي يُفترض أن يؤدي مهمته بحِرَفية
المحايد، بات جزءاً من المحور السوري-
الإيراني- الروسي- الصيني. الأهم، يقول هؤلاء،
أن أنان الذي حمل إلى طهران وبغداد «خطة
الأسد» لإنهاء العنف انطلاقاً من بؤره
الكبرى، وبنهج متدرج، بدا كمن يروّج لـ
«قضم الثورة»، هابطاً من كوكب آخر، ما
دام موقف المعارضة كما أعلنته من موسكو
أن «لا حوار قبل رحيل الأسد، ورحيله
قبل المرحلة الانتقالية»... فكيف تقبل
بأولوية وقف النار، بالتالي تمديد عمر
النظام، لتفاوضه لاحقاً على مصيره؟! ما يريده الكرملين،
مِن كوكبه، يعادل القول بواقعية أن
يقبل النظام- أي نظام- التفاوض على
كيفية قتله، ومكان دفنه. تمارس موسكو
شطارة التاجر لدى بيع الأسلحة «الدفاعية»
الى دمشق، وتصرّ في آنٍ على ديبلوماسية
لا تشبه سوى إخراجِ مسرحيٍ فاشل، يطرد
جمهوره سريعاً، ولا يصدق حجم الفراغ من
حوله. ... وكيف يصدق فيما لا
يزال مقتنعاً بأن غالبية الشعب السوري
تدعم النظام، بعد سقوط 17 ألف قتيل؟ بين التاجر «الشاطر»
والمخرِج الفاشل، يصعُب حتى الآن
التكهن بما هو ليس معلناً في شأن حجم
الصفقة التي تريدها موسكو لإنهاء
الحرب «الباردة» الجديدة مع الغرب، في
سورية والمنطقة. ولأن الغرب لن يدفع من
نفوذه ولا من دماء جنوده، يبقى الثابت
الوحيد في نفق المأساة السورية، أن
توقُّعَ موعدٍ لنهاية فصولها مستحيل،
كما هو مصير المبادرات التي لا تشبه في
شيء، ما هو على الأرض، من قتل ودمار في
عاصفة انتحار جماعي. ------------------------ المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |